الثلاثاء، 1 مارس 2016

ما هي الألوان ؟: مصطفى عابدين



عن موقع علومي


نحن ننظر إلى الأشياء التي حولنا و نميز ألوانها المختلفة لكن ما هي هذه الألوان و هل هي موجودة حقاً في الطبيعة أم أنها في دماغنا البشري فقط؟ لماذا نجد أن اللون الأحمر أحمر و الأخضر أخضر و هل تستطيع  بقية الكائنات أن ترى الألوان كما نراها نحن؟ هذه هي الأسئلة التي سأجيب عليها ضمن هذا المقال.
قبل الدخول في موضوع الألوان أود أن أتحدث قليلاً عن الضوء و حاسة البصر. حاسة البصر هي حاسة استشعار الضوء و من دون ضوء لايوجد شيئ لنبصره فنحن عندما نرى جسماً ما نحن عملياً نرى انعكاس الفوتونات الضوئية على سطح هذا الجسم وليس الجسم بحد ذاته. إذاً حاسة البصر هي عبارة عن تحليل عصبي لظاهرة فيزيائية على شكل صورة ذهنية لكن قبل أن نبحر ضمن هذا المحور أود أن أتحدث قليلاً عن الضوء.

لنبدأ أولا بماهية الذرة: bha
الذرة بأبسط أشكالها (الهيدروجين) تتألف من نواة و من الالكترون. النواة تقع في المركز بينما يتواجد الالكترون ضمن مدار حول النواة. لن أدخل في التفاصيل كثيراً إلا أنه يتوجب فهم نقطة هامة و هي أن وجود الالكترون ضمن مدار حول النواة محكوم بكمية محددة من الطاقة. هذه الكمية المحددة هي ما يؤسس لمكانيكية الكم أو الفيزياء الكمية التي يتحدث عنها الجميع….
لكي يستطيع الالكترون الانتقال من مدار إلى مدار أعلى (أبعد من النواة) يتوجب على الالكترون اكتساب طاقة و لكي ينتقل من مدار إلى مدار أسفل أو يقترب من النواة عليه أن يفقد طاقة. طبعاً عملية الكسب أو الخسارة للطاقة محكومة بكميات محددة من الطاقة و ليست عشوائية نسميها Quanta.
يجدر الذكر أن استخدامي لكلمة مدار عند الحديث عن الالكترون ناتج عن عدم وجود توصيف أفضل لمكان تواجد الإلكترون إلا أن التوصيف الصحيح هو أقرب لأن يكون كشكل كرة من الصوف حول النواة و مكان تواجد الالكترون هو عبارة عن احتمالية رياضية ضمن  سطح هذه الطابة الصوفية.
الأن لنتخيل أن نواة الذرة هي عبارة عن نقطة صغيرة جداً بحجم حبة البازلاء مثلاً و أنها متواجدة في منتصف ملعب لكرة القدم فبهذا القياس سنجد أن الالكترون متواجد في مكان ما على مدرجات الملعب.
كما ذكرت سابقاً الانتقال بين المدرجات يكلف الالكترون كمية محددة من الطاقة و لهذا فإن على الالكترون الدفع قبل الانتقال. العملة المتداولة للانتقال بين المدرجات (المدارات) هي الطاقة على شكل الفوتونات. الفوتون هو الجزيئ الناقل للطاقة الكهرومغاطيسية.
soccer_field


لنفترض أن ذرة من الهيدروجين فقدت بعضاً من طاقتها أو أن الالكترونها انخفض عبر المدرجات و دفع ثمن اقترابه من النواة. سيقوم الاكترون كما ذكرت لكم باطلاق الفوتون. الفوتون سينطلق على شكل موجة و يتجه نحو مواد آخرى حيث سيحدث أحد هذه الإحتمالات الثلاثة:
١- الفوتون المنطلق سيصطدم بالإكترون المادة الآخرى و تكون كمية طاقة الفوتون المسافر كافية لانتقال إلكترون المادة الآخرى من مدار إلى آخر. في هذه الحالة يمتص إلكترون المادة الجديدة للفوتون و ينتقل من مدرج إلى أخر… (ارتفاع في درجة الحرارة و امتصاص للضوء). هذا ما يحدث عندما تسخن الأشياء. و هكذا يعمل المايكرويف من خلال اطلاق أمواج ضوئية تتفاعل حصرياً مع ذرات الماء فترفع حرارتها.
٢- الفوتون يصطدم بالالكترون لكن كميته ليست كافية لانتقال الالكترون بين المدارات إلا أنها تنسجم مع موقع الإلكترون الحالي فيمتصه الالكترون لكنه يصدر فوتون آخر بنفس الكمية التي امتصها فيبدو لنا و كأن الضوء انعكس عن المادة. هنا تحدث الرؤية و تحديد اللون الذي سأشرحه بتفصيل أكبر.
٣- الفوتون لا يتفاعل مع الالكترونات المادة لأن الكترونات المادة محفزة لدرجة عالية لا تكفي الفوتون أن يتفاعل معها و عندها نقول أن المادة شفافة. الزجاج عبارة عن ذرات من عدة مواد محفزة لدرجة تحتاج فوتونات ذو طاقة عالية جداً لكي تستطيع التفاعل معها.
في قول آخر: إلكترونات المادة الشفافة موجودة على مدرجات الVIP ضمن الملعب و كمية الطاقة القادمة من فوتونات الهيدروجين ليست كافية لكي تتفاعل معها. في هذه الحالة يبدو لنا أن الضوء مر من خلال المادة و تبدو لنا المادة أنها شفافة. في الواقع هي شفافة لنوع محدد من الطيف الضوئي و ليس لكل أطياف الضوء (أطوال معينة للموجات الضوئية). لي عودة لهذا المحور عند الحديث عن الألوان و الأمواج الضوئية.
 مثلاً الزجاج يعكس الأشعة الفوق البنفسجية لأن فوتونات الفوق بنفسجية لديها كمية كبيرة من الطاقة قادرة على نقل الفوتونات من مدار إلى مدار أعلى. لهذا السبب نجد أن بعض النظارات الشمسية قادرة على عكس الأشعة الفوق البنفسجية أو UV protection.
حسناً، الان وقد أصبح لدينا فكرة عامة عن مصدر الفوتونات علينا التعمق أكثر بما يجري لهذه الفوتونات عند انطلاقها. الفوتونات تنتقل على شكل موجات. في الواقع الفوتون عبارة عن جزيئ و موجة في نفس الوقت و انتقال الفوتونات على شكل موجات هو مايعطينا وهم الألوان في دماغنا. لكن لنعود خطوة إلى الوراء.
الأمواج الضوئية:
Light_dispersion_conceptual_waves
تخيلوا معي أمواج البحر… في بعض الايام يكون البحر هادئ و الأمواج خفيفة تأتي كل فترة و فترة و في أيام آخرى يكون البحر هائج و نجد أن الأمواج أقوى و تأتي إلى الشاطئ ضمن فترات زمنية أقصر. إذاً يوجد لدينا خاصيتين تتعلق بالموجة و هي قوتها (ارتفاعها و كمية الماء التي تحملها) و الآخرى هي المسافة بين الأمواج أو طول الموجة.
الضوء ينتقل تماماً كما تنتقل أمواج البحر و عين الإنسان لا تستطيع رصد إلا جزء صغير جداً من أنواع هذه الأمواج الضوئية.
الضوء أو القوة الكهرومغاطيسية تأتي ضمن طيف واسع جداً وعلى فرض أن طول الموجة يبدأ من قيمة ١ نانومتر فإنها تنتهي عند قيمة ١ مليار نانومتر في حين أن عين الإنسان قادرة على  رصد قيمة بين ٤٠٠ إلى ٧٠٠ نانومتر فقط من أصل ال١ مليار أي اقل من ١ على مليون من مجمل الطيف الضوئي أو الكهرومغناطيسي.
أود العودة إلى المثال الذي ذكرته سابقاً عن الذرة و كيف أن النواة عبارة عن حبة بازلاء في وسط ملعب كرة قدم و أن الإلكترون عبارة عن جزيئ على المدرجات.
بناء على نوع الذرة (المادة) سيكون رقم المدرجات التي تتواجد فيها الإلكترونات. عند وصول الطيف الضوئي لكي ينعكس على المادة يحدث شيئ مثير للاهتمام. الالكترونات كما ذكرت سابقاً عندما تكون قيمة الطاقة القادمة غير كافية لنقل الالكترون للمدرجات الأعلى (ابعد عن النواة) فإن الالكترون يمتص هذه الطاقة و يطلق فوتون بنفس مقدار الطاقة التي امتصها. كل مادة لديها توقيع ضوئي إن صح التعبير حيث أنها تمتص جميع الفوتونات و تحولها إلى إلى حرارة لكنها تعكس موجات فوتونية ذو قيمة محددة تتلائم مع موقع الكتروناتها.
Visible-spectrum-600x286
الألوان عبارة عن انعكاس هذه الأمواج الضوئية على المواد التي حولنا. مثلاً عندما ننظر إلى سيارة زرقاء فنحن ننظر إلى جسم مطلي بمادة تمتص كل الموجات الضوئية عدى موجات ذات طول ٤٧٥ نانومتر تقريباً أو ما نترجمه في دماغنا على شكل اللون الأزرق. عند النظر إلى أوراق الأشجار فنحن ننظر إلى مواد عضوئية لديها الكترونات تمتص كل الفوتونات الضوئية و تعكس فقط الفوتونات ذات طول ٥١٠ نانومتر أو ما نسميه اللون الأخضر.
عندما ننظر إلى مادة لونها أصفر فهي مادة ذات الكترونات تمتص كل الموجات الضوئية عدى الموجات ذات طول ٥٧٠ نانومتر تقريباً و التي نترجمها على شكل لون أصفر و عندما ننظر إلى مادة شفافة فنحن ننظر إلى مادة فيها الكترونات محفزة لدرجة  أنها تحتاج موجات ضوئية أعلى من الموجات المرئية بالنسبة لنا لكي تمتصها الالكترونات فتبدو لنا و كأنها شفافة. عندما ننظر إلى مواد ذات عدة ألوان فهي عبارة عن ذرات متنوعة لكل منها خصائص مختلفة تعكس الموجات الضوئية بالترددات التي نستطيع رصدها.
الضوء الذي لا نستطيع أن نراه هو موجات ضوئية أقصر من ٤٠٠ نانومتر أو ما نسميها فوق البنفسجية ultraviolet أو  موجات ضوئية أطول من ٧٠٠ نانومتر أو ما نسميها تحت الحمراء Infared  و نستطيع رصدها من خلال وسائل تقنية غير العين البشرية. كأننا نجلس على شاطئ البحر فلا نشعر إلا بأنواع محددة من الأمواج.
الواقع المرئي الذي نراه من حولنا ليس إلا انعكاسات ضوئية ذو ترددات محددة ضمن الطيف الضوئي. نحن نرى هذا الطيف الضوئي المتمثل بالألوان السبعة لاننا تطورنا في بيئة تعكس هذا الموجات الضوئية و كان ضرورياً لبقائنا أن نرصد هذه الموجات تحديداً. نحن كائنات ذو حجم متوسط أي أننا أكبر بكثير من المستوى الذري و أصغر بكثير من المستوى الكوني و بالتالي نحتاج أن نرصد هذا الجزء المتواضع من الطيف الضوئي لكي نستطيع البقاء على قيد الحياة لكن الواقع الفيزيائي المتواجد حولنا أغنى بكثير مما نستطيع أن نستشعره من خلال وسائلنا الطبيعية. 
eye
يوجد في عين الإنسان خلايا مستقبلة للضوء و تستطيع رصد ٣ أنواع من الأمواج الضوئية (أحمر و أزرق و أخضر). هذه الخلايا العصبية تقوم بتحليل
الفوتونات إلى اشارات عصبية تنتقل إلى الدماغ ليتم ترجمتها على شكل صورة ذهنية. الألوان التي تستطيع هذه الخلايا رصدها هي ما يحدد الطيف الضوئية الواقع بين ٤٠٠ و ٧٠٠ نانومتر أو أزرق إلى الأحمر.

أذكر لكم بعض الكائنات الأخرى و كيف تختلف حاسة البصر بالمقارنة مع الإنسان:
العناكب: تستطيع رصد الفوق بنفسجية و الأخضر
الحشرات مثل النحل: تستطيع رصد فوق البنفسجية و الأزرق و الاصفر و لهذا نجد أن بعض الأزهار لديها اشكال تستقطب النحل لكنها غير مرئية بالنسبة لنا إذ أنها تعكس الألوان الفوق بنفسيجة فقط.
الأخطبوط: الأزرق فقط
الزواحف مثل الافعى مثلاً: تستطيع رصد الأشعة تحت الحمراء و بعض الألوان الآخرى
الطيور: تستطيع رصد بين ٥ إلى ٧ ألوان (افضل من قدرة الإنسان)
القطط و الكلاب: لونين فقط (أقل من قدرة الإنسان)
السناجب: تستطيع رصد اللون الأزرق و الأصفر
الرئيسيات مثل الشيمبانزي: تستطيع الرؤية مثل الإنسان
القرود الإفريقية: تستطيع الرؤية مثل الإنسان
القرود الإفريقية ـ جنوب افريقيا: مثل الإنسان لكنها لا تستطيع رصد اللون الأحمر.
70e0806bfd3a4cad1e7cca9ce053e56b
إذاً موضوع الألوان ليس إلا وهم دماغي و ترجمة لأطوال الأمواج الضوئية داخل الدماغ.  لهذا يظن بعض علماء الأحياء أن الوطواط على سبيل المثال يستطيع السماع بالألوان أيضاً إذ أن حاسة السمع لديه قوية لدرجة كبيرة بحيث أن دماغة قد يكون قادر على رسم صور ذهنية للموجات الصوتية بشكل شبيه لكيفية رسم الصور الذهنية لدى الكائنات التي تستخدم اشارات ضوئية.
الموضوع شيق و ممكن التعمق فيه أكثر لكن سأكتفي بهذا الحد ضمن هذا المقال.
الكون من حولك لا لون له…. أنت من يلوّن الكون…
شكراً على القراءة.
مراجع: 
https://askabiologist.asu.edu/colors-animals-see
http://missionscience.nasa.gov/ems/09_visiblelight.html
http://www.physicsclassroom.com/class/light/Lesson-2/The-Electromagnetic-and-Visible-Spectra
http://www.explainthatstuff.com/glass.html
http://csep10.phys.utk.edu/astr162/lect/light/spectrum.html
http://www.worldsciencefestival.com/programs/what_is_color/
http://science-edu.larc.nasa.gov/EDDOCS/Wavelengths_for_Colors.html#invisible
ملفات فيديو: 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق