الأربعاء، 6 يناير 2016

أسس ومفاهيم نظرية بياجي

أسس ومفاهيم نظرية بياجي

عبد العزيز موحسين . موقع فلسفة و تربية





  ولد جون بياجيه في نيوشاتل بسويسرافي التاسع من أغسطس 1896 م، وكان نبيهاً منذ الصغر، وظهرت عبقريته مبكراً، وأظهر اهتماما كبيراً بعلم الأحياءوقد عين وهو في السادسة عشر من عمره مديراً لمتحف التاريخ الطبيعي في جنيف.ثم درس التاريخ الطبيعي في جامعة نيوشاتلونشر في عام 1916 م بحثه الأول، ثم نال درجة الدكتوراة في التاريخ الطبيعي وهو في الحادية والعشرين من عمرهثم حول اهتمامه وطاقته إلى دراسة تطور الفكر عند الأطفال ونموهوقرأ في فلسفة المعرفة بتوسع وبدأ يفكر باهتمام شديد في عالم المعرفة، وخاصة فيما يتعلق بكيفية اكتساب المعرفة والتعلم عند البشرواعتقد أن النمو المعرفي يرتكز على الجوانب البيولوجية والسلوكية ولهذا تحول إلى مجال علم النفس وعمل بياجي بعد تخرجه في معهد بينيه Binet لاختبارات الذكاء في باريس لعدة سنوات، حيث خبر الأطفال وقدراتهم الذكائية المختلفة وتمرس في تطوير اختباراته كما لاحظ الفروق الفردية في إجابات الأطفال على أسئلة القدرات الذكائية نتيجة تنوع مراحلهم العمريةوفي هذه الفترة بدأت أفكار بياجيه الواسعة الانتشار هذه الأيام تبلور أطرها النظريةبعد ذلك انتقل بياجيه من معمل بينيه إلى معمل جان روسو في جنيف بسويسرا حيث تمكن من متابعة أبحاثه العيادية مع الأطفال في مجال الذكاء والقدرات الادراكية ومن تطوير نظريته في علم النفس المعرفي إلى حدودها والجدير بالذكر أن نظرية بياجيه قد تمت بدرجة رئيسية بناء على نتائج الملاحظات والدراسات الامبريقية التي قام بها بياجيه مع زوجته وأطفالهما الثلاث.أيضاً اعتمد في دراساته على الطريقة العيادية أوالاكلينيكية وقد توفي بياجيه في اواخرسبتمبر 1980 م، بعد أن ساهم بدراساته الواسعة والأصيلة، وترك مجموعة من المؤلفات والكتب والمقالات عن النمو المعرفي عند الأطفال.
الأساس الفلسفي لنظرية بياجيه:
لكي نستطيع فهم نظرية بياجيه يجب أن نضعها في إطارها الفلسفي، هذا الإطار الذي يختلف عن الإطار الفلسفي لعلماء النفس الأمريكيين فقد تأثر هؤلاء العلماء بأفكارلوك وهيوم-. ولقد توصل لوك وهيوم في بحثهما عن طريقة اكتساب المعرفة أن الإنسان يكتسب معرفته عن العالم ليس بالوحي، أو من المنطق وإنما من الانطباعات التي تأتي إليه من حواسه، وأن عقل الإنسان عبارة عن صفحة بيضاء تحفر عليها حواسه المعلومات التي يكتسبها عن هذا العالم وتتم هذه العملية عن طريق الارتباطات بين مثيرات أو إحساسات.
أما جان بياجيه فقد تأثر بكتابات الفيلسوف الألمانيإيمانيول كانت– الذي كان يرى أفكار لوك وهيوم غير كاملة فهو يرى أن الإنسان لايمكن أن يكتسب المعرفة دون استخدام حواسه ولكن لايمكن أن تكون هي الوحدة المسئولة عن تنسيق المعلومات داخل العقل بل أن الإنسان لديه قدرات معينة تعطي معنى ونظاماً لما يستقبله من مثيراتفالعقل البشري لا يقبل مجرد تسجيل معلومات بعيدة عن الترابط مثلما يمكن أن يحدث على صفحة بيضاء سالبة بل يصر على إعطاء العالم المحيط به صورة من الترابط أو أن لديه القدرة على القيام بذلك وعندما بدأ بياجيه دراساته الاستطلاعية كانت تلك هي فلسفته الأساسية، فلقد نظر إلى العالم من منظوركانط– فيرى أن عقل الإنسان لايمكن أن يكون مجرد صفحة بيضاء، وإنما قدرة نشطة يخضع ما تستقبله إلى التنظيم وأن هناك قدرات فطرية تتمثل في الأفكار الأساسية العامة التي لانتعلمها وهذه الأفكار تختص بالمكان والزمان والسببية وديمومة الأشياء وما إلى ذلكواهتم بدراسة أصول هذه الأفكار الذي أدرجت تحت اسم علم المعرفة التكويني.
الأساس البيولوجي عند بياجيه:

أن الأسئلة التي تخطر ببال الإنسان عندما يحاول دراسة أشياء جديدة عليه تتلون بالاتجاهات والمعلومات التي تكون الخلفية الثقافية عندهولأن دراسة بياجيه السابقة كانت في العلوم الطبيعية فإنه عندما بدأ دراسة الأطفال تواردت في ذهنه الأسئلة التي كانت تخطر على باله في دراسة الأحياءومن ثم بدأ بياجيه بالسؤالين التاليين عند بحثه في النمو الإنساني، فكان السؤال الأول مختص بالتكيف وميكانزماتهوالسؤال الثاني محاولة للتوصل إلى طريقة لتصنيف أو تنظيم مراحل التكيف المتطورة عند الأطفال، أي أنه قام بتطبيق النشؤ الإرتقائي للأنواع على التطور أو النمو عند الفرد وأن التغير الذي يحدث للعقل البشري يمكن أن يقارن بما يحدث من تغير للبيضة التي تتحول إلى يرقه، ثم إلى فراشه وكل مرحلة تختلف عن سابقتها ليس في الدرجة وإنما نوعياً أيضاً.
طريقة بياجيه في البحث:
من الأهمية بمكان أن نعرف شيئاً عن الطريقة التي اتبعها بياجيه في دراسته لمثل هذا الموضوع المعقد عن تطور التفكير البشري أو تطور النمو المعرفي لدى الإنسان، وفي الحقيقة فقد اتبع بياجيه طريقة بسيطة جداً إذا ما قورنت بصعوبة الموضوع. فقد بنى بحثه على الملاحظة الدقيقة والمفصلة للأطفال في مواقع طبيعية مثل البيت والمدرسة وهو ما يسمى في طريقة البحث العلمية الملاحظة الطبيعية المتكررة ومن ثم فإننا حين نحاول استخدام نتائجه أو طريقته في التقييم يجب أن نتبع نفس الأسلوبومما هو جدير بالذكر أن الطريقة التي استخدمها بياجيه تشابه إلى حد كبير الطريقة التي استخدمها سيجموند فرويد وهي الطريقة  وقد قام بياجيه بتكرار ملاحظاته وتجاربه ومقابلاته ومع كل تجربة جديدة يعيد النظر ويكرر ما قام به في التجربة السابقة، وقد يستخدم وسائل جديدة ومن ثم فقد أخذت منه وقتاً طويلاً ليصل إلى ما توصل إليه.المسلمات التي تقوم عليها نظرية بياجيه في التعلم:
1)      القدرة على القيام بعمليات تحويل المعلومات التي ‘تستقبل من البيئة وتتغيير هذه العمليات بتغير السن، و‘يطلق عليها بياجيه مصطلح البنى أو الخطط العقلية لمعالجة المعلومات، وهذا هو تعريف الذكاء عند بياجيه.
2)      يحدث التطور أو النمو المعرفي من خلال الانتقال من مرحلة العمليات إلى مرحلة جديدة.
    3)     التطور هو علاقة بين الخبرة والنضج
المصطلحات الرئيسية في نظرية بياجيه:

قبل تعريف هذه المصطلحات يجب أن نتذكر أن بياجيه بدأ حياته العلمية عالما بيولوجياً ثم تحول إلى دراسة الظواهر النفسية، ونقل معه بالتالي نفس المفاهيم البيولوجية.

الذكاء  :Intelligence

عرف بياجيه الذكاء كما تحدده عدد الفقرات التي يجاب عنها إجابات صحيحة فيما يسمى اختبارات الذكاء ويرى بياجيه أن الذكاء يسمح للكائن الحي أن يتصل إيجابيا ببيئته حيث أن كلا من البيئة والكائن الحي في تغير مستمر والتفاعل بين الاثنين يجب أن يتغير هو الأخر تغير مستمرا.أن النشاط العقلي يميل دائماً لخلق الظروف المثالية لبقاء الكائن الحي في حالة اتزان تحت الظروف القائمة، وأن الذكاء بوصفه نشاطا عقليا يتغير عندما ينضج الكائن الحي وعندما يكتسب خبرات جديدة في حياته.وبعبارة أحرى يرى بياجيه أن الذكاء هوعملية تكيف“.
  الاستراتيجيات :Strategiecs
عرف بياجيه الاستراتيجياتبأنها القدرة الكامنة لدى الفرد وهي الطريقة التي يستطيع الطفل من خلالها أن يتعامل مع المتغيرات البيئية خلال مراحل نموه من أجل حدوث تفاعلات جديدة بينه وبين، البيئة، وتتغير هذه الإستراتيجيات تبعاً لنضج الطفل وما يكتسبه من الخبرات.
 وتعتبر الإستراتيجيات في غاية الأهمية في نظرية بياجيه حيث يمكن اعتبارها عنصراً هاماً في البناء المعرفي للكائن الحي وتحدد الإستراتيجيات المتوفرة للكائن الحي كيفية استجابته للبيئةالطبيعية، والإستراتيجيات يمكن أن تعبر عن نفسها في السلوك الظاهر وذلك كما في حالة انعكاس مسك الأشياء ويمكن أن تبقى كامنة وبذلك تعادل التفكير.
 الثوابت الوظيفية  :Functional Invariants
يسمي بياجيه هذه الخصائص الثابتة بالثوابت الوظيفية ويقصد بهاالطريقة أو طريقة التعامل مع البيئة هذه الطريقة واحدة وثابتة سواء في مستوى التكيف البيولوجي أو مستوى التكيف العقليوتتمثل هذه الثوابت الوظيفية في ناحيتين رئسيتين هما، التنظيم، والتكيف، ويتضمن التكيف عمليتين هما التمثيل أوالاستيعاب والمواءمة أو الملاءمة.
التكيف  :Adaptation
يعتبر التكيف هو الثابت الأول من الثوابت الوظيفية التي أشار إليها بياجيه ويتضمن التكيف عمليتين هما التمثيل والمواءمة.
أالتمثيل  :Assimilation
يقول بياجيهالذكاء هو تمثيل بالدرجة التي يستوعب فيها كل بيانات الخبرة المعنية في إطاره الخاص ومعنى هذا أن العقل يتمثل أو يستوعب الخبرات الجديدة عن طريق التغيير فيها بحيث تلائم البيئة التي تم تكوينهاوتسمى عملية الاستجابة للبيئة طبقا للبناء المعرفي للفرد عملية تمثيل أو استيعاب، وكمثالعندما يكتسب الطفل إستراتيجية الرضاعة والرؤيا ومسك الأشياءتكون بنيته المعرفية ممثلة في هذه الإستراتيجيات ومع تغير البنى المعرفية فإنه يمكن للطفل أن يتمثل المظاهر المختلفة للبيئة الطبيعية وهكذا يمكن النظر إلى التمثيل على أنه عملية معرفية لوضع أحداث أو مثيرات جديدة في مخططات موجودة فعلاً.
ولا يؤدي التمثيل نظرياً إلى ارتقاءتغير– المخططات، ولكنه يؤثر فيها، ويمكن للفرد أن يشبه المخطط بالبالون، والتمثيل بعملية إضافة هواء أكثر إلى البالون، فالبالون يكبر– نمو التمثيل– لكنه لا يغير شكله – الارتقاء ، فالتمثيل جزء من عملية يتكيف بها الفرد معرفياً، وينظم بها بيئته، إن عملية التمثيل تسمح بنمو المخططات وهذا لايعني تغير أو ارتقاء المخططات.الواضح أنه إذا كان التمثيل العملية المعرفية الوحيدة فلن يكون هناك نمو عقلي أو معرفي، حيث أن الطفل سوف يعتمد في تمثيل خبراته على الإطار المحدد لما هو ماثل في بيئته المعرفية ولذا نلجأ إلى العملية الثانية وهي:
بالمواءمة  :Accomodation
كما سبق وأن ذكرت فإن عملية التمثيل تقتصر على استيعاب الخبرات التي مرت من قبل بالفرد، أي أنها تحدث كلما استجاب الفرد في موقف جديد كما فعل في مواقف مشابهة في الماضي.ولكن هناك خبرات جديدة لم يمر الفرد بتمثيل لها من قبل ومن ثم فإن الأبنية العقلية الحالية لابد أن تغير من نفسها لكي يمكن تقبل هذه الخبرات الجديدة.
وهذه العملية هي عملية المواءمة أو الملاءمةملاءمة أو مواءمة الأبنية العقلية للخبرات الجديدة، وإذا كانت عملية التمثيل وظيفتها المحافظة على الوضع الراهن للبنية العقلية عن طريقتفسير المواقف الجديدة غير المألوفة في ضوء المعارف القديمة، فإن عملية المواءمة تعني تعديلا في بنية العقل ومعارفه عن العالم حيث يمكنه أن يستوعب الخبرات الجديدة ويقول بياجيه في ذلك:ليس ثمة شك في أن الحياة العقلية عملية مواءمة أو ملاءمة مع البيئة، فالتمثيل لايمكن أن يكون نقيا، لأن الذكاء عن طريق استيعاب عناصر جديدة في الصورة العامة السابقة يعدل من هذه الصور لكي تكيف نفسها مع العناصر الجديدة وبمعنى آخر فالمواءمة هي عملية خلق المخططات الجديدة، أو تحوير المخططات القديمة، وينجم عن كلا العمليتين تغير وارتقاء في البنى المعرفية أوالمخططات.
وتعبر المواءمة عن الارتقاء(تغير نوعي)، ويعبر التمثيل عن نمو ( تغيركمي)، وكلاهما يعبر عن تكيف فكري، وعن ارتقاء البنى الفكرية.هاتان العمليتان معا التمثيل– والمواءمة تحدثان تكيف العقل مع البنية في الوقت المعين أثناء عملية النمو، وبواستطها يتم تعديل البنية العقلية بشكل مستمر لتصبح أكثر فأكثر تعقيدا، وهو ما يشكل جوهر النمو العقلي أو المعرفي عند الإنسان.
والخلاصةأن التكيف كأحد الثوابت الوظيفية يقصد به طريقة للتفاعل مع العالم الخارجي، والتي تظل تحدث بنفس الصورة طوال مراحل النمو العقلي والمعرفي للفرد، فالتكيف الذي يتم في السنة  الأولى من حياة الفرد يحدث بنفس الطريقة التي يتم بها التكيف مع العام الخامس عشر مثلا، أنه يحدث بواسطة عمليتين متلازمتين هماالتمثيل – والمواءمةوهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الأبنية العقلية والتراكيب العقلية لدى الطفل والمراهق واحدة فهي مختلفة ولكنها تؤدي وظائفها في التفاعل مع العالم وتحقيق التوازن بطريقة واحدةوبمعنى آخر الأبنية والتراكيب العقلية والمعرفية مختلفة ولكن الوظائف العقلية أو المعرفية ثابتة.
التنظيم : Organization:

الثابت الوظيفي الثاني الملازم لعملية التكيف والذي يظل موجودا خلال جميع مراحل النمو العقلي هو ما يسميه بياجيه بالتنظيم ويعرفه بأنه الأبنية والتراكيب العقلية، وإن كانت تختلف منمرحلة لأخرى، فإنها تظل دائما أبنية منظمة فالتنظيم أذن هو ميل مشترك في كل أشكال الحياة لأن تتكامل الأبنية، الفيزيقية، والنفسية، مع بعضها مكونة نظما أو أبنية ذات مستوى أعلى.والتنظيم لا ينفصل عن التكيف فهما عمليتين متكاملتانفالتكيف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق