ـ هادي معزوز عن أنفاس نت
بمجرد أن أكد العالم الإغريقي الشهير أرسطارك دو ساموس مركزية الشمس بدل الأرض إبان القرن الثالث قبل الميلاد، حتى اتهم الرجل بالهذيان وبالتفوه بأشياء لا يقبلها العقل أبدا، عندها وضع أصابعه على فمه واختفى دون سابق إنذار، حيث بقي التقويم البطليمي هو المنتصر إلى أن جاء عالم فارسي اسمه عمر الخيام، معيدا النظر في ما جاء به بطليموس، مشككا في عديد الأمور خاصة شكل الكرة الأرضية وحساب التقويم السنوي مما جعله من بين مهندسي السنة الكبيسة، إضافة إلى إعادة التقويم الغريغوري، ناهيك عن حساب التقويم الفارسي في عهد الملك ملكشاه خلال القرن الحادي عشر، بعد كل ما أوجده الرجل انتهت حياته باتهامه بالإلحاد فاختفى موروثه العلمي، ومعه لم نتمكن من تأسيس مدرسة قائمة بذاتها في الفلك والتي كان يحلم بها عمر الخيام طيلة حياته.
في أوربا وتحديدا سنة 1543 سطع نجم عالم بولوني كبير اسمه كوبرنيك عندما تجرأ مرة أخرى على تعاليم الكنيسة بخصوص نظامنا الشمسي، مؤكدا على غرار من سبقوه ان النظام البطليمي خاطئ تماما بإقراره أن الأرض هي المركز بدل الشمس، معتبرا أن كل الكواكب بمن فيها الأرض تدور حول الشمس في مسار ثابت، وهو ما أعاد الصراع العلمي مرة أخرى بين الهليوسونطغيزم l’héliocentrisme من جهة، والجيوسونطغيزم le géocentrisme من جهة ثانية، لكن في النهاية تفوق السيف على القلم فبات النظام الكوبرنيكي محصورة نقاشاته بين العلماء فقط، والحال أن جيوردانو برونو بمجرد ما فكر في إحياء منطق كوبرنيك حتى تم حرقه حيا كي يكون عبرة لكل من يؤكد عكس ذلك، ثم استمر مسلسل التنكيل بالعلماء سواء في بعديه المعنوي أو المادي من قبيل ما حصل لغاليلي وتيكو براهي وكبلر ثم أبو بكر بن يوسف في الأندلس...
في أوربا وتحديدا سنة 1543 سطع نجم عالم بولوني كبير اسمه كوبرنيك عندما تجرأ مرة أخرى على تعاليم الكنيسة بخصوص نظامنا الشمسي، مؤكدا على غرار من سبقوه ان النظام البطليمي خاطئ تماما بإقراره أن الأرض هي المركز بدل الشمس، معتبرا أن كل الكواكب بمن فيها الأرض تدور حول الشمس في مسار ثابت، وهو ما أعاد الصراع العلمي مرة أخرى بين الهليوسونطغيزم l’héliocentrisme من جهة، والجيوسونطغيزم le géocentrisme من جهة ثانية، لكن في النهاية تفوق السيف على القلم فبات النظام الكوبرنيكي محصورة نقاشاته بين العلماء فقط، والحال أن جيوردانو برونو بمجرد ما فكر في إحياء منطق كوبرنيك حتى تم حرقه حيا كي يكون عبرة لكل من يؤكد عكس ذلك، ثم استمر مسلسل التنكيل بالعلماء سواء في بعديه المعنوي أو المادي من قبيل ما حصل لغاليلي وتيكو براهي وكبلر ثم أبو بكر بن يوسف في الأندلس...
بعيدا عن الفيزياء وتحديدا في الرياضيات خلال الحقبة الإغريقية، قام الفيتاغوريون برمي أحد أعضاء مدرستهم الرياضية حيا في النهر، عندما أفشى سرا رياضيا خطيرا مفاده أن المتناهي يمكن أن يحتوي عل اللامتناهي، وهكذا لم يسلم العلماء على مر العصور من القتل والتهديد والسجن والتنكيل...
لماذا يا ترى عاش العلم كل هاته المحن؟ إن باسم السلطة الدينية أو السياسية أو بسبب قوة وسطوة الحس المشترك، هل لأنه يهدد وجود هاته السلط، أم لأنه يكشف زيفها وقصورها واستغلالها جهل السواد الأعظم من الناس تحقيقا لمآربها الخاصة؟ عل العموم بقدر ما تمكنت بعض الأمم من تقديس العلم واعتباره مفتاح تقدمها، بقدر ما زال يعاني الأمرين في البلدان المتخلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبقدر ما عمل العلماء على مر العصور على إعادة بناء العالم، بقدر ما تطورت علوم لصالح أخرى، وانهارت معارف مانحة الوجود لمعارف أخرى، وعليه فإن لذلك عديد الأسباب والعلل سنحاول الوقوف عندها في هذا المعرض.
عندما نعود إلى سِفر التكوين نجد أن له قولا في سؤال وجود وبداية العالم ، هذا القول يرجع وجود عالمنا إلى قدرة إلهية خارقة، من خلالها أوجد الله السماء والأرض والبحار والجبال فالحيوانات ثم الإنسان... وهو الأمر الذي سار عليه الفلاسفة الإغريق خاصة أرسطو من خلال المحرك الذي لا يتحرك، ثم أفلوطين فالفارابي، في معرض آخر تسير باقي الكتب السمائية على نفس المنوال عندما تؤكد هي الأخرى وعلى غرار فلاسفة الإغريق هذا الأمر، لكن وبتطور العلم سقط الدين في مشكل القابلية للتفنيد، لسبب بسيط هو أن كل فهم ديني للقضايا العلمية من شأنه أن يسقط الاعتقاد الديني في شباك تضارب الأفكار، الدين أحكامه مطلقة والعلم يتأسس على النتائج غير الثابتة أي خاضع دوما لمنطق نفي النفي، لهذا توجس الدين دوما من العلم، عندما قرر هذا الأخير إعادة النظر في بداية العالم متوسلا بمنهج تجريبي صرف.
الخوف من العلم أيضا يمكن أن تبينه لنا أهم تحولات الفلسفة، هاته الأخيرة ظهرت بسبب مشكل إبستيمولوجي محض سبَّبته المدرسة الفيتاغورية عندما أرادت أن تبرهن على وجود اللانهائي في النهائي، لقد كان لزواج الفلسفة بالرياضيات كبير أثر على الأولى عند سقوطها في المطلق اعتقادا منها أن كل مطلقٍ حقيقيٌّ على غرار النتائج الرياضية، لكن مع الثورة الكوبرنيكية استطاع ديكارت أن يشك في كل البديهيات بما فيها الرياضية والدينية، محولا كل مطلق إلى شيء قابل للتمحيص والفحص، هذا وقد عرف العلم رجته الكبرى خلال القرن العشرين عندما تمكن علماء الفيزياء من صنع القنبلة الذرية معيدا سؤال الخوف من العلم إلى الدرجة الصفر بلبوس إنساني أخلاقي بطبيعة الحال.
إن أبرز نتيجة توجب الخوض فيها، هي أن العلم وعلى غرار المعارف المهددة للمطلق الذي وضعه الإنسان سعيا إلى الطمأنينة ما يفتأ يتحول من حل لمعضلات العالم إلى إحساس بالخوف، هذا الخوف يكبح فينا كل محاولة إبداعية مسقطا إيانا في براثن الجمود الفكري، لسبب بسيط هو أننا لم نتمكن من رسم تخوم ومعالم كل معرفة على حدة، والحال أن استمرارنا في الخلط بين العلم والدين والفلسفة سيجعل منا أفرادا متوجسين دوما من المعارف، بل إننا نعيش اليوم نتيجة ذلك، فكم من شخص بيننا إن لم نقل نسبة مخيفة جدا لا زالت تعتقد أن الأرض مسطحة، كما لازالت تؤمن أن الشمس تدور حول الأرض ضاربة عرض الحائط تضحيات من سبقونا من العلماء، من ثمة فإن كل خوف من العلم هو تكريس للجهل والانحطاط لا أقل ولا أكثر..
لماذا يا ترى عاش العلم كل هاته المحن؟ إن باسم السلطة الدينية أو السياسية أو بسبب قوة وسطوة الحس المشترك، هل لأنه يهدد وجود هاته السلط، أم لأنه يكشف زيفها وقصورها واستغلالها جهل السواد الأعظم من الناس تحقيقا لمآربها الخاصة؟ عل العموم بقدر ما تمكنت بعض الأمم من تقديس العلم واعتباره مفتاح تقدمها، بقدر ما زال يعاني الأمرين في البلدان المتخلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبقدر ما عمل العلماء على مر العصور على إعادة بناء العالم، بقدر ما تطورت علوم لصالح أخرى، وانهارت معارف مانحة الوجود لمعارف أخرى، وعليه فإن لذلك عديد الأسباب والعلل سنحاول الوقوف عندها في هذا المعرض.
عندما نعود إلى سِفر التكوين نجد أن له قولا في سؤال وجود وبداية العالم ، هذا القول يرجع وجود عالمنا إلى قدرة إلهية خارقة، من خلالها أوجد الله السماء والأرض والبحار والجبال فالحيوانات ثم الإنسان... وهو الأمر الذي سار عليه الفلاسفة الإغريق خاصة أرسطو من خلال المحرك الذي لا يتحرك، ثم أفلوطين فالفارابي، في معرض آخر تسير باقي الكتب السمائية على نفس المنوال عندما تؤكد هي الأخرى وعلى غرار فلاسفة الإغريق هذا الأمر، لكن وبتطور العلم سقط الدين في مشكل القابلية للتفنيد، لسبب بسيط هو أن كل فهم ديني للقضايا العلمية من شأنه أن يسقط الاعتقاد الديني في شباك تضارب الأفكار، الدين أحكامه مطلقة والعلم يتأسس على النتائج غير الثابتة أي خاضع دوما لمنطق نفي النفي، لهذا توجس الدين دوما من العلم، عندما قرر هذا الأخير إعادة النظر في بداية العالم متوسلا بمنهج تجريبي صرف.
الخوف من العلم أيضا يمكن أن تبينه لنا أهم تحولات الفلسفة، هاته الأخيرة ظهرت بسبب مشكل إبستيمولوجي محض سبَّبته المدرسة الفيتاغورية عندما أرادت أن تبرهن على وجود اللانهائي في النهائي، لقد كان لزواج الفلسفة بالرياضيات كبير أثر على الأولى عند سقوطها في المطلق اعتقادا منها أن كل مطلقٍ حقيقيٌّ على غرار النتائج الرياضية، لكن مع الثورة الكوبرنيكية استطاع ديكارت أن يشك في كل البديهيات بما فيها الرياضية والدينية، محولا كل مطلق إلى شيء قابل للتمحيص والفحص، هذا وقد عرف العلم رجته الكبرى خلال القرن العشرين عندما تمكن علماء الفيزياء من صنع القنبلة الذرية معيدا سؤال الخوف من العلم إلى الدرجة الصفر بلبوس إنساني أخلاقي بطبيعة الحال.
إن أبرز نتيجة توجب الخوض فيها، هي أن العلم وعلى غرار المعارف المهددة للمطلق الذي وضعه الإنسان سعيا إلى الطمأنينة ما يفتأ يتحول من حل لمعضلات العالم إلى إحساس بالخوف، هذا الخوف يكبح فينا كل محاولة إبداعية مسقطا إيانا في براثن الجمود الفكري، لسبب بسيط هو أننا لم نتمكن من رسم تخوم ومعالم كل معرفة على حدة، والحال أن استمرارنا في الخلط بين العلم والدين والفلسفة سيجعل منا أفرادا متوجسين دوما من المعارف، بل إننا نعيش اليوم نتيجة ذلك، فكم من شخص بيننا إن لم نقل نسبة مخيفة جدا لا زالت تعتقد أن الأرض مسطحة، كما لازالت تؤمن أن الشمس تدور حول الأرض ضاربة عرض الحائط تضحيات من سبقونا من العلماء، من ثمة فإن كل خوف من العلم هو تكريس للجهل والانحطاط لا أقل ولا أكثر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق