‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا مجتمعية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا مجتمعية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 29 يونيو 2024


 الذكاء الاصطناعي 



 تعريف الذكاء الاضطناعي

    الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علوم الكمبيوتر يهتم بإنشاء أنظمة تكنولوجية قادرة على أداء مهام تتطلب ذكاءً بشكل يشابه أو يقترب من قدرات البشر. يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تطوير برامج وأجهزة قادرة على التعلم من البيانات واتخاذ قرارات، وحل المشاكل، والتفاعل مع البيئة بطريقة ذكية.

    يعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة متنوعة من التقنيات والمفاهيم، بما في ذلك تعلم الآلة، ومعالجة اللغات الطبيعية، والشبكات العصبية الاصطناعية، والذكاء الحسابي، والروبوتات، والمنطق الضبابي، والتحكم الذكي، بغرض تحسين أداء الأنظمة التكنولوجية وجعلها تتفاعل بشكل أكثر فهماً وذكاءً مع البيئة والمستخدمين.

 الذكاء الاضطناعي و مستقبل الانسان

    العلاقة بين الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإنسان هي موضوع يثير الكثير من الجدل والاهتمام في الوقت الحالي. هنا بعض النقاط الرئيسية لمناقشة هذا الموضوع:

  1. التحسينات التكنولوجية: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تحسينات تكنولوجية هائلة في مختلف المجالات مثل الطب، والتعليم، والتصنيع، والخدمات اللوجستية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تحسين جودة حياة البشر وزيادة الإنتاجية والكفاءة.

  2. التأثير على سوق العمل: قد يؤدي التطور السريع في الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات كبيرة في سوق العمل، حيث قد يتم استبدال بعض الوظائف التقليدية بأنظمة ذكية. في المقابل، يمكن أن ينشأ العديد من الفرص الجديدة للعمل في مجالات مثل تطوير البرمجيات الذكية وتصميم الأنظمة الروبوتية.

  3. الأخلاق والمسؤولية: يتطلب التطور السريع للذكاء الاصطناعي أيضًا النظر في الأخلاقيات والمسؤوليات المتعلقة بهذه التكنولوجيا، مثل القضايا المتعلقة بالخصوصية، والتمييز، والأمان، وتأثيراتها الاجتماعية.

  4. الذكاء الاصطناعي القوي والتفكير الذاتي: تظهر تحديات جديدة عندما نفكر في المستقبل البعيد، مثل ظهور الذكاء الاصطناعي القوي القادر على التفكير الذاتي واتخاذ قرارات مستقلة. يثير هذا السؤال حول كيفية تفاعل البشر مع هذه التكنولوجيا المتطورة وكيف يمكن أن تؤثر على وجودنا وهويتنا كأفراد وكجنس بشري.

بشكل عام، الذكاء الاصطناعي يمثل فرصًا هائلة للتقدم التكنولوجي وتحسين جودة الحياة، ولكنه يتطلب أيضًا مناقشات مجتمعية وأخلاقية عميقة لضمان استفادة الإنسان من هذه التكنولوجيا بشكل مستدام وآمن.

الذكاء الاصطناعي و الاديان

التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والديانات يمكن أن يكون موضوعًا معقدًا ومتنوعًا بحسب التقاليد والمعتقدات الدينية المختلفة. هنا بعض النقاط التي يمكن النظر فيها عند مناقشة هذا الموضوع:

  1. النظرة العامة نحو التكنولوجيا: بعض الأديان تعتبر التكنولوجيا وما فيها من تطورات إيجابية ونعمة تُستخدم لخدمة الإنسانية وتحقيق الرفاهية، بينما تعتبر بعض الأديان أن التكنولوجيا قد تحمل أيضًا تحديات ومخاطر.

  2. الاصطناعية مقابل الإلهية: قد يثير استخدام الذكاء الاصطناعي مسائل فلسفية حول الحدود بين الأنسان والآلة، وبين ما هو خلق بشري وما هو خلق إلهي، وهذا يمكن أن يؤثر على اعتبارات دينية تتعلق بالخلق والهوية البشرية.

  3. الأخلاق والاستخدامات الأخلاقية: يثير الذكاء الاصطناعي أيضًا تساؤلات أخلاقية حول كيفية استخدام التكنولوجيا في مجالات مثل الطب والبحث العلمي والأمن، وكيف يمكن للقيم الدينية توجيه هذه الاستخدامات بشكل أخلاقي.

  4. التحديات الاجتماعية والثقافية: يمكن أن تؤدي التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات اجتماعية وثقافية عميقة، وقد يتطلب هذا التكيف مع التقاليد الدينية والقيم الثقافية الموجودة.

  5. التطبيقات الدينية للذكاء الاصطناعي: بعض المجتمعات الدينية قد تبدأ في استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الروبوتات في الخدمات الدينية أو في التعليم الديني، وهذا يثير أيضًا أسئلة حول كيفية التفاعل بين البشر والتكنولوجيا في سياق ديني   
        تأثر الذكاء الاصطناعي على المجالات الاجتماعية 

تأثير الذكاء الاصطناعي على المجالات الاجتماعية يمكن أن يكون عميقًا ومتعدد الأوجه، ويشمل عدة جوانب مهمة:

  1. سوق العمل: قد يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات جذرية في سوق العمل، حيث قد يتم استبدال بعض الوظائف التقليدية بالتكنولوجيا الذكية مثل الروبوتات والأنظمة الذكية. هذا يتطلب إعادة تأهيل القوى العاملة وتكييف المهارات مع متطلبات سوق العمل الجديدة.

  2. الاقتصاد والابتكار: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الابتكار في مختلف الصناعات مما يؤدي إلى نمو اقتصادي وزيادة في الإنتاجية. على سبيل المثال، تحسينات في الإنتاجية بفضل الذكاء الاصطناعي قد تساهم في تحسين جودة الحياة وتوفير الموارد.

  3. السلوك والتفاعلات الاجتماعية: قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في التطبيقات الاجتماعية مثل وسائل التواصل الاجتماعي إلى تأثيرات على السلوك الإنساني والتفاعلات الاجتماعية. على سبيل المثال، تأثير الروبوتات الاجتماعية في التفاعل مع الأفراد وتأثيرها على التواصل البشري.

  4. الخصوصية والأمن: يثير الذكاء الاصطناعي أسئلة حول الخصوصية والأمان، حيث قد يؤدي جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات إلى مخاوف من انتهاك الخصوصية والتعرض للاختراقات السيبرانية.

  5. الأخلاق والتنظيمات القانونية: تطورات الذكاء الاصطناعي يطرح تحديات أخلاقية وقانونية، مثل مسؤولية الأنظمة الذكية في اتخاذ القرارات الحساسة وضرورة وضع إطار قانوني وأخلاقي للتعامل مع هذه التكنولوجيا.

  6. التفاعل الثقافي والتنوع: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تعزيز التفاعل الثقافي والتنوع من خلال توفير إمكانيات للتواصل والتعلم عبر الحدود الثقافية واللغوية.

بشكل عام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي له تأثيرات واسعة النطاق على المجتمعات والاقتصادات والثقافات، ويتطلب منا مواجهة هذه التحديات بشكل منظم ومستدام لضمان استفادة الإنسانية من هذه التكنولوجيا بشكل إيجابي وآمن.

الذكاء الاصطناعي و الابداع الفني 

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تعزيز وتحفيز الإبداع الفني عبر عدة طرق مختلفة:

  1. توليد المحتوى الإبداعي: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدم لإنتاج محتوى فني جديد مثل الأغاني، اللوحات، النصوص الأدبية، والأفلام. على سبيل المثال، يمكن للنماذج اللغوية العميقة والشبكات العصبية الاصطناعية توليد نصوص شعرية أو قصصية بناءً على البيانات المتاحة.

  2. الابتكار في التصميم والفنون البصرية: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في إنشاء تصاميم فنية جديدة، سواء كان ذلك في الرسم، التصوير الفوتوغرافي، أو التصميم المعماري. على سبيل المثال، يمكن للخوارزميات الجينية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إنشاء أعمال فنية بتفاصيل دقيقة وجمالية.

  3. تحليل الأعمال الفنية والتوجيه الفني: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الفنانين والمصممين في تحليل أعمالهم وفهم استجابة الجمهور، ويمكن استخدام التحليلات لتوجيه العمل الفني وتحسينه.

  4. الابتكار التقني في العروض الفنية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الابتكار التقني في العروض الفنية، مثل العروض التفاعلية والعروض الفنية الرقمية التي تستخدم التقنيات المتقدمة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي.

  5. تخصيص الإبداع الفني: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تخصيص الإبداع الفني لتلبية تفضيلات الجمهور أو الزبائن، من خلال تحليل البيانات وفهم الاختيارات الفنية.

بشكل عام، الذكاء الاصطناعي يفتح أفاقًا جديدة للإبداع الفني، ويمكن أن يسهم في توسيع حدود الفن وتحفيز الابتكار في مختلف المجالات الفنية والإبداعية. ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الفن يتطلب أيضًا مناقشات حول التأثيرات الثقافية والفلسفية والأخلاقية التي قد تنشأ عن هذا النوع من التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي و المشهد الثقافي

الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متنوعًا ومتزايد الأهمية في تشكيل وتأثير المشهد الثقافي بطرق عدة، وهذا يشمل:

  1. الإنتاج الثقافي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الثقافي مثل الأفلام، الموسيقى، الأدب، والفنون البصرية. النماذج اللغوية العميقة والشبكات العصبية الاصطناعية يمكن أن تساعد في إنشاء أعمال ثقافية جديدة ومبتكرة.

  2. الحفاظ على التراث الثقافي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في حفظ وترميم التراث الثقافي من خلال تقنيات مثل التصوير الفوتوغرافي بدقة عالية، وتحليل النصوص التاريخية، وإعادة إحياء اللغات القديمة.

  3. التفاعل الثقافي والتعليم: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز التفاعل الثقافي بين الأفراد والثقافات المختلفة من خلال ترجمة آلية، وتقديم محتوى ثقافي متنوع ومتاح لجمهور عالمي.

  4. الابتكار والتجريب في الفنون: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحفيز الابتكار في الممارسات الفنية، مثل الفنون التفاعلية والفنون الرقمية، حيث يتم تكامل التكنولوجيا في عملية الإنتاج الفني.

  5. التوسع في الإبداع والتعبير الفني: يفتح الذكاء الاصطناعي أفاقًا جديدة للفنانين لاستكشاف تقنيات وأساليب جديدة في التعبير الفني وتوسيع حدود الإبداع.

  6. التنوع والشمولية الثقافية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تعزيز التنوع الثقافي والشمولية من خلال تعزيز الوصول إلى الفنون والثقافات المختلفة وتقديم منصات للتعبير الفني لجميع الفئات والثقافات.

بشكل عام، الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة للابتكار والتطور في المشهد الثقافي، ولكنه يتطلب أيضًا مناقشات حول الأخلاقيات والتأثيرات الثقافية لتلك التكنولوجيات الجديدة. توازن بين الاستفادة من التقنيات الجديدة وحماية التراث الثقافي والتعددية الثقافية يبقى تحديًا مستمرًا في سياق استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الثقافي

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

حراك السترات الصفراء في فرنسا: هل تشهد العولمة منعطفها الأخير؟ - عبد الحميد العلاقي


عن أنفاس نت


الأحد، 11 مارس 2018

أسباب ظهور السلوكيات اللاإنسانية في الإنسان ـ د.زهير الخويلدي


أنفاس نت
 يتعرض الإنسان في الآونة الأخيرة إلى الكثير من الظلم والامتهان والتمييز في الكثير من الحالات ويظهر هذا الاستهداف بوضوح في تكاثر الحروب وتعدد النزاعات وما يترتب عن ذلك من اعتداء على الحقوق وتهديد للمكاسب الكونية والحريات المدنية التي نصت عليها القوانين الدولية وسعت المؤسسات لحمايتها.
لقد وجد الفكر الفلسفي نفسه أمام الكثير من الصعوبات من أجل تفسير حصول الارتداد وعودة الهمجية وأعاد من جديد تشغيل المقاربات النقدية والمناهج التشخصية باحثا عن الأسباب التي تقف وراء رجوع  العنصرية والتفاوت والإقصاء وانسياق الناس المسالمين وراء السلوكات العدوانية والإضرار بغيرهم.
لقد قدمت الفلسفة تصورات حول ارتكاب الناس لأعمال عدوانية تجاه أنفسهم وتجاه بعضهم البعض:
-التفسيرات الميتافيزيقية: الاعتماد في سلطة المصير المحتوم ضمن لعبة الوجود المطلق التي يحكمها صراع بين الخير والشر ويكون الناس مجرد ضحايا للقوانين الكونية التي تدفع القوى الى السيطرة على الضعيف وتكرس منطق تنظيم الأشخاص في المجتمع وفق الترتيب الذي تكون عليه الأشياء في الواقع.
- التفسيرات الأنثربولوجية: الطبيعة البشرية هي التي تحدد نوعية السلوك الذي يصدر عن الكائن الإنساني، فالطبيعة الشريرة التي تخضع لتقلبات المزاج وتناقضات الأهواء تدفع البعد الحيواني الى تغطية البعد العقلاني وتحويل البشر الى آلات راغبة ووحوش مفترسة وكيانات أنانية تمارس العنف والفساد.
- التفسيرات الاجتماعية: انقسام المجتمع إلى مجموعة من الطبقات وتفشي نزعة التملك الأناني والتسلط الاحتكاري والنفوذ الفردي يؤدي إلى التفاوت في حيازة الثروة واللاّمساواة في الحقوق أمام القوانين وينتهي مسار التاريخ إلى اندلاع الصراع بين الطبقات وظهور أشكال من الاستغلال والاستعباد والظلم.
فإذا كانت التفسيرات الميتافيزيقية موغلة في المثالية والجبرية وإذا بقيت التفسيرات الأنثربولوجية في دائرة الذاتية والوضعية فإن التفسيرات الاجتماعية تبقى الأقدر على معالجة الأمراض التي يعاني منها النوع البشري والأقرب إلى الثقافة العقلانية والتجريبية العلمية التي تنتصر على النزاعات اللاإنسانية.
بهذا المعنى لا يرتكب الناس أفعالا مشينة تحت تأثير القوى الماورائية والمؤثرات الكوسمولوجية أو نتيجة العناصر البيولوجية الغضبية والمكونات النفسية المتشنجة وانما بسبب الظروف المادية القاسية والقمعية.
من هذا المنطلق لا يتم القضاء على النزاعات اللاإنسانية إلا بالثورة على الظلم الاجتماعي والشر السياسي وذلك بتركيز الأطر الاجتماعية التي تعيد الاعتبار للكرامة البشرية المنزلة الحقوقية التي تستحقها باقتدار، فكيف يمثل النضال الفلسفي ضد التوحش والهمجية والازدراء دربا مضيئا لاستعادة الإنسان إنسانيته؟
 كاتب فلسفي

الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الاستراتيجيات العشر للتحكم بالشعوب ل"البروفيسور نعوم تشومسكي"

ديريكت تيفي



(1) استراتيجيّة الإلهاء: هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الإهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب و علم الحواسيب. "حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)


(2) ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول: هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكل - ردّة الفعل - الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو "موقفا" متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، و حتى يطالب هذاالأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الإجتماعية وتردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه.

(3) استراتيجيّة التدرّج: لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة، مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق)، على فترة تدوم 10 سنوات. وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو-اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.

(4) استراتيجيّة المؤجّــَـل: وهي طريقة أخرى يتم الإلتجاء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء "مؤلم ولكنّه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد"، وأنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا، يترك كلّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.

(5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. كلّما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟ "إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردّة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)

(6) استثارة العاطفة بدل الفكر: استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات، أو سلوكيّات.

(7) إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. "يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوّة المعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطّبقات السّفلى" (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)

(8) تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة: تشجيع الشّعب على أن يجد أنّه من "الرّائع" أن يكون غبيّا، همجيّا و جاهلا

(9) تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليّته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا، عوض أن يثور على النّظام الإقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولّد دولة اكتئابيّة يكون أحد آثارها الإنغلاق وتعطيل التحرّك. ودون تحرّك لا وجود للثورة!

(10) معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الفارطة، حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النّفس التّطبيقي، توصّل "النّظام" إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري، على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي. أصبح هذا "النّظام" قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام - في أغلب الحالات - يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.

الجمعة، 30 سبتمبر 2016

طيبولوجيا الأخطاء السياسية ـ د.زهير الخويلدي


أنفاس نت


" لا حقيقة دون خطأ مصحح...ولا يتم الاعتراف بالخطأ إلا بعد حين. فالعقل هو الذي يعود إلى ماضيه في حد ذاته من أجل الحكم عليه"  - غاستون باشلار-
تعاني السياسة من تكاثر الأمراض وتزايد الآفات ويمكن ذكر رذائل الطغيان والاستبداد والشمولية من جهة ممارسة الحكم في علاقة بالمحكومين والعنصرية والاستبعاد والاحتكار والتمركز من جهة ذهنية الحكام وبنية السلطة القائمة وكذلك العنف والكذب والجهل في علاقة بأخلاقيات النظام السياسي الحاكم.
لقد دنّس التملق والطمع والنية السيئة  قداسة القيم المدنية وعفّن التسلق والأنانية والوصولية الجو السياسي وتم حشر الخطأ في دائرة الأمراض التي تعاني منها الحاضنة الشعبية وتم اعتباره أحد الرذائل التي عرقلت تقدم الحراك المواطني ووقع الاتفاق على تأثيمه واستبعاده من حيث هو عيب ونقص وارتجال وتعثر.
غير أن واقع الممارسة ومحمول النظرية يثبتان خلاف ذلك ويدعوان الذهن المتبصر إلى مراجعة هذا الموقف والكف عن إصدار الأحكام المسبقة على الأخطاء باعتبارها فرصة من أجل تربية الشعور السياسي ومناسبة للتمرين والاختبار والاستعداد والتدرب على الفعل وتكرار الممارسة ونيل الثقة والنجاح المتأني.
لو قام الفكر الحاذق بدراسة تحليلية نقدية لأشكال حضور الأخطاء في الحقل السياسي منقبا في رمزيتها ووظائفها وباحثا في دورها الإجرائي في تشكل السلطة وإعادة إنتاجها في صورة قوانين وتدابير وتوزيعها بطريقة منصفة على الأفراد والمجموعات فإنه يقر بصعوبة الظاهرة وواقع تعقد التكوين وطابعها الخلاق وصيرورتها المولدة ويستوجب السير في جملة من التمشيات التطهيرية ومعالجة استراتيجية للمشكل تميز بين العاجل والآجل وبين العلل المستعصية والعلل التي يمكن التخلص منها.
فماهي المنزلة الابستيمولوجية التي يبدو عليها الخطأ في المجال السياسي؟ هل هو علامة على غياب الكفاءة ونقص الخبرة وطريق نحو الفشل والتردي والعجز أم أنه  يخفي التقدم بصورة معينة ويمثل حقل التجربة الحاسمة وشرط إمكان تحقيق النجاح وبلوغ الحقيقة ومراكمة المهنة وتجويد القدرات؟ وبأي معنى يهتم الفكر الفلسفي السياسي بالأخطاء راهنا ؟ هل يتناولها من جهة رصدها واقتناصها وتفاديها أم من جهة صناعتها وتنميتها واستثمارها؟ هل يكفي الانخراط في تجربة الفهم وتفعيل المعقولية العلمية من أجل مقاربة جذرية للظاهرة أم أن الأمر يقتضي القيام بالتشريح وإجراء التفكيك من أجل الاستشراف والخلق؟
يربط الإنسان العامي بين الخطأ والعثرة ويفسر ذلك بالسهو والغفلة والنسيان وفي الجانب الاصطلاحي يقع المرء في الأخطاء عند ممارسته القراءة والكتابة وسرد الأحداث التاريخية وتذكر شخصيات الماضي.
بيد أنه يمكن التمييز بين الخطأ المعرفي الذي ينتج على خلل في المنهج واضطراب في التفكير والخطيئة الأخلاقية التي يقترفها الإنسان برغم درايته بالقاعدة السلوكية وعلمه بطرق جلب المنفعة وإتباع الأفضل.
لعل الخطأ السياسي ينتمي إلى مجال الأخطاء التي لا يمكن التسامح معها وتلافيها وذلك لأنه قريب من الخطأ القضائي والخطأ الإداري والخطأ الطبي وهي كلها أخطاء فضيعة وربما تؤدي إلى الهلاك الفوري.
 تكاثر الأخطاء في المجال السياسي يؤدي حتما إلى استفحال الأزمات وتوتر العلاقة بين المجتمع والدولة وانتشار الفساد في البني العميقة للمؤسسات ويجلب نتائج كارثية على التربية والثقافة والاقتصاد والحياة.
إذا كان مصدر الأخطاء في المجال السياسي هم الأفراد باعتبار قلة من دوائر النفوذ هم الذين يصدرون الأوامر ويتابعون القرارات فإن الجميع يتحمل التبعات وعدد كبير من المواطنين يشاركون في الخسائر.
اللاّفت للنظر أن الخطأ ينتمي إلى حقل دلالي يضم المغالطة والتزييف والوهم والاغتراب والكذب والتشويه ويتنافر من جهة المنطق والأخلاق مع الصدق والصراحة والحقيقة والفضيلة والصواب والمصداقية.
في هذا الإطار كثيرا ما يلتجئ السياسي إلى استعمال المغالطات في خطابه بغية التأثير والهيمنة ويتعمد تحريف بعض الوقائع وممارسة الكذب من أجل تحقيق بعض المنافع والاستيلاء على السلطة والمحافظة عليها ويجانب الحقيقة والمعيار في الكثير من الأحيان تجنبا للمشاكل وقصد صناعة رأي عام موافق له.
المشكلة أن الأخطاء في الحياة اليومية تربي الناس وتثقفهم وتكسبهم الخبرة وتصحح لهم معلوماتهم وترشدهم إلى الخيار الأسلم بينما الأخطاء في الحياة السياسية تصيب القيم بالعديد من الأضرار وتمزق النسيج المجتمعي وتؤدي إلى ذهاب الديمقراطية وضياع علوية القانون وتدمر الأوطان وتخرب المدن.
بهذا المعنى يفضي الخطأ في الحقل السياسي إلى كوارث على الشعوب ويؤدي إلى إحلال الهمجية مكان التحضر واندلاع الخلافات بين الأفراد والحروب الأهلية والنزاعات بين الدول والتصادم بين الحضارات.
في الظاهر ينتج الخطأ عن التصحر المعرفي والتشنج السلوكي والانفعال العاطفي والضعف الوظيفي ولكنه يرتبط في مرحلة أولى بسوء التقدير وقلة التدبير وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة في الأوقات المناسبة وغياب التخطيط العلمي والنظرة الاستراتيجية وفي مرحلة ثانية وفي مستوى أعمق يرجع إلى خلل بنيوي في الذهنية وتراكم شبكة من المسلمات القبلية التي تعوق عن التقدم وتعيد إنتاج الفشل والتعثر. كما يجلب الخطأ رذائل اليأس من الآتي والخوف من المداهم وغياب الاستقرار وانعدام الطمأنينة ويُصيب الإرادات بالشلل ويُضاعف من الصعوبات والمشاكل ويُهدر الطاقات ويُضيع الفرص ويُعمق الفوارق.
لقد حادت الأنظمة السياسية عن المبدأ وتبخر حلم الشعوب في الحكم الصالح والدولة الحامية وتأخرت العدالة الاجتماعية والمساواة السياسة وتمتع الأفراد والجماعات بالحريات والحقوق داخل وحدة التنوع. لكن أين يسكن بالتحديد الخطأ السياسي ؟ وهل ينبع من خواء في مجال النظرية أم عجز على مستوى الممارسة؟
والحق أن المصدر الذي ينحدر منه الخطأ يكمن في مرحلة أولى في وثوقية الأطر النظرية  وشكلانيتها وفي مرحلة ثانية في انسيابية التجربة وتشتتها وفي مرحلة ثالثة عند المرور من المعرفة إلى التطبيق.
إذا كانت السياسة من حيث هي فن تتحرك في دائرة الممكن وبعيدة بالتالي عن العلم الضروري الذي ينطلق من مقدمات بديهية ويصل إلى نتائج منطقية وإذا كان رجل السياسية يتسلح بالحذر من أجل رصد الجزئي ومتابعة التفاصيل وتعقل الأحداث وإنقاذ الظواهر واستيعاب المداهم وقنص الفرص المتاحة فإنه من المفيد تغيير النظرة وتبديل الموقف المعرفي والالتزام العملي واعتبار الخطأ مفتاح تأويلي للمشهد السياسي يفتح الطريق نحو الرأي السديد والفعل الحصيف ويخرج المجتمع من القعود والانتظار إلى الفاعلية والإبداعية.
يمكن تقديم شبكة كاملة من الأخطاء التي تم ارتكابها في الميدان السياسي وتعكس الأمية المتفشية والتي ربما تكون ناتجة إما عن رواسب طفولية في الشخصية وإما أمراض المراهقة الدائمة والمتأخرة التي ظهرت عليها. في هذا الصدد بأي يتم تقديم أولوية لقمة العيش على الكرامة وتُقَايَضُ التنمية الذاتية بحتمية التبعية تجاه الخارج؟ وكيف تكون الحرية والتعددية هي المقابل المعنوي الذي يضحى بغية تعزيز الأمن وضمان الاستقرار والسلم؟ ولماذا توضع دائما السيادة في الباب الخلفي الذي يتم إغلاقه عند أول شعور بخطر ضياع المواطنة؟ وما وجاهة اعتبار القُطرية والتقسيم والتجزئة أفضل البدائل عن الوحدة والاندماج والتكتل والتكامل الوطني؟ وهل تتساوى شراكة الدولة الرخوة  مع القيم التقدمية التي فرضتها إرادة الشعوب زمن ثورة الأمل؟
في الواقع لا توجد أخطاء بسيطة وتافهة تقبل التدارك بسرعة وتحتاج إلى الانتباه والحرص والمزيد من التركيز وأخطاء فادحة عادت على المجتمع بعواقب كارثية وأصاب ضَرَرُها البنى العميقة للدولة وأثرت على مصير الناس وبالتالي لا يمكن التخلص منها بسهولة وإنما يحتاج العلاج منها إلى التبصر والوعي.
لا يجب أن تترك الأخطاء تمر هكذا بلا رصد وتشخيص وإثارة ومراقبة وتحسس وتبيان وتطهير ونقد ومحاسبة ولا ينبغي الاكتفاء بإدانة مرتكبي الأخطاء ولومهم ومعاقبتهم فقط بل يلزم الإصلاح والتصحيح والتقويم والتسديد وذلك بأخذ الحيطة والاعتبار والتوقي من تكرارها ومعاودة الهزائم والفشل والتفويت.
ليس ثمة خطاب سياسي لا يقع في الأخطاء والانتكاسات ولا توجد تجربة سياسية لا تتعرض للإجهاض والعرقلة والإخفاق وإنما السياسي الحاذق هو الذي يلتزم بالسير على طريق معرفة الأخطاء وذلك بالحذر من الوقوع فيها بحسن التدبير وجودة الروية والتحلي بالحكمة العملية والتعقل الإيتيقي والتدبير الإنسي.
ليس من المفروض أن يتعلم سياسيو المرحلة الراهنة من أخطائهم فحسب بل يجب عليهم أن يتعلموا من أخطاء الذين سبقوهم والذين قد يأتوا بعدهم وأن يتحملوا مسؤولية إزاء جيلهم والأجيال السابقة واللاحقة.
جملة القول أن الوقوع في الخطأ لا يمثل عيبا عضويا وليس قدرا محتما ولكن البقاء عنده وتكراره إلى ما لانهاية هو الدائرة المغلقة التي لا مخرج منها، وبالتالي يمكن الإقرار ببنائية الخطأ وإبداعية المواجهة معه. فهل مشكلة السياسات الفاشلة ترجع إلى غياب بدائل صحيحة أم إلى انعدام نماذج عن أخطاء تكوينية؟

الجمعة، 10 يونيو 2016

هل دور التلفزيون إنتاج التفاهة سعيد ناشد

العرب سعيد ناشيد [نُشر في 06/06/2016، العدد: 10298، ص(9)]


الإنسان كائن محارب بطبعه، لا يتحمل العيش من دون معارك، وحين نحرمه من معارك بناء الحضارة سيبحث عن معارك الوهم المدمر. هذا هو الشرط الإنساني الذي يغفله أنصار تدبير التفاهة.
في بلد كفرنسا على سبيل المثال أو الاستدلال، يُعتبر ظهور أحد المفكرين البارزين على شاشة التلفزيون ظاهرة اعتيادية وممارسة شبه يومية. أكثر من ذلك، لا يمكن أن يمر أسبوع واحد على الأقل دون أن يظهر على شاشة التلفزيون أحد كبار فلاسفة فرنسا ممن لا يزالون على قيد الحياة. بكل تأكيد، لا أتحدث عن القنوات الموجهة إلى أهل الخارج والتي يبدو كأنها تخاطب بعض أهل الخارج على قدر عقولهم، مثل فرانس 24 مثلا، غير أنني أتحدث عن القنوات الموجهة بالأولى إلى الرأي العام الفرنسي. لائحة الفلاسفة الذين يحضرون إلى بلاتوهات القنوات التلفزيونية طويلة في بلد الألف فيلسوف. فإذا استثنينا بعض الأسماء المثيرة للجدل والمشكوك في قيمتها الفلسفية من أمثال برنارد هنري ليفي، وممن يشكلون ظاهرة غوغائية تدل في آخر المطاف على أن النجومية مهما بلغ بريقها لا تصنع المفكر أو الفيلسوف، ستبقى اللائحة متضمنة لفلاسفة من العيار الثقيل: آلان باديو، مشيل أونفراي، أندريه كومت سبونفيل، لوك فيري، إلخ. هذا دون احتساب البرامج حول الفلاسفة الذين غادروا الحياة قبل سنوات مضت، أو قبل عقود خلت: جان بول سارتر، ميشال فوكو، جاك د ريدا، إلخ. وكذلك دون احتساب البرامج التي تسترجع فلاسفة العصر اليوناني على خلفية القيم التي يحتاجها إنسان اليوم: الحس النقدي عند سقراط، القدرة على الاستمتاع بالحياة عند الأبيقوريين، القدرة على تحمل الآلام والمحن عند الرواقيين إلخ.
لكن، في أوطاننا المباركة يُعتبر مثل ذلك الظهور للفكر وللمفكرين، للفلسفـة والفلاسفة، حدثا نادرا جدا، بل يكاد يكون منعدما. الأدهى والأمرّ من هذا الغياب أو التغييب أن ثمة اعتقادا شائعا وسط عموم الإعلاميين ومعظم الساسة والسياسيين بأنّ التلفزيون ليس المكان المناسب لإبراز الفكر وإظهار الثقافة وإعمال العقل وما شابه ذلك من “كماليات” يصعب إدراكها ويحسُن تركها، بل التلفزيون مكان الهرج والمرج، مكان الفرجة والبهرجة، مكان الضجيج والتهريج، وبمعنى أصدق تعبيرا وأدقّ تصويرا، التلفزيون مكان صناعة التفاهة. هكذا، لم يعد التلفزيون عندنا أكثر من مكان للمزايدة على التفاهة بتفاهة أكبر، انطلاقا من مبدأ متهافت يقول “هذا ما يريده الجمهور”. لربما علينا الاعتراف بأن الجمهور عندنا سيفضل، بالفعل، مشاهدة آراب إيدول، وإكس فاكتر، وأهداف ميسي المرفقة بالتعليق الحماسي، على الإصغاء لمحاضرة أو مناظرة حول مستقبل الحضارة الإنسانية أو مصير النوع البشري. أليس الجمهور هو الأحق بأن يقرر ما يريد مشاهدته – ويا له مـن تواضع؟ أما إن كان لا بد من هامش يحتضن بعض “الجدية” في بعض الأحيان، فالشيخ الواعظ سيقوم باللازم. ومرة أخـرى، بمحض الصدفة، يتعلق الأمر بمطلب يباركه الجمهور.
لكن، هل قدر التلفزيون أن يكون بهذا النحو من الفراغ الثقافي والخواء الفكري؟ أم – لكي نتابع التساؤل – لا يعدو أن يكون الأمر أكثـر من سياسة إعلاميـة تعمـل – سواء عـن وعـي أو دون وعـي – على تنفير الجمهور من كل ما يتعلق بالثقافة والفكر، قبـل أن يصبـح النفـور حجة لإقصـاء البـرامج الثقـافية؟ ها نحن قد تابعنا السؤال، وها نحن بدأنا نقترب من الإجابة ولو قليلا.
صدقا، لا أستبعد أن يكون الأمر بذلك النحو.. وسأحاول البرهنة.
ليس مصادفة أن تحظى معظم البرامج الثقافية والفكرية عندنا بظهور شاحب يصحبه إخراج فني باهت، فيجعلها باعثة على النفور والملل، وبهذا النحو لا تعمر طويلا، سنة أو سنتين على أبعد تقدير، وغالبا ما يكون مبرر إلغائها هو نفس المبرر، تراجع نسبة المشاهدة. أما الاستنتاج فهو جاهز في كل أحواله دونما حاجة إلى أي دراسة سوسيولوجية ميدانية. الاستنتاج يقول: الجمهور لا يريد الثقافة، الجمهور لا يريد الفكر، الجمهور يريد فرجة فارغة، فنا فارغا، وتدينا فارغا. هذا بالذات ما نقدمه له على طبق من ذهب. أي نعم، الطبق فارغ لكنه من ذهب.. إيه.
في واقع الحال، يصعب افتراض حسن النية أمام هكذا استنتاج، لكن، حتى على افتراض حسن النية، وهذا مستبعد، ثمة مبدأ إعلامي يتم التغاضي عنه مقابل رد فعل غريزي معاد للفكر والثقافة، مبدأ يقول: العمل الإعلامي هو بعد كل شيء عمل فني، وشأن كل عمل فني فلا يكفي أن تكون الفكرة قويـة، بل يجب أن تكون الصياغة قوية أيضا. الصياغة هي الإخراج الفني بكل جوانبه ومؤثراته. على سبيل المثال، لا يكفي أن تكون الرواية جيدة حتى يكون الفيلم جيدا، لا يكفي أن تكون القصيدة جيدة حتى تكون الأغنية جيدة، لكن المهارات الفنية في الغناء قد تجعل أرقى القصائد وأغناها فكرا وثقافة تخترق وجدان عموم الناس. ولنتذكر ما فعلته أم كلثوم برباعيات الخيام على سبيل المثال. كذلك فإن المهارات الفنية في السينما قد تجعل أرقى الروايات وأغناها فكرا وثقافة تخترق وجدان عموم الناس. يمكننا أن نتذكر رواية اسم الوردة لأمبرتو إيكو بعد تحويلها في سنوات الثمانين من القرن الماضي إلى عمل سينمائي عالمي. ولستُ أقوم هنا بغير التذكير لعل التذكير ينفع بعض الغـافلين: النـاس ليسـوا مجبولين على التفاهة. فعلا، فإن الإخراج الفني والتقني حاسم بكل المقاييس، لكن، حين يتعلق الأمر بالأعمال السينمائية والغنائية الأكثر نجاحا في العالم والأكثر قدرة على استقطاب الرأي العام والنخب على حد سواء، فإن قوة المحتوى الفكري والمضمون الثقافي شرط ضروري لا محيد عنه.
على أننا لا ننكر وجود اعتراض وجيه في بعض الأحيان: مثقفونا لا يتقنون مهارات التواصل الإعلامي. لكن الأصح أيضا أن تلك المهارات ليست فطرية وإنما تكتسب عندما تتاح الفرصة. هل الفرصة متاحة؟
رأينا هو كالتالي: بدل اعتماد رد الفعل الغـريزي المعـادي للفكـر والثـقافة، والميـال إلى إلغاء البرامج الثقـافية أو الفكرية بدعوى انخفاض نسبة المشاركة، أمامنا فـرصة للتفكير بنحـو إيجـابي وبنـاء: إعـلاميا لا تكفي أن تكون الفكرة قوية وجذابة، بل يجب أن يكون الإخراج الفني للفكرة قويا وجذابا أيضا، اللهم إذا كانت النية أن نقتل الفكرة. فهل توجد نوايا من هذا القبيل ولو في مستويات اللاوعي الجمعي لدى بعض المسؤولين؟ السؤال معلق.
إن النجاح الذي تحرزه قنوات فرنسية أثناء محاورة فلاسفة كبار يؤكد بما لا يدع مجالا للشك كيـف تلعب عوامل الإخـراج الفني دورا حـاسما في النجاح الإعـلامي لتلك البرامج: قوة الإنارة، جـاذبية المـوسيقى، جمال الخلفية، تنوع زوايا التصوير، وجود محاورين خفيفي الظل وأذكيـاء، وجود محاورات – لكي لا ننسى دور المرأة – رشيقات أنيقات وذكيات، ثم طبيعـة الأسئلة، وأيضا لكـي لا ننسى، صيغـة طرح السؤال: الدقة واللباقة والتشويق. أما الرهان على الفراغ الثقافي فهو مجرد رهان على خواء الكينونة والمعنى، خواء قد تملؤه على الأرجح قوى خراب العمران ودمار الأوطان وفساد الأذهان وهلاك الإنسان.
إننا إذا لم نُعلم الناس كيف يخوضون معاركهم الحقيقية في بناء الفضاء العمومي، وتدبير التوافقات الحيوية والعيش المشترك، والاستعمال العمومي للحس النقدي، والعمل على تحسين جودة الحياة، وحفظ حقوق الأجيال القادمة، فالنتيجة أنهم سيبحثون عن معارك وهمية بديلة قد تُدمر كل شيء. لماذا؟ لأن الإنسان كائن محارب بطبعه، لا يتحمل العيش من دون معارك، وحين نحرمه من معارك بناء الحضارة سيبحث عن معارك الوهم المدمر.
هذا هو الشرط الإنساني الذي يغفله أنصار تدبير التفاهة.
شيء آخر، لربما يغفل صناع التفاهة أيضا عن أن الفن من دون مضامين ثقافية أو رسالة تثقيفية يبقى مجرد بهرجة انفعالية قد تفضي إلى نتائج عكسية. إن الفرح نفسه إذا لم يكن ثقافة راسخة في النفوس فإنه يغدو مجرد حالة انفعالية عرضية وعابرة مهما بلغت كلفة التمويل. والواقع أن الحالات الانفعالية لا يعول عليها. الفرح مطلوب إنسانيا وحضاريا وطبيعيا وفطريا، لكن العيب كل العيب ألا نمنح للفرح أي عمق ثقافي، إذ نجعله مجرد حالة انفعالية قد تبدو مدوية لكن صداها يتلاشى بسرعة فائقة، وقد لا يخلف غير ظلال من الكآبة في الأخير.
هل بقي لدينا ما نضيف؟ بالتأكيد، إذا كان الإعلام السمعي البصري قادرا على جذب الكثير من الناس إلى الأفكار الفارغة باستعمال الكثير من وسائل الإثارة والتشويق والحماس، فإنه قادر، لا محالة، على جذب أوسع شريحة من الناس إلى الأفكار الجيدة باستعمال نفس وسائل الإثارة والتشويق والحماس. فلماذا نستبعد هذا الخيار؟ القشور الجذابة بلا مضامين ذكية ستبقى جذابة حتى بعد أن نملأها بالمضامين الذكية، بل ستكون الإثارة أفضل وأجمل لأن الناس لن يشعروا بذنب ضياع وقت ثمين في إثارة بلهاء، فتغدو نتائج الإثارة عكسية، وهذا ما يحدث عندنا بالفعل، متى سننتبه؟ لعل البلاهة بالفعل أن نغفل النتائج العكسية والمدمرة للرهان على البلاهة.. لكن، في كل الأحوال، لربما يصح القول: فاقد الشيء لا يعطيه.
كاتب مغربي

الثلاثاء، 10 مايو 2016

هندسة “الرأي العام” عبد العزيز سلامي

www.alaoual.com




 في مجتمعاتنا التقليدية التي اصطدمت بالتقنية ، صدفة، أصبح من الممكن أن شخصا يحمل ثقافة محدودة و مستوى دراسي متدني أن يصير صحفيا و مستشارا و مدافعا عن قضية و طنية في حكومة، و صانعا للرأي العام. سلوك كهذا، هو نوع من ضرب لقيم المدرسة و الجامعة و المبادىء التي يتكون بها الحس السليم و الحس المشترك. لنطرح الأسئلة الجادة، فلقد أصبح الفيسبوك و المواقع الاجتماعية و القنوات الإذاعية و المسارح، والسينما، يصنعها شباب لا ثقافة لهم، غير اتباع الموضة. فالخطر قادم من هذه الوسائل التواصلية التي اقتحمها الجهل و الأمية و الوصاية والمناورة و المال. وإن لم يتصد لها المثقف، الأستاذ و الفيلسوف و المسرحي الملتزم و الممثل الذي يحمل رسالة، فإننا سنجد كل هؤلاء يتجاوزهم هذا الطوفان الحامل للجهل والتجهيل. ليس الأمر من تدبير شخص بعينه، يريد أن يحقق هذه الغايات، و إنما العصر، قد فتح له آفاقا رحبة و مساحة كبيرة للتعبير و التعبئة الجماعية، ودائما بوسائل التسلية و الصورة. لنستيقظ و ننظر للحقيقة المرة. من منا لم تبدأ حياته الشخصية تُقتحم بدون استئذان، و تٌساءل بوسائل الجهل، على شاشة التلفزيون وعبر الراديو وعلى الأنترنيت ؟ من منا لم يَحن للماضي، لعله يرى عملا فنيا مُتقنا، و سماع أغنية تطرب؟ الرأي العام لا يُشكل فحسب من خلال ما تقدمه الدولة أو تُدافع عنه، بل أصبح المجتمع المدني يشارك في صنع هذا الرأي العام. وإن ، في سنوات مضت ، كان يشكل (الحزب) اليساري أو اليميني هذا البديل للرأي العام، فاليوم هو كذلك، خاضع لتأثيرات الحس المٌشترك الذي لا يفقه، ولكنه بالمقابل أصبح يشكل أغلبية، فالأمية و الجهل بالأخلاق، وانعدام الإحساس بالمسؤولية، يشكلون أغلبية عددية، وذلك راجع لأسباب نُلخصها في العوامل التالية : ـ استقلالية المدرسة، و خضوعها لمبدأ النجاح العددي على حساب الجودة، ـ انعزالية المُثقف قبل الأوان، لأنه في المجتمعات المتقدمة ( الشاعر و السينمائي و الكاتب) لهم أدوار فنية و ليس سياسية، و لكنهم يؤثرون بذلك في الرأي العام بأعمالهم. في حين أن بلداننا لا وسائل لها لمسائلة العمل الفني أو قراءته، وكأنه بعد مُفارق للمجتمع، ـ أصبحت القيم الغربية الرأسمالية تؤثر على البنيات التقليدية للمجتمعات و تُفككها من دون أن تُبدلها، أو تُعوضها بشيء، فمثلا أصبحت قيمة ( الشباب) عملة سائدة و مُؤثرة في الاقتصاد الثقافي و السياسي لهذه المُجتمعات، لهذا تجد الشباب هم من يؤثرون في المجتمع بشكل مُباشر، من خلال قيم “ساقطة” و غايتها مادية محضة، و شعبوية، عن وعي أو بدون وعي.

الخميس، 5 مايو 2016

التواصل: التحديد والرهان - عبد المجيد العابد

أنفاس نت 



مهاد الموضوع
يعد التواصل من بين أهم الموضوعات المطروقة اليوم، لما أصبح يفرضه العالم المتنامي من  تفعيلٍ لهذه الأداة الإنسانية الفعالة في الربط بين الحضارات والثقافات، وتقريب الهوة بين الشعوب والبلاد. ولهذا لم يعد التواصل لفظا ومفهوما عاديا كباقي المفاهيم السيارة بين الحقول المعرفية المتعددة؛ بل أمسى علما مستقلا بذاته، له أصوله وقواعده ومناهجه، والأدوات التي نستند إليها في ابتغاء التواصل الفعال بعيدا عن كل المعيقات التي يمكن أن تعترضه وتشوش المبتغى الأسمى منه، أي الوصول إلى الرهانات المختلفة في جميع مناحي الحياة؛ فأن نتواصل معناه أن نصل إلى الأنا أو الغير أو الآخر جملة وتفصيلا.
تعريف التواصل
لا يمكن البتَّةَ أن نعثر على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لمفهوم التواصل، لأنه لم يعد يستقيم على حال، ونجده في جميع الحقول المعرفية المختلفة كهندسة الطيران والرياضيات والإعلام والاقتصاد والطب والسيميائيات واللسانيات وهلم جرا، كما تتجاذبه كل مظاهر الحياة الإنسانية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. إن التواصل موضوعة، بمعناها الفلسفي، لا تقف عند تعريف بعينه.
وبالرغم من هذه المعضلة التعريفية يمكن أن نسلم بأن التواصل لغةً هو الإيصال، والعبور، والنقل، والإفهام، والإخبار، والإبلاغ، والوصول يكون بالأساس لغويا، وقد يكون باعتماد اللغة غير اللفظية. وترجع كلمة (Communication) إلى الأصل اللاتيني (Communes) الذي يُقْصَدُ به (Common)، أي عام أو مشترك. ومنه فكلمة التواصل في اللغة العربية أو في اللغات الأجنبية تصير إلى المدلول نفسه: العلاقة الإبلاغية الناظمة بين البشر من أجل الإيصال والتشارك والتفاهم. وتميز اللغة العربية، على الخصوص، بين التواصل الذي يقتضي التفاعل بين طرفين، الأول مرسِل والثاني مستقبِل وفق وضعية تخاطبية معينة تجعل من المستقبِل، بالنظر إلى الشروط المقامية، يصبح مرسِلا ويغدو المرسِل مستقبِلا؛ وهكذا يحصل التفاعل والتخاطب بينهما؛ بينما يرتبط الاتصال باتجاه أحادي، يجعل الطرفين مختلفين: الأول مرسل بالضرورة، والثاني مستقبِل لزومًا، كما أن الاتصال فيه من السلطة والعنف الرمزي ما ليس في التواصل، والتواصل فيه من التفاعل والتأدب ما ليس في الاتصال.
أما التواصل من الناحية الاصطلاحية، بعيدا عن متاهات تعددية الحقول المعرفية، فهو مجموع الإواليات التي تجمع طرفين مختلفين مخاطَب ومخاطِب في الوصول إلى تحقيق أهداف محددة بينهما ترتبط بالقصد. ولهذا كان التواصل خاصية إنسانية، ما دام متعلقا بالثقافة التي لا يمتلكها الحيوان. إنه أساس التفاعل بين البشر وتطور العلاقات الإنسانية، يسهم بالضرورة في حيويتها وديناميتها تجاه الأفعال المنوطة بها وفق مقام مخصوص، قد تكون إدارية أو تعليمية أو رياضية أو غير ذلك؛ إذ لا يمكن للجماعة الإنسانية أن تتفاعل إلا إذا اعتمدت الشروط التداولية في التواصل الفعال. فالأستاذ في القسم، مثالا، لا يمكنه أن يصل إلى التلاميذ، إلا بخلق جَوٍّ من التعاون والتأدب بنوعيه الأدنى والأقصى، وبهذا يُنَمَّى التفاعل الصفي في الفعل التَّعَلُّمِي التعليمي، ورئيس إدراة ما لا يمكنه أن يجعل التابعين له يؤسسون جماعة دينامية إلا بالحفاظ على المبادئ التداولية نفسها في تحقيق التواصل الفعال بينه والعاملين معه، والعالَم بأسره لا يمكن أن يكون منتظما إلا بالتواصل الفعال الذي يخلو من كل تشويش؛ والأمثلة في هذا الشأن متعددة بتعدد مجالات الحياة الإنسانية سلوكا وممارسة. 
2. رهان التواصل المعرفي
تعددت رهانات التواصل بحسب التحاقل وفق كل حقل معرفي على حدة، يمكن أن نجملها وفق ما يلي:
يعتبر التواصل في علم الإعلام موضوعَه الرئيس، مادام متعلقا بالخبر ورحلة المعلومة التي تشكل أساس البحث في التواصل منذ النظرية الأولى لشانون ذات النزعة الرياضية، حيث أخذت على عاتقها رفع التشويشات التي تطول التواصل مستفيدة من التلغراف. إن التواصل هو أساس بناء الوعي الجماهيري، والتفاعل والمشاركة في بناء هذا الوعي، وفي التنمية وتبادل المعلومات، وتنميط الأفكار والذهنيات، والحوار بين الأقطار من خلال رحلة المعلومة بين الأفراد والمؤسسات. وقد أدت تعددية الوسائط المعلوماتية اليوم إلى الاهتمام المتزايد بالموضوع استنادا إلى يسر العملية الإبلاغية، من خلال الواقع الافتراضي الذي يسمح به عالم الأنترنيت عبر المواقع الاجتماعية والمنتديات والصحف الإليكترونية وغيرها من العوالم المستجدة في الإعلام المعاصر الذي غير مجموعة من القيم والمبادئ التي أصبحت من الماضي كمفهوم المجتمع والنخبة والحدود؛ حيث حل الواقع الافتراضي، بوصفه أرقى أنواع التواصل الفعال، بديلا عن الحدود والأقيسة (انظر للمزيد مقالنا المنشور في الموقع: تعددية الوسائط الإعلامية والتنمية).
أما في علم النفس فيقصِدُ التواصلُ تفاعلَ الذات مع نفسها، إنه خطاب بيشخصي يخلق لغة داخلية نستطيع بالنظر إليها الوصولَ إلى كُنْهِ الفرد، وكشف مستور حياته النفسية. ومن ثم كان الاستبطان أهم عملية في الوصول إلى الشخص، كما أن التواصل تفريج وبوح وطرح للمكبوتات، واستنطاق لللاوعي الفردي، وهلوسة في بعض الأحيان، وتداع حر وانفصام ولغة منسية وتجاوز للمعيقات النفسية الفردية التي تقف أمام بناء الشخصية المتوازي السليم. ويختلف التواصل النفسي عن باقي أنواع التواصل الأخرى لأنه لا يفترض متلقيا مشخصنا، بل ذاتا محينة فقط.
بينما يرتبط التواصل في علم الاجتماع بتبادل القيم وغيرها بين الأفراد والجماعات، والتفاعل بينهم لخلق دينامية المجتمع بأسره، كما أن التواصل أساس اندماج الأفراد في ثقافة وهوية المجتمع وتمثيلاته للعالم والأشياء، مما يساهم في توحيد الوعي الجمعي، والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمعين السياسي والمدني. إن التواصل الاجتماعي قائم على رهانات متعددة إذن، كما أشار بيير بورديو، قد تكون رهان الهوية الفردية أو رهان الهوية الجماعية أو رهان الهوية الوطنية.
ويحتل التواصل في الأنتروبولوجيا مركزا مهما خصوصا عند كلود ليفي شتراوس الذي نادى بدراسة الأنماط التواصلية للكشف عن طبيعة انتماء العنصر البشري إلى ثقافة معينة، تحدد له نمطه في الوجود، فالأشكال الثقافية التواصلية المتعددة، كالعادات والطقوس وجميع الأشكال الرمزية المختلفة، هي ما يحدد الانتماء ويجعل الثقافات تختلف عن بعضها البعض، يمكن للأنتروبولوجي بعد دراستها وفحصها أن يكشف هذه التمايزات، ويفرد العناصر المشتركة بين الثقافات التي تلبي الحاجة الإنسانية في التواصل. 
وقد اقترن التواصل في الفلسفة بالتصور النسقي لكل فيلسوف، وفي ربط مباشر بين الأنا والغير أو بين الأنا والآخر، وهل معرفة الغير ضرورية لمعرفة الأنا؟ وإلى أي حد تُمَكِّن معرفة الغير من التواصل معه؟ فجان بول سارتر يرى أن معرفة الغير ضرورية وفقا لمبدأ التعاقد، لكن بالرغم من ذلك فالغير يُشَيِّءُ الأنا من خلال مفهوم النظرة، أما طوماس هوبس فيرى أن الآخرين هم الجحيم، بينما هيجل يمفصل التواصل دياليكتيا من خلال التعارض بين الأنا والآخر باعتبارهما ضدين متكاملين. أما هابرماس فيدعو إلى التواصل على اعتبار أن التواصل اللغوي تَبَيُّنٌ لحقيقة الوجود، فاللغة قادرة على ترجمة حالات الأشياء، مستفيدا من نظرية أفعال الكلام مع سورل وأوستين وبرتراند راسل وفيتجنشطاين؛ بينما نيتشه يرى أن الأنظمة الرمزية كلها أنشأها الإنسان بهدف التمويه، وتمرير أوهام العقل حول الحقيقة والوجود. ويذهب إرنيست كاسيرر إلى أن الإنسان حيوان تواصلي رامز، استطاع من خلال الرمز الابتعاد من ربقة الموضوعات والأشياء. ويعتقد أمبرطو إيكو أن كل أنظمة الثقافة ذات بعد تواصلي، إذ لا يمكن فصل الثقافة عن التواصل؛ بينما يرى برجسون أن اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر.
ويدعو المفكر المغربي المهدي المنجرة إليه كمقابل لمفهوم صراع الحضارات الذي نادى به صامويل هيتنغتون أو نهاية العالم التي نادى بها فرانسيس فوكوياما، وراهن المرحوم محمد عابد الجابري كذلك على حوار الحضارات أو حوار الثقافات كأرقى شكل من أشكال التواصل، ونبذ الصراع مع الغير والآخر، ويميز الأستاذ طه عبد الرحمن بين التواصل والاتصال في التداول الاجتماعي العربي الإسلامي، حيث إن الثقافة العربية ثقافة تواصل تحترم الشروط التخاطبية في الإنجاز والتداول، لذلك فلامناص من اعتماد المبادئ التخاطبية التعاملية في أي تواصل فعال بين الأفراد والجماعات. 
أما في الاقتصاد فالتواصل هو أساس المبادلات التجارية(الماركوتينج)، وركيزة التدبير والحَكَامَة الجيدة في الشركات والمقاولات والتفاعل بين الجماعات مدراءَ وعمال، لذلك تكثر في مجال التجارة الورشات التي تعنى بهذه الإستراتيجية، فبدون التواصل لا يمكن لهذا المجال الإنساني الحيوي أن يستمر. ويقوم هذا النوع من التواصل عل اعتماد مجموعة من الإواليات التواصلية التي تدفع المتلقي إلى الاستسلام عبر الإقناع السري، ويلعب الإشهار دورا مهما في التواصل الاقتصادي الفعال.
وفي الميدان الطبي يرتبط التواصل أساسا بجلسات التمريض، قد تكون بين الطبيب ومساعديه أو بين الطبيب والمريض أو بين الممرض والمريض، وفي تبادل المعلومات بين هذه الأطراف، تتدخل في التواصل الطبي مجموعة من الإواليات اللفظية والحركية الكينيزية والبروكسيميائية في التعرف إلى المشاعر المتبادلة، ويلعب التواصل غير اللفظي في المجال الطبي دورا أكبر من التواصل اللفظي(يعتبر الأطباء أوائل الذين نحتوا علم السيمياء كان الهدف منه الكشف عن اللغة غير اللفظية التي يُتَوَصَّل بوساطتها إلى تحديد طبيعة المرض كاللون والحركة والبكاء والزفير والحمى والتقيؤ..) كما تعمل الإواليات البروكسيميائية في التواصل الطبي من حيث ترتيب مكان الجلسة الطبية وزمانها والمسافة بين المريض والطبيب، ودراسة الحركات (الكينيزية) بين الفريق والمريض، ويضاف إلى ذلك الزي واللباقة والود والاحترام والحب والعناية وغيرها مما يساهم في تعجيل الشفاء.  
عرف التواصل في اللسانيات بدايته مع الأنموذج الذي اقترحه جاكبسون وفق الترسيمة السداسية: المرسِل، الرسالة، المرسَل إليه، القناة، السنن، السياق أو الإحالة؛ يقوم المرسل بالوظيفة التعبيرية، وتقوم الرسالة بالوظيفة الشعرية الجمالية، والمرسل إليه بالوظيفة التأثيرية، وتقوم القناة بوظيفة ضمان الاتصال، والسنن بوظيفة اللغة الواصفة أو الميتالغوية، والسياق بالوظيفة الإحالية المرجعية.
وقد استفاد جاكبسون من تصور شانون السابق الذكر، غير أن ما عِيبَ على أنموذج جاكبسون هو اعتماد أحادية الاتجاه في التواصل، مما جَرَّه إلى الاتصال عوض التواصل، وهذا ما تداركته جوليا كريستيفا، باعتماد خطاطة تفاعلية بين المرسِل والمرسَل إليه تتجاوز أحادية جاكبسون في الاتصال. وبعد هذين النموذجين تعددت النماذج اللسانية في التواصل، وقامت نظريات لسانية على هذا المفهوم كالنظريات اللسانيات الوظيفية البنيوية (مارتينيه وجاكوبسون وبينفنيست) ونظرية النحو الوظيفي بريادة سيمون ديك الذي تجعل أساسا لها الوظيفة التواصلية للغة.
واهتمت التداوليات بالتواصل في جانبه التفاعلي، ووضعت لذلك شروطا هي عبارة عن مجموعة من المبادئ التداولية المشهورة في هذا المجال، ما دام التخاطب الإنساني في صلبه بنية تفاعلية، مستفيدة من فلسفة اللغة العادية مع شارل موريس وأوستين وسورل وغيرهم، وأهم هذه المبادئ التداولية التعاملية نذكر: مبدأ التعاون ومبدأ التأدب ومبدأ التواجه ومبدأ التأدب الأقصى ومبدأ التصديق، فمبدأ التعاون يشكل المبدأ التداولي الأول للتخاطب، تعلق بالفيلسوف الأمريكي غرايس قائم على كم الخبر وكيفه والعلاقة، وقد أرادها ضوابط تحكم كل تخاطب إنساني كيفما كان؛ أما  مبدأ التأدب الأقصى فاقترن بليتش يعتبره مكملا لمبدأ التعاون، يقوم على ضابطين اثنين: قلل من الكلام غير المؤدب، أكثر من الكلام المؤدب، وتتفرع عنه قواعد اللباقة والسخاء والاستحسان والتواضع والاتفاق.
راهنت السيميائيات على مفهوم التواصل خصوصا في أعمال بويسنس وبريطو ومونان وغيرهم، أو ما يعرف باتجاه السيميائيات التواصلية الذي أخذ على عاتقه دراسة الأنساق التواصلية المتعددة، وعبر السيميائيات أخذ التواصل غير اللفظي قيمته في القناة التواصلية، حيث تم الاعتماد على دراسة أنساق تواصلية متعددة كإشارات المرور والإيماءات واستعمالات الجسد الاستعارية والرموز والأمارات وغيرها. وقد كان الرافد الأساس في دراسة هذه الأنساق التبشير السوسيري بهذا العلم العام الذي سيهتم بأنظمة العلامات في الحياة الاجتماعية، فدراسة الإشارات وعلامات المرور (بيير غيرو) والمطبخ واللباس ونسق الموضة (رولان بارت) والحركات الكينيزية (سابير)، اعتمدت جميعها مصطلحات لسانية، حيث نتحدث مع بارت وغيره عن الثنائيات اللسانية السوسيرية(الكلام/ اللسان؛ التوزيع/ الاستبدال، العام / الخاص)، ومع سابير عن الحركات الصغرى التي تقابل الفونيمات والحركات المركبة التي تقابل المونيمات، أي خلق نحو للحركة على غرار نحو اللغة.
غير أن التواصل غير اللفظي في هذا المجال يخضع للمعيار الأنتروبولوجي، فلكل ثقافة نمطها المخصوص في تداول الرموز، ولا يمكن للإنسان أن ينفي هذا الاستعمال، فالحركات تختلف بالضرورة بحسب الموقف والتحديد الجنسي والطبقة والتعامل والتنشئة الاجتماعية، لذلك فكي تؤدي الحركة دورها ينبغي أن نراعي فيها هذا الاختلاف، فاليد تبطش وتُرَبِّثُ وتسر وتهدد وتهدهد وتختزل اللغة الإشارية وتنجي من الرتابة اللفظية، وحركات الجسد تستفز وتعتدي وتتبختر وتتغنج.    
وتعتبر العين أرقى طريق في التواصل غير اللفظي، إذ تختزل البعد الإنساني بأكمله عبر النظرة، فهي تقتل وتبكي وتضحك وتستفز وتغمز وتلمز وتهين وتحتقر وتعد وتسر. ويلعب اللون كذلك دورا مهما سواء تعلق بلون الوجه وتعبيراته المختلفة بحسب المواقف، أو من خلال طبيعة الألوان المرافقة للباس والزي والمكان، فالأحمر غير الأصفر والأسود في كثير من المواقف، إذ اللون ينفر أو يثير أو يجذب أو يريح، وتقول الألبسة كلاما تعجز عنه الألفاظ، فهي تفشي الانتماء القيمي عبر مدلولاتها المتعية وطرق النظر إلى العالم والأشياء.     
وقد تجلت هذه النتائج كثيرا في دراسة الإشهار باعتباره تمثيلا واضحا للتواصل الفعال الذي يجمع بين اللغة اللفظية واللغة غير اللفظية وصولا إلى المتلقي، كما ظهرت وفق هذا التوجه السيميائي نظرية البروكسيمياء أو دراسة المسافات ودرجات القرب في التواصل(طوماس هال)، تحضر أكثر في التواصل التربوي والتواصل الإداري وفي العلاقات الإنسانية عامة، فالشخص الذي تحضنه، في ثقافتنا المغربية، يشكل له ذلك تواصلا أفضل من السلام عليه بالوجه، أو باليد فقط، أو تكتفي بالإشارة باليد. فالقرب في المسافة قرب في الحميمية والود، لذلك كان الزواج في التداول الإسلامي أكبر مثال للود، حيث عُبِّر عليه باللباس في قوله تعالى''هن لباس لكم وأنتم لباس لهن''، وهذه العبارة أكبر تعبير على هذه الحميمية، إذ لا شيء يفصل بين اللباس وصاحبه.
أما التواصل التربوي فقد استفاد من إواليات التواصل في علم النفس وعلم النفس المعرفي واللسانيات وعلم الاجتماع وغيرها، وارتبط بالعملية التعلمية التعليمية باعتبارها بنية تواصلية تجمع بين مثلث ديداكتي (المعلم والمتعلم والمادة الدراسة). ولم تَخْلُ النظريات التربوية ابتداءً من السلوكية (نظرية المثير والاستجابة) إلى المعرفية من حضور هذا المضمون، حتى إنه اليوم أصبح مقرونا ببيداغوجيات متعددة كنظرية التفاعل الصفي، ودينامية الجماعة، والإدماج، وأسلوب التغذية الراجعة، وبيداغوجيا الفوارق؛ لأن التواصل في حقيقته تبادل للمعلومات بطريقة أفقية أو عمودية.
تظهر الطريقة الأفقية في التعليم الحديث الذي يقوم على التفاعل الصفي ويجعل التلميذ محور العملية التعليمية التعلمية، عبر التعلم الذاتي والتفاعل مع الزملاء، بينما الطريقة العمودية فتشكل التقليدية منها، تنظر إلى المتعلم بوصفه صفحة بيضاء يُلَقَّن فقط. لذلك يجب في التواصل التربوي الابتعاد عن اللفظية الزائدة واعتماد الوسائل السمعية البصرية في التعلم تجاوزا للرتابة في التعليم خصوصا في المراحل الأولى منه، حيث إن طفل القرن الواحد والعشرين لم يعد مثل طفل بياجي يغتر باللفظ، بل أمسى اِبْنًا للصورة والتواصل غير اللفظي الذي يملأ مجاله وتداوله اليومي, ومنه فالتربية الحديثة لا بد من تلبي حاجة هذا المتعلم الجديد.
غير أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتجاوز العوائق التعليمية التي تخص اللغة غير اللفظية، منها ما يرتبط بالمعلم، وما يتعلق بالمتعلم، وما يستند إلى المنهاج الدراسي، وما يتعلق بالمجال أو البيئة التعليمية (يمكن الرجوع إلى مقالنا المنشور في الموقع:"الدور التربوي والتعليمي للصورة" لتفصيل القول).