عن أنفاس نت
"لا يمكن أن يصبح مربيا من لا يستطيع أن يحس بحياة الطفولة تسري بداخله." سيجموند فرويد.
"الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بالتربية" إمانويل كانط.
"إن الإنسان الذي ينتقل من صورة الوجود بالقوة إلى صورة الوجود بالفعل، أمر مرهون بالفعل التربوي" هنري بييرنو.
تعد المراهقة من أهم المراحل العمرية وأخطرها على الإطلاق. إنها مرحلة عمرية يمر بها الإنسان في حياته خصوصا عندما يتجاوز مرحلة الطفولة، وتستمر حتى مرحلة النضج. رغم أن البعض يرفض جعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية محددة،و يؤكد أنها سيرورة مستمرة مع الفرد في كل فترات عمره.
إن ما جعل ويجعل جل الباحثين يركزون فترة المراهقة كمرحلة وسطى بين الطفولة والرشد، هو ما يحدث للطفل من تغيرات جذرية على جميع المستويات الجسمية والعقلية والانفعالية الوجدانية التي يعيشها المراهق في هذه السن، لهذا وجبت معاملته بأساليب وطرائق تربوية لما لهذه المرحلة من خصوصية ومن حساسية. و كل تعامل مع المراهق دون مراعاة لحساسية هذه الفترة العمرية يقود مباشرة إلى اضطرابات سلوكية وخلل في التوازن النفسي لشخصية المراهق، تجنح به في متاهات الرذيلة والممارسات المشبوهة والتعاطي للمخدرات والخمور، بل أكثر من ذلك قد تجنح به إلى عالم الإجرام والدعارة والفساد...، لهذا تحتاج أسرنا ومؤسساتنا التعليمية وكل القائمين على الشأن التربوي إلى فهم حقيقي لشخصية المراهق، وإلماما جيدا بنظريات علم النفسي التربوي والاجتماعي، حتى تتمكن هذه الشريحة الاجتماعية من توجيه المراهق توجيها صائبا يخدم المجتمع ويجعل منه قوة فاعلة وأساسية في تنمية المجتمع والدفع بعجلته إلى التقدم.
"الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بالتربية" إمانويل كانط.
"إن الإنسان الذي ينتقل من صورة الوجود بالقوة إلى صورة الوجود بالفعل، أمر مرهون بالفعل التربوي" هنري بييرنو.
تعد المراهقة من أهم المراحل العمرية وأخطرها على الإطلاق. إنها مرحلة عمرية يمر بها الإنسان في حياته خصوصا عندما يتجاوز مرحلة الطفولة، وتستمر حتى مرحلة النضج. رغم أن البعض يرفض جعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية محددة،و يؤكد أنها سيرورة مستمرة مع الفرد في كل فترات عمره.
إن ما جعل ويجعل جل الباحثين يركزون فترة المراهقة كمرحلة وسطى بين الطفولة والرشد، هو ما يحدث للطفل من تغيرات جذرية على جميع المستويات الجسمية والعقلية والانفعالية الوجدانية التي يعيشها المراهق في هذه السن، لهذا وجبت معاملته بأساليب وطرائق تربوية لما لهذه المرحلة من خصوصية ومن حساسية. و كل تعامل مع المراهق دون مراعاة لحساسية هذه الفترة العمرية يقود مباشرة إلى اضطرابات سلوكية وخلل في التوازن النفسي لشخصية المراهق، تجنح به في متاهات الرذيلة والممارسات المشبوهة والتعاطي للمخدرات والخمور، بل أكثر من ذلك قد تجنح به إلى عالم الإجرام والدعارة والفساد...، لهذا تحتاج أسرنا ومؤسساتنا التعليمية وكل القائمين على الشأن التربوي إلى فهم حقيقي لشخصية المراهق، وإلماما جيدا بنظريات علم النفسي التربوي والاجتماعي، حتى تتمكن هذه الشريحة الاجتماعية من توجيه المراهق توجيها صائبا يخدم المجتمع ويجعل منه قوة فاعلة وأساسية في تنمية المجتمع والدفع بعجلته إلى التقدم.
وهذا ما يسقطنا مباشرة فيما يصطلح عليه بالتنمية البشرية-الاستثمار في البشر عوض الاستثمار في البقر والحجر. فكم من دولة لا تتوفر على مواد أولية أساسية لكنها توجد في مصاف الدول المتقدمة كاليابان وكوريا وسنغافورة... بفعل الاستثمار في طاقاتها البشرية الشابة - خصوصا وأن إحصائيات اليونسكو تؤكد أن 50 في المائة من سكان العالم الثالث، و ثلث سكان الدول الصناعية من المراهقين. هذه النسب العالية من الشباب المراهق يدعونا إلى الاهتمام بها اهتماما زائدا والعناية بها العناية الفائقة لأنها تشكل مستقبل شعوبها، فطفلُ ومراهقُ اليوم هو راشد الغد، هو اليد العاملة والمدرس الناجح، والوزير الصالح ورب المعمل والفقيه الموجه.. ألم يقل فرويد:"الطفل أبو الرجل". وبما أن نسبة المراهقين تميل لصالح الدول السائرة في طريق النمو، فهذه فرصة تاريخية لهذه الدول من أجل اللحاق بركب الحضارة والتقدم والصناعة، والخروج من التخلف عبر تركيز استثماراتها في النهوض بأوضاعهم وتعليمهم التعليم الجيد، وتربيتهم التربية السليمة، وتوجيهم التوجيه الفعال الذي يجعل منهم طاقات فاعلة في صناعة مستقبل هذه الأمم. ولا عجب أن نجد مجموعة من الدولة استثمرت في شبابها وجعلت منهم أساس نموها الاقتصادي والاجتماعي ولحقت بواسطتهم بركب الحضارة ،عكس ما نجده في بعض الدول التي تقتل طفولتهم وتبدد طاقاتهم فيما يخرب مجتمعها كما هو الحال في السودان والصومال ودول إفريقيا جنوب الصحراء وأفغانستان واليمن .. التي تعمل على تسليحهم والدفع بهم الى مستنقعات الإرهاب وحمل السلاح وقتل بعضهم البعض...، بل إن الكثير من المشاكل التي تقع بين الآباء والأبناء، أو تلك التي تحصل بين المدرسين والتلاميذ، يمكن تجنبها إذا كان الأستاذة والآباء على إلمام ولو يسير بنظريات المراهقة تساعدهم على فهم نفسية المراهقين و التواصل معهم بشكل أفضل. بل حتى الساسة مطالبين بفهم نفسية المراهق، لمعرفة كيفية الاستفادة من طاقاته، وتجنيبه الوقوع في يد جماعات تستغله فيما يضر بالمجتمع، وذلك " لما تتميز به هذه الفترة من قوة وحيوية وحماسة، فالشباب عموما يمثل طاقة حيوية تميل إلى التجديد والتغيير، ومن ثمة فان استهواءها بالأفكار والإيديولوجيات مسألة واردة"[1]، لهذا نرى الدول المتقدمة تعمل على توجيه شبابها في صناعة مستقبلها، عكس ما تفعل بهم الدول المتخلفة كما اشرنا إلى ذلك سابقا، حيث يُصنع منهم قوة إرهابية تهدم وتخرب...
إن المحيط التربوي والأسري الذي يدور في فلكه المراهق مطالب وبإلحاح بإعطاء العناية اللازمة لنظريات المراهقة، خصوصا في عصرنا الحالي عصر الصناعة والتكنولوجيا والتحضر السريع. كما أن الأساتذة مطالبون بتوسيع خبراتهم وإلمامهم بنظريات المراهقة حتى تتسنى لهم معرفة وسائل التعامل المثلى مع المراهقين وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على السب والشتم والضرب أحيانا، أو القائمة على الحشد والتجييش وتسميم عقول الشباب بالأفكار التكفيرية والإرهابية التي تقود الى تحريف الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها، وكذا تجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات بين الاساتذة والمراهقين وينعكس سلبا على سير الدرس ومستوى التحصيل العلمي للتلاميذ. لهذا نجد الباحثين في الشأن التربوي يلحون على ضرورة التهييء الجيد للعمل التعليمي والتربوي لصعوبته وتعقيده خصوصا وان المدرس يتعامل مع فئة المراهقين.
نظرا لما لهذه المرحلة من أهمية قصوى في حياة الإنسان كان لزاما تحديدها بدقة ومعرفة أسبابها ومميزاتها وما ينتج عنها. فمتى تبدأ فترة المراهقة؟ وهل يمكن الحديث عن فترة المراهقة كفترة خاصة ومحددة؟ أليس من قبيل التعسف والاصطناع المبالغ فيه اعتبار المراهقة مجرد فترة أو مرحلة زمنية يمر منها الإنسان، وليست خصائص ومميزات قد تستمر أو يجب ان تستمر معه حتى في فترة الشباب والنضج؟
رغم ما صرحنا به سابقا من كون فترة المراهقة هي الفترة التي تتوسط الطفولة والرشد، فإن جل الباحثين لا يعترفون بذلك لأن هناك مجتمعات لا تعرف المراهقة أصلا، ومجتمعات أخرى لا يعيش فيها الطفل حتى طفولته الطبيعية، فكيف سيعيش حياة المراهقة؟ فمجتمعات العالم الثالث أو ما يصطلح على تسميتهم بالمجتمعات السائرة في طريق النمو تعمد إلى تشغيل الأطفال في سن مبكرة، أو تقحمهم في النزاعات العرقية والحروب الأهلية أو القيام بأنشطة فلاحية أو رعوية .. لكن ظهور الصناعة وما يتبع ذلك من تكوين عال للفرد المقبل على سوق الشغل أصبحت تلزم الفرد بالجلوس على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة قد تتطلب منه سنوات من التكوين "هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها الفرد الإنساني في هذا الوضع تحسسه بنوع خاص من الوجود الذي لم تكن تعرفه الأجيال الماضية في حياتها البسيطة، مما ولد الإحساس والوعي بمرحلة خاصة في الوجود البشري، مرحلة لها ثقافتها وحاجاتها وأسلوبها الخاص في الحياة، وهي مرحلة المراهقة"[2]. هذا يعني أن المراهق نتاج المجتمعات الصناعية بامتياز، لهذا لا عجب أن نجد أول مؤلف عن سيكولوجية المراهق قد ظهر سنة 1904 على يد تلميذ العالم الألماني فونت مؤسس علم النفس ومؤسس أول مختبر لعلم النفس العلمي في مدينة لايبزج بألمانيا، هذا التلميذ هو ستانلي هول. مع ذلك لا يصح كما قلنا سابقا اعتبار المراهقة مستقلة عن بقية المراحل الأخرى، بل ينبغي النظر إليها كما يقول البعض كسيرورة، "أي عملية حياة مستمرة ومتصلة". كما أنها تختلف من بيئة اجتماعية إلى أخرى باختلاف القيود والأنماط والنماذج السلوكية لكل بيئة سوسيو-ثقافية".[3]
إن ما دفعنا إلى الاهتمام بالمراهقة هو التغيرات السريعة التي تحدث للفرد في هذه المرحلة سواء على مستوى الجوانب النفسية أو الاجتماعية أو العضوية لشخصيته، فهي مرحلة ذات إيقاع سريع جدا، حيث يعرف المراهق نموا جسمانيا سريعا وطابعا نفسيا متغيرا يلاحظه الجميع ، وهذا ما يقتضي على حد تعبير احمد أوزي من "الآباء أو المدرسين، معرفته من أجل السعي لتحقيق توافق المراهقين مع مختلف المواقف ومساعدتهم بقدر الإمكان، على تجاوز صعوبات ومعاناة هذه المرحلة."[4] فإلمام الآباء والمربين وكذا المراهقين بخصوصية هذه المرحلة تسمح بتحسين التواصل بينهم وتجنب المشاكل، وكذا توجيه المراهق التوجيه الذي يخدم البلاد والعباد...
لهذا وجب حصر دلالة المراهقة. فما هي دلالات المراهقة؟
في لسان العرب لابن منظور نجد:"راهق الغلام، فهو مراهق إذا قرب الاحتلام. والمراهق: الغلام الذي قارب الحلم، وجارية مراهقة. ويقال جارية راهقة وغلام راهق، وذلك ابن العشر إلى إحدى عشر" أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب. وفي ذلك المعنى يقول "الزمخشري" رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ وصبي مراهق أي مدان للحلم"[5]. يتبين أن المراهقة لها علاقة بالبلوغ والقدرة على الإنجاب حيث لا نجد تمييزا بين المراهقة والبلوغ والقدرة على التناسل والتزاوج والتوالد. نفس الأمر نجده في المعاجم الفرنسية:فمصطلح مراهقة يقابله اللفظ " adolescence " المشتق من الكلمة اللاتينية "adolescentia " التي تشتق ككلمة " adolescens" من الفعل اللاتيني " adolescere" الذي يترجم بمعنى كبر "grandir". فالمعنى الحرفي للمراهقة يعني كل المرحلة العمرية التي تتصف بالنمو والتطور، فهو ينطبق على المرحلة التي يصل فيها النمو الجسمي للفرد الاجتماعي إلى نهايته. لهذا لا عجب إن وجدنا البعض يعرف المراهقة على أنها المرحلة التي يكتمل فيها النمو الجسمي للفرد فيأخذ الجسد شكلا جديدا.
في معجم روبير نجده يعرف المراهقة انها"adolescence :âge qui suit la puberté et précède l’âge adulte (environ de 12 à 18 ans chez les filles, 14 à 20 ans chez les garçons). Un amour d’adolescence , adolescent, entre , jeune garçon, jeune fille à l’âge de l’adolescence". يتبين من خلال هذا التعريف (معجم rebert ) أن هناك تميزا بين المراهقة والبلوغ والرشد على اعتبار أن المراهقة هي المرحلة التي تلي البلوغ وتسبق سن الرشد والممتدة ما بين 12 و 18 بالنسبة للإناث، 14 و20 سنة بالنسبة للذكور. ومع ذلك يتبين أن جل التعاريف تجعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية سابقة على سن الرشد.
وفي معجم "ليتريه" littré " نجده مفهوم adolescence" هي "المرحلة التي ينتقل فيها الكائن من الطفولة إلى الرشد، أي الانتقال من مرحلة الاتكالية إلى مرحلة الاعتماد على الذات".
ويعرف "مارشال" "marshall" المراهقة أو البلوغ بالمرحلة التي يصبح فيها الكائن ناضجا جنسيا مع ظهور الخصائص التكوينية التي تؤدي إلى اختلاف كلي بين الذكورة والأنوثة. وخلال هذه المرحلة يصبح للخصائص الجنسية الثانوية أهمية كبيرة لأول مرة، بينما الأعضاء الضرورية للتناسل تأخذ حجمها الطبيعي"[6]. "إن هذا التعريف يتوافق مع التعريف الشعبي الذي يعتبر الجنس هو المصطلح المستخدم لوصف انقسام أفراد النوع الواحد إلى شكلين متكاملين ومتناقضين يعرفان بالشكل الذكوري والشكل الأنثوي"[7].
يتضح من خلال هذه التعاريف السابقة أن هناك ربطا بين البلوغ والمراهقة، بين المراهقة والنشاط الجنسي التناسلي: فهل المراهقة هي البلوغ أم بينهما اختلاف؟ هل يتفق التعريف البيو-نفسي مع التعريف البيو-جنسي للمراهقة أم يختلفان؟ أين تتجلى أوجه الاختلاف وأوجه التشابه؟ وما هي نتائج التغيرات البيولوجية على نفسية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية؟ هل للتغيرات الجنسية تأثير على الجانب النفسي والاجتماعي للمراهق؟
لا ينفي التعريف البيو-سيكولوجي للمراهقة نمو المظاهر البيولوجية والجنسية، لكنه ينصب حول دراسة التغيرات النفسية الغامضة التي تصاحب هذا النمو في الأعضاء الجنسية والمورفولوجية، وهذه التغيرات لها بالغ الأثر على شخصية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية لأن النظام العلائقي للشخص مع الآخرين يتغير بكامله. لهذا نجد بعض علماء النفس يعتبرون هذه المرحلة مرحلة اضطراب ومعاناة. إنها في نظرهم مرحلة أزمة خانقة يمر بها الفرد في حياته خصوصا في المجتمعات الصناعية التي يطول فيها انتظار الفرد فرصة الاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، وحيث حياة الدراسة تأخذ منه وقتا طويلا للاندماج، عكس مجتمعات البوادي التي تشكل مرحلة المراهقة مرحلة قصيرة نظرا لاندماج الأفراد مبكرا في الحياة العملية كالأعمال الفلاحية والرعي والزواج المبكر وتكوين الأسرة.... هذا الاختلاف دفع بعض الدارسين إلى القول بأن مرحلة المراهقة وليدة المجتمعات الصناعية وليس المجتمعات التقليدية... وهناك ما يؤكد ذلك خصوصا إذا أخذنا بعض الأدوار التي قام بها بعض الشباب وهم صغار السن، فهذا أسامة بن زيد يكلفه الرسول صل الله عليه وسلم بتكوين جيش عظيم تحت إمرته وهذا دليل على أن هذا الصحابي لم تكن المراهقة لديه أزمة بل كانت طاقة وظفها فيما يخدم قضية الإسلام.... المراهقة إذن فترة تبتدئ بالبلوغ أي الطمث عند المرأة والمني عند الرجل وتنتهي بمشاركة الفرد في الحياة الاجتماعية وامتهانه مهنة ما وحصوله على حقوقه المدنية والزواج وتكوين أسرة...
كثيرا ما تُفهم المراهقة كأزمة فهل هي كذلك أم هي مجرد تأزيم نظرا لسوء فهمنا لها؟ يقول الدكتور احمد أوزي :" سعيا لفهم شخصية المراهق وما يعتمل داخلها، نلقي نظرة وجيزة على أهم ما يطبع هذه الشخصية ويسبب لها مثل هذا الاضطراب. إن المراهق في هذه المرحلة من العمر يلتفت كثيرا إلى ذاته وينظر إلى نفسه كذات مستقلة ويحاول بنظرة مقارنة النظر إلى خبراته الحالية كيف تختلف اختلافا كبيرا عما كانت عليه أيام الطفولة السابقة على مرحلة المراهقة، وليس الوعي بالذات وليد مرحلة المراهقة، فهو يبدأ منذ الطفولة، ولكن الجديد فيه هو تعميق هذا الوعي وبلورته. ويدعو العالم السيكولوجي "يونج" هذه الظاهرة "تيقظ الشعور" أي شعور المراهق بذاته وآنيته على نحو لم يسبق له مثيل في حياته السابقة، وتيقظ الشعور هذا، أو الشعور بالآنية أو "الميلاد النفسي" بتعبير يونج نفسه يتم بعد البلوغ وانبثاق الحياة الجنسية، حيث تظهر تغيرات جسمية مفاجئة وطارئة بشكل يثير انزعاج المراهق ويجعله يركز اهتمامه على ذاته وتفحصها وتقويمها"[8]. هذا يعني أن المراهق يهتم بذاته اهتماما متزايدا إلى حد المرض خصوصا مع النمو السريع لأعضائه وجسمه في هذه المرحلة العمرية، ويقف أمام المرآة لوقت ليس بالهين يتأمل جوانب جسمه ومناطقه التي أصابها النمو السريع مما يجعله يحس بالانزعاج والإحراج والاضطراب، وبالأخص " إذا كان الأفراد المحيطين به لا ينقطعون في كل مناسبة عن إثارة انتباهه إلى هذه التغيرات كعلامة على تخطيه الطفولة ووجوب ابتعاده عن أعمالها وسلوكها الطفولي".[9] وسبب هذا الإهتمام المتزايدة هو التغيرات الجسمية التي تطرأ على جسم المراهق أو المراهقة كطول الساقين واستدارة الفخذين ونبت الشعر على الوجه وتضخم الصوت وتغير ملامح الوجه، وبدء الطمث لدى المراهقة وبروز النهدين، إلى غير ذلك من المظاهر الأساسية أو الثانوية التي تلحق جسم المراهق أو المراهقة فتجعله يهتم بنفسه لمعرفتها، لأنها أصبحت شيئا غريبا يحتاج فعلا إلى المعرفة بعد أن كان مألوفا وعاديا في مراحل النمو السابقة. في ظل هذه الظروف نجد المراهق يحاول التخلص من عالم الطفولة وينجذب نحو أفاق المستقبل الرحب. هذه الرغبة في التخلص من الطفولة هي ما يَصطلح عليه "ليفين" "lewin " "تغيير الانتماء للجماعة".هذه المحاولة ليست بالسهلة ولا بالهينة بل تترتب عنها اضطرابات شديدة تعود أسبابها إلى:
1-عدم مساعدة الراشدين له في عميلة الاندماج في عالم الراشدين، وعدم الاعتراف بقدراته وكفاءته، مما يجعله يحس أنهم لا يعترفون له بذاته...
2-هذا الانتقال يتطلب منه أساليب جديدة للتكيف والتوافق. والمراهق ورغم إحساسه بالكفاءة فانه يحتاج إلى مزيد من النضج، لأن اصطدامه مع موقف معين في عالمه الواقعي يصيبه بالذهول والضعف وعدم القدرة على تجاوزه، مما يجعله يرتد إلى الوراء،ثم يحاول فإذا وجد من يقف معه ويمده بالعون ويوجهه ويساعده استطاع الاندماج في عالم الراشدين، وان لم يجد من يقف معه ويأخذ بيده تعرضت حياته للاضطراب والصراع فيدخل في حرب مع المجتمع الأسرة والأساتذة والأصدقاء أي المحيط) بهدف نيل اعترافه بذاته وباستقلاله باعتباره الهدف الذي يسعى إليه كل مراهق.
3-هذا الانتقال كذلك هو انتقال إلى جماعة جديدة جماعة الكبار، وهذا يتطلب معرفة بهذا العالم الجديد لكن المراهق لا دراية له بهذا العالم. هذا الجهل بعالم الكبار والغموض الذي يكتنف المراهق يجعله في تردد وخوف وحيرة وعدم ثبات السلوك مما يجعله يدخل في صراع وحرب مع المجتمع وهذا يحتاج إلى مساعدة وتوجيه من قبل الكبار؛"فالمراهق لا هو بالطفل ليبقى مع جماعة الأطفال، ولا هو براشد لينضم إلى جماعة الراشدين. فهو شخص يقف على الحدود بين جماعتين غير متأكد من انتمائه إلى إحداهما وموقف كهذا يسلم صاحبه إلى عدم الاستقرار الوجداني، وإلى الحساسية الانفعالية الزائدة، هذه الحساسية النفسية التي عبر عنها المهتمون بسيكولوجيا المراهقة، بقولهم: إن المراهقة تعتبر "فترة الزوبعة النفسية أو العاصفة الذاتية"[10].
4-هناك مشكل آخر يعانيه المراهق ألا وهو مشكل القيم، فالقيم التي يتلقاها المراهق في المنزل في الأسرة ليست هي القيم الموجودة في الكتب التي يطالعها الفرد، كما أنها ليست القيم التي تعمل وسائل الإعلام على نشرها وترويجها. ونحن نعلم أن وسائل الإعلام أصبحت تلعب دورا خطيرا في عالم اليوم. إن هذا التضارب في القيم وعدم قدرة المجتمع على تحديد نوع القيم التي يجب إكسابها للأطفال والمراهقين تدفع إلى نشأة جيل جديد يعاني تمزقا وتشتتا نفسيا...لهذا وجب الاهتمام بهذه المرحلة وإعطائها العناية اللازمة.
من خلال ما سبق يتبين أن مفهوم المراهقة يختلف عن مفهوم البلوغ بمعناه الجنسي: فما علاقة المراهقة بالبلوغ؟
إن الفرق بين المراهقة والبلوغ يكمن في اقتصار هذا الأخير على الجانب العضوي الجنسي من المراهقة فقط، فالبلوغ هو"المظهر البيولوجي لمرحلة المراهقة، وهو يشمل المرحلة التي يصبح فيها الكائن قادرا على التناسل"[11]. إنه "المرحلة التي يتم فيها النضج الجنسي الذي يحصل عند الإنسان خلال مراحل تستمر لفترات طويلة، تنتهي عادة في الوقت الذي تصل فيه الفتاة إلى مرحلة نضج المبيضين وبدء الطمث، والفتى إلى مرحلة القذف"[12]. وكما جاء في لسان العرب لابن منظور:"بلغ الغلام: احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه والتكليف، وكذلك بلغت الجارية. التهذيب: بلغ الصبيّ والجارية إذا أدركا، وهما بالغان". فترة البلوغ لا ترتبط بأول طمث للأنثى وأول قذف للذكر، بل ترتبط بالقدرة على التناسل. وقد حدد العلم فترة البلوغ تقريبيا ب الفترة العمرية من 11 سنة إلى 16-17 سنة بالنسبة للأنثى، ومن 12 إلى 18 سنة بالنسبة للذكر. وفترة البلوغ هذه فترة حساسة من حياة المراهق، لأنها تصيبه "بالاضطراب والارتباك وعدم التناسق مما يدفعه (كما يؤكد احمد اوزي ) إلى إتيان نوع من السلوك الشاذ وعدم القدرة على ضبط الحركات، وخاصة في المواقف التي تجمعه بالراشدين، حيث يفقد في بعض المواقف توازنه العضوي-الحركي. وهذا ما دعا بعض السيكولوجيين إلى تسمية فترة البلوغ باسم "الفترة السلبية."[13] لكن الملاحظ أن فترات البلوغ أصبحت تأتي متقدمة بعض الشيء على ما كانت عليه في السابق ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها: تحسن ظروف الحياة والمستوى الاجتماعي للأسر وتطور الطب، لهذا نجد الأفراد حاليا يصلون سن البلوغ مبكرا عكس ما كان سابقا وذلك ل "شدة الاستثارات للجهاز السمباتي(sympathique) ، والتي تحدثها الحياة العصرية. فالضوء الاصطناعي والضجيج والاستثارات البصرية والعاطفية تستثير جميعها الجهاز العصبي مما يؤدي إلى تنشيط عملية الأيض (métabolisme) وهذا ما يفسر التزايد في القامة والظهور المبكر لعلامات البلوغ"[14] ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة كعامل العرق وعامل الوراثة، حيث هناك بعض الأعراق تصل مرحلة البلوغ قبل غيرها، وهناك كذلك من تصل أو يصل إلى مرحلة البلوغ كما كانت أو كان أمها أو أبوها. فهل من أسباب للبلوغ؟ ليس هناك جواب علمي حاسم في هذه الأمر، ومع ذلك هناك دراسات تقول بأن الغدد الجنسية التي كانت في حالة كمون تتيقظ بفعل الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية. لكن السؤال يبقى لماذا لم تتحرر هذه الهرمونات إلا في هذه الفترة؟
هناك دراسات افترضت وجود "مركز جنسي" في أسفل الدماغ ومنه تنطلق الشحنات التي تطلق النشاط الهرموني الذي سيكون مسؤولا عن إحداث التغييرات المورفولوجية التي ستحدد مظاهر البلوغ. ولكن السؤال يظل قائما مرة أخرى: لماذا بدأ هذا المركز بوظيفته فجأة على الرغم من تشكله في مراحل سابقة؟ ليس هناك جواب علمي دقيق على هذا السؤال ف"البلوغ هو ظاهرة طبيعية يتطلب ظهورها تكامل الأوليات العصبية والهرمونية الضرورية لاستكمالها"،إن "المظهر الطبيعي للبلوغ يتوقف في نهاية الأمر على الفعالية الوظيفية للغدة النخامية والغدد الصماء التي تنشط بفعل الشحنات المتأتية من الجهاز ما تحت ألسريري (الإبوتالموس)[15].
اذا كان البلوغ بيولوجيا يتحدد بقدرة الإنسان على التناسل، فإنه من وجهة نظر قانونية يتحدد بقدرة الإنسان علي الزواج. وبما أن سن الزواج يختلف من مجتمع إلى آخر، فإن النظرة القانونية للبالغ تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك، ففي المغرب مثلا يحدد سن الزواج في 18 سنة وهو سن البلوغ..
بعض المقاربات السيكولوجية التي تناولت ظاهرة المراهقة:
1-المقاربة الكلاسيكية لسيكولوجية المراهقة الذي أسسها الأمريكي "ستانلي هول" "Stanley hall" والعالم "جزل" " Arnold Gesell"فإليهما يرجع فضل تأسس أول نظرية المراهقة. "فهول" هوأول من قال عن المراهقة :"إنها مرحلة تستحق بحق أن تكون موضوع علم النفس بأكمله". يرى هذا العالم أن "الأزمة" التي يمر منها جميع المراهقين، يعود سببها إلى تلك التغيرات العضوية التي تطرأ على بنية الفرد الشيء الذي يؤثر في توازنه العضوي والنفسي والاجتماعي. فقد رَكزت دراستهما على "عمليات النمو الجسمية والجنسية، إلى جانب الملاحظات الطبية، ومعتبرة أن الحياة النفسية عند المراهقين يحددها النمو البيولوجي"[16]. فالنمو البيولوجي في نظرهما لا يتوقف على بروز وظهور الأعضاء والخصائص الجنسية الأولية والثانوية (الأعضاء الجنسية والثانوية الحيوانات المنوية والمبيض)، وإنما أيضا نموا داخليا وتغيرات هرمونية متعددة. هذه التغيرات الخارجية والداخلية لها تأثير عميق في تحديد شخصية المراهق. هكذا ترتبط المراهق عند أصحاب هذه النظرية بالبلوغ. ولما كان البلوغ عند الجميع فالمراهقة مرحلة يمر بها الإنسان عموما، أي أنها خاصية ترتبط بالجنس البشري وليس بالإنسان الذي يعيش في المجتمعات الصناعية.
خصائص المراهقة عند هول تتجلى في:
"1-أنها مرحلة الأزمات والاضطرابات وسن العواصف.
2-أنها مرحلة الإفراط في المثالية وانتشار عبادة الأبطال والتعلق بالأهداف.
3-أنها مرحلة الثورة على القديم والتقاليد البالية.
4-أنها مرحلة الانفعالات الحادة والعواطف والحب والميل إلى الجنس الآخر والصداقة.
5-أهنا مرحلة الشك والنقد الذاتي والأحاسيس المفرطة.
6-أنها مرحلة انحلال الروابط بين عوامل "الأنا" المختلفة التي تشكل تماسكها"[17] .
المشكل الذي تواجهه هذه النظرية يكمن في ربطها المراهقة بالنضج البيولوجي دون مراعاة للعوامل الاجتماعية والحضارية التي تميز حضارة عن أخرى. فالتغيرات الملاحظة في سلوك المراهقين يمكن تفسيرها في نظره بالعوامل الفيزيولوجية ذات العلاقة بوظائف الغدد دون الرجوع للعوامل الثقافية.
يمكن تلخيص موقف هول من المراهقة في هذه الفقرة لأحمد أوزي والتي يقول فيها:إنها "العواصف والتوتر النفسي" وذلك لوصف مزاج المراهق وسلوكه الانفعالي المتسم بالتعارض والتناقض بين الأنانية والمثالية، وبين الحب والكره والحنان والقسوة. الخ..."[18].
2-المقاربة الأنثروبولوجية الاجتماعية: ويمثل هذه المقاربة كل من "مالينوفسكي" و "ميد مارجريت" " Margaret mead،هذه الأخيرة " تنفي الطرح السابق، وذلك بعد القيام بعدد من البحوث الأنثروولوجية على مجموعة من القبائل البدائية التي اكتشفت بغينيا الجديدة (قرب استراليا)، حيث ثبت أن المراهقين في تلك القبائل لا يمرون إطلاقا بتلك "الأزمة" مما يؤكد أن هذه المشكلة حسبهم لا ترجع إلى التغيرات العضوية فقط، بل إلى موقف المجتمع بتقاليده ومعاييره ومعاملاته من ومع المراهق.
لقد بينت "مارجريت ميد" أن ما ذهب إليه "هول"من اعتبار المراهقة "أزمة" ترتبط بالبلوغ والنمو الجسمي والجنسي، لتؤكد على أن المراهقة ترتبط بقيم المجتمع ونظرته للمراهق، "أي البيئة الاجتماعية، ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية للفرد"[19].
من خلال الأبحاث التي قامت بها "ميد" تبين لها أن المراهقة ليست مرحلة اضطرب بل هي مرحلة كسائر المراحل العمرية الأخرى، وأن بعض الشعوب التي قامت بدراستها كشعوب غينيا الجديدة جزر ساموا ببوليزيا (جزيرة ساموا تابعة لأمريكا وتوجد في المحيط الهادئ جنوب شرق أسيا، وهي مجموعة جزر تقع بين نيوزيلاندا وهواي) واندونيسيا لا تعرف المراهقة بالشكل الذي يعرفها الفرد الأمريكي، بل يعيش حياة هادئة "على خلاف ما يحدث للفرد في البيئة الثقافية الأمريكية، وان التباين الثقافي بين مجتمع "ساموا Samoa –الذي درسته ميد- وثقافة المجتمع الأمريكي هو الذي يفسر الفرق الذي نجده في ملامح شخصية المراهق في كلتا الثقافتين المختلفتين. [20] هكذا إذن تربط "ميد" المراهقة بالمستوى الفكري والحضاري والثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، إلى درجة يمكن القول معها أن"هناك المراهقة الهادئة والمتزنة في المجتمعات البدائية، والمراهقة في حضارات العصر الحالي حيث يسود القلق والتنافس والسرعة، فيشب الكائن ليجد نفسه في دوامة الآفاق المتعددة والحيرة: أي طريق يختار، وأي قيم ومعايير يتبع؟"[21]
فما طبيعة المراهقة في نظر ميد؟ وهل المشكلات والاضطرابات التي تواجه المراهقين تسببها المراهقة نفسها، أم تسببها طبيعة المدنية التي يعيشون فيها؟ وهل تختلف صور المراهقة باختلاف الظروف المحيطة بالمراهقين واختلاف مجتمعاتهم؟
بعض التجارب التي قامت بها "ميد" في بعض المجتمعات البدائية والمقارنة بينها وبين المجتمعات الحضارية كأمريكا "توصلت، في النهاية، إلى نتائج تبيّن أن شخصية المراهقين تتأثر بالنظام العلائقي الذي يقوم بين الكائن وأفراد العائلة، وبخاصة الأم في أثناء مرحلة الطفولة. وبالتالي، فان اختلاف التربية في نماذج المجتمعات البدائية التي قامت بدراستها في المجتمعات الحديثة ينعكس على مرحلة المراهقة.[22] هكذا تَبين لميد "أن أزمة المراهقة هي نتاج تناقض موقف المجتمع بمختلف مؤسساته، وعدم الثبات والاستمرارية في معاملة الأبناء والتأرجح بين الشدة والعطف والحرمان والإشباع والقسوة والتدليل".[23] غياب الصرامة والقسوة والضبط الصارم والقيم والقواعد الأخلاقية الصارمة يجعل المراهقين في هذه المجتمعات يعيشون حياة شبيهة بعالم الكبار، كما أن الإثابة والعطف والحنان والرضاعة الطبية الطويلة التي يتلقاها الأطفال في الصغر في المجتمعات البدائية لا تجعل مرحلة المراهقة عندهم مرحلة أزمة وقلق بل مرحلة عادية لا تختلف عن باقي المراحل إلا بالنمو الجسمي فقط. ولما كان الناس في هذه المجتمعات يظلون بدون ملابس كانت للأطفال معرفة مسبقة بالجسد لهذا لا يشكل عندهم النمو الجسمي أي مشكلة. عكس المجتمعات المتحضرة التي تربي أبناءها على الانضباط والصرامة في التعامل، ولا يتلقى الطفل الإثابة الكاملة بل عادة ما يُصرخ في وجهه إن هو لم يلتزم بقواعد السلوك وبالمعايير القيمية التي ينشئه عليها المجتمع. لهذا تشكل مرحلة المراهقة بالنسبة له أزمة وقلقا وتوترا ونجد عنده الأعراض العصابية.
3-المقاربة الدينامكية: تختزل المراهقة فيما يسمى محاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية. فمرحلة الانتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة غير مستقرة لأن المراهق لا يتوفر على شخصية خاصة، فهي مرحلة التقمصات والتماهيات، أي التوحدات وتقليد النماذج إلى أن يعثر المراهق على الشخصية التي تليق به وتستهويه والتي يريدها من حيث الشكل والسلوك وطريقة التعامل والاستجابات.
ف"ألبورت" "Gordon Willard Allport " وهو عالم سيكولوجي أمريكي، يفسر ظاهرة المراهقة بالتأكيد على أهمية الذات وتحديد مفهوم الشخص. لهذا ركز على أهمية الذات في حياة الفرد وفي تكوينه لشخصيته، وخصوصا في مرحلة المراهقة التي يتعاظم فيها إحساس الفرد بذاته ويعمل على إثباتها و تأكيدها. وقد اعتقد "ألبورت" أن للذات عدة مظاهر لهذا عمل على تحديد ووصف كل مظهر من مظاهرها.
-أبعاد الذات ومراحل تطورها:
أ-الذات الجسمية:يشكل الإحساس بالجسم أول بنية في تكون نسق الذات، لكن الإحساس بالجسم يأتي بعد إحساس الطفل بمحيطه، والخبرات الحسية والإحباطات التي يتعرض لها هي التي ترتب له الإحساس بذاته.
ب-هوية الذاتidentité de soi إحساس الطفل بذاته وبصفاته المعهودة غير ما يطرأ عليه من تغير، ويبدأ الطفل في معارضة كل شخص يقف أمام استقلاله وتأكيد ذلك، لهذا نجده يردد لفظة "لا" كثيرا.
ح-تأكيد أو إثبات الذات " Affirmation de soi " وهي خاصية تظهر مبكرا عند الأطفال، وهي من الحاجات الملازمة لنمو الطفل في كل مراحل حياته، وهي مظهر راقي وملازم للحياة، لكنه لا يصل إلى مرحلة النضج إلا بعد انفتاح الطفل على الآخرين، وهو ما يطلق عليه "بتوسع الذات".
د-تعميق الذات أو امتدادها "Extension de soi "تتجلى في إدراك الطفل للمحيط الذي يعيش فيه والديه وأدواته وبيته، أي أن ذاته لم تعد تنحصر فيه، بل امتدت وتوسعت إلى الأشياء التي يمتلكها ويتميز بها. هذا الامتداد عملية مهمة لعملية التوحد التي سيمتص من خلالها ويتشرب قيم المجتمع واتجاهاته ومعاييره...وعلى أساس هذه المعايير سيتبنى المبادئ والإيديولوجيات في المستقبل.
ه-صورة الذات " L’image de soi "صورة الذات لا تأخذ أبعادها الحقيقية إلا في مرحلة المراهقة، حيث يصبح الفرد قادرا على تكوين معايير يزن بها ذاته ويقدر بواسطتها قدراته ومهاراته ودوافعه ويتعرف على الاتجاهات والقيم التي تضبط سلوكه وتوجهه. لهذا فالمعلومات والخبرات التي يكتسبها الطفل من المدرسة والاحتكاك بالغير تلعب دورا مهما في تقييم الفرد لذاته ولما ينبغي أن يكون عليه وما يريده الغير أن يكون عليه، والأحكام التي يصدرها الغير عليه تشكل نواة صورة الذات لديه.
و-الذات العقلية Soi rationnel أو الذات العارفة Soi connaissant: أو المجهود المركزي كما يحلو "لألبورت" أن يسميه يشبه إلى حد ما "الأنا" عند "فرويد"،"لأن الأنا يسعى لضبط الدوافع الليبيدية من أجل التوفيق و إحداث التوازن بين دوافع الذات وقيم المجتمع ومعاييره حتى يحقق الفرد صورة ملائمة لدى نفسه ولدى الآخرين. إن دور هذا البعد من أبعاد الذات، دور قيادي لأنه يسعى إلى ضمان الأمن الذي يحقق التوازن الشخصي".[24]
المراهقة واستقلال الذات:
يكون الطفل في طفولته المتأخرة مهتم باكتشاف العالم المحيط به، لكنه بعد البلوغ، أي في مرحلة المراهقة يبدأ الطفل في الاهتمام المتزايد بذاته، حيث تتمحور كل أنشطته حول الذات ببيان استقلالها وتميزها عن الآخرين بعدما كان قبل ذلك يتقمص ويتوحد بالآخرين. وفي هذه المرحلة بالذات تنمو القدرات العضوية الجنسية للطفل مما يجعله يهتم بها كثيرا، كما تنمو القدرات العقلية وتزداد قوة وتعقيدا وتجريدا، حيث يصبح الفرد قادرا على ممارسة أكثر العمليات العقلية تعقيدا.."فتغدوا مشكلة الذات أو مشكلة الهوية الذاتية محطة رئيسية يحط فيها الفرد رحاله، غير أن هذه المرة يرافقه في هذا البحث العزم والتصميم على نزع الاعتراف بها وتحقيق مكان لها، ضمن بقية الذوات الاجتماعية الأخرى، وخاصة تلك الذوات التي كان بالأمس ظلا أو مجرد شبح لها. والواقع انه كلما سارع الآخرون إلى استقبال هذه الذات أو الكينونة الجديدة والاعتراف بها والإقرار لها بحق الوجود والانتماء، كلما ساهم ذلك في إخماد الصراع وتهدئة النفس، أما إذا وقفوا لها بالمرصاد، فإنها تتخذ أساليب للدفاع عن نفسها لتحقيق هذه الذات بأساليب ملتوية.[25]
4-المقاربة الرابعة: مقاربة الضغوط والإستراتيجية المواجهة. هناك ضغط داخلي ينبعث من الذات عبر التحولات التي تعرفها هذه المرحلة وضغوطات خارجية أسرية، واجتماعية،.....الاستجابة لهذه الضغوطات تتم عبر مجموعة من الاستراتيجيات لتفادي قوة هذه الضغوطات وتجاوزها، تنتهي بعد أن يتمكن المراهق من تطوير منظومة من الاستراتيجيات في مستوى هذه الضغوطات..
فكيف يجب أن ننظر إلى المراهق؟ هل كذات سلبية تتخبط في أزمة نفسية أم كذات ايجابية تحتاج لمن يتفهمها ويتفاعل معها؟ ألا تشكل مقاربات المراهقة عائقا نظريا يحول دون الفهم الحقيقي للمراهق (بإسقاطات نظرية)؟
لائحة المراجع:
الدكتور أحمد أوزي:"المراهقة والعلاقات المدرسية"، منشورات مجلة علوم التربية -8- الطبعة الثانية، مطابع النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
الدكتور عبد اللطيف معاليقي: المراهقة، أزمة هوية أم أزمة حضارة، دراسة تحليلية للمراهقة في واقعها وديناميتها ومعظّلاتها، الطبعة الأولى 1996، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت- لبنان.
-نفس المرجع ص: 8[1]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية..ص:10[2]
-نفس المرجع ص:11[3]
-نفس المرجع..ص12[4]
-لسان العرب، المجلد العاشر، ص:130[5]
-عبد اللطيف معاليقي: المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية..ص 26.[6]
-نفس المرجع، ص:27[7]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22[8]
[9]-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22.[9]
-نفس المرجع، ص، ص:23-24.[10]
-عبد اللطيف معاليقي:المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية، ص:19.[11]
-نفس المرجع، ص:20[12]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:18.[13]
-المراهقة أزمة هوية ام ازمة حضارة، ص:22.[14]
-نفس المرجع، ص: 25.[15]
-نفس المرجع، ص:39.[16]
-نفس المرجع، ص:41.[17]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:31.[18]
-نفس المرجع، ص:32.[19]
-نفس المرجع، ص:32.[20]
-المراهقة: أزمة هوية أم أزمة حضارة، ص:77.[21]
-نفس المرجع، ص:78.[22]
-نفس المرجع ،ص:81.[23]
-المراهق والعلاقات المدرسية،ص-ص: 48-49.[24]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:49.[25]
إن المحيط التربوي والأسري الذي يدور في فلكه المراهق مطالب وبإلحاح بإعطاء العناية اللازمة لنظريات المراهقة، خصوصا في عصرنا الحالي عصر الصناعة والتكنولوجيا والتحضر السريع. كما أن الأساتذة مطالبون بتوسيع خبراتهم وإلمامهم بنظريات المراهقة حتى تتسنى لهم معرفة وسائل التعامل المثلى مع المراهقين وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على السب والشتم والضرب أحيانا، أو القائمة على الحشد والتجييش وتسميم عقول الشباب بالأفكار التكفيرية والإرهابية التي تقود الى تحريف الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها، وكذا تجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات بين الاساتذة والمراهقين وينعكس سلبا على سير الدرس ومستوى التحصيل العلمي للتلاميذ. لهذا نجد الباحثين في الشأن التربوي يلحون على ضرورة التهييء الجيد للعمل التعليمي والتربوي لصعوبته وتعقيده خصوصا وان المدرس يتعامل مع فئة المراهقين.
نظرا لما لهذه المرحلة من أهمية قصوى في حياة الإنسان كان لزاما تحديدها بدقة ومعرفة أسبابها ومميزاتها وما ينتج عنها. فمتى تبدأ فترة المراهقة؟ وهل يمكن الحديث عن فترة المراهقة كفترة خاصة ومحددة؟ أليس من قبيل التعسف والاصطناع المبالغ فيه اعتبار المراهقة مجرد فترة أو مرحلة زمنية يمر منها الإنسان، وليست خصائص ومميزات قد تستمر أو يجب ان تستمر معه حتى في فترة الشباب والنضج؟
رغم ما صرحنا به سابقا من كون فترة المراهقة هي الفترة التي تتوسط الطفولة والرشد، فإن جل الباحثين لا يعترفون بذلك لأن هناك مجتمعات لا تعرف المراهقة أصلا، ومجتمعات أخرى لا يعيش فيها الطفل حتى طفولته الطبيعية، فكيف سيعيش حياة المراهقة؟ فمجتمعات العالم الثالث أو ما يصطلح على تسميتهم بالمجتمعات السائرة في طريق النمو تعمد إلى تشغيل الأطفال في سن مبكرة، أو تقحمهم في النزاعات العرقية والحروب الأهلية أو القيام بأنشطة فلاحية أو رعوية .. لكن ظهور الصناعة وما يتبع ذلك من تكوين عال للفرد المقبل على سوق الشغل أصبحت تلزم الفرد بالجلوس على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة قد تتطلب منه سنوات من التكوين "هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها الفرد الإنساني في هذا الوضع تحسسه بنوع خاص من الوجود الذي لم تكن تعرفه الأجيال الماضية في حياتها البسيطة، مما ولد الإحساس والوعي بمرحلة خاصة في الوجود البشري، مرحلة لها ثقافتها وحاجاتها وأسلوبها الخاص في الحياة، وهي مرحلة المراهقة"[2]. هذا يعني أن المراهق نتاج المجتمعات الصناعية بامتياز، لهذا لا عجب أن نجد أول مؤلف عن سيكولوجية المراهق قد ظهر سنة 1904 على يد تلميذ العالم الألماني فونت مؤسس علم النفس ومؤسس أول مختبر لعلم النفس العلمي في مدينة لايبزج بألمانيا، هذا التلميذ هو ستانلي هول. مع ذلك لا يصح كما قلنا سابقا اعتبار المراهقة مستقلة عن بقية المراحل الأخرى، بل ينبغي النظر إليها كما يقول البعض كسيرورة، "أي عملية حياة مستمرة ومتصلة". كما أنها تختلف من بيئة اجتماعية إلى أخرى باختلاف القيود والأنماط والنماذج السلوكية لكل بيئة سوسيو-ثقافية".[3]
إن ما دفعنا إلى الاهتمام بالمراهقة هو التغيرات السريعة التي تحدث للفرد في هذه المرحلة سواء على مستوى الجوانب النفسية أو الاجتماعية أو العضوية لشخصيته، فهي مرحلة ذات إيقاع سريع جدا، حيث يعرف المراهق نموا جسمانيا سريعا وطابعا نفسيا متغيرا يلاحظه الجميع ، وهذا ما يقتضي على حد تعبير احمد أوزي من "الآباء أو المدرسين، معرفته من أجل السعي لتحقيق توافق المراهقين مع مختلف المواقف ومساعدتهم بقدر الإمكان، على تجاوز صعوبات ومعاناة هذه المرحلة."[4] فإلمام الآباء والمربين وكذا المراهقين بخصوصية هذه المرحلة تسمح بتحسين التواصل بينهم وتجنب المشاكل، وكذا توجيه المراهق التوجيه الذي يخدم البلاد والعباد...
لهذا وجب حصر دلالة المراهقة. فما هي دلالات المراهقة؟
في لسان العرب لابن منظور نجد:"راهق الغلام، فهو مراهق إذا قرب الاحتلام. والمراهق: الغلام الذي قارب الحلم، وجارية مراهقة. ويقال جارية راهقة وغلام راهق، وذلك ابن العشر إلى إحدى عشر" أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب. وفي ذلك المعنى يقول "الزمخشري" رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ وصبي مراهق أي مدان للحلم"[5]. يتبين أن المراهقة لها علاقة بالبلوغ والقدرة على الإنجاب حيث لا نجد تمييزا بين المراهقة والبلوغ والقدرة على التناسل والتزاوج والتوالد. نفس الأمر نجده في المعاجم الفرنسية:فمصطلح مراهقة يقابله اللفظ " adolescence " المشتق من الكلمة اللاتينية "adolescentia " التي تشتق ككلمة " adolescens" من الفعل اللاتيني " adolescere" الذي يترجم بمعنى كبر "grandir". فالمعنى الحرفي للمراهقة يعني كل المرحلة العمرية التي تتصف بالنمو والتطور، فهو ينطبق على المرحلة التي يصل فيها النمو الجسمي للفرد الاجتماعي إلى نهايته. لهذا لا عجب إن وجدنا البعض يعرف المراهقة على أنها المرحلة التي يكتمل فيها النمو الجسمي للفرد فيأخذ الجسد شكلا جديدا.
في معجم روبير نجده يعرف المراهقة انها"adolescence :âge qui suit la puberté et précède l’âge adulte (environ de 12 à 18 ans chez les filles, 14 à 20 ans chez les garçons). Un amour d’adolescence , adolescent, entre , jeune garçon, jeune fille à l’âge de l’adolescence". يتبين من خلال هذا التعريف (معجم rebert ) أن هناك تميزا بين المراهقة والبلوغ والرشد على اعتبار أن المراهقة هي المرحلة التي تلي البلوغ وتسبق سن الرشد والممتدة ما بين 12 و 18 بالنسبة للإناث، 14 و20 سنة بالنسبة للذكور. ومع ذلك يتبين أن جل التعاريف تجعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية سابقة على سن الرشد.
وفي معجم "ليتريه" littré " نجده مفهوم adolescence" هي "المرحلة التي ينتقل فيها الكائن من الطفولة إلى الرشد، أي الانتقال من مرحلة الاتكالية إلى مرحلة الاعتماد على الذات".
ويعرف "مارشال" "marshall" المراهقة أو البلوغ بالمرحلة التي يصبح فيها الكائن ناضجا جنسيا مع ظهور الخصائص التكوينية التي تؤدي إلى اختلاف كلي بين الذكورة والأنوثة. وخلال هذه المرحلة يصبح للخصائص الجنسية الثانوية أهمية كبيرة لأول مرة، بينما الأعضاء الضرورية للتناسل تأخذ حجمها الطبيعي"[6]. "إن هذا التعريف يتوافق مع التعريف الشعبي الذي يعتبر الجنس هو المصطلح المستخدم لوصف انقسام أفراد النوع الواحد إلى شكلين متكاملين ومتناقضين يعرفان بالشكل الذكوري والشكل الأنثوي"[7].
يتضح من خلال هذه التعاريف السابقة أن هناك ربطا بين البلوغ والمراهقة، بين المراهقة والنشاط الجنسي التناسلي: فهل المراهقة هي البلوغ أم بينهما اختلاف؟ هل يتفق التعريف البيو-نفسي مع التعريف البيو-جنسي للمراهقة أم يختلفان؟ أين تتجلى أوجه الاختلاف وأوجه التشابه؟ وما هي نتائج التغيرات البيولوجية على نفسية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية؟ هل للتغيرات الجنسية تأثير على الجانب النفسي والاجتماعي للمراهق؟
لا ينفي التعريف البيو-سيكولوجي للمراهقة نمو المظاهر البيولوجية والجنسية، لكنه ينصب حول دراسة التغيرات النفسية الغامضة التي تصاحب هذا النمو في الأعضاء الجنسية والمورفولوجية، وهذه التغيرات لها بالغ الأثر على شخصية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية لأن النظام العلائقي للشخص مع الآخرين يتغير بكامله. لهذا نجد بعض علماء النفس يعتبرون هذه المرحلة مرحلة اضطراب ومعاناة. إنها في نظرهم مرحلة أزمة خانقة يمر بها الفرد في حياته خصوصا في المجتمعات الصناعية التي يطول فيها انتظار الفرد فرصة الاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، وحيث حياة الدراسة تأخذ منه وقتا طويلا للاندماج، عكس مجتمعات البوادي التي تشكل مرحلة المراهقة مرحلة قصيرة نظرا لاندماج الأفراد مبكرا في الحياة العملية كالأعمال الفلاحية والرعي والزواج المبكر وتكوين الأسرة.... هذا الاختلاف دفع بعض الدارسين إلى القول بأن مرحلة المراهقة وليدة المجتمعات الصناعية وليس المجتمعات التقليدية... وهناك ما يؤكد ذلك خصوصا إذا أخذنا بعض الأدوار التي قام بها بعض الشباب وهم صغار السن، فهذا أسامة بن زيد يكلفه الرسول صل الله عليه وسلم بتكوين جيش عظيم تحت إمرته وهذا دليل على أن هذا الصحابي لم تكن المراهقة لديه أزمة بل كانت طاقة وظفها فيما يخدم قضية الإسلام.... المراهقة إذن فترة تبتدئ بالبلوغ أي الطمث عند المرأة والمني عند الرجل وتنتهي بمشاركة الفرد في الحياة الاجتماعية وامتهانه مهنة ما وحصوله على حقوقه المدنية والزواج وتكوين أسرة...
كثيرا ما تُفهم المراهقة كأزمة فهل هي كذلك أم هي مجرد تأزيم نظرا لسوء فهمنا لها؟ يقول الدكتور احمد أوزي :" سعيا لفهم شخصية المراهق وما يعتمل داخلها، نلقي نظرة وجيزة على أهم ما يطبع هذه الشخصية ويسبب لها مثل هذا الاضطراب. إن المراهق في هذه المرحلة من العمر يلتفت كثيرا إلى ذاته وينظر إلى نفسه كذات مستقلة ويحاول بنظرة مقارنة النظر إلى خبراته الحالية كيف تختلف اختلافا كبيرا عما كانت عليه أيام الطفولة السابقة على مرحلة المراهقة، وليس الوعي بالذات وليد مرحلة المراهقة، فهو يبدأ منذ الطفولة، ولكن الجديد فيه هو تعميق هذا الوعي وبلورته. ويدعو العالم السيكولوجي "يونج" هذه الظاهرة "تيقظ الشعور" أي شعور المراهق بذاته وآنيته على نحو لم يسبق له مثيل في حياته السابقة، وتيقظ الشعور هذا، أو الشعور بالآنية أو "الميلاد النفسي" بتعبير يونج نفسه يتم بعد البلوغ وانبثاق الحياة الجنسية، حيث تظهر تغيرات جسمية مفاجئة وطارئة بشكل يثير انزعاج المراهق ويجعله يركز اهتمامه على ذاته وتفحصها وتقويمها"[8]. هذا يعني أن المراهق يهتم بذاته اهتماما متزايدا إلى حد المرض خصوصا مع النمو السريع لأعضائه وجسمه في هذه المرحلة العمرية، ويقف أمام المرآة لوقت ليس بالهين يتأمل جوانب جسمه ومناطقه التي أصابها النمو السريع مما يجعله يحس بالانزعاج والإحراج والاضطراب، وبالأخص " إذا كان الأفراد المحيطين به لا ينقطعون في كل مناسبة عن إثارة انتباهه إلى هذه التغيرات كعلامة على تخطيه الطفولة ووجوب ابتعاده عن أعمالها وسلوكها الطفولي".[9] وسبب هذا الإهتمام المتزايدة هو التغيرات الجسمية التي تطرأ على جسم المراهق أو المراهقة كطول الساقين واستدارة الفخذين ونبت الشعر على الوجه وتضخم الصوت وتغير ملامح الوجه، وبدء الطمث لدى المراهقة وبروز النهدين، إلى غير ذلك من المظاهر الأساسية أو الثانوية التي تلحق جسم المراهق أو المراهقة فتجعله يهتم بنفسه لمعرفتها، لأنها أصبحت شيئا غريبا يحتاج فعلا إلى المعرفة بعد أن كان مألوفا وعاديا في مراحل النمو السابقة. في ظل هذه الظروف نجد المراهق يحاول التخلص من عالم الطفولة وينجذب نحو أفاق المستقبل الرحب. هذه الرغبة في التخلص من الطفولة هي ما يَصطلح عليه "ليفين" "lewin " "تغيير الانتماء للجماعة".هذه المحاولة ليست بالسهلة ولا بالهينة بل تترتب عنها اضطرابات شديدة تعود أسبابها إلى:
1-عدم مساعدة الراشدين له في عميلة الاندماج في عالم الراشدين، وعدم الاعتراف بقدراته وكفاءته، مما يجعله يحس أنهم لا يعترفون له بذاته...
2-هذا الانتقال يتطلب منه أساليب جديدة للتكيف والتوافق. والمراهق ورغم إحساسه بالكفاءة فانه يحتاج إلى مزيد من النضج، لأن اصطدامه مع موقف معين في عالمه الواقعي يصيبه بالذهول والضعف وعدم القدرة على تجاوزه، مما يجعله يرتد إلى الوراء،ثم يحاول فإذا وجد من يقف معه ويمده بالعون ويوجهه ويساعده استطاع الاندماج في عالم الراشدين، وان لم يجد من يقف معه ويأخذ بيده تعرضت حياته للاضطراب والصراع فيدخل في حرب مع المجتمع الأسرة والأساتذة والأصدقاء أي المحيط) بهدف نيل اعترافه بذاته وباستقلاله باعتباره الهدف الذي يسعى إليه كل مراهق.
3-هذا الانتقال كذلك هو انتقال إلى جماعة جديدة جماعة الكبار، وهذا يتطلب معرفة بهذا العالم الجديد لكن المراهق لا دراية له بهذا العالم. هذا الجهل بعالم الكبار والغموض الذي يكتنف المراهق يجعله في تردد وخوف وحيرة وعدم ثبات السلوك مما يجعله يدخل في صراع وحرب مع المجتمع وهذا يحتاج إلى مساعدة وتوجيه من قبل الكبار؛"فالمراهق لا هو بالطفل ليبقى مع جماعة الأطفال، ولا هو براشد لينضم إلى جماعة الراشدين. فهو شخص يقف على الحدود بين جماعتين غير متأكد من انتمائه إلى إحداهما وموقف كهذا يسلم صاحبه إلى عدم الاستقرار الوجداني، وإلى الحساسية الانفعالية الزائدة، هذه الحساسية النفسية التي عبر عنها المهتمون بسيكولوجيا المراهقة، بقولهم: إن المراهقة تعتبر "فترة الزوبعة النفسية أو العاصفة الذاتية"[10].
4-هناك مشكل آخر يعانيه المراهق ألا وهو مشكل القيم، فالقيم التي يتلقاها المراهق في المنزل في الأسرة ليست هي القيم الموجودة في الكتب التي يطالعها الفرد، كما أنها ليست القيم التي تعمل وسائل الإعلام على نشرها وترويجها. ونحن نعلم أن وسائل الإعلام أصبحت تلعب دورا خطيرا في عالم اليوم. إن هذا التضارب في القيم وعدم قدرة المجتمع على تحديد نوع القيم التي يجب إكسابها للأطفال والمراهقين تدفع إلى نشأة جيل جديد يعاني تمزقا وتشتتا نفسيا...لهذا وجب الاهتمام بهذه المرحلة وإعطائها العناية اللازمة.
من خلال ما سبق يتبين أن مفهوم المراهقة يختلف عن مفهوم البلوغ بمعناه الجنسي: فما علاقة المراهقة بالبلوغ؟
إن الفرق بين المراهقة والبلوغ يكمن في اقتصار هذا الأخير على الجانب العضوي الجنسي من المراهقة فقط، فالبلوغ هو"المظهر البيولوجي لمرحلة المراهقة، وهو يشمل المرحلة التي يصبح فيها الكائن قادرا على التناسل"[11]. إنه "المرحلة التي يتم فيها النضج الجنسي الذي يحصل عند الإنسان خلال مراحل تستمر لفترات طويلة، تنتهي عادة في الوقت الذي تصل فيه الفتاة إلى مرحلة نضج المبيضين وبدء الطمث، والفتى إلى مرحلة القذف"[12]. وكما جاء في لسان العرب لابن منظور:"بلغ الغلام: احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه والتكليف، وكذلك بلغت الجارية. التهذيب: بلغ الصبيّ والجارية إذا أدركا، وهما بالغان". فترة البلوغ لا ترتبط بأول طمث للأنثى وأول قذف للذكر، بل ترتبط بالقدرة على التناسل. وقد حدد العلم فترة البلوغ تقريبيا ب الفترة العمرية من 11 سنة إلى 16-17 سنة بالنسبة للأنثى، ومن 12 إلى 18 سنة بالنسبة للذكر. وفترة البلوغ هذه فترة حساسة من حياة المراهق، لأنها تصيبه "بالاضطراب والارتباك وعدم التناسق مما يدفعه (كما يؤكد احمد اوزي ) إلى إتيان نوع من السلوك الشاذ وعدم القدرة على ضبط الحركات، وخاصة في المواقف التي تجمعه بالراشدين، حيث يفقد في بعض المواقف توازنه العضوي-الحركي. وهذا ما دعا بعض السيكولوجيين إلى تسمية فترة البلوغ باسم "الفترة السلبية."[13] لكن الملاحظ أن فترات البلوغ أصبحت تأتي متقدمة بعض الشيء على ما كانت عليه في السابق ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها: تحسن ظروف الحياة والمستوى الاجتماعي للأسر وتطور الطب، لهذا نجد الأفراد حاليا يصلون سن البلوغ مبكرا عكس ما كان سابقا وذلك ل "شدة الاستثارات للجهاز السمباتي(sympathique) ، والتي تحدثها الحياة العصرية. فالضوء الاصطناعي والضجيج والاستثارات البصرية والعاطفية تستثير جميعها الجهاز العصبي مما يؤدي إلى تنشيط عملية الأيض (métabolisme) وهذا ما يفسر التزايد في القامة والظهور المبكر لعلامات البلوغ"[14] ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة كعامل العرق وعامل الوراثة، حيث هناك بعض الأعراق تصل مرحلة البلوغ قبل غيرها، وهناك كذلك من تصل أو يصل إلى مرحلة البلوغ كما كانت أو كان أمها أو أبوها. فهل من أسباب للبلوغ؟ ليس هناك جواب علمي حاسم في هذه الأمر، ومع ذلك هناك دراسات تقول بأن الغدد الجنسية التي كانت في حالة كمون تتيقظ بفعل الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية. لكن السؤال يبقى لماذا لم تتحرر هذه الهرمونات إلا في هذه الفترة؟
هناك دراسات افترضت وجود "مركز جنسي" في أسفل الدماغ ومنه تنطلق الشحنات التي تطلق النشاط الهرموني الذي سيكون مسؤولا عن إحداث التغييرات المورفولوجية التي ستحدد مظاهر البلوغ. ولكن السؤال يظل قائما مرة أخرى: لماذا بدأ هذا المركز بوظيفته فجأة على الرغم من تشكله في مراحل سابقة؟ ليس هناك جواب علمي دقيق على هذا السؤال ف"البلوغ هو ظاهرة طبيعية يتطلب ظهورها تكامل الأوليات العصبية والهرمونية الضرورية لاستكمالها"،إن "المظهر الطبيعي للبلوغ يتوقف في نهاية الأمر على الفعالية الوظيفية للغدة النخامية والغدد الصماء التي تنشط بفعل الشحنات المتأتية من الجهاز ما تحت ألسريري (الإبوتالموس)[15].
اذا كان البلوغ بيولوجيا يتحدد بقدرة الإنسان على التناسل، فإنه من وجهة نظر قانونية يتحدد بقدرة الإنسان علي الزواج. وبما أن سن الزواج يختلف من مجتمع إلى آخر، فإن النظرة القانونية للبالغ تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك، ففي المغرب مثلا يحدد سن الزواج في 18 سنة وهو سن البلوغ..
بعض المقاربات السيكولوجية التي تناولت ظاهرة المراهقة:
1-المقاربة الكلاسيكية لسيكولوجية المراهقة الذي أسسها الأمريكي "ستانلي هول" "Stanley hall" والعالم "جزل" " Arnold Gesell"فإليهما يرجع فضل تأسس أول نظرية المراهقة. "فهول" هوأول من قال عن المراهقة :"إنها مرحلة تستحق بحق أن تكون موضوع علم النفس بأكمله". يرى هذا العالم أن "الأزمة" التي يمر منها جميع المراهقين، يعود سببها إلى تلك التغيرات العضوية التي تطرأ على بنية الفرد الشيء الذي يؤثر في توازنه العضوي والنفسي والاجتماعي. فقد رَكزت دراستهما على "عمليات النمو الجسمية والجنسية، إلى جانب الملاحظات الطبية، ومعتبرة أن الحياة النفسية عند المراهقين يحددها النمو البيولوجي"[16]. فالنمو البيولوجي في نظرهما لا يتوقف على بروز وظهور الأعضاء والخصائص الجنسية الأولية والثانوية (الأعضاء الجنسية والثانوية الحيوانات المنوية والمبيض)، وإنما أيضا نموا داخليا وتغيرات هرمونية متعددة. هذه التغيرات الخارجية والداخلية لها تأثير عميق في تحديد شخصية المراهق. هكذا ترتبط المراهق عند أصحاب هذه النظرية بالبلوغ. ولما كان البلوغ عند الجميع فالمراهقة مرحلة يمر بها الإنسان عموما، أي أنها خاصية ترتبط بالجنس البشري وليس بالإنسان الذي يعيش في المجتمعات الصناعية.
خصائص المراهقة عند هول تتجلى في:
"1-أنها مرحلة الأزمات والاضطرابات وسن العواصف.
2-أنها مرحلة الإفراط في المثالية وانتشار عبادة الأبطال والتعلق بالأهداف.
3-أنها مرحلة الثورة على القديم والتقاليد البالية.
4-أنها مرحلة الانفعالات الحادة والعواطف والحب والميل إلى الجنس الآخر والصداقة.
5-أهنا مرحلة الشك والنقد الذاتي والأحاسيس المفرطة.
6-أنها مرحلة انحلال الروابط بين عوامل "الأنا" المختلفة التي تشكل تماسكها"[17] .
المشكل الذي تواجهه هذه النظرية يكمن في ربطها المراهقة بالنضج البيولوجي دون مراعاة للعوامل الاجتماعية والحضارية التي تميز حضارة عن أخرى. فالتغيرات الملاحظة في سلوك المراهقين يمكن تفسيرها في نظره بالعوامل الفيزيولوجية ذات العلاقة بوظائف الغدد دون الرجوع للعوامل الثقافية.
يمكن تلخيص موقف هول من المراهقة في هذه الفقرة لأحمد أوزي والتي يقول فيها:إنها "العواصف والتوتر النفسي" وذلك لوصف مزاج المراهق وسلوكه الانفعالي المتسم بالتعارض والتناقض بين الأنانية والمثالية، وبين الحب والكره والحنان والقسوة. الخ..."[18].
2-المقاربة الأنثروبولوجية الاجتماعية: ويمثل هذه المقاربة كل من "مالينوفسكي" و "ميد مارجريت" " Margaret mead،هذه الأخيرة " تنفي الطرح السابق، وذلك بعد القيام بعدد من البحوث الأنثروولوجية على مجموعة من القبائل البدائية التي اكتشفت بغينيا الجديدة (قرب استراليا)، حيث ثبت أن المراهقين في تلك القبائل لا يمرون إطلاقا بتلك "الأزمة" مما يؤكد أن هذه المشكلة حسبهم لا ترجع إلى التغيرات العضوية فقط، بل إلى موقف المجتمع بتقاليده ومعاييره ومعاملاته من ومع المراهق.
لقد بينت "مارجريت ميد" أن ما ذهب إليه "هول"من اعتبار المراهقة "أزمة" ترتبط بالبلوغ والنمو الجسمي والجنسي، لتؤكد على أن المراهقة ترتبط بقيم المجتمع ونظرته للمراهق، "أي البيئة الاجتماعية، ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية للفرد"[19].
من خلال الأبحاث التي قامت بها "ميد" تبين لها أن المراهقة ليست مرحلة اضطرب بل هي مرحلة كسائر المراحل العمرية الأخرى، وأن بعض الشعوب التي قامت بدراستها كشعوب غينيا الجديدة جزر ساموا ببوليزيا (جزيرة ساموا تابعة لأمريكا وتوجد في المحيط الهادئ جنوب شرق أسيا، وهي مجموعة جزر تقع بين نيوزيلاندا وهواي) واندونيسيا لا تعرف المراهقة بالشكل الذي يعرفها الفرد الأمريكي، بل يعيش حياة هادئة "على خلاف ما يحدث للفرد في البيئة الثقافية الأمريكية، وان التباين الثقافي بين مجتمع "ساموا Samoa –الذي درسته ميد- وثقافة المجتمع الأمريكي هو الذي يفسر الفرق الذي نجده في ملامح شخصية المراهق في كلتا الثقافتين المختلفتين. [20] هكذا إذن تربط "ميد" المراهقة بالمستوى الفكري والحضاري والثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، إلى درجة يمكن القول معها أن"هناك المراهقة الهادئة والمتزنة في المجتمعات البدائية، والمراهقة في حضارات العصر الحالي حيث يسود القلق والتنافس والسرعة، فيشب الكائن ليجد نفسه في دوامة الآفاق المتعددة والحيرة: أي طريق يختار، وأي قيم ومعايير يتبع؟"[21]
فما طبيعة المراهقة في نظر ميد؟ وهل المشكلات والاضطرابات التي تواجه المراهقين تسببها المراهقة نفسها، أم تسببها طبيعة المدنية التي يعيشون فيها؟ وهل تختلف صور المراهقة باختلاف الظروف المحيطة بالمراهقين واختلاف مجتمعاتهم؟
بعض التجارب التي قامت بها "ميد" في بعض المجتمعات البدائية والمقارنة بينها وبين المجتمعات الحضارية كأمريكا "توصلت، في النهاية، إلى نتائج تبيّن أن شخصية المراهقين تتأثر بالنظام العلائقي الذي يقوم بين الكائن وأفراد العائلة، وبخاصة الأم في أثناء مرحلة الطفولة. وبالتالي، فان اختلاف التربية في نماذج المجتمعات البدائية التي قامت بدراستها في المجتمعات الحديثة ينعكس على مرحلة المراهقة.[22] هكذا تَبين لميد "أن أزمة المراهقة هي نتاج تناقض موقف المجتمع بمختلف مؤسساته، وعدم الثبات والاستمرارية في معاملة الأبناء والتأرجح بين الشدة والعطف والحرمان والإشباع والقسوة والتدليل".[23] غياب الصرامة والقسوة والضبط الصارم والقيم والقواعد الأخلاقية الصارمة يجعل المراهقين في هذه المجتمعات يعيشون حياة شبيهة بعالم الكبار، كما أن الإثابة والعطف والحنان والرضاعة الطبية الطويلة التي يتلقاها الأطفال في الصغر في المجتمعات البدائية لا تجعل مرحلة المراهقة عندهم مرحلة أزمة وقلق بل مرحلة عادية لا تختلف عن باقي المراحل إلا بالنمو الجسمي فقط. ولما كان الناس في هذه المجتمعات يظلون بدون ملابس كانت للأطفال معرفة مسبقة بالجسد لهذا لا يشكل عندهم النمو الجسمي أي مشكلة. عكس المجتمعات المتحضرة التي تربي أبناءها على الانضباط والصرامة في التعامل، ولا يتلقى الطفل الإثابة الكاملة بل عادة ما يُصرخ في وجهه إن هو لم يلتزم بقواعد السلوك وبالمعايير القيمية التي ينشئه عليها المجتمع. لهذا تشكل مرحلة المراهقة بالنسبة له أزمة وقلقا وتوترا ونجد عنده الأعراض العصابية.
3-المقاربة الدينامكية: تختزل المراهقة فيما يسمى محاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية. فمرحلة الانتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة غير مستقرة لأن المراهق لا يتوفر على شخصية خاصة، فهي مرحلة التقمصات والتماهيات، أي التوحدات وتقليد النماذج إلى أن يعثر المراهق على الشخصية التي تليق به وتستهويه والتي يريدها من حيث الشكل والسلوك وطريقة التعامل والاستجابات.
ف"ألبورت" "Gordon Willard Allport " وهو عالم سيكولوجي أمريكي، يفسر ظاهرة المراهقة بالتأكيد على أهمية الذات وتحديد مفهوم الشخص. لهذا ركز على أهمية الذات في حياة الفرد وفي تكوينه لشخصيته، وخصوصا في مرحلة المراهقة التي يتعاظم فيها إحساس الفرد بذاته ويعمل على إثباتها و تأكيدها. وقد اعتقد "ألبورت" أن للذات عدة مظاهر لهذا عمل على تحديد ووصف كل مظهر من مظاهرها.
-أبعاد الذات ومراحل تطورها:
أ-الذات الجسمية:يشكل الإحساس بالجسم أول بنية في تكون نسق الذات، لكن الإحساس بالجسم يأتي بعد إحساس الطفل بمحيطه، والخبرات الحسية والإحباطات التي يتعرض لها هي التي ترتب له الإحساس بذاته.
ب-هوية الذاتidentité de soi إحساس الطفل بذاته وبصفاته المعهودة غير ما يطرأ عليه من تغير، ويبدأ الطفل في معارضة كل شخص يقف أمام استقلاله وتأكيد ذلك، لهذا نجده يردد لفظة "لا" كثيرا.
ح-تأكيد أو إثبات الذات " Affirmation de soi " وهي خاصية تظهر مبكرا عند الأطفال، وهي من الحاجات الملازمة لنمو الطفل في كل مراحل حياته، وهي مظهر راقي وملازم للحياة، لكنه لا يصل إلى مرحلة النضج إلا بعد انفتاح الطفل على الآخرين، وهو ما يطلق عليه "بتوسع الذات".
د-تعميق الذات أو امتدادها "Extension de soi "تتجلى في إدراك الطفل للمحيط الذي يعيش فيه والديه وأدواته وبيته، أي أن ذاته لم تعد تنحصر فيه، بل امتدت وتوسعت إلى الأشياء التي يمتلكها ويتميز بها. هذا الامتداد عملية مهمة لعملية التوحد التي سيمتص من خلالها ويتشرب قيم المجتمع واتجاهاته ومعاييره...وعلى أساس هذه المعايير سيتبنى المبادئ والإيديولوجيات في المستقبل.
ه-صورة الذات " L’image de soi "صورة الذات لا تأخذ أبعادها الحقيقية إلا في مرحلة المراهقة، حيث يصبح الفرد قادرا على تكوين معايير يزن بها ذاته ويقدر بواسطتها قدراته ومهاراته ودوافعه ويتعرف على الاتجاهات والقيم التي تضبط سلوكه وتوجهه. لهذا فالمعلومات والخبرات التي يكتسبها الطفل من المدرسة والاحتكاك بالغير تلعب دورا مهما في تقييم الفرد لذاته ولما ينبغي أن يكون عليه وما يريده الغير أن يكون عليه، والأحكام التي يصدرها الغير عليه تشكل نواة صورة الذات لديه.
و-الذات العقلية Soi rationnel أو الذات العارفة Soi connaissant: أو المجهود المركزي كما يحلو "لألبورت" أن يسميه يشبه إلى حد ما "الأنا" عند "فرويد"،"لأن الأنا يسعى لضبط الدوافع الليبيدية من أجل التوفيق و إحداث التوازن بين دوافع الذات وقيم المجتمع ومعاييره حتى يحقق الفرد صورة ملائمة لدى نفسه ولدى الآخرين. إن دور هذا البعد من أبعاد الذات، دور قيادي لأنه يسعى إلى ضمان الأمن الذي يحقق التوازن الشخصي".[24]
المراهقة واستقلال الذات:
يكون الطفل في طفولته المتأخرة مهتم باكتشاف العالم المحيط به، لكنه بعد البلوغ، أي في مرحلة المراهقة يبدأ الطفل في الاهتمام المتزايد بذاته، حيث تتمحور كل أنشطته حول الذات ببيان استقلالها وتميزها عن الآخرين بعدما كان قبل ذلك يتقمص ويتوحد بالآخرين. وفي هذه المرحلة بالذات تنمو القدرات العضوية الجنسية للطفل مما يجعله يهتم بها كثيرا، كما تنمو القدرات العقلية وتزداد قوة وتعقيدا وتجريدا، حيث يصبح الفرد قادرا على ممارسة أكثر العمليات العقلية تعقيدا.."فتغدوا مشكلة الذات أو مشكلة الهوية الذاتية محطة رئيسية يحط فيها الفرد رحاله، غير أن هذه المرة يرافقه في هذا البحث العزم والتصميم على نزع الاعتراف بها وتحقيق مكان لها، ضمن بقية الذوات الاجتماعية الأخرى، وخاصة تلك الذوات التي كان بالأمس ظلا أو مجرد شبح لها. والواقع انه كلما سارع الآخرون إلى استقبال هذه الذات أو الكينونة الجديدة والاعتراف بها والإقرار لها بحق الوجود والانتماء، كلما ساهم ذلك في إخماد الصراع وتهدئة النفس، أما إذا وقفوا لها بالمرصاد، فإنها تتخذ أساليب للدفاع عن نفسها لتحقيق هذه الذات بأساليب ملتوية.[25]
4-المقاربة الرابعة: مقاربة الضغوط والإستراتيجية المواجهة. هناك ضغط داخلي ينبعث من الذات عبر التحولات التي تعرفها هذه المرحلة وضغوطات خارجية أسرية، واجتماعية،.....الاستجابة لهذه الضغوطات تتم عبر مجموعة من الاستراتيجيات لتفادي قوة هذه الضغوطات وتجاوزها، تنتهي بعد أن يتمكن المراهق من تطوير منظومة من الاستراتيجيات في مستوى هذه الضغوطات..
فكيف يجب أن ننظر إلى المراهق؟ هل كذات سلبية تتخبط في أزمة نفسية أم كذات ايجابية تحتاج لمن يتفهمها ويتفاعل معها؟ ألا تشكل مقاربات المراهقة عائقا نظريا يحول دون الفهم الحقيقي للمراهق (بإسقاطات نظرية)؟
لائحة المراجع:
الدكتور أحمد أوزي:"المراهقة والعلاقات المدرسية"، منشورات مجلة علوم التربية -8- الطبعة الثانية، مطابع النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
الدكتور عبد اللطيف معاليقي: المراهقة، أزمة هوية أم أزمة حضارة، دراسة تحليلية للمراهقة في واقعها وديناميتها ومعظّلاتها، الطبعة الأولى 1996، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت- لبنان.
-نفس المرجع ص: 8[1]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية..ص:10[2]
-نفس المرجع ص:11[3]
-نفس المرجع..ص12[4]
-لسان العرب، المجلد العاشر، ص:130[5]
-عبد اللطيف معاليقي: المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية..ص 26.[6]
-نفس المرجع، ص:27[7]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22[8]
[9]-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22.[9]
-نفس المرجع، ص، ص:23-24.[10]
-عبد اللطيف معاليقي:المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية، ص:19.[11]
-نفس المرجع، ص:20[12]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:18.[13]
-المراهقة أزمة هوية ام ازمة حضارة، ص:22.[14]
-نفس المرجع، ص: 25.[15]
-نفس المرجع، ص:39.[16]
-نفس المرجع، ص:41.[17]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:31.[18]
-نفس المرجع، ص:32.[19]
-نفس المرجع، ص:32.[20]
-المراهقة: أزمة هوية أم أزمة حضارة، ص:77.[21]
-نفس المرجع، ص:78.[22]
-نفس المرجع ،ص:81.[23]
-المراهق والعلاقات المدرسية،ص-ص: 48-49.[24]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:49.[25]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق