الاثنين، 22 فبراير 2016

نظرية التطور حقيقة علمية مصطفى عابدين

علومي


ظرية التطور حقيقة علمية  مثبتة أكثر من أي نظرية علمية حتى الآن. هذا يعني أن فهمنا لنظرية التطور يفوق فهمنا للجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين الضعيفة و القوية و غيرها من المسلمات العلمية. القارئ العربي غير ملام بعدم فهم النظرية بسبب كمية التضليل المنتشر حول النظرية و بسبب فقر المحتوى العلمي العربي على الإنترنت.
هذا المقال هو محاولة متواضعة مني لأضع بين أيديكم ما أعرفه حول نظرية التطور. أعرف الكثير من الأصدقاء الذين يقبلون بالنظرية لكنهم غالباً ما يجدون أنفسهم عاجزين عن تفسيرها أو شرحها للمشككين. الهدف من المقال هو تبسيط الأفكار الاساسية من هذه النظرية و و ضع أشهر المغالطات و المفاهيم الخاطئة التي مرت معي حولها.
نظرية التطور هي نظرية علمية تفسر لنا محور التنوع الحيوي ولا تتطرق لموضوع نشأة الحياة ولا تقدم أي ادعاء في هذا الشأن. الكثير من الناس الذين لا يفهمون النظرية يطرحون أسئلة حول موضوع نشأة الحياة في محاولة لدحض نظرية التطور وهذه مغالطة مشهورة لأن التطور غير معنية بهذا المحور. أيضاً يوجد مفهوم سائد أن اثبات نظرية التطور متعلق بالأحافير ولكن هذا غير صحيح اطلاقاً وسيكتشف القارئ ضمن المقال كيف أن الأحافير لا تعتبر من الأدلة الأساسية التي تعتمدها النظرية لكنها أدلة اضافية نضعها ضمن الترسانة الهائلة من الأدلة التي تثبت النظرية.
ضمن هذه المقالة سأخصص فقرة كاملة لتلخيص كل ما يتوجب فعله أو اثباته في سبيل دحض نظرية التطور. وذلك لأن أي نظرية علمية تقدم افتراض عليها أيضاً وضع افتراض مناقض إن تحقق تكون النظرية باطلة بسببه. أخيراً و قبل البدء، أود أن أنوه لنقطة وهي أن كلمة نظرية علمية لا تعني تخمين علمي وإنما تجسد أعلى قيمة معرفية علمية موجودة لدينا. النظرية العلمية خلافاً لما هو سائد بين العامة هي مظلة فكرية تتألف من حقائق علمية مثبتة بأدلة تمكننا من توقع نتائج مستقلبية قابلة للتأكد منها و تكرار نتائجها. المقال طويل بعض الشيء و قد يحتاج القارئ أن يقرأه ضمن عدة مراحل.
مقدمة:
بداية أود أن أوضح نقطة هامة وهي أن التطور الدارويني لا يعني التطور عبر الإنتقاء الطبيعي. الفكرة هنا أن نظرية التطور الحالية تطورت كثيراً منذ أن طرحها داروين. نظريةdarwin التطور اليوم تختلف عن نظرية التطور التي طرحها داروين قبل ١٥٠ سنة مضت و أنا عن نفسي لم أقرأ كتاب دارون “اصول الأنواع” إلا بعد فهم النظرية من مصادر علمية حديثة. داروين فتح باب علوم الأحياء عندما طرح نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي لكن النسخة التي قدمها من النظرية لم تكن مدعمة بدلائل جينية أو اثباتات علمية مبنية على الحمض النووي. لهذا كان اعتماد داروين على الأحافير اعتماد أساسي لكي يثبت أن نظريته صحيحة. الدلائل التي لحقت النظرية كنتيجة للتطور العلمي هي ما اثبتت صحة النظرية بالدليل القاطع و ليس طرح داروين لها. حسناً كفى حديث عن داروين و لنعود لمصطلح التطور الدارويني و ماذا يعني اليوم إذ انه يختلف كمصطلح عن التطور عبر الإنتقاء الطبيعي.
التطور الدارويني كمصطلح يعني تطور تراكمي. طبعاً داروين قدم نظريته باسم التطور عبر الإنتقاء الطبيعي لكن الاستخدام السائد اليوم لكلمة تطور دارويني لا يعني التطور في علوم الأحياء حصراً و إنما أي تطور تراكمي.
الكون يتطور تطور دارويني و الأفكار تتطور تطور دارويني و الثقافة تتطور تطور دارويني. مثلاً الكون عندما بدأ قبل ١٤ مليار سنة تقريباً و بعد عدة ألوف من السنين و انخفاض درجات حرارته بدأ بنوع واحد من الجزيئات (بروتون).
بسبب الجاذبية هذه البروتونات اندمجت مع جزيئات آخرى (نيوترون) ثم اندمجت البروتونات مع الكترونات بسبب قوى كونية آخرى لن أدخل فيها هنا و بالتالي ظهرت لدينا ذرات الهيدروجين التي اندمجت بدورها مع ذرات آخرى من الهيدروجين بسبب الجاذبية فنتجت ذرات الهيلوم إلى أن تشكلت بسببها النجوم و نتجت جميع العناصر الطبيعية داخل هذه الأفران النجمية و انفجاراتها. الفكرة هنا أن هذا التطور يسمى تطور دارويني أو تطور تراكمي و كما هو ملاحظ هو ليس مرتبط بعالم الأحياء.
أي تطور تراكمي يسمى تطور دارويني نسبة لداروين الذي طرح الفكرة عندما حاول وضع نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي.
يجدر الذكر هنا أن فكرة التطور التراكمي ليست فكرة داروين و إنما تنسب له نسبة لشهرته.
في بعض الأحيان يتم طرح مثال القرد الذي يكتب بشكل عشوائي على الآلة الكاتبة و كيف أنه من المستحيل لهذا القرد أن يكتب سطر واحد مفهوم فكيف للكون أن ينشأ بشكل عشوائي؟
عندما تقرأ أو تسمع هذا السؤال عليك أن تسنتج أن السائل لا يعرف معنى التطور التراكمي لأنه يفترض أن على القرد أن يكتب جميع الأحرفp21-hooper-chimp-intelligence-a-20140720-870x692 بشكل صحيح من المرة الأولى و في حال أخطأ فعليه أن يعيد المحاولة من جديد من نقطة البداية. لكن إذا قيمّنا نفس سؤال القرد و الآلة الكاتبة من منظور تطوري تراكمي سنجد أن احتمالية قيام القرد بكتابة جملة مفيدة هي احتمالية قائمة و ممكنة ضمن فترة زمنية ليست طويلة. لأن هذا القرد  سيحفظ انجازه السابق و يبدأ من جديد من حيث وصل (تراكمياً).
على فرض أن القرد بدأ بكتابة بعض الأحرف دون أي ترتيب أو تنظيم و جعلناه يعيد المحاولة إلى أن يدق حرف ال “ن” عندها فقط تم حفظ هذا الإنجاز و بدأ من جديد و بدأ بكتابة الأحرف و جعلناه يعيد المحاولة إلى أن يكتب حرف “ظ” و هكذا… مع الوقت هذا القرد سيكتب كلمة “نظرية” و هذا مثال مبسط جداً لكنه ضروري لفهم معنى كلمة تطور تراكمي.
 مع الوقت سيتشكل لدينا جملة مترابطة بحكم قدرتنا على تكرار العملية من حيث انتهت آخر محاولة ناجحة. هذه الفكرة أشبه بلعب الفيديو. تخيل أن عليك إنهاء اللعبة من أول مرحلة حتى آخر مرحلة من المحاولة الأولى. بينما
إن كنت تستطيع حفظ انجازاتك في اللعبة و المتابعة من حيث انتهيت آخر مرة فعندها تصبح اللعبة سهلة و بسيطة و مسألة وقت فقط حتى تنهيها.
إذًا الموضوع مرتبط بوجود وقت كافي لاحتمالية حدوث نتيجة لهذا التطور التراكمي والكون لديه كل ما يحتاجه من الوقت. هذه الفكرة تنطبق على كل شيء حتى على الكون نفسه. لا أريد الدخول في الفيزياء لكن إن اعتبرنا كيف ممكن للكون أن ينجح بالنشوء من أول مرة قد يبدو لنا الموضوع مستحيل ويحتاج معجزة لكن إن فكرنا قليلاً من منظور تطور تراكمي للكون وأنه بالامكان الإنهيار ومعاودة المحاولة إلى أن تنجح فهذا يفسر لنا الكثير ويبرر سبب وجودنا في هذا الكون لكي نتساءل كيف أنه نجح في أن يتطور لمرحلة يكون فيه كائن واعي قادر على اكتشاف اسرار نفسه.
التطور عبر الإنتقاء الطبيعي: 
 الفكرة بسيطة جداً. جميع الكائنات الحية تتكاثر. جميع الكائنات الحية تشبه أباءها لدرجة ما. أنت لديك مورثات أبويك وقد تكون هذه المورثات إما فيزيولوجية أو سلوكية. أعتقد أن الجميع متفق على دقة علم الوراثة وكيف أن الأباء تنشر مروثاتها إلى الابناء وهكذا عبر الأجيال. إذاً اتفقنا على أن العملية الوراثية تنتج عن العملية الجنسية وأن الابناء يلحقون الاباء بخصائصهم (الأباء تعني الوالدين).
كيف تتم عملية التكاثر و تبادل المعلومات الوراثية؟
بشكل عام عملية التكاثر تحدث عندما يتم اتحاد خليتين جنسيتن مع بعضهما البعض. اتحاد البويضة و الحيوان المنوي ينتج عنه كائن جديد يحمل المورثات المشتركة بين الابوين. مثلاً على فرض أن لدينا كائن بسيط جداً لديه اربع خصائص فقط
س – ج – ع – د
هذا الكائن البسيط اجتمع مع انثى من نفس نوعه لديها اربع خصائص ايضاً  لكنها مختلفة بعض الشيئ
س١- ج١- ع١- د١
على فرض أن الكائنين البسيطين مارسا الجنس وتبادلا هذه الخصائص عبر خلاياهما الجنسية (البويضة والحيوان المنوي). عملية تبادل الأحرف بين الابوين تحدث بشكل عشوائي مما ينتج عنها كائن جديد يتضمن نصف أحرف الأب و نصف أحرف الأم لكن عملية انتقاء الأحرف عشوائية و نسميها طفرات جينية إذ أن النتيجة النهائية عبارة عن تطور تراكمي لجينات الأب و الأم. على فرض كانت النتيجة سيئة للغاية فعندها يموت المولود ويستطيع الابوان المحاولة من جديد. مع الوقت تندثر الأخطاء الجينية المميتة لأن كل من كان يحملها قد انقرض أو على وشك الإنقراض. (تذكر مثال القرد و الآلة الكاتبة حيث يستطيع اعادة المحاولة منذ آخر تجربة ناجحة).
إذاً النتيجة النهائية لهذا التلاقح العشوائي ضمن نطاق الخيارات الأربعة ممكن أن يكون المولود يحمل مواصفات جينية:
س١ ج ع د١ أو س١-ج١-ع-د أو أي احتمال من الاحتمالات ال ١٦ الممكنة. مع الوقت تزداد نسبة احتمالات الخيارات التي ممكن أن ينتج عنها أبناء بحكم أن هذا الحمض النووي يتطور بشكل تراكمي. كل عملية تكاثر ناجحة تحفظ هذا الإنجاز الوراثي و تنقله إلى الجيل الجديد.
الجينات و تأثيراها: 
هذه الاختلافات في الأحرف ضمن المثال تجسد الاختلافات الموجودة في الحمض النووي لدى الأحياء و هذا الاختلافات لها نتائج فيزيائية تتجسد بشكل الكائن و أليات عمل وظائفة الحيوية. بعض النتائج تكون سلبية جداً فيموت الكائن قبل أن ينشر أحرفه السيئة و في بعض الاحيان تكون النتائج الوراثية حيادية فتستمر في الانتشار و في الأحيان الأخرى ينتج عنها خاصية تعطي صاحبها تفوق ما على بقية الكائنات التي تنافسه على الموارد و على التكاثر فتنتشر أحرفه و تسود ضمن المجمع الجيني.
التنوع الحيوي: 
هذه الفقرة مهمة إذ أن العديد من الناس الذين ينتقدون نظرية التطور يطالبون بدليل على تطور حيوي بين الأنواع. أنا سأعود لهذا المحور ضمن قسم الأخطاء الشائعة لكن وجب التنوية بهدف ربط الافكار فيما بعد.
الكائنات الحية في حالة صراع على الموارد الغذائية طوال الوقت. ارتفاع أعدادها نتيجة التكاثر يعني أن عليها ابتكار وسائل جديدة للحصول على الطعام و المأوى. هنا أنا أتحدث عن كائنات من نفس النوع تعيش ضمن مجموعة واحدة. مع الوقت و بسبب التنافس على الموارد و المأوى تبتعد مجموعة من هذه الكائنات عن بعضها البعض بهدف البحث عن موارد غذائية جديدة.
الابتعاد عن المجموعة الاصلية يعني انفصالها بشكل جغرافي عن المجموعة الاصلية  مما يجعل العملية الجنسية بينها غير قائمة.
هذا الابتعاد الجغرافي يشكل لدينا مجموعتين من نفس نوع الكائنات. المجموعة التي بقيت في مكانها و المجموعة التي هاجرت. المجموعة التي هاجرت تتكاثر فيما بينها و المجموعة التي بقيت تتكاثر فيما بينها. في البداية لا يكمن مشكلة لكن مع الوقت و بسبب التطور التراكمي لحمضها النووي يصبح المجموع الإجمالي للحمض النووي مختلف لدرجة لا تستطيع المجموعتين أن تتكاثر مع بعضها البعض و بهذا يكون أصبح لدينا نوع جديد.
drosophila_scene3

إذاً تعريف الأنواع أنها مجموعة من الأحياء قادرة على التكاثر فيما بينها و غير قادرة على التكاثر مع مجموعات آخرى.
قصة ناموس لندن:
Londoners sleep on the platform and on the train tracks at Aldwych Underground station,London, during heavy all night Nazi bombing raids.
أثناء الحرب العالمية الثانية كانت لندن تتعرض لقصف ألماني بشكل عشوائي فصار الناس يلجؤون إلى أنفاق الميترو تحت المدينة. مع الوقت لحق بهم الناموس لأنه يتغذى عليهم (فاصل جغرافي). بعد أن أنجب هذا الناموس عدة أجيال بحكم سرعته في التكاثر نشأ نوع جديد مختلف جينياً عن الناموس الموجود على السطح. يعني .أن ناموس الأنفاق فقد قدرته على التكاثر مع الناموس الموجود على السطح و هكذا يكون تطور نوع جديد من الناموس
نوع بشري: 
على فرض أننا ارسلنا مجموعة بشرية إلى كوكب المريخ لكي تبني محطة مريخية و تعيش عليها. هذه المجموعة البشرية لن تعود إلى كوكب الأرض و تستقر على الكوكب الأحمر. مع الوقت ستولد أجيال جديدة لكنها تحمل الموراثات الجينية لأبائها حصراً. بعد عشرات الأجيال ستستمر جينات هذه المجموعة بالدوران و الانتشار لكنها ستبدأ بالاختلاف عن جينات البشر الموجودين على كوكب الأرض. هذا الاختلاف ناتج عن عدم اختلاط جينات المجموعة المريخية مع المجموعة الأرضية.
بعد عدد لست متأكد منه من الأجيال سيكون الاختلاف الناتج كبير لدرجة لا يمكن للمجموعتين من انجاب أطفال مشتركين. هذا لا يعني أن اشكالهم بالضرورة ستكون مختلفة لكنهم سيفقدون القدرة على الإنجاب و في هذه الحالة يكون اصبح لدينا نوع جديد من البشر. مستقبلاً إذا استطاع الإنسان استعمار كوكب المريخ فلابد من وضع هذه النقطة في الحسبان و ضمان الاختلاط الجيني بين المجموعتين (الأرض و المريخ).
محور جانبي / تنوع حلقي: ringspecies
يوجد حالات تطورية تتعلق بآليات التطور بين الأنواع حيث تكون الأحياء متواجدة ضمن جغرافية محدودة تمنع المجموعات من الإبتعاد كثيراً عن بعضها البعض (على جزيرة مثلاً) فيحصل لدينا ما نسميه ring species أو انتواع حلقي. في هذه الحالة نتخيل أن المجموعات متوزعة على جغرافية الجزيرة مثلاً فيكون لدينا مجموعة ١ و مجموعة ٢ و مجموعة ٣ و مجموعة ٤ و بحكم انتشارهم الجغرافي نجد أن ١ بالقرب من ٢ و ٢ بالقرب من ٣ و ٣ بالقرب من ٤. المجموعة ١ تستطيع التكاثر مع مجموعة ٢ لكنها لا تستطيع التكاثر مع مجموعة ٣ بسبب البعد الجغرافي فتكون المجموعة ٢ هي مجموعة وسيطة بين ١ و ٣ و لكن نجد أن مجموعة ٢ لا تستطيع التكاثر مع المجموعة ٤ و هكذا يصبح لدينا أربع أنواع مختلفة مع وجود تداخل فيما بين الأنواع.

مثال عن الطفرات الجينية و آليات الإنتقاء الطبيعي في الطبيعة:
فراشة زرقاء تعيش في بيئة شجرية تنقرض بسبب صعوبة التمويه و سهولة افتراسها. بينما الفراشة ذات اللون البني تستطيع التمويه و بالتالي تتكاثر أكثر.
إذاً الطفرة الجينية المسؤولة عن اللون البني في لون الفراشة أعطت افضلية بقائية لنوع من أنواع الفراشات على البقاء في حين انقرضت أنواع آخرى لم تمتلك هذه الطفرات الجينية.
لنتخيل أن لدينا دفترا من مئة صفحة كل صفحة في الدفتر تحتوي  على مئتي سطر. لنعتبر أن هذا الدفتر هو الحمض النووي الكامل للفراشة. كل صفحة تمثل الجين المسؤول عن خاصية معينة. و كل سطر يمثل نسخ من هذا الجين هذا يعني أن الكائن يحمل عدة نسخ من نفس الجين لكن فقط نسخة واحدة ستتفعل أو فقط سطر واحد منها سيتم تفعيله و الباقي ينتشر بشكل وراثي عبر الأجيال.
العملية الجنسية بين الأب و الام هي عملية ملئ سطور هذا الدفتر. المئتي سطر موجودة لاحتواء كافة المعلومات الوراثية الموجودة لكلا الأبوين. هنا أود أن أوضح نقطة أنه فقط ٥٠٪ من الحمض النووي للأب و الأم يتم نقله للجنين و بالتالي المئتي سطر لكل صفحة فقط ١٠٠ صفحة منها من الأب و ١٠٠ من الأم.
مثلاً لنأخذ الصفحة رقم ثلاثة و عشرين المسؤولة عن لون الفراشة. في هذه الصفحة نجد مئتي سطر كما ذكرت سابقاً. على هذه السطور نجد معلومات وراثية لجميع أجداد و أسلاف الفراشة و بالتالي نجد اللون الازرق و اللون الأبيض و اللون البني و اللون الأصفر الخ. لكن بنسب متفاوته على أساس نسبة تكرار هذه الألوان عند أجداد الفراشة في السابق. هذه النسبة تعتمد على مدى نجاح هذا الجين في الانتشار سابقاً. يعني لو كان لون ساعد الفراشة على التمويه و بالتالي البقاء فهذا يعني أن نسبة هذا اللون ستكون منتشرة أكثر من ألوان أخرى قد تكون عرضت الفراشات التي تحملها إلى الإنقراض.
نسبة الانتشار مرتبطة مباشرة بتأثيرات الجين على الكائن و تفاعله مع العالم الخارجي.
لنفترض فراشتين (أب أزرق و أم بنية اللون) قاما بالممارسة الجنسية و ملئ سطور الدفتر. على فرض أن نسبة اللون البني بين السطور متكررة بنسبة٨٠٪ (بين الأم و الأب). هذا يعني أن نسبة ولادة هذه الفراشة بلون بني هي٨٠٪.brown-butterfly-branch-shade
مئة سطر أتت من الأب و مئة سطر أتت من الأم. فقط سطر من هذه السطور سيتم تفعيله و عملية التفعيل هي عملية عشوائية لكن بحكم أن انتشار جين اللون البني هي بنسبة ٨٠٪ فهذا يعني أن نسبة اختيار سطر اللون اللون البني هو احتمال وارد بنسبة ٨٠٪.
هذه الفراشة البنية الجديدة تنقل نفس النسخة من الصفحة 23 إلى أبنائها ( 200 سطر فيها ٨٠٪ لون بني). أبناء الفراشة البنية سيكون لديهم أيضاً١٠٠ سطر من أمهم البنية و١٠٠ سطر من والدهم الأزرق. و هكذا يستمر الابناء في نشر نفس نسب الجينات عبر الأجيال القادمة فتزيد نسب اللون البني في المجمع الجيني.
في المقابل إذا فرضنا أن اللون البني أصبح لون غير ملائم في البيئة المحيطة لهذه الفراشات و أن كائن آخر أصبح يفترس الفراشات البنية اللون فسنجد أن الفراشات ذات الصفحة 23 بنسبة ٨٠٪ لون بني بدأت بالموت بسبب الافتراس و صارت هذه النسب تتغير مع الوقت باتجاه الفراشة ذات ألوان مختلفة. تبدل نسبة الألوان الشائعة في المجمع الجيني و تطور لون الفراشة من البني إلى لون آخر هو مثال عن تطور عبر انتقاء طبيعي.
في أغلب الأحيان تكون الطفرات الجديدة الناتجة غير صالحة لتعايش الكائن ضمن الطبيعة مما يؤدي إلى انقراضه. نحن اليوم نرى فقط ٢٪ من الأحياء التي عاشت على كوكب الارض بينما انقرض ٩٨٪ منها بسبب عدم قدرتها على التكيف و التأقلم.
إذاً الإنقراض هي الحالة الطبيعية و البقاء هي الحالة الشاذة.
 تمرين:
تخيل انتقال مجموعة بشرية إلى كوكب المريخ.
كيف ممكن أن يتطور الإنسان بعد ٥٠٠  جيل على سطح المريخ؟
ما هي الطريقة التي نستطيع من خلالها منع تطور نوع جديد من البشر؟
أرجو الإجابة ضمن التعليقات…
marsbase
الإنتقاء الجنسي: 
قبل أن أدخل في تفاصيل الإنتقاء الجنسي أود أن أبين الفرق بين الإنتقاء الطبيعي و الإنتقاء الجنسي. الإنتقاء الطبيعي يحدث على مستوى النوع و تكون عوامل التأثير هي عوامل خارجية مثل أنواع آخرى من الكائنات التي تنافس على الموارد أو ظروف طبيعية مؤثر على حظوظ بقاء الكائن. بينما الإنتقاء الجنسي و هو تطور يحدث ضمن نفس النوع و لاسباب داخلية تتعلق بالعلاقات الجنسية بين الذكور و الإناث ضمن النوع.
بعد أن قدم داروين نظريته الشهيرة “التطور عبر الانتقاء الطبيعي” واجه مشكلة أساسية. هذه المشكلة كانت طائر الطاووس. إذ ان تطور ذيل الطاووس يتناقض مع مبدأ الانتقاء الطبيعي (البقاء للأفضل على التكيف) حيث أن ذيل الطاووس كبير جداً و مبرقع مما يجعله عرضة للحيوانات المفترسة و يمنعه من الطيران. ايضاً كان من الواضح أن ألوان بعض الطيور لا تقدم لها أي فائدة تطورية من حيث التمويه و على العكس كانت تجعلها عرضة للافتراس بنسبة أكبر.
لماذا تطور الطاووس بهذا الشكل علماً أن هذا التطور يعد كارثي بالنسبة للطاووس؟Darwin_-_Descent_of_Man_(1871)
عندما سأل المشككون بنظرية التطور دارون عن الطاووس لم يستطيع الإجابة إلا بعد ١٣ عام ضمن كتاب جديد له حينها باسم:
“The decent of man and selection in relation to sex”
حيث قدم لهم نظرية الانتقاء الجنسي و في رأيي الشخصي أن هذه النظرية من أهم أعمال تشارلز داروين.
نظرية الإنتقاء الجنسي تعتبر جزء من نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي و تنطوي تحت بند الإنتقاء الطبيعي إذ ان المؤثرات التي تحدث بسبب الإنتقاء الجنسي لها تأثير على بقاء النوع و بالتالي تعتبر انتقاء طبيعي.
الفكرة ببساطة أن عملية التكاثر تحتاج جنسين ذكر و أنثى. الذكر و الأنثى لديهم خلايا جنسية تتم العملية الجنسية عن طريقها فالأنثى عادة لها بويضة و الذكر لديه حيوان منوي. التكلفة في الطبيعة لانتاج هذه الخلايا الجنسية ليست متساوية حيث أن الخلايا الجنسية الأنثوية تكون أكبر حجماً و أقل عدد و تحتاج للكثير من الموارد لاتتمام عملية التكاثر (الحمل). هذا التفاوت في قيمة الخلايا الجنسية يحدد استراتجية الكائن التكاثرية.
مقارنة بيولوجية بين الخلايا الجنسية من حيث القيمة: 
الخلايا الجنسية الذكرية يتم انتاجها باستمرار و يتم قذف ما يقارب ال٢٠٠ مليون خلية خلال كل عملية جنسية لدى الانسان بينما تمتلك أنثى الإنسان حوالي ٢ مليون خلية طوال فترة حياتها و لا تستخدم منها سوى خلية واحدة في الشهر.
الخلايا الجنسية الذكرية أرخص كلفة من حيث الموارد لانتاجها إذ أنها اصغر من الخلايا الأنثوية ب٣٠ مرة و تعتبر البويضة أكبر خلية في جسم الإنسان.
إذا من الواضح أن الخلايا الجنسية الأنثوية أغلى من الخلايا الجنسية الذكرية من الناحية اللإقتصادية الحيوية.
slide_36
مقارنة بين الاستثمار في الموارد بهدف انجاح عملية التكاثر: parental investment theory 2
الذكر لا يحتاج أي استثمار في الموارد سوى الممارسة الجنسية و هكذا يكون أنجز عملية ارسال جيناته عبر الأجيال بينما على الأنثى أن تحمل لمدة معينة من الزمن مما يحد من قدرتها على الحركة و تأمين الموارد. بعد الولادة تحتاج الأنثى الزيد من الوقت و الموارد للعناية بمولودها. هذه النقطة تحتاج تعمق أكثر أذ انها تختلف مع اختلاف استراتجية التكاثر عند الكائن. مثلاً الاسماك تتبع استراتجية بتفريخ عشرات البيوض على اساس أن بعض منها سينجح و ينتج عنه أسماك جديدة بينما نجد أن الثدييات تتبع استراتجيات بالرعاية بالصغار حتى يصلوا لمرحلة يعتمدون فيها على أنفسهم. في المجمل مهما كانت استراتجية التكاثر فإن ميزان الاستثمار الجيني من الواضح أنه يفضل الذكر و يضع على الانثى عبئ أكبر بعشرات المرات.
الإستثمار الجيني بين الزوجين هو استثمار بين الذكر و الانثى حيث أن كليهما لديه هدف انجاح عملية التكاثر و رعاية الأطفال بهدف الوصول إلى مرحلة يستطيع فيها الأطفال الإعتماد على أنفسهم و بدورهم التكاثر من جديد.
الإستثمار الجيني شبيه بمشروع  يقوم الزوجان في العمل على انجاحه.(عند الإنسان نسمي هذا الاستثمار “الزواج”).
ما علاقة كل هذا في الانتقاء الجنسي؟
في الطبيعة نجد أن الكائن ذو الاستثمار الجيني الأعلى عليه انتقاء  شريكه بعناية أكبر إذا ان عملية التكاثر ستكون مكلفة بالنسبة له ولهذا عليه ضمان استثماره مع شريك لديه خصائص تعزز حظوظ نجاح الاستثمار.
تخيل نفسك تقوم بمشروع تجاري و أنت صاحب رأس المال و تبحث عن شريك يدير لك المشروع. أنت ستبحث عن خصائص محددة في شريكك لضمان استثمارك .في المقابل سنجد أن الشركاء الذين تبحث من بينهم يهمهم ارضائك و عرض أفضل مالديهم من ميزات تعطيك انطباع أنهم الشركاء المناسبين للمشروع.
على فرض أنك وضعت شرط أن الشريك الذي ستختاره لابد له أن يجيد العزف على البيانو. سنجد أن في الفترة الأولى كل من لا يجيد العزف على البيانو سيغادر المكان لأنه يعلم استحالة اختياره. في المرحلة الثانية سنلاحظ تنافس بين الشركاء على ابراز مواهبهم في العزف على البيانو. مع الوقت ستطور جميع الشركاء المرتبطين بمشروعك باتجاه تعلم العزف على البيانو. طبعاً هذا المثال ليس دقيق لان تعلم العزف هو عمل اختياري بينما في الطبيعة تكون شروط الاختيار هي شروط طبيعية متعلقة بمورثات الكائنات.
بشكل عام في الطبيعة الإناث هن أصحاب الاستثمار الجيني الأكبر و الانتقاء الجنسي هو الضغط الحاصل على الذكور من قبل الإناث على أساس المعايير و المواصفات التي تبحث عنها الإناث. الإناث تبحث عن اشارات معينة أن الشريك سيقدم موارد غذائية لها و لأطفالها أثناء مدة الحمل و اثناء فترة الرعاية. الإناث تبحث عن اشارات جينية ايجابية هذه المؤشرات الإيجابية نشعر بها نحن على أساس انجذاب و نسميها الجمال. التناسب في الوجه و الجسد المفتول و العضلات كلها علامات لجينات صحية. مع الوقت يطور الذكور أساليب لخداع الإناث بأن جيناتهم جيدة و في المقابل تطور الإناث أساليب اضافية لكشف هذا الخداع (نوع من أنواع سباق التسلح).
طبعاً هنا نتحدث عن أجيال تتطور بناء على هذه المواصفات و ليست عملية تحدث بشكل فوري.
مثلاً لو أن إناث الطيور تعتبر الأولون الفاقعة و أصوات الزقزقة العالية هي دليل على جينات جيدة فسنجد أن الطيور الذي لديهم طفرات جينية بهذ الإتجاه ستزيد حظوظها في الممارسة الجنسية و بالتالي أبنائهم أيضاً ستحمل موارثات ستزيد من حظوظهم بالعثور على شركاء في المستقبل. النقطة التي أود توضيحها هنا أن اختيارات الإناث ليست اعتباطية و إنما مبنية على احتياجات بقائية أيضاً.
002807-sexsel
في بعض أنواع الكائنات التي تعيش ضمن قطيع يختلف الانتقاء الجنسي يحيث أن الذكر الرئيسي Alpha Male هو من سيلقح الإناث و بالتالي نجد أن الذكور تتطور باتجاه تنافس على من سيصبح الذكر الرئيسي. طبعاً ابناء الذكر الرئيسي أيضاً سيحملون مورثات تساعدهم على السيطرة فنجد أن في هكذا نوع من الكائنات تطور الذكور أكبر من الإناث بعدة أضعاف إذ أنها تتطور بالحجم و القوة لضمان فرصها على التكاثر. يوجد بعض الاستثنائات حيث تكون الإناث هي الأكبر حجماً و لكن لن أتطرق إليها الآن. (أنظر انثى العنكبوت أو انثى الأخطبوط)
 إذا كانت الانثى تفضل الحيوان الأقوى، فإن الذكور ذوي الجينات القوية هم من سيحظون بفرصة التكاثرمع الإناث فتزيد الجينات القوية ضمن المجمع الجيني الذكري لتلك الحيوانات. إذا كانت الإناث يفضلن الذكور ذوي الألوان المتنوعة سيتطور الذكور مع الوقت إلى تلك الألوان إذ أن الإناث يخترن الذكور الملونة. إذا كانت الإناث يفضلن الذكور ذوي الصوت الاعلى فإنً جينات الذكور ذوي الصوت الاعلى هم من سيبقون في حين سينقرض الذكور أصحاب الصوت الضعيف.
ملاحظة جانبية: بعض الذكور الذين ليس لديهم المواصفات التي تبحث عنها الإناث قد يكون لديهم جينات تدفعهم إلى اغتصاب الإناث و من هنا قد يكون باب بحث عن كون الاغتصاب حالة وراثية منشأها بقائي و هي.
بسبب الضغط التطوري الحاصل على الذكور من قبل الإناث نجد ان أغلب الذكور ضمن أكثر جمالاً من الإناث في الطبيعة إذ أنهم في حالة تنافس دائمة.
لنأخذ بعض الأمثلة من الطبيعة….
African Elephant (Loxodonta africana) mother and calf, Sambru National Reserve, Kenya
الطيور:
نجد أن الطيور الملونة هم حصراً من الذكور إذ أن الإناث ينجذبن للذكور الملونة
الفيلة:
الذكور أكبر 5 اضعاف من حجم الإناث إذ أنه على الذكور الصراع فيما بينهم لكي يكسبوا الإناث. هذا يعني أن الذكر الأقوى و الاكبر لديه الحظ الأوفر في نشر جيناته فيصبح المجمع الجيني حصرا يفضل الذكور الأقوى و الاكبر حجماً.
العناكب:
على ذكر العنكبوت بناء عش لكي تأتي الأنثى و تضع بيوضها في العش ثم على الذكر العناية بهذه البيوض حتى تفقس. على الرغم من أن الانثى هي صاحبة البيوض (أغلى جينياً) إلا ان الذكر هو من يعمل على رعاية البيوض فيما تنطلق الأنثى لتجد ذكور اخرين و تضع بيوضها في أعشاشهم. هذا يعني أن في هذا النوع من العناكب الأناث هن بحالة الصراع على اعشاش الذكور فلذلك نجد ان حجمهن أكبر لأن الانتقاء الجنسي يعمل لمصلحة الإناث الاكبر حجماً.
مثال للإنتقاء الجنسي عند الإنسان؟
ما هو سبب طول القضيب عند الإنسان مع أن طول القضيب ليس مهماً في اتمام عملية التلقيح ؟”
في الواقع هذا مثال على الإنتقاء الجنسي لدى اللإنسان. الإناث اخترن الذكور ذوي القضيب الأطول و مع الوقت أصبح متوسط طول القضيب حوالي 7 سم مع أن هذا الطول غير مهم في انجاح عملية التكاثر. طول القضيب تحدد بضغط انتقائي من قبل الإناث على الذكور. طول قضيب الذكر عند الإنسان مثل شكل ذيل طائر الطاووس أوفروة رأس الأسد أو حجم أنياب الفيل أو قرون الوعل أو ألوان ذكور العصافير…
هذه جميعها خصائص تطورت عند الذكور بناء على الإنتقاء الجنسي الذي تحدده الإناث.

استرتيجات الاستقرار التطوري و سباق التسلح: 
تخيلوا معي مجموعة من طيور النورس التي تعيش بالقرب من جزيرة. هذه الطيور تطير كل يوم منذ الصباح الباكر و تعمل على اصطياد مواردها الغذائية من الأسماك. لنفترض أن طائر النورس يحتاج ٤ ساعات من الطيران و المراوغة لكي يتسطيع صيد سمكة. هذه السمكة تشكل بالنسبة له كمية كافية من الغذاء ليوم واحد. هذا يعني أن على كل طائر نورس أن يعمل لمدة ٤ ساعات يومياً في صيد الأسماك لكي يبقى على قيد الحياة.
maxresdefault-6
على فرض أن لدينا ١٠٠ طائر نورس و جميعهم فعلاً يعمل كل يوم لتأمين موارده الغذائية. فجأة ظهرت طفرة جينية بين المجموعة أدت لاكتشاف أحد الطيور أن بامكانه سرقة سمكة كل يوم و هذا لا يستغرق سوى نصف ساعة عمل. فعلاً هذا الطائر يسرق كل يوم سمكة من أحد الطيور مما يجعل الطائر الآخر يعمل ٤ ساعات اضافية لتأمين غذائه أو يموت.
مع الوقت تنتشر جينات الطائر السارق لأن حظوظه بتأمين الغذاء أوفر من الطيور التي عليها أن تعمل ٤ ساعات يومياً. في علوم الأحياء نسمي هذه الحالة بأن استراتجية جديدة قد غزت الاستراتجية الحالية. الاستراتجية الجديدة تبدأ بالانتشار و مع الوقت على فرض أصبح لدينا ٧٠ طائر نورس يتبعون استراتجية السرقة و ٣٠ فقط يعملون على صيد الأسماك. الذين يعملون ينقرضون بشكل سريع بسبب عدم توفر الموارد الغذائية بسبب سرقتها من قبل الطيور القراصنة. مع الوقت تنتج مشكلة جديدة في المجموعة.
المشكلة الجديدة بالنسبة لطيور النورس القراصنة  هي أن ال٣٠ طائر التي تعمل على جلب الطعام لا تكفي لكي تؤمن غذاء جميع الطيور القراصنة (٧٠). هنا نقول أن الاستراتجية الحالية غير مستقرة و تم غزوها من قبل استراتجية جديدة فتتبدل الاستراتجيات من جديد و تبدأ الطيور القراصنة بالموت من الجوع و تنتشر جينات الطيور التي تصطاد من جديد. تتبدل الارقام و النسب من جديد إلى أن نصل إلى نسب مستقرة بين المجموعتين نسميها Evoultion Stabel Strategy. هذا المحور مهم في فهم الفقرة القادمة و هي سباق التسلح.
سباق التسلح: 
جميع الكائنات الحية بحالة صراع مستمر للحصول على الموارد الغذائية و هذا يعني أن الكائن إما يكون مفترس أو فريسة لكائن آخر. هذه الحقيقة تجعل من موضوع الخصائض التي تساهم في الحصول على الغذاء من أهم الخصائص الضاغطة على تطور الكائن. في التطور يوجد ميزان اقتصادي يحكم و يدير كيفية صرف الموارد على تطور الأعضاء (ليس بالمعنى الحرفي طبعا). يتم صرف الموارد على الأعضاء التي تساهم أكثر في بقاء الكائن. على سبيل المثال الغزال يصرف جزء كبير من موارده على عضلات الأطراف لكي يستطيع الركض بسرعة لأن عدوه الأساسي في الطبيعة “الفهد” أيضاً يصرف موارده على السرعة لأن الفهد الذي لا يصرف موارده على السرعة لن يصطاد الغزلان.
كل فترة تنتج طفرات جينية إما تعطي أولوية بقائية عن طريق زيادة سرعة الكائن فتنتشر هذه الجينات عبر المجمع الجيني أو تنتج طفرات يكون الكائن أبطئ بسببها فينقرض صاحبها من المجمع الجيني بسرعة.
أود أن أنبه إلى مغالطة منتشرة بعض الشيئ و هي أن هذه الكائنات لا تقرر أن تطور هذه الخاصيات و إنما الضغوط التطورية تعطي الكائنات ذو المواصفات المناسبة أولوية بقائية. أنا لا أحبذ استخدام كلمة adaptation أو تأقلم لأن هذه العبارة تعطي انطباع أن العملية تتم بارادة الكائن بينما هي عملية انتقاء طبيعي تعطي الأفضلية للجينات التي تستحوذ على خصائص تساهم في بقاء الكائن. يعني التأقلم هو ما يبدو لنا بعد أن تموت الكائنات التي لا تحمل المواصفات و الخصائص اللازمة للبقاء.
الغزلان التي لا تستطيع الركض بسرعة يتم افتراسها و بالتالي تخرج خارج المجمع الجيني. النسور التي لا تستطيع الرؤية بشكل جيد لا تستطيع الصيد بشكل فعال و بالتالي تموت جوعاً و تبقى النسور ذو حاسة البصر الأفضل و القرود التي لا تجيد العمل الجماعي تموت من الجوع و اللإفتراس و تبقى القرود صاحبة الخصائص التواصلية الأفضل. إذا مع الوقت يموت من لا يحمل الجينات المناسبة و يبقى من يحمل الجينات المناسبة لكن لمراقب خارجي تبدو الكائنات و كأنها اتخذت قرار بالتأقلم باتجاه خاصية ما.
على فرض أن الفهد طور سرعته بحيث أصبح قادر على اصطياد جميع الغزلان. تذكّر فقرة الاستقرار الاستراتيجي و كيف أن أعداد الطيور القراصنة و الطيور التي تصطاد يتفاوت إلى أن يستقر عند مستوى معين نسمية استقرار تطوري استراتيجي.
 الذي يحدث هنا هو تماماً كما حدث في مثال الطيور حيث أن أعداد الفهود التي تستطيع العدو أسرع من الغزلان لا يجب أن تتجاوز عدد الغزلان التي تستطيع الهرب و إلا لوجدنا انحدار بأعداد الغزلان حتى الانقراض.
سباق التسلح يحدث كالآتي (أرقام ليست واقعية):
الفهد يستطيع التسارع بسرعة ١٠ كيلو متر في الساعة لمدة ١٠ ثوان ثم يتوقف بسبب ارتفاع درجة حرارة جسمه.
الغزال يستطيع العدو بسرعة ٥ كيلومتر في الساعة لكن لمدة ١٢٠ ثانية.
في هذا السيناريو على الفهد الاقتراب من الغزال لمسافة كافية للاستفادة من فرق السرعة بينه و بين الغزال ضمن النافذة الزمنية المتاحة له من الركض ١٠ ثوان. هذا يعني أن عليه تقليص الفرق بالمسافة عن طريق التمويه و الامساك بالغزال ضمن ال١٠ ثوان الأولى.
chase_is_on_lrg
مع الوقت تموت جميع الغزلان التي لا تستطيع رصد الفهد من بعيد بسبب وقوعها فريسة للفهود القادرة على التمويه و بالتالي تظهر طفرة جينية تعطي أولوية بقائية لغزلان لديها حاسة سمع أفضل بقليل و تركض مباشرة حال سمعت صوت دون التأكد من وجود الخطر. تبدأ هذه الغزلان بالانتشار على حساب الغزلان التي لا تستطيع أن تفعل ذلك. مع الوقت و مع انخفاض أعداد الغزلان الغير قادرة على رصد الفهد تجد الفهود مشكلة بقائية إذ أنها لا تتمكن من اصطياد الغزلان ذو حاسة الرصد الجديدة.
تبدأ أعداد الفهود بالانخفاض من جديد بسبب الجوع و عدم قدرتها على الصيد بشكل كاف. بعد عدة أجيال تظهر طفرة جينية جديدة تعطي الفهد القدرة على الركض بسرعة ١٢ كيلومتر في الساعة لمدة ١١ ثانية مما يعطيها أولوية بقائية على حساب بقية الفهود و تستطيع صيد الغزلان من جديد. في طبيعة الحال تتأثر مجتمعات الغزلان بهذه الطفرة و ينخفض أعدادها مجدداً إلى أن تظهر طفرة تعطيها القدرة على التفوق على سرعة الفهد… و هكذا
اليوم يعتبر الفهد من اسرع الكائنات التي تمشي على الأرض و تصل سرعة انطلاقته إلى ١٢٠ كيلومتر في الساعة لكن لفترات قصيرة جداً بينما تصل سرعة الغزال إلى ٤٨ كليومتر في الساعة لكن لمسافات طويلة.
سبب عدم قدرة الفهد على استدامة سرعته لمسافات طويلة ناتج عن ارتفاع درجة حرارة دماغه اثناء العدو و بالتالي نجد أنه على الرغم من التطور في مجال ما لكن لابد من دفع ثمن في مجال آخر.
ملاحظة جانبية: يتميز الإنسان بقدرته على الركض لمسافات طويلة جداً بسرعة بطيئة. قدرة الإنسان على التعرق أعطته سلاح فتاك ضد جميع الكائنات الأخرى إذ أنه قادر على صيدها عن طريق ارهاقها و التواصل ضمن مجموعات لمحاصرتها.
لو أن الفهد طور خاصية التعرق لأخذت هذه الموارد المخصصة للتعرق من الموارد التي خصصت لقوته العضلية و لما استطاع اللحاق بالغزلان و لربما انقرض.
مثال آخر عن التوازن الاقتصادي:  redwood_collage
هذا مثال لسباق تسلح ضمن المجموعة حيث أن الأشجار تنمو باتجاه الشمس لكي تحصل أوراقها على أفضل نسبة نجاح في تحليل الطاقة الشمسية و استقلابها. تبدأ العملية ان الجميع
(الأشجار) تحتاج الشمس فتبدأ احدى الاشجار بالنمو أطول من جارتها لكي تحصل على ضوء اكثر بقليل من غيرها فترد عليها الجارة بالمثل إلى أن تصل هذه الأشجار إلى نقطة توازن اقتصادي بين الموارد المصروفة على النمو و كمية الطاقة الشمسية المستقبلة.
مع الوقت يصبح استثمار الموارد في النمو الطولي غير مجدي و خاسر اقتصادياً (طاقة)، فتقوم هذه الأشجار باتفاق ضمني بأن تتوقف عن النمو الطولي لكي تستطيع جميعها الحصول على ضوء الشمس.
لو أن الأشجار توصلت لهذه النتيجة قبل التنافس على أشعة الشمس و النمو الطولي لما وجدنا أشجار طويلة و لما بددت الأشجار طاقتها في التنافس. بعد كل هذا يأتي الانسان فيقطع الأشجار من جذورها و يقول سبحان من سخر لنا هذا و تندم الأشجار على فعلتها.
أدعوك أن تبحث عن علاقات سباق التسلح بين أي كائنين تربطهم علاقة افتراس و ستجدم كم أن هذا المحور ممتع.
الدلائل على نظرية التطور: 
الحمض النووي و الجينات المتراكمة كنتيجة للتطور: 
genome-actg
في بداية المقال استخدمت مثال بسيط على كيفية انتقال المعلومات الجينية على شكل أحماض نيتروجينية نسميها بالحمض النووي. المثال كان س/ ج/ ع / د + س١/ ج١/ ع١/ د١ ينتج عنها عينة عشوائية جديدة مبنية على اساس المجموعتين الاساسيتين.
لنستبدل هذه الأحرف ب الحروف الحمضية المستخدمة فعلاً و هي ATCG و يوجد حوالي ٣ مليار حرف منها ضمن الحمض النووي لدى الإنسان. إذا سألتك عن أوجه التشابه بينك و بين الشجرة الموجودة بالقرب من منزلك؟ سيكون الجواب أنك أنت و الشجرة و كل ماهو حي على الكرة الأرضية تتألفون من هذه الأحرف الاربعة لكن ضمن ترتيبات مختلفة. ترتيب الأحرف هو مايعطي المعلومات الجينية التي ستترجم ضمن الخلايا و تتجسد بأعضاء و أقسام حية.
تأتي هذه الحروف ضمن ترتيب محدد يتم ترجمته داخل خلايا الجسم على شكل بروتينات. من ابسط أنواع الحياة إلى أعقدها نجد أن ترتيب هذه الأحرف يتطابق على الأقل بنسبة ٢٥٪.
تخيل أن حمضك النووي يتشابه مع فاكهة الموز بنسبة ٥٠٪ على الأقل. لكن ماذا يعني يتشابه؟
لنفترض أن الحروف التالية تجسد تمثيل لجين تحليل أشعة الشمس إلى طاقة:
AAAT- AGCT- CCTA – AACG – GCGC – CCAA – ATCG – AATT – AATG – GTAC – CATG
الجينوم البشري يتألف من حوالي ٣ مليار حرف. عندما نقول أن فاكهة الموز و الإنسان متشابهين بنسبة ٥٠٪ فهذا يعني أن الحمض النووي لفاكهة الموز و الذي يتالف من ٥٢٠ مليون حرف يتطابق الحرف للحرف بنسبة ٥٠٪ مع تسلسل الأحرف الموجودة في الحمض النووي لدى الإنسان. هذه الحقيقة تجعلني أشعر بسعادة عارمة إذ أن جميع الأحياء مترابطين جينياً و ليسو كما كان مصور بالنسبة لي دينياً أنهم مجرد أشياء وجدت عن طريق السحر لكي يستغلها الإنسان و يحولها لأدوات تخدم غايته.
عن الجينات:
الجين عبارة عن مجموعة كبيرة من الأحرف ربما مئات إلى ألاف الأحرف. كل خاصية طبيعية عند الأحياء تكون نتيجة ترجمة عشرات الجينات. لا يوجد جين واحد مسؤول عن خاصية واحدة كما هو مشاع.
مثلاً إذا أردنا أن نجد الجين المسؤول عن تطور التعلم لدى الإنسان، سنجد بعض المواقع العلمية للاسف تدعي أن الجين كذا هو المسؤول عن التعلم لكن في الواقع الأمر ليس بهذه البساطة لأن التعلم يحتاج الكثير من المواصفات الأخرى الرديفة مثل توسع بحجم الجمجمة و توسع دماغي ضمن قسم التعلم و الذاكرة و تطور في خواص آخرى مترابطة. في بعض الأحيان تكون خاصية ما تحتاج لمئات الجينات للتعبير عنها بشكل صحيح و ذلك لترابط هذه الخواص مع بعضها البعض بشكل مركب أكثر من أن نربط كل جين بخاصية ما.
الآن كل ما فحصنا خصائص طبيعية بدائية مثل آليات نسخ الخلايا أو تحليل أشعة الشمس إلى طاقة نجد أن التطابق بين الأحياء شبه تام و ذلك بسبب تاريخها التطوري. كل ما عدنا إلى الوراء كل ما وجدنا تطابق جيني أكبر مما يدل على أن جميع الأحياء أتت من مصدر واحد و أن السهم الزمني و عملية التطور التراكمي هي التي أنشأت الإختلافات كما ذكرت لكم سابقاً ضمن قسم انتقال المورثات.
عند مقارنة الحمض النووي لدى أي كائن من عائلة الثدييات نجد أن التطابق الجيني يرتفع إلى نسبة مافوق ال٧٠٪.
مثلاً التطابق الجيني بين الإنسان و القطة هو ٩٠٪. هذا يعني أن ترتيب الأحرف الموجودة بالملايين في حمض الإنسان النووي يأتي بنفس الترتيب بنسبة ٩٠٪ مع الحمض النووي الموجود لدى القطة. التشابه بين الإنسان و الكلب يساوي ٨٢٪ و الإنسان و البقرة يساوي ٨٠٪ بينما التشابه بين الإنسان و الشيمبانزي يساوي ٩٦٪.
التشابه الجيني بين الكلب و الذئب ٩٨٪ و ذلك لأن الكلاب و الذئاب لديهم سلف مشترك. سأتطرق لهذا المحور ضمن قسم الإنتقاء الصناعي.
عند مقارنة جينات الإنسان و الشيمبانزي  كل جين على حدى نجد أن بعض الجينات تتطابق بنسبة ٩٩,٨٪ و بعضها يختلف بنسب أكثر لكن متوسطياً نجد تقارب بنسبة ٩٥٪.
بهدف المقاربة  إذا اعتبرنا أن هذا المقال يمثل الحمض النووي لدى الإنسان و أن حروفه تمثل ATCG و قارنا بينه و بين الحمض النووي للشيمبانزي فسنجد أن هذا المقال حتى هذه اللحظة يتألف من ٣٤ ألف حرف مما يعني أن الإختلاف بينه و بين مقال آخر يمثل حمض الشيمبانزي النووي يساوي ما بين ال١٤٠٠ حرف إلى ٧٠٠ حرف فقط من أصل ٣٤ ألف حرف.
لكن الاختلاف ليس ٧٠٠ حرف عشوائية و إنما ضمن مجموعات معينة من الجمل. هذا يعني أن بعض الجمل و الكلمات ضمن المقالين تتطابق بنسبة ٩٩٪ و في بعض الجمل يوجد فروق كبيرة لكن لا تتجاوز ١٤٠٠ حرف من أصل ٣٤ ألف حرف.
الان عند المقارنة في الحمض النووي بين جميع الأحياء نستطيع استنتاج علاقاتها الجينية و تحديد تاريخها. هذه الحقيقة نجد تجسيدها بشكل كامل و متطابق بدقة مع ما نرصده في الطبيعة. مثلاً لا نجد أن الحمض النووي بين الإنسان و الشيمانزي أقرب من الشيمبانزي و الأشجار. ايضأ نجد أن الانتشار الجغرافي لهذا للتنوع الجيني متطابق تماماً مع امكانيات التزاوج ما بين هذه الكائنات. هذا يعني أننا لن نجد تقارب جيني بين الفيل الأفريقي و الدب القطبي أكبر من التقارب بين الدب القطبي و الفقمة مع أنهم لا يشبهون بعض كثيراً بينما نجد أن الفيل الافريقي و خاروف البحر متقاربين جينياً و ذلك بسبب قربهم الجغرافي. هم كانوا عائلة واحدة في فترة ما ثم افترقوا لأسباب بقائية و حصل الاختلاف الجيني بينهم. (انظر فقرة التنوع الحيوي).
علاقات جينية بين الكائنات: (أدعوك أن تبحث بهذه العلاقات)10411757_829924483762635_4390973241800007937_n
  • الدولفين يقرب الحوت و فرس النهر
  • وحيد القرن يقرب الحصان و أنواع  تابيرات السناديات
  • الضباع تقرب نوع من أنواع القطط البرية (قط الزباد)
  • الزرافة تقرب حيوان اسمه الأوكابي
هذا الدليل الجيني  لوحده كاف لاثبات نظرية التطور بصورة لا تقبل الشك نهائياً إذ اننا نتحدث عن نسب تطابق بملايين المرات و ثم مطابقتها مع ما نراه من تنوع حيوي في الطبيعة.  لكن يوجد المزيد…..
الفيروسات القهقرية Retrovirus : Capture
بشكل عام الفيروس عبارة عن تعليمات نووية تتفاعل مع الحمض النووي داخل الخلايا الحية و لا قيمة له دون دخوله إلى حاضنة قادرة على ترجمة هذه التعليمات النووية. الفيروسات القهقرية هي نوع من الفيروسات التي تؤثر على الحمض النووي لدى الكائن المضيف و تغيره بصورة نهائية. هذا التغير في الحمض النووي أصبح جزء من الحمض النووي و بالتالي أصبح قابل للانتقال بين الأجيال بشكل وراثي. مكان الفيروس في الحمض النووي يعطينا مجال للمقارنة بين الأحياء. مثلاً وجود فيروس قهقري لدى أحد أسلاف الرئيسيات (القرود العليا) يعني أننا نستطيع العثور على نفس الفيروس في نفس الترتيب و المكان عند مقارنة الحمض النووي للأنسان و الشبيمانزي.
بالفعل هذا ما نجده عند البحث عن هذه الفيروسات ضمن الحمض النووي. نعثر عليها بتطابق كامل ضمن نفس الترتيب النووي. يوجد لدى الإنسان حوالي ٣٠ الف نوع من أنواع الفيروسات القهقرية في حمضه النووي و التي ورثها من أسلافه السابقين. بالعودة للوراء نستطيع دراسة خط سير التطور الانسان عن طريق مقارنة أمكان وجود هذه الفيروسات لدى الأحياء الآخرى.
الجينات العاطلة عن العمل:
كما ذكرت لك سابقاً الجينات عبارة عن كمية كبيرة من الأحرف ATCG و لكن مع مرور الوقت و بسبب ألية الطفرات الجينية العشوائية تنتج أخطأ في الحمض النووي تعطل الجينات عن العمل. هذا يعني أن الحمض النووي لدى الكائنات يوجد فيه سلاسل جينية لا فائدة منها و تنتقل عبر الأجيال لأسباب وراثية بحتة.
أنت منذ الصغر تسمع نصائح من أهلك بضرورة الحصول على فيتامين س. السبب لهذه الحاجة هو تعطل أحد الجينات التي كانت تعمل على انتاج فيتامين س بشكل تلقائي دون الحاجة لاستقدامه بصورة جاهزة. أغلب الفقاريات لا تحتاج للحصول على فيتامين س بشكل مستقل إذ أن جسمها قادر على انتاجه بشكل مباشر لكن لأسباب تطورية تعطل الجين المسؤول عن انتاج هذا الفيتامين و بالتالي أنت مضطر لاستقدامه بشكل مباشر. يجدر الذكر أن الجين موجود في حمضنا النووي إلا أنه غير مفعل.
الفكرة الاساسية هنا أنه لماذا يكون الحمض النووي للأحياء مليئ بالأخطأ الجينية و التي تصل نسبتها لما يقارب ٩٠٪ دون فائدة تذكر؟ الطريقة الوحيدة للإجابة عن هذا الإستفسار هي نظرية التطور.
زوائد تطورية الأعضاء الأثارية: Vestigial Structures tail05
طبعاً بعض الزوائد الجينية التي ذكرتها تنتقل وراثياً و لازلت مفعلة و تعمل لكن دون أي فائدة تذكر تعود بها على الكائن. مثلاً أضراس العقل و الزائدة الدودية هي زوائد تطورية لأسلاف الإنسان و لكن نتيجة لضمور الجهاز الهضمي بعد انتقال الإنسان لأكل اللحوم أصبحت دون فائدة تذكر سوى أنها مجمع لبعض البكتيريا الهضمية. أيضاً أذكر عظم العص و حالات نمو الذيل Coccyx. إذ لا يوجد اي فائدة لوجود عظم العص عند الإنسان و هو من بقايا أجدادنا السابقين.
 في بعض الحالات النادرة يولد طفل الإنسان و لديه ذيل قد يصل طوله إلى 20س مع القدرة على تحريك الذيل
القشعريرة في حالة الخوف أو البرد: 
القشعريرة هي حالة لا ارادية غريزية ناتجة عن الشعور بالخوف أو البرد و من فوائدها لدى الحيوانات ذو الشعر أو الوبر أنها بشكل تلقائي تعمل على تحفيز الأكياس الشعرية مما يؤدي إلى تدفئة الجسم في حالة البرد أو جعل الكائن يظهر في مظهر أكبر في حالة الخوف (كما تفعل القطط)
العصب الحنجري الراجع:
إذا نظرنا من الناحية التشريحية لهذا العصب ستكتشف أنه عصب يربط الدماغ بالحنجرة للتحكم بوظائفها و الإحساس بها. طريق سير هذا العصب يثبت لنا أن الإنسان تطور من كائنات آخرى إذ أن العصب يذهب في رحلة طويلة عبر العصب الحنجري ليلتف تحت قوس الشريان الأبهر ثم يصعد بالعودة من القلب إلى الحنجرة
في حين أن المسافة بين الدماغ و الحنجرة هي مسافة قصيرة و لا تحتاج لهذه الدورة الطويلة من الدماغ إلى القلب و العودة إلى الحنجرة. سبب هذه الرحلة الطويلة ان تطور الإنسان من كائنات مائية في السابق أجبر الشريان على هذه المسار. لو كان الإنسان مصمم لكان من المنطقي وصل هذا العصب بشكل مباشر بين الدماغ و الحنجرة. هذه المشكلة موجودة عند جميع الثدييات مما يؤكد على أن جميعها
تعود إلى جد مشترك في مرحلة من مراحل التطور.
laryngeal_nerve
مراحل التشكل الجنيني:
الحمض النووي هو بمثابة وصفة الطبخ و الجنين هو الطبخة. مراحل التشكل الجنينية تعتمد اعتماد كلي على الوصفة المتضمنة ضمن الاحماض النووية للأم و الأب. كون الإنسان تطور قبل ملايين السنين من كائنات بحرية ثم زواحف ثم فقاريات ثم ثدييات و بما ان الحمض النووي يتضمن تاريخ تطور الإنسان فإن مراحل تشكل الجنين الاولية نجدها متتطابقة ما بين جميع هذه الأصناف. إذا قارنا بين مراحل التشكل الجنينية بين هذه الأصناف سنجد أنها متتطابقة بناء على موقع الكائن على شجرة التطور. مثلاً نجد أنه في المراحل الأولى من التكون الجنيني يظهرلدى الإنسان ذيل و لدى الدولفين يظهر أقدام ثم تضمر هذه الأقسام و يتابع الجنين تطوره بناء على حمضه النووي. لكن في بعض الأحيان يولد الدولفين و له أقدام و يولد الإنسان و له ذيل بسبب طفرات جينية تتسب بهذا. فقط من خلال نظرية التطور نستطيع تبرير ولادة إنسان و له ذيل أو أفعى و لها أقدام.
ملاحظة في المراحل الأولى من تكون الجنين نجد أن جميع الأحياء متشابه في الشكل و ثم تختلف بناء على قصتها التطورية.
p50_embryo
بعض الأمثلة عن زوائد تطورية لدى كائنات آخرى:
عظام السواعد لدى الحوت: نجد أن لدى الحوت عظام أقدام غير متصلة بعاموده الفقري و هي موجودة فقط بسبب تاريخة التطوري إذ أن لديه سلف مشترك مع فرس النهر و كان من الثدييات التي عادت إلى الماء بسبب قلة الموارد الغذائية على اليابسة.
الأجنحة لدى النعامة: لا يوجد أي فائدة لأجنحة النعامة سوى أنها بقايا تطورية من اسلافها الطيور السابقين.
مخلب زائد على ساعد الكلب Dew Claw و يوجد منه لدى عدة كائنات اصباعية: نجد هذا المخلب بمكان عالي على ساعد الكلب دون أن يقدم أي فائدة. هذا المخلب أيضاً من الزوائد التطورية لأسلاف الكلب.
biology-book-large
التطور و نظرية الإنجراف القاري: 
حتى هذه النقطة في المقال أنا لم أذكر الأحافير للاثبات نظرية التطور.
عندما قدم داروين نظرية التطور كان لديه مشكلة كبيرة جداً و قاتلة. الفرضية التي قدمها داروين حول التنوع الحيوي كانت تتناقض مع أبسط الحقائق و هي أن عمر كوكب الأرض كان يقدر ببضعة ألاف من السنين في حين أن الفرضية التي قدمها السيد داروين تحتاج لملايين السنين من التطور و هذا تناقض مباشر و قاتل مع ما كان يعتبر من المسلمات.
مع ذلك لم يأبه داروين لهذه المشكلة و قدم نظرية التطور عبر الانتقاء الطبيعي في عام ١٨٥٩.
في عام ١٩١٥ تقدم السيد ألفيرد فيغنار بنظرية غريبة جداً و هي أن اليابسة على الكرة الأرضية تتحرك ضمن ما أسماها نظرية الإنجراف القاري. نظرية الانجراف القاري و بحكم تباعد أقسام قشرة الأرض عن بعضها البعض قدمت دليل جيولوجي بأنه لابد أن يكون عمر الكرة الأرضية على الأقل بضعة ملايين السنين (كانت بداية اكتشاف أن عمر كوكب الأرض يتجاوز ال١٠ ألاف سنة) و ذلك بسبب المدة الزمنية التي تحتاجها القارات لكي تتباعد إلى شكلها الحالي.
vs0emmggflpkw2qvzunn
طبعاً نحن اليوم لدينا فهم أعمق لكلا النظريتين (التطور و الانزياح القاري) لكن تلاقح هاتين النظريتين وقتها قدم لنا نتائج مذهلة كتوقع وجود ترابط جيني بين الأحياء التي كانت متواجدة على شواطئ القارات التي كانت في زمن ما أرض واحدة (سواحل افريقيا و الأميركيتين).
هاتين النظريتين تم اكتشافها من قبل علماء مختلفين ضمن ظروف مختلفة و لأسباب مختلفة. لم يكن يعلم داروين أن نظريته سوف ترسّخ نظرية السيد فيغنار للانجراف القاري و لم يعلم السيد فيغنار أن نظريته ستقدم دفع علمياً لنظرية التطور التي كانت تناقض أبسط المسلّمات العلمية.
بالنسبة للأحافير فالأحافير ليست دليل على نظرية التطور. الأحافير اشبه “بعرض مجاني” يأتي مع النظرية. نظرية التطور مثبتة عن طريق الحمض النووي كما تم ذكره سابقاً لكن عندما قدم داروين نظرية التطور قبل ١٥٠ سنة لم يكن الحمض النووي قد اكتشف بعد و وجود أحافير تثبت وجود كائنات لها سمات تطورية مختلفة عن الكائنات الحية اليوم هو دليل كاف لاعتبار فرضية داروين نظرية علمية. اعتماد نظرية التطور على السجل الإحفوري كان فقط قبل اكتشاف علوم الوراثة و الحمض النووي.
نظرية التطور تقدم توقعات حول أنواع الأحافير الممكن العثور عليها و بأي طبقات جيولوجية ممكن أن نجدها و في أي مناطق جغرافية يتوجب العثور عليها و تنجح في كل مرة في تحديد أنواع الأحافير و مناطق تواجدها.
module10-002
يستطيع أي شخص يشك بنظرية التطور أن يضحد النظرية عن طريق اكتشاف أحافير في طبقات جيولوجية تتعارض مع المراحل الزمنية لتطور الأحياء. مثلاً العثور على أحافير ثدييات قبل طبقات الديناصورات أو العكس.
الكثير من الناس يعتقد أن نظرية التطور أثُبتت عن طريق الأحافير و هذا غير صحيح اطلاقاً و لا يتم البحث في موضوع الأحافير إلى من باب تأكيد توقعات النظرية. لهذا عدم العثور على أحافير لأنواع معينة لا يعني أنها تشكل حلقة مفقودة بالنسبة لنظرية التطور. نظرية التطور غير معنية بالأحافير و لكنها تساعدنا في العثور عليهم.
المغالطات الشهيرة: 
سأقوم بتجديد هذا القسم كل ما مرت معي مغالطة جديدة…
إذا كانت نظرية التطور صحيحة فلماذا لا تستطيع تفسير من أين جاءت الحياة: 
كما ذكرت سابقاً، نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي هي نظرية معنية بتفسير التنوع الحيوي و لا تتطرق لموضوع نشأة الحياة. يوجد مجالات علوم تعمل على حل هذا اللغز و منها Astrobiology و التي تبحث عن مصدر الحياة في الكون بشكل عام.
التطور دائماً يتوجه نحو الأفضل: 
هذه المغالطة يقع فيها الكثير من من يقبلون بنظرية التطور لكن لم يفهموا مضمونها بشكل دقيق. التطور لا يعني تغير نحو الأفضل كما هو متعارف عليه لغوياً. التطور يعني تغير تراكمي و نتائجه تحددها الضغوط الطبيعية. بشكل عام أغلب التطور يتوجه نحو الأسوأ و ذلك بدليل انقراض ٩٨٪ من الأحياء و بقاء ٢٪ فقط. البقاء هو الإستثناء. يمكن الاستدلال على أسباب الانقراض لكل كائن على حدى.
لا يوجد أحافير بين الاحياء (أين هي الحقلة المفقودة؟): 
افتراض ان كل نوع سيكون له احفورة هو اعتقاد خاطئ و غير علمي إذ أن وجود الأحافير يعتمد على عوامل طبيعية كثيرة و نحن محظوظين إذ أنا اكتشفنا بعض هذه الأحافير. بالاضافة لذلك يمكن الاستفادة من الأحافير باستنتاج وجود أحافير معينة مثلاً نحن نجد نوع رقم ١ ـ له خواص معينة ثم نجد احفورة لنوع رقم ٧ فنفترض وجود ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦. مع الوقت نكتشف وجود رقم ٤ مثلاً تماماً كما توقعت النظرية و هذا دليل كاف علمياً على أن النظرية صحيحة. تذكر أن الأحافير ليست الحجر الاساسي في اثبات التطور.
التطور ليست سوى نظرية: 
أنا ذكرت في بداية المقال أن كلمة نظرية من الناحية العلمية لا تعني نفس الشيئ السائد بين العامة. النظرية العلمية هي أعلى قيمة معرفية و لا يوجد ماهو أعلى منها علمياً. هذا يعني أن الوصول لمرحلة النظرية العلمية هو بمثابة تسمية الظاهرة بقانون طبيعي. سبب استخدام كلمة نظرية هو لأنها عبارة عن سرد يفسر ظواهر طبيعية بناء على حقائق علمية. الحقائق العملية المستخدمة تكون غير كافية لتفسير الظاهرة و تحتاج سياق يربطها مع بعضها بحيث نستطيع تفسير ظواهر أعم من خلالها. النظرية العلمية أشبه بمظلة تربط العديد من الحقائق العلمية و نستطيع من خلالها توقع نتائج مستقبلية قابلة للتكرار.
على فرض وجدنا معلومة واحدة تنافي النظرية العلمية فعلينا العودة إلى البداية و اعادة سياق النظرية إلى أن نفسر لماذا يوجد تضارب في المعلومات. النظرية العلمية عليها أن تعمل في كل مرة و دحضها يحتاج أن ينجح مرة واحدة فقط.
لا يوجد دليل على تطور نوع إلى نوع آخر؟
هذه المغالطة من أكثر المغالطات شهرة في رأيي و هي عادة ناتجة عن سوء فهم لمعنى “النوع”. الأنواع ليست الدجاجة و الدولفين. هذه عائلات مختلفة تماماً و لا يوجد تطور مباشر بينها. التطور يحدث بين الأنواع و الأنواع كما ذكرت سابقاً هي مجموعات قادرة على التكاثر فيما بينها و غير قادرة على التكاثر مع أي مجموعة آخرى. التطور بين الأنواع يحدث عندما تبتعد مجموعة من الأحياء عن مجموعتها الاصلية. بسبب الطفرات الجينية و تطورها التراكمي يصبح الحمض النووي مختلف بين المجموعتين لدرجة لا تستطيعان التكاثر من جديد. عند الوصول لهذه المرحلة يستمر الاختلاف الجيني بين المجموعتين و يستمر التطور إلى أن تصبحان مختلفتين بشكل كبير. نحن هنا نتكلم عن مئات ملايين السنين لكي يتطور كائن شبيه بفرس النهر إلى كائن شبيه بالحوت.
في المرة القادمة عندما يطرح عليك صديقك هذا السؤال. اطلب منه أن يعرف لك ما يقصد بكلمة “أنواع” أولاً و ثم ادخلوا في النقاش.
في أحد كتب البروفيسور ريتشارد دوكنز يوجد مثال أعجبني جداً و هو يجسد صعوبة رصد التغير بين الانواع:
تخيل أنك تاخذ صورة سيلفي كل يوم منذ كان عمرك يوم واحد إلى أن صار عمرك ٦٠ سنة.
الان إذا ما قارنا صورك في إي يومين متتالين لن نجد أي فرق في الصور لكن  إذا نظرنا إلى أول صورة و آخر صورة سنجد اختلاف كبير جداً فالصور الأولى أنت فيها مجرد طفل مولود حديثاً و الصورة الآخيرة أنت كهل و تجاعيد وجهك تشهد عليك.
الان تخيل أن كل يوم من ايام حياتك يمثل عشرات الأجيال من الأحياء…

إن كان تطور الإنسان من القرود حقيقة لماذا لايزال يوجد قرود؟
أغلب الناس تعرف الصورة المشهورة التي تجسد صورة قرد يتطور و يقف على ساقية و ذراعيه شيئ فشيئ إلى أن يتحول إلى أنسان يقف على قدميه. هذه الصورة خاطئة و لا تجسد التطور بشكل صحيح و أعتقد أنها سبب أساسي في نشر هذه المغالطة. الإنسان لم يتطور من القرود و إنما الإنسان و القرود لديهم سلف مشترك قبل حوالي ١٥ مليون سنة. هذا السلف
المشترك لا يشبه الإنسان و لا يشبه الشيمبانزي و لا يشبه البونوبو. رحلة تطور هذا السلف نتج عنها العديد من الأنواع. السلف المشترك بين الشيمبانزي و الإنسان و البنوبو يعود حوالي ١٣ مليون سنة و لم يكن تطور الإنسان عامودي كما يتم تجسيده في الصور و إنما افقي يحدث بنفس الوقت بين عدة أنواع من الرئيسيات.
تم اكتشاف نوع بشري جديد من فترة في جنوب افريقيا و تفاصيل هذا الاكتشاف ستسلط المزيد من الضوء عن تاريخ الإنسان التطوري من الناحية الزمنية.
للمزيد من المعلومات يمكن للقارئ قراءة مقالي حول تطور الإنسان عبر الضغط هنا.
simplified-primate-tree
نظرية التطور تتعارض مع القانون الثاني للدينامكية الحرارية: 
هذا خطأ علمي يقع به المشككون بنظرية التطور لكن يتوجب تفسير القانون الثاني من الديناميكية الحرارية قبل تصحيح الخطأ. الدينامكية الحرارية تقول أن الكون بحالة انتقال حراري من الحار إلى البارد بشكل مستمر و من الانتظام إلى الفوضى. هذا الادعاء ينم على عدم فهم لقوانين الديناميكة الحرارية الصفري و الأول و هو أن النظام الحراري الذي ينتقل من الحار إلى البارد يجب أن يكون نظام مغلق حرارياً و أن قانون مصونية الطاقة القائل أن الطاقة لا تخلق و لا تفنى من العدم ينطبق أيضاً على الحرارة إذ أن الحرارة هي تجسيد للطاقة. جميل لكن هذا لا ينطبق على المجموعة الشمسية لأن المجموعة الشمسية ليست نظام مغلق حرارياً و الشمس.
sun-earth-color
هذا تفسير مفصل أكثر إن كنت مهتم:
تخيل معي أن الكون عبارة عن حوض استحمام. ملئنا الحوض بالماء. و ثم وضعنا بعض الحبر في هذا الماء. الحوض قبل الحبر كان وضعه الفيزيائي عبارة عن مساحة مليئة بمركب الماء (نستطيع تحديد قيمة محددة لكمية مركبات الماء الموجود في الحوض). هذا يعني أن حوض الماء قبل الحبر هو أقل فوضى من بعد الحبر. في أول ثانية بعد أن سكبنا الحبر في الماء نجد أن بقعة من الحبر الأزرق قد تشكلت في نفس نقطة تماس الحبر مع الماء. إذاً لازلنا قادرين على العودة بالزمن إلى الوراء و استنتاج أن هذه البقعة الزرقاء المتشكلة هي نتيجة الحبر الذي سكبناه لتونا.
إن نظرنا إلى الحوض بعد بضعة دقائق سنجد أن الحبر بدأ يتحلل في الماء و أصبح من الصعب تحديد مكان سكب الحبر لكن نستطيع أن نرسم فكرة عامة عن المكان بناء على نسبة كثافة الحبر في الماء. بعد بضعة ساعات نجد أن الحبر تحلل داخل الماء بشكل أكبر و لم نعد قادرين على معرفة ماذا حصل أو من أين بدأ الحبر.
second-law-1-3
هذا المثال الذي ذكرته عن الحبر هو تشبيه للقانون الثاني من الديناميكية الحرارية و التي تقول أن الكون دائماً يتجه من الانتظام نحو الفوضى. المزيد من الفوضى يعني المزيد من المعلومات و الذي أعنيه هنا أننا إن عدنا إلى مثال الحبر فإن حالة حوض الماء قبل الحبر كانت أبسط من بعد الحبر إذ أن مركب الماء بدأ بالاتصاق بمركب الحبر و كلما مر وقت أكثر كلما زاد كم المعلومات الازمة لتوصيف حالة الماء و الحوض و الحبر. ربما سيبدأ الماء بالتبخر و ثم سيشكل الحبر بقع زرقاء على جدار الحوض. هذا يعني أن حالة الحوض تزيد الفوضى فيها مع ازدياد الوقت. إذا جاء مراقب يريد معرفة ماذا حدث للحوض و من أين جاء اللون الأزرق على جدران الحوض فهذا الشخص يحتاج معلومات أكثر من شخص يريد فقط أن يعاين الحوض قبل ملئه بالماء.
هكذا هو الكون.
كلما عدنا إلى الوراء كلما كان توصيف الكون و تحليله أسهل و ذلك بسبب القانون الثاني و الذي ينص على أن الكون يتجه نحو الفوضى. حسناً… هذه أول نقطة. لنضعها جانباً.
النقطة الثانية هي أن الاتجاه نحو الفوضى يتخلله فقاعات من الانتظام.
الحياة على الكرة الأرضية مثال جيد لهذه الفقاعات إذ أنه على الرغم من اندماج كميات كبيرة جداً من الهيدروجين ضمن الشمس (المزيد من الفوضى) إلا أن بعض هذه الطاقة تساهم في تشكيل حالة مؤقتة من الانتظام على كوكب الأرض. هذه الحالة تصرف طاقة كبيرة جداً لاستدامتها (طاقة الشمس) إلا أنها استطاعت قرصنة بعضاً من هذه الطاقة و تعمل بعكس التيار الكوني المتجه نحو الفوضى.
أود العودة إلى مثال حوض الحمام. على فرض أننا بعد سكب الحبر في الماء قمنا بفتح سدادة الماء (البلاعة) و هذا لكي نسرع من عملية الفوضى المتمثلة بذهاب الماء عبر المجاري الصحية. سنجد أن الماء سيشكل زوبعة صغيرة (طاقة حركية مصروفة) عند السدادة و ستستمر هذه الزوبعة إلى أن تنتهي كل قطرات الماء الموجودة في الحوض. هذه الزوبعة الصغيرة تمثل نظام طفيلي على حالة الفوضى العامة الحاصلة في الحوض. الحياة هي مثل هذه الزوبعة. تتشكل لنافذه زمنية قصيرة و ثم تنتهي. أنا هنا لا أتحدث عن حياة كائن حي ما و إنما عن الحياة كلها من بدايتها و حتى نهايتها كحالة طفيلية على طاقة نجم الشمس. إذاً هذه هي النقطة الثانية التي أريد الوصول إليها و هي أنه ضمن الفوضى الكونية نجد أن بعض الأنظمة تتشكل بشكل طفيلي و التي تظهر و تفنى أثناء عملية الانتقال من الانتظام نحو الفوضى.
إذاً الحياة عبارة عن ظاهرة تسير بعكس التيار الكوني. الحياة ظاهرة تعتمد على التطفل على نظام الكون الذي يتجه نحو المزيد و المزيد من المعلومات. المزيد و المزيد من التفاعلات. المزيد و المزيد من الفوضى. الكون عبارة عن نظام يتجه من ١ إلى ٢ إلى ٣ إلى ٤ إلى ٥ الخ. و ضمن هذا التصاعد العددي نجد بعض الجيوب التي تستغل هذه الحركة و تتطفل عليها. هذه الجيوب لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد و ستفنى في مرحلة ما كنتيجة لهذه الفوضى و ربما سينتج طفيليات آخرى تتطفل على الفوضى التاتجة عن انتهاء الحياة.
الحياة عبارة عن حالة طفيلية على الفوضى الكونية.
الزمن:
الزمن من الناحية الفيزيائية عبارة عن قيمة للانتقال من نقطة ١ إلى نقطة ٢ و لاوجود للزمن دون مكان يتم الانتقال داخله. تخيل معي لا مكان (غياب الأبعاد الثلاثة) كيف للزمن أن يكون مؤثر و كيف لنا أن نعرف أن هذا هو الزمن. إذاً الزمن عبارة عن نتيجة لظاهرة (وجود حركة ضمن مكان ما) و ليس ظاهرة مستقلة بحد ذاته. الزمن يمثل الانتقال الكوني من النظام إلى الفوضى. الزمن هو تحلل الحبر في حوض الماء. الزمن هو اندماج الهيدروجين داخل الشمس. الزمن مهم فقط لمن يستطيع أن يرصده.
الزمن له قيمة فقط عند مجابهة التيار الكوني المتجه نحو المزيد من التفاعلات و التحلل.
كيف تدحض نظرية التطور: 
كما ذكرت سابقاً، النظرية العلمية عليها أن تعمل في كل مرة و أن تنجح في تفسير كافة الاستثنائات المرتبطة مع الظاهرة التي تفسرها. في حال وجد استثتاء واحد أو تناقض واحد فهذا يعني أن النظرية باطلة و علينا البدأ من جديد في اعادة صياغتها.
في هذا المحور سأقدم بعض الدلائل و البراهين التي تستطيع أن تضحد التطور إن وجدت.
ما أعنيه أن نظرية التطور ستنهار بشكل كامل إن استطاع أي شخص اثبات أي من الأشياء التالية:
نظام حيوي غير قابل للتخفيض (تعقيد لا اختزالي / Irreducible complexity): 
هذا يعني احضار أي مثال من الطبيعة لنظام حيوي قائم بحد ذاته (كن فيكون) و لا يتألف من أقسام أقل تعقيد منه. في السابق كان الخلقيين يذكرون مثال العين و كيف أنها من غير الممكن أن تكون قد تطورت. لكن يوجد لدينا عشرات الأمثلة التي تسرد قصة تطور العين. لن أدخل في تفاصيلها الأن لكن إذ تم العثور على أي مثال في الطبيعة لنظام حيوي غير قابل للتخفيض فهذا يعني أن نظرية التطور قد انهارت.
وجود كائنات تحمل مواصفات لا تتجانس مع شجرة التطور:
مثلاً دجاجة لها قرون أو خفاش له ريش أو سمكة لها أزهار أو شجرة لها رئتين أو  أفعى لها صوف أو خاروف له جناحات أو طائر يستطيع الولادة أو ثدييات تبيض. الطريقة الوحيدة لتفسير تطور أجنحة الخفاش مثلاً هي عن طريق نظرية التطور إذ انها تسرد لنا بالضبط كيف تطورت أذرعة  الخفاش إلى أجنحة عن طريق الحمض النووي و أيضاً عن طريق التشريح التطبيقي عبر مقارنة العظام الموجودة لدى الثدييات مع عظام أجنحة الخفاش.
اكتشاف أحافير موجودة ضمن طبقات أرضية لا تتوافق مع التطور الزمني للأحياء: 
مثلاً اكتشاف أحافير كائنات عاشت قبل الثدييات في طبقات فوق الثدييات أو اكتشاف أحافير لكائنات لديها هياكل عظمية تتنافى مع السرد التطوري لاسلافها كالعثور على سلحفاة طائرة مثلاً أو تمساح طائر.
الانتقاء الإصطناعي: 
جميع الخضروات و الفواكه التي تأكلها هي نتاج آلاف السنين من الانتقاء الاصطناعي. الكلاب و القطط و الدجاج و البقر جميعها لا وجود لها في الطبيعة دون و جود الإنسان إذ أن الإنسان عرّضها لانتقاء صناعي يتماشى مع احتياجاته.
الانتقاء الاصطناعي هو التحكم بالمواصفات الوراثية المراد انتشارها لدى الكائنات. الموز في الطبيعة دون تدخل الإنسان شكله مختلف عن الموز المتعارف عليه و كذلك هي جميع الخضراوات و الفواكه إذ ان الإنسان و منذ اكتشف الزراعة بدأ بالتحكم بانواع المحاصيل التي يزرعها و بالتالي انتقلت المورثات المرغوبة من قبل الإنسان و انقرضت المورثات التي لا يريدها الإنسان.
الكلاب و القطط و بقية الحيوانات الهجينة تم تطويرها بشكل اصطناعي عن طريق اقتناء الحيوانات المفضلة أكثر من قبل الإنسان و التي لديها مواصفات مفيدة نوعاً ما.
هذا بحث أكبر من هذه الفقرة لكني أحببت أن أضيفه هنا لاثير فضول القارئ و ربما يبحث في الموضوع أكثر.
لماذا تطورت الكلاب و القطط بشكل تجعلنا تحبها؟ أم أننا نحن انتقينا الكلاب و القطط التي فيها مواصفات تعجبنا فشكلنا عليها ضغط تطوري؟
بعض الأسئلة التي سأجيب عليها قريباً لكن ضمن مقالات منفصلة:

أين هم بقية الأنواع البشرية؟
هل التطور مستمر و خصوصاً الإنسان؟
هل تتعارض نظرية التطور مع الأديان الإبراهيمية؟
لماذا تطور الوعي البشري مرة واحدة في تاريخ التطور؟
في النهاية أود أن أشكركم على قراءة المقال و أتمنى أن أكون قد ساهمت في توضيح هذه النظرية العلمية الهامة. يتوجب التنويه أن الدلائل على التطور أكثر بكثير من استطيع ذكرها هنا و يمكننا كتابة مجلدات من الدلائل و البراهين حولها إلا أني اخترت بعض المقتطفات التي شعرت أنها توضح الفكرة الاساسية دون الحاجة للتعمق بشكل تقني.
شكر خاص لجميع الأصدقاء الذين ساهموا في التدقيق اللغوي للمقال إذ أن النسخة الأولى كانت مليئة بالأخطأ الإملائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق