النظم التعليمية عبر العالم،
تُسابق الزمن بغية تحديث مناهجها الدراسية، فسرعة التطور العلمي والمعرفي جعل شعار
اليوم يحمل عقيدة معلنة لحاقا أم انسحاقا، فغدت بذلك مناحي التفكير لإعادة النظر
في سُبل التدبير التربوي ضرورة مُلحة لا فِكَاك عنها.
أجل، التعليم في بلادنا ليس بخير، وهي حقيقة لا تكتفي التقارير الدولية والوطنية برسمها، بل حتى المسؤولين القيمين على هذا المجال يعترفون بذلك، وفي السياق ذاته تَوَّجَتِ الوزارة الوصية على القطاع لقاءاتها التشاورية مع مختلف الشركاء التربويين والاجتماعيين والحكوميين والمهتمين بالشأن التربوي، بإخراج مشروع إصلاحي يرتكز على تسعة محاور ذات الأولوية.
إن الحديث عن إصلاح التعليم على هذا المستوى، يطرح تحديين، تحد ذو بعد إصلاحي ينطوي على تقويم مشاكل التعليم المتراكمة منذ الاستقلال لاستدراك التأخير الحاصل، وكذا تحد يطرق باب مسايرة ركب التحولات الدولية وزحف تقدم المعارف.
من المفيد جدا القول، بأن هذا المشروع جاء مباشرة بعد الاعلان عن فشل البرنامج الاستعجالي من طرف الوزير السابق محمد الوفا بعد القيام بعملية التشخيص لهذا البرنامج، لكن هذا التشخيص لم يخرج للعلن للكشف عن العيوب التي شابت تنزيله حتى يتم العمل على الاستفادة منها لتجاوزها، غير أن المتتبعين اعتبروا ذهاب الوزير المذكور لتقلد وزارة أخرى ساهم في عدم ظهوره.
الشيء الذي يجب أن نشير إليه، هو أن توقيت خروج هذا المشروع يتزامن مع اشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي يترأسه المستشار الملكي السيد عمر عزيمان، حيث أن هذا التقرير الذي في طور الخروج للعلن، بدأ يعرف جدلا واسعا حول منحى توجهاته خصوصا فيما يتعلق بالإشكالية اللغوية التي تميل إلى زيادة تدعيم تواجد اللغة الفرنسية في المناهج التعليمية، على حساب لغات أجنبية أكثر وزنا وحضورا كاللغة الانجليزية، وبالتالي إخضاع مصالح العليا للبلاد للحسابات السياسية والتبعية الثقافية الاستعمارية، وهو شيء ليس بالمفاجئ بالنظر لمدى توغل اللوبي الفرنكفوني، حيث بنظرة بسيطة في خريطة توزيع المناصب العليا المؤثرة سنجد تواجد كوكبة من الشخصيات التي استفادت في مرحلة السبعينات والثمانينيات من الدراسة بالمعاهد والجامعات الفرنسية الباريسية كالبوليتكنيك، والمدرسة الوطنية للقناطر وغيرها، وبالتالي سيصعب سحب البساط من أرجلها وتهديدها في مصدر قوتها.
على ضوء ذلك، هل خروج هذا المشروع الإصلاحي كان يوازيه تنسيق مع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أم أن الأمر مجرد حلول ترقيعية مرتبطة أساسا بمجيء كل وزير يقوم بشيء ما حتى يعطي الانطباع بكونه قام بالإضافة، أم أن القادم من الأيام ستخبرنا أن مشروعا آخر على اعتاب التحضير سيأتي ليقلب المعادلة من جديد.
أجل، التعليم في بلادنا ليس بخير، وهي حقيقة لا تكتفي التقارير الدولية والوطنية برسمها، بل حتى المسؤولين القيمين على هذا المجال يعترفون بذلك، وفي السياق ذاته تَوَّجَتِ الوزارة الوصية على القطاع لقاءاتها التشاورية مع مختلف الشركاء التربويين والاجتماعيين والحكوميين والمهتمين بالشأن التربوي، بإخراج مشروع إصلاحي يرتكز على تسعة محاور ذات الأولوية.
إن الحديث عن إصلاح التعليم على هذا المستوى، يطرح تحديين، تحد ذو بعد إصلاحي ينطوي على تقويم مشاكل التعليم المتراكمة منذ الاستقلال لاستدراك التأخير الحاصل، وكذا تحد يطرق باب مسايرة ركب التحولات الدولية وزحف تقدم المعارف.
من المفيد جدا القول، بأن هذا المشروع جاء مباشرة بعد الاعلان عن فشل البرنامج الاستعجالي من طرف الوزير السابق محمد الوفا بعد القيام بعملية التشخيص لهذا البرنامج، لكن هذا التشخيص لم يخرج للعلن للكشف عن العيوب التي شابت تنزيله حتى يتم العمل على الاستفادة منها لتجاوزها، غير أن المتتبعين اعتبروا ذهاب الوزير المذكور لتقلد وزارة أخرى ساهم في عدم ظهوره.
الشيء الذي يجب أن نشير إليه، هو أن توقيت خروج هذا المشروع يتزامن مع اشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي يترأسه المستشار الملكي السيد عمر عزيمان، حيث أن هذا التقرير الذي في طور الخروج للعلن، بدأ يعرف جدلا واسعا حول منحى توجهاته خصوصا فيما يتعلق بالإشكالية اللغوية التي تميل إلى زيادة تدعيم تواجد اللغة الفرنسية في المناهج التعليمية، على حساب لغات أجنبية أكثر وزنا وحضورا كاللغة الانجليزية، وبالتالي إخضاع مصالح العليا للبلاد للحسابات السياسية والتبعية الثقافية الاستعمارية، وهو شيء ليس بالمفاجئ بالنظر لمدى توغل اللوبي الفرنكفوني، حيث بنظرة بسيطة في خريطة توزيع المناصب العليا المؤثرة سنجد تواجد كوكبة من الشخصيات التي استفادت في مرحلة السبعينات والثمانينيات من الدراسة بالمعاهد والجامعات الفرنسية الباريسية كالبوليتكنيك، والمدرسة الوطنية للقناطر وغيرها، وبالتالي سيصعب سحب البساط من أرجلها وتهديدها في مصدر قوتها.
على ضوء ذلك، هل خروج هذا المشروع الإصلاحي كان يوازيه تنسيق مع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أم أن الأمر مجرد حلول ترقيعية مرتبطة أساسا بمجيء كل وزير يقوم بشيء ما حتى يعطي الانطباع بكونه قام بالإضافة، أم أن القادم من الأيام ستخبرنا أن مشروعا آخر على اعتاب التحضير سيأتي ليقلب المعادلة من جديد.
محاور الاصلاح ذات الأولوية
تتمثل المحاور التسعة ذات الأولوية في إصلاح التعليم كما يلي: 1- التمكن من التعلمات الأساسية 2- التمكن من اللغات الأجنبية 3- دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني 4- الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي 5- تحسين العرض المدرسي 6- التأطير التربوي 7- الحكامة 8- تخليق المدرسة 9- التكوين المهني و تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة.
بالنظرة الفاحصة لهذه المحاور، نرى أن عنوانها جاء في صيغة التدابير ذات الأولوية، وهذا الاختيار جاء عن قصد للابتعاد ما أمكن عن مصطلحات لها نفس المعنى والقصد وتحيل على الطابع الاستعجالي مادام أن هذا المصطلح يثير في النفوس جرحا مازال لم يندمل بعد، فضلا على أن طبيعة هذه التدابير تأتي في إطار سلسلة من اللقاءات التشاورية مع كل الفرقاء، وبالتالي فهذا المشروع يُراد به أن يحمل بصمة جماعية، حتى يتسنى إشراك الجميع سواء في النجاح أو في الفشل، وذلك في تجاوز للمؤاخذات التي سُجِّلَت فيما سبق حول إقصاء الفرقاء والشركاء الحقيقيين والارتماء في أحضان مكاتب الاستشارة الدولية والوطنية، التي أفرزت مشاريعا مُحكمة الضبط والصياغة ومتكاملة ومنسجمة في الشكل لكنها في عمقها حالمة وتجد صعوبة بالغة في التنزيل.
إن هذا المعطى، جعل محاور هذا المشروع تتسم بالبساطة والواقعية النابعة من تلمس طبيعة المشاكل الحقيقية، من خلال التركيز على التمكن من التَعَلمات الأساسية، حيث تَبَيَّنَ بالملموس أن المتعلمين في بلادنا يَقْضُونَ سنوات طويلة في الفصول من دون التمكن من الالمام بالقراءة والكتابة والحساب، وكذا التشدد في عتبة الانتقال التي لا تراعي المستوى الحقيقي للمتعلمين، فضلا عن دعم المتعثرين دراسيا عن طريق إحداث محطات للاستدراك في نهاية وبداية السنة.
من جهة أخرى، سيستمر التوجه اللغوي الجديد بتدريس المواد العلمية والتكنولوجية باللغة الفرنسية بالتدريج خصوصا في سلك الثانوي التأهيلي، وذلك استدراكا لمفارقة تدريس تلك المواد باللغة العربية خلال المسار الدراسي للمتعلمين بالسلك الأول والثاني ليجدوا أنفسهم في مواجهة اللغة الفرنسية في التعليم العالي، فضلا على التوسيع التدريجي لأقسام المسالك الدولية للباكالوريا بغالبية المؤسسات التعليمية العمومية بلغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية.
يبدو أن تخمة التعليم النظري المغرق في التجريد والعموميات، آن له الأوان لينتهي، فسوق الشغل في حاجة ماسة لتكوين مهني يُوَفر يد عاملة تُتقن المهن والحرف بدل الاتكاء على التخصصات النظرية التي تستنزف الوقت والجهد من دون نتيجة تذكر، كما أن الدولة لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من حاملي الشواهد العليا في الوظيفة العمومية، لذلك فهذا المشروع يهدف إلى تهيء وإعداد المتعلمين منذ سلكي الابتدائي والاعدادي والثانوي بالموازاة مع التعليم العام إلى التكوين المهني، حتى يضمن على الأقل للمتعلم ضحية الهدر المدرسي، سَلك إحدى المسارات المهنية عوض أن يكون عرضة للشارع، إضافة إلى فتح وغلق الشعب بحسب متطلبات سوق الشغل، مع عقد شراكات تجمعها مع مكتب التكوين المهني والفدراليات المهنية.
هي عديدة التقارير التربوية المتخصصة التي خَلصت إلى كون المدرس الجيد خير سبيل للتعليم الجيد، وحذرت أنه إذا لم يتم استقطاب أعداد كافية من المدرسين، وتدريبهم تدريبا مناسبا، فإن أزمة التعلم ستستمر لعدة أجيال وسيكون ضررها أشد على الطبقات المحرومة، حيث يُخَلف التعليم ذو النوعية السيئة إرثاً من الأمية أكثر انتشاراً مما كان يُعتقد في السابق.
في هذا السياق ارتأت الوزارة الوصية في سياستها الاصلاحية للتأطير التربوي، قصد الرفع من كفاءة المدرسين تخصيص تكوين أساسي يمتد على مدى ثلاثة سنوات بدل سنة واحدة، مع إحداث آليات للمصاحبة لفائدة المدرسين داخل الأقسام الدراسية، من خلال برمجة حصص عمل أسبوعية تؤطر من طرف استاذ مصاحب لمواكبة مجموعة من المدرسين.
من جانب آخر، يُرتقب أن تعرف المؤسسات التعليمية استقلالا أكبر في اتخاذ القرارات، فيما سيتم إعادة النظر في معايير اختيار أطر الادارة التربوية، مع التركيز على توسيع تجربة تكوين هذه الأطر داخل المراكز الجهوية للتربية والتكوين.
تتمثل المحاور التسعة ذات الأولوية في إصلاح التعليم كما يلي: 1- التمكن من التعلمات الأساسية 2- التمكن من اللغات الأجنبية 3- دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني 4- الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي 5- تحسين العرض المدرسي 6- التأطير التربوي 7- الحكامة 8- تخليق المدرسة 9- التكوين المهني و تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة.
بالنظرة الفاحصة لهذه المحاور، نرى أن عنوانها جاء في صيغة التدابير ذات الأولوية، وهذا الاختيار جاء عن قصد للابتعاد ما أمكن عن مصطلحات لها نفس المعنى والقصد وتحيل على الطابع الاستعجالي مادام أن هذا المصطلح يثير في النفوس جرحا مازال لم يندمل بعد، فضلا على أن طبيعة هذه التدابير تأتي في إطار سلسلة من اللقاءات التشاورية مع كل الفرقاء، وبالتالي فهذا المشروع يُراد به أن يحمل بصمة جماعية، حتى يتسنى إشراك الجميع سواء في النجاح أو في الفشل، وذلك في تجاوز للمؤاخذات التي سُجِّلَت فيما سبق حول إقصاء الفرقاء والشركاء الحقيقيين والارتماء في أحضان مكاتب الاستشارة الدولية والوطنية، التي أفرزت مشاريعا مُحكمة الضبط والصياغة ومتكاملة ومنسجمة في الشكل لكنها في عمقها حالمة وتجد صعوبة بالغة في التنزيل.
إن هذا المعطى، جعل محاور هذا المشروع تتسم بالبساطة والواقعية النابعة من تلمس طبيعة المشاكل الحقيقية، من خلال التركيز على التمكن من التَعَلمات الأساسية، حيث تَبَيَّنَ بالملموس أن المتعلمين في بلادنا يَقْضُونَ سنوات طويلة في الفصول من دون التمكن من الالمام بالقراءة والكتابة والحساب، وكذا التشدد في عتبة الانتقال التي لا تراعي المستوى الحقيقي للمتعلمين، فضلا عن دعم المتعثرين دراسيا عن طريق إحداث محطات للاستدراك في نهاية وبداية السنة.
من جهة أخرى، سيستمر التوجه اللغوي الجديد بتدريس المواد العلمية والتكنولوجية باللغة الفرنسية بالتدريج خصوصا في سلك الثانوي التأهيلي، وذلك استدراكا لمفارقة تدريس تلك المواد باللغة العربية خلال المسار الدراسي للمتعلمين بالسلك الأول والثاني ليجدوا أنفسهم في مواجهة اللغة الفرنسية في التعليم العالي، فضلا على التوسيع التدريجي لأقسام المسالك الدولية للباكالوريا بغالبية المؤسسات التعليمية العمومية بلغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية.
يبدو أن تخمة التعليم النظري المغرق في التجريد والعموميات، آن له الأوان لينتهي، فسوق الشغل في حاجة ماسة لتكوين مهني يُوَفر يد عاملة تُتقن المهن والحرف بدل الاتكاء على التخصصات النظرية التي تستنزف الوقت والجهد من دون نتيجة تذكر، كما أن الدولة لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من حاملي الشواهد العليا في الوظيفة العمومية، لذلك فهذا المشروع يهدف إلى تهيء وإعداد المتعلمين منذ سلكي الابتدائي والاعدادي والثانوي بالموازاة مع التعليم العام إلى التكوين المهني، حتى يضمن على الأقل للمتعلم ضحية الهدر المدرسي، سَلك إحدى المسارات المهنية عوض أن يكون عرضة للشارع، إضافة إلى فتح وغلق الشعب بحسب متطلبات سوق الشغل، مع عقد شراكات تجمعها مع مكتب التكوين المهني والفدراليات المهنية.
هي عديدة التقارير التربوية المتخصصة التي خَلصت إلى كون المدرس الجيد خير سبيل للتعليم الجيد، وحذرت أنه إذا لم يتم استقطاب أعداد كافية من المدرسين، وتدريبهم تدريبا مناسبا، فإن أزمة التعلم ستستمر لعدة أجيال وسيكون ضررها أشد على الطبقات المحرومة، حيث يُخَلف التعليم ذو النوعية السيئة إرثاً من الأمية أكثر انتشاراً مما كان يُعتقد في السابق.
في هذا السياق ارتأت الوزارة الوصية في سياستها الاصلاحية للتأطير التربوي، قصد الرفع من كفاءة المدرسين تخصيص تكوين أساسي يمتد على مدى ثلاثة سنوات بدل سنة واحدة، مع إحداث آليات للمصاحبة لفائدة المدرسين داخل الأقسام الدراسية، من خلال برمجة حصص عمل أسبوعية تؤطر من طرف استاذ مصاحب لمواكبة مجموعة من المدرسين.
من جانب آخر، يُرتقب أن تعرف المؤسسات التعليمية استقلالا أكبر في اتخاذ القرارات، فيما سيتم إعادة النظر في معايير اختيار أطر الادارة التربوية، مع التركيز على توسيع تجربة تكوين هذه الأطر داخل المراكز الجهوية للتربية والتكوين.
عقبات أمام الاصلاح
قد يزداد التخوف والتوجس من أية مبادرة إصلاحية وطنية لدى شريحة كبيرة من الفاعلين في المجال التربوي وكذا المواطنين، بالنظر لمسلسل التعثرات المتتالية في الميدان التعليمي، فَرُهَاب عقدة الفشل والتعثر أصبح جاثما على النفوس والعقول حتى أن الحقل التعليمي بكل مكوناته أضحى في حاجة ماسة لمصاحبة نفسية ترفع من معنوياته وترجع بوادر الثقة إليه.
هذا التخوف يجد مبررات موضوعية، تنطلق من تراكم حجم المشاكل الكبيرة، تبدأ من قلة الأطر المؤهلة لحمل مشعل الإصلاح وضعف تكوينها، مرورا بالخصاص في الأطر التربوية والإدارية وكذا إشكالية تدبير الفائض في المراكز الحضرية، إضافة إلى ضعف البنية التحتية بالعالم القروي، وصولا إلى اختلالات على مستوى الحكامة والتدبير المعقلن.
عندما نتحدث عن بَعْث الثقة في التعليم العمومي، يجب أولا أن يكون قياديو الإصلاح منسجمين مع أنفسهم، فغالبيتهم إن لم نقل النسبة الكبيرة المشتغلة في القطاع، لا تُدَرس أبنائها في المدرسة العمومية، فيكون بذلك من الصعب أن تُقنع الآخرين بجدوى الإصلاح مادام أهل الدار لا يثقون فيه.
الفئوية داخل القطاع تنخره حتى النخاع، حيث كل فئة بنفسها معجبة وعلى مصالحها متمسكة، فتغدو الصورة مجرد صراعات فيما بينها، فيصبح منطق التهافت على الكعكة هو السائد، فتكون الميزانيات المرصودة لمشاريع الاصلاح بمثابة غنيمة تبحث كل فئة عن سبل الاستفادة منها أكثر فأكثر، وبين هذا وذاك يضيع التعليم ومعه التلميذ في غيابات المجهول.
لنكن منصفين، مسألة التعثر والإخفاق لا تخص قطاعا بعينه، فهي تشمل قطاعات متعددة (الصحة، الشغل، الصناعة، الإعلام، الثقافة ...) كما تشير إليه التقارير الدولية حول وضعية البلاد، وبالتالي فهو حسب المتتبعين ظاهرة مجتمعية مرتبطة بطبيعة القيم المجتمعية السائدة في المجتمع، وهي قيم مترسخة لا تُقدس العمل، بل تُعزز سلوك الانتهازية والريع الذي ينطوي على اعتبار الانسان الذكي والحذق هو الذي يجني المال بأيسر الطرق وبأقل جهد ممكن حتى ولو كان ذلك بطرق الغش والتدليس، فضلا عن غياب الروح الوطنية التي تبث في النفوس الغيرة على مصالح البلاد ومستقبل العباد.
على الرغم من الصعوبات التي أمكننا رصدها، فدروس وعبر التاريخ تجعل من النهوض بالتعليم السبيل الأوحد لقيام الأمم واستمراريتها، حيث الإنسان الحصيف يتسرب إليه وعي مصير القطاع بأكمله إن لم يبادر الجميع ليشمر عن سواعده قصد ربح رهان نجاح هذه المشاريع الاصلاحية، فالأمر إن استمر على هذا الحال يمكن أن يودي إلى انحسار التعليم العمومي ليتمدد في المقابل التعليم الخصوصي كما بدأت مؤشراته تظهر في المدن، وبالتالي ضرب الوظيفة العمومية وسد باب التوظيف، والاستغناء عن الموظفين متى استدعت الضرورة إلى ذلك، كما يُراد إليه أن يَحصل مستقبلا من خلال التفكير في تفعيل التوظيف التعاقدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق