عن أنفاس نت
إذا كان انتظار مولود حدثا تُجمع الإنسانية على روعته , فإن مراسيم استقباله تعكس إلى حد بعيد طبيعة الوعي الذي يحكم بيئته التربوية ونوعية السلوك و الاتجاهات التي ستحدد شخصيته !
ولعل ما يميز الأسرة العربية هو العناية المفرطة بالترتيبات المادية من تغذية و تطبيب مع تقصيرملحوظ في الترتيبات المعنوية التي تحقق للطفل تكيفا نفسيا سليما مع محيطه.
فالحاجة إلى الحب , و الأمن, والشعور بالانتماء هي حاجات فطرية لدى الطفل , و الاستجابة لها من لدن الأسرة و المدرسة ضرورة حيوية لاكتمال شخصيته والوصول بها إلى حالة من الثبات الانفعالي و السلوكي.غير أن شيوع المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية ,وغياب استراتيجية واضحة لإدماج مباديء الرعاية النفسية في خطط التنمية الاجتماعية أسهم بشكل واضح في ازدياد الاضطرابات النفسية , وتراجع أدوار الأسرة و المدرسة في تحقيق تنشئة سليمة .
ينص إعلان " ألما آتا" الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية سنة 1978 على أن الصحة النفسية هي "حالة من العافية تسمح للفرد باستخدام كافة طاقاته وقدراته ,و التكيف مع ضغوط الحياة و العمل المنتج و المثمر, و المساهمة البناءة في مجتمعه " وهذا التعريف ينطوي على تصور مغاير يتجاوز المقاربة العلاجية صوب الاهتمام باللياقة النفسية للفرد و تحسين نوعية الحياة . كما يُثبت أن المبرر الذي تسوقه السلطات التربوية و الصحية في بلداننا حول قلة عدد الأخصائيين النفسيين , وانصراف جهودهم للعناية بالحالات النفسية الحادة هو مبرر يُمكن تجاوزه باعتماد مقاربة تشاركية فاعلة ,تؤهل كلا من الأسرة و المدرسة و المؤسسة الإعلامية للإسهام الجاد في توفير بيئة تربوية سليمة.
ولعل ما يميز الأسرة العربية هو العناية المفرطة بالترتيبات المادية من تغذية و تطبيب مع تقصيرملحوظ في الترتيبات المعنوية التي تحقق للطفل تكيفا نفسيا سليما مع محيطه.
فالحاجة إلى الحب , و الأمن, والشعور بالانتماء هي حاجات فطرية لدى الطفل , و الاستجابة لها من لدن الأسرة و المدرسة ضرورة حيوية لاكتمال شخصيته والوصول بها إلى حالة من الثبات الانفعالي و السلوكي.غير أن شيوع المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية ,وغياب استراتيجية واضحة لإدماج مباديء الرعاية النفسية في خطط التنمية الاجتماعية أسهم بشكل واضح في ازدياد الاضطرابات النفسية , وتراجع أدوار الأسرة و المدرسة في تحقيق تنشئة سليمة .
ينص إعلان " ألما آتا" الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية سنة 1978 على أن الصحة النفسية هي "حالة من العافية تسمح للفرد باستخدام كافة طاقاته وقدراته ,و التكيف مع ضغوط الحياة و العمل المنتج و المثمر, و المساهمة البناءة في مجتمعه " وهذا التعريف ينطوي على تصور مغاير يتجاوز المقاربة العلاجية صوب الاهتمام باللياقة النفسية للفرد و تحسين نوعية الحياة . كما يُثبت أن المبرر الذي تسوقه السلطات التربوية و الصحية في بلداننا حول قلة عدد الأخصائيين النفسيين , وانصراف جهودهم للعناية بالحالات النفسية الحادة هو مبرر يُمكن تجاوزه باعتماد مقاربة تشاركية فاعلة ,تؤهل كلا من الأسرة و المدرسة و المؤسسة الإعلامية للإسهام الجاد في توفير بيئة تربوية سليمة.
* * *
يُهيمن داخل الأسرة العربية نمط التربية التقليدية الذي يُنظر من خلاله للطفل على أنه "رجل صغير" يتوجب عليه أن يستوعب تعاليم الكبار و توجيهاتهم , ويتقيد بها دون الالتفات إلى الحاجات النفسية التي ينبغي توفيرها له .
فالطفل قبل أن يتشرب القيم و العادات السلوكية و الاجتماعية , لا بد أن يشعر بالأمن العاطفي أي بكونه محبوبا ومرغوبا فيه داخل الأسرة . كما يحتاج إلى الإحساس بالثقة و الاطمئنان , و الانتماء للأسرة و المجتمع .فطبيعة التفاعلات الأسرية يكون لها دور كبير في تشكيل حياته , أما المباديء التي يجري تلقينها له , فيُلاحظ أنها في الغالب مزيج من القيم الأخلاقية و الدينية , و العادات السلوكية تتخللها رواسب من التفكير الخرافي الذي يزعزع ثقة الطفل بنفسه ,ويُربك تفكيره مثل تخويفه بالأشباح و العفاريت حتى ينام أو يُقلع عن سلوك غير مهذب ! فينشأ الطفل داخل إطار حياتي يتسم بالإذعان , والأوهام المقيدة للإبداع و التساؤل الحر .
لذا فتوفير شروط الرعاية النفسية السليمة يقتضي أولا تغيير الثقافة السائدة داخل الأسرة , و حملها على التعامل مع الطفل باعتباره "كائنا منطقيا يستجيب إذا لقي الاحترام و عومل على مستوى إنسانيته " (1)
وهذا ما تضطلع "التربية الوالدية" بتحقيقه في الآونة الأخيرة من خلال اعتماد برامج تكوين للوالدين , وترسيخ علاقة أسرية أكثر انضباطا و احتكاما للمرجعية السيكولوجية و التربوية .
يُهيمن داخل الأسرة العربية نمط التربية التقليدية الذي يُنظر من خلاله للطفل على أنه "رجل صغير" يتوجب عليه أن يستوعب تعاليم الكبار و توجيهاتهم , ويتقيد بها دون الالتفات إلى الحاجات النفسية التي ينبغي توفيرها له .
فالطفل قبل أن يتشرب القيم و العادات السلوكية و الاجتماعية , لا بد أن يشعر بالأمن العاطفي أي بكونه محبوبا ومرغوبا فيه داخل الأسرة . كما يحتاج إلى الإحساس بالثقة و الاطمئنان , و الانتماء للأسرة و المجتمع .فطبيعة التفاعلات الأسرية يكون لها دور كبير في تشكيل حياته , أما المباديء التي يجري تلقينها له , فيُلاحظ أنها في الغالب مزيج من القيم الأخلاقية و الدينية , و العادات السلوكية تتخللها رواسب من التفكير الخرافي الذي يزعزع ثقة الطفل بنفسه ,ويُربك تفكيره مثل تخويفه بالأشباح و العفاريت حتى ينام أو يُقلع عن سلوك غير مهذب ! فينشأ الطفل داخل إطار حياتي يتسم بالإذعان , والأوهام المقيدة للإبداع و التساؤل الحر .
لذا فتوفير شروط الرعاية النفسية السليمة يقتضي أولا تغيير الثقافة السائدة داخل الأسرة , و حملها على التعامل مع الطفل باعتباره "كائنا منطقيا يستجيب إذا لقي الاحترام و عومل على مستوى إنسانيته " (1)
وهذا ما تضطلع "التربية الوالدية" بتحقيقه في الآونة الأخيرة من خلال اعتماد برامج تكوين للوالدين , وترسيخ علاقة أسرية أكثر انضباطا و احتكاما للمرجعية السيكولوجية و التربوية .
* * *
ومع انتقال الطفل من الأسرة إلى فضاء المدرسة تبدأ علاقاته الاجتماعية بالتوسع من خلال تفاعله اليومي مع زملائه و مدرسيه . وتنضاف خبرات وقيم جديدة إلى رصيده الفكري و الوجداني .و بالتالي فالمناخ المدرسي العام له دور كبير في تحقيق التوازن النفسي للطفل , وتحرير طاقته للإبداع و التطوير شريطة أن يحكم هذا المناخ تصور تربوي متكامل يعزز الاتجاهات و القيم التي بذرتها الأسرة ,ويُخلصها من رواسب الأوهام و المعيش الخرافي .
وحتى يكون للفضاء المدرسي دوره الفاعل في التربية النفسية , فإنه مدعو لتأهيل مكوناته , وتجديد منطلقاته و تصوراته بما يتلاءم وما توصلت إليه الدراسات النفسية و التربوية من حقائق و معطيات هامة .ونقصد هنا بالمكونات : المناهج الدراسي , و نمط الإدارة المدرسية , و طبيعة العلاقات المهنية و الإنسانية في البيئة المدرسية , وشخصية المدرس ومؤهلاته التربوية .
ومن المؤلم حقا أن واقعنا التعليمي لا زال يرواح مكانه رغم الحراك التربوي الهائل الذي شهده المجتمع المعاصر منذ مطلع القرن الماضي . و لازال الطفل مجرد "آنية فارغة يصب فيه المعلم كلماته , وكلما كان المعلم قادرا على القيام بهذه المهمة كان ذلك دليلا على كفاءته , وكلما كانت الأواني قادرة على الامتلاء كان ذلك دليلا على امتياز الطلاب "(2) .
وفي ظل هيمنة المفهوم "البنكي" للتعليم و الذي تحكمه رؤية سلبية لدور الطفل لا يمكننا بالتأكيد أن نتوقع من المدرسة ميلا لتوفير شروط التربية النفسية ! إذ يستلزم الأمر " ثورة " تربوية تحرر المدرسة من أبوية النظام التعليمي , وتمكن المدرس من إعداد مهني متكامل يؤهله لإجادة التعامل التربوي مع الطفل , كما تُحدث تطويرا نوعيا للمنهاج الدراسي يُنمي خبرات الطفل و حسه النقدي , و يمنحه الإحساس بالأمن و تقدير الذات .
ومع انتقال الطفل من الأسرة إلى فضاء المدرسة تبدأ علاقاته الاجتماعية بالتوسع من خلال تفاعله اليومي مع زملائه و مدرسيه . وتنضاف خبرات وقيم جديدة إلى رصيده الفكري و الوجداني .و بالتالي فالمناخ المدرسي العام له دور كبير في تحقيق التوازن النفسي للطفل , وتحرير طاقته للإبداع و التطوير شريطة أن يحكم هذا المناخ تصور تربوي متكامل يعزز الاتجاهات و القيم التي بذرتها الأسرة ,ويُخلصها من رواسب الأوهام و المعيش الخرافي .
وحتى يكون للفضاء المدرسي دوره الفاعل في التربية النفسية , فإنه مدعو لتأهيل مكوناته , وتجديد منطلقاته و تصوراته بما يتلاءم وما توصلت إليه الدراسات النفسية و التربوية من حقائق و معطيات هامة .ونقصد هنا بالمكونات : المناهج الدراسي , و نمط الإدارة المدرسية , و طبيعة العلاقات المهنية و الإنسانية في البيئة المدرسية , وشخصية المدرس ومؤهلاته التربوية .
ومن المؤلم حقا أن واقعنا التعليمي لا زال يرواح مكانه رغم الحراك التربوي الهائل الذي شهده المجتمع المعاصر منذ مطلع القرن الماضي . و لازال الطفل مجرد "آنية فارغة يصب فيه المعلم كلماته , وكلما كان المعلم قادرا على القيام بهذه المهمة كان ذلك دليلا على كفاءته , وكلما كانت الأواني قادرة على الامتلاء كان ذلك دليلا على امتياز الطلاب "(2) .
وفي ظل هيمنة المفهوم "البنكي" للتعليم و الذي تحكمه رؤية سلبية لدور الطفل لا يمكننا بالتأكيد أن نتوقع من المدرسة ميلا لتوفير شروط التربية النفسية ! إذ يستلزم الأمر " ثورة " تربوية تحرر المدرسة من أبوية النظام التعليمي , وتمكن المدرس من إعداد مهني متكامل يؤهله لإجادة التعامل التربوي مع الطفل , كما تُحدث تطويرا نوعيا للمنهاج الدراسي يُنمي خبرات الطفل و حسه النقدي , و يمنحه الإحساس بالأمن و تقدير الذات .
* * *
هل يُمكن الحديث عن دور للإعلام في الرعاية النفسية للطفل في غياب استراتيجية واضحة لدى الوزارة الوصية ؟
إن ما كشفت عنه المذكرة التي وجهتها منظمة الصحة العالمية إلى وسائل الإعلام في السابع من أكتوبر 2011 يُسلط الضوء على فشل السياسة الصحية في توفير أدنى متطلبات الرعاية النفسية للأفراد . فمن مجموع موارد القطاع الصحي , لا يُخصص لخدمات الصحة النفسية سوى %2 , أما متوسط الإنفاق فلا يتجاوز 0.25 دولار لفرد سنويا ! (3)
بالرغم من ذلك فإن الرهان على دور وسائل الإعلام في تكوين مواقف وسلوكيات اجتماعية إيجابية , وترسيخ القناعة بضرورة العناية بالصحة النفسية للطفل يظل قائما , خصوصا في ظل الثورة المعلوماتية التي تشهدها المجتمعات المعاصرة , و الانتشار الواسع لوسائل الاتصال .
و إذ نُثمن الاهتمام الذي تحظى به قضايا الاسرة و الطفولة , و تخصيص حيز من البث الإعلامي لتدارس سبل مواجهة الاضطرابات النفسية الشائعة , إلا أن الضغوط التي تواجهها الأسرة العربية في الوقت الراهن جراء تآكل البنى الاجتماعية و الشعور بالقلق المتزايد حيال المستقبل يفرض مزيدا من العناية بضرورة رفع مستوى الوعي النفسي , و تثبيت القيم و المعايير الدينية و الاجتماعية التي يستمد منها المجتمع مُثله العليا . وذلك من خلال الاهتمام بالإرشاد النفسي و تنظيم حملات إعلامية لإحداث تغيير في العوامل الاقتصادية و الاجتماعية المولدة لأشكال الانحراف النفسي .
و بالنظر لتزايد أعداد مستخدمي الانترنيت فإن توفير المعلومات الخاصة بالصحة النفسية , وتيسير الحصول على الاستشارات البسيطة سيؤدي حتما إلى تغيير المواقف و الاعتقادات الخاطئة بشأن الرعاية النفسية .
إن ما كشفت عنه المذكرة التي وجهتها منظمة الصحة العالمية إلى وسائل الإعلام في السابع من أكتوبر 2011 يُسلط الضوء على فشل السياسة الصحية في توفير أدنى متطلبات الرعاية النفسية للأفراد . فمن مجموع موارد القطاع الصحي , لا يُخصص لخدمات الصحة النفسية سوى %2 , أما متوسط الإنفاق فلا يتجاوز 0.25 دولار لفرد سنويا ! (3)
بالرغم من ذلك فإن الرهان على دور وسائل الإعلام في تكوين مواقف وسلوكيات اجتماعية إيجابية , وترسيخ القناعة بضرورة العناية بالصحة النفسية للطفل يظل قائما , خصوصا في ظل الثورة المعلوماتية التي تشهدها المجتمعات المعاصرة , و الانتشار الواسع لوسائل الاتصال .
و إذ نُثمن الاهتمام الذي تحظى به قضايا الاسرة و الطفولة , و تخصيص حيز من البث الإعلامي لتدارس سبل مواجهة الاضطرابات النفسية الشائعة , إلا أن الضغوط التي تواجهها الأسرة العربية في الوقت الراهن جراء تآكل البنى الاجتماعية و الشعور بالقلق المتزايد حيال المستقبل يفرض مزيدا من العناية بضرورة رفع مستوى الوعي النفسي , و تثبيت القيم و المعايير الدينية و الاجتماعية التي يستمد منها المجتمع مُثله العليا . وذلك من خلال الاهتمام بالإرشاد النفسي و تنظيم حملات إعلامية لإحداث تغيير في العوامل الاقتصادية و الاجتماعية المولدة لأشكال الانحراف النفسي .
و بالنظر لتزايد أعداد مستخدمي الانترنيت فإن توفير المعلومات الخاصة بالصحة النفسية , وتيسير الحصول على الاستشارات البسيطة سيؤدي حتما إلى تغيير المواقف و الاعتقادات الخاطئة بشأن الرعاية النفسية .
إن السنوات الأولى من حياة الطفل تتسم بقابلية شديدة للتأثر بالخبرات المؤلمة و التجارب الصادمة . وفي عالم تعصف متغيراته بالتوازن النفسي للفرد فإن بلورة برنامج تكاملي لزيادة الموارد البشرية و المعرفية العربية حول الصحة النفسية أصبح مطلبا أساسيا لتمكين أجيال المستقبل من التكيف الإيجابي مع ضغوط الحياة , وكسب رهان العيش فوق ..صفيح ساخن !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : كلير فهمي . الحب و الصحة النفسية لأبنائنا .دارالمعارف /القاهرة 1975. ص: 151
(2) : سعيد اسماعيل علي .فلسفات تربوية معاصرة .سلسلة عالم المعرفة .عدد 198. ص: 174
(3) : موقع منظمة الصحة العالمية.مذكرة إلى وسائل الإعلام بتاريخ 2011/10/
(1) : كلير فهمي . الحب و الصحة النفسية لأبنائنا .دارالمعارف /القاهرة 1975. ص: 151
(2) : سعيد اسماعيل علي .فلسفات تربوية معاصرة .سلسلة عالم المعرفة .عدد 198. ص: 174
(3) : موقع منظمة الصحة العالمية.مذكرة إلى وسائل الإعلام بتاريخ 2011/10/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق