الثلاثاء، 10 مايو 2016

حياة خطاب.. بئيس : بواسطة محمد طاروس

www.alaoual.com


قبل الولادة
يأتي الربيع عاصفا. يدمر أركان الخطاب القديم، يدك حصونه البلاغية والمعجمية.. تتساقط نماذجه تباعا.. ينبعث خطاب جديد. يركب أجسادا محتشدة في الساحات والميادين، يتجسد دما، نارا، حرائق جسدية، مسيرات احتجاجية، اعتصامات، لافتات، شعارات، جملة صغيرة جدا “ارحل”. تقوض الأنظمة. ينهار الخطاب.. يأخذ خطاب جديد في التشكل.
الولادة
في حكايتنا.. يختلف السيناريو .. يختلف الإخراج.. يختلف الإيقاع.. تجري الحكاية في حبكة فريدة.. حكاية خطابية محضة..يحمي الخطاب الأركان القديمة..يرمم صروحها.. تترمَّم ذاتُه. يستعيد قوته وتوهجه.. تتحرك الآلة الجديدة القديمة.. تركب على قارب الاستثناء.. تجعل الاستثناء حقيقة خطابية، واقعا بلاغيا، نواة تلتقي حولها الخطابات والذوات. تطمئن الذوات على مواقعها. تزحف خارج خنادقها.. تتهادن، تبحث عن موقع في البناء الجديد. تلتف حول النواة. تغذي الخطاب .. تتغذى من الخطاب. يسود منطق التوافق، منطق المقايضات، التنازلات، إرجاء ال يتولد المشروع .. يصاغ الناموس الأسمى. تباركه الأجساد الخائفة .. المرهبة.. الضالة. تتلاقح الخطابات.. تتناسل.. تنهض خطابا وحيدا سويا.
الترهل
تنحرك الآلة..يستوي الخطاب. تصاغ حكومة جديدة، بألفاظ مجددة. تسوي خطابها على عجل، تستمد روحه من خطاب التوافق.. المشترك. يحمي الصروح.. يحتمي بالحصن الجماعي. يظل يدور.. يطوف حول الهيكل.. يلوك مقولات جوفاء: [ الاستثناء، السلم، الاستقرار، المصلحة العامة، النموذج المغربي,,.] يتعب من الطواف.. يسأم.. بمل .. يتعب من اجترار الذات..يجمد.. يفقد التوافق قوته الدافعة.. يتبدى زيف التوافق.. يدب الزيف إلى نواة الخطاب.. تفقد عباراته الجوفاء طنينها.. يتحول صراخا، زعاقا، قصائد رومنسية .. رسائل غرامية.. يائسة.. هراوات..عنفا ودما..تفقد الحكومة بلاغة الولادة..تبتلع المعارضة لسانها، صوتها المبحوح..يحلق الخطاب الأسمى في عليائه.. يتتبع المشهد البئيس..
الانهيار
تضيق بنية التوافق… تقاوم التمزق بخيوط وهمية.. يستنفذ الخطاب أدواره، يفقد قدرته على التجدد، على التكريس.. يفقد انسجامه الداخلي. يسوده الاضطراب، يعتريه التهافت. يختفي وراء عالم وكائنات غرائبية. يناور. يهدد. يهادن. يطمئن.. يهاجم أعداء الماضي. يرهب.. يتباهى.. ينسحب.
ينفجر التوافق. يتبارى الخطباء الجدد في لمِّ أشلاء الخطاب. يجَمّعون بقايا فلول التعابير الهاربة. يلتقطون عبارات شاردة، تراكيب متروكة، أساليب مطروقة. يزرعون بلادة. يحصدون سخرية. ينبعث الماضي من رماده. تسخر الأركان من الريح الناعمة. ينفجر الخطاب، تتدمر آلته الحجاجية. يبكي. يتباكى. يتظاهر باللامبالاة. يسود الصمت. يعود العداد إلى نقطة الصفر. يطفو الخطاب الجسدي من جديد. ينبعث في الميادين والساحات المحروسة. يتسلطن العنف.. يتمزق البساط الحكومي المزركش، تتباعد ألوانه.. تعاد صباغة البساط من جديد. بساط أخرس.. تتوارى خلف العبث الصبياني البذرة الحبلى، النواة الصلبة في انتظار خطاب جديد، طموح، مختلف، يتغذى بالمواجهة، ينتعش بالصراع، يستشرف الآفاق البعيدة.
الموت
يطفو على الشاشة مشهد ما قبل الولادة..ليل بهيم. ريح صاخبة. أمواج عاتية عابثة..محيط ممتد بدون حدود.. يضيع المركب الصغير في الامتداد.. تتمزق الأشرعة.. تتآكل الحبال.. تتفكك الأجزاء.. ينفجر المركب اشلاء.. تستحيل اللوحة الربيعية الرومنسية مسخا بشعا، فظيعا. تتمرد الألوان. تعصى الخطوط، تتشتت الأشكال نقطا متناثرة. يتبخر الخطاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق