الأربعاء، 25 مايو 2016

في الحاجة إلى التربية الموسيقية ـ حسن أوزال

أنفاس نت



"لَوْلاَ الموسيقى ، لَغَدَتِ الحياةُ خطأ" نتشه
"إني لا أعرف إلا معارضة واحدة وحقيقية، هي معارضة مؤسسات بؤس الحياة للمؤسسات الثقافية" نتشه
لا مراء أن المغرب، هُوَّ مَنْ يُعاني مؤخرا، أكثر من أي وقت مضى، أزمة كبيرة على مستوى التعليم ومحاربة الأمية، ولا أدل على ذلك، من تلك المراتب المتأخرة التي صار يحتلُّها ضمن قوائم العديد من التقارير الدولية، حيث تقهقر حسب المؤشر العالمي للتنمية البشرية من الرتبة 126 سنة 1999، إلى الرتبة 129 سنة 2014. أما فيما يخص تَمَوْقُعه في التصنيفات العالمية لأنظمة التربية و التكوين و البحث العلمي، وبخاصة منها، التصنيف العالمي للجامعات المعروف بـ“تصنيف شنغاي” والذي يعتمد أساسا على المنشورات العلمية ، فالمعلوم أن أول جامعة مغربية و هي القاضي عياض، قد جاءت في المرتبة 3962 من ضمن 5000 جامعة.وأمام هذا الوضع الكارثي ، يمكننا التوكيد على أن ما يثير الاستغراب بالرغم من ذلك، إنما هو أننا كلما تساءلنا عن السبب، الكامن وراء هذا التقهقر، والتخلف الذي أصاب البلد إلا وجاءنا الجواب مُطَمْئِنا، على لسان أصحاب الحال، ومدبري الأحوال، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين، رجال تربية أو فرسان بيداغوجيا، بدعوى أن الأزمة هي مجرد هفوات تقنية و خلل في التدبير، يقتضيان فقط، التدخل على نحو سريع تعديلا للبرامج المُقرَّرَة أحيانا(على نحو سطحي، من قبيل إضافة مواد تافهة لأخرى أكثر تفاهة) و استبدالا شكليا لمنهج بآخر أحيانا أخرى. هكذا، وعلى إثر هذه المواقف الهجينة و المتذبذبة ، تم اللجوء إلى إجراء إصلاحات فوقية لا تمس جوهر المشكل، بحيث تقرر الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الإدماج، مثلما جرى بعدئذ العمل بالبرنامج الإستعجالي(بل هو بالأحرى مجرد إصلاح تقني بطيء الوتيرة) الذي رُصِدت له أموال طائلة(بدل أن ترصد بالأحرى، للبنية التحتية المتدهورة، والوضع الاجتماعي الفقير لرجال التعليم) لينتهي الأمر بالتخلي عنه فيما بعد. 
وأمام هذه العشوائية في اتخاذ القرارات ، طبعا لا يمكن للأوضاع إلا أن تزداد سوءا، سيما لما تقرر مرة أخرى، إدراج اللغة الأمازيغية كمادة أساسية ضمن المنهاج التربوي، وذلك دونما التوفر حتى على ما يكفي من المدرسين . وفي هذا الإطار، فنحن اليوم ، لا نملك بكل صراحة إلا أن نتأسف على نظامنا التعليمي المفلس، الذي بسببه بتنا نتخلف حتى عن بعض الدول الموجودة في حالة حرب.
وها نحن، مانزال نسترسل في هذه الدراما، بحيث بدل أن نعمل على نهضة تعليمنا، خلقا لقيمة مضافة، و تأهيلا للعنصر البشري، مكثنا ندعم الجهل و التنميط البيداغوجي.مما نتج عنه، انتقال الفساد من المجال التربوي إلى باقي الجسد الإجتماعي، بحيث صار المغرب يعاني اقتصاديا، وتفاقم عجز ميزانه التجاري. هكذا، أصبحت كل الدول التي لم تقدم على إصلاحات جوهرية، وجدرية لمنظوماتها التعليمية، تعاني من عدم توفرها على إنتاجية تؤهل اقتصادها للمنافسة دوليا. ذلك أن التعليم، هو العمود الفقري للمجتمع بأسره، وبدون جودته، لن نتوفر على رأسمال بشري حقيقي، قادر على الفعالية و النقد لا الإستهلاك والكسل. لذلك، نلح في ظل الأزمة التي صارت عالمية، على أن الرهان إنما ينبغي أن يكون رهانا ثقافيا و فنيا .ذلك أن الثقافة على ما يبدو، هي العلاج المناسب للحاضر والمستقبل، سيما في لحظتنا هاته، التي تنهار فيها قيم البورصات، و تتهاوى فيها الاعتقادات ويقينيات الماضي.
 بديهي إذن أن الأزمة الحالية، هي ما يجب أن يجعلنا على وعي تام بأن الثقافة هي الكنز الحقيقي الكفيل بإخراجنا من مطباث التخلف القاتل الذي أصبح يغتال الشعوب العربية واحدا تلو الآخر. وعلى هذا الأساس نتساءل، عما إذا كانت الموسيقى سَتُسْعِفُنا للخروج من الأزمة؟ألا يمكنها أن تكون حلا لما نتخبط فيه اليوم من تخلف ، سيما و أن الطلاق الحالي مابين التربية و الموسيقى، قد أوصَلَنا إلى عنق الزجاجة و يكاد يأتي على الحابل و النابل ؟ لِمَ لا؟ خاصة إذا أدركنا أن الموسيقى، إذ تُشْفِي الأفراد والجماعات، فهي تعمل على تحفيز إرادة القوة في الكائن البشري لتجعله بالتالي، أكثر إنتاجية و إبداعا في الوجود . لذلك كان من البداهة بمكان أن تكون هي أوّل الفنون التي تعاطاها الإنسان تاريخيا على حد توكيد روسو، وأن تُعتَبَر الحياة بدونها خطأ كما ألحّ نتشه، موضحا أن قضية الموسيقى هي قضية الحضارة بل لنقل أنها قضية الإثبات الدنزوسي للحياة.وإذا كانت الموسيقى بالنسبة لصاحب العلم المرح، هي ما يقف بصرامة ضد الذحل وتبعاته، من قبيل نفي الجسد و الاستسلام والخنوع، فهي ما كان يُسْعِفُ المصريين، على حد ما أورده أفلاطون، على تهذيب الأخلاق والتأسيس للعادات الجيدة؛ مما جعل هذا الأخير يُلح بدوره، في الجمهورية، على أن الموسيقى يجب أن تحتل مرتبة هامة في التربية ؛لأننا ملزمون بأن نُلَقِّنَ الطفل معنى النظام و القياس الذي لا يمتلكه طبيعيا. وتوضيحا لتصور هذا الأخير، ماذا لو استأنسنا بمحاورته التالية مع “غلوكون” حيث يبادر بالقول :“ وإذا كانت الموسيقى هي الجزء المهمّ في التربية، أليس ذلك، لأن الإيقاع والنغم، يا”غلوكون“، يستطيعان أن يَنْفُذَا إلى الروح و أن يُؤَثِّرَا عليها أشدّ ما يكون(...)؟ إن كلا منا بقدرما يستمتع بهما نفسيا و يتغذى، ليغدو إنسانا نزيها، بقدرما يقضي حقا، على الرذائل، ويَطرُدُها منذ الطفولة، حتى قبل أن يستوعبها عقليا”. لكن الموسيقى إذا كانت ضرورية للتربية، كما ألحَّ أفلاطون، فتلميذه أرسطو الأكثر هَوَسا بالموسيقى من أستاذه، يُنَبِّهُنا إلى وجوب التمييز بين نوعين(مقامين) رئيسيين من الموسيقى: النوع “الفريجي”le mode phrigien و النوع “الدوري” le mode dorien . الأول هو ما يمثل المُنوّعات“les variétés” بينما الثاني يمثل الموسيقى الكلاسيكية. و إذا كانت الموسيقى الفريجية هي تلك الموسيقى المرصودة للعبيد والعاهرات، كما الكادحين وعامة الناس، والتي تُعزَف في الماخورات حيث يعشق الشعب الاسترخاء بعد يوم مرهق من العمل، فالموسيقى الدورية هي موسيقى النبلاء، والأحرار، الذين لهم ما يكفي من الوقت للاستلذاذ.
 وعلى هذا النحو، يتبدى أن الموسيقى هي أكثر مما نظن .فهي قضية سياسية قبل أن تكون مجرد مسألة تربوية .إنها معيار للهيمنة والتحكم أو الخضوع والانبطاح. اعتبارا لذلك، نلفي عند أرسطو نوعا من النزوع الديمقراطي عندما لا يُخفي انتصاره للفن الرفيع وتشبثه بضرورة العمل بالنوع الثاني من الموسيقى في مجال التربية، مادام أنه وحده يكفل إعداد الشباب لإدراك ماهية الأشياء وصقل ذواتهم تَيْسِيرا لإدارة المدينة و التعاطي للعلم. إن الموسيقى إذن ليست مجرد مادة دراسية ضمن مواد أخرى، بل هي أكثر من ذلك، أساس تقسيم طبقي و تَفْيئ اجتماعي .و يكفي إقرارها في البرامج التربوية، أو عدمه، للنهوض ببلد بأكمله أو تخريبه.ولنا في التاريخ تجارب عدة سنكتفي منها، بذكر نموذجين إثنين أكثر فعالية و شهرة، طُبِّقا في بلدين هما هنغاريا وفنزويلا. الأول أشرف عليه “زلاتان كودالي”Zoltan Kodaly طيلة ثلاثين عاما بهنغاريا؛بينما الثاني سهر على تنفيذه ، منذ 1975 في فنزويلا الموسيقار “José Antonio Abreu” بدعم من الدولة، حيث فتح عدة مراكز للتعلم ، خاصة بالأطفال، معظمهم من عائلات فقيرة(بنسبة 90 في المائة) تتراوح أعمارهم مابين عامين و ثمانية عشر عاما. وعن تجربة هنغاريا ، يكتب كودالي، في آخر نص له سنة ، قبل وفاته قائلا:“إننا اليوم نملك، مائة مدرسة ابتدائية وثلاثة؛ثلاثة وعشرون منها فقط، توجد بالعاصمة”بودابيست“، حيث يتلقى التلاميذ درسا في الإنشاد كل يوم بالإضافة للبرنامج العام.ويعني هذا، أن عدد الساعات قد ازداد بمعدل أربع ساعات في الأسبوع، مما جعلنا نعاني طبعا نوعا من الإرهاق.لكن تجربة خمسة عشر سنة، بَيَّنتْ أن مستوى التلاميذ قد تَحسَّن بسرعة وبِيُسْرٍ في كل المواد، وذلك بالطبع، لأن هذه الجرعة الصغيرة من الإنشاد، أيقظت وحرَّكَتْ أذهان الأطفال و جعلتهم أكثر استيعابا لكل المهام.
إنها مجرد لعبة مُسلية بالنسبة للأطفال، لكنها لعبة مَكَّنَتْهم من اكتساب كنوز ثمينة ستفيدهم في حياتهم المستقبلية.” والواقع أن نهج كودالي، هو في الحقيقة ، فلسفة تمتح من أفكار روسو و تصورات “بيستالوزي”Pestalozzi في التربية، أكثر مما هو نهج.فالرجل الذي كان في الأصل عالم لغة، هو من ينطلق من منظور يتقاطع فيه التأليف الموسيقي بالرؤية التربوية، معتبرا“ألا حياة روحية مُكْتَمِلةٌ بدون موسيقى”. فالموسيقى بالنسبة إليه، كالماء والهواء، ضرورية لنمو الإنسان. بناء عليه يوصي بالتعاطي معها منذ سن الثلاثة أعوام.أي قبل أن نتعلم اللغة الشفاهية ، بحيث في هذه الفترة من العمر فقط ، يستطيع الطفل أن يَتَشَرَّبَ الموسيقى بعمق وأن يستبطنها عبر التعلم الحسي واللعب، وبفضل الإنشاد وحركات الجسم“la phonomimie”. ينبغي إذن بحسبه، أن نمنح الطفل فرصة العيش في مناخ موسيقي يعتمد بالأساس أغاني بلده، لينغمس في “اللغة الموسيقية الأم”. إن هذا الموسيقار الهنغاري، على ما يبدو، مقتنع أيما اقتناع، بأن على الموسيقى أن تُدْرَج ضمن التَّعلُّمَات الأساسية، شأنها شأن الرياضيات و اللغة الأم الشفاهية والمكتوبة. ذلك أن الموسيقى باعتباره، هي ما يسمح بتنمية، قدرات عديدة، لدى الطفل من قبيل المنطق والتحليل، التعلم والتوازن، الإنصات للغير وتقدير الذات...إلخ. إنها بعبارة موجزة ، تساعد على كل تلك الأمور التي ينبغي لنا أن نتعلمها في المدرسة و التي نسميها “الأساسيات”. هكذا يَشْرَع الرجل في مساءلة نفسه :“ما الذي يلزمنا فعله؟”. ثم يجيب :“إن علينا أن نعمل على تدريس الإنشاد و الموسيقى في المدرسة، بحيث يغدوان بالنسبة للطفل مصدر فرح لا مصدر شقاء. وهو فرح سيصاحبه طيلة حياته، باعثا فيه روح العطش الموسيقي.ولَمّا كانت الموسيقى غير قابلة للإدراك عقليا، فيلزم ألا تُقَدَّمَ إلى الطفل على شكل رموز حسابية أي ككتابة رقمية، أو كلغة لا تعني له أي شيء.إن علينا أن نُعَبِّد للطفل طريقا للإدراك المباشر و الحسي.” وإذا كان مشروع كودالي يريغ إلى أن يجعل الموسيقى تَحْتَلُّ الصدارة في التربية بهنغاريا، تماما مثلما كانت عليه في اليونان القديمة، فإن تجربته الرائدة، هاته، كانت أساس تقدم معظم البلدان التي اعتمدَتْها فيما بعد، بحيث أن جُل المجالات التربوية عرفت تحسُّنا ملحوظا، إذ لوحظ على مستوى اكتساب المهارات اللغوية، تطورٌ كبير، حد التمييز الدقيق مابين الكلام و النبرة، مثلما حصل فرزٌ واضح في الأصوات المتعلقة بمجموعة من الألفاظ، هذا ناهيك عن النطق والتلفظ، وثراء القاموس اللغوي، والقدرة على الفهم والتمييز الصوتي والبصري(أعلى / أسفل، أطول/أقصر، الفوق/التحت)، كما تَنَمَّتْ مقدرة الطفل على الانتباه إلى التفاصيل الصغرى في اللغة، وتطورت لديه ملكة الدقة في الكتابة، وكذا القدرة على الجمع بين عناصر عدة في إطار مجموعات، و التعرُّف على العلاقات بيسر، ناهيك عن مهارة الاستنتاج، والتعامل مع مفاهيم مجردة، والقدرة على التمييز مابين الأشكال، والوحدات والرموز السمعية والبصرية وتفسيرها، كما سَهُل عليه أيضا، التوجُّه في الكتابة من اليسار نحو اليمين والقراءة ، وكذا إدراك الجمل الطويلة اعتمادا على الحركات البصرية والإيقاعية. أما في مجال الرياضيات فقد لوحظ ما يلي:على مستوى الحساب، تيسر التعرف على الأعداد بمجرد سماعها وكذا الرموز. أما فيما يخص الذاكرة و الانتباه، فقد لوحظ تطور كبير سواء في قوة الذاكرة الحركية أو ذاكرة الصور البصرية أو الذاكرة اللفظية المنطقية وتداخلها جميعا؛ كما ازدادت مدة الانتباه. أما فيما يتعلق بالحركة، فقد عرفت هي الأخرى، جراء تعليم كودالي، تحسنا ملحوظا، وانسجاما لا على مستوى الخطوات والمشي، فحسب بل أيضا على مستوى الدقة في الحركة اليدوية، وكذا التحركات في الفضاء(اللعب و الرقص). وفي الأخير يتبدى بحسب نتائج البحث، كيف أحرز الأطفال، تفوقا كبيرا، سواء فيما يتصل بحسن السلوك l’autodiscipline، والوعي الايجابي بالذات جراء النجاحات الحاصلة، أو فيما يتصل بالقدرة على العمل الفردي والمستقل و كذا بناء علاقات جيدة مع الأقران، و التعرف على ثقافات مختلفة. ولما كانت الموسيقى إذن، أساسية في تكوين الإنسان، فكل المختصين يوصون بضرورة الاستئناس بها قبل اكتساب مهارتَيْ القراءة والكتابة، وذلك لأن الطفل يتمتع بـ“اليقظة الموسيقية” l’éveil musicale منذ سن الثالثة أو الرابعة من العمر. حيث حينئذ يكون على استعداد تام لأن نُحدِّثَهُ عن الموسيقى بطريقة ذكية ومعقولة ومحسوسة. وبَعْدَ تعاطيه للإنشاد وسماعه لمقاطع موسيقية بانتظام، يجب بالموازاة لذلك، أن نُدَرِّسَه آلة من الآلات الموسيقية، من اختياره، بغاية التعرف عليها، محافظين دوما على حقه في التعلم بمتعة ورغبة، بعيدا بطبيعة الحال، عن كل عملية إكراه، لأن كل بيداغوجيا يلزم أن تكون بيداغوجيا استلذاذ لا بيداغوجيا تعذيب وألم. وعلاوة عن تجربة هنغاريا، الرائدة، يمكننا القول بأن تجربة فنزويلا، لاتقل عنها أهمية، بحيث أن عدد الذين تَجَنَّدوا لها بلغ حوالي ثلاثة آلاف أستاذ، استطاعوا أن يُكَوِّنُوا موسيقيا، حوالي ثلاثمائة ألف تلميذ.وبعد مرور أزيد من ثلاثين عاما، تَكَوَّن في فنزويلا ما يقارب مليون طفل، أصبحوا جلُّهم، موسيقارات محترفين، بنسبة تتراوح مابين 60% و 70%.واستطاع أحسنهم أن يلتحق بأوركسترا الشباب التابع لـ“سيمون بوليفار”Simon Bolivar، والذي يرأسه الشاب Gustavo Dudamel الذي لم يقفل حينئذ الثلاثين سنة بعد، و هوَّ مِن خِرِّيجي هذا النظام نفسه ، ويَتَرَأَّس أفضل الأوركسترات في أكبر القاعات العالمية.ذلك ما جعل فنزويلا، “تتوفر اليوم على ألف ومائتان أركسترا شاب و ستون أركسترا من الأطفال وجوقات موسيقية تضم أكثر من مائة و عشرة آلاف فرد”. وبالرغم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية و السياسية التي عانى منها البلد منذ ثلاثين عاما ، فكل الحكومات المتعاقبة تَشَبَّثَتْ بهذا النظام التربوي، الذي أصبح جزءا رئيسيا من البرنامج المجتمعي العام الذي جعل التربية الموسيقية والتعاطي لآلة من الآلات الموسيقية أولوية وطنية.و أمام انجازات هذا البلد الباهرة، لم تجد باقي البلدان بُدّا، من تبني هذا المشروع و نقل هذه التجربة.هكذا اقتدى بفنزويلا أكثر من عشرون بلدا سواء في أوربا(إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان...) أو خارجها.. ويكفينا هنا، فضلا عما سلف، أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والكبيك مثلا، كلاهما يتبنى طريقة Suzuki المعمول بها في فرنسا منذ ثلاثين عاما، والتي تدعو إلى تعلم آلة موسيقية قبل أي تكوين نظري في الموسيقى، على اعتبار أن الطفل ملزم بأن يُنصت للموسيقى قبل ممارستها تماما مثلما يسمع اللغة الأم، مِن الكبار وباقي الأطفال قبل أن يستطيع التكلم بها. هذا بينما اعتمدت، بلجيكا وبولونيا وسويسرا طريقة Dalcroze التي توصي أساسا بالرياضة الإيقاعية la gymnastique rythmique و الإنشاد. وعلى هذا المنوال، إذن يلزم بلداننا العربية، أن تبادر بإصلاح حقيقي لمنظوماتها التربوية، وذلك بدمقرطة التعليم والكف عن نهج سياسة التمييز المدرسي الذي هو أشبه ما يكون بالتمييز العرقي أو الجنسي. ذلك أن عدم تدريس الموسيقى في التعليم العمومي لا يمكنه إلا أن يعتبر استلابا بيداغوجيا أخطر بكثير من الاستلاب الاقتصادي ، سيما إذا استحضرنا انعكاساته السلبية على بلد بأسره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق