الأحد، 15 مايو 2016

المرأة بين ليليث وحواء ـ هادي معزوز

عن أنفاس نت 



تحكي الكتب القديمة خاصة التلمود وكتاب القبّال اليهودي، أن حواء لم تكن الزوجة الأولى لآدم، وإنما كان على علاقة زواج قبلئذ بسيدة، مخلوقة هي الأخرى على طريقة آدم والتي ليست إلا ليليث Lilith، شيطانة الفجور والفسق كما يلقبها البعض، أو المرأة المتمردة كما يحلو تسميتها بالنسبة للبعض الآخر، لكن حدث أن تم إخراجها من الجنة وذلك بسبب رفض خضوعها المطلق لآدم، ودعوتها إلى الحرية الجنسية بدل الانصياع باسم الزواج، بيد أنها وكرد فعل على هذا الإجحاف الذي لحق بها، أخذت على عاتقها مهمة امتصاص الطاقة الجنسية للرجل خلال فترة النوم وذلك انتقاما منه، وانتصارا للقدرة الأنثوية على فعل الانتقام.
    عندما نتعمق في الأمر أكثر، نعثر بين ثنايا ملحمة جلجامش أن ليليث أو نَعْمَة Naama ، كانت دوما ضد الخضوع الجنسي للرجل، وهو الأمر الذي كان سائدا قبل هاته الحقبة بكثير خاصة في القصص اليهودية القديمة، لقد كانت لآدم امرأة قبل حواء اسمها ليليث، بيد أنها رفضت دوما أن تكون خاضعة لسلطة الرجل خلال الممارسة الجنسية، بل إنها أن يكون الرجل دوما أسفل المرأة خلال لحظات الجماع، محاولة بذلك تجاوز الهيمنة الذكورية إن رمزيا أو ماديا والتي شكلت دوما عنوان العلاقة بين الرجل والمرأة، لكن السماء غضبت من هذا التمرد اللامتوقع فحدث أن تم إنزال اللعنة على ليليث، بحيث حوكم أن يموت أبناؤها عند لحظة الولادة، ليتزوج آدم بعد ذلك سيدة أخرى والتي ليست إلا حواء بطبيعة الحال.
عندما نعود إلى الدلالة الإيثيمولوجية نجد أن كلمة ليليث تعني روح الرياح، التي تحضر دوما في كل صراع ثنائي بين الرجل والمرأة، بقد عملت ليليث انطلاقا من ذلك على إبقاء وجودها كقوة تثأر من هاته العلاقة اللامتكافئة بين الرجل والمرأة، بيد أن آدم لم يستسغ هذا الأمر فأرسل في طلبها ثلاث ملائكة وهم على التوالي: سنوي، سنسوي، سمنج، إذ عثروا عليها في البحر الأحمر حيث خيروها بين العودة إلى آدم أو معاقبتها وذلك بقتل مائة ابن لها خلال اليوم الواحد، على العموم رفضت ليليث أن تعود إلى آدم متوعدة الجميع برد فعل أقوى من هذا الذي هددت به، فحدث أن تدخلت بداية في الصراع الذي كان دائرا بين الإخوة الأعداء قابيل وهابيل، وبقية القصة يعرفها الجميع طبعا.
هذا ونظرا لقوة حضور ليليث في التاريخ، فإنها لم تحضر فقط في الديانة اليهودية، وإنما كان لها أيضا حضورا قويا عند جل حضارات الشرق، فليليث اليهودية هي الغولة التي تأكل الصغار في المتخيل العربي، وهو ما يبرز تكريس انتقامها بقتل الأطفال كرد فعل على قتل أطفالها، كما أن ليليث هي اللات عند عرب قبل الإسلام، بل إنها تضرب بجذورها في الحضارة السومرية حيث نجدها تأخذ اسم ليل ـ إيتي أي إلهة رياح الجنوب وزوجة الإله أونليل، في مقابل ذلك وعندما نعود إلى ليليث أو اللات عند عرب ما قبل الإسلام، نجدها تجسيد لمؤنث الله، فنقول اللات في مقابل الله، إنها رمز متمرد على كل سلطة ذكورية، وموقف من كل هيمنة باسم التفوق الجنسي.
عرفت اللات بتلك الإلهة التي تحمل يدا "خميسة" وهو الأمر الذي جعل العديد من العرب يسيرون على نفس المنوال، حيث لازالوا لحد الساعة يتبركون بهذا الرمز معتبرين إياه فأل خير، سواء عند اليهود باسم ليليث، أو المسلمين باسم اللات، حيث تسمى عند العرب بيد فاطمة، وفاطمة هو الاسم الثاني لليث، لهذا قد لا نتعجب عندما نرى النبي قد أطلق هذا الاسم على إحدى بناته، وذلك نظرا لتأثير تقاليد وثقافة العرب القديمة على النبي الجديد، في حين أن  اليهود يطلقون عليها يد مريم، والتي يضعونها طردا للعين الشريرة التي تعود على صاحبها بعد ذلك.
المرأة انطلاقا من كل هذا امرأتان، امرأة خاضعة للهيمنة الذكورية دون نقاش للأمر، وأخرى رافضة ومتمردة على كل استبداد باسم الذكورية، والحال أن الحديث عن ليليث وحواء، إنما له من الرمزية ما يجعلنا نثير وضعية المرأة كامتداد لحواء التابعة والخاضعة دوما، في مقابل ليليث المتمردة والساعية إلى حرية من خلالها تتخلص من سلطة الذكر، على العموم كلنا نعرف كيف تنظر مجتمعاتنا إلى المرأة، حاصرة إياها في المطبخ وغرفة النوم، بقدر ما نعرف أن الانصياع أيضا بات من طبائع ومن شيم النساء، وهو الخطر الذي طالما هددنا ولازال يهددنا بمرض مزمن اسمه الانغلاق والهيمنة الفارغة التي لا أساس لها سوى التوهم بأشياء نجهل طبيعتها، ومنه فهل يا ترى ستبقى المرأة العربية حواء في انصياعها، أم ليليثًا في تمردها على كل قوة مهيمنة؟   

ارحموا أطفالنا ......... كفانا واجبات منزلية محمدأبوولي



قضت الإنسانية مئات السنين للتثقيف و تعلم أشياء جديدة من أجل تعايش أفضل بين الأمم و تسهيل بأكبر قدر ممكن حياة الفرد و تحقيق سعادته . رغم ذلك ، مازالت هنا قضايا و إشكالات تطرح و تحتاج إلى أجوبة حقيقية في طرق تدبير التعلم . إلى حد كتابة هذه السطور لا يوجد سبب يبرر ، في نظري، فرض واجبات منزلية يومية للتلميذ. فبعد معاقبة ملايين التلاميذ على عدم إنجازهم للتمارين المنزلية بشتى أنواع العقاب ما هي النتيجة ؟ و هل فعلا يتحقق المراد من ذلك؟
صرح هاري كوبر Harris Cooper أستاذ بجامعة دوك بكارولينا الشمالية مؤخرا لم نحصل بعد على دليل أن الواجبات المنزلية تمكن من جعل الأطفال أحسن التلاميذ ‟ . انطلقت مجموعة من الدراسات منذ 1989 و أتبث أن التلاميذ يستوعبون أكثر من خلال الدروس المنجزة بالفصل، بالإضافة إلى أن الواجبات و التمارين التي يطالبون بها بالمنزل تحرمهم من أوقات مهمة يمكن استغلالها في أنشطة لا تقل أهمية لنموهم و تكوين شخصيتهم .
كما أكد الاستاذ إتا كرالوفيك من جامعة أريزونا نتائج هذه الدراسات : « الواجبات التي يطالب بها الاستاذ تلامذته لا تجدي نفعا ...».   كما تؤكد مجموعة من التجارب أن التلميذ الذي يخصص ساعة للدراسة يوميا يحصلون عل نتائج أفضل من الذين يخصصون أكثر من ساعتين ، يعني أن ساعة على الأقل تذهب هباء و يمكن استغلالها في أنشطة موازية نراها تافهة قد تكون حلا ناجعا لمعالجة إشكالات نفسية و حسحركية ...
أخصائيون آخرون يؤكدون أن تلك الواجبات المنزلية تؤثر سلبا على مزاج التلاميذ و خاصة ما دون سن الثانية عشرة  لأن التعلم يجب أن ينظر له كنشاط ممتع و تعلم أشياء جديدة يجب أن يثير اهتمام الطفل . أما الواجبات المنزلية فهي تعنيف للأطفال و تجعلهم ينفرون المدرسة . بالإضافة إلى ذلك كله فهي تشجع الاتكالية : فمن العادة أن الآباء يساعدون أولادهم و الكثيرون منهم ينجزون بأنفسهم تلك الواجبات و يفقد بذلك التلميذ معنى المسؤولية و يعتبر تلك الفروض نوع من العقاب اليومي : إذا لم تنجز تمارينك لا يمكنك اللعب مع أصدقائك . جملة تتكرر باستمرار
في المقابل ، لو اختفت تلك الواجبات المنزلية لأقبل التلميذ على التعلم بحماسة و يجد في الذهاب إلى المدرسة متعة ليتعلم الجديد. و أكدت الدراسة أن التلاميذ الذين لا يطالبون بتلك الواجبات يسترجعون شغفهم للدراسة و متعة الحياة
لم تكف المنظمة العامية للصحة  OMSعبر ممثليها بالأمم المتحدة  من مراسلة الجهات المعنية من أجل المطالبة بحذف الواجبات المنزلية من الأنظمة التربوية في العالم 

الثلاثاء، 10 مايو 2016

حياة خطاب.. بئيس : بواسطة محمد طاروس

www.alaoual.com


قبل الولادة
يأتي الربيع عاصفا. يدمر أركان الخطاب القديم، يدك حصونه البلاغية والمعجمية.. تتساقط نماذجه تباعا.. ينبعث خطاب جديد. يركب أجسادا محتشدة في الساحات والميادين، يتجسد دما، نارا، حرائق جسدية، مسيرات احتجاجية، اعتصامات، لافتات، شعارات، جملة صغيرة جدا “ارحل”. تقوض الأنظمة. ينهار الخطاب.. يأخذ خطاب جديد في التشكل.
الولادة
في حكايتنا.. يختلف السيناريو .. يختلف الإخراج.. يختلف الإيقاع.. تجري الحكاية في حبكة فريدة.. حكاية خطابية محضة..يحمي الخطاب الأركان القديمة..يرمم صروحها.. تترمَّم ذاتُه. يستعيد قوته وتوهجه.. تتحرك الآلة الجديدة القديمة.. تركب على قارب الاستثناء.. تجعل الاستثناء حقيقة خطابية، واقعا بلاغيا، نواة تلتقي حولها الخطابات والذوات. تطمئن الذوات على مواقعها. تزحف خارج خنادقها.. تتهادن، تبحث عن موقع في البناء الجديد. تلتف حول النواة. تغذي الخطاب .. تتغذى من الخطاب. يسود منطق التوافق، منطق المقايضات، التنازلات، إرجاء ال يتولد المشروع .. يصاغ الناموس الأسمى. تباركه الأجساد الخائفة .. المرهبة.. الضالة. تتلاقح الخطابات.. تتناسل.. تنهض خطابا وحيدا سويا.
الترهل
تنحرك الآلة..يستوي الخطاب. تصاغ حكومة جديدة، بألفاظ مجددة. تسوي خطابها على عجل، تستمد روحه من خطاب التوافق.. المشترك. يحمي الصروح.. يحتمي بالحصن الجماعي. يظل يدور.. يطوف حول الهيكل.. يلوك مقولات جوفاء: [ الاستثناء، السلم، الاستقرار، المصلحة العامة، النموذج المغربي,,.] يتعب من الطواف.. يسأم.. بمل .. يتعب من اجترار الذات..يجمد.. يفقد التوافق قوته الدافعة.. يتبدى زيف التوافق.. يدب الزيف إلى نواة الخطاب.. تفقد عباراته الجوفاء طنينها.. يتحول صراخا، زعاقا، قصائد رومنسية .. رسائل غرامية.. يائسة.. هراوات..عنفا ودما..تفقد الحكومة بلاغة الولادة..تبتلع المعارضة لسانها، صوتها المبحوح..يحلق الخطاب الأسمى في عليائه.. يتتبع المشهد البئيس..
الانهيار
تضيق بنية التوافق… تقاوم التمزق بخيوط وهمية.. يستنفذ الخطاب أدواره، يفقد قدرته على التجدد، على التكريس.. يفقد انسجامه الداخلي. يسوده الاضطراب، يعتريه التهافت. يختفي وراء عالم وكائنات غرائبية. يناور. يهدد. يهادن. يطمئن.. يهاجم أعداء الماضي. يرهب.. يتباهى.. ينسحب.
ينفجر التوافق. يتبارى الخطباء الجدد في لمِّ أشلاء الخطاب. يجَمّعون بقايا فلول التعابير الهاربة. يلتقطون عبارات شاردة، تراكيب متروكة، أساليب مطروقة. يزرعون بلادة. يحصدون سخرية. ينبعث الماضي من رماده. تسخر الأركان من الريح الناعمة. ينفجر الخطاب، تتدمر آلته الحجاجية. يبكي. يتباكى. يتظاهر باللامبالاة. يسود الصمت. يعود العداد إلى نقطة الصفر. يطفو الخطاب الجسدي من جديد. ينبعث في الميادين والساحات المحروسة. يتسلطن العنف.. يتمزق البساط الحكومي المزركش، تتباعد ألوانه.. تعاد صباغة البساط من جديد. بساط أخرس.. تتوارى خلف العبث الصبياني البذرة الحبلى، النواة الصلبة في انتظار خطاب جديد، طموح، مختلف، يتغذى بالمواجهة، ينتعش بالصراع، يستشرف الآفاق البعيدة.
الموت
يطفو على الشاشة مشهد ما قبل الولادة..ليل بهيم. ريح صاخبة. أمواج عاتية عابثة..محيط ممتد بدون حدود.. يضيع المركب الصغير في الامتداد.. تتمزق الأشرعة.. تتآكل الحبال.. تتفكك الأجزاء.. ينفجر المركب اشلاء.. تستحيل اللوحة الربيعية الرومنسية مسخا بشعا، فظيعا. تتمرد الألوان. تعصى الخطوط، تتشتت الأشكال نقطا متناثرة. يتبخر الخطاب.

هندسة “الرأي العام” عبد العزيز سلامي

www.alaoual.com




 في مجتمعاتنا التقليدية التي اصطدمت بالتقنية ، صدفة، أصبح من الممكن أن شخصا يحمل ثقافة محدودة و مستوى دراسي متدني أن يصير صحفيا و مستشارا و مدافعا عن قضية و طنية في حكومة، و صانعا للرأي العام. سلوك كهذا، هو نوع من ضرب لقيم المدرسة و الجامعة و المبادىء التي يتكون بها الحس السليم و الحس المشترك. لنطرح الأسئلة الجادة، فلقد أصبح الفيسبوك و المواقع الاجتماعية و القنوات الإذاعية و المسارح، والسينما، يصنعها شباب لا ثقافة لهم، غير اتباع الموضة. فالخطر قادم من هذه الوسائل التواصلية التي اقتحمها الجهل و الأمية و الوصاية والمناورة و المال. وإن لم يتصد لها المثقف، الأستاذ و الفيلسوف و المسرحي الملتزم و الممثل الذي يحمل رسالة، فإننا سنجد كل هؤلاء يتجاوزهم هذا الطوفان الحامل للجهل والتجهيل. ليس الأمر من تدبير شخص بعينه، يريد أن يحقق هذه الغايات، و إنما العصر، قد فتح له آفاقا رحبة و مساحة كبيرة للتعبير و التعبئة الجماعية، ودائما بوسائل التسلية و الصورة. لنستيقظ و ننظر للحقيقة المرة. من منا لم تبدأ حياته الشخصية تُقتحم بدون استئذان، و تٌساءل بوسائل الجهل، على شاشة التلفزيون وعبر الراديو وعلى الأنترنيت ؟ من منا لم يَحن للماضي، لعله يرى عملا فنيا مُتقنا، و سماع أغنية تطرب؟ الرأي العام لا يُشكل فحسب من خلال ما تقدمه الدولة أو تُدافع عنه، بل أصبح المجتمع المدني يشارك في صنع هذا الرأي العام. وإن ، في سنوات مضت ، كان يشكل (الحزب) اليساري أو اليميني هذا البديل للرأي العام، فاليوم هو كذلك، خاضع لتأثيرات الحس المٌشترك الذي لا يفقه، ولكنه بالمقابل أصبح يشكل أغلبية، فالأمية و الجهل بالأخلاق، وانعدام الإحساس بالمسؤولية، يشكلون أغلبية عددية، وذلك راجع لأسباب نُلخصها في العوامل التالية : ـ استقلالية المدرسة، و خضوعها لمبدأ النجاح العددي على حساب الجودة، ـ انعزالية المُثقف قبل الأوان، لأنه في المجتمعات المتقدمة ( الشاعر و السينمائي و الكاتب) لهم أدوار فنية و ليس سياسية، و لكنهم يؤثرون بذلك في الرأي العام بأعمالهم. في حين أن بلداننا لا وسائل لها لمسائلة العمل الفني أو قراءته، وكأنه بعد مُفارق للمجتمع، ـ أصبحت القيم الغربية الرأسمالية تؤثر على البنيات التقليدية للمجتمعات و تُفككها من دون أن تُبدلها، أو تُعوضها بشيء، فمثلا أصبحت قيمة ( الشباب) عملة سائدة و مُؤثرة في الاقتصاد الثقافي و السياسي لهذه المُجتمعات، لهذا تجد الشباب هم من يؤثرون في المجتمع بشكل مُباشر، من خلال قيم “ساقطة” و غايتها مادية محضة، و شعبوية، عن وعي أو بدون وعي.

الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وسؤال الهوية والاستقلالية: بواسطة رشيد الادريسي

عن الأول   www.alaoual.com

شكل اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او الإنسانية او المهينة ، من طرف الامم المتحدة في 18 دجنبر 2002 خطوة جبارة في سبيل وضع حد للتعذيب ،وحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، ومثل إضافة أساسية للإجراءات الاخرى ،التي أقرتها اتفاقية التعذيب أو تنص عليها القوانين الوطنية ، ويندرج البروتوكول الاختياري في إطار الجهود الرامية للاستئصال آفة التعذيب والتركيز أساسا على الوقاية، ودعا البروتوكول إلى إنشاء نظام وقائي يقوم على الزيارات المنتظمة ،لاماكن الاحتجاز، بهدف حماية الأشخاص المحتجزين من التعذيب ومنعه، كما جاء في ديباجة البروتوكول، بالإضافة الى الإجراءات والتدابير المتنوعة التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها.
وبموجب البروتوكول تقرر إنشاء آلية دولية للقيام بمهام البروتوكول، تسمى اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، تقوم بزيارة أماكن الاحتجاز والاعتقال وتقدم توصيات للدول الأطراف في البروتوكول ، ونص البروتوكول كذلك على إنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب ،من طرف الدول التي قامت بالتصديق على البروتوكول في غضون سنة واحدة من التصديق وان تضمن استقلالها الوظيفي واستقلال العاملين فيها، وان توفر لها الموارد اللازمة لاداء مهامها وان تمنحها الصلاحيات والسلطات ،التي تخولها للقيام بشكل منتظم بزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم ودراسة أوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم وتعزيز حمايتهم من التعذيب وتقديم التوصيات

المغرب والآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب
صادق المغرب على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب،   ومند سنوات والمنظمات الحقوقية المغربية  تناضل من اجل التصديق على البروتوكول، ولقد تشكلت المجموعة الوطنية للترافع على التصديق وتنفيد الالتزامات المترتبة على دلك ، وخصوصا ان موضوع التعذيب ظل من القضايا الاساسية في مجال حقوق الانسان   وان تجربة ماضي الانتهاكات ببلادنا من خلال تقرير هيئة الانصاف والمصالحة او جلسات الاستماع للضحايا،  كشفت عن حجم واتساع ظاهرة التعذيب بما خلفته من ماسي ومظالم واثار ومضافعات اجتماعية ونفسية قاسية على عدد من المناضلين والضحايا  وعلى المجتمع برمته، وظل طموح كل المهتمين بحقوق الإنسان ان تختفي هده الآفة وان يوضع حد للتعذيب ولدلك استقبل الجميع  حدث مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري بحفاوة وترحاب، وفي نفس الوقت بوعي بالتحديات والرهانات المرتبطة دائما بالتنفيذ والأجرة
ولقد نص دستور 2011 على الحماية من التعذيب في الفصل 22 حيث نص على انه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية او المعنوية لاي شخص ومن قبل اي جهة كانت خاصة او عامة ولا يجوز لاحد ان يعامل الغير ، تحث اي  ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية او مهينة او تمس بالكرامة الإنسانية ،  وأكد  ان ممارسة التعذيب بكافة أشكاله ومن قبل اي كان جريمة يعاقب عليها في القانون
بالاضافة الى ما اصبح يتضمنه القانون الجنائي من نصوص قانونية تجرم وتعاقب مرتكبي التعذيب ،كما ان بعض التقارير الرسمية تتحدث    عن تأهيل العاملين في مجال الأمن وتكوينهم ،وإدماج حقوق الانسان في برامج التكوين واعادة التكوين و عن اجراءات تأديبة وعقوبات ضد اشخاص متهمين بأعمال تعذيب وعنف، رغم ان المهتمين بحقوق الانسان يؤكدون استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب، وبطء وتعقد مسا طير المتابعات وعدم شفافيتها  ،  وغموض مآل عدد من  ملفات بعض المتابعين في قضايا التعذيب
لقد مر اكثر من سنة على التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ،وطيلة هده السنة عاش الحقل الحقوقي، نقاشات وحوارات، حول سبل جعل هده المصادقة خطوة أساسية من اجل إحداث قطيعة نهاية مع ممارسات التعذيب، وخصوصا ان المغرب ملزم في غضون سنة،  بان يشكل الية مستقلة للوقاية من التعذيب ،كالية وطنية تنهض بهمام الوقاية وزيارة اماكن الاعتقال والاحتجاز ،وتتلقى الشكايات وتنجز التقارير وتقدم التوصيات ،وفي خضم هدا النقاش يطرح التساؤل حول استقلالية هده الهيئة وفعاليتها وصلاحياتها والموارد والإمكانيات المادية والمالية الضرورية لعملها

معايير وشروط اساسية للالية الوطنية للوقاية من التعديب

في نونبر 2011 انعقد بجنيف المنتدى العالمي للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعديب  ،بعد

خمسة سنوات على دخوله حيز التنفيذ ، وكان هدا اللقاء العالمي فرصة لتقييم تنفيذ البروتوكول، وكدا الاليات الوطنية للوقاية من التعذيب التي أنشأتها الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري ،وأكدت

خلاصاته ،اولا على فهم أوسع لمنع التعذيب ،وفي مقدمتها فهم أسباب التعذيب المؤسسية والمعيارية والسياسية والثقافية  والاجتماعية والاقتصادية ومعالجتها ،واعتبار الوقاية من التعذيب  تنطوي على مجموعة واسعة من الإجراءات: الإصلاح القانوني وضمان المسؤولية الجنائية ومكافحة الإفلات من العقاب ،وضمان الوسائل القانونية والتعويضات لضحايا التعذيب

 وتم التأكيد أساسا على توفر الإرادة السياسية لمنع التعذيب ،وتم التركيز على وجود مخاطر تعيق عمل الوقاية من التعذيب ،مثل تغليب الأمن القومي على حقوق الإنسان ، واستعمال ذريعة محاربة الارهاب  لتعطيل الالتزامات في مجال حقوق الإنسان، بالاضافة الى اكتظاظ السجون، و استمرار الطابع السري   لمراكز الاعتقال والاحتجاز ، عدم خضوع أجهزة الامن للرقابة القضائية وللمؤسسات التشريعية

كما  أكدت خلاصات المنتدى العالمي  و المبادئ التوجيهية بشان الآليات الوقاية الوطنية والمقررة في الدورة الثانية عشر للجنة الفرعية لمنع التعذيب في نونبر  2010 على شروط أساسية منها أساسا
الاستقلالية :    تحتاج الآلية الوطنية  إلى ضمان استقلالها  أن تكون متحررة من نفوذ الحكومة، أي يجب أن تكون مدعومة من طرف المؤسسة التشريعية، وان ينص على مهامها في القانون أو الدستور، وتزويدها بالموارد المالية ، وان تكون عن طريق عملية مفتوحة وشاملة تشارك فيها مجموعة واسعة من الجهات، بما فيها المجتمع المدني وان ينطبق دلك على اختيار وتعيين الأعضاء
الصلاحيات والسلطات:   يجب ان تتمتع هده الآلية بالسلطة، للوصول الى أماكن الاحتجاز من دون قيود ،والوصول إلى سائر الوثائق، وان تتاح لها فرصة الاجتماع مع سائر الأشخاص المحرومين من حريتهم على انفراد ،فضلا عن مصادر أخرى و ومع أصحاب المصلحة المعنيين
المصداقية والشرعية :    يجب أن تكون ذات مصداقية في اعين المجتمع المدني والجمهور والمعتقلين والسلطات، ومن شروط دلك أ، يكون أعضاءها يتمتعون بشرعية اجتماعية ومشهود بالكفاءة والنزاهة، وان يكون عملها ذا جودة عالية ،وتقاريرها تتمتع بالموضوعية والحياد، وضمان الشفافية والمساءلة داخل الآلية نفسها
التعاون مع السلطات  :تحتاج الآلية الى بناء الثقة المتبادلة مع السلطات ، لكن تمة فعل متوازن بين إشاعة التعاون والقدرة على انتقاد المواقف من جهة وخطر ان تكون قريبة جدا او تابعة او خاضعة للسلطات
الوعي العام والشفافية    لنجاح عمل الآلية الوطنية هنا حاجة لوعي عام مواكب ومتفاعل مع عملها ،وتلعب وسائل الإعلام دور حيوي في دلك، بل تعتبر شريكا جيدا للآلية
دور المجتمع المدني  : يمكن تعزيز دور الآلية الوطنية من خلال دعمها من طرف تنظيمات المجتمع المدني وخصوصا التنظيمات الحقوقية مثلا للمشاركة في الزيارات لاماكن الاعتقال وكدا من خلال توفير الخبراء وتقديم المشورة الفنية
هوية الآلية الوطنية هل مستقلة ام جزء من مؤسسة وطنية

لم يحدد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب أي صيغة لإنشاء الآلية الوطنية ركز أساسا على المعايير الأساسية الضرورية لكي تنهض الآلية الوطنية بأدوارها في الوقاية والحماية وتنوعت اختيارات الدول الأطراف بين تشكيل هيئات مستقلة عن اي مؤسسة والبعض الاخر انشاها باعتبارها جزء من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فمثلا تونس اسست هيئة مستقلة بنص قانوني صادر عن المؤسسة التشريعية وبعض الدول الأفريقية أدمجتها في مؤسساتها الوطنية لحقوق الإنسان

في المغرب تحرك المجلس الوطني لحقوق الإنسان واستبق اي نقاش عمومي ليبادر الى طرح مفاده انه يقترح ان تكون الألية جزء من آلياته الداخلية بمبرر ان من شان إنشاءها خارج المجلس الوطني ان يؤدي الى تضخم في المؤسسات وانه يملك الكفاءات والخبرة وانه يتمتع بالاستقلالية
والجدير بالدكران ما سجلناه طيلة المرحلة السابقة  هو ضعف النقاش العمومي حول هده الآلية ، وعدم إشراك المنظمات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان التي بادرت بعضها لتنظيم لقاءات حول المو ضوع ، ناهيك على ان السياق الوطني لم يكن مشجعا فلقد تعرضت الحركة الحقوقية لحملة ممنهجة من التضييق و المنع والتشكيك في أدوارها   ،ودلك من اجل تهميشها  وفي نفس الوقت كانت تجري محاولات لإعادة هيكلة المشهد الحقوقي في اتجاه الضغط عليه والثاتير في استقلالية قراره ومبادراته في ظل وجود حالة من الاستقطاب لأطره وكفاءاته.
لم تستطع الحركة الحقوقية ان تبلور تصور جماعي  ،لكيفية التعاطي مع موضوع الالية الوطنية للوقاية من التعذيب ،على الرغم من انها تحركت بشكل جماعي في مرحلة الترافع من أجل  التصديق على البروتوكول الاختياري  لاتفاقية مناهضة التعذيب ،وهو مؤشر سلبي يعبر عن الاتجاه العام الذي سيتخذ ه البعد الوحدوي والتشاركي في المستقبل ، مع الإشارة ان بعض المنظمات الحقوقية مقتنعة  مند البداية بتصور المجلس الوطني  لحقوق الإنسان  وان كانت تعبر عنه بصيغ مختلفة  ،مع العلم ان هناك تخوفات كبيرة وخصوصا ان تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع قضايا التعذيب لم تكن في مستوى المطلوب
بالإضافة إلى ردود الفعل المتشنجة  التي تم التعبير عنها  بعد صدور تقارير حقوقية دولية حول التعذيب ، ناهيك على ان مسالة التضخم التي يستند عليها المجلس الوطني لاستبعاد إنشاء اللالية الوطنية خارجه ، سيعيشها هو الأخر  وخصوصا انه يتطلع لإنشاء آليات أخرى مرتبطة باتفاقيات حقوقية، بالإضافة الى مجالات عمله المتعددة ، وان  هناك احتمال ان يتخذ عمل الالية داخل المجلس في ظل تضخم مهامه فعلا ، بعدا روتينيا وعاديا وهدا ما تم الانتباه اليه من طرف المنتدى العالمي المنعقد في جنيف الذي دعا إلى تجنب ( العمل كالمعتاد)  لان المنتظم الدولي الحقوقي لازالت تساوره العديد من التخوفات من ان يتم الالتفاف على أهداف البروتوكول الاختياري من طرف الدول ،
ان مبررات المجلس الوطني غير مقنعة  وغير واضحة وخصوصا ادا اخدنا بعين الاعتبار   استمرار دور وتأثير بعض العقليات ، والأوساط التي تعمل على إعاقة اي تحول جدري في مجال حقوق الإنسان،  وتحاول التحكم في الانعكاسات المحتملة لتلك الالتزامات ،وهدا ما اتضح جليا في استبعاد اي نوع من المشاركة للمنظمات الحقوقية ،في اللقاء الدولي حول التعذيب المنعقد مؤخرا بمراكش،  بالاضافة  الى استمرار حكامة أمنية لا  تستجيب للتطلعات الحقوقية   وكدا إصلاح القضاء الكفيل بان يلعب دورا محوريا في مجال الحماية من التعذيب .
لقد ابانت بعض التجارب  في إنشاء الية الوقاية بعيدا عن المجتمع المدني، او في نزاع معه عن محدوديتها وعدم نجاحها ، لان النهج الشامل لعمل الوقاية من التعديب، يفترض تعاون كل المعنيين ومشاركتهم ككفاءات وفعاليات ،وفي رأينا  ان صيغة استقلالية هيئة الوقاية  من التعذيب، عن اي مؤسسة ستكون الصيغة الملائمة لتجربتنا  فالاستقلال التنظيمي والوظيفي  والمحدد بنص قانوني وصلاحيات كاملة ، سيمكن الهيئة  من العمل بفعالية وقوة وخصوصا  من خلال اشراك المجتمع المدني والكفاءات والخبرات ،في الميادين القانونية والحقوقية والمهنية ، على أساس وعي الجميع بالتحديات واستعداده للعمل الجماعي والايجابي والمنفتح والإدراك ان الحد من التعذيب هو عمل مجتمعي أساسي في سبيل مجتمع الحرية وحقوق الإنسان
ان نزعة التهميش والوصاية وفرض الأمر الواقع   تتنافى  ومنهجية إنشاء الآليات الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب ، ان بلادنا بحاجة الى آلية وطنية  مستقلة للوقاية من التعذيب  يشارك فيها الجميع بما فيها المجلس الوطني وكل الكفاءات والخبرات  والمنظمات الحقوقية الوازنة  وان تؤسس لتجربة متميزة  تساهم في وضح حد للتعذيب والوقاية منه ومعالجة أسبابه  وفي مقدمتها إصلاح المؤسسة الأمنية والقضاء ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان واحترام تام للحريات العامة ووضع حد للإفلات من العقاب ورفع كل اشكال التضييق على الحركة الحقوقية