الخميس، 31 ديسمبر 2015
مفهوم الحق
مفهوم الحق
par science et philosophie
مقدمة
الحق من القيم الإنسانية العليا. وهو مدار الحرب و السلم على مدى تاريخ الأمم و الأفراد مثلما هو مناط الاختلاف أو الاتفاق في المعرفة بصورها المتنوعة. لذلك اشتغل الفكر الإنساني بالتأمل في الحق كمفهوم و كقيمة و كبعد أساسي في الوجود البشري.
يمكن أن نميز في عمق دلالات لفظ الحق المختلفة بين سياقات تتعدد بتعدد مرجعياتها الدينية و الطبيعية و الأخلاقية و المنطقية و الفلسفية. و من خلال استقراء مختلف هذه الدلالات نستطيع أن نحصر نواة دلالية تقوم عليها مختلف معاني الحق. فالحق هو الحرية التي للفرد في وجوده كما تتحدد طبيعيا أو ثقافيا أو دينيا. فحيث أن التجربة الإنسانية تبين تباين أسس الحق بتباين مصادره و التي يمكن أن تختزل في المصدر الديني المعبر عن الإرادة الإلهية و المصدر الطبيعي المتأسس على حق القوة و المصدر الثقافي المرتكز إلى الفاعلية البشرية فعلام يقوم أساس الحق؟ هل هو الإرادة الإلهية أم حق القوة الطبيعي أم الفاعلية البشرية؟ و لما كان الحق مبدأ أخلاقيا و عمليا من الواجب أن يتحقق في على مستوى التجربة الفردية و الجماعية... فكيف يتهيأ تطبيقه؟ هل الحق قيمة قانونية وتشريعية موضوع إلزام و إكراه أم هـو قيمة أخلاقية يلتزم بها الأفراد تلبية لنداء الواجب الأخلاقي؟
إن تفكيك هذه التساؤلات يضعنا أمام قضيتين فلسفيتين ممكنتين ينفتح عليهما مفهوم الحق. تتعلق الأولى بأساس الحق و تتعلق الثانية بمبدأ الالتزام به. و هو ما يسمح لنا بتوجيه مسار التفكير في مفهوم الحق نحو الاتجاهات التالية: - الاتجاه التيولوجي الذي ينظر إلى الحق كتعبير عن إرادة الله في الكون؛ - الاتجاه الطبيعي الذي يرى في الحق امتدادا للقانون الطبيعي الذي يؤسس الحق على القوة؛- الاتجاه الثقافي الذي يحكم الإرادة الإنسانية في تحديد أساس الحق، من جهة، ثم تناول التصورات التي تؤكد البعد القانوني للحق و تلك التي تؤكد قيمته الأخلاقية.
التمثل وعلاقته بالعملية التعليمية
التمثل وعلاقته بالعملية التعليمية
''عن موقع -علوم التربية تؤطرني-
وضوع التمثل :
شكل من أشكال المعرفة , يقوم على أساس التواصل بين الفرد ومحيطه الاجتماعي .
من الآليات التي وفقها اكتساب المعرفة لدى الفرد والجماعة .
دراسة التمثل الهدف منه :
تحسين عملية التعلم والوقوف على عوائق ابستيمولوجية ( عائق : يحيلنا على الكيفية التي يجب أن نفهم بها بعض أخطاء التلاميذ وأنواعها , وبالتالي جعلها منطلقا لتعلمهم – عائق ابستمولوجي : كل ما من شأنه خلق عثرات أو حواجز أمام بناء المعرفة, حواجز قد يكون الموضوع مصدرها ) والتي تحول دون تطوير عملية التعلم هاته .
إن انشغال المفكرين بكيفية تحصيل المعرفة ونقدها وفحص أدواتها وجد مكانته داخل مختلف أنساق الفكر السابقة :
الفلسفة اليونانية – الفلسفة الإسلامية –الفلسفة الحديثة –
مفهوم التمثل :
في المجال السيكولوجي : كمرادف للصور الذهنية التي تم استحضارها إلى الذاكرة .
في المجال السوسيولوجي : ' 'دوركهايم'' أكد على الطابع التفاعلي للعملية المعرفية (الطابع الاجتماعي للتمثل) .
في المجال السيكوسيولوجي : القدرة على رصد الظواهر المعرفية والنفسية والاجتماعية بطريقة أكثر عمقا .
شكل من أشكال المعرفة , يقوم على أساس التواصل بين الفرد ومحيطه الاجتماعي .
من الآليات التي وفقها اكتساب المعرفة لدى الفرد والجماعة .
دراسة التمثل الهدف منه :
تحسين عملية التعلم والوقوف على عوائق ابستيمولوجية ( عائق : يحيلنا على الكيفية التي يجب أن نفهم بها بعض أخطاء التلاميذ وأنواعها , وبالتالي جعلها منطلقا لتعلمهم – عائق ابستمولوجي : كل ما من شأنه خلق عثرات أو حواجز أمام بناء المعرفة, حواجز قد يكون الموضوع مصدرها ) والتي تحول دون تطوير عملية التعلم هاته .
إن انشغال المفكرين بكيفية تحصيل المعرفة ونقدها وفحص أدواتها وجد مكانته داخل مختلف أنساق الفكر السابقة :
الفلسفة اليونانية – الفلسفة الإسلامية –الفلسفة الحديثة –
مفهوم التمثل :
في المجال السيكولوجي : كمرادف للصور الذهنية التي تم استحضارها إلى الذاكرة .
في المجال السوسيولوجي : ' 'دوركهايم'' أكد على الطابع التفاعلي للعملية المعرفية (الطابع الاجتماعي للتمثل) .
في المجال السيكوسيولوجي : القدرة على رصد الظواهر المعرفية والنفسية والاجتماعية بطريقة أكثر عمقا .
التمثل في مضمونه شكل من أشكال '' المعرفة الخاصة '' ...بمعنى نشاط ذهني خاص بالفرد الذي أنتجه ولكنه لا يتم إلا من خلال التواصل والتفاعل مع أفراد ومؤسسات اجتماعية.
التمثل يشكل نشاطا إبداعيا ينطلق فيه الفرد من مجموعة من المعارف والتجارب التي يقوم بإعادة بنائها وتحويلها إلى موضوع ذهني ,وهو ما يعني أن تمثلنا ليس مطابقا للواقع بل هو خاضع لتأويلاتنا الخاصة .
التمثل هو الكيفية التي يستعمل بها الفرد وبطريقة شخصية معارفه القبلية في وضعية معينة وأمام مشكل معين '' تعريف ديداكتيكي'' .
التمثل يشكل نشاطا إبداعيا ينطلق فيه الفرد من مجموعة من المعارف والتجارب التي يقوم بإعادة بنائها وتحويلها إلى موضوع ذهني ,وهو ما يعني أن تمثلنا ليس مطابقا للواقع بل هو خاضع لتأويلاتنا الخاصة .
التمثل هو الكيفية التي يستعمل بها الفرد وبطريقة شخصية معارفه القبلية في وضعية معينة وأمام مشكل معين '' تعريف ديداكتيكي'' .
العملية التعليمية
العملية التعليمية هي ذلك الفعل المعرفي الذي يحدث من خلال التفاعل الحاصل بين الفرد ومحيطه , يعني أن الإنسان ومنذ القدم يسعى إلى معرفة الأشياء للسيطرة عليها والتمكن منها . تطورت هذه العملية لتأخذ بعد ذلك صبغة مؤسساتية حيث أصبح التنظيم متشعبا يضم مستويات متعددة تختلف باختلاف الوسائل والأهداف التي ترمي إلى تحقيق العملية , وهو ما يعكسه تنوع التيارات العلمية والنظريات المختلفة التي تتجه إلى تفسير الفعل التعليمي المنظم والآليات التي تكمن وراءه . ولتحديد العملية التعليمية من الضروري أن نميز بين ظاهرتين متداخلتين هما: - ظاهرة التعلم / - ظاهرة التعليم .
الأربعاء، 30 ديسمبر 2015
المسرح المغربي لسالم اكويندي
المسرح المغربي
سالم اكويندي
إن ما نطلق عليه نعت المسرح المغربي، ليس إلا تلك الممارسة التي تمت بالفعل على أرض الواقع انطلاقا من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تراكمت بفعل التواجد الاجتماعي للناس، الشيء الذي يجعل هذه الممارسة تنتمي إلى الموروث الثقافي الشعبي بإحالاته وتراتبيته في طقوس المقدس وما تراكمه على مستوى الوجدان الشعبي باعتباره نوعا من الوعي الحسي للناس لواقعهم والتفاعل معه في مضمرات هذا الوعي، الذي تشكل بفعل الممارسة الاجتماعية للناس في حياتهم، خاصة وأننا نعلم بانبنائية هذا الوعي من جراء نشوء وتكون المجتمع المغربي، تبعا لطبيعة ساكنته التي تمثل نوعا من الفسيفساء في تكونها بفعل النزوح والهجرة وتحولات أنماط الحكم التي كان عليها المغرب منذ وجود ساكنته الأولى الأمازيغ. وضمن هذا التشكل ستبرز أنواع من التعبيرات الفنية سواء كتعبير فن القول أو تعبيرات ذات طابع فني راق عن طبيعة هذا التشكل والتكون بحيث تندمج هذه التعبيرات في أنواعها وتعدد ما نسميه النسق الثقافي العام للبلاد والذي تكون هو أيضا من وعي الناس بواقعهم الاجتماعي كثقافة وطنية في مجتمع مفتوح تحدده شروط هذه الثقافة وإلا لما كان حديثنا عن التحول والنزوح بهذا المعنى وفي هذا المقام .
وزارة التعليم و مشروع تحدي القراءة العربي
وزارة بلمختار تنخرط في مشروع "تحدي القراءة العربي"
عن هبة بريس
انخرطت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في مشروع "تحدي القراءة العربي"، الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال فتح باب المشاركة أمام المتعلمات والمتعلمين بالمؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية بأسلاك التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي.
وأوضح بلاغ للوزارة أن مشروع "تحدي القراءة العربي" يهدف إلى تنمية حب القراءة لدى جيل الأطفال والشباب في العالم العربي، وغرسها كعادة متأصلة في حياتهم، بما ينمي مهاراتهم في التفكير التحليلي والنقد والتعبير وتعزيز قيم التسامح.
كما يتوخى هذا المشروع تمكين الأسر في العالم العربي من الإسهام في تحقيق هذه الغاية، وتأدية دور محوري في ترسيخ حب القراءة في وجدان الأجيال الجديدة.
ويأخذ هذا المشروع، حسب البلاغ، شكل منافسة للقراءة باللغة العربية بين المؤسسات التعليمية بمختلف الدول العربية، يشارك فيها التلميذات والتلاميذ عبر خمس مراحل تتضمن كل مرحلة عشرة كتب وتلخيصها في جوازات معدة لهذا الغرض، تتوج بتصفيات وفق تدابير تنظيمية محددة ومعايير معتمدة، تتم على صعيد المؤسسات التعليمية والنيابات الإقليمية والأكاديميات الجهوية ثم على صعيد المستوى الوطني وصولا إلى التصفيات النهائية التي ستعقد بدبي في شهر ماي من كل سنة.
وكانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أصدرت مذكرة في الموضوع بينت فيها آليات تنزيل المشروع ومواصفات الكتاب المقروء والمراحل الخاصة بالتصفيات، وكذلك بيان بالجوائز المخصصة للفائزين من التلميذات والتلاميذ والمؤسسات التعليمية.
وأوضح بلاغ للوزارة أن مشروع "تحدي القراءة العربي" يهدف إلى تنمية حب القراءة لدى جيل الأطفال والشباب في العالم العربي، وغرسها كعادة متأصلة في حياتهم، بما ينمي مهاراتهم في التفكير التحليلي والنقد والتعبير وتعزيز قيم التسامح.
كما يتوخى هذا المشروع تمكين الأسر في العالم العربي من الإسهام في تحقيق هذه الغاية، وتأدية دور محوري في ترسيخ حب القراءة في وجدان الأجيال الجديدة.
ويأخذ هذا المشروع، حسب البلاغ، شكل منافسة للقراءة باللغة العربية بين المؤسسات التعليمية بمختلف الدول العربية، يشارك فيها التلميذات والتلاميذ عبر خمس مراحل تتضمن كل مرحلة عشرة كتب وتلخيصها في جوازات معدة لهذا الغرض، تتوج بتصفيات وفق تدابير تنظيمية محددة ومعايير معتمدة، تتم على صعيد المؤسسات التعليمية والنيابات الإقليمية والأكاديميات الجهوية ثم على صعيد المستوى الوطني وصولا إلى التصفيات النهائية التي ستعقد بدبي في شهر ماي من كل سنة.
وكانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أصدرت مذكرة في الموضوع بينت فيها آليات تنزيل المشروع ومواصفات الكتاب المقروء والمراحل الخاصة بالتصفيات، وكذلك بيان بالجوائز المخصصة للفائزين من التلميذات والتلاميذ والمؤسسات التعليمية.
الاثنين، 28 ديسمبر 2015
القراءة، القارئ والتلقي
اسماعيلي عبد حافيظ
تشكل علاقة النص بصاحبه واحدة من أهم الطروحات النقدية الحديثة التي ظلت مهيمنة لردح من الزمن، لتكرس معها وترسخ في الأذهان ما عرف "بسلطة المؤلف". وقد فرض هذا التوجه اهتماما متزايدا بالنص الأدبي انطلاقا من حياة مبدعه وما يرتبط بها من أحداث اجتماعية وتاريخية وثقافية ونفسية. وبهذا فإن أي محاولة كانت تستهدف اقتحام عمل أدبي ما لا يمكن أن يتأتى لها النجاح إلا عندما تأخذ بعين الاعتبار العوامل السالفة الذكر.
بعد هذا أطلت البنيوية كحقل جديد في تاريخ الدراسات الأدبية، فحاولت الحد من "فيتيشية" الكاتب والدعوة إلى التحليل المحايث للنص، والوقوف عند بنائه الداخلي بغض النظر عن العوامل الخارجية؛ فكانت هذه الدعوة إيذانا بتلاشي سلطة المؤلف وتكريس سلطة أخرى هي سلطة النص إن صح التعبير.
فاهيم أساسية في علم الاجتماع - ماكس فيبر
مفاهيم أساسية في علم الاجتماع - ماكس فيبر
يضم هذا الكتاب الفصل الأول من كتاب ماكس فيبر الأساسي "الإقتصاد والمجتمع". وقد وضع فيبر فيكتابه "مفاهيم أساسية في علم الإجتماع" تصوراته التي توصل إليها في أثناء عمله لصياغة "علم إجتماع الفهم" أعلن فيبر عن تلك المفاهيم لأول مرة في المقال الي نشره عام 1913 بعنوان "عن بعض أصناف علم إجتماع الفهم"، ثم أعاد صياغة تلك التصورات المنهجية الاصطلاحية بعد الحرب العالمية الأولى في تصنيف جديد أسماه "مفاهيم أساسية في علم الإجتماع" وقد أراد- كما أشار في المقدمة- أن يصوغ أفكاره في صورة أشمل وأبسط وقابلة للفهم قدر الإمكان. وفي أثناء عمله على وضع تلك المخطوطة التي تحوي تصوراته عن الأنماط الاجتماعية تحولت المقدمة المختصرة عن المفاهيم إلى جزء مستقل عن الكتاب، هذا فضلاً عن الكتاب نفسه، وكان قبل وفاته عام 1920 بعدة سنوات.
حملة تحسيسية وتوعوية لتشجيع استعمال الاكياس البديلة
شعلة خريبكة تنظم حملة تحسيسية وتوعوية
لتشجيع استعمال أكياس الثوب البديلة
محمد وحلي
انطلقت الحملة الثانية لتوزيع الأكياس البيئية البديلة بثانوية القاضي عياض الإعدادية صباح يوم الأحد 20 دجنبر 2015، وذلك في إطار البرنامج النموذجي لإنتاج واستعمال أكياس البيئية البديلة من الثوب، تحت إشراف جمعية الشعلة للتربية والثقافة، بتنسيق مع ثانوية القاضي عياض وجمعية آباء وأمهات تلاميذ وتلميذات المؤسسة ونادي البيئة بالإعدادية.
تميز هذا النشاط البيئي بتنوع فقراته :تنظيم حملة نظافة بالمؤسسة،إعداد جداريات من طرف أساتذة الفنون التشكيلية العاملين بالمؤسسة،ورشات تحسيسية بالأثار السلبية للأكياس البلاستيكية على البيئة وصحة المواطنين ،وتشجيعهم على استعمال أكياس الثوب البديلة ،وقد استفاد أزيد من 65 تلميذا وتلميذة من هذه الورشات التوعوية والتحسيسية ،كما استمتع تلاميذ وتلميذات المؤسسة بــــــــــــــــفقرات ترفيهية (أناشيد تربوية ،ألعاب داخلية) وقبل نهاية هذه الحملة التحسيسية تم توزيع مجمــــــــــــــــــــــــــــــــــــوعة من أكياس الثوب البديلة على التلاميذ وأساتذة المؤسسة واستمارات لاستقصاء آرائهم حول استعمال أكياس الثوب وباقي بدائل أكياس البلاستيك .
الأحد، 27 ديسمبر 2015
سبعة ثقوب معرفية سوداء إدغار موران
سبعة ثقوب معرفية سوداء
نقد الأساس المعرفي للمنظومة التربوية
الحالية
تقديم
تعميمًا للفائدة، نقدِّم لقارئ معابر ترجمةً للنصِّ الكامل للمحاضرة التي ألقاها
عالم الاجتماع الفرنسي المرموق إدغار موران في الرباط، بدعوة من وزارة التربية
الوطنية والشباب، بتاريخ 6/2/2004.
إن صيغة المحاضرة عادةً ما تُلزِم الباحث
بتبنِّي نظام في العرض يتوخى الوضوح والعمومية في معالجة قضايا غالبًا ما تكون
معقدة وتستند إلى تفاصيل يصعب على غير المتتبِّع لعمل الباحث أو المفكر أن يحيط
بها و/أو يستحضر خلفيتها.
وتشكِّل محاضرة إدغار موران نموذجًا لهذا
التمرين الپيداغوجي [=التربوي] والفكري الذي يلخص مسار
حياة كاملة، استغرقها النضالُ من أجل مستقبل أفضل، والبحث النظري والميداني،
والتأمل الفلسفي في القضايا الكبرى للوجود الإنساني. وتأتي فائدة هذه المحاضرة من
كونها تقدِّم المعالم الكبرى للمشروع التربوي الذي يدافع عنه إدغار موران، منذ
سنوات، استنادًا إلى نتائج وتراكمات مسار طويل في البحث والتفكير والنضال من أجل
مستقبل أفضل، يكون فيه الفهمُ والقرارُ في مستوى التعقيد الذي يحكم تداخُل
المستويات والمرجعيات والآفاق.
ويوجِّه موران سهام نقده القوي إلى هندسات
الإصلاح كلِّها، العاجزة عن إدراك مطالب التعقيد، المؤمنة بالنفعية، والناسية – أو
المتناسية – للشرط الإنساني.
كما يظهر في هذه المحاضرة مدى أهمية – بل
ضرورة – توفُّر رؤية شمولية لدى كلِّ مَن يطمح إلى إصلاح المنظومة التربوية، وكذلك
مدى خطورة أصحاب النظرة التجزيئية والتقنية المحض إلى قضايا التربية والتعليم.[1]
بقي أن أشير، في الآخِر، إلى أن مضمون
المحاضرة يبقى متقدمًا على الأفق المعرفي للمنظومة التربوية المغربية الحالية،
والعربية عمومًا، بحيث يمثِّل نوعًا من اليوتوپيا التي لا نعرف هل سيتمكن المجتمع
العربي يومًا من أن يصل إلى أحد شواطئها أو يعيش أحد أزمنتها. وهو الأمر الذي يطرح
سؤال القابلية الثقافية لنقل الأرضية المعرفية التي اقترحها موران في تقرير
استشارته لصالح اليونسكو[2] إلى الواقع العربي أو لملاءمتها معه – وهو
سؤال نترك أمر معالجته لمناسبة أخرى.
م.ز.
***
سأركِّز في هذه المحاضرة على أحد أهم الإصلاحات التي يفرضها إشكالُ التربية والتعليم
الذي يتطلب، بدوره، العديد من الإصلاحات. إن أهم تحدٍّ يواجه المسؤولين هو ذاك
الذي يخص اختيار مضامين التربية ومعارفها، أو بالأصح، المعارف الأساسية التي ينبغي
أن تقوم عليها كلُّ تربية.
وأنطلق من ملاحظة أنه يتم تعليم المواد الدراسية والاختصاصات disciplines مفصولةً بعضها عن بعض. ولهذا الفصل تاريخ
طويل أدى إلى إيجاد "ثقوب معرفية سوداء" حقيقية في مجال المعرفة، مما
أعاق تقدمها، وجعل إصلاح المنظومة التربوية شبه متعذر، ما لم يتم التعرف إلى هذه
الثقوب المعرفية السوداء.
وقد تعرفت، شخصيًّا، إلى سبعة ثقوب سوداء في النظام التربوي الحالي. وبناءً
على هذا التعرف، أحاول إيجاد روابط بين الاختصاصات لإنقاذ ما تبتلعه هذه الثقوب
السوداء. وفي هذا السياق، أقترح إيجاد سبعة كراسي تعمل على تحقيق هذا الهدف، وعلى
نشر المعارف السبع الضرورية التي من شأنها استرجاع ما يضيع في تلك الثقوب.
وأذكِّر، بهذه المناسبة، أن مهمة الجامعة هي مهمة جامعة للاختصاصات، مهمة تجعل منها المؤسَّسة التي تعترف
بتراث الماضي وتحاول إدماج الإبداعات الثقافية للحاضر وفتحها على المستقبل؛ ويعني
هذا أيضًا أنه لا يمكن للجامعة أن تكون مجرد مؤسَّسة تتكيف مع محيطها الحاضر والحالي،
فتكتفي بتأهيل المتخصِّصين أو المهنيين، بل هي مطالَبة بأن تحمي الثقافة وبأن
تحملها في أحشائها وتصون مطلبَها الشمولي.
وليست الثقافة هي مختلف المعارف التي تكون لنا حول مختلف المجالات وحسب، بل هي
المعارف التي ندمجها في حياتنا اليومية لمواجهة رهانات الحياة الفردية والجماعية،
السياسية والاجتماعية. كتب روسو في كتابه التربوي الشهير إميل أو في التربية: "أن يحيا، هذه هي المهنة التي أريد
تعليمها له" – قاصدًا تلميذه. طبعًا، لا يمكن أن نعلِّم التلميذ كيف يحيا
حياةً مصطنعة، بل ينبغي له أن يطور قدراتِه الخاصة التي تسمح له بإدماج ما
يتعلَّمه في حياته؛ مما يعني أن علاقة المتعلِّم بمادة التعلم تتطلب دائمًا علاقة إبداعية أصيلة. ولكن لنتوقف الآن
عند هذه الثقوب السوداء في مجال المعرفة ولنتبيَّن أمرها.
الثقب الأسود الأول: ما تجب معرفته وعدم نسيانه بخصوص كلِّ
معرفة
نعلِّم المعارف، ولكننا لا نجيب عن السؤال الأساس: ما المعرفة؟ ولا يتم
الاهتمام بهذا السؤال إلا داخل اختصاص فلسفي نخبوي يسمى الإپستمولوجيا. كما لا يتم
الانتباه إلى أن هذا المشكل – مشكل تعريف المعرفة – هو مشكل الجميع، ومشكل كلِّ
واحد، في الآن نفسه. لماذا؟
لأن مشكل المعرفة هو في
الأساس مشكل الخطأ والوهم. هناك جملة شهيرة لماركس يقول فيها:
"إن الناس لا يعرفون ما هم عليه من أحوال ولا ما يفعلون." وهي جملة لا
تَصدُق على عموم الناس فقط، بل تَصدُق حتى على ماركس نفسه! فهو لم يكن يعرف ماذا
كان يفعل عندما كان ينجز أعماله. ولكن هذه الملاحظة تَصدُق علينا نحن أيضًا:
فعندما نفكر في الماضي ونتأمله بنوع من التباعد، نجده عبارة عن سلسلة من الأخطاء
والأوهام. وعندما نفكر في الماضي القريب، نتذكر الأهوال: النازية، الفاشية،
الشيوعية، الستالينية، والليبرالية الجديدة؛ نكتشف أخطاء هذه المنظومات وأوهامها،
على الرغم من أنها كانت تعاش كحقائق أكيدة. إن ما كان في الماضي حقيقةً أضحى في
الحاضر خطأ أو وهمًا. وهكذا نستمر في اكتشاف أخطاء الماضي دون توقف. لماذا؟
لأن المعرفة الأبسط هي معرفة ترجع، في المآل، إلى الإدراك الذي يبقى دائمًا
إدراكًا محدودًا. إذ ليست المعرفة أبدًا تلك الصورة المطابقة تمامًا لموضوعها؛ فهي لا تتطابق
وواقعها تمام التطابُق. إنها إدراك لبعض المنبِّهات والمثيرات الحسية التي تُعاد
ترجمتُها ومعالجتُها عن طريق آلاف الخلايا البصرية التي تنقل هذه المعطيات إلى
الدماغ عن طريق بالغة التعقيد، تتحول عِبْرها تلك المعطياتُ إلى إدراك. وهي عملية
مازالت موضوع أبحاث جارية للكشف عن أسرارها.
فعل المعرفة هو، إذن، ترجمة معينة لواقع خارجي وإعادة بناء له. وهو فعل نقوم به
تلقائيًّا من خلال ما يُسمَّى بظاهرة "الثبات الإدراكي". وهذه تعني أن
الأشخاص الحاضرين والجالسين في آخر القاعة هم أصغر حجمًا في شبكية عيني من الأشخاص
الجالسين بجانبي؛ ومع ذلك، فإنني لا أتصور أصدقائي الجالسين في الصفوف الأمامية
عمالقة والأصدقاء الجالسين في الصفوف الخلفية أقزامًا! فأنا أعرف أن كلَّ الحاضرين
لهم الحجم نفسه تقريبًا. إن سيرورة الثبات الإدراكي هي التي تضمن إمكانية إعادة البناء التي نقوم بها في عملية
الإدراك.
ونعرف، من جهة ثانية، أنه لا يوجد حدٌّ فاصل بين الإدراك، من جهة أولى،
والهلوسة أو التهيؤات، من جهة ثانية؛ لا يوجد أي حدٍّ فاصل يُظهِر لنا الفرق بين
الإدراك والتهيؤ. إن أصدقاءنا هم عادةً مَن ينبهوننا إلى ما نقع فيه من لَبْس. في
عبارة أخرى، مادام لا يوجد اختلاف جوهري بين الإدراك وبين التهيؤ والوهم، فإننا
نبقى معرَّضين لاحتمال اعتبارنا ما قد يشبَّه لنا على أنه الواقع، في حين أنه مجرد
توهم. إن الوهم يتربص بنا في إدراكاتنا كلِّها، بما فيها تلك الإدراكات التي
نعتبرها الأكثر مباشرة والتصاقًا بالواقع الفعلي.
في هذا السياق، سأحكي لكم عن حادثة شخصية، سبق لي أن كتبت عنها في أحد كتبي.
الخميس، 24 ديسمبر 2015
ملخص نتائج البحث الوطني حول التعليم الاولي 2014 عن توجيه بريس
عن توجيه بريس
المملكة المغربية
المندوبية السامية للتخطيط
ملخص نتائج البحث الوطني
حول التعليم الأولي 2014
قامت المندوبية السامية للتخطيط، خلال شهري أكتوبر ونونبر من سنة 2014، بإنجاز البحث الوطني حول التعليم الأولي، الذي شمل 12500 أسرة تمثل جميع الجهات والفئات الاجتماعية. ويتيح هذا البحث إمكانية مزاوجة معطياته مع معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، مما مكن من تشخيص التعليم الأولي بالمغرب بتكلفة أقل وخلال آجال محدودة. وهو يسعى إلى تشخيص التعليم خلال مرحلة ما قبل التمدرس وقياس تأثيرها على المسار الدراسي و الارتقاء الاجتماعي للأفراد. تتطرق النتائج الأولية لهذا البحث إلى وضعية التعليم الأولي واتجاهاته الكبرى ومحددات ولوجه وأثره على المردود الدراسي والرأسمال البشري.
بخصوص وضعية التردد على التعليم الأولي،
نشير إلى أن 995 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 3 و 5 سنوات قد صرحوا سنة 2014 باستفادتهم من التعليم الأولي، أي ما يعادل نسبة تردد[1] على التعليم الأولي تصل إلى 48,7%. ويستحوذ قطاع التعليم العصري (حضانة، روض الأطفال) على أكبر نصيب من المتمدرسين (%93,3) مقارنة بقطاع التعليم التقليدي (الكتاب والمسيد) (6,7٪).
يستقبل القطاع الخاص %94,5 من الأطفال المستفيدين من التعليم الأولي مقابل 5.5% للقطاع العمومي. ويبدأ ولوج الأطفال ”3-5 سنوات” إلى التعليم الأولي انطلاقا من عمر متوسط يبلغ 3,3 سنة مما يفرز مدة تمدرس أولي تبلغ 1,5 سنة في المتوسط. علما أن هذه المؤشرات ليست نهائية، فهي ترتفع مع ارتفاع عمر الأطفال بالنظر لكون التعليم الأولي للفئة المستهدفة “3-5 سنوات” كان مستمرا في وقت المعاينة، فالذين لم يتمدرسوا بالتعليم الأولي في سن 3 أو 4 سنوات يمكنهم القيام بذلك في سن 5 سنوات.
وعليه، تصل نسبة التمدرس بالتعليم الأولي، المحسوبة بالنسبة للفئة العمرية 6-7 سنوات، والتي أتمت نظريا مرحلة التعليم الأولي إلى %64,8، ويبلغ سن الالتحاق بالتعليم الأولي في المتوسط 7,3 سنة في هذه الحالة، كما تبلغ المدة التي يتم قضاؤها بالتعليم الأولي من طرف نفس الفئة العمرية ما معدله 3,2 سنة في المتوسط.
أزمة التعليم بالمغرب بين السياسي والتربوي
المكي ناشيد
1 ـ مقدمة لابد منها؛كل منا يقر اليوم بأن هناك مشكل مزمن في المغرب الراهن، وهو بلا جدال المشكل الذي يكاد يصل إلى حد إصابة النظام التعليمي بالسكتة القلبية. على أنه ينبغي أن لا ننسى أن المشاكل أيا كانت حدتها، فهي ليست بنت لحظتها، وإنما هي وليدة صيرورة زمنية عرفت فيها مولدا ونشأة ونموا وتطورا إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، ولذلك فلكي نفهم أزمة منظومتنا التعليمية فهما صحيحا قبل أي انخراط في المعالجة، لا بد من معرفة واضحة بتاريخها وبالعوامل المتحكمة فيها؛ أسبابها ودواعيها امتداداتها وآثارها.وبدون ذلك سنبقى ندور في دائرة مغلقة لن تفضي بنا إلى أي حل ممكن مثلما هو حالنا اليوم. ومن هذا المنظور سأعمل على التطرق إلى الموضوع انطلاقا من البحث عن جذور المشكل الضالعة، وأصوله الكامنه، محاولا من خلال ذلك استجلاء العوامل التي تحول دون تحقيق أي نجاح في مختلف التجارب الإصلاحية لسياستنا التعليمية منذ فجر الاستقلال إلى اليوم.
ولا شك في أن هذه المحاولة من النظر في مشاكل التعليم انطلاقا من جذورها الأولى ستضعنا في مواجهة بين التربوي والسياسي على أساس أن السياسة والتربية هما معا وجهان لعملة واحدة، فالتربية سياسة تمارس بلغة البيداغوجيا، والسياسة تربية تمارس بلغة الإيديلوجيا، ويبقى فقط معرفة حدود التماس ونقط التقاطع والالتقاء بينهما لمعرفة أيهما الفاعل وأيهما المنفعل؟ أيهما القائد وأيهما التابع؟ أيهما المهيمن وأيهما الخاضع؟
وانساجاما مع السياق الذي يطرح فيه الموضوع، سأحاول كشف الخلفيات السياسية والوقوف على مدى تأثيرها في المناخ العام للمنظومة التعليمية / التربوية.
2 ـ السياسي والتربوي في المنظومة التعليمية، أية علاقة؟:
لمحاولة تحديد العلاقة التفاعلية بين السياسي والتربوي في منظومتنا التعليمية لا بد من الوقوف على أشكال البدايات الأولى لمعالجة المشكل. وفي هذا الإطار نجد أنه مع مطلع السنوات الأولى لاستقلال المغرب، وضع مشكل التعليم على طاولة "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم"، وكانت هذه أول لجنة إصلاحية بعد الاستقلال تعقد في هذا الشأن. وقد كان أول مشكل واجهته النخبة المشكلة للجنة الملكية، هو اصطدامها باختلافات بين مكوناتها؛ فأعضاؤها تختلف مصالحهم وتتضارب اتجاهاتهم، وتتباين رؤاهم، وهم إلى جانب كل ذلك أمام ضغط جماهيري شعبي قوي على المدرسة المغربية من أجل تسجيل الأطفال في المدارس خصوصا في السنوات الأولى من استقلال الوطن ، لذلك لم يكن بإمكان اللجنة البحث عن الحلول الصحيحة، ولا أية قدرة على وضع استراتيجية محكمة لإصلاح التعليم وفق ما يتطلبه السياق العام والاستشراف المستقبلي للبلاد. لذلك اتجهت القوى الوطنية المشكلة للتحالف الوطني إلى البحث عن إيجاد توافقات بين مكوناتها ليس لحل المشكل في جوهره، وإنما فقط لتجاوز مشاكل التعليم المطروحة تلافيا لتضارب المصالح بين أفرادها، ومن هنا اكتسى فكرها وطريقة معالجتها للمشاكل التربوية طابعا توفيقيا يتجنب طرح المشاكل الحقيقية ويحاول دوما البحث عن الحلول الوسطى التي ترضي الجميع، أو على الأقل تحمل الأطراف المختلفة على السكوت والانتظار ولو إلى حين.
وهذا ما يسعفنا في معرفة لماذا جاءت تلك لـ"المبادئ " التي أقرت كأساس لمذهب التعليم في المغرب المستقل، ملفوفة في طابع "توفيقي" يرضي جميع الأطراف المشكلة للتحالف الوطني دون أن يحل المشكل التربوي المطروح للمعالجة والنقاش، ولذلك فإن المبادئ الأربعة المعروفة بــ : التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر. ليس أنها لم تتحقق بعد وإنما طريقة الاهتداء إليها شكلت نموذجا لأسلوب المعالجة الذي سيتم الاحتذاء به في مختلف مراحل أزمات التعليم المغربي إلى يومنا هذا كما سنرى.
وهكذا فلقد جاءت "المبادئ الأربعة" ليس كنتيجة لحل المشكل التربوي المطروح آنذاك، وإنما جاءت لتشكل جوابا سياسيا عن وضع قائم أكثر منه جوابا تربويا عن المشاكل التربوية والتعليمية المطروحة بحدة على الساحة الوطنية. ولا شك ان هذا النهج في التعامل مع قضايانا التربوية والتعليمية سيستمر في مختلف التجارب اللاحقة لأن السياسات التعليمية بالمغرب بقيت مرتبطة بالمشروع المجتمعي وبمختلف الاختيارات السياسية المتواجدة بحيث من الصعب الوصول إلى إصلاح تربوي بدون توافق سياسي بين مختلف الحساسيات الوطنية.
ولقد كان من نتائج هذا الانزياح السياسي على حساب التربوي أن حول التربية إلى هامش وجعل منها تابعا تحت ضغط عوامل أخرى منبثقة عن الاختيار السياسي، وقد لازم التدخل السياسي الميدان التربوي بحيث لا تزال السياسة جاثمة على الجسد المهترئ للمنظومة التعليمية إلى يومنا هذا مما يحول دون تحقيق أي إصلاح، وإنما العكس من ذلك يساهم في الهذر في الزمن المدرسي هباء، والهذر في الإنفاق دون جزافا,
وأود أن أمر دون توقف في الحديث عن مسار الإختلالات بمختلف المواقف الإصلاحية للتعليم، بدءا بأحداث الدار البيضاء لسنة 65 وما أعقبها بعد تعيين الوزير محمد بنهيمة حاملا مشروعه "العهد الجديد"، ومخططه السياسي الفريد لخفض الإنفاق على التعليم وما رافق هذه السياسة الارتدادية من تداعيات كبرى أضرت على مر السنوات بصورة المدرسة المغربية محليا ودوليا، وسأحاول في هذه العجالة الانتقال من الأمس إلى اليوم لملامسة بعض الآليات المعيقة للإصلاح والوقوف على تداعياتها وآثارها. ومن ذلك يمكن تسجيل؛
أ ـ هيمنة النزعة البيروقراطية على التربية؛ وحتى يبقى الفعل التربوي تحت إشراف وتوجيه الفاعل السياسي، فإن النزعة البيروقراطية شكلت أداة فعالة في يد السلطات السياسية للهيمنة على أساليب تدبير المجال التربوي، بحيث بدل أن تكون الإدارة في خدمة العمل التربوي، أصبح على العكس من ذلك العمل التربوي خاضعا للقرارات الإدارية التحكمية، هذا مع العلم بأن التحكم الإداري في العمل التربوي من شأنه أن يعمل على تشييء المكونات التعليمية والتربوية بسبب ما تمليه الإدارة من مذكرات وما تخططه من ترسيمات وتدبجه من توجيهات وتبدعه من روائز تقويمية لأداء المعلمين (شبكات التقويم سابقا) والمتعلمين (مسار اليوم) إلى درجة أضحت معها الفصول الدراسية كما لو أنها هدف يمطره الجهاز الإداري بوابل من القرارات والمذكرات التي تنزل على رؤوس المدرسين تباعا وهم داخل فصولهم الدراسية. ومن الطرافة بمكان أن تنوب الإدارة المركزية عن المدرس في الفصل، فتنتج له خطط وعدد بيداغوجية ليعتمدها، بدل أن تبقي من بين صلاحيات واجتهادات المدرسين وإبداعاتهم داخل فصولهم . ومن شأن هذا التدخل الإداري في الشأن البيداغوجي، أن يحصر الممارسة التربوية/التعليمية ضمن خانات لجداول محددة تحول عمل المدرس إلى مجرد معطيات رقمية وترسيمات مقننة، الشيء الذي يسلبه من أي حق في ممارسة حريته المهنية في الإبداع الفني والاجتهاد المهني. إن هذا التدخل الإداري أبعد العملية التربية عن أهدافها الحقيقية، وهي التي لا يمكن أن تتحقق بواسطة عمل بيروقراطي متعال عن الشرط الإنساني. والواقع أنه لا يمكن لأي مذكرة أو توجيه إداري أن يقوم مقام المدرس في الفصل الذي هو الفضاء الأرحب لعمله بما يتطلبه ذلك من التوفر على هامش أوسع من الحرية؛ حرية المبادرة والمبادأة لابتكار أساليب العمل المناسبة لشخص المدرس ولتلاميذه وما يتطلبه مستواهم الفكري والعمري ومحيطهم البيئي من توفير لشروط بيداغوجية لا بد من مراعاتها حتى تتحقق النتائج المرجوة من العملية التعليمية بحسب المنهاج التعليمي بشكل عام.
بـ ـ هيمنة النزعة التقنية على البيداغوجيا؛ إن النزعة التقنية تقتل العملية التربوية، مثلما أن النزعة البيروقراطية تقتل العملية التعليمية، فالتقنية تنزع نحو التقسيم، التكميم، التوزيع والتجريب، والبيروقاطية تروم الهيمنة، التحكم والتسلط، والنزعتان معا مثلما تحكمتا بالأمس في مختلف دواليب العملية التعليمية ، فإنهما كنموذج للهيمنة، يتحكمان اليوم أيضا في عملية تطبيق بيداغوجيا الإدماج منذ بداية مرحلة التحضير مرورا بالفترة التجريبية وصولا إلى التطبيق والتعميم. وهكذا فقد هيمن على تطبيق هذه البيداغوجيا في منظومتنا التعليمية وجهة نظر واحدة ووحيدة، الشيء الذي انتهى بها إلى الفشل هي الأخرى.
وهكذا فعلى غرار النزعة التحكمية للبيروقاطية فإن التقنية تهيمن بدورها على منظومتنا التربوية /التعليمية، ومن معالم ذلك ما يظهر اليوم في البناء العام لمشروع المخطط الاستعجالي، من تفكيك لأوصاله بين 26 مشروعا، وتوزيع لمضامينه بين عدة أكاديميات جهوية، وتشييء لعناصره ومكوناته التي استحالت في معظمها أرقاما قابلة للتأويل والقراءة التحليلية من وجهة نظر معينة؛ ومن ذلك أنه تم التركيز على الأرقام والنسب التي تؤشر على تغيبات الأساتذة (2مليون يوم غياب)، أو على الحصص التي لا يكتمل إنجازها من طرف الأساتذة ( 85%) في بعض الأسلاك التعليمية،أو ضعف معدل الأيام الدراسية الفعلية(71%) في السنة، وما يعاب على هذه القراءة التقنية للأرقام وما خلصت إليه من استنتاجات، هو أنها اعتمدت فقط مبدأ الملاءمة ؛أي مدى مصداقية الرقم المعطى اعتمادا على الوسائل المثبتة، فالرقم المهول المصرح به حول التغيبات مثلا، مثبت بالشواهد الطبية التي تم ضبطها عدا وإحصاء، لكن لم يتم الانتباه، بالموازاة مع ذلك، إلى وجه آخر للقراءة لا يقل أهمية إن لم نقل إنه الأهم، وهو ضرورة اعتماد مبدأ المشروعية إلى جانب الملاءمة في أي قراءة للأرقام في مثل هذه القضايا والمجالات؛ بمعنى هل هذه التغيبات في مجملها قانونية وطبيعية بحيث يحق للموظف الاستفادة منها، أم لا؟ ومن هنا يمكن طرح العديد من الأسئلة؛ ما نسبة النساء من مجموع رجال التعليم (280 ألف تقريبا) اللواتي يستفدن خلال سنة دراسية كاملة من رخصة الولادة ومدتها 84 يوما كرخصة للموظفة بالتمام والكمال؟ ما نسبة الذين يتعرضون من رجال ونساء التعليم لعمليات جراحية تتطلب أياما للشفاء والاستشفاء؟ ما نسبة أولئك الذين يصابون بوعكة صحية مفاجئة تلزمهم الفراش في البيت ولو لأيام معدودة؟ وبدون شك فإن البحث في مجموع هذه النسب من تغيبات رجال التعليم المشروعة، سيفضي بنا إلى عدد يقارب إن لم يصل إلى مليوني يوم غياب بشواهد طبية كما جاء في تقرير المجلس الأعلى للتعليم. وهكذا فلن تتحقق الموضوعية عند قراءة الأرقام في مثل هذه المجالات إلا حين يتم الجمع بين الملاءمة والمشروعية، وما عدا ذلك فيبقى مجرد تشهير وتشويه لصورة المدرس في الوقت الذي ينبغي العمل فيه على إقامة علاقة تقوم على أساس من الثقة والتفاهم والتواصل والتعاون بين مختلف مكونات القطاع رؤساء ومرؤوسين، إداريين ومدرسين، مقررين ومنفذين....
إلا أن الوقائع أكدت أن ذلك الأسلوب في قراءة الأرقام واستنطاقها كان بنية الوصول إلى القناعة باختزال مجمل المشاكل التي يعرفها التعليم المغربي، بكل ما يستشري فيه من قصور في الأداء، وضعف في المردودية، وتراجع في المستوى، في عامل واحد ووحيد؛ وهو ما يجري داخل الفصل الدراسي بالتحديد، ومعنى ذلك أن داخل الفصل الدراسي حيث تجري العملية التعليمية بأنشطتها البيداغوجية وأساليبها التدريسية، يتحمل المدرس وحده مسؤولية النتائج المترتبة عن عمله، من حضور أو غياب، من مثابرة أو قصور أو إهمال، من جد أو تهاون، ثم ومن نجاح أو إخفاق في تحقيق النتائج المرجوة... وبالعودة إلى ما تم تسجيله حول الوقوف على المؤشرات الكمية للهذر في الزمن المدرسي، فإن المدرس إذن، هو المسؤول الأول والأخير عن ما آلت إليه وضعية المدرسة المغربية، وبالتالي فإن المخطط الاستعجالي ينبغي أن ينصب على تقويم الاختلالات التعليمية ميدانيا داخل الفصل الدراسي أولا، إنها الخلاصة الأكثر حضورا وتداولا.
وهكذا بدأت الإجراءات العملية للحد من عوامل الهذر في الزمن المدرسي بالتفكير في إحداث آليات إدارية وتقنية أشد صرامة وأكثر حصرا لأنفاس المدرس داخل فصله الدراسي؛ ولأجل هذه الغاية، صدرت المذكرة الوزارية رقم 4 بتاريخ 12 يناير 2009 في شأن تطبيق النظام الجديد لتقييم الأداء المهني لموظفي القطاع، وقد نصت على ضرورة العمل بشبكة التقييم الجديدة، وقطع الصلة بأشكال التقييم المعمول بها قبل هذا التاريخ. على أن هذه الشبكة الجديدة بدل أن تأتي لتيسر، فقد جاءت لتعسر لكثرة ما شابها من تعقيدات تقنية في الشكل، وغموض في صيغ العديد من المؤشرات؛ ذلك أن شبكة التقييم الخاصة بالتفتيش تتضمن في مجملها 5 معايير موزعة على 13 عنصرا، كل واحد منها يحمل عددا من المؤشرات بلغت في مجموعها بالشبكة 53 مؤشرا مع ما يقتضيه كل مؤشر على حدة من حكم تقييمي يترجم إلى علامة(نقطة). لذلك رفضت معظم مكونات هيئة التفتيش النموذج الجديد بعد أن تأكدوا من أن عملية تعبئة شبكة التقييم الجديدة تتطلب من الواحد منهم أكثر من ساعتين من الجهد والتدقيق والتمحيص في ما تضمنته الشبكة من معايير ومؤشرات قد تدخلهم، إما لدقتها، أو لتضارب مضامينها، في متاهات يتعذر الخروج منها، خصوصا وأنها تبقي على مجموعة من الإشكالات مطروحة؛ فالشبكة الجديدة في التقييم تتضمن العديد من المؤشرات والمفاهيم التي تحتاج إلى تدقيق في المعنى، ووضوح في المبنى؛ فبأي معنى، مثلا، يمكن قياس مؤشر"استمتاع المتعلم بالتعلم"؟ وعلى أي أساس يتم تقييم التربية على الاختيار؟...الإبداع؟....البحث؟ وهل من الممكن حصر الكفايات المستهدفة في التعلم من خلال حصة واحدة في الوقت الذي تحتاج فيه عملية اكتساب الكفايات مدى زمنيا من سيرورة العملية التعليمية/التعلمية.
ولم يقتصر الأمر عند تنزيل شبكة التقييم الخاصة بالمفتشين، وإنما إلى جانبها، وبالموازاة معها، أنزلت شبكة تقييم أخرى خاصة بمديري المؤسسات التعليمية لا تقل تعقيدا وإغراقا في التقنية عن سابقتها، وكأن في ذلك إمعانا من الوزارة في المزيد من تضييق الخناق على حركية المدرس وحصر نشاطه داخل الفصل الدراسي، ودون الخوض في ما جاءت به شبكة المديرين تمحيصا وتشريحا، يمكن القول إجمالا بأنها لم تستحضر ما يطبع مهام رجال الإدارة التربوية من اختلاف بحسب الأسلاك التعليمية، فهي شبكة تقييم واحدة موحدة، في حين أن ما يليق بطبيعة العمل بالتعليم الثانوي أو الإعدادي، لا ينطبق على ما يجري بسلك التعليم الابتدائي سواء من حيث أشكال التقييم أو إعداد الوثائق وتحيينها، أو من حيث تعدد التخصصات واختلاف الشعب.
وعلى الرغم من إصرار الوزارة على تطبيق هذا الشكل من التشبيك في تقييم أداء موظفيها كما لو أنها حققت بذلك كشفا جديدا في الميدان، فإنها أمام اتساع دائرة الرفض من طرف مختلف الفئات العاملة في القطاع، من مدرسين وهيئة تفتيش وإدارة تربوية، لم يبق لها إلا أن تعلن، وعن مضض، عن تراجعها اعتماد العمل بشبكة التقييم الجديدة. ولعل إقبال الوزارة على هذا التراجع أمر ليس بالهين ولا هو باليسير، مما يسمح لنا باستخلاص أكثر من معنى، وأبعد من مغزى؛ فهو تراجع ليس عن آلية في التقييم أكثر إغراقا في النزعة التقنية والتعقيد البروقراطي فحسب، وإنما هو فوق ذلك وأهم منه، تراجع عن قرار يدخل ضمن برنامج وزاري صرفت أموال من أجل إعداده وتجريبه والتعريف به في لقاءات إعدادية وتكوينية مركزيا جهويا ووطنيا. لذلك فإن ما حدث من تراجع هو في المحصلة وبالنتيجة، هذر مركب؛ هذر للمال، هذر للجهد، وهذر للزمن.
3 ـ مداخل للإصلاح التربوي.
استنادنا إلى كل ما تقدم يتبين أن مكمن العطب لمختلف التجارب الإصلاحية أو التصحيحية التي عرفتها المنظومة التعليمية يتجسد في كون تلك المحاولات لم تصل بعد إلى الإحاطة بالمشكل الحقيقي للمنظومة التربوية/التعليمية، لأنها لم تتجه لا إلى التلميذ باعتباره هو محور العملية التربوية والمستهدف الأول والأساسي من العملية الإصلاحية للمنظومة، ولا إلى الجانب البيداغوجي الذي هو أساس تكوين شخصية مواطن المستقبل. وإنما بقيت كل المحاولات محصورة في نفس الدائرة المغلقة رهينة التوافقات السياسية بين الفرقاء السياسيين مما أبعدها عن ملامسة القضايا التربوية الكبرى التي أصيبت بعاهة التكلس والكساد اللذان سيؤديان بها إلى السكتة القلبية إن لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الأوان . ومن اجل تجاوز تلك العوامل التي تحول دون أية إمكانية للإصلاح فإن الأمر أصبح يتطلب منا التوفر على قدر كبير من الجرأة الأدبية والشجاعة السياسية لمناهضة كل العوامل والأسباب التي لا زالت تحول دون تحقيق نهضة تعليمية شاملة. على أن ذلك لن يتحقق في اعتقادي الشخصي إلا إذا تحقق ما يلي ؛
ـ القيام بثورة تربوية شاملة يساهم فيها كل مكونات المجتمع، ثورة تستند على قرار سياسي قوي يعبر عن إرادة حقيقية للدولة في إصلاح التعليم ويسعى إلى تحقيق نهضة تربوية تستجيب لتطلعات الشعب التنموية وتساير التحولات الكونية في مختلف المجالات والميادين، على أن يكون من أولى أهداف هذه الثورة مقاربة الإشكالات التربوية الكبرى التي لم تتم ملامستها من قبيل؛ أي فرد نربي؟ أي مواطن نكون؟ أي مدرسة نريد ولأي مجتمع نريد؟ ؛
1 ـ محو كل مخلفات القرار السياسي الذي اعتمده الوزير محمد بنهيمة منذ الستينيات من القرن الماضي، وقد كان من أبرزها؛
ـ "التراجع في الإنفاق عن التعليم" الذي جعل المدرسة المغربية العمومية فقيرة المحتوى مسلوبة الإشعاع الثقافي فاقدة البريق الاجتماعي...أي مجرد كيان بلا روح.
ـ "الثقافة مجرد حلية (زينة) للفكر" مما أصبغ على التعليم صورة القطاع "غير المنتج"، وهي الصورة التي تم تداولها بخلفية سياسية على أوسع نطاق.
ـ التراجع عن "التعميم" بدواع مادية واقتصادية وهو من بين أهم "المبادئ الأربعة" التي لم تتحقق أهدافها إلى يومنا هذا، وإن كان المفهوم من "التعميم" اليوم يختلف عن معناه السابق.
ـ التراجع عن "التعريب" وقد تم تحت ذريعة النقص في الموارد البشرية الكافية لتحقيق ذلك، ولا يزال المشكل عالقا يتأرجح بين الرفض والقبول وكأننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام في الزمن الارتكاسي.
2 ـ إن ما أدعو إليه ليس بثورة سياسية ولا هي بفلكية، وإنما أدعو إلى تبني ثورة في التربية هي أشبه ما تكون بالثورة الكوبرنيكية في علم الفك، ينبغي أن يتم بمقتضاها العمل على:
ـ جعل التربية بمختلف قضاياها هي المركز، وتحويل السياسة وآلياتها التحكمية (البيروقارطية والتكنوقراطية) إلى هامش يحوم حول المركز (التربية) لييسر أدوار التربية ويستجيب لمتطلباتها,
ـ جعل المنهاج التعليمي بعد الارتقاء بمضامينه وتوجهاته، يتحول من منهاج تعليمي إلى منهاج تعلمي إجرائي، من منهاج يشحن العقول، إلى منهاج يكون العقول ويعدها للحياة الاجتماعية بمختلف متطلباتها. على أن الأمر هنا يتعلق بموضوع ليس من اليسير الخوض فيه دون السقوط في حلبة للصراع الإيديلوجي بين الفرقاء السياسيين، لذلك ينبغي قلب المعادلة في هذا الإطار، وذلك بإعطاء الأسبقية للمفكرين البيداغوجيين في أي إصلاح من هذا القبيل قبل الفرقاء السياسيين.
ـ العمل على دمقرطة الحقل التربوي باعتماد الحكامة التدبيرية الجيدة في إدارة شؤون المنظومة التربوية، وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتماد مبدإ الشفافية في التدبير المالي والمادي والحرص على تحقيق الجودة، وكذا تحقيق تكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات التربوية والتعليمية...
3 ـ إن برامجنا التعليمية ومقرراتنا التربوية تفتقر جميعها إلى وجود عنصرين أساسيين في تكوين الشخصية لكي تكون متكاملة ومتوازنة نفسيا واجتماعيا؛ وهما؛
ـ الحرية؛ وهي وإن كانت عنصرا من طبيعة الإنسان وجوهره، فإن نظامنا التعليمي يتعامل معها كما لو أنها من المحظورات أخلاقيا ومن الممنوعات سياسيا. على أن المعنى المقصود هنا هو حرية الاختيار حيث يتحقق مبدأي الالتزام بشروط الاختيار وتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عن الاختيار. وبذلك تتحقق التربية على الحرية بما هي التزام ومسؤولية.
ـ الحب، وهو غريزة إنسانية وفطرة طبيعية فطر الله الإنسان عليها، وبدونها تستحيل الشخصية إلى كيان بشري بدون عواطف إنسانية ولا وجدان بشري، ومع ذلك فإن برامجنا تتغاضى عن هذه العاطفة الإنسانية كما لو أنها حرام أو محرمة. وما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن غياب التربية على الحب بما يعنيه من حب الوطن، أو حب الوالدين، أو حب الزوجة لزوجها أو العكس أو حب الفرد للآخر من البشر دون تمييز...قد يترك الفرصة سانحة لتنمو بذل الحب، العدوانية كغريزة في مقابل الحب، فكيف للمنهاج أن يعد الناشئة على الحب والتسامح والبناء بدل الكراهية والعنف والإرهاب الذي يزداد استفحالا إذا ما غيب التربية على العواطف الإنسانية النبيلة.
وأخيرا وليس آخرا، أختم بالقول بأن السياسة هي كالأخطبوط التي لا خلاص من أذرعها المتعددة إذا ما التفت حول العنق إلا بالبتر. على أنه إذا كان لابد للسياسة من التدخل في المشاكل التربوية، فمن الأجدر والأجدى أن يتم ذلك بعد تدخل أهل العلم من ذوي الاختصاص في ميادين علوم التربية وليس قبل.
لمحاولة تحديد العلاقة التفاعلية بين السياسي والتربوي في منظومتنا التعليمية لا بد من الوقوف على أشكال البدايات الأولى لمعالجة المشكل. وفي هذا الإطار نجد أنه مع مطلع السنوات الأولى لاستقلال المغرب، وضع مشكل التعليم على طاولة "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم"، وكانت هذه أول لجنة إصلاحية بعد الاستقلال تعقد في هذا الشأن. وقد كان أول مشكل واجهته النخبة المشكلة للجنة الملكية، هو اصطدامها باختلافات بين مكوناتها؛ فأعضاؤها تختلف مصالحهم وتتضارب اتجاهاتهم، وتتباين رؤاهم، وهم إلى جانب كل ذلك أمام ضغط جماهيري شعبي قوي على المدرسة المغربية من أجل تسجيل الأطفال في المدارس خصوصا في السنوات الأولى من استقلال الوطن ، لذلك لم يكن بإمكان اللجنة البحث عن الحلول الصحيحة، ولا أية قدرة على وضع استراتيجية محكمة لإصلاح التعليم وفق ما يتطلبه السياق العام والاستشراف المستقبلي للبلاد. لذلك اتجهت القوى الوطنية المشكلة للتحالف الوطني إلى البحث عن إيجاد توافقات بين مكوناتها ليس لحل المشكل في جوهره، وإنما فقط لتجاوز مشاكل التعليم المطروحة تلافيا لتضارب المصالح بين أفرادها، ومن هنا اكتسى فكرها وطريقة معالجتها للمشاكل التربوية طابعا توفيقيا يتجنب طرح المشاكل الحقيقية ويحاول دوما البحث عن الحلول الوسطى التي ترضي الجميع، أو على الأقل تحمل الأطراف المختلفة على السكوت والانتظار ولو إلى حين.
وهذا ما يسعفنا في معرفة لماذا جاءت تلك لـ"المبادئ " التي أقرت كأساس لمذهب التعليم في المغرب المستقل، ملفوفة في طابع "توفيقي" يرضي جميع الأطراف المشكلة للتحالف الوطني دون أن يحل المشكل التربوي المطروح للمعالجة والنقاش، ولذلك فإن المبادئ الأربعة المعروفة بــ : التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر. ليس أنها لم تتحقق بعد وإنما طريقة الاهتداء إليها شكلت نموذجا لأسلوب المعالجة الذي سيتم الاحتذاء به في مختلف مراحل أزمات التعليم المغربي إلى يومنا هذا كما سنرى.
وهكذا فلقد جاءت "المبادئ الأربعة" ليس كنتيجة لحل المشكل التربوي المطروح آنذاك، وإنما جاءت لتشكل جوابا سياسيا عن وضع قائم أكثر منه جوابا تربويا عن المشاكل التربوية والتعليمية المطروحة بحدة على الساحة الوطنية. ولا شك ان هذا النهج في التعامل مع قضايانا التربوية والتعليمية سيستمر في مختلف التجارب اللاحقة لأن السياسات التعليمية بالمغرب بقيت مرتبطة بالمشروع المجتمعي وبمختلف الاختيارات السياسية المتواجدة بحيث من الصعب الوصول إلى إصلاح تربوي بدون توافق سياسي بين مختلف الحساسيات الوطنية.
ولقد كان من نتائج هذا الانزياح السياسي على حساب التربوي أن حول التربية إلى هامش وجعل منها تابعا تحت ضغط عوامل أخرى منبثقة عن الاختيار السياسي، وقد لازم التدخل السياسي الميدان التربوي بحيث لا تزال السياسة جاثمة على الجسد المهترئ للمنظومة التعليمية إلى يومنا هذا مما يحول دون تحقيق أي إصلاح، وإنما العكس من ذلك يساهم في الهذر في الزمن المدرسي هباء، والهذر في الإنفاق دون جزافا,
وأود أن أمر دون توقف في الحديث عن مسار الإختلالات بمختلف المواقف الإصلاحية للتعليم، بدءا بأحداث الدار البيضاء لسنة 65 وما أعقبها بعد تعيين الوزير محمد بنهيمة حاملا مشروعه "العهد الجديد"، ومخططه السياسي الفريد لخفض الإنفاق على التعليم وما رافق هذه السياسة الارتدادية من تداعيات كبرى أضرت على مر السنوات بصورة المدرسة المغربية محليا ودوليا، وسأحاول في هذه العجالة الانتقال من الأمس إلى اليوم لملامسة بعض الآليات المعيقة للإصلاح والوقوف على تداعياتها وآثارها. ومن ذلك يمكن تسجيل؛
أ ـ هيمنة النزعة البيروقراطية على التربية؛ وحتى يبقى الفعل التربوي تحت إشراف وتوجيه الفاعل السياسي، فإن النزعة البيروقراطية شكلت أداة فعالة في يد السلطات السياسية للهيمنة على أساليب تدبير المجال التربوي، بحيث بدل أن تكون الإدارة في خدمة العمل التربوي، أصبح على العكس من ذلك العمل التربوي خاضعا للقرارات الإدارية التحكمية، هذا مع العلم بأن التحكم الإداري في العمل التربوي من شأنه أن يعمل على تشييء المكونات التعليمية والتربوية بسبب ما تمليه الإدارة من مذكرات وما تخططه من ترسيمات وتدبجه من توجيهات وتبدعه من روائز تقويمية لأداء المعلمين (شبكات التقويم سابقا) والمتعلمين (مسار اليوم) إلى درجة أضحت معها الفصول الدراسية كما لو أنها هدف يمطره الجهاز الإداري بوابل من القرارات والمذكرات التي تنزل على رؤوس المدرسين تباعا وهم داخل فصولهم الدراسية. ومن الطرافة بمكان أن تنوب الإدارة المركزية عن المدرس في الفصل، فتنتج له خطط وعدد بيداغوجية ليعتمدها، بدل أن تبقي من بين صلاحيات واجتهادات المدرسين وإبداعاتهم داخل فصولهم . ومن شأن هذا التدخل الإداري في الشأن البيداغوجي، أن يحصر الممارسة التربوية/التعليمية ضمن خانات لجداول محددة تحول عمل المدرس إلى مجرد معطيات رقمية وترسيمات مقننة، الشيء الذي يسلبه من أي حق في ممارسة حريته المهنية في الإبداع الفني والاجتهاد المهني. إن هذا التدخل الإداري أبعد العملية التربية عن أهدافها الحقيقية، وهي التي لا يمكن أن تتحقق بواسطة عمل بيروقراطي متعال عن الشرط الإنساني. والواقع أنه لا يمكن لأي مذكرة أو توجيه إداري أن يقوم مقام المدرس في الفصل الذي هو الفضاء الأرحب لعمله بما يتطلبه ذلك من التوفر على هامش أوسع من الحرية؛ حرية المبادرة والمبادأة لابتكار أساليب العمل المناسبة لشخص المدرس ولتلاميذه وما يتطلبه مستواهم الفكري والعمري ومحيطهم البيئي من توفير لشروط بيداغوجية لا بد من مراعاتها حتى تتحقق النتائج المرجوة من العملية التعليمية بحسب المنهاج التعليمي بشكل عام.
بـ ـ هيمنة النزعة التقنية على البيداغوجيا؛ إن النزعة التقنية تقتل العملية التربوية، مثلما أن النزعة البيروقراطية تقتل العملية التعليمية، فالتقنية تنزع نحو التقسيم، التكميم، التوزيع والتجريب، والبيروقاطية تروم الهيمنة، التحكم والتسلط، والنزعتان معا مثلما تحكمتا بالأمس في مختلف دواليب العملية التعليمية ، فإنهما كنموذج للهيمنة، يتحكمان اليوم أيضا في عملية تطبيق بيداغوجيا الإدماج منذ بداية مرحلة التحضير مرورا بالفترة التجريبية وصولا إلى التطبيق والتعميم. وهكذا فقد هيمن على تطبيق هذه البيداغوجيا في منظومتنا التعليمية وجهة نظر واحدة ووحيدة، الشيء الذي انتهى بها إلى الفشل هي الأخرى.
وهكذا فعلى غرار النزعة التحكمية للبيروقاطية فإن التقنية تهيمن بدورها على منظومتنا التربوية /التعليمية، ومن معالم ذلك ما يظهر اليوم في البناء العام لمشروع المخطط الاستعجالي، من تفكيك لأوصاله بين 26 مشروعا، وتوزيع لمضامينه بين عدة أكاديميات جهوية، وتشييء لعناصره ومكوناته التي استحالت في معظمها أرقاما قابلة للتأويل والقراءة التحليلية من وجهة نظر معينة؛ ومن ذلك أنه تم التركيز على الأرقام والنسب التي تؤشر على تغيبات الأساتذة (2مليون يوم غياب)، أو على الحصص التي لا يكتمل إنجازها من طرف الأساتذة ( 85%) في بعض الأسلاك التعليمية،أو ضعف معدل الأيام الدراسية الفعلية(71%) في السنة، وما يعاب على هذه القراءة التقنية للأرقام وما خلصت إليه من استنتاجات، هو أنها اعتمدت فقط مبدأ الملاءمة ؛أي مدى مصداقية الرقم المعطى اعتمادا على الوسائل المثبتة، فالرقم المهول المصرح به حول التغيبات مثلا، مثبت بالشواهد الطبية التي تم ضبطها عدا وإحصاء، لكن لم يتم الانتباه، بالموازاة مع ذلك، إلى وجه آخر للقراءة لا يقل أهمية إن لم نقل إنه الأهم، وهو ضرورة اعتماد مبدأ المشروعية إلى جانب الملاءمة في أي قراءة للأرقام في مثل هذه القضايا والمجالات؛ بمعنى هل هذه التغيبات في مجملها قانونية وطبيعية بحيث يحق للموظف الاستفادة منها، أم لا؟ ومن هنا يمكن طرح العديد من الأسئلة؛ ما نسبة النساء من مجموع رجال التعليم (280 ألف تقريبا) اللواتي يستفدن خلال سنة دراسية كاملة من رخصة الولادة ومدتها 84 يوما كرخصة للموظفة بالتمام والكمال؟ ما نسبة الذين يتعرضون من رجال ونساء التعليم لعمليات جراحية تتطلب أياما للشفاء والاستشفاء؟ ما نسبة أولئك الذين يصابون بوعكة صحية مفاجئة تلزمهم الفراش في البيت ولو لأيام معدودة؟ وبدون شك فإن البحث في مجموع هذه النسب من تغيبات رجال التعليم المشروعة، سيفضي بنا إلى عدد يقارب إن لم يصل إلى مليوني يوم غياب بشواهد طبية كما جاء في تقرير المجلس الأعلى للتعليم. وهكذا فلن تتحقق الموضوعية عند قراءة الأرقام في مثل هذه المجالات إلا حين يتم الجمع بين الملاءمة والمشروعية، وما عدا ذلك فيبقى مجرد تشهير وتشويه لصورة المدرس في الوقت الذي ينبغي العمل فيه على إقامة علاقة تقوم على أساس من الثقة والتفاهم والتواصل والتعاون بين مختلف مكونات القطاع رؤساء ومرؤوسين، إداريين ومدرسين، مقررين ومنفذين....
إلا أن الوقائع أكدت أن ذلك الأسلوب في قراءة الأرقام واستنطاقها كان بنية الوصول إلى القناعة باختزال مجمل المشاكل التي يعرفها التعليم المغربي، بكل ما يستشري فيه من قصور في الأداء، وضعف في المردودية، وتراجع في المستوى، في عامل واحد ووحيد؛ وهو ما يجري داخل الفصل الدراسي بالتحديد، ومعنى ذلك أن داخل الفصل الدراسي حيث تجري العملية التعليمية بأنشطتها البيداغوجية وأساليبها التدريسية، يتحمل المدرس وحده مسؤولية النتائج المترتبة عن عمله، من حضور أو غياب، من مثابرة أو قصور أو إهمال، من جد أو تهاون، ثم ومن نجاح أو إخفاق في تحقيق النتائج المرجوة... وبالعودة إلى ما تم تسجيله حول الوقوف على المؤشرات الكمية للهذر في الزمن المدرسي، فإن المدرس إذن، هو المسؤول الأول والأخير عن ما آلت إليه وضعية المدرسة المغربية، وبالتالي فإن المخطط الاستعجالي ينبغي أن ينصب على تقويم الاختلالات التعليمية ميدانيا داخل الفصل الدراسي أولا، إنها الخلاصة الأكثر حضورا وتداولا.
وهكذا بدأت الإجراءات العملية للحد من عوامل الهذر في الزمن المدرسي بالتفكير في إحداث آليات إدارية وتقنية أشد صرامة وأكثر حصرا لأنفاس المدرس داخل فصله الدراسي؛ ولأجل هذه الغاية، صدرت المذكرة الوزارية رقم 4 بتاريخ 12 يناير 2009 في شأن تطبيق النظام الجديد لتقييم الأداء المهني لموظفي القطاع، وقد نصت على ضرورة العمل بشبكة التقييم الجديدة، وقطع الصلة بأشكال التقييم المعمول بها قبل هذا التاريخ. على أن هذه الشبكة الجديدة بدل أن تأتي لتيسر، فقد جاءت لتعسر لكثرة ما شابها من تعقيدات تقنية في الشكل، وغموض في صيغ العديد من المؤشرات؛ ذلك أن شبكة التقييم الخاصة بالتفتيش تتضمن في مجملها 5 معايير موزعة على 13 عنصرا، كل واحد منها يحمل عددا من المؤشرات بلغت في مجموعها بالشبكة 53 مؤشرا مع ما يقتضيه كل مؤشر على حدة من حكم تقييمي يترجم إلى علامة(نقطة). لذلك رفضت معظم مكونات هيئة التفتيش النموذج الجديد بعد أن تأكدوا من أن عملية تعبئة شبكة التقييم الجديدة تتطلب من الواحد منهم أكثر من ساعتين من الجهد والتدقيق والتمحيص في ما تضمنته الشبكة من معايير ومؤشرات قد تدخلهم، إما لدقتها، أو لتضارب مضامينها، في متاهات يتعذر الخروج منها، خصوصا وأنها تبقي على مجموعة من الإشكالات مطروحة؛ فالشبكة الجديدة في التقييم تتضمن العديد من المؤشرات والمفاهيم التي تحتاج إلى تدقيق في المعنى، ووضوح في المبنى؛ فبأي معنى، مثلا، يمكن قياس مؤشر"استمتاع المتعلم بالتعلم"؟ وعلى أي أساس يتم تقييم التربية على الاختيار؟...الإبداع؟....البحث؟ وهل من الممكن حصر الكفايات المستهدفة في التعلم من خلال حصة واحدة في الوقت الذي تحتاج فيه عملية اكتساب الكفايات مدى زمنيا من سيرورة العملية التعليمية/التعلمية.
ولم يقتصر الأمر عند تنزيل شبكة التقييم الخاصة بالمفتشين، وإنما إلى جانبها، وبالموازاة معها، أنزلت شبكة تقييم أخرى خاصة بمديري المؤسسات التعليمية لا تقل تعقيدا وإغراقا في التقنية عن سابقتها، وكأن في ذلك إمعانا من الوزارة في المزيد من تضييق الخناق على حركية المدرس وحصر نشاطه داخل الفصل الدراسي، ودون الخوض في ما جاءت به شبكة المديرين تمحيصا وتشريحا، يمكن القول إجمالا بأنها لم تستحضر ما يطبع مهام رجال الإدارة التربوية من اختلاف بحسب الأسلاك التعليمية، فهي شبكة تقييم واحدة موحدة، في حين أن ما يليق بطبيعة العمل بالتعليم الثانوي أو الإعدادي، لا ينطبق على ما يجري بسلك التعليم الابتدائي سواء من حيث أشكال التقييم أو إعداد الوثائق وتحيينها، أو من حيث تعدد التخصصات واختلاف الشعب.
وعلى الرغم من إصرار الوزارة على تطبيق هذا الشكل من التشبيك في تقييم أداء موظفيها كما لو أنها حققت بذلك كشفا جديدا في الميدان، فإنها أمام اتساع دائرة الرفض من طرف مختلف الفئات العاملة في القطاع، من مدرسين وهيئة تفتيش وإدارة تربوية، لم يبق لها إلا أن تعلن، وعن مضض، عن تراجعها اعتماد العمل بشبكة التقييم الجديدة. ولعل إقبال الوزارة على هذا التراجع أمر ليس بالهين ولا هو باليسير، مما يسمح لنا باستخلاص أكثر من معنى، وأبعد من مغزى؛ فهو تراجع ليس عن آلية في التقييم أكثر إغراقا في النزعة التقنية والتعقيد البروقراطي فحسب، وإنما هو فوق ذلك وأهم منه، تراجع عن قرار يدخل ضمن برنامج وزاري صرفت أموال من أجل إعداده وتجريبه والتعريف به في لقاءات إعدادية وتكوينية مركزيا جهويا ووطنيا. لذلك فإن ما حدث من تراجع هو في المحصلة وبالنتيجة، هذر مركب؛ هذر للمال، هذر للجهد، وهذر للزمن.
3 ـ مداخل للإصلاح التربوي.
استنادنا إلى كل ما تقدم يتبين أن مكمن العطب لمختلف التجارب الإصلاحية أو التصحيحية التي عرفتها المنظومة التعليمية يتجسد في كون تلك المحاولات لم تصل بعد إلى الإحاطة بالمشكل الحقيقي للمنظومة التربوية/التعليمية، لأنها لم تتجه لا إلى التلميذ باعتباره هو محور العملية التربوية والمستهدف الأول والأساسي من العملية الإصلاحية للمنظومة، ولا إلى الجانب البيداغوجي الذي هو أساس تكوين شخصية مواطن المستقبل. وإنما بقيت كل المحاولات محصورة في نفس الدائرة المغلقة رهينة التوافقات السياسية بين الفرقاء السياسيين مما أبعدها عن ملامسة القضايا التربوية الكبرى التي أصيبت بعاهة التكلس والكساد اللذان سيؤديان بها إلى السكتة القلبية إن لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الأوان . ومن اجل تجاوز تلك العوامل التي تحول دون أية إمكانية للإصلاح فإن الأمر أصبح يتطلب منا التوفر على قدر كبير من الجرأة الأدبية والشجاعة السياسية لمناهضة كل العوامل والأسباب التي لا زالت تحول دون تحقيق نهضة تعليمية شاملة. على أن ذلك لن يتحقق في اعتقادي الشخصي إلا إذا تحقق ما يلي ؛
ـ القيام بثورة تربوية شاملة يساهم فيها كل مكونات المجتمع، ثورة تستند على قرار سياسي قوي يعبر عن إرادة حقيقية للدولة في إصلاح التعليم ويسعى إلى تحقيق نهضة تربوية تستجيب لتطلعات الشعب التنموية وتساير التحولات الكونية في مختلف المجالات والميادين، على أن يكون من أولى أهداف هذه الثورة مقاربة الإشكالات التربوية الكبرى التي لم تتم ملامستها من قبيل؛ أي فرد نربي؟ أي مواطن نكون؟ أي مدرسة نريد ولأي مجتمع نريد؟ ؛
1 ـ محو كل مخلفات القرار السياسي الذي اعتمده الوزير محمد بنهيمة منذ الستينيات من القرن الماضي، وقد كان من أبرزها؛
ـ "التراجع في الإنفاق عن التعليم" الذي جعل المدرسة المغربية العمومية فقيرة المحتوى مسلوبة الإشعاع الثقافي فاقدة البريق الاجتماعي...أي مجرد كيان بلا روح.
ـ "الثقافة مجرد حلية (زينة) للفكر" مما أصبغ على التعليم صورة القطاع "غير المنتج"، وهي الصورة التي تم تداولها بخلفية سياسية على أوسع نطاق.
ـ التراجع عن "التعميم" بدواع مادية واقتصادية وهو من بين أهم "المبادئ الأربعة" التي لم تتحقق أهدافها إلى يومنا هذا، وإن كان المفهوم من "التعميم" اليوم يختلف عن معناه السابق.
ـ التراجع عن "التعريب" وقد تم تحت ذريعة النقص في الموارد البشرية الكافية لتحقيق ذلك، ولا يزال المشكل عالقا يتأرجح بين الرفض والقبول وكأننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام في الزمن الارتكاسي.
2 ـ إن ما أدعو إليه ليس بثورة سياسية ولا هي بفلكية، وإنما أدعو إلى تبني ثورة في التربية هي أشبه ما تكون بالثورة الكوبرنيكية في علم الفك، ينبغي أن يتم بمقتضاها العمل على:
ـ جعل التربية بمختلف قضاياها هي المركز، وتحويل السياسة وآلياتها التحكمية (البيروقارطية والتكنوقراطية) إلى هامش يحوم حول المركز (التربية) لييسر أدوار التربية ويستجيب لمتطلباتها,
ـ جعل المنهاج التعليمي بعد الارتقاء بمضامينه وتوجهاته، يتحول من منهاج تعليمي إلى منهاج تعلمي إجرائي، من منهاج يشحن العقول، إلى منهاج يكون العقول ويعدها للحياة الاجتماعية بمختلف متطلباتها. على أن الأمر هنا يتعلق بموضوع ليس من اليسير الخوض فيه دون السقوط في حلبة للصراع الإيديلوجي بين الفرقاء السياسيين، لذلك ينبغي قلب المعادلة في هذا الإطار، وذلك بإعطاء الأسبقية للمفكرين البيداغوجيين في أي إصلاح من هذا القبيل قبل الفرقاء السياسيين.
ـ العمل على دمقرطة الحقل التربوي باعتماد الحكامة التدبيرية الجيدة في إدارة شؤون المنظومة التربوية، وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتماد مبدإ الشفافية في التدبير المالي والمادي والحرص على تحقيق الجودة، وكذا تحقيق تكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات التربوية والتعليمية...
3 ـ إن برامجنا التعليمية ومقرراتنا التربوية تفتقر جميعها إلى وجود عنصرين أساسيين في تكوين الشخصية لكي تكون متكاملة ومتوازنة نفسيا واجتماعيا؛ وهما؛
ـ الحرية؛ وهي وإن كانت عنصرا من طبيعة الإنسان وجوهره، فإن نظامنا التعليمي يتعامل معها كما لو أنها من المحظورات أخلاقيا ومن الممنوعات سياسيا. على أن المعنى المقصود هنا هو حرية الاختيار حيث يتحقق مبدأي الالتزام بشروط الاختيار وتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عن الاختيار. وبذلك تتحقق التربية على الحرية بما هي التزام ومسؤولية.
ـ الحب، وهو غريزة إنسانية وفطرة طبيعية فطر الله الإنسان عليها، وبدونها تستحيل الشخصية إلى كيان بشري بدون عواطف إنسانية ولا وجدان بشري، ومع ذلك فإن برامجنا تتغاضى عن هذه العاطفة الإنسانية كما لو أنها حرام أو محرمة. وما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن غياب التربية على الحب بما يعنيه من حب الوطن، أو حب الوالدين، أو حب الزوجة لزوجها أو العكس أو حب الفرد للآخر من البشر دون تمييز...قد يترك الفرصة سانحة لتنمو بذل الحب، العدوانية كغريزة في مقابل الحب، فكيف للمنهاج أن يعد الناشئة على الحب والتسامح والبناء بدل الكراهية والعنف والإرهاب الذي يزداد استفحالا إذا ما غيب التربية على العواطف الإنسانية النبيلة.
وأخيرا وليس آخرا، أختم بالقول بأن السياسة هي كالأخطبوط التي لا خلاص من أذرعها المتعددة إذا ما التفت حول العنق إلا بالبتر. على أنه إذا كان لابد للسياسة من التدخل في المشاكل التربوية، فمن الأجدر والأجدى أن يتم ذلك بعد تدخل أهل العلم من ذوي الاختصاص في ميادين علوم التربية وليس قبل.
محاضرة ألقيت بدعوة من التنسيقية الجهوية لجمعية الشعلة يوم 22 فبراير2014 بقاعة جماعة سيدي بليوط بالدار البيضاء
الأربعاء، 9 ديسمبر 2015
الجامعة الحقوقية للشباب
الجامعة الحقوقية للشباب
نظمت جمعية الشعلة للتربية والثقافة تحت شعار " الثقافة الحقوقية رافعة للتنمية الشاملة " في إطار الشراكة التي تجمعتها مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان أيام 20 و21و22 نونبر 2015 بالمركب الدولي ببوزنيقة جامعة حقوقية للشباب، وبعد التداول في مجموعة من القضايا المرتبطة بحقوق الانسان ، توجت هذه الجامعة بإعلان تمت صياغته من طرف الشباب المشارك في الجامعة
إعلان بوزنيقة للشباب
في سياق جهودها للدفاع عن قضايا الطفولة والشباب، وتمكين الشباب من آليات وفضاءات الحوار الديمقراطي للتعرف على انتظاراته وطموحاته واهتماماته. نظمت جمعية الشعلة للتربية والثقافة بشراكة مع المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، الجامعة الحقوقية للشباب، بمركز مولاي رشيد للشباب والطفولة ببوزنيقة أيام 20و21و22 نونبر2015 ، تحت شعار'' الثقافة الحقوقية رافعة لتحقيق التنمية الشاملة "، لفائدة الشباب المغربي من شباب الشعلة من مختلف اللأقاليم والجهات وبعض شباب الجمعيات الصديقة وفي ختام هذه الجامعية الشبابية الحقوقية، أصدر المشاركون والمشاركات إعلانا عكسوا فيه انتظاراتهم وطموحاتهم واهتماماتهم نورده في الأتي :
ديباجة
اعتبارا لكون الكرامة متأصلة في الإنسان، واعتبارا لكون التمتع بحقوق الإنسان لا تخضع لأي اعتبار عرقي أو جنسي أو ديني أو اعتقادي أوأصل وطني أو إنتماء اجتماعي، واعتبارا لكون هذه الحقوق مترابطة وغير قابلة للتجزيء، فهي حق للجميع وغير قابلة للتنازع ولا للتصرف، باعتبارها كونية و تقر بها الأمم المتحدة وتضمن لها شرعية دولية.
وبناء على التحولات العميقة التي يشهدها العالم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، واعتبارا للتحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب بفضل ديناميته المجتمعية وقواه المدنية الاجتماعية والحقوقية، واعتبارا لأهمية المجتمع المدني في رصد التحولات والدفاع عن المكتسبات والترافع من أجل حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها، واعتبارا لفاعلية جمعية الشعلة للتربية والثقافة ضمن النسيج الجمعوي الوطني في ترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان، واعتبار لأهمية شباب هذه الجمعية في النهوض بالثقافة الحقوقية وإشاعتها.
وبعد تدارس الشباب المشارك في هذه الجامعة الحقوقية لمختلف المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وكذا النصوص القانونية الوطنية في علاقتها بالضمانات الحقوقية الدولية، كما تمكنوا في إطار ورشاتهم الحقوقية من رصد حقوق الإنسان ضمن السياسات العمومية، فقد اتفقوا بإجماعهم على التوصيات التالية:
• تفعيل مقتضيات الدستور بشكل كلي وديموقراطي، في أفق إقرارملكية برلمانية.
• تعديل كل القوانين والتشريعات الوطنية، بما يتلاءم مع المواثيق والعهود الدولية.
• تمكين الشابات والشباب من حقوقهم الفردية، بما فيها حرية المعتقد والفكر والرأي...
• فتح المجال للمشاركة النوعية للشابات والشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية... واعتبارهم قوة اقتراحية فاعلة قي إنتاج السياسات العمومية.
• إقرار المساواة التامة بين الشابات والشباب في مختلف الحقوق.
• الإسراع في إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالطابع الرسمي للغة الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة ومجلس الشباب والعمل الجمعوي، بشكل ديموقراطي وتشاركي.
• تعزيز آليات الترافع أمام الشباب والمنظمات الشبابية والحقوقية والنقابية والمدنية بتفعيل الديمقراطية التشاركية.
• احترام الحق في الاحتجاج السلمي للشباب من معطلين وطلبة وعمال وتلاميذ، للتعبير عن مطالبهم وحقوقهم، وتجاوز المحاكمات الصورية والاعتقالات السياسية والتعسفية.
• تحمل الدولة مسؤولياتها الكاملة في توفير الخدمات الاجتماعية بشكل مجاني وبجودة خاصة في مجالات الصحة والتعليم والتكوين والثقافة...
• تمكين الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة من حقوقهم الأساسية المتعارف عليها دوليا.
• تأهيل فضاءات الشباب بمختلف تخصصاتها، باعتبارها مرافق عمومية في خدمة الشباب.
• إحقاق عدالة اجتماعية في إطار الجهوية المتقدمة.
وحرر ببوزنيقة في:22 نونبر 2015
ديباجة
اعتبارا لكون الكرامة متأصلة في الإنسان، واعتبارا لكون التمتع بحقوق الإنسان لا تخضع لأي اعتبار عرقي أو جنسي أو ديني أو اعتقادي أوأصل وطني أو إنتماء اجتماعي، واعتبارا لكون هذه الحقوق مترابطة وغير قابلة للتجزيء، فهي حق للجميع وغير قابلة للتنازع ولا للتصرف، باعتبارها كونية و تقر بها الأمم المتحدة وتضمن لها شرعية دولية.
وبناء على التحولات العميقة التي يشهدها العالم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، واعتبارا للتحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب بفضل ديناميته المجتمعية وقواه المدنية الاجتماعية والحقوقية، واعتبارا لأهمية المجتمع المدني في رصد التحولات والدفاع عن المكتسبات والترافع من أجل حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها، واعتبارا لفاعلية جمعية الشعلة للتربية والثقافة ضمن النسيج الجمعوي الوطني في ترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان، واعتبار لأهمية شباب هذه الجمعية في النهوض بالثقافة الحقوقية وإشاعتها.
وبعد تدارس الشباب المشارك في هذه الجامعة الحقوقية لمختلف المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وكذا النصوص القانونية الوطنية في علاقتها بالضمانات الحقوقية الدولية، كما تمكنوا في إطار ورشاتهم الحقوقية من رصد حقوق الإنسان ضمن السياسات العمومية، فقد اتفقوا بإجماعهم على التوصيات التالية:
• تفعيل مقتضيات الدستور بشكل كلي وديموقراطي، في أفق إقرارملكية برلمانية.
• تعديل كل القوانين والتشريعات الوطنية، بما يتلاءم مع المواثيق والعهود الدولية.
• تمكين الشابات والشباب من حقوقهم الفردية، بما فيها حرية المعتقد والفكر والرأي...
• فتح المجال للمشاركة النوعية للشابات والشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية... واعتبارهم قوة اقتراحية فاعلة قي إنتاج السياسات العمومية.
• إقرار المساواة التامة بين الشابات والشباب في مختلف الحقوق.
• الإسراع في إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالطابع الرسمي للغة الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة ومجلس الشباب والعمل الجمعوي، بشكل ديموقراطي وتشاركي.
• تعزيز آليات الترافع أمام الشباب والمنظمات الشبابية والحقوقية والنقابية والمدنية بتفعيل الديمقراطية التشاركية.
• احترام الحق في الاحتجاج السلمي للشباب من معطلين وطلبة وعمال وتلاميذ، للتعبير عن مطالبهم وحقوقهم، وتجاوز المحاكمات الصورية والاعتقالات السياسية والتعسفية.
• تحمل الدولة مسؤولياتها الكاملة في توفير الخدمات الاجتماعية بشكل مجاني وبجودة خاصة في مجالات الصحة والتعليم والتكوين والثقافة...
• تمكين الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة من حقوقهم الأساسية المتعارف عليها دوليا.
• تأهيل فضاءات الشباب بمختلف تخصصاتها، باعتبارها مرافق عمومية في خدمة الشباب.
• إحقاق عدالة اجتماعية في إطار الجهوية المتقدمة.
وحرر ببوزنيقة في:22 نونبر 2015
الاضراب العام ليوم 10 دجنبر 2015
الاضراب العام ليوم 10 دجنبر 2015
دعت النقابات أربع نقابات: الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، جناح العزوزي، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب لإضراب عام يوم 10 دجنبر 2015 بعد المسيرة 29 نونبرالتي نظمت تحت شعار:”حكومة لا مسؤولة تغيب إراديا الحوار الاجتماعي والتفاوض” و تأتي هذه الخطوة التصعيدية بعد تعنث الحكومة في الاستجابة لمطالب الطبقة العاملة و خاصة بعد الاستفزازات المتكررة للحكومة في ما يتعلق بملف التقاعد ، حيث قررت تمريره رغما عن النقابات ، و اعتبرت النقابات هذا القرارتقليلا منها. و أكدت قياداتها أنها مستعدة للتصعيد ما لم تستجب الحكومة لمطالب العمال العادلة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)