كيف يُصدق الناس معلومة معينة رغم علمهم أنها خاطئة؟ – ترجمة: محمد الشهري
المكتبة العامة
عندما يجلس معجبو نادي Kansas City Royals أمام التلفاز وهم يعتقدون بعدم وجود علاقة بين قبعاتهم الجالبة للحظ (أو الجوارب أو القمصان) وبين نتيجة مباراة ضخمة في ملعب سيتي فيلد في نيويورك، الذي يبعد عنهم مسافة 1200 ميلا. فإنه لا يمكن إقناع الكثير من هؤلاء المعجبين بمشاهدة المباراة دون ارتداء تلك الملبوسات الجالبة للحظ.
ليس الأمر متعلقا بعدم فهم الناس أن تلك القبعات ليست لها علاقة علمية بنتيجة المباراة (ما عدا المؤمنين بالخرافات) ولكنه يتعلق بوجود طاقة للحدس لا يمكن إلغاؤها رغم لا معقوليتها الكلية.
بالنظر إلى دراسة قام بها طبيب نفسي يُدعى Paul Rozin وبعض زملائه في جامعة بنسلفينيا في 1986 فقد طُلِب من المشاركين في هذه الدراسة إلصاق عبارتين على حاويتي سكر متطابقتين. هاتان العبارتان هما “سكر القصب” و”سيانيد الصوديوم (سُم)”. على الرغم من إعطاء حرية اختيار العبارات فقد كانوا مترددين في استخدام الحاوية التي ألصقوا عليها عبارة “سُمّ”. كان حدسهم قويا بحيث أنه أثَّر على سلوكهم رغم إدراكهم عدم وجود علاقة بين الأمرين.
يعتمد الأطباء النفسيون الذي يدرسون صناعة القرار ونتائجه المباشرة دائما على الفكرة المشهورة التي جاء بها Daniel Kahneman في كتابه “Thinking, Fast and Slow,” وهي أن هناك وضعان (modes) لمعالجة المعلومات: هناك “نظام سريع” وهو حدسي وينتج الانطباعات والأحكام بسرعة وهناك “نظام بطيء” يعمل بتأنٍّ وجهد، ومسؤول عن معالجة ومراجعة مخرجات النظام السريع عندما يعثرُ على خطأ.
في أغلب الأوقات يكون النظام السريع كافيا لنا. عندما تقرر أخذ مظلتك عند خروجك من المنزل فأنت تنظر إلى السماء لترى إن كانت غائمة بما فيه الكفاية كي تمطر. تستخدم خلال ذلك طريقة مختصرة مبنية على التشابه (هل يُمكن أن تُمطر؟) بدلا من التفكير في الاحتمال. هذه الحالة بصفة عامة مثال رائع على مبدأ الحكم بناء على التجربة (rule of thumb).
لكن النظام السريع معرض أيضا للتشويش والأخطاء. إذ تدفعك الغيوم إلى الاعتقاد بأنها قد تمطر وفي نفس الوقت لا تأخذ في حسبانك أنك تزور سان دييقو (بدلا من سياتل) فمن المحتمل أن يكون حكمك قابلا للتشويش. (من الناحية الفنية: أنت تتجاهل القدر الكافي من قاعدة Base rate للحكم السليم على احتمال).
في هذه الحالة يستطيع النظام البطيء التدخل. عندما يُشير أحدهم إلى أن احتمال هطول المطر في سان دييقو ضعيف جدا حتى عندما تكون السماء غائمة جدا، فمن المُفترض أن تُراجع حُكمكَ وتترك المظلة في منزلك فقد وجد نظامك البطيء خطأً وقام بتصحيحه.
ناقش البروفيسور رايزن في إحدى أوراقه المنشورة حديثا في Psychological Review عدة حالات في موضوع الخرافة والتفكير الغامض/السحري حيث أشار إلى أن النظام البطيء لا يعمل بهذه الطريقة دائما. عندما يتوقف الإنسان لوهلة لمراجعة حقيقة كون حدسه الخرافي غير منطقي فإن نظامه البطيء الذي يُفترض أن يصلح الأخطاء لا يقوم غالبا بذلك. يستطيع البشر إدراك أن اعتقاداتهم الخرافية غير معقولة عقلًا لكن تلك الاعتقادات ما تزال موجودة وباقية بقوة متمثلة في سلوكهم. العثور على خطأ لا يقود الناس بالضرورة إلى تصحيحه.
من السهل التعرف على هذا الهوس المعرفي ضمن إطار الخرافة، لكنه ليس محصورا ضمنها. لو تبنى مدرب فريق بيسبول مثلا إستراتيجية أو خطة ill-advised sacrifice bunt فمن السهل افتراض عدم معرفته بأن الرهان سيكون حتما على خسارة إستراتيجيته التي من المحتمل أن تؤذي فريقه. قد يملك كل المعلومات الصحيحة لكنه يختار أن لا يستخدمها بناء على حدسه في ذلك الموقف بالتحديد.
أحيانا يُفاقِم النظام البطيء المشكلة بدلا من إصلاحها فبدلا من أن يجعل قرار المدرب أكثر عقلانية فإنه قد يضاعِف سوء المشكلة بمحاولته عقلنة الحدس عن طريق خلق أسباب تبرر القيام بما قام به لاحقا، على الأقل في هذه الحالة بالتحديد.
بمجرد أن ندرك أن العثور على خطأ لا يقتضي بالضرورة معالجته (هما نظامان منفصلان، وليسا نظاما واحدا كما يُفترض حسب الـ “dual system” models) فإننا في وضع أفضل لمعالجة الخطأ. فمثلا بدلا من أن يوعِز إلى المدرب بأن القيام بتلك التضحية عمل غير عقلاني (وكأنه لا يعلم ذلك أصلا!) فإنه قد يعمل على التوصية بسياسات معينة بما يجب أن يفعله في مثل هذه المواقف قبل فوات الأوان وتشجيعه على الالتزام بها، لكن من الصعب جدا ابتكار عقلانية طويلة المدى لموسم كامل في البيسبول مثلا.
عندما يختار مدرب الفريق إستراتيجية ما بغض النظر عن معرفته بأن الإحصائيات تُشير إلى احتمال خسارة فريقه لجولة، فإنه لا يتَّبع الخرافة. قد يستطيع حتى عقلنة قراره وإقناع نفسه بأن قراره صحيح، لكن ما يقوم به يشبه في الحالة النفسية ذلك المعجب الذي يرتدي القبعة الجالبة للحظ أو لاعب الكرة الذي لا يقف على خط “الفاول”. كلاهما لديه حدس قوي ولكنهما لا يستطيعان خلخلته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق