الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

المدرسة وتحديات المستقبل ـ لحسن الصديق

أنفاس نت


تقديم المترجم:
يتناول الأستاذ" كين روبرسون" المتخصص في التربية والمستشار لدى العديد من المنظمات الحكومية ومدرس الفنون بجامعة (Warwick) عدة قضايا تربوية في هذا الحوار . ويركز بشكل خاص على مشكل بيداغوجي محوري تعاني منه المدرسة الفرنسية بشكل خاص. يتعلق الامر بعدم قدرة النظام التربوي والتعليمي على مواكبة التغيرات والتحديات اتي يطرحها المجتمع المعاصر. فإذا كان المجتمع التقني يوفر آليات متعددة للتعلم كآليات التعلم عن بعد، والتي تمكن الشباب من التعلم بسرعة مهما كانت المسافات التي تربط بينهم، فإن النظام التعليمي الفرنسي الى جانب أنظمة تعليمية أخرى لا زال مركزا على الشكلانية والصرامة في اتباع التقاليد، وهو الامر الذي يجعل الخريجين غير قادرين على التكيف مع متطلبات سوق الشغل. لذلك يدعو كين روبرسون الى إعادة النظر في النظام التربوي الفرنسي من اجل مواكبة المتغيرات الراهنة للمجتمع.

سؤال: تعتبر التربية المثالية هي تلك التربية التي تمكن الفرد من تحقيق ذاته، وان يجد طريق النجاح. لماذا في نظركم تفشل المدرسة في تحقيق هذه الغاية؟
روبرسون كين:  من النادر أن نجد شابا قد استطاع تحقيق ما كان يطمح اليه على مستوى الشهادة الجامعية التي حصل عليها أو المهنة التي يشتغل بها، أي أنه قد حقق ذاته فعلا. إن هذا الاختلاف والتعارض بين ما يطمح اليه الانسان وما يحققه فعلا على أرض الواقع، أو بين الرغبة والميول والانجاز على مستوى الواقع يعكس وجود النظام التعليمي في ازمة. ويمكن ارجاع ذلك الى عدة أسباب من أهمها ان الأنظمة التعليمية قائمة على  نظرة ضيقة ومحدودة حول مفهوم الذكاء، لذلك نجدها تنتج برامج محدودة ومناهج نمطية وتقويمات لا تأخذ بعين الاعتبار الا النتائج النهائية والمعبر عنها بنقطة عددية.
في مقابل ذلك، يجب ان يأخذ نظام التربية والتعليم بعين الاعتبار حالة كل تلميذ على المستوى الذهني بشكل خاص، وعلى المستويات العاطفية والروحية والمادية أيضا... لذلك فالنظام التعليمي الفرنسي يحتاج الى إصلاحات على كل المستويات: البرامج والمناهج البيداغوجية والتقويمات.

سؤال: هل المسؤولية ملقاة على عاتق المدرسة فقط، ألا يمكن القول ان الاسرة أيضا تلعب دورا أساسيا في ذلك؟
روبرسون كين: من الأكيد انها تلعب دورا هاما في هذا الامر، لكن لا ينبغي أن نراهن عليها وحدها. ففي كثير من الحالات لا نترك حرية الاختيار للتلميذ في مجال نوع الدراسة التي يتابعها، وهذا ما يجعل عدة صعوبات تعترضه مثل عدم التلاؤم بين المتطلبات المهنية التي تفرض عليه وقدراته البدنية او الفكرية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطفل يمضي وقتا مهما من حياته داخل المدرسة الذي قد يتجاوز عشرين سنة، فإنه من المفترض أن تقوم المدرسة بإتاحة الفرص له للقيام بكل المحاولات الممكنة، وإذا تطلب الامر ان تتدخل المدرسة لدى الإباء لاقناعهم فيجب ان تفعل ذلك، لكن للأسف، قليلا ما يحدث ذلك... فقد حدث ان رفضت الفرقة الموسيقية لمدرسة ليفربول(liverpool) احد تلاميذها الذي كان (Pqul McCartney) تحت ذريعة ان غناءه سيء.

سؤال: تستشهدون دائما في كتاباتكم بأشخاص ناجحين: بول ماكارتني (Paul McCartney) إلفيس بريسلي (Elvis Presley) و لاري باج (Larry Page) مدير شركة كوكل... لكننا لا يمكن أن نصبح جميعا فنانين او مدراء شركات عالمية؟ 
روبرسون كين: انني اتعمد استحضار هذه الأمثلة او النماذج التي تبرز عدم ملائمة النظام التعليمي في حالته الراهنة مع الحالات الخاصة للتلاميذ، وبذلك يعرض عليهم تحدي مواجهة المدرسة من اجل تحقيق النجاح، لكنني استشهد أيضا بعلماء الرياضيات وعلماء النفس ورصاصين...ونعرف ان ما يمكن من تحقيق سعادة الشخص يمكن من تحقيق سعادة الغير أيضا. انني اعرف المشتغلين في دفن الموتى بالمقابر مقتنعون انه من المستحيل ان يغيروا مهنتهم.

سؤال: يبدو أنكم تتأسفون على أنه {يجب المصابرة من أجل النجاح}، لكن ألا يبدو لك انه في المواجهة والمعاناة تتكون شخصيتنا بشكل أفضل؟
روبرسون كين: إن الامر مرتبط بحالات الأطفال والتلاميذ بصفة عامة، فمنهم من يحتاج فعلا للمواجهة والمقاومة من أجل تحقيق إنجاز. أما الآخرون فهم يحققون النجاح عندما يكون بجانبهم نظام تعليمي يساندهم ويوجههم ويمنحهم الثقة في ذواتهم. إن على المدرسة اليوم، في نظري، أن تعرف كيف تتكيف مع الحالتين معا.

سؤال: تقولون إنه يجب الانتهاء "بأسطورة العودة إلى الاساسات"، أي الى فكرة ان على المدرسة أن تركز خلال السنوات الأولى على القراءة والكتابة والحساب، لكن ماذا يجب ان نفعل مع النسبة الكبيرة من التلاميذ الذين يغادرون المدرسة خلال المرحلة الابتدائية أو حتى الإعدادية دون تحقيق مستوى القدرة على القراءة والكتابة والحساب وهي اساسيات التعلم؟ 
روبرسون كين: لم أقل إنه يجب علينا أن نركز على الاساسات وكفى، بل ان ذلك غير كاف. انني استغرب دائما من الطريقة السريعة التي ينتقل بها الطفل من الفضول المعرفي الى الملل المطلق. إن أهم مشكل يعاني منه التعليم اليوم هو غياب الدافعية للتعلم لدى التلاميذ. فالطفل يظل جالسا اليوم كله. ويطلب منه ان يستمع وان يهدأ وان ينتظر فراغ الأستاذ من الشرح لكي يطلب الكلمة. وهذا كله يتعارض مع فضوله المعرفي الطبيعي. يجب إذن أن يحس التلميذ بالمسؤولية. وذا من بين الحجج التي أركز عليها من أجل تحقيق فعالية جيدة في التعليم والتعلم. إن الاساسات لا ينبغي حصرها في القراءة والكتابة والحساب فقط. أو بمعنى آخر، فهي لا تقتصر على تحقيق الأهداف التربوية والاقتصادية فقط، بل تتجاوزها الى الأهداف الثقافية والاجتماعية والشخصية. ومن اجل تحقيق هذه الأهداف يجب ان يروم التعليم تحقيق غايات متنوعة ومتوازنة تنطلق من الكتابة والقراءة والحساب لتصل الى العلوم الحقة والعلوم الإنسانية مرورا بالفنون بكل أنواعها. بمعنى آخر، يجب الا نرسم في ذهن التلميذ ان تعلم الرياضيات أفضل من تعلم الرقص.

سؤال: لكن كيف يمكن إدماج كل هذه المواد داخل البرنامج الدراسي (cursus) مع العلم أن المدارس في فرنسا تجد صعوبة في إنهاء البرنامج خلال مدة الزمن المدرسي المبرمج؟
روبرسون كين: هناك طرق أخرى لتكييف البرامج يبدو في مقابله التقطيع على شكل مواد دراسية أقل ملاءمة. فلا يمكن اعتبار الرياضيات أفضل من التاريخ أو الموسيقى. يجب ان نفكر ونتخيل صيغ أخرى لخلق حافزية أكبر لدى الأطفال. ان المواد والتخصصات تتغير باستمرار في حين ان انظمتنا التعليمية تقوم بكل هذه الاعمال لجعل اذهان التلاميذ متحجرة لا تتغير. ان المدارس والجامعات التي لا تسعى الى التغيير والتجديد تجد نفسها في النهاية مهملة.

سؤال: كيف تفسرون هذا التفاوت بين الكفايات المكتسبة في المدرسة وحاجات المجتمع؟
روبرسون كين:  إن هذا من بين أهم المشكلات التي اعترض المدرسة خلال السنوات المقبلة. فلماذا يواجه الشباب مشكلة الحصول على فرصة عمل ويبدلون جهدا أكبر من أجل المحافظة عليه؟ لماذا نجد المنافسة بين المقاولات في استقطاب الخبرات ترتبط بصفات وخصائص يقمعها النظام التعليمي؟ إنني أؤكد أن أنظمتنا التعليمية قائمة على نظرة متجاوزة بشكل مطلق من طرف الاقتصاد والمقاولة. فخلال سنة 2010 نشرت شركة IBM دراسة مهمة حول التحديات الكبرى التي ستواجه المقاولات في المستقبل القريب. فقد انطلقت الدراسة من قاعدة معطيات لأجوبة 1500 مسؤول في مقاولة ينتمون الى حوالي ستين بلدا ويمثلون أكثر من ثلاثين قطاعا. كانت النتائج واضحة ومعبرة: تمحورت الأجوبة حول قدرة المقاولة على التكيف مع المتغيرات من جهة، ومن جهة أخرى أثارت مسألة الابداع والقدرة على التطوير. ونتساءل ماذا تفعل المدرسة من اجل الاعداد لذلك، إذا كانت لا تزال تركز على الشكلانية في غياب روح وثقافة الابداع؟

سؤال: هل تعتقدون أن مجتمعنا جاهر ومستعد للتغييرات في النظام التربوي التي تقترحونها؟
روبرسون كين: إنني، حينما أتأمل في النظام التربوي الفرنسي وألاحظ أنه لم يستطع التغير والتحرك إلا بمقدار ضئيل منذ القرن التاسع عشر ولم يستطع التكيف مع رهانات المجتمع اليوم، أشعر بنوع من الإحباط، لكن في مقابل ذلك هناك أسباب وجيهة تدعونا للشعور بنوع من الامل. ان الذهنيات لا تتغير خلال ليلة واحدة، فوزن العادات والتقاليد لن يرتفع بين عشية وضحاها. إن الأمور في نوع من التطور، ولو أنه بطيء شيئا ما. لنلاحظ مثلا كيف تغيرت الذهنيات بخصوص مسألة " الزواج للجميع". من كان يعتقد قبل عشرين سنة أن بإمكان شخصين من نفس الجنس أن يتزوجا؟
ان بإمكاننا اليوم الرهان على مجموعة من الآليات لتغيير الذهنيات تجاه المدرسة. فالأعداد الضخمة من الدورات التكوينية المفتوحة على شبكة الانترنت، والتي تركز على دمج التخصصات وتنتج طرقا جديدة للتعلم، نماذج يمكن الاستفادة منها.

أجرت الحوار: الصحفية Victoria Gairin .
نشر الحوار باللغة الفرنسية في مجلة لوبوان الفرنسية: Le Point Reference n de octobre-novembre 2016, p 82-83

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق