الخميس، 14 أبريل 2016

المنهاج التعليمي وعوائق بناء الاستاذ نشيد مكي




تدريس الدين
من وجهة نظر قطعية لا عقلية
يقدم الكتاب المدرسي من خلال مجموعة من النصوص والأنشطة المرفقة بها صورة مدحية تفضيلية، وتمجيدية دفاعية عن الإسلام باعتباره الدين الشامل والجامع لمختلف القضايا الإنسانية، والحلول لمشاكلها المطروحة، الدين الصالح للبشرية جمعاء في أي زمان وبأي مكان، كما يقدم عبر حمولة عاطفية صورة عن المسلم المثال الذي يشكل نموذجا للاحتذاء، يجعل المتلقي المتمدرس يتماهى في شخص ذلك النموذج على انه القدوة الصحيحة التي لا يخيب من احتذى بخطواتها حذو النعل بالنعل، وسار على نهجها المستقيم. ودون الحاجة بعرض أمثلة عن ما يعتبره الخطاب المدرسي نماذج من السلوك صالحة للاقتداء، منتقاة في شكلها ومضمونها عن تمثلات في الثقافة السائدة لدى فئات عريضة من أفراد المجتمع المغربي، يتم تداولها إلى درجة التقديس على شكل صور أو نماذج سلوكية لشخصيات منتقاة عن السلف (الصالح).
وفي الجانب السلوكي نجد أن الكتاب المدرسي يسعى، أحيانا بشكل واضح صريح، وأحيانا أخرى بشكل ضمني غير معلن، إلى تنميط السلوك لدى المتعلمين على منوال تلك النماذج المختارة سلفا، والتي يقدمها الدرس التربوي الديني كنموذج وحده المفضل للتمثل والاقتداء.
وتطبيقا لذلك، نجد الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية، ولكي يحقق الهدف الذي يرمي إليه من خلال العمل على تنميط الشخصية حسب النموذج المفترض، فإنه، في واحد من بين الدروس المقررة في الكتاب المدرسي اتخذناه كنموذج، يعتمد، كمنطلق للدخول إلى الدرس، على صيغة لوضعية بيداغوجية تم بناؤها كأرضية انطلاق لمعالجة موضوع يتعلق، حسب ما جاء في الكتاب المقرر، بـ "أثر الإيمان في تنمية الحس الجمالي"، وهو موضوع يهدف في اختياره إلى ربط الحس الجمالي بالسلوك لدى الناشئة، حيث يصير، بذلك، السلوك معيارا لتقييم درجة الإيمان لدى الأفراد بمعزل تام عن الأصل الدلالي لمفهوم "الحس الجمالي" الذي يعود في جوهره إلى المجال الفني كإبداع مرتبط بما لدى الإنسان من قدرات طبيعية على التذوق الفني من حيث هو تعبير عن الإحساس الوجداني بكل ما هو جميل بغض النظر عن الشكل أو المضمون، أو الموضوع الذي تجسد فيه ذلك الجمال. وكمنطلق لمعالجة هذا الدرس تمت صياغة وضعية الانطلاق التي جاءت كما نعرضها في التالي ؛"دخل أخوان إلى البيت بعد عودتهما من المدرسة، سلم أصغرهما على أمه، في حين توجه الآخر إلى المطبخ وكل همه البحث عن الأكل !) ( .الأسئلة؛ ما رأيك في هذين السلوكين؟ وكيف يؤثر الإيمان في جمال السلوك؟" . يتمثل الهدف التربوي لهذه الوضعية في الربط بين الإيمان وتنمية الحس الجمالي لدى التلميذ اعتمادا على الآية"وإنك لعلى خلق عظيم". وقياسا على الأهداف التي حددت للدرس والتي نعرض منها كنموذج "إدراك أثر الإيمان في سلوك الإنسان" و "تحديد بعض مظاهر السلوك الجميل والسلوك القبيح"، كان من الطبيعي أن تكون نتيجة الحكم على الأخ الأكبر، هي أن إيمانه ضعيف إن لم يكن منعدما، ذلك لأنه، حسب منطوق النص، ومعايير السلوك التي اعتمدتها تلك الأهداف (الإجرائية)، قد أتى سلوكا قبيحا يتمثل في الذهاب توا إلى المطبخ بدل السلام أولا على أمه. ونتيجة لذلك، فإن الأخ الأكبر سيكون في حاجة إلى عملية دعم كي يتم تقويم سلوكه حسب النمط المحدد في الأهداف، وهو المتمثل في سلوك الطفل الأصغر كنموذج معياري للسلوك المفضل؛ ولعل مثل هذا الحكم الذي يصدر عن كتاب تربوي مقرر بصفة رسمية من طرف الدولة في حق طفل في مثل هذا السن، يحتم علينا طرح بعض الأسئلة حول مدى شرعيته تربويا قبل أي شيء آخر، أي بغض النظر عن المعيار الديني أو الأخلاقي؛ فبأي منطق إذن نصدر حكما قاسيا بهذا الحجم على طفل صغير لازال لم يطله بعد حكم التكليف الشرعي في الإسلام؟ وماذا لو كان الجوع قد أخذ منه مأخذا؟ بل وماذا لو كان له رأي آخر في موضوع علاقته الخاصة بأمه ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار؟ ومتى كان السلام، أو تقبيل الوالدين مؤشرا على صدق الإيمان، أو أن هذا السلوك وحده يمثل عربون احترام ومحبة لهما؟ ألا يمكن أن يكون هذا مجرد أسلوب لتنشئة الطفل، باسم الإيمان بمعناه الديني، على الخضوع للكبار، يبدأ بالخضوع قسرا للوالدين أولا، لينتهي بالخضوع طوعا إلى من هم أبعد وأعلى منهما مقاما؟ ألا يمكن القول بأن استعمال الإيمان في هذا السياق هو إخراج له من حقله الديني المحض، واستعماله في حقل أخلاقي حيث يعتمد كمعيار لتقييم سلوك بشري تحكمه قيم اجتماعية تعتمد معايير نسبية في أحكامها، معايير قابلة للصحة والخطأ، للتقويم والعلاج، معايير تتغير وتتجدد حسب متغيرات الزمان وأحوال المكان؟
وبالتأكيد، إن هذا الشكل من الربط التعسفي في العمل التربوي بين الإيمان بحمولته الدينية، والسلوك بمعناه الخلقي، سينتهي بالناشئة إلى عدم تملك القيم برمتها، وإلى أن يحصل لهم سوء في الفهم والتمييز بين مضامين القيم سواء من حيث الفهم العقلي، أو من حيث التطبيق العملي، لأن من شأن مثل هذا الاستعمال للقيم أن يؤدي إلى اختلاط في أذهان الناشئة بين معانيها ومضامينها، وبين ما يمكن أن يتجسد منها فعليا ليمكن أن يدرك، ويلاحظ سلوكيا ليمكن أن يقاس.
ولعل ما نعيشه في وقتنا الراهن من نشاز في السلوك، ومن تراجع في القيم الاجتماعية والثقافية، هو انفلات تبرز معالمه في ما أصبحنا نلاحظه ونشتكي منه اليوم من تنام لظواهر اجتماعية مشينة يزداد فيها العنف حدة، والتعصب انتشارا، والتطرف تمددا واتساعا، وهي الظواهر التي أضحت تهدد الاستقرار العام لنا جميعا، ليس كدولة فحسب، وإنما كأفراد ومجتمع ووطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق