الاثنين، 25 أبريل 2016

إشكالية الموقف من التراث ـ نصيرة مصابحية

أنفاس نت



يعد التراث من أهم المفاهيم والقضايا التي انشغل بها الفكر العربي الحديث والمعاصر وحاول معالجتها من خلال اخضاعها  لمجموعة من  الآليات والمناهج النقدية، بغية مقاربتها مقاربة علمية دقيقة وذلك   منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقد تعددت القراءات واختلفت حد التناقض والتضارب ،ما احدث خلخلة في البنى المعرفية المتأصلة في الثقافة العربية وساهم في حركية الإبداع  بمختلف أنواعه  سواء كان نقديا أو فلسفيا وشعريا ....الخ ،   وبغض النظر عن مرجعيات هذه  القراءات وتنوعها ، نستطيع القول أن الفكر العربي في هذه المرحلة استطاع أن يحقق ذاته من خلال بعض الممارسات والمشاريع النقدية والفكرية الجادة التي ساهمت في إثراءه لكن الشي الذي يعاب على هذه الخطابات  وعلى بعض المشاريع  ،انها اهتمت بالتراث من حيث انه زخم معرفي او تراكمي ،تتحدد اهميته وفق مبدا براغماتي  ساذج مركب من موقفين :الاول ينبني على فكرة مالذي نستطيع اخذه من التراث؟وهوموقف انتقائي من خلاله يحاول الباحث او الناقد او المفكر ان يستند الى قاعدة معرفية اصيلة لبناء مواقفه ودعمها ،اما الموقف الثاني فيرتكز على محاولة البحث عن البديل في هذا التراث من اجل اثبات الذات امام الاخر /الغربي .
ولعل هذا الموقف الارتدادي النفعي الذي يخدم جزءا ضئيلا من عملية البحث ليس الا نبشا سطحيا لا يقدم الحقيقة المطلقة ولا يساهم في بلورة رؤية نقدية رصينة بقدر ما يعمل على بتر هذه  الحقيقة وتشويهها ،لذلك من المفروض ان نتعامل مع ذلك الزخم المعرفي على انه وحدة كرونولوجيا  مسترسلة وقائمة بذاتها ، تبدا من الماضي لتستقر في الحاضر والمستقبل ،او بمعنى اوضح لا يجب علينا ان نتعامل مع هذا التراث  على انه مرحلة منتهية في الزمن ونحكم عليه بان يظل رهين صفة الماضي وحبيسه  ، بل يجب علينا اعادة ربط السلسلة المعرفية حتى تؤصل لقراءة واعية ومنهجية بعيدا كل البعد عن الموقف البراغماتي الساذج .
وهو ماحاول جابر عصفور طرحه من خلال ثلاث محاور "مالتراث ؟"  "كيف نقرا التراث؟" "ولماذا نقرا التراث؟" وقد سعى بذلك الى اعادة قرائته قراءة جديدة ،من اجل اضاءة جوانبه المسكوت عنها والمغيبة تحت براثن القراءات النمطية واعادة هيكلته وفق قانون الكشف الشامل ،لانه يرى ان الذين مارسوا فعلا القراءة "لم يمارسوا هذه الاسئلة بل مارسوا سؤالا اخر هو ماذا في التراث "1
فالتراث في ظل اختلاف بعض المشاريع الفكرية والنقدية يجب ان  ينتظم داخل بوتقة الوعي العربي على اعتبار انه مكون  معرفي  له تمركزه الخاص   داخل الثقافة العربية  ،بحيث يمارس وجوده من منطلق الاستمرارية والتواصل لا من منطلق التحقيب السياسي والتاريخي والادبي ، هذه التحقيبات التي بخسته  حق التفاعل  والإشعاع وحولته  الى مجرد  كتلة  معرفية  محدودة  .
وعليه فان التعامل مع التراث يشكل بصورة ضمنية او صريحة مفهوم الحداثة في الفكر العربي اذا لا نستطيع الحديث عن التراث دون رصد الجوانب الحداثية التي يتمركز من خلالها كارث له تجلياته الواضحة على جسد المكتوب والمنطوق ،وهذا معناه التاكيد على تلك القوة الخلاقة التي تحيلنا على التفاعل وتكرس للفاعلية ،ومن هذا المنطلق فقد حاولت الساحة الفكرية والنقدية العربية –كما سبق القول – ان تقارب التراث من خلال منهجيات ومقاربات مختلفة حيث ،"يمكن الحديث عن قراءات متعددة للتراث العربي الإسلامي، منها: القراءة التراثية التقليدية كما عند العلماء السلفيين، وهم خريجو الجوامع الإسلامية (الأزهر - جامع القرويين - الزيتونة)، والقراءة الاستشراقية التي نجدها عند المستشرقين الغربيين من ناحية، والمفكرين العرب التابعين لهم توجهاً ورؤيةً ومنهجاً من ناحية أخرى، والقراءة التاريخانية كما عند المفكر المغربي عبدالله العروي، والقراءة السيميائية كما عند محمد مفتاح وعبد الفتاح كليطو...، والقراءة التفكيكية كما عند عبدالله الغذامي وعبدالكبير الخطيبي...، والقراءة التأويلية كما عند نصر أبو زيد ومصطفى ناصف...، والقراءة البنيوية التكوينية كما عند محمد عابد الجابري وإدريس بلمليح –مثلاً-"2
ولعل اختلاف هذه المقاربات وتنوعها يعود للاهمية البالغة لهذا التراث في بناء الثقافة العربية المعاصرة  في مختلف المجالات الفكرية والمعرفية والادبية ،ودوره الكبير في المحافظة على الهوية وتحقيق استقلالية معرفية خاصة . ويعتبر موضوع التراث من اكثر المواضيع غموضا نتيجة لثراءه وتشعب مواضيعه التي تحولت الى حقول ملغمة تطرح الكثير من التساؤلات وتثير الكثير من القضايا التي يصعب حلها او الاجابة عنها من خلال دراسة او اثنين ،ولعل الحديث عن التراث بمفهومه الواسع على اعتبار انه مجموعة من النصوص يدفعنا للحديث عنه كخطاب، لكن  ليس في بعده اللساني وانما في بعده الفكوي ،وهذا حتى نتحدد ضمن مفهوم اجرائي يساعدنا في البحث عن مرتكزات هذا التراث ،اذ ان " ...كل خطاب ظاهر، ينطلق سرا من شيء ما تم قوله، وهذا الماسبق قوله ليس مجرد جملة تم التلفظ بها، أو مجرد نص سبقت كتابته، بل هو شيء لم يقَل أبدا، إنه خطاب بلا نص وصوت هامس همس النسمة، وكتابة  ليست سوى باطن نفسها...فالخطاب الظاهر ليس في نهاية المطاف سوى الحضور المانع لما لا يقوله ."3
والبحث في الخطاب من هذا المنطلق هو بحث في سلطة هذا الخطاب في حد ذاتها  ومحاولة تفتيته واعادة بناءه بما يتوافق والرؤية  المعاصرة ،والسلطة التي نتحدث عنها هي سلطة ايجابية اذ لا يجب علينا ان نتخيل "عالما للخطاب مقسما بين الخطاب المقبول والخطاب المرفوض او بين الخطاب المسيطر والخطاب المسيطر عليه ،بل يجب ان  نتصوره كمجموعة عناصر خطابية تستطيع ان تعمل في استراتيجيات مختلفة لان الخطابات كتل او عناصر تكتيكية في حقل علاقات القوى قد تكون هناك اشكال متباينة منها وحتى متناقضة داخل الاستراتيجية   الواحدة نفسها وبالعكس يمكن ان تتنقل هذا الخطابات بين استراتيجيات متناقضة دون ان يتبدل شكلها ".4
ويحيلنا هذا القول الى ان الخطاب تتعدد اشكال تمظهراته وتختلف ،اذ تتناسل الخطابات فيما بينها وفي بعض الاحيان تنصهر لتشكل سلسلة متصلة تفرض نفسها ككل وكلحمة واحدة ،وبهذا يتموقع الخطاب في اطار النظرة الشمولية حيث يمارس ثنائية التجلي والخفاء ، ويغوص عميقا في التركيبة العامة من خلال اللغة التي تؤسس لمفهوم الاختراق الدائم وبذلـك يمتد تحليل الخطا ب من الآفاق اللسـانية والتداولية إلى ميادين واسعة، ترتبط بالأنظمة الثقافية،  التي تنتج المعرفة وتوجهها، وتقنن تـداول مكوناتها، وتبسـط هيمنتها ومفاهيمهـا.
اذا فالخطاب ليس " لغـة تضـاف لهـا ذات تتكلمها ،بل هو ممارسـة لها أشـكالها الخصوصية مـن الترابط والتتابـع"5.
فالتراث معنى لموروث منقول عن الاجداد وهو معنى  وليد دفعت اليه المعرفة الحديثة ،ولا ضير ان  نقول ان التراث في اقرب تجلياته يتداخل مع مفهوم الموروث،ومن يتأمل الدلالة المعجمية لكمة التراث  يجدها  مشتقة من فعل ورث، ومرتبطة دلاليا بالإرث والميراث والتركة وما يتركه الرجل الميت لأولاده. وفي هذا يقول ابن منظور: "ورث الوارث: صفة من صفات الله عز وجل، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم، والله عز وجل يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. أي: يبقى بعد فناء الكل، ويفنى من سواه، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له. ورثه ماله ومجده، وورثه عنه ورثا ورثة ووراثة وإراثة. ورث فلان أباه يرثه وراثة ومِيراثا ومَيراثا. وأورث الرجل ولده مالا إيراثا حسنا. ويقال: ورثت فلانا مالا أرثه ورثا وورثا إذا مات مورثك، فصار ميراثه لك.."6
من خلال ماسبق نستطيع القول ان مفهوم التراث لم يتبلور في الثقافة العربية القديمة بمفهومه الحداثي بل كان رهين معنيين الاول مادي ويتمثل فيما تركه الميت لورثته ،والثاني معنوي متعلق بالنسب ، ويرى الدكتور محمد عابد الجابري ان العرب قديما لم بتوصلوا الى المفهوم الحضاري لكلمة التراث بمعناها الحديث وان المحدثين لم  يوطفوا هذه الكلمة بحمولتها المعجمية القديمة  وانما كانت بمثابة التوظيف المجازي للدلالة القديمة كما ذهب في ذلك الدكتور جميل حمداوي
  اما الجابري فيرى ان القراءة الحديثة للتراث يجب ان ترتكز على آلية  الكشف عن طبيعة القراءات السائدة في الفكر العربي التي تحاول مقاربته،ويرى بان  هذه المقاربات ماهي الا اصداء لمواقف اصحابها  حيث عجزت عن تقديم رؤية علمية متكاملة لهذا التراث وغيبته في اطار التحيز واللادقة  ، وقد وصفها بانها  قراءات  تفتقر للموقف  النقدي والنظرة التاريخية ومن بينها  الموقف الايحيائي او القراءات التقليدية التي تهدف الى  إعادة إنتاج التراث وفهمه وفق المناهج  التراثية بعيدا عن الحداثة ومناهجها. والقراءة الاستشراقوية  التي تعكس جوهر الاستعمار الثقافي والمركزية الأوروبية في التعامل مع التراث العربي الإسلامي،والقراءة 
الماركسية التي تدخل في تشكيل حضور التراث بمفهوم أيديولوجي وعليه فقد تحولت الماركسية من منهج علمي تطبيقي الى منهج مطبق يبحث عن كليات نظرية واثبات صحتها في مقولات واتجاهات ثورية فكرية وسياسية.
ويخلص الجابري أن كل هذه المناهج المختلفة التي تلتقي شكليا في سماتها  المعرفية الأساسية؛ تفتقر للموضوعية، كما انها  تفتقر للنظرة التاريخية ، "فمن هيمنة النموذج الأوروبي أو الغربي على القراءات الليبرالية والماركسية الى هيمنة النموذج التراثي على القراءات السلفية لأنها مؤسسة على آلية قياس الغائب على الشاهد، والنتيجة المنطقية التي وصلت إليها هذه القراءات هو إلغاء الزمان والتطور أولا بسبب لا تاريخية الفكر العربي الذي تتعامل معه ، وثانيا بسبب الافتقار إلى الموضوعية بسبب هيمنة الموضوع على الذات واحتواء التراث للذات العارفة أو المفكرة".7
وقد انتهى الجابري الى ان جميع  جميع القراءات المعاصرة للتراث قراءات مرفوضة كما فعل فيما بعد في كتابه "الخطاب العربي المعاصر"  الذي حاول ان يطرح فيه المنهج  البديل والمناسب لتحقيق النهضة العربية .
ويتضح في الاخير ان مقاربة التراث لا تكون الا من خلال  قراءة موضوعية تحقق للموروث استمراريته المعرفية  في الحاضر والمستقبل بعيدا عن التصنيف والذاتوية و  الادلجة المغرضة .
الهوامش :
1-جابر عصفور : الاحتفاء بالقيمة ،دار المدى للثقافة والنشر لبنان بيروت ،دط ،2004
-2 - جميل حمداوي :اشكالية التراث والمنهج عند محمد عابد الجابري مجلة الكلمة مجلة الكلمة العدد    77 سنة 2012
3-نور الدين السد: الأسلوبية وتحليل الخطاب ، دار هومة ، دط ، 1997 ، ج2 ، ص80.
4-الزاوي بغورة : الفلسفة واللغة ، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت لبنان ، ط1،2005 ص 287
5- ميشال فوكو : جنيالوجيا المعرفة ، ترجمة احمد السطاتي وعبد السلام بن عبد العالي ،دار توبقال للنشر ، الدار البيضاء المغرب ص 18
-6 - ابن منظور: لسان اللسان ، تهذيب لسان العرب، هذبه بعناية: المكتب الثقافي لتحقيق الكتب، تحت إشراف الأستاذ عبد أحمد علي مهنا، الجزء الثاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:728-729
7-زهير توفيق: نظرية التراث عند محمد عابد الجابري مدونة زوهير توفيق26مارس 2012

الاستاذة نصيرة مصابحية :جامعة محمد الشريف مساعدية سوق اهراس

متى يعلنون وفاة المدرسة العمومية المغربية ؟ ـ حسن طويل

عن أنفاس نت


"التعليم ان لم يكن تحويلا اصبح موتا للعقل و السلوك و الابداع " ( هكذا تكلم عبد الله القصيمي ، ع اللطيف الصديقي)
لقد تحولت المدرسة العمومية المغربية عبر مسلسل من " الاصلاحات" الى مؤسسة مسخ تحتوي على جميع العوامل لإنتاج الفشل . فمنذ " الاستقلال " ، اعتمد المغرب لمقاربة قضية التعليم على رؤية ترتكز على تضخيم مفاهيمي بدون قوة مادية له و على تصور ليبرالي متوحش بدأ خجولا ثم تطور حتى اصبح في المرحلة الاخيرة منتفخا ووقحا .اما على مستوى المناهج والبرامج و طرق التدريس فقد تم التأسيس المعرفي والسلوكي لفصام ثقافي ووجودي ،عبر مقولة الاصالة والمعاصرة، و الذي برمج المتعلم المغربي وحوله الى  كائن بدماغين ؛ احدهما عميق ذو برنام تقليداني ، والآخر سطحي تابع للأول ذو شكل حداثي. فالتعليم المتخلف "يشوه المتعلمين و يحولهم الى عاهات انسانية و تعبيرية شاملة ضاجة بالقبح و العجز و السخف "( القصيمي، المرجع السابق ).
إن الإصلاحات التي عرفتها المدرسة المغربية منذ 1957 والتي كان الهدف منها تأسيس المدرسة الوطنية عبر المبادئ الاربعة المعروفة : التعميم ، التعريب ،المغربة و التوحيد ، مرورا بمختلف الاصلاحات الاخرى خاصة محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي يعد خارطة الطريق بالنسبة للمسؤولين على هذا المجال و مختلف المحطات البعدية الاخرى وو صولا للتدابير ذات الاولية ، تتقاطع جميعها في خيط ناظم لعل حلقاته المهمة هي :
اولا : خضوع  هذه الاصلاحات لرؤية سياسية ايديولوجية في  محاولة لإرضاء المكونات السياسية  المهيمنة لكل مرحلة ، ولو على حساب التصور العلمي للاصلاح ، والذي ينطلق من مقاربة واقعية و شمولية وواضحة و متعددة الابعاد تحدد للحاجيات الحقيقية للبلاد في مجال التربية والتكوين و تسطر اهداف و طرق و ادوات لانجاح  هذا  الاصلاح ضمن منظور يعتبر المدرسة المغربية ليس مجرد كمية مال تنفق، بل إستثمار في العنصر البشري وبالتالي في التنمية ؛
ثانيا : اعتماد هذه الاصلاحات على جهاز مفاهيمي مضخم خاصة في مراحلها التأسيسية ،  في طقوس من تقديم الولاء للمفاهيم وكأنه يعتقد في راي القائمين على الاصلاح انه بترديد المفهوم سيصبح له فعل في الواقع . في تكريس لماركة مسجلة في الخطاب السائد في المغرب سياسيا وثقافيا واجتماعيا يمكن تسميتها " بشعوذة المفاهيم " عبر الاعتقاد بوجود قوى خارقة  في المفاهيم ، يكفي ترديدها لتصبح واقعا بالفعل ؛
ثالثا : الحب الباتولوجي لإعادة انتاج ظروف افشال مشاريع الاصلاح ، حيث يتم وضع هذه المشاريع و تغييب الادوات الحقيقية لانجاحها ،فيتم بذلك افراغها وتحويلها الى مجموعة نوايا او مشاريع فشل باحتمالية عالية . وهذا ما يفسر كثرة المشاريع وبؤس النتائج ؛
رابعا : حول مرضي في الاصلاح ، وذلك بترك الاولويات والحاجيات الحقيقية والتسويق لأوهام مرتبطة اكثر بحسابات إقتصادوية ضيقة اكثر منها مجالات حقيقية للاصلاح؛
خامسا : مقاربة الاصلاح بتصور نيوليبرالي متوحش اقتصاديا و برؤية متخلفة للبرامج والمناهج وانظمة التقويم وطرق التكوين والتدريس ....
سادسا : السعي المرضي للحصول على درجات في المؤشرات الكمية للتعليم ( هناك فشل ذريع رغم كل الادعاءات ) على حساب النوع والكيف ؛
سابعا : عدم وجود براديغم للاصلاح يكون هدفه تحويل المدرسة الى مشتل لانتاج التنمية و سيادة الثقافة العلمية لمحاربة التخلف و الرداءة الفكرية عبر تعليم يعلمنا كيف  نفكر ونتحرك  ونتساءل و نتغير و نشك  في بداهاتنا  لنبدع و نتجدد ، وليس تعليما تنميطيا حشويا يقينيا يكسب المتعلم كفايات السكون و معاداة  السؤال والشك والخوف من الجديد والتقدم والتغيير  .
إن المتأمل لتاريخ الاصلاح في المغرب و تطور المدرسة المغربية سيلاحظ لامحالة ، تدهور المدرسة العمومية و تكاثر جراحها من بؤس في البنيات التحتية و تخلف على مستوى البرامج والمناهج وتقهقر المخرجات و عدم مسايرتها للتطورات التي فرضتها التحولات العالمية وبالتالي تحويلها شيء فشيء الى مؤسسة مثخنة بالأمراض تنتظر دورها لتحتضر . حيث ستكون الاصلاحات المطروحة اخيرا، بمثابة رصاصات اللعبة الروسية المعروفة،  لما تبقى من المدرسة العمومية و ذلك عبر الوقاحة الاستعراضية للتفرس النيوليبرالي الذي تعرفه : الكلام على الغاء المجانية ، مبدا التعاقد في التوظيف في المجال ،  الانسحاب من الادوار الاجتماعية للدولة ،  بؤس البنيات التحتية والخدماتية للمدرسة ،الاكتظاظ في المدارس، سيادة العنف المدرسي ، غياب الدافعية لدى لمدرسين والمتعلمين ، انسدادا الآفاق ...
ان التعليم هو احد المفاتيح الاساسية لتقدم المجتمعات ، وكل تأخر في اصلاحه اصلاحا حقيقيا مبنيا على تصور يعتبره ضرورة وجودية للتنمية و التطور باعتباره احد مصانع إنتاج الثروات البشرية ، بدل التفكير النيوليبرالي المشوه والضيق والذي تعتمده  سلطات التربية والتكوين ببلادة لدينا ، سيقامر بالوطن والمواطنين ليربح تجمعا لأغلبية من الرعايا المعوقين نفسيا و معرفيا ووجوديا ، واقلية من المفترسين الذين يجدون متعة باتولوجية للعيش من دماء هذه الاغلبية ماديا ومعرفيا ووجوديا عبر المتاجرة بالبؤس والتخلف والتجهيل .

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

ما هو التعليم الأخضر ؟ و ما هي أهم أدواته ؟ الكاتب : عيسى أحمد الفيفي

عن موقع تعليم جديد


من المصطلحات التي بتنا نلحظها في السنوات الأخيرة في ظل العناية بالنظام البيئي والبعد عن الملوثات الصناعية وترشيد الاستهلاك المتنامي للطاقة، رمزية وشعار الأخضر أو الخضرنة، كالمباني الخضراء والنقل الأخضر والزراعة الخضراء.. وليس ببعيد عن ذلك، شرعت اقتصاديات التعليم في الدول المتقدمة في اعتماد تقنيات وتطبيقات وسلوكيات وأدوات تهدف إلى المحافظة على البيئة والمساهمة في خفض الاعتماد على المنتجات والممارسات التي تثقل كاهل وزارات التعليم مادياً وزمنياً وصولا إلى المتعلم. وإضافة إلى ما سبق برز مؤخراً مصطلح خضرنة المقررات وتخضير التعليم كمشاريع مستقبلية تهدف لتعليم أخضر.

1- تعريف التعليم الأخضر

   إن التعليم الأخضر أو ما يسمى بالمدرسة الخضراء أو الجامعة الخضراء، هو التعليم العصري الذي يسعى إلى التنمية المستدامة ومواكبة التطور التكنولوجي والإستفادة منه في سائر عناصر العملية التعليمية بكفاءة عالية ونواتج متميزة، وفق معايير صديقة للبيئة. فهو بذلك يطور شقين: الشق المتعلق بالبرامج البيئية من مبان وطاقة وتشجير وخدمات، وهذا الجانب نجده بشكل واضح وجلي  في كثير من دول العالم العربي، و قد بدأ تطبيقه منذ عدة سنوات. وأما الشق الآخر فهو كل ما يركز على العملية التعليمية بالتقنيات والتطبيقات والاستراتيجيات والممارسات المرتبطة بمفهوم التعليم الأخضر، وقد بدأت كثير من الدول في اعتماده في مؤسساتها ونظامها التعليمي.
  ومن فوائد هذا النظام اعتماد تقنيات لترشيد استهلاك الطاقة الناتج عن استخدام أجهزة الحاسوب والإضاءة والتكييف وغيرها، فضلاً عن استخدام التقنيات التعليمية  بطريقة سليمة بيئياً، واقتصادية في الجهد والوقت، وكذلك التحول الجذري إلى الخدمات الإلكترونية بغية الاستغناء عن استخدام الورق والكتب الدراسية، وتقليص مراكز التدريب بتفعيل التدريب عن بعد، والإستفادة بشكل فعال من تقنيات التعليم الحديثة، مما له الأثر الأكبر على:
  • جودة التعليم وتوسيع مدارك الطالب والتواصل المباشر والنشط بين الطالب والمعلم.
  • تنمية مهارة الإبداع والاستكشاف لديه والبعد عن روتين التعلم التقليدي.
  • اطلاع ولي أمر الطالب بشكل مستمر ودقيق على مستوى ابنه الدراسي.
  • تحويل الفصول التقليدية إلى عالم افتراضي يحاكي الواقع.
  • خلق فضاء تفاعلي بإمكانيات مثيرة ومثرية لتفكير الطالب ومعرفته في آن واحد وفي ظل بيئة صحية وآمنة.
ومن خلال النقاط السابقة، سنعيد هندسة التعليم بأسلوب يتواءم مع التطور العلمي والاقتصادي المتنامي الذي يشهده العالم اليوم.

2- أدوات التعليم الأخضر

green ed-soc
   كمثال على التطبيقات والتقنيات التي تعتمد نظام التعليم الأخضر، نظام البرمجة الذكية  (Smart Computing ) لتصميم برامج وتطبيقات ذكية للإستفادة منها في العملية التعليمية، والتعليم بالأيباد وما شابهه من الأجهزة اللوحية كبديل عن المقررات الورقية، ويسهل بذلك تطبيق نظام Byod في التعليم بالمدارس، والذي يمكن الطلاب من استخدام أجهزتهم الشخصية دون الحاجة لمعامل الحاسب الآلي، وكذلك المعامل الافتراضية للإستفادة منها في مواد الكيمياء والفيزياء والأحياء وغيرها من التخصصات الطبية والصناعية.
 كما أن المنصات التعليمة والاجتماعية مثل إدمودو والتي توفر بيئة آمنة للاتصال والتعاون، وتبادل المحتوى التعليمي وتطبيقاته الرقمية، تعتبر أيضا من الأدوات التي تعتمد فلسفة التعليم الأخضر و تشجع عليه، و قد سبق لنا أن تحدثنا في تعليم جديد عن ماهو إدمودو وكيف يستفيد منه طلاب اليوم؟، كما قمنا في مقال آخر بشرح كيفية استخدام ادمودو Edmodo . إلى جانب المنصة التعليمية جوجل classroom  التي تتيح للمدرسين الاستغناء تدريجيا عن الأوراق عند تقديم المواد التعليمية و تقييم الطلاب، كما أنها وسيلة أيضا للتعاون الافتراضي و التوجيه التربوي الفعال و المتابعة الدراسية المستمرة.

الجمعية المغربية لحقوق الانسان


الجمعة، 15 أبريل 2016

اللغة بيت الوجود: تصور مارتن هيدجر للغة ـ رشيد إيهُــومْ عن أنفاس نت




يعتبر تصور مارتن هيدجر للغة من بين أهم وأعمق التصورات التي اهتمت بمفهوم اللغة وحاولت الكشف عن ماهيتها ،بعيدا عن التأويلات الميتافزيقية التي سادت التفكير الغربي منذ أفلاطون .وبدأ اهتمام هذا الفيلسوف باللغة منذ سنة 1916 ضمن أطروحته للدكتوراه حيث تناولها في الإطار العام لمشكل المقولات المنطقية التقليدية.سيستأنف هيدجر مقاربته للغة في مؤلفه الأهم الوجود والزمان الصادر سنة 1927حيث سيعتبرها كنمط من أنماط وجود الدازين. وفي مرحلته الأخيرة أي بعد المنطعفKehre  فكر أكثر في ماهية اللغة. ولنرى كيف قاربها في كتابه الوجود والزمان:
 إن المعنى هو الذي يؤسس اللغة أو القول الذي هو تحديد عيني للكلام وبه يعبر عادة. وبدون اللغة لن تكون الأشياء أبدا هي ما هي عليه، ذلك أن اللغة هي التي تستدعيها وتعطينا القدرة على استدعائها  كما يوضح ذلك هايدجر في كتابه الوجود والزمان"إن الكلام ينبغي أيضا ان تكون  له من حيث ماهيته طريقة كينونة متصلة بالعالم عل نحو مخصوص.إن مفهومية الكينونة-في-العالم- وفق وجدان ما إنما تفصح عن نفسها من حيث هي كلام" (1). وبهذا المعنى فإن اللغة هي التي تفتح لنا العالم،لأنها وحدها التي تعطينا إمكان الإقامة بالقرب من موجود منفتح من قبل، وأن نتوجه بالخطاب إلى الموجود بما هو موجود. وكل ماهو كائن لايمكن أن يكون إلا في "معبد اللغة". وفي هذا المعبد يقيم الإنسان دائما، لأن هذا المعبد هو الذي يجعل من الإنسان موجودا يعبر عن نفسه." إن اللغة هي بيت الوجود" الذي يسكنه الإنسان، وفيه يتخذ كل شيء مكانه.
والحوار هو الكلام الذي يتم فيه التعبير باشتراك الغير.وبالحوار نكون واحدا، مترابطين في تركيباتنا الأساسية.أنا ما أقول، ونحن معا ما تعبر عنه كلماتنا. يقول هيدجر: " ينبغي أن تفهم ظاهرة التواصل، كما قد أشير بعد إلى ذلك أثناء التحليل، في معنى أنطولوجي واسع. إن التواصل بالقول، البلاغ مثلا، هو حالة خاصة من التواصل المدرك في أساسه على نحو وجوداني. ففي هذا الأخير يتشكل تمفصل الكينونة- الواحد-مع- الآخر الفاهمة. وإنما هو الذي ينجز "اقتسام" الوجدان- معا وفهم الكينونة-معا. ليس التواصل أبدا شيئا من قبيل نقل التجارب المعيشة، مثلا نقل آراء وأماني من باطن ذات ما إلى باطن ذات أخرى." (2)
والدازين هو بالضرورة حوار،لأن وجوده ديالكتيكي،متعلق دائما بالآخرين. الذين يكونون معا عالم الدازين. إن الحوار يريد أن يوحد بيننا في قصد مشترك، دون أن نختلط بعضنا ببعض.
واللغة هي التي تؤسس كل ما هو كائن، من حيث هو كائن. أو هذا على الأقل ما تفعله حين يكون الكلام صحيحا، يفتحنا على المعقولية الصحيحة. إذن اللغة تقول الوجود، كما أن القاضي يقول القانون. واللغة الصحيحة هي خصوصا تلك التي ينطق بها الشاعر، بكلامه الحافل.
أما الكلام الزائف فهو كلام المحادثات اليومية.إن هذا الكلام سقوط، وإنهيار، بالمعنى الأنطولوجي، لا بالمعنى النفسي لهذا اللفظ.إن الدازين وقد أسلم إلى العالم، يضيع في الوجود - مع Mitsein . ولا يستطيع الإنسان أن يتجنب الاختلاط بالموجودات. يوضح هيدجر قائلا:" ويملك الكلام الذي ينتمي إلى هيئة الكينونة الجوهرية التي للدازين والتي تساهم في صنع انفتاحه، إمكانية أن يصبح قيلا وقالا، ومت حيث هو كذلك، هو لا يبقي على الكينونة-في- العالم مفتوحة بالقدر الذي يظن أمام فهم مفصل، بل هو يغلقها ويسدل حجابا على الكائن الذي داخل العالم."  (3)
في السنوات اللاحقة أي بعد" المنعطف"  الذي سيؤسس لمرحلة ثانية في تفكيره ، فصل فيلسوف الغابة السوداء  في تناوله للغة القول الشعري الذي اعتبره الوضع الأهم للغة.  يرفض هيدجر اختزال اللغة في اعتبارها مجرد أداة للتواصل وحاول ربطها بالوجود نفسه. وفي محاضرته  "في الطريق إلى اللغةUnterwegs zur Sprache " ستتجلى هذه المقاربة الأنطولوجية بكل قوة.
حسب التأويل المتعارف عليه اللغة هي إصدار أجراس متمفصلة، هذه المقاربة تفترض حسب هيدجر ثلاث افتراضات رئيسية:
أولا تفترض أن اللغة تعبير أي سيرورة إخراج extériorisation أي تجل الحالات الداخلية للإنسان.
يؤدي هذا الافتراض إلى افتراض ثان هو أن اللغة فاعلية بشرية.
ثالثا الهدف من اللغة هو التواصل أو التعبير عن شيء ما واقعيا كان أو خياليا.
هذه الافتراضات ستكون حسب هيدجر قاعدة لكل التأويلات الفلسفية والعلمية التي قاربت اللغة منذ أرسطو إلى فون هومبولت.
إن التصور السيميولوجي الذي يعتبر اللغة كتعبير عن حالة ما أي ك" نظام من العلامات" ليس خاطئا في نظر هيدجر، بل إنه يبقى غير كاف: إنه ينظر إلى اللغة ليس كلغة، ولكن انطلاقا من شيء ما خارج عنها. وهنا يؤكد الفيلسوف بأن تحليله للغة هو "جلب اللغة من حيث هي اللغة إلى اللغة" (4) أي النظر إلى ماهيتها وليس مقاربتها من خلال عنصر خارج عنها. يقول هيدجر:"عندما ننعم الفكر في اللغة من حيث هي اللغة، ونكون قد تخلينا عن الأسلوب المعتاد حتى الآن في النظر إلى اللغة، ولن يبقى ممكنا أن نبحث عن تمثلات عامة مثل الفعل والفاعلية والعمل وقوة الروح ولمحة العالم والتعبير، ندرج تحتها اللغة كحالة خاصة لهذا العالم. وبدل أن نفسر اللغة بصفتها هذا أوداك وأن نبتعد بذلك عن اللغة، يريد الطريق إليها أن يجعلنا نجرب اللغة من حيث هي اللغة"   (5)
لإظهار اللغة كلغة يجب أولا حسب هيدجر الالتفات إلى مكان حدوث اللغة أي المكان الذي تظهر فيه اللغة كلغة.هناك حسب هيدجر مجال وحيد هو القول الشعري. إن القصيدة لا تحمل أي معلومة عن العالم، ولكنها تتحدث بصفاء وبكل بساطة.هكذا تتضح اللغة كما هي.إن هيدجر يعتبر ماهية الشعر في إطلاقه للأسماء nomination لا يعني ذلك تسمية الأشياء بل يعني جلب اللغة .
القول الشعري يجلب الأشياء إلى مقربة منا، وبالتالي يتوضح لنا ويصير ظاهرا.الكلام في معناه الأولي ليس تعبيرا عن معنى  أو ماهية، ولكن اظهار شيء ما .
وهذا هو المقصود من القولة  المشهورة لهيدجر" اللغة هي بيت الكينونة لأنها من حيث هي القولة لحن الخصوصية"   (6)
لظهور اللغة ليس الإنسان هو وحده من يحدد تلك المسألة بل هي تحديد من الوجود نفسه. إن التحديد الأنطولوجي للغة حسب هيدجر يتجلى في هذه القولة "ماهية اللغة- يقول هيدجر- هي لغة الماهية" (7)

قلب "ماهية اللغة" إلى" لغة الماهية" في هذة الجملة ليس مفارقة أوتناقض بل هو شيء آخر أعمق من ذلك كله،إنها تنقلنا من اعتبار اللغة مجرد ظاهرة لسانية ،إلى تأويل آخر للغة كماهية للوجود نفسه .الوجود يتكلم ، أو هو لغة وهذا لا يعني أنه يصدر أصواتا لأن ذلك ليس له أي معنى، بل أنه باعتباره وجودا القول الأصيل أي الحركة التي من خلالها كل شيء يظهر كما هو." القولة هي التجميع المهيكل لكل المعان للإبانة المتنوعة في ذاتها التي تجعل ما تمت إبانته يبقى دائما عند ذاته هو" (8)
الوجود كقدوم avènement ( Ereignis) للحضور أو الدخول في حضور ما هو حاضر
Anwesen des Anwesendes.
 وهكذا ينتهي هيدجر إلى دمج الوجود  واللغة في كلمة واحدة  هيDie Sage  و التي تعني في اللغة المتداولة الأسطورة  والتي ترجمها اسماعيل المصدق إلى اللغة العربية ب "القولة ".
القولة هي الأسطورة أو لغة الوجود . يقول هيدجر" إن الأساسي في اللغة هو القولة كبيان، إبانة البيان لا تقوم على أساس علامات ما، بل إن كل العلامات تنشأ عن إبانة بحيث لا يمكن أن تكون تلك العلامات إلا في مجالها ولأجل مقاصدها. لكن بالنظر إلى هيكل القولة لا يحق لنا ان نعزو الإبانة لا بكيفية استثنائية ولا حاسمة إلى الفعل البشري، إن إبانة الشيء لذاته تميز كظهور حضور وغياب ما هو حاضر من كل نوع ودرجة، وحتى عندما تتحقق الإبانة بفضل قولنا فإن هذه الإبانة كإشارة تكون مسبوقة بترك الشيء يبين لذاته " (9)
هذا التحديد الأنطولوجي للغة وهذا التحديد "الأسطوري" للوجود ليسا جديدين  حسب هيدجر بل هما أقدم من التفكير الغربي نفسه الكلمة الأقدم هي " sagan " القولة التي تعني ترك الوجود ليظهر في ماهيته
الوجود هو اللغة، هو اللغة الأصلية ، يعني التجلي الهادئ الذي بفضله يظهر كل شيء كما هو أي يأتي إلى نفسه er-eignet .
الإنسان لا يتكلم إلا بقدر ما ينصت.الكائن الإنساني يقول هيدجر ليس قادرا على الكلام إلا بقدر إنتمائه للقول إنه ينصت من أجل أن يقول كلمة يقول هيدجر "لكن هل تتكلم اللغة إذن ذاتها؟ أنى لها أن تقوم بذلك والحال انها ليست مزودة بأعضاء الكلام؟ ومع ذلك فإن اللغة تتكلم. إنها تتبع في المقام الاول، وبالمعنى الحق الأساسي  das Wesendeفي التكلم: القول.تتكلم اللغة بأن تقول، أي تبين، ينبع قولها من القولة Sage المتكلمة قديما والتي بقيت غير متكلمة إلى الآن والتي تتخلل الشق الفاتح لحدوث اللغة. وتتكلم اللغة التي تمتد كبيان إلى كل جهات الحضور، بأن تجعل كل حاضر يظهر او يخفت انطلاقا من هذه الجهات. وبناء عليه فإننا ننصت إلى اللغة بحيث نترك قولتها تقال لنا، ومهما كانت الكيفيات التي نسمع بها عادة، فإننا عندما نسمع شيئا ما يكون السماع، الذي يضم سلفا كل إدراك وتمثل، هو ترك شيء يقال لنا. في التكلم كإنصات إلى اللغة نردد القولة التي أنصتنا إليها، إننا نترك صوتها الذي ليس له جرس يقبل، ونطلب أثناء ذلك الجرس المحتفظ به لنا، نناديه ونحن ممتدين نحوه. والأن قد يمكن أن تفصح في الشق الفاتح لحدوث اللغة سمة واحدة على الأقل عن ذاتها بكيفية أوضح بحيث نلمح فيها كيف تجلب اللغة كتكلم إلى ما يخصها وبذلك كيف تتكلم من حيث هي اللغة"  (10)
اللغة الإنسانية هي من وجهة النظر هذه دائما ثانوية. إنها إجابة و توافق مع صوت الوجود أو مع صوت إطار العالم الرباعي. الذي يضم "الأرض والسماء، الإلهيين والفانين".

الهوامش:
(1) مارتن هيدجر، الوجود والزمان، ترجمة فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة،بيروت،ط1،2012 ص 312
(2) نفس المرجع ص 316
(3) نفس المرجع ص 325
(4) مارتن هيدجر، كتابات أساسية، الجزء 2 ترجمة إسماعيل المصدق، المجلس الأعلى للثقافة  القاهرة ط1 ،2003،ص261
 (5) نفس المرجع ص267.
 (6) نفس المرجع ص 282-283
(7) نفس المرجع ص 274
(8) نفس المرجع ص271
(9) نفس المرجع ص 272
(10)  نفس المرجع ،ص243.

الخميس، 14 أبريل 2016

المنهاج التعليمي وعوائق بناء الاستاذ نشيد مكي




تدريس الدين
من وجهة نظر قطعية لا عقلية
يقدم الكتاب المدرسي من خلال مجموعة من النصوص والأنشطة المرفقة بها صورة مدحية تفضيلية، وتمجيدية دفاعية عن الإسلام باعتباره الدين الشامل والجامع لمختلف القضايا الإنسانية، والحلول لمشاكلها المطروحة، الدين الصالح للبشرية جمعاء في أي زمان وبأي مكان، كما يقدم عبر حمولة عاطفية صورة عن المسلم المثال الذي يشكل نموذجا للاحتذاء، يجعل المتلقي المتمدرس يتماهى في شخص ذلك النموذج على انه القدوة الصحيحة التي لا يخيب من احتذى بخطواتها حذو النعل بالنعل، وسار على نهجها المستقيم. ودون الحاجة بعرض أمثلة عن ما يعتبره الخطاب المدرسي نماذج من السلوك صالحة للاقتداء، منتقاة في شكلها ومضمونها عن تمثلات في الثقافة السائدة لدى فئات عريضة من أفراد المجتمع المغربي، يتم تداولها إلى درجة التقديس على شكل صور أو نماذج سلوكية لشخصيات منتقاة عن السلف (الصالح).
وفي الجانب السلوكي نجد أن الكتاب المدرسي يسعى، أحيانا بشكل واضح صريح، وأحيانا أخرى بشكل ضمني غير معلن، إلى تنميط السلوك لدى المتعلمين على منوال تلك النماذج المختارة سلفا، والتي يقدمها الدرس التربوي الديني كنموذج وحده المفضل للتمثل والاقتداء.
وتطبيقا لذلك، نجد الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية، ولكي يحقق الهدف الذي يرمي إليه من خلال العمل على تنميط الشخصية حسب النموذج المفترض، فإنه، في واحد من بين الدروس المقررة في الكتاب المدرسي اتخذناه كنموذج، يعتمد، كمنطلق للدخول إلى الدرس، على صيغة لوضعية بيداغوجية تم بناؤها كأرضية انطلاق لمعالجة موضوع يتعلق، حسب ما جاء في الكتاب المقرر، بـ "أثر الإيمان في تنمية الحس الجمالي"، وهو موضوع يهدف في اختياره إلى ربط الحس الجمالي بالسلوك لدى الناشئة، حيث يصير، بذلك، السلوك معيارا لتقييم درجة الإيمان لدى الأفراد بمعزل تام عن الأصل الدلالي لمفهوم "الحس الجمالي" الذي يعود في جوهره إلى المجال الفني كإبداع مرتبط بما لدى الإنسان من قدرات طبيعية على التذوق الفني من حيث هو تعبير عن الإحساس الوجداني بكل ما هو جميل بغض النظر عن الشكل أو المضمون، أو الموضوع الذي تجسد فيه ذلك الجمال. وكمنطلق لمعالجة هذا الدرس تمت صياغة وضعية الانطلاق التي جاءت كما نعرضها في التالي ؛"دخل أخوان إلى البيت بعد عودتهما من المدرسة، سلم أصغرهما على أمه، في حين توجه الآخر إلى المطبخ وكل همه البحث عن الأكل !) ( .الأسئلة؛ ما رأيك في هذين السلوكين؟ وكيف يؤثر الإيمان في جمال السلوك؟" . يتمثل الهدف التربوي لهذه الوضعية في الربط بين الإيمان وتنمية الحس الجمالي لدى التلميذ اعتمادا على الآية"وإنك لعلى خلق عظيم". وقياسا على الأهداف التي حددت للدرس والتي نعرض منها كنموذج "إدراك أثر الإيمان في سلوك الإنسان" و "تحديد بعض مظاهر السلوك الجميل والسلوك القبيح"، كان من الطبيعي أن تكون نتيجة الحكم على الأخ الأكبر، هي أن إيمانه ضعيف إن لم يكن منعدما، ذلك لأنه، حسب منطوق النص، ومعايير السلوك التي اعتمدتها تلك الأهداف (الإجرائية)، قد أتى سلوكا قبيحا يتمثل في الذهاب توا إلى المطبخ بدل السلام أولا على أمه. ونتيجة لذلك، فإن الأخ الأكبر سيكون في حاجة إلى عملية دعم كي يتم تقويم سلوكه حسب النمط المحدد في الأهداف، وهو المتمثل في سلوك الطفل الأصغر كنموذج معياري للسلوك المفضل؛ ولعل مثل هذا الحكم الذي يصدر عن كتاب تربوي مقرر بصفة رسمية من طرف الدولة في حق طفل في مثل هذا السن، يحتم علينا طرح بعض الأسئلة حول مدى شرعيته تربويا قبل أي شيء آخر، أي بغض النظر عن المعيار الديني أو الأخلاقي؛ فبأي منطق إذن نصدر حكما قاسيا بهذا الحجم على طفل صغير لازال لم يطله بعد حكم التكليف الشرعي في الإسلام؟ وماذا لو كان الجوع قد أخذ منه مأخذا؟ بل وماذا لو كان له رأي آخر في موضوع علاقته الخاصة بأمه ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار؟ ومتى كان السلام، أو تقبيل الوالدين مؤشرا على صدق الإيمان، أو أن هذا السلوك وحده يمثل عربون احترام ومحبة لهما؟ ألا يمكن أن يكون هذا مجرد أسلوب لتنشئة الطفل، باسم الإيمان بمعناه الديني، على الخضوع للكبار، يبدأ بالخضوع قسرا للوالدين أولا، لينتهي بالخضوع طوعا إلى من هم أبعد وأعلى منهما مقاما؟ ألا يمكن القول بأن استعمال الإيمان في هذا السياق هو إخراج له من حقله الديني المحض، واستعماله في حقل أخلاقي حيث يعتمد كمعيار لتقييم سلوك بشري تحكمه قيم اجتماعية تعتمد معايير نسبية في أحكامها، معايير قابلة للصحة والخطأ، للتقويم والعلاج، معايير تتغير وتتجدد حسب متغيرات الزمان وأحوال المكان؟
وبالتأكيد، إن هذا الشكل من الربط التعسفي في العمل التربوي بين الإيمان بحمولته الدينية، والسلوك بمعناه الخلقي، سينتهي بالناشئة إلى عدم تملك القيم برمتها، وإلى أن يحصل لهم سوء في الفهم والتمييز بين مضامين القيم سواء من حيث الفهم العقلي، أو من حيث التطبيق العملي، لأن من شأن مثل هذا الاستعمال للقيم أن يؤدي إلى اختلاط في أذهان الناشئة بين معانيها ومضامينها، وبين ما يمكن أن يتجسد منها فعليا ليمكن أن يدرك، ويلاحظ سلوكيا ليمكن أن يقاس.
ولعل ما نعيشه في وقتنا الراهن من نشاز في السلوك، ومن تراجع في القيم الاجتماعية والثقافية، هو انفلات تبرز معالمه في ما أصبحنا نلاحظه ونشتكي منه اليوم من تنام لظواهر اجتماعية مشينة يزداد فيها العنف حدة، والتعصب انتشارا، والتطرف تمددا واتساعا، وهي الظواهر التي أضحت تهدد الاستقرار العام لنا جميعا، ليس كدولة فحسب، وإنما كأفراد ومجتمع ووطن.