الاثنين، 7 مارس 2016

هل أنا عقلي؟ مصطفى عابدين

عن موقع علومي
و تم اختراع طريقة لنقل دماغي بالكامل الى جسد شخص اخر
فهل سيتحول وعيي الى ذلك الشخص بالكامل؟
في الحقيقة هذا السؤال مهم جداً و مثير للفضول…. أعدكم أن يكون الكلام بعيداً عن المصطلحات العلمية المعقدة.
هذه محاولتي على الاجابة…
– جيد أنني احضرت المظلة لأنها بدأت تمطر و لدي موعد لا أريد الذهاب اليه وثيابي مبتلة
– اللعنة لا أحب هذه الأغنية على المذياع.
– لماذا لم يبتسم لي غسان عندما قلت له صباح الخير؟” 
– يجب أن أتصل بأمي لم أتكلم معها لعدة أيام !
لمن أقول ” جيد أنني أحضرت مظلة؟” ألست أنا من أحضرها؟ 
لمن أبدي رآيي في الأغنية على المذياع؟ ألست أنا من يسمها؟
لماذا يدور هذا النقاش في رأسي و من هم المتحاورون؟
من أين يأتي الشعور و كأنني كيان منفصل عن جسدي؟ أشعر أنني أقود الجسد من خلف العيون. فأقول يدي تؤلمني و كأنها من ممتلكاتي و ليست جزء مني. لماذا أفكر مع نفسي و كأنني غير قادر على التفكير في صمت.
في هذه السطور سأحاول تحليل موضوع مركب و هو “الأنا” أو “النفس” و من ثم سأحاول الإجابة على السؤال الأصلي المتعلق بالفرضية العلمية المتعلقة بانتقال الوعي من جسد إلى آخر.
من أنت؟ 
أنت مجموعة من النظم الطبيعية المتجانسة التي تعمل في تناغم مع بعضها البعض لتبقى جميعها على قيد الحياة ضمن نظام متكامل نسميه الجسد. الدماغ هو أحد هذه الأنظمة ضمن الجسد و هو يلعب دور المايسترو في ضبط أدوار هذه النظم و توظيفها.
إذاً الدماغ هو عضو مثله مثل القلب أو الكبد أو الكلية أو العين مع الاختلاف في الأدوار و الأولوية في البقاء على قيد الحياة.
أعلم أن هذه المعلومات قد تبدو بديهية في الظاهر إلا أنها أساسية و محورية في موضوع فصل العقل عن الجسد أو ما يسمى في علم النفس Cognitive Dualism 
الوهم الحاصل بكون الجسم منفصل عن الدماغ و أن النفس هي عبارة عن قبطان للجسد هو موضوع فلسفي أكثر من كونه علمي لأنه لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن الدماغ و الجسد كيانين منفصلين بل على العكس هو كيان واحد مترابط. نسمي هذه الفرضية الشبح في الآلة.
الشبح في الآلة يرمز لشعورنا و كأننا (الأنا) هي كيان منفصل يقود آلة اسمها الجسد إلا أن علم الأعصاب والدماغ يثبت بشكل قطعي عدم وجود مثل هذا الشبح و أن هذا الشعور مجرد وهم. إن العديد من الغدد التي تفرز الهرمونات موجودة خارج الدماغ و هذا يعني أن العمل الدماغي يتجاوز الكتلة الدماغية المعروفة و النخاع الشوكي و هو ممتد عبر الجسد.
ماهو الدماغ؟
الدماغ هو جهاز حاسوب بيولوجي يعمل على تحليل جميع الإشارات الحسية العصبية بطريقة تمكن الجسم من ادراك محيطه و رسم ردات الفعل للتعايش مع المحيط. هدف الدماغ هو استنتاج كل ما يحدث ضمن منظومة مبنية على معارف مسبقة. لهذا نجد أن الخوف يأتي و ينتج عن عدم القدرة على رسم تصور واضح لما يجري. هذا شرح بسيط جداً جداً عن الدماغ.
الدماغ مؤلف من طبقات و أقسام عديدة. هذه الطبقات كل منها تروي حكاية و تاريخ في قصة تطور الإنسان. كل قسم له وظائف مختلفة ومترابطة مع غيرها إلا أنها ليست كيان واحد منفصل. نعم الدماغ عبارة عن مجموعة من الأعضاء التي تعمل بشكل جماعي لتحقيق غاية قيادة بقية أعضاء الجسم. مثلاً القسم الزاحف (نسبة لكونه يعود لأيام الزواحف و تطور معنا حتى اليوم) هو مسؤول عن ادارة الأعمال المتعلقة بتنظيم دقات القلب و درجة حرارة الجسم و التوازن. هذا القسم يعمل كل يوم دون الاكتراث بما يعمله قسم ال limbic المسؤول عن العواطف و الذاكرة. كل قسم يقوم بعمله و يشارك بقية الأقسام بالمستجدات التي تحدث ضمن مجال عمله. نعم هم يتفاعلون و يؤثرون على بعض لكن لكل منهم أولوياته و هدفهم المشترك هو ابقاء الجسم على قيد الحياة.
لنأخذ بعض الأمثلة:
لنأخذ هذا السناريو و نحلله:
شاب متزوج و شابة عازبة يجلسان على البار. يشربان الكحول. قامت الشابة بوضع يدها على كتف الشاب المتزوج. فجأت نسي الشاب المتزوج أنه متزوج و محى زوجته من ذاكرته تماماً و بادر بلمس يد الفتاة و طلب منها أن يذهبا إلى مكان آخر أكثر خصوصية.
ماذا حدث هنا دماغياً و من هو القبطان؟
الشابة:
– الشابة في المرحلة الأخيرة من دورتها الشهرية و نسبة الأستروجين التي أفرزتها مبيضاها أصبحت عالية في دورتها الدموية (أستروجين هرمون محفز جنسياً)
– الكحول أثر على القسم الأمامي من الدماغ و المسؤول عن تقييم المخاطر و اتخاذ القرارات.
– الشابة لديها رغبة بالعملية الجنسية كنتيجة لارتفاع نسبة الهرمون الجنسي أستروجين
– الشابة في عمر ال20 تبحث عن شريك لتستطيع تحقيق الهدف الأساسي و هو التكاثر
– الشاب عرض جينات جيدة من خلال لغة جسده و تفاصيل وجهه
الشاب:
– يشعر بالتعب و الملل من حياته الجنسية مع زوجته بسبب خمول العلاقة لأسباب عديدة هذا يعني انخفاض نسبة هرمون الدوبامين بشكل عام 
– الكحول أثر على القسم الأمامي من الدماغ و المسؤول عن تقييم المخاطر و اتخاذ القرارات
– ارتفاع نسبة هرمون “الأوكسي توسن” في الجسم نتيجة لمس الفتاة لكتف الشاب. 
– افراز بعض الدوبامين كنتيجة لافراز الأوكسي توسن 
– تحفيز الرغبة الجنسية نتيجة ارتفاع الأوكسي توسن و الذي ربط النشوة الجنسية مع قسم المكافئة
– تحفيز قسم المكافئة بسبب ارتفاع نسبة الدوبامين دون رادع من القسم الأمامي المسؤول عن التقييم و اتخاذ القرارات بسبب الكحول
التحليل:
الفتاة تعلم أن عليها البحث عن شريك يقوم بتربية أطفالها إلا أن الكحول منع القسم الأمامي (فرانتال كورتكس) من تقييم الموقف و اتخاذ القرار الصائب بعدم التفاعل مع الشاب لأنه متزوج. هرموناتها الإنثوية و غريزتها الجنسية و ضبابية القدرة على اتخاذا القرارات جعلتها تبادر الشاب عبر لمس كتفه
الشاب لديه 3 أطفال من زوجته و حياته الجنسية تفتقر للمتعة بسبب ضغوط الحياة. إلا أنه غريزياً مازال مهتم بنشر جيناته مع شركاء أخرين. في الأيام العادية لا يبادر الشاب للقاء الفتيات لأن القسم الأمامي من دماغه يرفض ذلك رغم الضغوط من قبل الأقسام الآخرى. الفرنتال كورتكس تعمل على تقييم المخاطر.
مخاطر (الطلاق، خسارة حضانة أطفاله، الخوف من المجازفة في علاقة غير مضمونة النتائج) هي ما يمنعه عادة إلا أن الكحول خدر الفرنتال كورتيكس اليوم و هذا أطلق العنان لبقية الأقسام أن تسرح و تمرح smile emoticon . في نفس الوقت مازال القسم الزاحف من الدماغ ينظم دقات القلب و درجة حرارة الجسم لكن تأثير الكحول جعل من مهمته أصعب اليوم…. (هذا الوصف ليس كامل و دقيق من الناحية العلمية لكن الغاية توضيح بعض ما يحدث خلق الكواليس)
الدماغ و الجهاز العصبي هو ليس عضو واحد و إنما مجموعة كبيرة من اللأنظمة التي تعمل ضمن وظائف مختلفة لكل منها أهداف تسعى إلى تحقيقها بشكل أو بآخر.
تجربة تثبت أقسام الدماغ
في بعض الحاللات المرضية يكون العلاج قص الدماغ من المنتصف قسم الكوربوس كولوسم (corpus callosum) و لا أريد الدخول بالحالة المرضية التي تؤدي إلى هذا العلاج لكن لنلاحظ ماذا يحدث حين نقطع التواصل بين القسمين الأيمن و الأيسر..
– نضع المريض في غرفة و نغطي العين اليسرى بغطاء. هذا يعني أن الشخص يستخدم القسم الأيمن من الدماغ للرؤية
– نضع صورة سيارة أمامه 
– نسأله عن الصورة ماذا وضعنا أمامك؟
لن يستطيع المريض الاجابة لأن خاصية النطق موجودة حصرياً في الشق الأيسر و الشق الأيسر لم يرى صورة السيارة. و لأن الشق الأيمن لا يستطيع إعلام الشق الأيسر يعجز المريض عن النطق بما رآه.
نسأل المريض أن يرسم ما رأه في الصورة. فعلاً المريض يرسم صورة سيارة لكن بيده اليسرى حصرياً لأنها موصولة مع الشق الأيمن.
في تجربة أخرى:
نعطي المريض صورة فيها مخلب دجاجة (ينظر إليها من خلال العين اليسرى أي القسم الأيمن من الدماغ) و الأخرى فيها منظر طبيعي فيه ثلوج كثيفة فيها معول ثلج (ينظر إليها من خلال العين اليمنى أي القسم الأيسر من الدماغ). ثم نسأل المريض أن يختار عدة أشياء من ضمن مجموعة من الصور يكون لها علاقة بما رأى من قبل.
المريض يختار بيده اليمنى معول لتنظيف الثلوج و صورة دجاجة في يده اليسرى.
ثم نسأل المريض لماذا اخترت هذه الاشياء؟
يقول المريض بسيطة: لأنني رأيت صورة مخلب الدجاجة و اخترت المعول لأننا نحتاج المعول لتنظيف فضلات الدجاج.
إذاًَ القسم الأيسر لا يعلم أن القسم الأيمن قد رآى صورة للثلوج و عليه تبرير اختيار المعول فيشكل قصة منطقية جديدة و هي أن المعول ضروري لتنظيف فضلات الدجاج. مع العلم أن القسم الأيمن مازال يعلم أنه رأى المعول في الصورة لكنه غير قادر على التعبير. إذا سألنا المريض أن يرسم لنا صورة يعبر بها عن ما شاهد سيرسم صورة المعول لأن القسم الأيمن هو المسؤول عن الرسم إلا أنه إذا سألناه لماذا رسمت المعول سيقول لا يوجد سبب “لا على التعيين” لأن قسم اللغة لا يعلم أن القسم الأيمن شاهد معول..
من هنا أريد الانتقال لمفهوم الادراك و الوعي….
الدماغ هو مجموعة من الأنظمة التي تعمل بشكل متناغم على ادراة الجسد. العمليات الدماغية تحدث خلف الكواليس خارج ادراك الكائن. الإدراك هو أخر مرحلة من المراحل الدماغية إذ على الدماغ تحليل ما يجري و وضعه ضمن سياق منطقي يفسر البيئة المؤثرة به. أتمنى أن يكون الوهم بأن الشخص هو من يقرر و يقوم بالأفعال أصبح أكثر وضوحاً الأن.
في التجربة السابقة حين سألنا المريض عن سبب رسمه المعول لم يقول “لا أعرف” و إنما قام القسم الأيسر بتحليل هذا العمل و وضعه ضمن السياق الأكثر منطقية. (المعول لتنظيف فضلات الدجاج). الطبيب و الباحث يعلمون أن المريض رسم المعول لأنه رآه في الصورة لكن القسم الأيسر من دماغ المريض لا يعلم ذلك. لذلك ما نعتقد أنه منطقي أو أننا مدركين له هو مجرد وهم.
من أين يأتي وهم “النفس” أو “الأنا”؟
العمل الدماغي لا يتجزأ عن حالة الجسد الكلية إذ أن الدماغ وظيفته الأساسية هي ضبط وظائف الجسد. دون الجسد يصبح الدماغ مثل قائد أوركسيترا بقف وحيداً دون فريق العازفين ودون النوتات الموسيقية يحرك يديه دون جدوى. إذاًً الدماغ هو في حالة تحليل منطقية مستمرة لكل ما يجري من ظواهر و مؤثرات و تفسير هذه الظواهر يتجسد بالشعور و كأننا نجلس خلف العيون و نقود الجسد. إلا أننا في الحقيق فقط ندرك القليل القليل من ما يجري من صراعات و أتحليلات و حسابات داخل هذا المجمع العصبي و الذي نسميه الدماغ….
من هذه النقطة نستطيع الاجابة على السؤال الذي طرحته في بداية المقال حول الأفكار و لماذا أشعر و كأن نقاش يدور في رأسي و فيه أكثر من جهة متحاورة؟ هذه النقاشات هي بالفعل بين أقسام الدماغ لكنك لا تدرك إلا جزء بسيط منها. أنت تدرك فقط الجزء المهم تحليله لتبقى الأمور منطقية و لكي تشعر أنك أنت من يتحكم بكل شيئ.
لو تم اختراع طريقة لنقل دماغي بالكامل الى جسد شخص اخر
فهل سيتحول وعيي الى ذلك الشخص بالكامل؟
الجواب:
لا لأنك أنت أصلاً غير موجود.
أنت وهم دماغي مرتبط بشكل مباشر مع جميع أعضاء جسدك و أي تغير في هذه البنية سيشكل وهم جديد بناء على الجسد الجديد. ربما تنقل ذاكرتك لجسم آخر و تشعر في الجسد الجديد أنك أنت فعلاً انتقلت لكنه لن يكون سوى وهم جديد و يسكون الأنت السابقة قد تبخرت و اختفت إلى الأبد

الأحد، 6 مارس 2016

لم نفترق لكننا لن نلتقي ابدا - محمود درويش


الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري


اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965
تاريخ بدء النفاذ: 4 كانون الثاني/يناير 1969، وفقا للمادة   19



إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية،
إذ تري أن ميثاق الأمم المتحدة يقوم علي مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ إجراءات جماعية وفردية، بالتعاون مع المنظمة، بغية إدراك أحد مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وإذ تري أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن البشر يولدون جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي،
وإذ تري أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض علي التمييز،
وإذ تري أن الأمم المتحدة قد شجبت الاستعمار وجميع ممارسات العزل والتمييز المقترنة به، بكافة أشكالها وحيثما وجدت، وأن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960 (قرار الجمعية العامة 1514 (د-15)) قد أكد وأعلن رسميا ضرورة وضع حد لها بسرعة وبدون قيد أو شرط،
وإذ تري أن إعلان الأمم المتحدة للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963 (قرار الجمعية العامة 1904 (د-18)) يؤكد رسميا ضرورة القضاء السريع علي التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها،
وإيمانا منها بأن أي مذهب للتفوق القائم علي التفرقة العنصرية مذهب خاطئ علميا ومشجوب أدبيا وظالم وخطر اجتماعيا، وبأنه لا يوجد أي مبرر نظري أو عملي للتمييز العنصري في أي مكان،
وإذ تؤكد من جديد أن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني يشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب والإخلال بالوئام بين أشخاص يعيشون جنبا إلي جنب حتى في داخل الدولة الواحدة،
وإيمانا منها بأن وجود حواجز عنصرية أمر مناف للمثل العليا لأي مجتمع إنساني،
وإذ يساورها شديد القلق لمظاهر التمييز العنصري التي لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وللسياسات الحكومية القائمة علي أساس التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية مثل سياسات الفصل العنصري أو العزل أو التفرقة،
وقد عقدت عزمها علي اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء السريع علي التمييز العنصري بكافة أشكاله ومظاهره، وعلي منع المذاهب والممارسات العنصرية ومكافحتها بغية تعزيز التفاهم بين الأجناس وبناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العزل والتمييز العنصريين،
وإذ تذكر الاتفاقية المتعلقة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة التي أقرتها منظمة العمل الدولية في عام 1958، واتفاقية مكافحة التمييز في التعليم والتي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في عام 1960،
ورغبة منها في تنفيذ المبادئ الواردة في إعلان الأمم المتحدة للقضاء علي التمييز العنصري بكافة أشكاله، وفي تأمين اتخاذ التدابير العملية اللازمة في أقرب وقت ممكن لتحقيق ذلك،

قد اتفقت علي ما يلي:
الجزء الأول
المادة 1
1. في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
2. لا تسري هذه الاتفاقية علي أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل بين المواطنين وغير المواطنين من جانب أية دولة طرف فيها.
3. يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية بما ينطوي علي أي مساس بالأحكام القانونية السارية في الدول الأطراف فيما يتعلق بالجنسية أو المواطنة أو التجنس، شرط خلو هذه الأحكام من أي تمييز ضد أي جنسية معينة.
4. لا تعتبر من قبيل التمييز العنصري أية تدابير خاصة يكون الغرض الوحيد من اتخاذها تأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو الاثنية المحتاجة أو لبعض الأفراد المحتاجين إلي الحماية التي قد تكون لازمة لتلك الجماعات وهؤلاء الأفراد لتضمن لها ولهم المساواة في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو ممارساتها، شرط عدم تأدية تلك التدابير، كنتيجة لذلك، إلي إدامة قيام حقوق منفصلة تختلف باختلاف الجماعات العرقية، وشرط عدم استمرارها بعد بلوغ الأهداف التي اتخذت من أجلها.

المادة 2
1. تشجب الدول الأطراف التمييز العنصري وتتعهد بأن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون أي تأخير، سياسة للقضاء علي التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس، وتحقيقا لذلك:
(أ) تتعهد كل دولة طرف بعدم إتيان أي عمل أو ممارسة من أعمال أو ممارسات التمييز العنصري ضد الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، وبضمان تصرف جميع السلطات العامة والمؤسسات العامة، القومية والمحلية، طبقا لهذا الالتزام،
(ب) تتعهد كل دولة طرف بعدم تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة،
(ج) تتخذ كل دولة طرف تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلي إقامة التمييز العنصري أو إلي إدامته حيثما يكون قائما،
(د) تقوم كل دولة طرف، بجميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك التشريعات المقتضاة إذا تطلبتها الظروف، بحظر وإنهاء أي تمييز عنصري يصدر عن أي أشخاص أو أية جماعة أو منظمة،
(هـ) تتعهد كل دولة طرف بأن تشجع، عند الاقتضاء، المنظمات والحركات الاندماجية المتعددة الأجناس والوسائل الأخرى الكفيلة بإزالة الحواجز بين الأجناس، وبأن تثبط كل ما من شأنه تقوية الانقسام العنصري.
2. تقوم الدول الأطراف، عند اقتضاء الظروف ذلك، باتخاذ التدابير الخاصة والملموسة اللازمة، في الميدان الاجتماعي والميدان الاقتصادي والميدان الثقافي والميادين الأخرى، لتأمين النماء الكافي والحماية الكافية لبعض الجماعات العرقية أو للأفراد المنتمين إليها، علي قصد ضمان تمتعها وتمتعهم التام المتساوي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا يجوز في أية حال أن يترتب علي هذه التدابير، كنتيجة لذلك، إدامة أية حقوق متفاوته أو مستقلة تختلف باختلاف الجماعات العرقية بعد بلوغ الأهداف التي اتخذت من أجلها.
المادة 3
تشجب الدول الأطراف بصفة خاصة العزل العنصري والفصل العنصري، وتتعهد بمنع وحظر واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها.
المادة 4
تشجب الدول الأطراف جميع الدعايات والتنظيمات القائمة علي الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلي القضاء علي كل تحريض علي هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقه للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحة في المادة 5 من هذه الاتفاقية، بما يلي:
(أ) اعتبار كل نشر للأفكار القائمة علي التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض علي التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض علي هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون،
(ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون،
(ج) عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه.
المادة 5
إيفاء للالتزامات الأساسية المقررة في المادة 2 من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية:
(أ) الحق في معاملة علي قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل،
(ب) الحق في الأمن علي شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة،
(ج) الحقوق السياسية، ولا سيما حق الاشتراك في الانتخابات -اقتراعا وترشيحا- علي أساس الاقتراع العام المتساوي، والإسهام في الحكم وفي إدارة الشؤون العامة علي جميع المستويات، وتولي الوظائف العامة علي قدم المساواة،
(د) الحقوق المدنية الأخرى، ولا سيما:
"1" الحق في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة،
"2" الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلي بلده،
"3" الحق في الجنسية،
"4" حق التزوج واختيار الزوج،
"5" حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين،
"6" حق الإرث،
"7" الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين،
"8" الحق في حرية الرأي والتعبير،
"9" الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها،
(هـ) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما الحقوق التالية:
"1" الحق في العمل، وفي حرية اختيار نوع العمل، وفي شروط عمل عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساو عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مرضية،
"2" حق تكوين النقابات والانتماء إليها،
"3" الحق في السكن،
"4" حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية،
"5" الحق في التعليم والتدريب،
"6" حق الإسهام علي قدم المساواة في النشاطات الثقافية،
(و) الحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص لانتفاع سواد الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.
المادة 6
تكفل الدول الأطراف لكل إنسان داخل في ولايتها حق الرجوع إلي المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه علي نحو فعال بصدد أي عمل من أعمال التمييز العنصري يكون انتهاكا لما له من حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويتنافى مع هذه الاتفاقية، وكذلك حق الرجوع إلي المحاكم المذكورة التماسا لتعويض عادل مناسب أو ترضية عادلة مناسبة عن أي ضرر لحقه كنتيجة لهذا التمييز.
المادة 7 
تتعهد الدول الأطراف بأن تتخذ تدابير فورية وفعالة، ولا سيما في ميادين التعليم والتربية والثقافة والإعلام بغية مكافحة النعرات المؤدية إلي التمييز العنصري وتعزيز التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم والجماعات العرقية أو الاثنية الأخرى، وكذلك لنشر مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، وهذه الاتفاقية.
الجزء الثاني
المادة 8
1. تنشأ لجنة تسمي لجنة القضاء علي التمييز العنصري (ويشار إليها فيما يلي باسم "اللجنة")، تكون مؤلفة من ثمانية عشر خبيرا من ذوي الخصال الخلقية الرفيعة المشهود لهم بالتجرد والنزاهة، تنتخبهم الدول الأطراف من بين مواطنيها ويخدمون بصفتهم الشخصية، ويراعي في تأليف اللجنة تأمين التوزيع الجغرافي العادل وتمثيل الألوان الحضارية المختلفة والنظم القانونية الرئيسية.
2. ينتخب أعضاء اللجنة بالاقتراع السري من قائمة بأسماء أشخاص ترشحهم الدول الأطراف. لكل دولة من الدول الأطراف أن ترشح شخصا واحد من مواطنيها.
3. يجري الانتخاب الأول بعد ستة أشهر من تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية. ويقوم الأمين العام للأمم المتحدة، قبل ثلاثة أشهر علي الأقل من موعد إجراء أي انتخاب، بتوجيه رسالة إلي الدول الأطراف يدعوها فيها إلي تقديم أسماء مرشحيها في غضون شهرين، ثم يضع الأمين العام قائمة ألفبائية بأسماء جميع هؤلاء المرشحين مع بيان الدول الأطراف التي رشحتهم، ويبلغ هذه القائمة إلي الدول الأطراف.
4. ينتخب أعضاء اللجنة في اجتماع تعقده الدول الأطراف بدعوة من الأمين العام في مقر الأمم المتحدة. وفي هذا الاجتماع، الذي يكتمل فيه النصاب بحضور ممثلي ثلثي الدول الأطراف، يفوز في الانتخاب لعضوية اللجنة، المرشحون الذين ينالون أكبر عدد من الأصوات والأغلبية المطلقة لأصوات ممثلي الدول الأطراف الحاضرين والمقترعين.
5. (أ) يكون انتخاب أعضاء اللجنة لولاية مدتها أربع سنوات، علي أن تنتهي بانقضاء سنتين ولاية تسعة من الأعضاء الفائزين في الانتخاب الأول، ويقوم رئيس اللجنة، فور انتهاء الانتخاب الأول، باختيار أسماء هؤلاء الأعضاء التسعة بالقرعة،
(ب) من أجل ملء المقاعد التي تشغر عرضا، تقوم الدولة الطرف التي انقطع خبيرها من مباشرة مهمته كعضو في اللجنة بتعيين خبير آخر من بين مواطنيها، رهنا بإقرار اللجنة لهذا التعيين.
6. تتحمل الدول الأطراف نفقات أعضاء اللجنة أثناء تأديتهم لمهامهم.

المادة 9
1. تتعهد كل دولة من الدول الأطراف بأن تقدم إلي الأمين العام للأمم المتحدة، لتنظر فيه اللجنة، تقريرا عن التدابير التشريعية أو القضائية أو الإدارية أو التدابير الأخرى التي اتخذتها والتي تمثل إعمالا لأحكام هذه الاتفاقية، وبأن تفعل ذلك:
(أ) في غضون سنة من بعد بدء نفاذ الاتفاقية إزاءها، 
(ب) ثم مرة كل سنتين، وكذلك كلما طلبت إليها اللجنة ذلك. وللجنة أن تطلب مزيدا من المعلومات من الدول الأطراف.
2. تقوم اللجنة، عن طريق الأمين العام، بتقديم تقرير سنوي عن أعمالها إلي الجمعية العامة، ويجوز لها إبداء اقتراحات وتوصيات عامة استنادا إلي دراستها للتقارير والمعلومات الواردة من الدول الأطراف. ويتم إبلاغ هذه الاقتراحات والتوصيات العامة إلي الجمعية العامة مشفوعة بأية ملاحظات قد تبديها الدول الأطراف.
المادة 10 
1. تتولى اللجنة وضع نظامها الداخلي.
2. تنتخب اللجنة أعضاء مكتبها لمدة سنتين.
3. يتولى الأمين العام للأمم المتحدة تزويد اللجنة بأمانتها.
4. تعقد اللجنة اجتماعاتها عادة في مقر الأمم المتحدة.
المادة 11 
1. إذا اعتبرت دولة طرف أن دولة طرفا أخري لا تضع أحكام هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، كان لها أن تلفت نظر اللجنة إلي ذلك. وتقوم اللجنة حينئذ بإحالة رسالة لفت النظر إلي الدولة الطرف المعنية. وتقوم الدولة المرسل إليها بموافاة اللجنة كتابيا، في غضون ثلاثة أشهر، بالإيضاحات أو البيانات اللازمة لجلاء المسألة مع الإشارة عند الاقتضاء إلي أية تدابير ربما تكون قد اتخذتها لتدارك الأمر.
2. عند تعذر تسوية المسألة تسوية مرضية لكلا الطرفين إما عن طريق المفاوضات الثنائية وإما بأي إجراء آخر متاح لهما، خلال ستة أشهر من بعد تلقي الدولة المرسل إليها للرسالة الأولي، يكون لأي من الدولتين حق إحالة المسألة مرة أخري إلي اللجنة بإشعار ترسله إليها كما ترسله إلي الدولة الأخرى.
3. تنظر اللجنة في أية مسائل محالة إليها وفقا للفقرة 2 من هذه المادة بعد الإستيثاق من أنه قد تم اللجوء إلي جميع طرق التظلم المحلية المتوفرة واستنفادها في القضية، وفقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما. ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي يستغرق فيها إجراء التظلم مددا تتجاوز الحدود المعقولة.
4. يجوز للجنة، في أية مسألة محالة إليها، أن تطلب إلي الدولتين الطرفين المعنيتين تزويدها بأية معلومات أخري ذات شأن.
5. يحق لكل دولة من الدولتين الطرفين المعنيتين، عند نظر اللجنة في أية مسألة تتناولها هذه المادة، إيفاد ممثل لها للاشتراك في أعمال اللجنة، دون التمتع بحق التصويت، طوال فترة النظر في هذه المسألة.
المادة 12 
1. (أ) يقوم رئيس اللجنة، بعد حصولها علي جميع المعلومات التي تراها لازمة وقيامها بتدقيقها ومقارنتها، بتعيين هيئة توفيق خاصة (يشار إليها فيما يلي باسم "الهيئة") تتألف من خمسة أشخاص يجوز أن يكونوا من أعضاء اللجنة أو من غير أعضائها. ويتم تعيين أعضاء الهيئة بموافقة طرفي النزاع بالإجماع، وتتاح للدولتين المعنيتين الإفادة من مساعيها الحميدة بغية الوصول إلي حل ودي للمسألة علي أساس احترام هذه الاتفاقية،
(ب) عند تعذر وصول الدولتين الطرفين في النزاع خلال ثلاثة أشهر إلي اتفاق علي تكوين الهيئة كلها أو بعضها، تقوم اللجنة بانتخاب الأعضاء غير المتفق عليهم من بين أعضائها هي بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين.
2. يعمل أعضاء الهيئة فيها بصفتهم الشخصية، ولا يجوز أن يكونوا من مواطني الدولتين الطرفين في النزاع أو الدول غير الأطراف في هذه الاتفاقية.
3. تنتخب الهيئة رئيسها وتضع نظامها الداخلي.
4. تعقد الهيئة اجتماعاتها عادة في مقر الأمم المتحدة، أو في أي مكان مناسب آخر تعينه.
5. توفر أيضا للهيئة المنبثقة عن أي نزاع بين دولتين من الدول الأطراف خدمات الأمانة الموفرة وفقا للفقرة 3 من المادة 10 من هذه الاتفاقية.
6. تتقاسم الدولتان الطرفان في النزاع بالتساوي سداد جميع نفقات أعضاء الهيئة وفقا لتقديرات يضعها الأمين العام للأمم المتحدة.
7. للأمين العام للأمم المتحدة سلطة القيام، عند اللزوم، بدفع نفقات أعضاء الهيئة قبل سداد الدولتين الطرفين في النزاع لها وفقا للفقرة 6 من هذه المادة.
8. توضع المعلومات التي حصلت عليها اللجنة وقامت بتدقيقها ومقارنتها تحت تصرف الهيئة، التي يجوز لها أيضا أن تطلب إلي الدولتين المعنيتين تزويدها بأية معلومات أخري ذات شأن.
المادة 13 
1. متي استنفدت الهيئة النظر في المسألة، تقوم بإعداد تقرير تقدمه إلي رئيس اللجنة، يتضمن النتائج التي توصلت إليها بشأن جميع المسائل الوقائعية المتصلة بالنزاع بين الطرفين، ويضم التوصيات التي تراها ملائمة لحل النزاع حلا وديا.
2. يقوم رئيس اللجنة بإرسال تقرير الهيئة إلي كل دولة من الدولتين الطرفين في النزاع. وتقوم كل منهما، في غضون ثلاثة أشهر، بإعلام رئيس اللجنة بقبولها أو عدم قبولها للتوصيات الواردة في تقرير الهيئة.
3. يقوم رئيس اللجنة، بعد انقضاء الفترة المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة، بإرسال تقرير الهيئة وبياني الدولتين الطرفين المعنيتين إلي سائر الدول الأطراف الأخرى في هذه الاتفاقية.
المادة 14 
1. لأية دولة طرف أن تعلن في أي حين أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية، ولا يجوز للجنة قبول استلام أية رسالة تتعلق بأية دولة طرف لم تصدر مثل هذا الإعلان.
2. لأية دولة طرف تصدر إعلانا علي النحو المنصوص في الفقرة 1 من هذه المادة أن تنشئ أو تعين جهازا في إطار نظامها القانوني القومي يكون مختصا باستلام ونظر الالتماسات المقدمة من الأفراد وجماعات الأفراد الداخلين في ولايتها والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك لأي من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية ويكونون قد استنفدوا طرق التظلم المحلية المتوفرة الأخرى.
3. تقوم الدولة الطرف المعنية بإيداع الإعلان الصادر وفقا للفقرة 1 من هذه المادة، واسم الجهاز المنشأ أو المعين وفقا للفقرة 2 من هذه المادة، لدي الأمين العام للأمم المتحدة، ويقوم الأمين العام بإرسال صور عنهما إلي الدول الأطراف الأخرى، ويجوز سحب هذا الإعلان في أي وقت بإشعار يرسل إلي الأمين العام، ولكن لا يكون لهذا السحب أي أثر في الرسائل التي تكون قيد نظر اللجنة.
4. يحتفظ الجهاز المنشأ أو المعين وفقا للفقرة 2 من هذه المادة بسجل للالتماسات ويقوم سنويا بإيداع الأمين العام، من خلال القنوات المناسبة، صورا مصدقة لهذا السجل، علي أن لا تذاع محتوياتها علي الجمهور.
5. يكون للملتمس، إذا لم ينجح في الحصول علي ما طلبه من الجهاز المنشأ أو المعين وفقا للفقرة 2 من هذه المادة، الحق في إبلاغ شكواه إلي اللجنة في غضون ستة أشهر.
6. (أ) تقوم اللجنة، سرا، باستدعاء نظر الدولة الطرف المدعي انتهاكها لأي حكم من أحكام هذه الاتفاقية إلي أية شكوى أبلغت إليها، إلا أنه لا يجوز كشف هوية الفرد المعني أو جماعات الأفراد المعنية إلا بموافقته أو موافقتها الصريحة. ولا يجوز للجنة أن تقبل استلام أية رسائل مغفلة المصدر.
(ب) تقوم الدولة المتلقية، في غضون ثلاثة أشهر، بموافاة اللجنة بالإيضاحات أو البيانات الكتابية اللازمة لجلاء المسألة، مع الإشارة، عند الاقتضاء، إلي أية تدابير قد تكون اتخذتها لتدارك الأمر.
7. (أ) تنظر اللجنة في الرسائل في ضوء جميع المعلومات الموفرة لها من الدولة الطرف المعنية ومن الملتمس. ولا يجوز للجنة أن تنظر في أية رسالة من الملتمس إلا بعد الإستيثاق من كونه قد استنفذ جميع طرق الرجوع المحلية المتاحة. ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي يستغرق فيها إجراء التظلم مددا تتجاوز الحدود المعقولة.
(ب) تقوم اللجنة بموافاة الدولة الطرف المعنية والملتمس بالاقتراحات والتوصيات التي قد تري إبداءها.
8. تراعي اللجنة تضمين تقريرها السنوي موجزا لهذه الرسائل، وعند الاقتضاء، موجزا للإيضاحات والبيانات المقدمة من الدول الأطراف المعنية، ولاقتراحاتها وتوصياتها هي.
9. لا يبدأ اختصاص اللجنة في مباشرة الوظائف المنصوص عليها في هذه المادة إلا بعد قيام عشر من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية علي الأقل بإصدار الإعلانات اللازمة وفقا للفقرة 1 من هذه المادة.
المادة 15 
1. بانتظار تحقيق أغراض إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الواردة في قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960، لا تفرض أحكام هذه الاتفاقية أي تقييد لحق تقديم الالتماسات الذي منحته لهذه الشعوب الصكوك الدولية الأخرى أو الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
2. (أ) تتلقى اللجنة المنشأة بموجب الفقرة 1 من المادة 8 من هذه الاتفاقية من هيئات الأمم المتحدة المعنية بالمسائل المتصلة مباشرة بمبادئ هذه الاتفاقية وأغراضها، وبمناسبة نظر هذه الهيئات في الالتماسات المعروضة عليها والمقدمة إليها من سكان الأقاليم المشمولة بالوصاية وغير المتمتعة بالحكم الذاتي وسائر الأقاليم الأخرى التي يسري عليها قرار الجمعية العامة 1514 (د-15)، صور تلك الالتماسات، وتنهي إليها آراءها وتوصياتها بشأنها.
(ب) تتلقى اللجنة من هيئات الأمم المتحدة المختصة نسخا من التقارير المتعلقة بالتدابير التشريعية أو القضائية أو الإدارية أو التدابير الأخرى، المتصلة مباشرة بمبادئ هذه الاتفاقية وأغراضها التي تطبقها الدول القائمة بالإدارة في الأقاليم المشار إليها في البند (أ) من هذه الفقرة، وتبدي اللجنة لهذه الهيئات آراءها وتوصياتها.
3. تدرج اللجنة في تقريرها إلي الجمعية العامة موجزا للالتماسات والتقارير التي تلقتها من هيئات الأمم المتحدة، وكذلك آراءها وتوصياتها بشأن هذه الالتماسات والتقارير.
4. تلتمس اللجنة من الأمين العام للأمم المتحدة تزويدها بكل المعلومات المتصلة بأغراض هذه الاتفاقية والمتوفرة لديه بشأن الأقاليم المشار إليها في الفقرة 2 (أ) من هذه المادة.
المادة 16
تطبق الأحكام المتعلقة بتسوية المنازعات أو حسم الشكاوي والمنصوص عليها في هذه الاتفاقية دون الإخلال بأي من الإجراءات الأخرى المتعلقة بتسوية المنازعات أو حسم الشكاوي في ميدان التمييز والمقررة في الصكوك التأسيسية للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة أو في الاتفاقيات المعتمدة من قبل الهيئات المذكورة، ولا تحول تلك الأحكام دون لجوء الدول الأطراف إلي إجراءات أخري لتسوية المنازعات وفقا للاتفاقات الدولية العامة أو الخاصة النافذة فيما بينها.
الجزء الثالث
المادة 17
1. هذه الاتفاقية متاحة لتوقيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو عضو في أية وكالة من وكالاتها المتخصصة، وأية دولة طرف في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وأية دولة أخري دعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة إلي أن تصبح طرفا في هذه الاتفاقية.
2. تخضع هذه الاتفاقية للتصديق. وتودع صكوك التصديق لدي الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة 18
1. يتاح الانضمام إلي هذه الاتفاقية لأية دولة من الدول المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 17 من الاتفاقية.
2. يقع الانضمام بإيداع صك انضمام لدي الأمين العام للأمم المتحدة.
المادة 19
1. يبدأ نفاذ الاتفاقية في اليوم الثلاثين التالي لتاريخ إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام السابعة والعشرين لدي الأمين العام للأمم المتحدة.
2. أما الدول التي تصدق هذه الاتفاقية أو تنضم إليها بعد أن يكون قد تم إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام السابعة والعشرين فيبدأ نفاذ هذه الاتفاقية إزاء كل منها في اليوم الثلاثين التالي لتاريخ إيداع صك تصديقها أو صك انضمامها.
المادة 20 
1. يتولى الأمين العام للأمم المتحدة تلقي التحفظات المبداه من الدول لدي تصديقها علي هذه الاتفاقية أو انضمامها إليها وتعميم هذه التحفظات علي جميع الدول التي تكون أطرافا في هذه الاتفاقية أو قد تصبح أطرافا فيها. وتقوم كل دولة لديها أي اعتراض علي أي تحفظ بإبلاغ الأمين العام، في غضون تسعين يوما من تاريخ التعميم المذكور، بعدم قبولها لهذا التحفظ.
2. لا يسمح بأي تحفظ يكون منافيا لموضوع هذه الاتفاقية ومقصدها، كما لا يسمح بأي تحفظ يكون من شأنه تعطيل عمل أية هيئة من الهيئات المنشأة بها. ويعتبر التحفظ منافيا أو تعطيليا إذا اعترض عليه ما لا يقل عن ثلثي الدول الأطراف في هذه الاتفاقية.
3. يجوز سحب التحفظات في أي وقت بإخطار يوجه إلي الأمين العام. ويبدأ نفاذ هذا الإخطار في تاريخ استلامه.
المادة 21 
لكل دولة طرف نقض هذه الاتفاقية بإشعار كتابي ترسله إلي الأمين العام للأمم المتحدة. ويبدأ نفاذ النقض بعد عام من ورود الإشعار إلي الأمين العام.
المادة 22
في حالة أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف بشأن تفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها وتتعذر تسويته بالمفاوضة أو الإجراءات المنصوص عليها صراحة في هذه الاتفاقية، يحال هذا النزاع بناء علي طلب أي من أطرافه، إلي محكمة العدل الدولية للفصل فيه، ما لم يتفق المتنازعون علي طريقة أخري لتسويته.
المادة 23 
1. لأية دولة طرف في أي وقت، أن تطلب إعادة النظر في هذه الاتفاقية، بمذكرة كتابية موجهة إلي الأمين العام للأمم المتحدة.
2. تبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخطوات التي قد يلزم اتخاذها في صدد هذا الطلب.
المادة 24 
يبلغ الأمين العام للأمم المتحدة جميع الدول المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 17 من هذه الاتفاقية بما يلي:
(أ) التوقيعات والتصديقات والإنضمامات التي تتم بمقتضى المادتين 17 و 18،
(ب) تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية بمقتضى المادة 19،
(ج) الرسائل والإعلانات الواردة بمقتضى المواد 14 و 20 و 23،
(د) إشعارات النقض الواردة بمقتضى المادة 21.
المادة 25 
1. تودع هذه الاتفاقية، التي تتساوى في الحجية نصوصها بالأسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والفرنسية في محفوظات الأمم المتحدة.
2. يقوم الأمين العام بإرسال صور مصدقة من هذه الاتفاقية إلي جميع الدول المنتمية إلي أي من الفئات المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 17 من الاتفاقية. 
______________________


السبت، 5 مارس 2016

المراهق وصناعة المستقبل ـ بوعزة بوبكر

عن أنفاس نت
"لا يمكن أن يصبح مربيا من لا يستطيع أن يحس بحياة الطفولة تسري بداخله." سيجموند فرويد.
"الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بالتربية" إمانويل كانط.
"إن الإنسان الذي ينتقل من صورة الوجود بالقوة إلى صورة الوجود بالفعل، أمر مرهون بالفعل التربوي"  هنري بييرنو.
تعد المراهقة من أهم المراحل العمرية وأخطرها على الإطلاق. إنها مرحلة عمرية يمر بها الإنسان في حياته خصوصا عندما يتجاوز مرحلة الطفولة، وتستمر حتى مرحلة النضج. رغم أن البعض يرفض جعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية محددة،و يؤكد أنها سيرورة مستمرة مع الفرد في كل فترات عمره.

إن ما جعل ويجعل جل الباحثين يركزون فترة المراهقة كمرحلة وسطى بين الطفولة والرشد، هو ما يحدث للطفل من تغيرات جذرية على جميع المستويات الجسمية والعقلية والانفعالية الوجدانية التي يعيشها المراهق في هذه السن، لهذا وجبت معاملته بأساليب وطرائق تربوية لما لهذه المرحلة من خصوصية ومن حساسية. و كل تعامل مع المراهق دون مراعاة لحساسية هذه الفترة العمرية يقود مباشرة إلى اضطرابات سلوكية وخلل في التوازن النفسي لشخصية المراهق، تجنح به في متاهات الرذيلة والممارسات المشبوهة والتعاطي للمخدرات والخمور، بل أكثر من ذلك قد تجنح به إلى عالم الإجرام والدعارة والفساد...، لهذا تحتاج أسرنا ومؤسساتنا التعليمية  وكل القائمين على الشأن التربوي إلى فهم حقيقي لشخصية المراهق، وإلماما جيدا بنظريات علم النفسي التربوي والاجتماعي، حتى تتمكن هذه الشريحة الاجتماعية من توجيه المراهق توجيها صائبا يخدم المجتمع ويجعل منه قوة فاعلة وأساسية في تنمية المجتمع والدفع بعجلته إلى التقدم.
وهذا ما يسقطنا مباشرة فيما يصطلح عليه بالتنمية البشرية-الاستثمار في البشر عوض الاستثمار في البقر والحجر. فكم من دولة لا تتوفر على مواد أولية أساسية لكنها توجد في مصاف الدول المتقدمة كاليابان وكوريا وسنغافورة... بفعل الاستثمار في طاقاتها البشرية الشابة - خصوصا وأن إحصائيات اليونسكو تؤكد أن 50 في المائة من سكان العالم الثالث، و ثلث سكان الدول الصناعية من المراهقين. هذه النسب العالية من الشباب المراهق يدعونا إلى الاهتمام بها اهتماما زائدا والعناية بها العناية الفائقة لأنها تشكل مستقبل شعوبها، فطفلُ ومراهقُ اليوم هو راشد الغد، هو اليد العاملة والمدرس الناجح، والوزير الصالح ورب المعمل والفقيه الموجه.. ألم يقل فرويد:"الطفل أبو الرجل". وبما أن نسبة المراهقين تميل لصالح الدول السائرة في طريق النمو، فهذه فرصة تاريخية لهذه الدول من أجل اللحاق بركب الحضارة والتقدم والصناعة، والخروج من التخلف عبر تركيز استثماراتها في النهوض بأوضاعهم وتعليمهم التعليم الجيد، وتربيتهم التربية السليمة، وتوجيهم التوجيه الفعال الذي يجعل منهم طاقات فاعلة في صناعة مستقبل هذه الأمم. ولا عجب أن نجد مجموعة من الدولة استثمرت في شبابها وجعلت منهم أساس نموها الاقتصادي والاجتماعي ولحقت بواسطتهم بركب الحضارة ،عكس ما نجده في بعض الدول التي تقتل طفولتهم وتبدد طاقاتهم فيما يخرب مجتمعها كما هو الحال في السودان والصومال ودول إفريقيا جنوب الصحراء وأفغانستان واليمن .. التي تعمل على تسليحهم والدفع بهم الى مستنقعات الإرهاب وحمل السلاح وقتل بعضهم البعض...، بل إن الكثير من المشاكل التي تقع بين الآباء والأبناء، أو تلك التي تحصل بين المدرسين والتلاميذ، يمكن تجنبها إذا كان الأستاذة والآباء على إلمام ولو يسير بنظريات المراهقة تساعدهم على فهم نفسية المراهقين و التواصل معهم بشكل أفضل. بل حتى الساسة مطالبين بفهم نفسية المراهق، لمعرفة كيفية الاستفادة من طاقاته، وتجنيبه الوقوع في يد جماعات تستغله فيما يضر بالمجتمع، وذلك " لما تتميز به هذه الفترة من قوة وحيوية وحماسة، فالشباب عموما يمثل طاقة حيوية تميل إلى التجديد والتغيير، ومن ثمة  فان استهواءها بالأفكار والإيديولوجيات مسألة واردة"[1]، لهذا نرى الدول المتقدمة تعمل على توجيه شبابها في صناعة مستقبلها، عكس ما تفعل بهم الدول المتخلفة كما اشرنا إلى ذلك سابقا، حيث يُصنع منهم قوة إرهابية تهدم وتخرب...
          إن المحيط التربوي والأسري الذي يدور في فلكه المراهق مطالب وبإلحاح بإعطاء العناية اللازمة لنظريات المراهقة، خصوصا في عصرنا الحالي عصر الصناعة والتكنولوجيا والتحضر السريع. كما أن الأساتذة مطالبون بتوسيع خبراتهم وإلمامهم بنظريات المراهقة حتى تتسنى لهم معرفة وسائل التعامل المثلى مع المراهقين وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على السب والشتم والضرب أحيانا، أو القائمة على الحشد والتجييش وتسميم عقول الشباب بالأفكار التكفيرية والإرهابية التي تقود الى تحريف الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها، وكذا تجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات بين الاساتذة والمراهقين وينعكس سلبا على سير الدرس ومستوى التحصيل العلمي للتلاميذ. لهذا نجد الباحثين في الشأن التربوي يلحون على ضرورة التهييء الجيد للعمل التعليمي والتربوي لصعوبته وتعقيده خصوصا وان المدرس  يتعامل مع فئة المراهقين.
        نظرا لما لهذه المرحلة من أهمية قصوى في حياة الإنسان كان لزاما تحديدها بدقة ومعرفة أسبابها ومميزاتها وما ينتج عنها. فمتى تبدأ فترة المراهقة؟ وهل يمكن الحديث عن فترة المراهقة كفترة خاصة ومحددة؟ أليس من قبيل التعسف والاصطناع المبالغ فيه اعتبار المراهقة مجرد فترة أو مرحلة زمنية يمر منها الإنسان، وليست خصائص ومميزات قد تستمر أو يجب ان تستمر معه حتى في فترة الشباب والنضج؟

       رغم ما صرحنا به سابقا من كون فترة المراهقة هي الفترة التي تتوسط الطفولة والرشد، فإن جل الباحثين لا يعترفون بذلك لأن هناك مجتمعات لا تعرف المراهقة أصلا، ومجتمعات أخرى لا يعيش فيها الطفل حتى طفولته الطبيعية، فكيف سيعيش حياة المراهقة؟ فمجتمعات العالم الثالث أو ما يصطلح على تسميتهم بالمجتمعات السائرة في طريق النمو تعمد إلى تشغيل الأطفال في سن مبكرة، أو تقحمهم في النزاعات العرقية والحروب الأهلية أو القيام بأنشطة فلاحية أو رعوية .. لكن ظهور الصناعة وما يتبع ذلك من تكوين عال للفرد المقبل على سوق الشغل أصبحت تلزم الفرد بالجلوس على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة قد تتطلب منه سنوات من التكوين "هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها الفرد الإنساني في هذا الوضع تحسسه بنوع خاص من الوجود الذي لم تكن تعرفه الأجيال الماضية في حياتها البسيطة، مما ولد الإحساس والوعي بمرحلة خاصة في الوجود البشري، مرحلة لها ثقافتها وحاجاتها وأسلوبها الخاص في الحياة، وهي مرحلة المراهقة"[2]. هذا يعني أن المراهق نتاج المجتمعات الصناعية بامتياز، لهذا لا عجب أن نجد أول مؤلف عن سيكولوجية المراهق قد ظهر سنة 1904 على يد تلميذ العالم الألماني فونت مؤسس علم النفس ومؤسس أول مختبر لعلم النفس العلمي في مدينة لايبزج بألمانيا، هذا التلميذ هو ستانلي هول. مع ذلك لا يصح كما قلنا سابقا اعتبار المراهقة مستقلة عن بقية المراحل الأخرى، بل ينبغي النظر إليها كما يقول البعض كسيرورة، "أي عملية حياة مستمرة ومتصلة". كما أنها تختلف من بيئة اجتماعية إلى أخرى باختلاف القيود والأنماط والنماذج السلوكية لكل بيئة سوسيو-ثقافية".[3]
إن ما دفعنا إلى الاهتمام بالمراهقة هو التغيرات السريعة التي تحدث للفرد في هذه المرحلة سواء على مستوى  الجوانب النفسية أو الاجتماعية أو العضوية لشخصيته، فهي مرحلة ذات إيقاع سريع جدا، حيث يعرف المراهق نموا جسمانيا سريعا وطابعا نفسيا متغيرا يلاحظه الجميع ، وهذا ما يقتضي على حد تعبير احمد أوزي من "الآباء أو المدرسين، معرفته من أجل السعي لتحقيق توافق المراهقين مع مختلف المواقف ومساعدتهم بقدر الإمكان، على تجاوز صعوبات ومعاناة هذه المرحلة."[4] فإلمام الآباء والمربين وكذا المراهقين بخصوصية هذه المرحلة تسمح بتحسين التواصل بينهم وتجنب المشاكل، وكذا توجيه المراهق التوجيه الذي يخدم البلاد والعباد...
لهذا وجب حصر دلالة المراهقة.  فما هي دلالات المراهقة؟
في لسان العرب لابن منظور نجد:"راهق الغلام، فهو مراهق إذا قرب الاحتلام. والمراهق: الغلام الذي قارب الحلم، وجارية مراهقة. ويقال جارية راهقة وغلام راهق، وذلك ابن العشر إلى إحدى عشر" أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب. وفي ذلك المعنى يقول "الزمخشري" رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ وصبي مراهق أي مدان للحلم"[5]. يتبين أن المراهقة لها علاقة بالبلوغ والقدرة على الإنجاب حيث لا نجد تمييزا بين المراهقة والبلوغ والقدرة على التناسل والتزاوج والتوالد. نفس الأمر نجده في المعاجم الفرنسية:فمصطلح مراهقة يقابله اللفظ " adolescence " المشتق من الكلمة اللاتينية   "adolescentia " التي تشتق ككلمة   " adolescens" من الفعل اللاتيني " adolescere" الذي يترجم بمعنى كبر "grandir". فالمعنى الحرفي للمراهقة يعني كل المرحلة العمرية التي تتصف بالنمو والتطور، فهو ينطبق على المرحلة التي يصل فيها النمو الجسمي للفرد الاجتماعي إلى نهايته. لهذا لا عجب إن وجدنا البعض يعرف المراهقة على أنها المرحلة التي يكتمل فيها النمو الجسمي للفرد فيأخذ الجسد شكلا جديدا.
في معجم روبير نجده يعرف المراهقة انها"adolescence :âge qui suit la puberté et précède l’âge adulte (environ de 12 à 18 ans chez les filles, 14 à 20 ans chez les garçons). Un amour d’adolescence , adolescent, entre , jeune garçon, jeune fille à l’âge de l’adolescence". يتبين من خلال هذا التعريف (معجم rebert ) أن هناك تميزا بين المراهقة والبلوغ والرشد على اعتبار أن المراهقة هي المرحلة التي تلي البلوغ وتسبق سن الرشد والممتدة ما بين 12 و 18 بالنسبة للإناث، 14 و20 سنة بالنسبة للذكور. ومع ذلك يتبين أن جل التعاريف تجعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية سابقة على سن الرشد.
وفي معجم "ليتريه" littré  " نجده مفهوم adolescence" هي "المرحلة التي ينتقل فيها الكائن من الطفولة إلى الرشد، أي الانتقال من مرحلة الاتكالية إلى مرحلة الاعتماد على الذات".
ويعرف "مارشال"  "marshall" المراهقة أو البلوغ بالمرحلة التي يصبح فيها الكائن ناضجا جنسيا مع ظهور الخصائص التكوينية  التي تؤدي إلى اختلاف كلي بين الذكورة والأنوثة. وخلال هذه المرحلة يصبح للخصائص الجنسية الثانوية أهمية كبيرة لأول مرة، بينما الأعضاء الضرورية للتناسل تأخذ حجمها الطبيعي"[6]. "إن هذا التعريف يتوافق مع التعريف الشعبي الذي يعتبر الجنس هو المصطلح المستخدم لوصف انقسام أفراد النوع الواحد إلى شكلين متكاملين ومتناقضين يعرفان بالشكل الذكوري والشكل الأنثوي"[7].

يتضح من خلال هذه التعاريف السابقة أن هناك ربطا بين البلوغ والمراهقة،  بين المراهقة والنشاط الجنسي التناسلي: فهل المراهقة هي البلوغ أم بينهما اختلاف؟ هل يتفق التعريف البيو-نفسي مع التعريف البيو-جنسي للمراهقة أم يختلفان؟ أين تتجلى أوجه الاختلاف وأوجه التشابه؟ وما هي نتائج التغيرات البيولوجية على نفسية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية؟ هل للتغيرات الجنسية تأثير على الجانب النفسي والاجتماعي للمراهق؟
لا ينفي التعريف البيو-سيكولوجي للمراهقة نمو المظاهر البيولوجية والجنسية، لكنه ينصب حول دراسة التغيرات النفسية الغامضة التي تصاحب هذا النمو في الأعضاء الجنسية والمورفولوجية، وهذه التغيرات لها بالغ الأثر على شخصية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية لأن النظام العلائقي للشخص مع الآخرين يتغير بكامله. لهذا نجد بعض علماء النفس يعتبرون هذه المرحلة مرحلة اضطراب ومعاناة. إنها في نظرهم مرحلة أزمة خانقة يمر بها الفرد في حياته خصوصا في المجتمعات الصناعية التي يطول فيها انتظار الفرد فرصة الاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، وحيث حياة الدراسة تأخذ منه وقتا طويلا للاندماج، عكس مجتمعات البوادي التي تشكل مرحلة المراهقة مرحلة قصيرة نظرا لاندماج الأفراد مبكرا في الحياة العملية كالأعمال الفلاحية والرعي والزواج المبكر وتكوين الأسرة.... هذا الاختلاف دفع بعض الدارسين إلى القول بأن مرحلة المراهقة وليدة المجتمعات الصناعية وليس المجتمعات التقليدية... وهناك ما يؤكد ذلك خصوصا إذا أخذنا بعض الأدوار التي قام بها بعض الشباب وهم صغار السن، فهذا أسامة بن زيد يكلفه الرسول صل الله عليه وسلم بتكوين جيش عظيم تحت إمرته وهذا دليل على أن هذا الصحابي لم تكن المراهقة لديه أزمة بل كانت طاقة وظفها فيما يخدم قضية الإسلام.... المراهقة إذن فترة تبتدئ بالبلوغ أي الطمث  عند المرأة والمني عند الرجل وتنتهي بمشاركة الفرد في الحياة الاجتماعية وامتهانه مهنة ما وحصوله على حقوقه المدنية والزواج وتكوين أسرة...
كثيرا ما تُفهم المراهقة كأزمة فهل هي كذلك أم هي مجرد تأزيم نظرا لسوء فهمنا لها؟ يقول الدكتور احمد أوزي :" سعيا لفهم شخصية المراهق وما يعتمل داخلها، نلقي نظرة وجيزة على أهم ما يطبع هذه الشخصية ويسبب لها مثل هذا الاضطراب. إن المراهق في هذه المرحلة من العمر يلتفت كثيرا إلى ذاته وينظر إلى نفسه كذات مستقلة ويحاول بنظرة مقارنة النظر إلى خبراته الحالية كيف تختلف اختلافا كبيرا عما كانت عليه أيام الطفولة السابقة على مرحلة المراهقة، وليس الوعي بالذات وليد مرحلة المراهقة، فهو يبدأ منذ الطفولة، ولكن الجديد فيه هو تعميق هذا الوعي وبلورته. ويدعو العالم السيكولوجي "يونج" هذه الظاهرة "تيقظ الشعور" أي شعور المراهق بذاته وآنيته على نحو لم يسبق له مثيل في حياته السابقة، وتيقظ الشعور هذا، أو الشعور بالآنية أو "الميلاد النفسي" بتعبير يونج نفسه يتم بعد البلوغ وانبثاق الحياة الجنسية، حيث تظهر تغيرات جسمية مفاجئة  وطارئة بشكل يثير انزعاج المراهق ويجعله يركز اهتمامه على ذاته وتفحصها وتقويمها"[8]. هذا يعني أن المراهق يهتم بذاته اهتماما متزايدا إلى حد المرض خصوصا مع النمو السريع لأعضائه وجسمه في هذه المرحلة العمرية، ويقف أمام المرآة لوقت ليس بالهين يتأمل جوانب جسمه ومناطقه التي أصابها النمو السريع مما يجعله يحس بالانزعاج  والإحراج والاضطراب، وبالأخص " إذا كان الأفراد المحيطين به لا ينقطعون في كل مناسبة عن إثارة انتباهه إلى هذه التغيرات كعلامة على تخطيه الطفولة ووجوب ابتعاده عن أعمالها وسلوكها الطفولي".[9] وسبب هذا الإهتمام المتزايدة هو التغيرات الجسمية التي تطرأ على جسم المراهق أو المراهقة كطول الساقين  واستدارة الفخذين ونبت الشعر على الوجه وتضخم الصوت وتغير  ملامح الوجه، وبدء الطمث لدى المراهقة وبروز النهدين، إلى غير ذلك من المظاهر الأساسية أو الثانوية التي تلحق جسم المراهق أو المراهقة فتجعله يهتم بنفسه لمعرفتها، لأنها أصبحت شيئا غريبا يحتاج فعلا إلى المعرفة بعد أن كان مألوفا وعاديا في مراحل النمو السابقة. في ظل هذه الظروف نجد المراهق يحاول التخلص من عالم الطفولة وينجذب نحو أفاق المستقبل الرحب. هذه الرغبة في التخلص من الطفولة هي ما يَصطلح عليه "ليفين" "lewin " "تغيير الانتماء للجماعة".هذه المحاولة ليست بالسهلة ولا بالهينة بل تترتب عنها اضطرابات شديدة تعود أسبابها إلى:
1-عدم مساعدة الراشدين له في عميلة الاندماج في عالم الراشدين، وعدم الاعتراف بقدراته وكفاءته، مما يجعله يحس أنهم لا يعترفون له بذاته...
2-هذا الانتقال يتطلب منه أساليب جديدة للتكيف والتوافق. والمراهق ورغم إحساسه بالكفاءة فانه يحتاج إلى مزيد من النضج، لأن اصطدامه مع موقف معين في عالمه الواقعي يصيبه بالذهول والضعف وعدم القدرة على تجاوزه، مما يجعله يرتد إلى الوراء،ثم يحاول فإذا وجد من يقف معه ويمده بالعون ويوجهه ويساعده استطاع الاندماج في عالم الراشدين، وان لم يجد من يقف معه ويأخذ بيده تعرضت حياته للاضطراب والصراع فيدخل في حرب مع المجتمع الأسرة والأساتذة والأصدقاء أي المحيط) بهدف نيل اعترافه بذاته وباستقلاله باعتباره الهدف الذي يسعى إليه كل مراهق.
3-هذا الانتقال كذلك هو انتقال إلى جماعة جديدة جماعة الكبار، وهذا يتطلب معرفة بهذا العالم الجديد لكن المراهق لا دراية له بهذا العالم. هذا الجهل بعالم الكبار والغموض الذي يكتنف المراهق يجعله في تردد وخوف وحيرة وعدم ثبات السلوك مما يجعله يدخل في صراع وحرب مع المجتمع وهذا يحتاج إلى مساعدة وتوجيه من قبل الكبار؛"فالمراهق لا هو بالطفل ليبقى مع جماعة الأطفال، ولا هو براشد لينضم إلى جماعة الراشدين. فهو شخص يقف على الحدود بين جماعتين غير متأكد من انتمائه إلى إحداهما وموقف كهذا يسلم صاحبه إلى عدم الاستقرار الوجداني، وإلى الحساسية الانفعالية الزائدة، هذه الحساسية النفسية التي عبر عنها المهتمون بسيكولوجيا المراهقة، بقولهم: إن المراهقة تعتبر "فترة الزوبعة النفسية أو العاصفة الذاتية"[10].
4-هناك مشكل آخر يعانيه المراهق ألا وهو مشكل القيم، فالقيم التي يتلقاها المراهق في المنزل في الأسرة ليست هي القيم الموجودة في الكتب التي يطالعها الفرد، كما أنها ليست القيم التي تعمل وسائل الإعلام على نشرها وترويجها. ونحن نعلم أن وسائل الإعلام أصبحت تلعب دورا خطيرا في عالم اليوم. إن هذا التضارب في القيم وعدم قدرة المجتمع على تحديد نوع القيم التي يجب إكسابها للأطفال والمراهقين تدفع إلى نشأة جيل جديد يعاني تمزقا وتشتتا نفسيا...لهذا وجب الاهتمام بهذه المرحلة وإعطائها العناية اللازمة.
من خلال ما سبق يتبين أن مفهوم المراهقة يختلف عن مفهوم البلوغ بمعناه الجنسي: فما علاقة المراهقة بالبلوغ؟
إن الفرق بين المراهقة والبلوغ يكمن في اقتصار هذا الأخير على الجانب العضوي الجنسي من المراهقة فقط، فالبلوغ هو"المظهر البيولوجي لمرحلة المراهقة، وهو يشمل المرحلة التي يصبح فيها الكائن قادرا على التناسل"[11]. إنه "المرحلة التي يتم فيها النضج الجنسي الذي يحصل عند الإنسان خلال مراحل تستمر لفترات طويلة، تنتهي عادة في الوقت الذي تصل فيه الفتاة إلى مرحلة نضج المبيضين وبدء الطمث، والفتى إلى مرحلة القذف"[12]. وكما جاء في لسان العرب لابن منظور:"بلغ الغلام: احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه والتكليف، وكذلك بلغت الجارية. التهذيب: بلغ الصبيّ والجارية إذا أدركا، وهما بالغان".  فترة البلوغ لا ترتبط بأول طمث للأنثى وأول قذف للذكر، بل ترتبط بالقدرة على التناسل.  وقد حدد العلم فترة البلوغ تقريبيا ب الفترة العمرية من 11 سنة إلى 16-17 سنة بالنسبة للأنثى، ومن 12 إلى 18 سنة بالنسبة للذكر. وفترة البلوغ هذه فترة حساسة من حياة المراهق، لأنها تصيبه "بالاضطراب والارتباك وعدم التناسق مما يدفعه (كما يؤكد احمد اوزي ) إلى إتيان نوع من السلوك الشاذ وعدم القدرة على ضبط الحركات، وخاصة في المواقف التي تجمعه بالراشدين، حيث يفقد في بعض المواقف توازنه العضوي-الحركي.  وهذا ما دعا بعض السيكولوجيين إلى تسمية فترة البلوغ باسم "الفترة السلبية."[13] لكن الملاحظ أن فترات البلوغ أصبحت تأتي متقدمة بعض الشيء على ما كانت عليه في السابق ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها: تحسن ظروف الحياة والمستوى الاجتماعي للأسر وتطور الطب، لهذا نجد الأفراد حاليا يصلون سن البلوغ مبكرا عكس ما كان سابقا وذلك ل "شدة الاستثارات للجهاز السمباتي(sympathique)   ، والتي تحدثها الحياة العصرية.  فالضوء الاصطناعي والضجيج والاستثارات البصرية والعاطفية تستثير جميعها الجهاز العصبي مما يؤدي إلى تنشيط عملية الأيض (métabolisme) وهذا ما يفسر التزايد في القامة والظهور المبكر لعلامات البلوغ"[14] ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة كعامل العرق وعامل الوراثة، حيث هناك بعض الأعراق تصل مرحلة البلوغ قبل غيرها، وهناك كذلك من تصل أو يصل إلى مرحلة البلوغ كما كانت أو كان أمها أو أبوها. فهل من أسباب للبلوغ؟ ليس هناك جواب علمي حاسم في هذه الأمر، ومع ذلك هناك دراسات تقول بأن الغدد الجنسية التي كانت في حالة كمون تتيقظ بفعل الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية. لكن السؤال يبقى لماذا لم تتحرر هذه الهرمونات إلا في هذه الفترة؟
هناك دراسات افترضت وجود "مركز جنسي" في أسفل الدماغ ومنه تنطلق الشحنات التي تطلق النشاط الهرموني الذي سيكون مسؤولا عن إحداث التغييرات المورفولوجية التي ستحدد مظاهر البلوغ. ولكن السؤال يظل قائما مرة أخرى: لماذا بدأ هذا المركز بوظيفته فجأة على الرغم من تشكله في مراحل سابقة؟ ليس هناك جواب علمي دقيق على هذا السؤال ف"البلوغ هو ظاهرة طبيعية يتطلب ظهورها تكامل الأوليات العصبية والهرمونية الضرورية لاستكمالها"،إن "المظهر الطبيعي للبلوغ يتوقف في نهاية الأمر على الفعالية الوظيفية للغدة النخامية والغدد الصماء التي تنشط بفعل الشحنات المتأتية من الجهاز ما تحت ألسريري (الإبوتالموس)[15].
اذا كان البلوغ بيولوجيا يتحدد بقدرة الإنسان على التناسل، فإنه من وجهة نظر قانونية يتحدد بقدرة الإنسان علي الزواج. وبما أن سن الزواج يختلف من مجتمع إلى آخر، فإن النظرة القانونية للبالغ تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك، ففي المغرب مثلا يحدد سن الزواج في 18 سنة وهو سن البلوغ..
بعض المقاربات السيكولوجية التي تناولت ظاهرة المراهقة:

1-المقاربة الكلاسيكية لسيكولوجية المراهقة الذي أسسها الأمريكي "ستانلي هول"  "Stanley hall" والعالم "جزل"  " Arnold Gesell"فإليهما يرجع فضل تأسس أول نظرية المراهقة. "فهول" هوأول من قال عن المراهقة :"إنها مرحلة تستحق بحق أن تكون موضوع علم النفس بأكمله". يرى هذا العالم  أن "الأزمة" التي يمر منها جميع المراهقين، يعود سببها إلى تلك التغيرات العضوية التي تطرأ على بنية الفرد الشيء الذي يؤثر في توازنه العضوي والنفسي والاجتماعي. فقد  رَكزت دراستهما على "عمليات النمو الجسمية والجنسية، إلى جانب الملاحظات الطبية، ومعتبرة  أن الحياة النفسية عند المراهقين يحددها النمو البيولوجي"[16]. فالنمو البيولوجي في نظرهما لا يتوقف على  بروز وظهور الأعضاء والخصائص الجنسية الأولية والثانوية (الأعضاء الجنسية والثانوية الحيوانات المنوية والمبيض)، وإنما أيضا نموا داخليا وتغيرات هرمونية متعددة. هذه التغيرات الخارجية والداخلية لها تأثير عميق في تحديد شخصية المراهق. هكذا ترتبط المراهق عند أصحاب هذه النظرية بالبلوغ. ولما كان البلوغ عند الجميع فالمراهقة مرحلة يمر بها الإنسان عموما، أي أنها خاصية ترتبط بالجنس البشري وليس بالإنسان الذي يعيش في المجتمعات الصناعية.
خصائص المراهقة عند هول تتجلى في:
"1-أنها مرحلة الأزمات والاضطرابات وسن العواصف.
2-أنها مرحلة الإفراط في المثالية وانتشار عبادة الأبطال والتعلق بالأهداف.
3-أنها مرحلة الثورة على القديم والتقاليد البالية.
4-أنها مرحلة الانفعالات الحادة والعواطف والحب والميل إلى الجنس الآخر والصداقة.
5-أهنا مرحلة الشك والنقد الذاتي والأحاسيس المفرطة.
6-أنها مرحلة انحلال الروابط بين عوامل "الأنا" المختلفة التي تشكل تماسكها"[17] .
المشكل الذي تواجهه هذه النظرية يكمن في ربطها المراهقة بالنضج البيولوجي دون مراعاة للعوامل الاجتماعية والحضارية التي تميز حضارة عن أخرى. فالتغيرات الملاحظة في سلوك المراهقين يمكن تفسيرها في نظره بالعوامل الفيزيولوجية ذات العلاقة بوظائف الغدد دون الرجوع للعوامل الثقافية.
 يمكن تلخيص موقف هول من المراهقة في هذه الفقرة لأحمد أوزي والتي يقول فيها:إنها "العواصف والتوتر النفسي" وذلك لوصف مزاج المراهق وسلوكه الانفعالي المتسم بالتعارض والتناقض بين الأنانية والمثالية، وبين الحب والكره والحنان والقسوة. الخ..."[18].
2-المقاربة الأنثروبولوجية الاجتماعية: ويمثل هذه المقاربة كل من "مالينوفسكي" و "ميد مارجريت"  " Margaret  mead،هذه الأخيرة " تنفي  الطرح السابق، وذلك بعد القيام بعدد من البحوث الأنثروولوجية على مجموعة من القبائل البدائية التي اكتشفت بغينيا الجديدة (قرب استراليا)، حيث ثبت أن المراهقين في تلك القبائل لا يمرون إطلاقا بتلك "الأزمة" مما يؤكد أن هذه المشكلة حسبهم لا ترجع إلى التغيرات العضوية فقط، بل إلى موقف المجتمع بتقاليده ومعاييره ومعاملاته من ومع المراهق.
لقد بينت "مارجريت ميد" أن  ما ذهب إليه "هول"من اعتبار المراهقة "أزمة" ترتبط بالبلوغ والنمو الجسمي والجنسي، لتؤكد على أن المراهقة ترتبط بقيم المجتمع ونظرته للمراهق، "أي البيئة الاجتماعية، ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية للفرد"[19].
من خلال  الأبحاث التي قامت بها "ميد" تبين لها أن المراهقة ليست مرحلة اضطرب بل هي مرحلة كسائر المراحل العمرية الأخرى، وأن بعض الشعوب التي قامت بدراستها كشعوب غينيا الجديدة جزر ساموا ببوليزيا (جزيرة ساموا تابعة لأمريكا وتوجد في المحيط الهادئ  جنوب شرق أسيا، وهي مجموعة جزر تقع بين نيوزيلاندا وهواي) واندونيسيا لا تعرف المراهقة بالشكل الذي يعرفها الفرد الأمريكي، بل يعيش حياة هادئة  "على خلاف ما يحدث للفرد في البيئة الثقافية الأمريكية، وان التباين الثقافي بين مجتمع "ساموا  Samoa –الذي درسته ميد- وثقافة المجتمع الأمريكي هو الذي يفسر الفرق الذي نجده في ملامح شخصية المراهق في كلتا الثقافتين المختلفتين. [20] هكذا إذن تربط "ميد" المراهقة بالمستوى الفكري والحضاري والثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، إلى درجة يمكن القول معها أن"هناك المراهقة الهادئة والمتزنة في المجتمعات البدائية، والمراهقة في حضارات العصر الحالي حيث يسود القلق والتنافس والسرعة، فيشب الكائن ليجد نفسه في دوامة الآفاق المتعددة والحيرة: أي طريق يختار، وأي قيم ومعايير يتبع؟"[21]
فما طبيعة المراهقة في نظر ميد؟ وهل المشكلات والاضطرابات التي تواجه المراهقين  تسببها المراهقة نفسها، أم تسببها طبيعة المدنية التي يعيشون فيها؟ وهل تختلف صور المراهقة باختلاف الظروف المحيطة بالمراهقين واختلاف مجتمعاتهم؟
بعض التجارب التي قامت بها "ميد" في بعض المجتمعات البدائية والمقارنة بينها وبين المجتمعات الحضارية كأمريكا "توصلت، في النهاية، إلى نتائج تبيّن أن شخصية المراهقين تتأثر بالنظام العلائقي الذي يقوم بين الكائن وأفراد العائلة، وبخاصة الأم في أثناء مرحلة الطفولة. وبالتالي، فان اختلاف التربية في نماذج المجتمعات البدائية التي قامت بدراستها في المجتمعات الحديثة ينعكس على مرحلة المراهقة.[22] هكذا تَبين لميد "أن أزمة المراهقة هي نتاج تناقض موقف المجتمع بمختلف مؤسساته، وعدم الثبات والاستمرارية في معاملة الأبناء والتأرجح بين الشدة والعطف والحرمان والإشباع والقسوة والتدليل".[23] غياب الصرامة والقسوة والضبط الصارم والقيم والقواعد الأخلاقية الصارمة يجعل المراهقين في هذه المجتمعات يعيشون حياة شبيهة بعالم الكبار، كما أن الإثابة والعطف والحنان والرضاعة الطبية الطويلة التي يتلقاها الأطفال في الصغر في المجتمعات البدائية لا تجعل مرحلة المراهقة عندهم مرحلة أزمة وقلق بل مرحلة عادية لا تختلف عن باقي المراحل إلا بالنمو الجسمي فقط. ولما كان الناس في هذه المجتمعات يظلون بدون ملابس كانت للأطفال معرفة مسبقة بالجسد لهذا لا يشكل عندهم النمو الجسمي أي مشكلة. عكس المجتمعات المتحضرة التي تربي أبناءها على الانضباط والصرامة في التعامل، ولا يتلقى الطفل الإثابة الكاملة بل عادة ما يُصرخ في وجهه إن هو لم يلتزم بقواعد السلوك وبالمعايير القيمية التي ينشئه عليها المجتمع. لهذا تشكل مرحلة المراهقة بالنسبة له أزمة وقلقا وتوترا ونجد عنده الأعراض العصابية.
3-المقاربة الدينامكية: تختزل  المراهقة فيما يسمى محاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية. فمرحلة الانتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة غير مستقرة لأن المراهق لا يتوفر على شخصية خاصة، فهي مرحلة التقمصات والتماهيات، أي التوحدات وتقليد النماذج إلى أن يعثر المراهق على الشخصية التي تليق به وتستهويه والتي يريدها من حيث الشكل والسلوك وطريقة التعامل والاستجابات.
ف"ألبورت"  "Gordon Willard Allport "  وهو عالم سيكولوجي أمريكي، يفسر ظاهرة المراهقة  بالتأكيد على أهمية الذات وتحديد مفهوم الشخص. لهذا ركز على أهمية الذات في حياة الفرد وفي تكوينه لشخصيته، وخصوصا في مرحلة المراهقة التي يتعاظم فيها إحساس الفرد بذاته ويعمل على إثباتها و تأكيدها. وقد اعتقد "ألبورت" أن للذات عدة مظاهر لهذا عمل على تحديد ووصف كل مظهر من مظاهرها.

-أبعاد الذات ومراحل تطورها:
أ-الذات الجسمية:يشكل الإحساس بالجسم  أول بنية في تكون نسق الذات، لكن الإحساس بالجسم يأتي بعد إحساس الطفل بمحيطه، والخبرات الحسية والإحباطات التي يتعرض لها هي التي ترتب له الإحساس بذاته.
ب-هوية الذاتidentité de soi إحساس الطفل بذاته وبصفاته المعهودة غير ما يطرأ عليه من تغير، ويبدأ الطفل في معارضة كل شخص يقف أمام استقلاله وتأكيد ذلك، لهذا نجده يردد لفظة "لا" كثيرا.
ح-تأكيد أو إثبات الذات " Affirmation de soi "  وهي خاصية تظهر مبكرا عند الأطفال، وهي من الحاجات الملازمة لنمو الطفل في كل مراحل حياته، وهي مظهر راقي وملازم للحياة، لكنه لا يصل إلى مرحلة النضج إلا بعد انفتاح الطفل على الآخرين، وهو ما يطلق عليه "بتوسع الذات".
د-تعميق الذات أو امتدادها "Extension de soi  "تتجلى في إدراك الطفل للمحيط الذي يعيش فيه والديه وأدواته وبيته، أي أن ذاته لم تعد تنحصر فيه، بل امتدت وتوسعت إلى الأشياء التي يمتلكها ويتميز بها. هذا الامتداد عملية مهمة لعملية التوحد التي سيمتص من خلالها ويتشرب قيم المجتمع واتجاهاته ومعاييره...وعلى أساس هذه المعايير سيتبنى المبادئ والإيديولوجيات في المستقبل.
ه-صورة الذات " L’image de soi "صورة الذات لا تأخذ أبعادها الحقيقية إلا في مرحلة المراهقة، حيث يصبح الفرد قادرا على تكوين معايير يزن بها ذاته ويقدر بواسطتها قدراته ومهاراته ودوافعه ويتعرف على الاتجاهات والقيم التي تضبط سلوكه وتوجهه. لهذا فالمعلومات والخبرات التي يكتسبها الطفل من المدرسة والاحتكاك بالغير تلعب دورا مهما في تقييم الفرد لذاته ولما ينبغي أن يكون عليه وما يريده الغير أن يكون عليه، والأحكام التي يصدرها الغير عليه تشكل نواة صورة الذات لديه.
و-الذات العقلية Soi rationnel أو الذات العارفة Soi connaissant: أو المجهود المركزي كما يحلو "لألبورت" أن يسميه يشبه إلى حد ما "الأنا" عند "فرويد"،"لأن الأنا يسعى لضبط الدوافع الليبيدية من أجل التوفيق و إحداث التوازن بين دوافع الذات وقيم المجتمع ومعاييره حتى يحقق الفرد صورة ملائمة لدى نفسه ولدى الآخرين. إن دور هذا البعد من أبعاد الذات، دور قيادي لأنه يسعى إلى ضمان الأمن الذي يحقق التوازن الشخصي".[24]

المراهقة واستقلال الذات:
يكون الطفل في طفولته المتأخرة مهتم باكتشاف العالم المحيط به، لكنه بعد البلوغ، أي في مرحلة المراهقة يبدأ الطفل في الاهتمام المتزايد بذاته، حيث تتمحور كل أنشطته حول الذات ببيان استقلالها وتميزها عن الآخرين بعدما كان قبل ذلك يتقمص ويتوحد بالآخرين. وفي هذه المرحلة بالذات تنمو القدرات العضوية الجنسية للطفل مما يجعله يهتم بها كثيرا، كما تنمو القدرات العقلية وتزداد قوة وتعقيدا وتجريدا، حيث يصبح الفرد قادرا على ممارسة  أكثر العمليات العقلية تعقيدا.."فتغدوا مشكلة الذات أو مشكلة الهوية الذاتية محطة رئيسية يحط فيها الفرد رحاله، غير أن هذه المرة يرافقه في هذا البحث العزم والتصميم على نزع الاعتراف بها وتحقيق مكان لها، ضمن بقية الذوات الاجتماعية الأخرى، وخاصة تلك الذوات التي كان بالأمس ظلا أو مجرد شبح لها. والواقع انه كلما سارع الآخرون إلى استقبال هذه الذات أو الكينونة الجديدة والاعتراف بها والإقرار لها بحق الوجود والانتماء، كلما ساهم ذلك في إخماد الصراع وتهدئة النفس، أما إذا وقفوا لها بالمرصاد، فإنها تتخذ أساليب للدفاع عن نفسها لتحقيق هذه الذات بأساليب ملتوية.[25]
4-المقاربة الرابعة: مقاربة الضغوط والإستراتيجية المواجهة. هناك ضغط داخلي ينبعث من الذات عبر التحولات التي تعرفها هذه المرحلة وضغوطات خارجية أسرية، واجتماعية،.....الاستجابة لهذه الضغوطات تتم عبر مجموعة من الاستراتيجيات لتفادي قوة هذه الضغوطات وتجاوزها، تنتهي بعد أن يتمكن المراهق من تطوير منظومة من الاستراتيجيات في مستوى هذه الضغوطات..
فكيف يجب أن ننظر إلى المراهق؟ هل كذات سلبية تتخبط في أزمة نفسية أم كذات ايجابية تحتاج لمن يتفهمها ويتفاعل معها؟ ألا تشكل مقاربات المراهقة عائقا نظريا يحول دون الفهم الحقيقي للمراهق (بإسقاطات نظرية)؟

لائحة المراجع:
الدكتور أحمد أوزي:"المراهقة والعلاقات المدرسية"، منشورات مجلة علوم التربية -8- الطبعة الثانية، مطابع النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
الدكتور عبد اللطيف معاليقي: المراهقة، أزمة هوية أم أزمة حضارة، دراسة تحليلية للمراهقة في واقعها وديناميتها ومعظّلاتها، الطبعة الأولى 1996، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت- لبنان.
-نفس المرجع ص: 8[1]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية..ص:10[2]
-نفس المرجع ص:11[3]
-نفس المرجع..ص12[4]
-لسان العرب، المجلد العاشر، ص:130[5]
-عبد اللطيف معاليقي: المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية..ص 26.[6]
-نفس المرجع، ص:27[7]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22[8]
[9]-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22.[9]
-نفس المرجع، ص، ص:23-24.[10]
-عبد اللطيف معاليقي:المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية، ص:19.[11]
-نفس المرجع، ص:20[12]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:18.[13]
-المراهقة أزمة هوية ام ازمة حضارة، ص:22.[14]
-نفس المرجع، ص: 25.[15]
-نفس المرجع، ص:39.[16]
-نفس المرجع، ص:41.[17]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:31.[18]
-نفس المرجع، ص:32.[19]
-نفس المرجع، ص:32.[20]
-المراهقة: أزمة هوية أم أزمة حضارة، ص:77.[21]
-نفس المرجع، ص:78.[22]
-نفس المرجع ،ص:81.[23]
-المراهق والعلاقات المدرسية،ص-ص: 48-49.[24]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:49.[25]

جمالية الفرد المبدع : التفكير في الحياة على نحو آخر ـ ادريس شرود





حين قدم نيتشه مبدأي الخلق والفرح، كالشيء الأساسي في تعليم زرادشت، فثمة فعالية بشرية من وراء ذلك، مرتبطة بإرادة محررة ومرحة. وكلام نيتشه عن الإرادة، وخاصة إرادة القوة، لا علاقة لها بإرادة الهيمنة، بل بإرادة قوة خلاقة ووهابة من حيث الجوهر(1). إنها فعل إبداع لأفكار وإمكانيات جديدة للحياة، ورد فعل ضد معضلة الافتقار إلى الإبداع وإلى مقاومة الحاضر، كما يقول جيل دولوز. أكيد أن هذا الحاضر هو قيمة الوجود القصوى التي تتوجه لها كل إرادة أو معرفة من أجل إحداث تحويل في المنظور والحياة. الشيء الذي يفرض الشروع في قلب الأولويات والاهتمامات، بإعطاء الأهمية  لدور الأفراد في تقرير مصيرهم، وتجريب قدراتهم واختياراتهم، وتنظيم وجودهم. ولإنجاز هذه المهمة، لابد من إبداء تصور عن فعل التفكير، قد يساهم في  تغيير دلالة الفكر أو التفكير بشكل مختلف. لكن الانخراط في هذه الصيرورة، يقتضي العمل على الذات من أجل بنائها، كي تكون على استعداد لتعلم التفكير(2)، وتعلم الحياة .

في موانع الفكر
    تتمثل العراقيل التي تقف أمام قيام فعل التفكير،  في حلول هذا العدد الهائل من "القضاة"، والذي جعل تاريخ الفكر يمتزج بتاريخ للمحكمة(3). إذ أن البحث المضني عن الأفكار الصائبة والصحيحة، أفضى إلى قيام محاكمات أساءت إلى الفكر ومهمته، وأثارت ردود فعل لا علاقة لها بالإبداع والإنتاج. بل ساهمت في منع قيام لقاءات بين ممتهني الكتابة، واندلاع خصومات مستمرة أساءت إلى غايات الفكر. لكن ما يثقل كاهل الفكر، هو المحاكمة الكبرى للوجود، المبنية أولا على تصورات ميتافيزيقية وأخلاقية صلبة، تقوض كل إمكانية تستهدف تحرير الفكر من سلطة التمثيل والتشميل، وثانيا على مفهوم للحقيقة يضعها في تعارض مطلق مع الخطإ، تكون نتيجته الاستغراق في البحث عن ذلك التوافق الهادئ بين فكر وموضوع، يصير معه إدراك العالم وأشيائه منوط بالفكر والخيال والذاكرة(4). تتظافر إذن هذه العراقيل وتترابط لتؤسس للصورة الوثوقية للفكر المبنية على جملة من التصورات القبلية ونماذج الفهم والتمثل التي تنسل إلى أنساق الفكر والمعرفة ، لتأخذ فيها صورة "المسلمات" والمبادئ المؤسسة للتفكير(5). تفترض هذه المسلمات ضرورة الإدعان والامتثال والخضوع للحقيقة المتعالية التي ترسخت عبر الزمن، عن طريق تفعيل إجراءات وألاعيب وطقوس ومؤسسات. يتساوق مع هذه الصورة الوثوقية للفكر، واقع جديد مبني على ثقافة الاستهلاك والمنطق الربحي. هكذا صارت الحياة تأخذ قيمة عدم بمقدار ما يجري نفيها والحط من قيمتها، والحط من القيمة يفترض دائما وهما، ولعل هذا الوهم الجديد هو"البضاعة". فالحياة المعاصرة تقاس بمقدار ما يستهلك الفرد وليس بما ينتج. لذلك نرى الآن صعوبة ولادة المبدع، بل صرنا  نفتقر إلى الإبداع، نفتقر إلى مقاومة الحاضر، يؤكد جيل دولوز.

في تفاؤل الفكر
    حين أعلن مارتن هايدغر، إننا لا نفكر بعد، فثمة أصل لهذه الموضوعة لدى نيتشه؛ ننتظر القوى القادرة على أن تجعل من الفكر شيئا فاعلا، فاعلا بصورة مطلقة، الفاعلية القادرة على أن تجعل من الفكر إثباتا(6). تلك القوى التي تنتمي إلى الحاضر، وتتأثر بما يجري فيه، قوى يتواصل عندها خط الوجود بخط الفكر غاية في إبداع إمكانات جديدة للحياة. لذلك دعا هايدغر إلى ضرورة اختيار المساءلة الأكثر جدارة التي تخول بحق، الترابط والتماسك الضروريين لإبداع خلاق ينفتح على المستقبل. إبداع  يدع كل ما هو قائم هنا في مكانه، ليعمل من أجل حصول تحول في ماهية الإنسان كضرورة نابعة من الوجود نفسه(7). لكن تحقيق مطلب الإبداع والتحول، يفرض الإنخراط في بناء الحاضر، عن طريق فحص وتشخيص الصيرورات الراهنة، وتهيئ الوسط الملائم لاحتضان الفرد المبدع، أملا في بزوغ الجديد والمهم . لكن هذا المطلب تعترضه مشاكل حقيقية، مرتبط بالتوجيه والتحكم، والتأثير الأمثل على الأفعال والسلوكات، والتفسخ الاجتماعي والفوضى  التي ينشرها عصر الاستهلاك. على هذا الأساس تتعالى عدة أصوات للتنديد بالشكل الحالي للدولة الديمقراطية، المدعمة بكوجيتو التواصل، والذي ساهم بشكل كبير في انحطاط وابتذال الحياة، وانتشار أنماط من الحياة ومن التفكير –من أجل- السوق، فيكاد الفكر ذاته يقترب أحيانا من حيوان يحتضر أكثر مما يقترب من إنسان حي، حتى وإن كان ديمقراطيا(8). ضد منطق هذا العصر، ننادي بأعلى صوتنا على الفرد المبدع، الذي بإمكانه أن يعمل ضد العصر، ويعطي معنى آخر للفكر، و يجعل منه  قوة لا تختزل في الوعي، فكر يمضي إلى أقصى ما تسطيعه الحياة، فكر قد يمضي بالحياة إلى أقصى ما تستطيعه (9). إن تفاؤل الفكر هو تعبير أصيل عن تلك القرابة الرائعة بين الفكر والحياة: الحياة الجاعلة من الفكر شيئا فاعلا، والفكر الجاعل من الحياة شيئا ما إثباتيا(10).

الفكر والحياة 
                يشكل الولع ب"عالم الأشياء"، حسب عبارة جورج سيمل، أعظم شكل ارتكاسي للحياة المعاصرة، حيث انتشار أنماط من التفكير والحياة من أجل السوق، وسيادة المنطق الربحي في العلاقات الإنسانية، وبالتالي الحط من قيمة الحياة تحت ضغط الوهم الجديد: البضاعة. لم تعد تقاس قيمة الحياة بناء على الإنتاج والإبداع، بل على التبضع والاستهلاك، الربح والتملك. تزامن هذا النزوع مع تطور تكنولوجيا الاتصال وأشكال الدعاية، حيث التواصل الفوري عبر مسافات شاسعة أو "مونتاج"، أي وضع الصور جنبا إلى جنب لضمان التأثير الأمثل(11)، والذي يكون من آثاره المباشرة، حسب جيل ليبوفيتسكي، توليد تفسخ اجتماعي عام ومتعدد الأشكال، خفيا ومصغرا. لهذا نؤكد مع دولوز،أن العار قد بلغ مداه الأخير، حين أضحى رجل الدعاية هو المنتج الوحيد للأفكار، والإعلام هو الإبداعية.
 تفرض هذه الظواهر الجديدة التي تطبع الحياة المعاصرة على الفكر، العمل على إنتاج حقائقه كشكل للمقاومة. لكن مواجهة خصوصية العصر الحاضر يتطلب التحلي بالشجاعة والدخول  في تجربة جديدة، أسميها "تجربة الفقدان"؛ فقدان ذلك العالم القديم الذي أصبح يختلف جذريا عن عالمنا المعاصر، والتأسيس لحياة جديدة مبنية على الاهتمام الزهدي بالحاضر.، وولوج علاقة عميقة مع الفكر خارج ترسبات الحداثة الضيقة، بتعبير دولوز. إن الإعلان عن هذه الرغبة في الحياة والتفكير بطريقة مختلفة، يفرض علينا مقاومة مزدوجة، مقاومة التصورات التقليدية للفكر، ومقاومة المنافسين الجدد(12) الذين استحوذوا على فضاءات الإبداع.
تتطلب مقاومة الصورة التقليدية والدوغمائية للفكر، تفعيل تجربة الفقدان، عن طريق تعنيف آني مطلوب، يسمح لنا بالانفكاك من أنفسنا، والقيام بالتدميرات الضرورية لطرق تفكيرنا الكلاسيكية. بينما تتطلب مقاومة المنافسين الجدد، الكف عن إبرام تواطؤات مخزية مع القيم والمثل والآراء التي ينشرونها، وتحويل اهتماماتنا نحو أشياء الحياة الحيوية، أي نحو ذواتنا وطرق عيشنا وعلاقتنا بالآخرين. إن المقاومة تعني هنا، الشروع في إعادة بناء عالمنا، ولتكن البداية بإبداع أحداث صغيرة جدا، أفضل بكثير من إنجاز دراما أو تاريخ، كما يؤكد دولوز.

الفرد المبدع والأمل في مستقبل جديد
    يرتكز التفكير في الحياة بشكل مختلف، على مقاربة نقدية لعالمنا المعاصر، يتآلف فيها  النقد والإبداع. فمن جهة النقد، من المستعجل  التحول عن ذلك الاهتمام المرضي بالهوية والتراث ونقد العقل ونقد نقد العقل، لطرح مسألة الإرادة، والقوى التي تريد تحقيق كسر حقيقي لا تسامح فيه، لأنه يضع حدا لوجود الماضي، كما يؤكد سكوت فيتجيرالد. فيصير النقد اشتغالا على الحاضر وإدراكا للعالم الظاهر، وإثباتا للحياة ولبراءة الوجود. بهذا المعنى يكون فعل المناداة على الفرد المبدع، أملنا في تحقيق النقد الفعال، المبني على تدمير القيم السائدة والشروع في خلق أخرى جديدة. أما من جهة الإبداع، فنحن مطالبون بمنح تقدير أكبر للفرد المبدع ككائن نبيل؛ يعني قادر على التحول(13) و العطاء، وعلى خلق إمكان جديد للحياة. فهو الذي باستطاعته تجسيد الفضيلة السامية، أي "الفضيلة التي تمنح". فضيلة  تقوم على تفعيل القوة، وتجريب ما يستطيعه الجسد، وتحرير الحياة حيثما هي أسيرة. ما يميز هذا الكائن النبيل والنادر اليوم، هو انشغاله  بالعمل على ذاته وتعنيفه لفكره، غايته في ذلك تحقيق التحرر من الأنا  الضيقة  والميولات السلطوية الحزينة، والخروج نحو آفاق الوجود اللامتناهية، ومواجهة  غلمة العالم وقوته، إنه المبدع بالمعنى التراجيدي(14).

الهوامش:
1- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، الطبعة الأولى، 1993، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1993، لبنان، ص110.
2-مارتن هايدغر: ما معنى التفكير؟ مقالة منشورة  ضمن كتاب "التقنية-الحقيقة-الوجود"، ترجمة محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1995، ص185.
3-جيل دولوز-كلير بارني: حولرات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص18.
4- عادل حدجامي : فلسفة جيل  دولوز في الوجود والإختلاف، دار توبقال، الطبعة الأولى، 2012، ص96.
5- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص86.
6- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص138. يقول دولوز:"لا يجري الإنسان أبدا إلى قوى فعلية تصنع الفكر، ولا ينتسب الفكر بالذات، أبدا، إلى القوى الفعلية التي يفترضها بوصفه فكرا"، نفس المرجع، ص132.
7- مارتن هايدغر: عصور تصورات العالم، مقالة منشورة ضمن ضمن كتاب "التقنية-الحقيقة-الوجود"، ترجمة محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1995، ص137.
8- جيل دولوز- فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، ص120.
9-- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص129.
10-- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص130.
11-محمد هشام: الحيوية: فلسفة تميز علوم الحياة، مجلة فكر ونقد، عدد32، أكتوبر2000، السنة الرابعة، ص36.
12-المنافسون الجدد: الإعلام ومعارفه، المعلوميات، التسويق التجاري، فن التصميم والدعاية.
13-Gilles Deleuze: Mystère d’Ariane, Magazine Litteraie, Avril 1992, p24.
14-- عادل حدجامي : فلسفة جيل  دولوز في الوجود والاختلاف، ص163.