الخميس، 4 فبراير 2016

عن قرار فصل التكوين عن التوظيف في مجال التعليم


بقلم جمال هبوز المستشار في التوجيه التربوي بنيابة زاكورة



عن علوم التربية  حسن اللحية

 لا أحد من المغاربة يروقه  الوضع المتأزم للتعليم بالمغرب و الذي يؤكده بالملموس سواء الواقع أو التقارير الوطنية أو الدولية حول الموضوع.  لقد بادر المغرب في السنوات الأخيرة الى القيام بعدة إصلاحات  بدءا من الميثاق الوطني للتربية و التكوين مرورا بالمخطط ألاستعجالي ووصولا الى الرؤية الإستراتيجية 2015-2030  لكن لحد الآن دون جدوى.  تعد نقطة إزاحة الوزير الوفا عن حقيبة التربية الوطنية في التعديل لحكومي الأول لبن كيران و تنصيب الوزير بالمختار كوزير تقنوقراط و تفعيل المجلس الأعلى للتعليم  نقطة مفصلية  في الموضوع فهي إشارة واضحة على خروج التعليم من التدبير السياسي للحكومات الى تدبير وزير يتحكم في قراراته المجلس الأعلى للتعليم  و لو انه قانونيا  هو مجلس استشاري فقط.
      لقد عرفت الاربع سنوات الأخيرة  خروج العديد من المذكرات و المشاريع و المراسيم  و التي تروم في مجملها الى تنويع العرض التربوي و إعادة بناء مخرجات المنظومة التربوية مع احتياجات سوق الشغل كالباكالوريا الدولية و الباكالوريا المهنية و الإجازة المهنية و عملية تكوين 10000 إطار تربوي في افق 2016 و عملية تكوين 25000 طالب مجاز  في صفوف العاطلين من أجل إعادة  إدماجهم في سوق الشغل. لكن يبقى المرسوم  رقم 588-15-1 لدخول  مراكز تكوين الأساتذة،  أكثر المراسيم التي خلفت ردود أفعال متباينة  لدى الفاعلين التربويين، و الذي فصل لأول مرة التكوين عن التوظيف . و كما أن  لأي إجراء او مشروع جديد ايجابياته و سلبياته فسوف أتطرق في هذا الموضوع إلى بعض ايجابيات و سلبيات هذا المرسوم بعيدا عن العاطفة و الشعارات النقابية و أحكام القيمة المسبقة و مؤيد للحكومة و معارض لها و بعيدا عن تدجين الجماعة لافكارنا و بعيدا عن ثقافة البحث عن الانصار و المتعاطفين.  و أتمنى أن أوفق في ذلك :
1)      ينتقد البعض هذا المشروع بكونه سيخرج لنا أساتذة معطلين و أنا اطلب  الجميع  إعادة  قراءة الموضوع  من زاوية أخرى .ماذا لو لم يتغير المرسوم ؟  ماذا لو تم فتح التكوين  ل8640 موجز فقط (حسب المناصب المالية لقانون المالية ل 2016)؟ هل كان سيكون مصير  1360 موجز المتبقية من 10000 أفضل؟ ألن يكون مصيرهم  أسوء من الان، أليس  النظام الجديد أفضل  من سابقه،على الأقل سيستفيدون  1360 موجز من تكوين بمنحة شهرية ب 1200 درهم و سيحصلون في أخر السنة على شهادة تخولهم العمل  سواء في التعليم العام او الخاص؟.
2)      يعتبر رجل التعليم الركيزة الرئيسية لأي إصلاح لمنظومة التعليم كما يعتبر التكوين الرصين إحدى هذه الركائز دون  إغفال  تحسين الظروف المادية و المعنوية و العملية.  لكن ما يلاحظ مؤخرا هو فقدان التكوين للكثير من هبته و انضباطه في  العديد من مراكز التكوين  حيث وصل في العديد منها إلى حد  الاستهتار  بحجة ان النجاح مضمون  في أخر السنة، لكن سيقول البعض أن  نجاح او رسوب الأستاذ المتدرب شأن يخص  مراكز التكوين و يجب ان يتحملوا مسؤولياتهم ، قول صحيح  لكن  ترسيب الأساتذة المتدربين له  تبعات  بعده ففي  سنة 2012  و في عهد الوزير الوفا  حين أخفق  28 طالب أستاذ، في مادة اللغة الفرنسية بالدار البيضاء اجتياز امتحان التخرج سقطت  الوزارة في مشكل لم يكن متوقعا   و هو كيف ستدبر تدريس  مادة  اللغة الفرنسية بعد ان أصبح الخصاص  مزدوج  : الخصاص الأصلي المهول  أضيف إليه الخصاص الناتج عن رسوب الطلبة الأساتذة . بطبيعة الحال  إلتجـأت  الوزارة كعادتها و بسبب الاكراهات الى الحلول الترقيعية  كضم الأقسام و تفييض الأساتذة ووو. و سؤالي ماذا لو كان عدد المخفقين  اكبر من ذلك بكثير؟.  وما رأي   الفاعلين في مجال التخطيط للموارد البشرية في الموضوع؟.
3)      سيمكن النظام الجديد للتكوين كذلك في حال كان هناك خصاص كبير في بعض المواد  المدرسة في  بعض النيابات أو الاكاديميات  من فتح باب التوظيف عبر امتحان للتوظيف  فقط و حل المشكل  في أي وقت من الموسم الدراسي في حين أنه  في النظام القديم  فقد كان يتم التعامل مع هذا  الخصاص  بالحلول الترقيعية اما عن طريق عين ميكة و إما عن طريق  التوظيف بالتعيينات المباشرة او الالتجاء الى أساتذة سد الخصاص  في حالة ما تم الضغط على الدولة عبر إضرابات مستمرة و طويلة و لا أنكر أني كنت واحد ممن ساهم  في تلك الإضرابات و بالتالي  جعل الدولة  تلجأ للتوظيف عبر آليات غير صحيحة بثاثا   فيتم  إدماج طلبة حاملين للإجازة أو الماستر دون تكوين و دون أية أبجديات التدريس و نتساءل في الأخير عن جودة التعليم .
4)      سيمكن النظام الجديد للتكوين كذلك من حل حالات  الغياب الطارئة مثل مرض متوسط الأمد او طويل الأمد او الغياب عن طريق رخصة الولادة و التي تدوم ثلاثة أشهر و ما تسببه هذه الغيابات من نتائج سلبية على التلاميذ. و كل رجال التعليم يعرف جيدا  الطريقة التي  يتم بها  حل هذا الغياب الطارئ إما عن طريق عين تقنية عين شافت و عين ما شافت  و إما عن طريق ضم أقسام او تفييض أساتذة في مؤسسات أخرى و الحجة دائما  بأنه لا يوجد  هناك حل أخر لا يوجد  أساتذة  ليحلوا مكانه و هل سيبقى التلاميذ بدون أستاذ .
5)      سيمكن النظام الجديد كذلك من سد ذريعة التعليم الخصوصي، و الذي هو شر لا بد منه و موجود على ارض الواقع  و لا يمكن للمغرب ان يكون استثناءا واهم من يطالب بحذفه  ، الذي يستنزف جهد أساتذة التعليم العمومي. حيث سيوفر لهم  أساتذة بنفس جودة التعليم العمومي و بنفس الكفاءات  و بنفس الشواهد كما  تفعل الدولة  في باقي المجالات الأخرى كموظفي الصحة و المهندسين و... لكن يجب على الدولة في المقابل أن  تتدخل قانونيا  و تلزم المؤسسات الخصوصية  باحترام بنود قانون الشغل كتحديد الأجور و باقي الضمانات كالتقاعد و الضمان الاجتماعي ووو .
6)      هناك من ينتقد المشروع  كذلك كون الدولة تريد التملص من التعليم العمومي و حتى نبتعد عن الانطباعات الشخصية فأعلى رقم للتوظيف في التعليم في عهد هذه الحكومة كان  في هذا الموسم المالي ب 8640 منصب مالي دون احتساب 20 منصب للتكوين المهني  و هو رقم له دلالاته و يشير أن الدولة لم تتراجع في عدد المناصب المالية  الخاصة بالتعليم و هو ما يدحض هذه  الفكرة على الأقل في الوقت الراهن  إلى أن يبثث العكس.
    تعاني جل الوظائف العمومية من خصاص في عدد أطرها و رغم ذلك فقد وصلت  كثلة الأجور في سنة 2015  إلى 105.5 مليار من أصل 245.83 مليار درهم اي  بنسبة 42.9 % من الميزانية العامة كما تمثل كذلك  13% من الناتج الداخلي الخام و هو رقم مرتفع مقارنة مع المتوسط العام 7%  لباقي الدول النامية  و هذا لا يعني  بطبيعة الحال خفض الوظائف العمومية بل العمل و التخطيط  على الرفع موارد الدولة عبر فتح مشاريع  استثمارية و تنموية . كما تشكل عدد الموظفين في وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني 53 % من موظفي باقي الوزارات .  و كمقارنة بسيطة بين كل من  حكومة  الأستاذ إدريس جطو و حكومة الأستاذ عباس الفاسي و حكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران  فيما يخص التوظيف في المناصب العمومية و خصوصا المناصب المالية لوزارة التربية الوطنية نجد أن أن الحكومة الحالية  و بالأرقام استطاعت أن توفر أكبر عدد من المناصب المالية بالنسبة  لجميع الوزارات و حتى  بالنسبة  لمناصب وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني . و مع ذلك يبقى هذا المجهود غير كاف لسد الخصاص المهول.
( انظر الجداول  و المبيانات أسفله)

حكومة أ.إدريس جطو
2002
2003
2004
2005
2006
المجموع
عدد المناصب  المالية في وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني
6850
3500
3500
3500
4000
21350
عدد المناصب المالية في جميع الوزارات
10845
7000
7000
7000
12000
43845
حكومة أ. عباس الفاسي
2007
2008
2009
2010
2011
المجموع
عدد المناصب المالية في وزارة  التربية الوطنية و التكوين المهني
3500
5300
3800
9000
6000
27600
عدد المناصب المالية في جميع الوزارات
7000
16000
12820
23820
18802
78442
حكومة أ.عبد الاله بن كيران
2012
2013
2014
2015
2016
المجموع
عدد المناصب المالية في وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني
7200
8000
7005
7020
8360
37885
عدد المناصب المالية في جميع الوزارات
26204
24340
17925
22510
25998
116977






الأربعاء، 3 فبراير 2016

جمعية الشعلة بخريبكة في رحلة ثقافية ترفيهية لمعرض الكتاب

في إطار أنشطته الثقافية ،ينظم فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة رحلة ثقافية وترفيهية لفائدة الأطفال واليافعين لزيارة المعرض الدولي للكتاب والنشر يوم الأحد 14فبراير 2016 ،وهو تقليد سنوي دأبت الجمعية على تنظيمه من أجل تشجيع وتحفيز الناشئة على القراءة وحب الكتاب

الإسلام و الغرب: طرق استعادة الانفتاح على الآخرـ مقابلة مع محمد عابد الجابري



مقدمة:
"
أترانا مدانين لبقائنا أسرى لمنطق الحرب؛ ذلك المنطق الذي يعجزنا عن تصور العلاقات مع غيرنا دون أن نستدعي في أذهاننا العدائيات أمثال: الخطر، و الموقف المعادي، والصراع، و التهديد؛ الخ؟ 
تعالت الاصوات في الدول الغربية - تقريبا في كل مكان - ضد هذه الطريقة في رؤية مستقبل العلاقات بين الغرب و بقية العالم. 
الناس بدأوا يشككون في المعنى الحقيقي لهذا التوصيفات الثنائية المؤسفة، و اشتعالها على إخفاء الحقائق. 
ماذا تعني - حقاً - ثنائية الشرق / الغرب خلال تاريخ التوسع الأوروبي؛ أي منذ روما إلى امبراطوريات الاستعمار الحديث؟ 
ماذا تعني بديلتها المنتشرة الحالية: ثنائية شمال / جنوب؟ " 
نشر جزء من هذه المقابلة مع محمد عابد الجابري في خريف عام 2006 في مجلة ريست الإيطالية.،
و بمناسبة مرور الذكرى الخامسة لوفاة الفيلسوف الكبير (توفي في 2010)، فنحن سعداء بنشر المقابلة كاملة للمرة الأولى. [**]

ـ في كتابك عن "العقل العربي"، أشرت في إحدى النقاط إلى أن المستقبل سيكون رُشدياً (نسبة إلى الفيليلسوف العربي ابن رشد). أكنت تتهكم أم كنت تشير إلى معنى محدد لهذا الوصف؟
لقد كنت أخاطب العرب و المسلمين، فابن رشد هو [فيلسوف] عقلاني كان قد تفهم الفكر الغربي تفهماً عميقاً؛ أي الأرسطية في زمنه، مثلما كان متبحراً في الفكر الإسلامي. 
فكرة ابن رشد كانت تنبني على أن العقلانية النقدية التي نشأت في الأندلس، أي في أحضان الثقافة العربية الإسلامية، لكن ما جرى تاريخيا هو أن هذه المدرسة الفكرية هاجرت نحو الغرب.
بعد ابن رشد بدأ الانحطاط في المشرق، و في الأندلس، و في المغرب، و في ديار الإسلام، لكن المستقبل الذي تشوق إليه ابن رشد تحقق في أوروبا في القرن الثاني عشر؛ أي مع بداية عصر النهضة.
و جنبا إلى جنب مع سبينوزا و كانط و غيرهم، تبوأ ابن رشد مكانا سامقاً في الثقافة الأوروبية عبر القرنين السابع عشر و الثامن عشر و حتى القرن الـتاسع عشر.
 
و أعتقد أن هذا المستقبل الذي لم يتحقق للثقافة العربية الاسلامية يجب أن تعاد ولادته من جديد، و هذا يعني أن مستقبل الثقافة العربية الإسلامية و مرتكزاتها (الفكرية) يجب أن يكون "رشدياً"؛ أي منفتحاً، كما كان ابن رشد.
 
يجب أن تكون هذه الثقافة عقلانية نقدية، ثقافة مزودة بمعرفة عظيمة بالتراث العربي الإسلامي، و أيضاً بالغرب و تراثه، و الذي كان متمثلا في ذلك الوقت في أرسطو و الفلسفة اليونانية.
 
هذا ما قصدته.

ـ في حديثك عن العقلانية النقدية وعن "نقد العقل العربي"، كنت تستخدم لغة (نموذج) إيمانويل كانط. ماذا تقصد بالضبط؟ 
هل تقبل هذا النموذج دون الخوف من أنك قد تهاجم باعتبارك توشك أن تقترح النموذج الغربي و الأوروبي [للتبني] للمرة الألف؟
لا. أنا أعرف بالضبط ما الذي قلته.
 
الروح النقدية أو العقلانية النقدية التي أتكلم عنها ليست تعزى أساسا لكانط، لأن كانط كتب أعماله في القرن الثامن عشر.
 
[في ذلك الزمن] لم يكن العلم هو ذاك الذي عناه نيوتن و أورده في مدونته الكبرى، لأن نيوتن لم يكن قد أتى بعد.
 
فمن أجل أن يكون لدينا كانط، فإننا بحاجة إلى أن يكون لدينا نيوتن أولاً.
 
لذلك، أعتقد أن هناك ضرورة لـ[اعتماد] تطور علمي مثل ذلك [التطورالداروني] الذي غير في مجمل طرق التفكير.
 
على أي حال و كما هو معروف، فقد رددت مرارا وتكرارا أن [نقدي] هو نقد فلسفي معرفي بالمعنى الذي يحيل إلى علم فلسفة المعرفة الحديث؛ و هذا يعني أنه علم نقد أنساب معرفية يقترح الكشف عن أسس تراثنا الثقافي، و تحليل الأهمية المعرفية لجميع أنواع المعارف، و ذلك في إطار علوم الفقه و علم الكلام ، و كذلك علوم الفلسفة و علوم التاريخ، الخ.
و عندما أتحدث عن نقد فلسفي معرفي، فإنني أستبعد تماما هنا  النقد الأيديولوجي.
 
أنا لا أستعمل النقد الأيديولوجي مع أي مدارس فكرية، حديثة كانت أم قديمة.
 
لا أفعل ذلك.
 
النقد الفلسفي المعرفي يكمن في تحليل النظام المعرفي في جميع المجالات؛ أي الأسس المعرفية للخطاب اللاهوتي العلمي الحديث.

ـ  تكمن أصالة مشروعك [الفكري] في إيلائه الاهتمام بالعلم، و بفلسفة المعرفة لدى ابن رشد و لدى كانط، و بالفلسفة النقدية، ثم بببحوثه المتقدمة في أسس التقنيات و العلوم. 
كما أن كتبك  مقروءة من قبل تقريبا جميع الشباب، و في الجامعات، و بين جميع المدارس الفكرية؛ سواء كانت ماركسية، أوعلمانية، أو متأسلمة، أو حتى متطرفة؛ جميعهم يحيلون إلى أفكارك. 
كيف تفسرون ذلك؟
ربما يعود ذلك، باحتمال مقبول، لتجنبي الماجدلات و الخوض في صراعات أيديولوجية، و لتركيزي على [البحث في] منهجية و أسس المعرفة، منحياً – بذلك -  الأيديولوجيات جانباً. كل ذلك من أجل هو تحليل الأفكار؛ ليس بالدرجة الأولى باعتبار فحواها، لكن بالأحرى باعتتبارها أدوات لخلق المعرفة العلمية و الأيديولوجية.

ـ إذن لم يؤدّ العلم نفس الدور الذي أداه في التجديد الثقافي الذي جرى في أوروبا. لماذا؟
لأنه لم يتجاوز أبداً أصوله اليونانية.
 
الحضارة العربية الإسلامية ظهر فيها عدد من الفلاسفة الكبار مثل: ابن سينا و ابن رشد، لكن بالنسبة إلى العلوم المبنية على الاستقراء و الممارسة فبقيت مقتصرة على فقهاء الشريعة وحدهم، و هم الذين كانوا يهتمون بالـ "مفصل"، و بالـ "وقائع"، كما أنهم مارسوا القياس.
أما الفلاسفة فظلوا منساقين إلى "الكلي" و "المجرد"؛ بعبارة أخرى أي: القياس المنطقي اليوناني الأرسطي،  فدرسوا الطبيعة باستخدام الميتافيزيقيا، في حين قام العلماء بدراسة الظواهر الطبيعية من وجهة نظر مختلفة؛ و هي "أسباب الحدوث".
 
و بالتالي العلوم، بالمعنى الدقيق للكلمة، لم تكن تقف إلى جنب الفلسفة في صراعها مع الدين، كما حدث في أوروبا، بل عملت في كثير من الأحيان خارج هذا الصراع.
 
و كانت النتيجة أن في الإسلام لم يمارس العلم نفوذه على العقل.
النموذج التجريبي لم يكن موجوداً حينها؛ لأنه ولد مع النهضة الأوروبية.
 
لكن مع استخدامه بدأ تصور الأحداث على أنها تحدث لسبب ، كما يجري في الطبيعة.
 
الأحداث "لها أسباب"، و صار العقل ينظر في هذه الأسباب.
 من الواضح أن العالم الجديد [حسب التاريخ] كان [قد بدأ من] هنا بالضبط.
لكن في نفس الوقت الذي بدأت فيه نهضة أوروبا، بدأ الانحطاط في عالمنا. ثم جائت المدارس الفكرية العرفانية، ثم غزوات التتار و المغول و العثمانيين، ثم الاستعمار الغربي.
 
[هكذا ترين أن] قصتنا مختلفة تماما.

ـ بما أنك ذكرت الموروث الصوفي (العرفاني)؛ هناك [باحثون] كثيرون يدرسون الطريقة التي يمكن بها تسريع [وتيرة] التحديث في العالم العربي الإسلامي بشكل عام. 
بهذا المعنى هل هناك حاجة لنوع من الحركات الإصلاحية؟ 
يعتقد البعض أن الحركة الإصلاحية الأكثر نجاعة لمستقبل التحديث هي: الإصلاحية المعقلنة.

ـ بينما يرى آخرون، مشيرين إلى قضية التصوف،أن هناك بديلا آخر يتمثل في اللجوء إلى حركة إصلاحية روحية. ما هو موقفكم حول هذا الموضوع؟

لقد شرحت هذه النقطة في غير كتاب من كتبي.
 
في رأيي: أن التصوف هو تجربة شخصية، و هو من الوسائل المفيدة في مجابهة الأزمات و القضايا الشخصية، أو الأزمات الميتافيزيقية - إذا راق لك التعبير.
 
إذن فهو مسألة فردية، و لا يمكنك أن تنهضي بأمة بناءاً على مفاهيم التصوف.
 
إنه يعني الاحجام عن التصدي للعالم؛ أي أنه نقيض للنهضة، و نقيض للتجديد، و هو في الاتجاه المعاكس للعلم، كما تعلمين جيدا.
 
و بالتالي فإن أي شخص يعاني من مشاكل في حياته، أو في نفسه، أو في وجوده، ربما قد  يجد حلاً في التصوف.
 
هو اتجاه أقرب إلى الوجودية أو الروحانية التي تحدث عنها برغسون.
 
أما تنظيم ثورة، أو إعادة إحياء [حضارة]، أو بناء أمة، أو إنشاء علوم فلا يمكن أن يحدث مع وجود التصوف.
 
أرى الانسان في أمس الحاجة إلى العقل و العقلانية، و أقول أنني منحاز لصالح العقلانية بشدة؛ فبدونها لا يمكن للانسان أن يحصل على العلم و التكنولوجيا، و لا أن يقيم ديمقراطية.
 العقلانية لا يمكن فصلها من الديمقراطية، و هي أساس الفكر الديمقراطي، و لا يمكن تحقيقه إلا بها.
 
هذا هو الجانب الفلسفي للقضية، لكن لا بد من الاعتراف أن في العالم العربي و الاسلامي هناك معضلات في التحديث، و في التطور المتدرج، و في تنمية العلوم و المجتمعات، و هي مشكلات مركبة، و تعتمد - أيضا - على مؤثرات أخرى.

ـ أتقصد مؤثرات خارجية و دولية و سياسية؟
طبعا.
 
دعينا نأخذ لبنان على سبيل المثال، فالأحداث الأخيرة في لبنان (حرب العام 2006) لها أهمية كبيرة في سياق المعنى هنا.
 
لماذا؟
 
لأن لبنان هو البلد العربي الأكثر حداثةً بالمعنى الذي جائت به الفلسفات، و هو البلد الذي توجد فيه تعددية دينية، و يمكن اعتباره بلد علمانيا على الرغم من وجود طائفية به.
 
في كل الأحوال، فإن لبنان بلد ظل قادراً على أن يتعايش في تناغم مع الغرب، كما حدث دائما، منذ القرنين الثامن عشر و التاسع عشر.
لكن انظري ماذا يحدث في أيامنا هذه؟
 
هناك إشكالية يشكلها [وجود] حزب الله.
 
فحزب الله هو الحزب الذي حرر لبنان، كما أنه يحظى بشعبية و يتمتع بهيبة.
 
و مع ذلك، فإن وضعيته - باعتباره حزب تحرير و مقاومة - تعتمد على تحرر البلد بأكمله.
 
كان يمكن أن يكون إخلاء مزارع شبعا و الافراج عن السجناء العشرة أو الأحد عشر (بالتأكيد هم أقل من اثني عشر) كافياً لكي تحل المشكلة اللبنانية.
[لكن] لو حدث ذلك، فإن دور "المقاومة" الذي يؤديه حزب الله لن يكون له أي سبب للوجود.
إذ ماذا سيفعل حزب الله لو تم إنهاء الاحتلال الاسرائيلي و أعيد الأسرى لبيوتهم؟
 
حينها لن يبقى للمقاومة ما يبرر وجودها بأي حال من الأحوال.
 
و في هذه الحالة سينبغي للمؤسسة العسكرية في حزب الله أن يعاد دمجها في الجيش الرسمي، أو تلقي السلاح إلى الأبد.
 
لكن إسرائيل (ومن خلفها الولايات المتحدة) تفضل أن تترك دائما إشكالات غير محلولة مع العرب.
 
فكري معي: ما الذي يهم فيما إذا كانت كيلومترات قليلة من مزارع شبعا لبنانية أو سورية؟
 
ما مدى أهمية أسر عشرة أو اثني عشر إسرائيلياَ لسنوات و سنوات؟
 
لم لا يفرج عنهم؟
يمكن للمرء أن يقول أن حزب الله قام بإجراء لم يكن له ما يبرره في ذلك الوقت، لكن في منطق المقاومة من أجل التحرير فإن مثل هذه الإجراء دائما ما يعثر له على مبرر.
 
و طالما استمرت إسرائيل في احتلال أراضيه، فإن الشعب اللبناني سيستمر في  اعتبار حزب الله منظمة ضرورية، و سوف يعتبر الأحزاب و الطوائف ذات التوجه الغربي – و التي تنأى بنفسها عن المقاومة - فقيرة في حسها الوطني، و بالتالي لن يمنح دعواتها للديمقراطية و الحداثة أي مصداقية على الإطلاق.
 
بالنسبة لمسيرة التحديث فإن هذا الوضعية تبطأ من وتيرة التطور.
 
إن تدخل إسرائيل المحتلة (و حاميتها الولايات المتحدة) يثبت أن [معتنقي] الأصولية على حق.
و بالمناسبة الأصولية كلمة تعني في اللغة العربية "العودة إلى الجذور الأصول".
نفس الشيء فعله الأمريكيون في العراق.
 
نظام صدام حسين بالتأكيد كان شمولياً ، لكنه قطعاً لم يكن الوحيد في الشرق الأوسط.
 
لقد كان نظاماً يمكن للمرء أن يصفه رسميا بأنه نظام علماني، و نجح في "إنتاج" نخبة علموية داخل مجتمعاته، بل و تمكن من محو كل [النتوءات] المتطرفة فيها؛ حيث كان لدى السنة و الشيعة طموحاتهم التقدمية - القومية بالتأكيد - لكنها لم تكن طموحات معادية للغرب.

مدخل إلى علم الاجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية

الكاتب : نجيب زوحى عن تعليم جديد


لقد ركزت جل نظريات التعلم على البعد الفيسيولوجي و العقلي و العاطفي للطفل بشكل يعتبره متحكما في ميكانيزمات تعلمه و طرق اكتسابه للمهارات و المعارف. لكن و موازاة مع ذلك، يعيش الإنسان عموما حياته في جماعة أو جماعات لها مرجعيات دينية و ثقافية مختلفة يتأثر بها و يتحدد سلوكه الاجتماعي على أساس السلوك العام المتفق عليه داخلها و التي قد تفرضه العادات و الأعراف و القوانين…
البعد الاجتماعي إذن يكسب الطفل تلك المعايير و القيم و التي على أساسها يوجه سلوكاته و يتفاعل مع الآخرين، من خلال الأدوار الاجتماعية التي يكتسبها تدريجيا عبر مراحل عمرية مختلفة و التي تشكل في الأخير شخصيته بكل التعقيدات التي تحتويها.
علم الاجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية جاءت لتمدنا بأبحاث و دراسات تهتم بمعرفة دوافع السلوك الاجتماعي لدى الطفل و علاقته مع بيئته الاجتماعية المحيطة بغية فهم هذا السلوك و وصفه و التنبؤ به و التحكم فيه و تطويعه لخدمة أهداف تربوية تمكن من الإلمام بجوانب قد تكون مصيرية بالنسبة لمسار الطفل في اكتساب التعلمات و المهارات و المعارف الضرورية، و الاندماج في المجتمع بطريقة لا تقصي اختلافاته الفردية و لا خصوصياته الثقافية.
فما هي سوسيولوجيا التربية ؟ و ماهي مجالات اهتمامها ؟ وأهم المقاربات التي ربطت علم الاجتماع بالتربية ؟

1- تعريف سوسيولوجيا التربية :

يعرف Edward Ezewu في كتابه Sociology of Education علم الاجتماع التربوي بأنه :
” دراسة علمية للسلوك الإنساني ضمن مجموعات متعاقدة على عدد من أشكال التنظيم والتي على أساسها تحدد طبيعة تصرفات الأفراد، ومن خلالها تستنبط مختلف النظريات التي تصف أنماط السلوكات الملاحظة داخل البيئات التعليمية”.
و يقول جورج باين بأن علم الاجتماع التربوي :
” هو العلم الذي يصف ويفسر النظم و الطوائف و العمليات الاجتماعية، ويُقَيِّم طبيعة العلاقات التي يكتسب الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه و يقوم بتنظيمها “.
أما روني أوبير René Hubert فقد عرف سوسيولوجيا التربية على أنها :
” الدراسة المقارنة لشروط عمل مختلف الأنظمة المدرسية وأشكال تكيفها مع الظروف العامة للبيئة الاجتماعية و أوجه إسهامها في الحفاظ على هذه البيئة الاجتماعية أو في تغييرها… “.
و يرى إميل دوركايم و هو من رواد علم الاجتماع الحديث أن :
” التربية تقوم على أساس التنشئة الاجتماعية الممنهجة التي تمارسها الأجيال السابقة أو الراشدة على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد لمواجهة تحديات المجتمع من خلال تنمية التفاعل الفيسيولوجي و الفكري و الأخلاقي لدى الطفل والذي يتطلبه المحيط الثقافي و السياسي العام و الوسط الاجتماعي الخاص”.
تعريف ويكيبيديا: علم الاجتماع التربوي هو دراسة تأثير المؤسسات العامة و الخبرات الفردية على مخرجات عملية التربية و التعليم. و تهتم خصوصا بأنظمة التعليم العمومية في المجتمعات الصناعية الحديثة.

2- مجالات تدخل سوسيولوجيا التربية و أهدافها :

التربية عموما تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح اجتماعيا، ومن هذا المنطلق فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بدراسة الأنظمة التربوية و الظواهر المدرسية و دورها في تغيير المجتمع من خلال علاقتها مع الأسرة و المحيط… و تأثرها بالمرجعية الثقافية و الدينية… و تفاعلها مع الظروف السياسية و الاقتصادية …
إن سوسيولوجيا التربية تركز على ثلاثة عناصر رئيسية و هي : مدخلات التربية ( المتعلمون و رجال التعليم و أطر الإدارة و الآباء و المفتشون…)، وآلياتها البيداغوجية و الديداكتيكية، ومخرجاتها ( التقويم، والانتقاء، و الاصطفاء…).

أ- مجال المدخلات :

– المتعلم : و تنكب الدراسة هنا على العوامل الفيسيولوجية و النفسية و الاجتماعية، كالسن والجنس و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط الاجتماعي …
– هيأة التدريس والإدارة : يتم التركيز هنا على مختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون نتيجة لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و إكراهات مختلفة أو بعوامل نفسية و اجتماعية.

ب- مجال المخرجات :

– القيم و المعارف: و ذلك من خلال إدراج منظومة هرمية متكاملة من القيم و المواد الدراسية تتخللها قواعد صريحة أو ضمنية، نظرية أو تطبيقية و التي تشكل لاحقا الهوية المدرسية لمتعلمين مستعدين للاندماج اجتماعيا.
– البيداغوجيا و طرق التدريس: حيث يهتم علم الاجتماع التربوي بطرق تمرير المحتويات و إدارة التعلمات و تقنيات التنشيط المختلفة، و بتكنولوجيا التعليم الحديثة و تقنياتها و كل ما من شأنه التحكم في آليات التفاعل بين الطلاب أنفسهم و بين الطلاب و المعلم دون إغفال الإطار الزماني و المكاني للعملية التعليمية التعلمية.
– التقويم: بما أن للتقويم دورا في اتخاذ القرارات الخاصة بانتقاء الأفراد وتصنيفهم واصطفائهم، فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بالقواعد الظاهرة أو الكامنة للتقويم من أجل توظيفها في مجالات متنوعة كالمجال التربوي أو المهني أو العسكري…
هناك بالطبع مجالات أخرى اهتم بها علم الاجتماع التربوي من قبيل تحليل و تقييم الأنظمة التعليمية و المناهج التربوية وعلاقتها بسوق العمل، وكذلك البحث في المرجعية السوسيولوجية للمتعلمين و أثرها على التحصيل الدراسي (التعثر الدراسي، صعوبات التعلم، التفوق…) دون إغفال العوامل المؤثرة على المسار الدراسي و التي تنبع من الامتيازات الثقافية و العوائق السوسيوقتصادية والثقافية و البنية الفكرية و السياسية المهيمنة، و أيضا واقع و درجة دمقرطة التعليم و اختلاف مستوياته بين مناطق البلد الواحد…

3- أهم مقاربات سوسيولوجيا التربية :

أ- المقاربة البنيوية الوظيفية Structural functionalism :

أصولها نابعة من أعمال أشهر رواد علم الاجتماع الحديث و هو الفرنسي إميل دوركايم، الذي اهتم خصوصا بسبل استقرار النظام الاجتماعي وتكامل عناصره و بنياته. و في هذا الإطار، تقول المقاربة الوظيفية أن للتعليم العديد من الوظائف الهامة في المجتمع، فهو يمهد الأطفال و يعدهم للاندماج في المجتمع عن طريق المعرفة أولا، ثم عبر تلقينهم المبادئ الدينية و الأعراف و العادات و التقاليد المحلية و القيم الأخلاقية و السياسية… و يعتقد رواد هذه النظرية المحافظة أيضا، أن التربية و التعليم يخدمان البنية السليمة للمجتمع ككل، من خلال إلزامية التمدرس التي تؤدي إجمالا إلى تقويم الكثير من السلوكات المنحرفة أو تفاديها.
و تجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى :

– المقاربة الوظيفية الكلاسيكية : و تقوم على فكرة الفوارق الوراثية، حيث أن المدرسة تهدف إلى تربية جميع المتعلمين حسب معايير أخلاقية واجتماعية موحدة، وذلك بغية الاندماج في المجتمع. لكن في الوقت نفسه، تفرق المدرسة بين المتمدرسين، فمن يمتلك القدرات الوراثية كالذكاء مثلا يتم انتقاؤه لتولية المناصب المتبارى عليها في إطار من النزاهة و الشفافية و اعتمادا على معايير علمية موضوعية مضبوطة.
– المقاربة الوظيفية التكنولوجية : ظهرت هذه المقاربة ما بين خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، لتجعل من المدرسة أداة لتكوين اليد العاملة وتأهيلها ، بهدف تحريك عجلة الاقتصاد ، وتطوير المقاولات الصناعية والتقنية.
تم انتقاد هذه النظرية من طرف العديد من علماء الاجتماع كالإيطالي Antonio Gramsci، الذي أشار إلا مساوئ فرض نظام اجتماعي معين، و تأثيره السلبي على مساعي التغيير و إن كانت نتائج هذا التغيير إيجابية.

ب- المقاربة التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism :

يعتمد هذا المنظور على معنى الرموز التي يطورها الناس خلال عملية التفاعل الاجتماعي. و تعود أصول هذه المقاربة إلىماكس ويبر Max Weber، الذي اعتبر أن الأفراد يتصرفون وفقا لتمثلاتهم و تفسيراتهم الخاصة لعالمهم. جاء بعده الفيلسوف الأمريكي جورج هربرت ميد George Herbert Mead الذي قدم هذا المنظور الجديد نسبيا إلى علم الاجتماع الأمريكي وذلك في سنة 1920، حيث اعتبر أن النظام الاجتماعي هو نتاج الأفعال التي يصدرها أفراد المجتمع، بمعنى أن المعنى ليس مفروضا عليهم، إنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين هؤلاء الأفراد.
تركز هذه النظرية أيضا في شقها التربوي على مختلف التفاعلات في العملية التعليمية التعلمية داخل الوسط المدرسي و مخرجاتها أو نتائجها. فعلى سبيل المثال، يمكن القول أن التفاعل بين الطلاب و المدرس يتيح لهذا الأخير التنبؤ و توقع سلوكات المتعلمين المستقبلية “teacher expectancy effect” من حيث مستوى مردودهم أو المشاكل التي تواجههم وهو شيء ايجابي جدا إذا ما تم تقويم هذه السلوكات و تشجيع الطلاب المتعثرين.
تم انتقاد المقاربة التفاعلية الرمزية أيضا لكونها لا تعطي أهمية كبيرة للعوامل و القوى الخارجية ( مؤسسات، إعلام…) التي قد تؤثر بشكل كبير على التفاعلات الفردية داخل المجتمع. إضافة إلى كونها تتناول النسق الاجتماعي انطلاقا من سلوكات الأفراد مثلا (الوحدات الصغرى MICRO) و لا تعطي تلك الأهمية للمستوى الكلي أو الرؤية العامة للمجتمع MACRO عند دراستها للسلوكات و الأدوار الاجتماعية.

ج- المقاربة الصراعية Conflict Theory :

من أهم روادها نذكر : بيير بورديو  Pierre Bourdieu و بازل برنشتاين Basil Bernstein و جون كلود باسرون
Jean-Claude Passeron و غيرهم. و تبحث هذه المقاربة في الجوانب السلبية للنظام التعليمي و التي قد تؤدي إلى تفكيك و تخريب المجتمع. في هذا الصدد يرى الباحثون أن التربية والتعليم في ظل ايديولوجية معينة و إطار ثقافي سائد، قد يكون لها نصيب من الميز و عدم تكافؤ الفرص حسب العرق و الجنس و المستوى المعيشي … إذا لم يتم اعتبار المعايير الموضوعية كدرجة الذكاء و مستوى الإنتاج و الإبداع … و بالتالي يصبح المستوى التعليمي آلية لإنتاج و إعادة إنتاج اللامساواة في المجتمع. و يتجلى هذا التمييز أيضا عندما يطلب أرباب العمل بعض الشروط التعجيزية أو المؤهلات العلمية التي قد لا تكون مهمة للمناصب المتبارى عليها حيث يتم إقصاء النساء أو بعض الأقليات…
من ضمن ما يؤخذ على هذه الأطروحة، أنها ركزت فقط على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة الانتقاء والاصطفاء، حيث يصعب تعميمها على جميع الأنظمة بالرغم من أنها استطاعت أن تبين وجها من وجوه مفارقات العلاقة بين التطور التربوي-التعليمي ومثيله الاجتماعي.

ج- المقاربة ذات النموذج التفسيري (المفسر) :

إذا كانت المقاربة السابقة قد اعتبرت المدرسة فضاء للصراع الاجتماعي و السياسي والطبقي و مجالا لفرض قيم و مبادئ ذات خلفية اديولوجية محددة… فإن ثمة مقاربات أخرى تفسر الظواهر المدرسية من الخارج، بطرق أكثر موضوعية باعتماد معطيات رياضية و إحصائية منطقية، وذلك من أجل معرفة العلاقة الكامنة بين المدرسة و الحراك الاجتماعي المحيط بها. وقد بينت هذه المقاربات التفسيرية بأن العلاقة ليست بقوية و لا ضعيفة، بل هناك تدخل لعوامل أخرى يجب اعتبارها. و هنا تجدر الإشارة إلى النموذج الإحصائي ل Jencks ، والنموذج النسقي ل Pitirim Sorokin ، والنموذج النسقي التركيبي ل Raymond Boudon.

خلاصة:

تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الدور الأهم و الأكبر في اختيار الفرد لآفاقه الدراسية و المهنية، دون أن ننسى كذلك العوامل التي تناولتها نظريات علم النفس.
فبالنسبة للمجتمعات العربية الطامحة للارتقاء بمنظومتها التعليمية و تطوير بنيتها التربوية، عليها الأخذ بعين الاعتبار مختلف التحليلات الاجتماعية، و ذلك بدراسة مختلف بنيات المؤسسة التعليمية و تفاعلات عناصرها، و عوامل التوازن داخل المنظومة التربوية و مكامن الخلل فيها.
فدراسة مكامن الخلل في البنية المدرسية من المنظور الاجتماعي، قد يساعد على تمحيصها وتفكيك أسبابها بشكل دقيق داخل المؤسسات التعليمية، مثل عدم تكافؤ الفرص أو عدم بلورة المواهب الفطرية للتلميذ في المراحل التعليمية، أو الانتقائية والمحاباة داخل المؤسسة التعليمية أو غيرها من الظواهر السلبية المؤثرة في المردودية التعليمية بشكل عام.
فمنهجـة الفكر الإصلاحي على أساس دراسة اجتماعية شاملة، قد تكون سبيلا أكثر فعالية لتحسين الأداء التعليمي العربي دون الحاجة إلى مزيد من المشاريع الاستعجالية و التدابير الإصلاحية الترقيعية و التي تستنزف ميزانيات ضخمة بدون نتائج ملحوظة.

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

قراءة في التدابير الاصلاحية ذات الاولوية لوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني


  محسن زردان

النظم التعليمية عبر العالم، تُسابق الزمن بغية تحديث مناهجها الدراسية، فسرعة التطور العلمي والمعرفي جعل شعار اليوم يحمل عقيدة معلنة لحاقا أم انسحاقا، فغدت بذلك مناحي التفكير لإعادة النظر في سُبل التدبير التربوي ضرورة مُلحة لا فِكَاك عنها.
أجل، التعليم في بلادنا ليس بخير، وهي حقيقة لا تكتفي التقارير الدولية والوطنية برسمها، بل حتى المسؤولين القيمين على هذا المجال يعترفون بذلك، وفي السياق ذاته تَوَّجَتِ الوزارة الوصية على القطاع لقاءاتها التشاورية مع مختلف الشركاء التربويين والاجتماعيين والحكوميين والمهتمين بالشأن التربوي، بإخراج مشروع إصلاحي يرتكز على تسعة محاور ذات الأولوية.
إن الحديث عن إصلاح التعليم على هذا المستوى، يطرح تحديين، تحد ذو بعد إصلاحي ينطوي على تقويم مشاكل التعليم المتراكمة منذ الاستقلال لاستدراك التأخير الحاصل، وكذا تحد يطرق باب مسايرة ركب التحولات الدولية وزحف تقدم المعارف.
من المفيد جدا القول، بأن هذا المشروع جاء مباشرة بعد الاعلان عن فشل البرنامج الاستعجالي من طرف الوزير السابق محمد الوفا بعد القيام بعملية التشخيص لهذا البرنامج، لكن هذا التشخيص لم يخرج للعلن للكشف عن العيوب التي شابت تنزيله حتى يتم العمل على الاستفادة منها لتجاوزها، غير أن المتتبعين اعتبروا ذهاب الوزير المذكور لتقلد وزارة أخرى ساهم في عدم ظهوره.