الثلاثاء، 28 مارس 2017

نعوم تشومسكي .. من الذي يحكم العالم؟ – عبد الرحمن طه

عن المكتبة العامة


من يحكُم العالم؟ يطرح «نعوم تشومسكي» ذلك السؤال في مقالٍ مقتبسٍ عن كتابه الجديد، الذي يحمل العنوان ذاته.

يقول «تشومسكي» إنّ عقولنا في محاولتها للإجابة على هذا السؤال، تقع أسيرةً لتصوّر مُسبقٍ يقضي بأن اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية هم بطبيعة الحال الدول الكُبرى، وأنّ أكبر العوامل المؤثرة في المشهد السياسي هي قرارات تلك الدول، وعلاقاتها.

على الرغم من أنّ هذا ليس تصورًا خاطئًا بالكلية، إلا أنّه يحمل في طيّاته اختصارًا مخلًا ومضللًا للمشهد، لأنّه يُهمل التأثير الساحق لـ«أسياد البشرية»، كما سمّاهم «آدم سميث»، الفيلسوف ومؤلف كتاب «ثروة الأمم». ربّما يختلف المشهد الحالي قليلًا عما كان عليه في حياة «سميث»، لكن ما أشبه تُجّار إنجلترا في زمانه، بالشركات العملاقة متعددة الجنسية، والمؤسسات المالية الضخمة، في زماننا؛ خيثُ ما زال المبدأ واحدًا: «كل شيءٍ لنا، ولا شيء للآخرين».

تتمتّع هذه المؤسسات بنفوذٍ هائل، سواءً في موطنها الأم، الذي ترتكز عليه فيما يتعلّق بحماية قوّتها وتوفير الدعم الاقتصادي لها، أو على المستوى الدولي. يذكر «تشومسكي»، كمِثالٍ على ذلك، اتفاقية الشراكة العابرة للأطلنطي؛ واحدة من تلك الاتفاقيات التي «سُمّيت زورًا باتفاقيات التجارة الحرّة»، على حدّ تعبيره، في حين أنها تُناقَش في الغُرف المغلقة، ويكتب تفاصيلها الدقيقة مئات من مُحامي الشركات الكُبرى، بهدف تمريرها سريعًا بلا مناقشة حقيقية، أو مشاركة من الشعب، الذي عادةً ما يتم تهميشه.

العدوان على سلطة الشعوب

يشير «تشومسكي» إلى هذا التهميش المتأصل في السياسات النيوليبرالية، التي ركّزت السُلطة في حفنة من الأيدي متجاهلة الديمقراطية الفاعلة. لكن الشعب غالبًا ما يرفض دور المشاهد، الذي تفرضه عليه السياسة الديمقراطية الليبرالية. تخسر الأحزاب الرئيسية في أوروبا مزيدًا من الأعضاء كل يوم لحساب حركات أكثر يمينية أو يسارية، فيما يراه المدير التنفيذي لمجموعة «أوروبا نوفا» EuropaNova البحثية «حالة من الغضب العاجز، نتيجةً لتركّز القوة الحقيقية في يدِ السوق، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والشركات الكبرى، بدلًا من القادة السياسيين الوطنيين». يترنّح الاتحاد الأوروبي بسبب سياسات التقشّف التي تلقى احتجاجاتٍ وانتقادات واسعة حتى من اقتصاديي صندوق النقد الدولي.

أمّا الدول التي تختار الرضوخ للرأي العام المحلي، فينصب عليها كثير من الغضب. لعل المثال الأبرز هو رفض الحكومة التركية طلب إدارة «بوش» بمشاركة تركيا في غزو العراق، استجابةً لرفض 95% من الأتراك للانضمام للتحالف الأمريكي البريطاني، ليثير ذلك غضب الحكومة الأمريكية بشدّة، ويوبّخ نائب وزير الدفاع آنذاك «بول وولفويتز» الجيش التركي على «سماحه» للحكومة التركية بمثل هذا الفعل الشائن، مطالبًا بالاعتذار. لكن الشعب التركي لم يكن وحده في معارضة العدوان، بل اندلعت احتجاجات ومظاهرات عالمية، وداخل الولايات المتحدة نفسها. ونادرًا ما تخطت نسبة الموافقة على خطة واشنطن 10% في أي من استطلاعات الرأي في العالم كله. لكن النظام الأمريكي مضى في طريقه متجاهلًا الانتقادات المتعالية لسعيه تجاه «نشر الديمقراطية»، وظنّه أن قوّة خارجية يمكنها فعل ذلك.

على الرغم من ذلك، لا يتفّق «تشومسكي» مع القائلين بأن الرفض الشعبي واسع النطاق لم يكن له تأثير على الإطلاق، ويتتبّع تاريخ رفض الرأي العام للحروب الأمريكية، بدءًا من حرب فييتنام، التي نجحت فيها الحركة المناهضة للحرب في هدفها لولا أن ذلك حدث في وقتٍ متأخر للغاية، ومرورًا بعدوان «رونالد ريجان» البشع على أمريكا الوسطى، والذي اضطر إلى التراجع عنه نظرًا للاحتجاج الشعبي الواسع، وانتهاءً بحرب العراق، التي يرى «تشومكسي» أنّ عواقبها شديدة البشاعة، لكن ربّما كانت لتصبح أسوأ بكثير.

لطالما أثار ذلك الرفض الشعبي قلق الطبقات المتسيّدة. في كتابه، «السياسة العنيفة»، يرى «ويليام بولك» أنّ الجنرال «جورج واشنطن» كان شديد الحرص على تهميش العامّة من أفراد الميليشيات الذين قاتلوا تحت إمرته، حتى كاد ذلك يكلّفه ثورته، لولا التدخّل الفرنسي. هذه المليشيات كانت تُحرز الانتصارات الأكبر في الثورة، على العكس من الجيش النظامي الذي تلقّى الهزيمة تلو الأخرى. على الرغم من ذلك، كان «واشنطن» يراهم «أناسًا كريهين، شديدي القذارة»، ويؤمن بتأصل الغباء في الطبقات الدُنيا، وربّما سمّاهم اليوم «إرهابيين»، على حدّ قول «تشومسكي».

يُسجّل «بولك» سمة تُميز الثورات الناجحة، وهي تهميش هؤلاء «الكريهين، شديدي القذارة»، الذين تسببوا في نجاح الثورة، بمجرد أن تنتهي الثورة وينفض عنهم الدعم الشعبي، خشية من تحدّيهم للطبقات العُليا. هذا الازدراء النخبوي عبّر عن نفسه بعدّة صور على مرّ السنين، أحدها كان في دعوة الليبراليين إلى «الاعتدال في الديمقراطية»، إثر انتشار الحركات الشعبية في الستينيات.

السيطرة الغربية في مواجهة القوى الأخرى

ينتقل «تشومسكي» إلى التحدّيات التي تواجهها القوى الغربية الكُبرى، في سعيها لبسط نفوذها على مزيدٍ من بقاع الأرض، مُستشهدًا بـ«جدعون راتشمان»، الكاتب بجريدة «لندن فاينانشيال تايمز». يستعرض «راتشمان» التصور الغربي للنظام العالمي، حيث القوة العسكرية الغاشمة للولايات المتّحدة هي الحقيقة المركزية في هيكل السياسة الدولية. ولهذا أهميته البالغة في 3 مناطق: شرق آسيا، حيث تمرح البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ؛ وأوروبا حيث قوات الناتو، التي تتحمّل الولايات المتّحدة ثلاثة أرباع إنفاقها العسكري؛ والشرق الأوسط، حيث القواعد العسكرية الجوية والبحرية.

الآن، في 2016، تقف قوىً دولية أخرى في مواجهة الولايات المتّحدة في كل منطقة من هذه المناطق، مهددة النظام العالمي كما تخيله الغرب، حيث تنازع الصين الولايات المتّحدة على المحيط الهادئ، وتتدخل روسيا عسكريًا في أوكرانيا، وسوريا. يرى «راتشمان» أن الولايات المتّحدة، لأسباب تتعلّق بتوزيع القوة الاقتصادية في أنحاء العالم، وبشيءٍ من المنطق البسيط، عليها الرضوخ لحقيقة أنّ هناك قوىً أخرى يجب أن تحظى بنطاقٍ من النفوذ الخاص بها.

العالم الإسلامي: كيف «قضى» التدّخل الأمريكي على الإرهاب

بدأت «الحرب العالمية على الإرهاب»، في الواقع، قبل إعلان الرئيس «جورج بوش» في 2001، عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. يرى «تشومسكي» أنّ إدارة «ريجان» هي التي بدأت فعليًا الحرب على الإرهاب، لتطهير العالم من «وباءٍ ينشره أعداء الحضارة نفسها»، كما صرّح. تحولّت تلك الحرب إلى «حربٍ مدمّرة دموية على وسط أمريكا، وغرب إفريقيا، والشرق الأوسط، استمرت تداعياتها إلى يومنا هذا»، على حد قول «تشومسكي»، وأزيلت من التاريخ في هدوء.

ينتقل تشومسكي إلى 2001، حين بدأت الولايات المتّحدة قصف أفغانستان في أكتوبر (تشرين الثاني)، لرفض الأفغان تسليم «أسامة بن لادن» والمشتبه في تخطيطهم لهجمات 11 سبتمبر. لم يفهم الأمريكان رفض هؤلاء الفلاحين الفقراء للجائزة التي عرضتها لحكومة الأمريكية: 25 مليون دولار، لكن الأمر كان متعلّقًا بقانون حسن الضيافة عند القبائل الأفغانية، على الرغم من كراهيتهم لجماعة «بن لادن».

لكن هل كان التدخّل العسكري ضروريًا؟ يورد «تشومسكي» رأي القائد الأفغاني المُعارض لطالبان، «عبد الحق». يرى «عبد الحق»، ومع العديد من المعارضين، أن الهجوم الأمريكي أضاع مجهوداتهم لإسقاط طالبان من الداخل الأفغاني. اختارت الولايات المتّحدة العنف واسع النطاق، بدلًا من العمل الشُرطي من الداخل، أو حتى المفاوضات الدبلوماسية الجادة مع طالبان، والتي كان من الممكن أن تنجح. يرى «عبد الحق» أن الولايات المتّحدة ربما كانت «تحاول فقط إظهار عضلاتها، وتسجيل انتصارٍ يخيف الجميع في أنحاء العالم.، بلا اكتراث لمعاناة الأفغان، وكم منهم سيموت».

يؤكد وجهة نظر «عبد الحق» ما قاله «ريتشارد كلارك»، رئيس المجموعة الأمنية المناهضة للإرهاب بالبيت الأبيض، أثناء حكم «بوش»، عن الاجتماع الذي وضعت فيه خطط الهجوم على أفغانستان. عندما أخبر أحدهم الرئيس بأن مثل هذا الهجوم يعد انتهاكًا للقوانين الدولية، صرخ الرئيس قائلًا: «لا أكترث لما يقوله المحامون الدوليون؛ نحن سنركل بعض المؤخرات!». ولا حاجة بالطبع – يقول «تشومسكي» – إلى ذكر تبعات التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان المسكينة.

ثم جاء الدور على العراق. يعتبر «تشومسكي» الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق «جريمة القرن الواحد والعشرين الكبرى». كانت العراق تعاني بالفعل قبل الاحتلال من العقوبات الاقتصادية شديدة الوطأة، التي وُصفت بأنها «حملة إبادة» ضد الشعب العراقي، دمرت المجتمع وألحقت به الكثير من الخسائر. ثم جاء الاحتلال في 2003 ليقتل مئات الآلاف، ويشرد الملايين، ويبدأ صراعًا طائفيًا ما زال مشتعلًا حتى يومنا هذا في المنطقة. طبقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها البنتاجون ووزارة الدفاع البريطانية، لم يؤمن الشعب العراقي بشرعية التدخل العسكري في بلاده، ولا أراد بقاء قوات التحالف، بل وأيد الهجمات ضدها. وفي النهاية انسحبت القوات الأمريكية من العراق لتترك، على حد قول «تشومسكي»، فائزًا واحدًا: إيران.

ينتقل «تشومسكي» إلى ليبيا، التي قطعت فيها بريطانيا، فرنسا وأمريكا الأمل في احتمالية التسوية بين الثوار والحكومة، حين تدخّلت بقواتها الجوية إلى جانب الثوار، عام 2011، لترفع الخسائر البشرية إلى 10 أضعاف، وتنتهك قرار مجلس الأمن رقم 1973 بإنشاء منطقة حظر جويّ فوق ليبيا. لم يترك ذلك التدخّل ليبيا أنقاضًا وفقط، وإنما وفّر البيئة الممتازة لتنظيم الدول الإسلامية لتوسيع دائرة عملياته وانتشارها في المنطقة. تجاهلت القوى الكبرى مجددًا العروض الدبلوماسية المقدمة من الاتحاد الإفريقي، وتدفّق السلاح والجهاديون إلى الشام، وأُخرِج المزيد والمزيد من اللاجئين، انتصارٌ آخر لـ«التدخل الإنساني»، على حد تعبير «تشومسكي» الساخر.

ما يُريده الإرهاب

اليوم، بفضل السياسات العسكرية، انتشر الإرهاب الجهادي من أفغانستان إلى أنحاءٍ شتى، من إفريقيا إلى الشام إلى جنوب وجنوب شرق آسيا، إلى هجمات متفرقة على أوروبا والولايات المتّحدة. يقدّر خبراء أنّ حرب العراق تسببت في ارتفاع المعدلات السنوية للهجمات الجهادية إلى سبعة أضعاف. وفي دراسات أخرى أجراها معهد أوسلو لأبحاث السلام، نرى أنّ ثلثى نزاعات المنطقة نشأت عن خلافاتٍ داخلية حاولت جهات خارجية فرض حلول إجبارية لها، وأنّ 98% من الخسائر الناتجة عن هذه النزاعات حدثت بعد التدخل العسكري الخارجي.

يرى «بولك» في كتابه، «السياسة العنيفة»، أن التدخل الخارجي دائمًا ما يتبع نمطًا معيّنًا: يأتي الغزاة، ربّما بنوايا حسنة؛ يكرههم الشعب؛ يعصيهم، في البداية بطرق بسيطة؛ يستخدم المحتلّ القوة؛ تزداد المقاومة ويزداد داعموها؛ تدور دائرة العنف حتى يحدث أمر من اثنين: انسحاب المحتل، أو نجاحه في إخضاع الشعب بوسائل تقترب من الإبادة.

يستشهد «تشومسكي» بدراسات تؤكد أن هذا بالضبط ما تريده القاعدة، والدولة الإسلامية، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها يقدمونه لهم بكفاءة. تدريجيًا تنغمس هذه القوى في مستنقع الشرق الأوسط، استجابة لاستفزاز الجماعات، لتشتعل الحروب وتصبح المجتمعات بالشرق الأوسط ضعيفة بشدة، وهو ما يسمح للجهاديين بالتوسع والسيطرة على مزيد من الموارد، ورفع مستوى العنف، لتدور الدائرة التي تحدث عنها «بولك» في كتابه. يقول «سكوت آتران»، أحد أهم باحثي الحركات الجهادية، أن هجمات 11 سبتمبر، بمقياس التكلفة والعائد، حققت «نجاحًا ساحقًا يفوق حتى تصور بن لادن الأصلي لها».

أيضًا هناك اعتقاد خاطئ بأن هذه الجماعات المتمردة ستنهزم بمقتل زعمائها. توجد العديد من الأمثلة التي توضح خطأ مثل هذا الاعتقاد، يُستبدل فيها الزعيم المقتول بآخر أقل سنًا، وأكثر إصرارًا، وكفاءة، ووحشية. وفي الوضع الحالي، فإن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، الخليفة «أبو بكر البغدادي»، على خلاف مع زعيم تنظيم القاعدة، «أيمن الظواهري». وعليه، فإن مقتل «البغدادي» سيمهّد الطريق أمام تقارب المنظمتين، لتنشأ قوة إرهابية جبارة، تمتلك موارد غير مسبوقة.

أيضًا هناك «سايكس بيكو». لكثير من سكّان المنطقة، تمثّل «سايكس بيكو» مهزلة الإمبريالية الغربية، ووحشيّتها. ينقل «تشومسكي» عن «روبرت فيسك»، أن أحد أوائل المقاطع المصورة التي أنتجها تنظيم الدولة، تُظهر جرافة تزيل الحاجز الترابي الحدودي بين العراق وسوريا، ثم تتحول الكاميرا إلى لافتة ملقاة على الرمال، مكتوبٌ عليها بخط اليد: «نهاية سايكس بيكو». تلك الاتفاقية التي قسّمت المنطقة إلى عدة دولٍ مصطنعة بهدف تأمين المكاسب الاستعمارية للغرب، متجاهلةً اهتمامات سكان المنطقة أنفسهم، لتحوّل «مقاطعات الإمبراطورية العثمانية، الهادئة نسبيًا، إلى بعض من أقل الدول استقرارًا وأكثرها انفجارًا في العالم»، على حدّ قول «فيسك»، وهو ما يخدم تمامًا أغراض الإرهاب.

بعد اتفاقية «سايكس بيكو»، والتدخلات العسكرية الغربية المتكررة في المنطقة، والتي نشأت عنها أزمة اللاجئين حاليًا، يستقبل الغرب «البريء» الآن، على حد وصف «تشومسكي»، اللاجئين على مضضٍ، ويستوعبهم تفضلًا. قرّرت «ألمانيا» – البالغ عدد سكانها 80 مليونًا – في بادئ الأمر استقبال مليون لاجئ، بينما استقبلت لبنان مليونًا ونصف من اللاجئين السوريين، هم ربع سكانها الآن، بالإضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني مُسجّل بوكالة «أونروا».

المصدر: ساسة بوست



التربية على الديمقراطية والتعايش زمن الكراهية والاعتداءات : نموذج بيداغوجي من أجل الديمقراطية – فيليب ميريوه(2016) ـ ترجمة : ت.محمد أبرقي

عن أنفاس نت




يَأسُ المُربّين انتصارٌ للإرهابيين.
بهذه العبارة ينهي فيليب ميريوه توطئة مؤلفه الجديد الذي وسمه بعنوان مثير"التربية بعد الاعتداءات" فنحن-يضيف-نعلم أن الحياة كانت دوما هشة،والإنسان كما الديمقراطية خلال لحظات يصيران تحت تهديد القوى التقليدية التي لا تزال تقطن عالمنا،ونعرف أن كل ما يشدنا في العمق قاتل،والحلكة يمكنها ذات يوم سحب الأمل في قدوم النور...                
فما الذي يمكننا القيام به بهدف إسماع المنطق وصوت العقل لمن اختار سبيل اللاَعقل؟     

مشاعر ديمقراطية:   
واجب جَرد المكاشفة وواجب الابتكار.
يلزمنا،فعلا،القيام بجرد بيًنٍ للطريقة التي بها تركنا مؤسساتنا تنحرف لدرجة صارت تفقد معها جزءا كبيرا من الثقة.لقد عبَر كل من"فرانسوا جُورو" كما "إيريك فافي"الكاتب العام المساعد لعصبة المدرسين حول ذلك الموضوع ومنبر"المقهى البيداغوجي"،وذكروا بأن المدرسة لا تفِي حقا بوعودها،وأن الحق في تربية ذات جودة من أجل الجميع يظل وبشكل عريض مجرد أمنية...
ينبغي الإنصات لهم،دون الميل نحو الاتهام المثير للدموع بعبارات مثل"كان علينا أن..."ولكن،وهو ما يفرض نفسه الآن،وبتحمَل النظر إلى الأمام،بالقول:"يجب علينا أن...". كيف يمكن تَحمُل زحزحة القارات المدرسية التي ظهرت في بلدنا؟كيف يمكن تبرير الطابع المشين الشكلي للتربية المدنية والفنية؟كيف يمكن تقبل حرمان عدد من الشباب (في الثانويات المهنية ومراكز التكوين)من التكوين الفلسفي بينما-حسب دراسات ميدانية-هم يرغبون في ذلك؟كيف يمكن التساهل مع فقدان الطابع المؤسساتي للمرافق المدرسية حيث نوع من العَملقة-باسم اقتصاديات السُلم الشهيرة-يزرع اللامبالاة،ويترك الضغط والعنف يتطوران؟ كيف نبرر هذا التخلي الطوعي والمرغوب عن "مستقبل مشترك" يفرض نفسه اليوم أكثر،وحيث الاختلافات(عدم الاعتراف بها) تُهدِّد،إن لم يتم حصرها ضمن مشروع جماعي،بتفجير هياكلنا الاجتماعية؟                                                         
ينبغي التأكيد،طالما محاولات التفكير السهل والمزدوج كبيرة،أن هذا لا يبرئ في شيء الإرهابيين،والحركات المتطرفة،والدول النذلة التي تدعمها من مسؤوليتهم الجسيمة.         غير أنه من اللازم توجيه النظر دون مواربة صوب أولئك الذين دفعناهم نحو صنف من"الصناعة"،أو لم نعرف كيف نهديهم اختيارات أخرى تمنح المعنى لحياتهم من دون القتل الهمجي.    
 الجرد مطلوب بشدة،ويمكنه أن يقودنا نحو نوع من التأنيب الداخلي العميق ،أو أسوأ من ذلك،نحو التخلي المتناغم عن نبوءة شرٍَ لها دوما ضمانة ثبوت: إنها تسمح،بالفعل،بادعاء القدرة على توقع الكارثة حين قدومها،والعمل على تحاشيها إن لم تأت.كل ذلك باختيار الإقامة،بانجذاب،ضمن اللاَأمل والذي يوفر داخل حلقات موضة عناصر الإعجاب النرجسي. لأجل ذلك،وفيما وراء الجَرد،فإن المربين،الذين يقومون بمهنة المستقبل مدعوون إلى الابتكار.ابتكار سياسي واجتماعي عليهم طبعا أخذ نصيبهم منه.                            
هو أيضا ابتكار بيداغوجي يرتبط بخصوصية انخراطهم المهني.إنها الفرصة،إذن، لتغذية تفكيرنا بالعودة لإنتاجات الكبار في البيداغوجيا: "بيستالوزي" وهو يواجه البؤس والعدائية تجاه يتامى "سانطاس" وقد قرر،مع وضد الجميع،تربيتهم،و"فرناند دوليني" وهو في مواجهة "الطائفة المحتقرة" "للحزمة الكبيرة" قبل أن يتحمل،وفي مواجهة مباشرة متألقة، الاهتمام بالأطفال المصابين بالانطوائية،وله كتاب(بذور الرعاع) يظل مؤلفا متميزا يجب أن يكون موضوع دراسة ممنهجة في كل المدارس العليا لتكوين الأساتذة .                          
إنها أيضا فرصة لإعادة قراءة واستكشاف كتاب الفيلسوفة الأمريكية"مارتانوسبوم" بعنوان"المشاعر الديمقراطية" وهو عمل له أهمية كبيرة بالنسبة للبيداغوجيين كتبته متخصصة في الأدب وتتجه لتطوير،إلى جانب"أمارتيا سِن"،مقاربة بيداغوجية تحت اسم"capabilitésأي قدرات  جوهرية ذات وجود فعلي لا قدرات مجردة وشكلية.
مقاربة علينا منحها للأفراد حتى يتمكنوا من ممارسة حريتهم في إطار وضعيات ملموسة.
تبدأ"مارتانوسبوم"كتابها بتحديد ما تراه غاية نهائية رئيسية للتربية:تكوين التلاميذ للقدرة الفعلية على المشاركة في الحياة الديمقراطية،وتبرز، بعد ذلك،بدقة الأهداف البيداغوجية التي ينبغي علينا الاهتمام بها قصد بلوغ تلك الغايات:أن نعلم تلاميذنا الدخول في علاقة مهادِنة مع الآخرين والتفاعل جماعيا ضمن احترام متبادل بهدف الوصول إلى الخير المشترك،بعد ذلك،ولوضع مقترحات ملموسة تتساءل الكاتبة عن العملية الفكرية(الذهنية) التي يجب القيام بها لبلوغ تلك الغاية وتعرفها كالتالي:"ينبغي أن يتعلم الطفل كيف يتحدد في علاقة بمصير الآخرين،والنظر إلى العالم من خلال أعينهم والإحساس بآلامهم واستعمال الخيال لأجل ذلك.وبهذه الطريقة،فقط،يصير الأفراد(الآخرون)البعيدون حقيقيين ومساوين له "
بهذا تلتحق المؤلفة بالملاحظات الثمينة ل"أدورنو" الذي تساءل في "التربية بعد أوشفيتز"عن كيفية بناء عالم يصير تكرار الرعب فيه ومعاودته مستحيلا.يشير "أدورنو"إلى أنه،لأجل ذلك،من الضروري النضال ضد ما يسميه ب"الفتور":اللامبالاة المطلقة تجاه ما يحدث للآخرين باستثناء بعض الأقرباء الذين نختارهم.آخرون يعتبرون فقط بمثابة"مواضيع" ووعي مُتَشَيءٍ بتعبير "أدورنو"حيث أمكن لأفراد وبوعي مهني مثير "تخيل نظام نقل يقود الضحايا بسرعة أكبر وبسهولة قصوى نحو "أوشفيتز"،كل ذلك عبر نسيان ما سيحدث لهم هنالك".يعرف الجلادون المتلاعبون ذلك:لقد فهموا إلى أي درجة يمكن أن يصير أفراد صانعين بارعين للهمجية،مبَرمجين على طاعة الأوامر الأكثر  رعبا،بمجرد ما أن يجدوا مُتعتهم في الشعور بميزة خدمة عمل جماعي،ولهم اليقين في عطف موعود من لدن القائد أو الإله، والسعادة بالحصول على تقدير أقرانهم ومكافأتهم مقابل العمل المنجز بعناية"(...)
التربية بعد "أوشفتز" كما التربية بعد الاعتداءات هي إذن نوع من إعادة السياسة،وإعادة القدرة للبشر من أجل تشييد مدينة على الأرض وإن كانت رديئة،ومساعدتهم على الابتعاد عن محاولة رفع،والسلاح باليد،مُطْلَقٍ غير قابلٍ للسؤال.
تدريس الشك يجب أن يكون دون التأرجح نحو النزعة المتشائمة(فلسفة كلبيةcynisme)،وتحُمل اللاّيقين دون الترخيص بأي شيء.الترخيص لكل واحدة وواحد بمقاومة الخضوع للضغوط الهدامة التي تمارسها جماعة،والسماح بالتعبير عن الأسى والارتِياع النابع من نتائج الأفعال الخاصة،ثم إثارة،ولدى الجميع،التفكير النقدي حول الذات".
هل ينبغي لأجل هذا،يتساءل "أدورنو" أن نحرص على"الوعظ للحب"،هذا لا يفيد في شيء،حينما نطلب من كائنات بأن ينصتوا لشيء لا ينتمي لتكوينهم الفكري"ويفترض لدى الذين نتوجه إليهم بنية أخرى مميزة غير تلك التي نرغب في تعديلها"
نحن لا نُقنع،ولا يمكننا أن نرغم أحدا على أن يُحب.لكن هل من الضروري على الرغم هن هذا اللجوء إلى ذلك "الفتور" وآثاره المرعبة؟ أبدا.
إذا كان العجز عن التَحدَد(تعرف الذات)بالنسبة للآخرين هو،وفي جزء منه على الأقل،المسؤول عن المرور نحو الهمجية،فعلى التربية أن تسمح بالوعي بذلك "الفتور" وبأسباب وجوده،لذا يلزم تَحيين مساراتها المُضمَنة،والتي يسمح لنا التاريخ النقدي برصدها،وتَحملُها في العادة أعمال الثقافة.
إن الولوج إلى تلك المنطلقات يمكنه أن يفتح بعض التصدعات داخل كتلة اللامبالاة الغرانيتية.
وأبدا لا تكون العملية بطريقة ميكانيكية لان اللقاء بين التاريخ المفرد للذات وبين "كلمة"/وعد حول العالم لا يُبرمَج بشكل عابر وسريع وأن التكوين النفسي الدفاعي يستعيد بسرعة تفوقه،وفي سريّة، لأنه من الصعوبة الإفصاح عن ذلك لأي كان،وبشكل خاص للأستاذ الوسيط الذي يلزم إذن الاعتراف له بنوع من المسؤولية(التزام ودَين خاص) كما أن المربّي لا يمكنه أن يصير سوى مزودا عنيدا للفرص،ومن دون إيحاءات حول صعوبة الدور،وأيضا دون التخلي بالمقابل عن أهمية الرهانات.
عليه ان يتواجد في "مكامن" النصوص والمؤلفات التي يمكنها إثارة بعض انتقالات وجهات النظر،وبعض إضاءات التعاطفية،وبعض الانبثاقات المبهرة للذكاء، ثم القطع بالتالي مع التقوقع داخل اللامبالاة.
إن منح تلك المزايا دون انتظار أقل إشارة حول صلاحيتها الفورية،ولا فرض أدنى اعتراف، ثم إرفاقها بممارسات بيداغوجية،يمكنه السماح لكل واحد بالوعي، وبالدخول في تفكير لا يغلقه بسرعة هاجس الفعل الفوري،وفي النهاية الولوج بتدرج نحو الاستقلالية بالمعنى الكانطي: فلتكن لديك الجرأة على التفكير الذاتي !
التربية على الديمقراطية،ممكنة !
هو ما تقوم به،فعلا،"مارتا نوسبوم" وتقترح علينا في مؤلفها ثلاث حلقات ملموسة مقرونة بعدة أمثلة :ممارسة النقاش ،وهاجس تكوين "مواطني العالم" ثم عرض التخيَل من خلال الأدب والفنون.
وهكذا،تجاه مؤسسات-أو مرجعيات-تضع جنبا إلى جنب،غالبا،غايات طموحة وممارسات روتينية بأقل تكلفة،تعيد"مارتانوسبوم" للانخراط التربوي استمراريتَه الضرورية بين غايات ومتغيرات.إنها تسمح لنا بالخروج من حالة سكيزوفرينيا بين النظرية والممارسات،سكيزوفرينيا تنزع الشرعية بقسوة عن كل فعل تربوي.إنها تدعونا،حسب تعبير ومقاربة "دانييل هاملين" للسير دون كلل في اتجاهي السلسلة التي تربط بين ما نريده وما نقوم به،غير أنها لا تقوم به بطريقة ميكانيكية أو تطبيقاتية، بل وهي تعي بأن الابتكارية البيداغوجية،ووحدها التي يمكنها،بعيدا عن أنظمة الرقابة التكنوقراطية،أن تربط بأصالة بين المبادئ والأفعال بقصد ملء دائرة الوعد باقتدار.
تنطلق"مارتانوسبوم" في  عرض استدلالها بالتمييز بين نظامين من أنواع التطور دون أن يكون لهما وجود "في حالة خام" بالمعنى الفعلي،ولكنهما يمثلان نماذج مرجعية تسمح بالنظر إلى كيفية تموقع كل بلد وكل مؤسسة في العلاقة معهما.صدام الحضارات الذي تتحدث عنه يختلف عما نتداوله غالبا حوله ويجري داخل كل مجتمع. إنه يضع التعارض بين نموذج يتمركز حول النمو الاقتصادي أيَا كان الثمن،ونموذج يتمركز حول التنمية البشرية.
في النموذج الأول،يكون الأساسي بداية هو خلق تنافس بين الأفراد باعتباره المحفز على الثروات المادية،وتوزيعها يكون بناء على الاستحقاق.
في النموذج الثاني،الأساسي هو مبدأ المساواة في الحقوق الحيوية للأفراد: الحق في الصحة،وفي التربية،وفي ممارسة نشاط معترف به داخل جماعة متضامنة،والمشاركة فعليا في النقاش الديمقراطي.
تبرز"نوسبوم" من خلال تحليل،وبشكل خاص،أمثلة من الصين والهند بأن الولوج إلى الحرية والمساواة بين الأفراد لا يرتبط أبدا بالنمو الاقتصادي،بل على العكس،إن النمو اليوم-حينما يوجد أو يكون مطلوبا بأي ثمن-يخلق حالة تنافس،وينمي الفوارق ويثير كافة أشكال الانحراف...
وحتى التربية التي تقترحها البلدان التي تنظر للنمو الاقتصادي باعتباره هدفا أوليا فهي تتأسس على "مزيج"من التطوير التكنولوجي وإذعانا لفكر"إنها تستند على شعور قلق معرض للجرح من أجل نشأة مشاعر لا شيء فيها ديمقراطي": النفور والنظر بإحجام إلى الآخرين باعتبارهم تهديدا،والانطواء العشائري والهوياتي تجاه دسيسة أولئك الذين ينقصهم النضج(موضوع بذاءة) والعدوانية ثم العنف المدمر.
يسمح النموذج الديمقراطي،ضدا على هذا النوع من الشعور،لكل طفل ومراهق طيلة فترة تربيته بالاعتراف بالآخرين-كل الآخرين-باعتبارهم أفرادا يستحقون الولوج إلى نفس الحقوق لأنهم يتقاسمون معه نفس الشرط.(الانتماء الإنساني).
حينما تصف التربية المؤسسة على الربح والسلطة العالم بطريقة،ودوما آلية، مَانَويّة،واضعة التعارض بين "الأخيار" وبين"غيرالطيبين"،بين "المنتخَبين" و"المقصيين" يجب على التربية القائمة على الديمقراطية أن تفضي إلى قراءة الواقع المعقد للوضعيات والتناقضات التي تَعبُر كل واحد بيننا والطريقة الممكن بواسطتها تجاوز تلك المحاولات التراجعية لأجل المساهمة في "الخير المشترك".إنه ما يستحق كل تقدير الآداب إذ تسمح بذلك الاكتشاف،وتقدم فرص الولوج إلى تعقيد الكائنات،وتساعد على فهم إمكانية تجاوزه،وأكثر من ذلك فالتربية على الديمقراطية تزرع "الآمال الديمقراطية"التي تؤسس إمكانية،والرغبة في، العيش معا.
ثلاث ممارسات بيداغوجية من أجل مواقف و"مشاعر ديمقراطية" :
طوّرت لأجل هذا"مارتا نوسبوم"ثلاثة محاور قوية تكشف ضرورة محوريتها ضمن هيكلة أنظمتنا المدرسية:
ممارسة النقاش الحجاجي المبني على الاستدلال والعمل على إرساء الارتباطات المتفاعلة داخل المواد وفيما بينها،ثم أخيرا السير نحو حقل الفنون والانفتاح عليها.
إن ممارسة النقاش،هي بالفعل،ضرورية ومنذ البدايات الأولى ،غير أنه هنا لا مجال للمزج بين النقاش القائم على التبادل الودّي للآراء والمناقشة ب"العصي المنكسرة" حيث يمكن لفئة قليلة من التلاميذ الجيدين أو من ذوي الزعامات الكاريزماتية فرض وجهات نظرهم،لهذا في رأيي ينبغي ممارسة فعل المناقشة عبر وضع قاعدة بيداغوجية أساسية : العمل على تبادل-وبتناوبٍ- الأدوار،حتى يمكن لكل واحد التحوّل للدفاع عن وجهة نظر الغير بعدما كان في وضعية الدفاع عن رأيه الخاص .
هذا الاقتراح،والذي نجده لدى كثير من البيداغوجيين يبدو لي،بالفعل،أنه حاسم لأن المدرسة ليست أبدا مجالا ديمقراطيا،بل هي مجال للتكوين على الديمقراطية،والنقاش يلزم أن يكون فيها شيئا آخر لا مجرد جدال لفظي سطحي أو مواجهة عنيدة مُتَعنِّتَة. ينبغي أن يساهم النقاش في تكوين المتعلم ودفعه نحو هيكلة تفكيره،ومن الضروري إذن أن تسهم قواعد دقيقة وتجنّب كل واحد من التقوقع حول آرائه،وتسمح له بإعادة فحص ما يعتقد المعرفةَ به قصد الارتقاء والتقدم نحو الأفضل.
ينبغي عليه،بمعنى مّا،الدخول في لعبة الأدوار مع الغير والمحاججة ثم البرهنة حتى يصير اقتراحه نفسه غَيرِيّاً( ينتقل إلى حقل الآخر) ويستطيع تحمّل تطوره من غير جحود وإنكار.
لقد كشف "جيرارد دو فيشي" حديثا أن تلك الممارسة بعيدة عن أن تكون محصورة عند مواد دراسية معيّنة مثل التربية المَدَنيَّة،اللغة الفرنسية،أوالفلسفة، بل يمكنها أن تشمل كافة المواد،وهذا منذ طور المدرسة الابتدائية. طبعا ينبغي فحص الوسائط الملائمة ووضع عدّة تدابير مناسبة ثم إنجاز عمل وثائقي قبلي،وإن كان النقاش الجيد تحضيرا وتسييرا،بعيدا عن يفضي إلى نوع من النسبَويّة المعمّمة حيث تتساوى فيها وتتناسب كل الآراء، يسمح بتسجيل ضرورة الدقة والضبط في خضم الممارسات داخل القسم .
يمكننا لذلك الاستناد على تساؤلات التلاميذ،أو الانطلاق من التعارضات العلمية التاريخية،أو القيام بتحليل نقدي لنصوص تعميمية تبسيطية أو حتى فحص "أسئلة حيّة"(راهنة). يسمح، بالتالي، الطابع السطحي الذي يفرضه أسلوب تناوب الأدوار،في حلقة دائرية،للمدرسة بالقطع مع الممارسات الاجتماعية المألوفة للمناقشة،ويفضي إلى تقعيد المعارف،والتي تفقد في أعين التلاميذ خاصيتها الاعتباطية . تشكل المناقشة في القسم، إذن، مناسبة للبحث عن الحقيقة وفرصة لتفاعل وتبادلات ديمقراطية ،كما أنها تُوحِّد،ومن الوجهين معا، وبهدف نفس الضرورة المؤسِّسَة للمدرسة : تكوين المواطن .
الاقتراح الثاني ل"مارتا نوسبوم" يقود إلى نوع من الالتزام داخل كل مادة وفي كل الأعمال حيث تتقاطع المواد،ثم التصرف عبر تمديد الحقل بوتيرة نسقية من أجل السماح باكتشاف التبادلات(التفاعل  داخل الفصل) وأشكال التضامن. يتعلق الأمر هنا بتكوين "مواطن العالم" ليس فقط عبر تعليمات وصيغ جزئية،ولكن أيضا عبر اكتشاف الارتباطات المعقدة التي يقيمها الأفراد (تبعية متبادلة) فيما بينهم ومع العالم. إن التفاعل يعتبر فعلاً قائما قبل أن يكون قيمة بتعبير "ألبير جكارد".
نحن بعيدون هنا عن مجرد تثاقف بيني نسبَوي يقوم على الطابع الفلكلوري للاختلافات، ومزج كل مرجعية إيتيقية وجمالية. يتعلق الأمر بشيء آخر تماما : اكتشاف متدرج للصور، ومعنى ما يحيط بنا بغاية فهم كيف أن كل ذلك "يصنع نظاما"،وبالتالي نماذج من مفهومية حول الذات وحول العالم فيها،وبفضل جسارة الفهم والإقدام إليه، نُؤسِِن الغيريّة والغرابة.
تلح،أخيرا "نوسبوم"على اللقاء الضروري بالأدب والفنون:إنها تعتبر ذلك ضروريا بالنسبة لتكوين الحس والمشاعر الديمقراطية بما تسمح به من الولوج إلى "الخيال السّردي" .
أعني بهذا،كما تشرح ذلك،القدرة على تخيّل الأثر الذي يحدثه التموقع مكان الآخر،وتأويل،بذكاء،تاريخ ذلك الشخص،وفهم المشاعر والأماني والرغبات التي يمكن أن تكون لديه لأن تعلّم رؤية كائن إنساني آخر ليس بمثابة شيء بل باعتباره شخصا،لا يأتي تلقائيا :إنه تعلّم وبناء ،والفن،لأجل هذا،ضروري إذ أنه يفضي،وفي نفس الآن، إلى رؤية
الهويّة والغيرية. إنه يسمح بالتعرف على الذات،و"التعرف على الذات كآخر" حسب العبارة المثيرة ل"بول ريكور".
نجد هنا الاقتراحات التي وضعتها حديثا الأستاذة الجامعية "هيلين ميرلان كاجمان"في كتابها  " Lire dans la gueule du loup "حيث تقول أن" تدريس الأدب تحوّل مع حلول مواد مليئة بدراسة النصوص في العلوم الإنسانية والاجتماعية.لقد كان الربح لافتا في المجال الإبستيمولوجي،إلا أن النصوص الأدبية ينظر إليها،بعد الآن، كما لو أن لها وجودا خارج الروابط الانتقالية التي تحيكها لأجلنا" والنتيجة هي أن "التقاسم الانتقالي" الذي ينشأ عبر الآداب في الأقسام قد تراجع فاسحا المكان لمقاربة تركز على الموضوع وأكثر تقنوية .لم يعد الأدب ينتج "التقبُّل العاطفي" بين الأطفال أوالمراهقين والراشدين.إن التقاسم الأدبي الذي يسهم في بناء هذا العالم المشترك،والذي نطمح إليه،صار محلّ تراضٍ (واتفاق).ينبغي إذن الاشتغال على نصوص،بعيدا عن خلق حالة اللامبالاة،تخاطب مستويات ومناطق الفرد الإنساني،والتي هي أساس وجودنا،وليس العودة إلى الممارسات الديداكتيكية الشكلانية القديمة كما الحديثة .
تقاسم الحسّ الأدبي"عاطفة أدبية" يمكنه أن يتم دون انتهاك حميمية الذات ،وبالحرص على تخفيف حالة الإضطراب/الصدمة التي يمكن أن يحدثها:"القارئ لا ينبغي أن يكون مرغما لا بالكشف عن حميميته ولا بكبتها،ولكن أن تكون له القدرة على تحويلها وتغيير مكانها"بتعبير "هيلين ميرلان".
تسمح له ،فعلا،القوة الرمزية للنص بالتعرف فيها على ذاته ورسم مسافة معه،حيث الخطاب الأدبي يقحمه في ذاتيته،ويبعده في نفس الوقت من نرجسيته.الشخصيات تجسد ما يعيشه دون أن تشابهه،تعلن فَرادَته وهي تربطه آناً مع الآخرين،فيمكنه بالتالي تكوين هويته وهو منخرط ضمن ما يصنع المجتمع .
حتى تشيّد التعاطفية مجتمعا .
إن تلك المقترحات تؤكد أطروحة"نوسبوم" حيث الممارسات البيداغوجية يمكنها تغذية المشاعر الديمقراطية،وتبدو لي هذه النقطة مهمة اليوم،وبشكل مطلق.
على الرغم من ذلك ،أعتقد أنه يلزم إتمام هذا التحليل. إن التعاطفية بالفعل حيوية تفاديا للمعاملة غير الطيبة،ولأجل بلوغ لقاء مميز بالآخر،ولكن هل ينبغي،مرة أخرى،بتعبير "أندري بِّيريتي"، أن ندخل في مرجعية الآخر..دون أن نتيه فيها"؟."دون تيه" يعني التوفر على وسائل الرجوع إلى الخلف،والخروج من التَحَدُّدِ، وبناء تبادل بفضل التحكم في اللغة،وعبر تعلم يومي ل"ما معنى أن نتكلم". هنا ضرورة الدقة والعدالة والحقيقة .إن الانفلات من التداخل المنهجي بين المعرفة والاعتقاد مطلوب دوما،وبذل الجهد لأجل ذلك،حتى لا نطلب من أي كان "الاعتقاد بشخص بناء على قول" ولكن عبر فحص المصادر وإعادة البرهنة والذهاب للنظر عن قرب أكثر،كل هذا ضروري .
ويبدو لي أنه من الأساسي التأكيد على بناء الجمعي،والإمكانية الممنوحة لكل فرد في الحصول على مكان ضمن ذاك الجمعي هي مسؤوليته،والقيام بنوع من التجريب للسلطة المشروعة،تلك التي تمارَس بنفس القدر الذي نضع فيه سلطة تصرف في خدمة مسؤولية ضمن المصلحة المشتركة .أخيرا،أؤكد على ضرورةٍ-وهي بشكل خاص مهمةُ اليوم بالنسبة لي-أن نمنح للتلاميذ دلالة وقواعد الاكتشافات المنجَزَة وتسجيلها ضمن إطار مؤسساتي،لهذا أتساءل منذ زمن طويل حول إمكانية والحاجة لإدراج القانون باعتباره مادة للتمرين في منهاج التكوين،وهذا يكون من طور الابتدائي إلى مستوى الثانوي. بعد كل هذا،وفي مجتمعنا الحالي،لم تعد التعاليم هي ما "يمسك الأفراد معا" بل إنه القانون،وينبغي أن يفهم التلاميذ بأي معنى يحميهم القانون،وما الذي تعنيه مبادئ مثل "لا أحد يمكنه أن يطبق عدالته بنفسه" "و"لا أحد يمكنه أن يكون في نفس الوقت قاضيا وطرفا في القضية" من حيث أنها (المبادئ) عناصر مُحَرَِّرَة .
ألسنا نحن هنا ضمن مفارقة قصوى؟ نحن الذين نعلن أن "لا أحد له الحق في الجهل بالقانون" ونرفض في نفس الآن تدريس القانون .
إن البيداغوجيا بعيدة عن أن تكون عاجزة في مواجهة الهمجية .مؤكد أنها ليست قوية بما يكفي،ونجاحها لم يكن أبدا مضمونا : إن تكوين إنسان هو ليس صناعة موضوع،وليس لدينا اليقين أبدا بما يمكن أن يصيره. البيداغوجيا لا تشتغل هكذا بوثوق!
من حسن الحظ أن الديمقراطية هي كذلك! وهو ما يصنع  في آن واحد تألقها وهشاشتها،وهذه الهشاشة(بالمعنى الإيجابي وهو ما يقصده المؤلف)هي ما ينبغي علينا الدفاع عنه ضد قوة الدوغمائيات وعنف التوتاليتارية لأن هشاشتنا هي بهذا المعنى خَيرُنا الأكثر قيمة وثمنا.

السبت، 4 مارس 2017

من الفلسفة إلى السياسة عند حنّه آرندت – منصف الداودي

عن موقع حكمة



ملخص البحث باللغة العربية:

إنّ قلب الأفلاطونية لايعني الخروج منها، فهو جزء من نفس الإطار. لِهذا كانت التصورات الفلسفية المناهضة للأفلاطونية جزء منها، وهو حال التيار الحيوي. فإذا كانت الأفلاطونية قد شكّلت التقليد الفلسفي الغربي، أي الإطار العام للتفكير الفلسفي الغربي، فإنّ مجاوزتها لا تكون بِقلبِها بل بالخروج النهائي منها. وهذا ما سعَت إليه حنّه آرندت باقتراحها التصور السياسي الذي ينظر إلى الوجود والإجتماع الإنساني خارج كلّ تأطير فلسفي؛ أي ينظر إليهما نظرة سياسية، بالمعنى الخاص الذي تسنده آرندت إلى السياسة. فكيف تشكّل إطار التقليد الفلسفي مع أفلاطون؟ وكيف ظلّت التيارات الفلسفية حبيسة هذا الإطار رغم محاولتها تجاوزه؟ وأخيراً ما هي طبيعة التصور السياسي الذي تُقدّمه أرندت قصد التجاوز فعلي لهذا التصور الفلسفي؟


من الفلسفة إلى السياسة عند حنّه آرندت

تفترض قراءة أيّ متن فلسفي استحضار جملة مُحدّدات يكون فَهمُه على ضوئها إمّا أقرب أو أبعد من نيّة الكاتب. ونحن أمام نصوص حنّه آرندت، علينا استحضار أنّنا أمام مَتْن مُفكّرة تريد أن تنظُر إلى السياسة بأعيُنٍ مُجرّدةٍ من الفلسفة،[1] أي تريد أن تَفْهَم ماهو سياسي خارج كلّ ‘وهْمٍ’ ميتافيزيقي.[2] ولا يتأتّى أمرٌ كهذا إلاّ بفهم موقِفَها من ’التقليد‘(Tradition;traditionn) الفلسفي.

تقصد أرندت بالتقليد، بصفة عامّة، الإطار المفهومي للفلسفة الغربية؛ أي الإطار الذي يُفكّر بِهِ و داخله العقل الغربي في تجارب الماضي (وتَخُصّ بالذكر تجارب الإغريق). فهي تُميّز ’التقليد‘ عن الماضي؛ حيث يُشكّل هذا التقليد «الخيط الرّابط» الذي يربطنا بِ«مجالات الماضي».[3] فهو إذن المِنظار الذي يحكُم نظرنتا، والذي نُفكّر عبره في هذا الماضي ونحاول فَلسَفتهُ (أي ممارسة فعل التفلسف عليه). لِذا كان فعل التحرّر من الفلسفة والميتايزيقا والتخلّص منهما، فعلا يُمكّنُنا من «رُؤية الماضي بعَيْنٍ جديدة، مُتحرّرة من هيْمَنة و ثِقل التقليد […]».[4] لكن في مقابل ذلك، «لا تعني نهاية التقليد، بالضرورة، أنّ المفاهيم التقليدية قد فَقَدَتْ تأثيرها […]».[5] فكُلّ المحاولات التي قام بها كُلّ من كيركِكارد ونيتشه وماركس، لم تقُم إلاّ بِ ’قلب‘ هذا الإطار، لكنّها ظلّت داخله؛ حيث حاولت القيام بذلك بواسطة «اقتباس أدواته المفهوميّة»[6] نفسها، فكان أنْ «ظَلَّ الإطار المفهومي دون تَغيُّر».[7]

وجَبَ، بهذا المعنى، فهمُ موقف أرندت من الفلسفة والدلالة التي تُسنِدُها إيّاها من جهة (أي باعتبارها الإطار الذي يحكم نظرتنا عامّةً)، و،من جهة أخرى، تركيزها الدّائم على تجارب المعيش اليومي الإغريقيّ قبل أن يتمّ مَفهَمته (Conceptualisation) بالأساس مع أفلاطون -أي قبل أن يصير تقليداً. فما قامت به أرندت هو مجاوزة حقيقية للميتافيزيقا وللفلسفة بصفة عامّة؛ وذلك بخلاف المحاولة التي قام بها هايدغر، والتي «ظلّت [فيها] مجاوزةُ الميتافيزيقا، كما وردت في ‘ما الميتافيزيقا؟’، سجينة هذه الأخيرة».[8]

يمكن، تبعاً لهذا، أن نفهم المقصود الحقيقي من قول أرندت إنّها تريد أن تنظر إلى السياسة خارج كلّ فلسفة؛ فهي تحاول أن تُعيد التساؤل حول معظم الإشكالات بِ’مقولات‘ غير فلسفية.  وكذلك فعلت مع مفهوم العالم كما سَنَرى. فكيف تشكّلَ التقليد الفلسفي مع أفلاطون وصار إطار العام للتفكير؟ ثم كيف ظلّت بعض التيارات الفلسفية حبيسة هذا الإطار رغم محاولتها انتقاده نقضه؟ وأخيرا، ما هو التصور السياسي الذي خرج بشكل فعلي من هذا الإطار؟

1- الأفلاطونية كإطار فلسفي

لا تخرج إقرارات الفلاسفة بخصوص مفهوم العالم عن السّقفَيْن اللذيْن أطّرَ بِهِما أفلاطون التقليد الفلسفي الغربي، وذلك في التساؤل الذي أعْلَنَه تيماوس: «على ماذا يرْتَكِز ما يوجد دائما، دون أن تكون له بداية؟ [و]على ماذا يرْتَكِز ما يصير دائما والذي لا وجود له إطلاقاً؟».[9] يُجيب دارِس ومُترجم أفلاطون إيميل شامبري في ‘ملاحظات حول تيماوس’ بأنَّ «الذي يوجد دائماً هو المُثُل، المُدرَكَة بالعقل، والذي يصير دائماً هو الكون[…]».[10] بهذا التساؤل وضع أفلاطون حدود التقليد الفلسفي؛ حدودٌ مُنْتهاها، من جهة، وجودٌ أبديٌ و ثابت، وَ من جهة  أخرى صيرورةٌ دائمةٌ ومتحوّلة.

يبسُطُ أفلاطون، في محاورة تيماوس، القول في «كيفيّة تشكّل الكون»، أي يُقدّم «تفسيراً عاماً للعالم»[11] ولتركيبه المادي؛ حيث «يدخل كلّ واحدٍ من هذه العناصر الأربعة في تركيب العالم، لأنّ صانعه قد ركّبه انطلاقاً من كل النار، كل الماء، كل الهواء وكل التراب الموجود دون أن يترك خارجه أيّ جزءٍ أو قوّةٍ من هذه العناصر».[12] ما يهمُّنا هَهُنا ليس مضمون التركيبات، بل كوْن «الإله […] أخذ مجموع الأشياء المرئيّة، والتي لم تكُن في سكون بل تتحرّك بدون ضابطٍ ولا نظام، فأخْرَجَها من اللانظام هذا إلى حالة النظام […]».[13] والسبب في إدخال النظام على العالم المتغيّر باستمرار هو كوْن هذه العناصر تَنْفَلِت ولا تترك لنا فرصة وصفها ولا التعبير عنها يأيّ تعبيرٍ ثابت.[14]

باختصار، حدّد أفلاطون، انطلاقاً من هذا التقسيم، الثنائيات الفلسفيّة المعروفة: اللانظام/النظام (الكوسموس/الكاووس)، الثبات/التغيّر… أي مُعضم المفاهيم ومقلوباتُها التي انْبَنَتْ عليها فيما بعد جلّ التيارات الفلسفيّة الكبرى: الحسيّة/المثالية، الماديّة/الروحانية، المتعالية/المحايثة…[15] فَكَانَ أنْ صارت الواحدة منَ التصوّرات الفلسفية مقلوبَ الأخرى دونَمَا أيّ مجاوزة أو خروج. ولعلّ أبرز شاهد على ذلك هو «قلبُ الأفلاطونية» النيتشوي الذي «لم ينجح [عند أرندت] إلاّ في قلبها»،[16] أي أنه ظل داخلها ولم يُجاوِزها.

فبَعدَ أنْ أنشأ أفلاطون عالمه المعقول -في مقابل المحسوس، وترتّب عن ذلك ميلاد العدميّة،[17] ثم جعل عالم المُثُل هذا أحقّ من عالم الظواهر، صارت «الأرض غير ذات قيمة»،أي تمّ نفيُها على حساب السماء،[18] وما كانت محاولة نيتشه، محاولةُ أنْ يتصالح مع الأرض دون أن ينفيها[19] (sans l’anéantirr)، إلاّ نفياً لهذا النفي كما أحلنا سابقاً؛ أي ارتماءً في هذه  الأرض دون فَرْزٍ في مجالاتها بين الصيرورة العمياء للطبيعة، وبين العالم الإنسابي القابل للعيش.

فَكَيْف نُظِرَ إلى مفهوم العالم داخل الفلسفة كما تحدّد إطارُها مع أفلاطون؟

1.1- التصورات الفلسفية: الأفلاطونية ومقلوبها

يُعلِّق إيميل شامبري، عن حق، في الهامش 105، في سياق حديث أفلاطون عن الزمان (ص 416 من المحاورة وما بعدها) بالقول: «يستعمل أفلاطون كُلاّ من الكلمات ’سماء‘، ’كوْن‘ و ’الكُلّ‘ بمعنى واحد قصد الدّلالة على مجموع العالم».[20] فانطلاقاً من لحظة أفلاطون، أصبح يُنعَتُ كلّ ما لا ليس مُثُلا(Idées) بأيّ اسمٍ، وتُسنَد إليه أيّة خصائص كانت دون أدنى تمييز. «بخصوص السماء كلّها، أو العالم، أو أيّ اسم آخر مناسب نعطيها إيّاه […]».[21] هكذا يتحدّث أفلاطون عن هذا الذي لا يُهِمه بأيّ اسم نَنْعَتُه، بقدرِ ما يُهِمُّه أكثر التساؤل حول «ما إذا كان موجوداً دائماً، دون أن تكون له بدايةُ كَوْنٍ، أو هل بدأَ، فكانت له بداية؟».[22] فحَصَلَ أنْ أَلْغى كلّ التمايزات والخصائص التي يتميّز بها الوجود على الأرض، مُختزِلا إيّاه في هذه الثنائيّة المعروفة. فكَانَ أنْ قامت جلّ التصوّرات الفلسفية المنتقِدة للأفلاطونية بأنْ أعادت الإعتبار فقط إلى وجهٍ من أوجه الوجود[23] (عالم الصيرورة) وكَسْرِ قيدِ الأفلاطونية، إلى درجةٍ صار معها «قلب الأفلاطونيّة» –مثلاً عند نيتشه- «مهمّة الفلسفة».[24] لكنّ هذا القلب، الذي ظلّ سجين الأفلاطونيّة نفسها كما بيّنّا، والذي ’يُعيد‘ للصيرورة مَكَانَتها بعد أنْ جعل أفلاطون «ما هو مرئي ٌ وخاضعٌ للصيروة» مُجرّدَ «نسخةٍ عن نموذجٍ» مضادٍ له في الخصائص، أي «معقولٍ و دائم التباث»،[25] هذا القلب قد سقَط في أحد حدود الأفلاطونيّة (عالم  الصيرورة) دون أنْ يمّيز داخل موجوداته عن المكانةَ الخاصّة التي يحتلّها أحدها: الإنسان وعالمه.

هكذا، وبُغيةَ التخلّص من الأفلاطونيّة –أي قلبها، لم تُفرّق التصورات الفلسفيّة التي حملَت على عاتقها هذه المهمّة (=مهمّة القلب) بين الموجودات؛ حيث جعلتها كلّها –بما في ذلك الإنسان- تسبح في صيرورة العود الأبدي للطبيعة. وانطلاقاً من ” أيّ اسم” الذي لم يُعِرْهُ أفلاطون أهمّية كما تقدّم، سار حتّى منتقدوه في المسارعيْنه، وأصبحوا ينعتون هذا ”الكلّ” الذي يوجد –بعد أنْ قَلَبوه- بأي اسم؛ ومن هنا الخلط، على وجه التخصيص، بين ’العالم‘ و ’الطبيعة‘.

تكادُ تُجمِع التصورات الفلسفيّة، منذ قديمِها، على أنّ معنى «العالم إنّما هو إشارة إلى جميع الأجسام الموجودة […] وهو عالم واحد كمدينة واحدة أو حيوان واحد»؛[26] أي «ذاك الكونالحيوان الواحد، الذي يحتوي داخله على كلّ المخلوقات الحيّة غير الفانية.»[27] (التسويد مُضاف في النصيّن). من المُثير للانتباه العثور على مِثل هذا التطابق في سياقيْن مختلفين، الذي معه يكون العالم كائناً حيّاً؛ حيث إنْ دلّ على شيء –ولهذا القصد أوردناه- إنّما  يدلّ على استمرارِ نفس التصوّر حول مفهوم العالم رغم ما يظهر من تغيّرات في أشكال التدليل عليه.  وهذا الاستمرار ظل حتى حدود القرن العشرين، خصوصاً مع التيار الحَيَوي.

منذ أنْ كانت الطبيعة عند الإغريق القدامى «تحوي كلّ الأشياء التي تنشأ وتتطوّر من تلقاء ذاتها»[28] دون أيّ تدخّل خارجي عنها، وصولاً إلى اعتبارها عند دولوز –مؤوّلا سبينوزا- «[…] لاتكُفّ عن التحوّل والتشكّل وإعادة التشكّل في تركيبات كما في تفرّدات»؛[29] لم تخرج التصورات الفلسفية –مع ضرورة التنسيب- عن كونها تعتبر الطبيعة ذلك المُعطى الأوّلي الذي يوجد فيه كلّ شيء ويتشكّل من تلقاء ذاته. والمثير للإنتباه أيضاً، والذي يُهِمّ سياقنا، هو مُماهات مفهومها مع مفهوم العالم؛ «[…] فكُلّ شيء في الطبيعة أو العالم هو جزءٌ من بساط المحايثة العام […]»[30] الذي يحتوي كلّ شيء.

فبَعد أن ’نزلت‘ الفلسفات المُناقضة للأفلاطونية إلى ”العالمها الحقيقي”، عالم الصيرورة، بعد بَيانِها زيْفَ ”العالم الحقيقي” الأفلاطوني، عالم المُثُل، لم تُفرّق –داخل هذا العالم على الأرض – بين ما يصير دائما ودون توقّف، وما يتمتّع بدرجة من الديمومة  وقابل للمعيش الإنساني. حيث لم تسمح لها مهمّتها (قلب الأفلاطونية) أنْ تتبيّن الفروقات والتمايزات الموجودة داخل هذا العالم الأرضي نفسه.

يُعتبر سبينوزا –مُؤوَّلاً دولوزيّا- أبرز مثالٍ على ذلك التصوّر الفلسفي الذي يُماهي بين ’العالم‘ و ’الطبيعة‘، دون أيّ تمييزٍ –في الخصائص- لأحدهما عن الآخر؛ والذي يترتّب عنه، تصوّر مغاير عن الانسان كما سيتبيّن.

فَفي مقامٍ أوّل، «تطمَحُ نظريّة سبينوزا، من حيث هي إيتولوجيا تنظر في كيفية انتماء الموجودات إلى الطبيعة، إلى أنْ تقدّم تصوّراً مُحايثاً عن العالم […]»،[31] وتعني «المحايثة في التعريف، […] فعلَ النظر إلى العالم كطبيعة في ذاتها وبذاتها […]».[32] بالإضافة إلى ذلك، «وعندما ننظر إلى العالم من زاوية الإيتولوجيا […] كلُّ شيء يصير حينها هنا، فيالطبيعة، […]»،[33] و تعني الإيتولوجيا «دراسة علاقات السرعة والبطء والقدرة على الفعل والانفعال التي تميّز كلّ شيء. […] وهذه العلاقات والقدرات تقوم باختيار ما يناسب هذا الشيء في العالم أو الطبيعة».[34] يُلاحظ في هذه المُماهات -التي سيتبيّن القصد من وراء إبرازها بهذا الشكل لاحقاً- استنادها إلى التصوّر العام حول كوْن العالم هوَ هذا الكُل الذي يحوي جميع الأجسام الموجودة، وذلك مند أفلاطون؛ هذا الكُل هو ما يُعرَف عند سبينوزا بالجوهر، حيث «[…] الجوهر في عُرفه يُقصد به العالم من حيث هو المجال الذي يحتوي كلّ شيء […]».[35]

اتّضحت لنا إذن، بهذا العرض المُقتضب، الصورة التي ترسمها هذه الفلسفة عن العالم. وما يهمّ في سياقنا، فضلاً عن قولها بتواطؤ العالم والطبيعة في المعنى و وَسْمُهُما بأنّهما ”كلّ ما يوجد”، هو عدم التمييز بين خصائص كلّ منهما. فانتصارهذه النزعة الحيويّة للحياة ولقِيَم الأرض،[36] ضداً على القيم الأفلاطونيّة النّافية للحياة،[37] وإيمانُها بالعالم كما هو في دَفَقِه و حيويته[38] دونَما أيّ تمييزٍ للعالم القابل للعيش إنسانيّاً من باقي مجالات هذه الأرض، جعلها –مدفوعةً بِ ‘انتقامها’ من الأفلاطونيّة- تتغافل عن التميُّز الذي للعالم الإنساني عن سائر  مجالات الأرض، وخصوصاً عن الطبيعة.

والطبيعة عند هذا التصور الحيوي بصفة عامّة، وعند سبينوزا (من منظور دولوز) بصفة خاصّة، تُحَدَّد باعتبارها ما يشمل في الآن نفسه كلّ شيء؛[39] أي هذا الكلّ المادّي الشامل المحايث الذي تعود إليه كل الكائنات.[40] «وكون سبينوزا قد سعى إلى بناء مذهب مادّي صرف […]»،[41] وأنّ فلسفته فلسفةٌ «مادّية في العمق»،[42] فإنّ الطبيعة عنده محضُ جُزَيئات لانهائيّة لاتكفّ عن التشكّل وإعادة التشكّل في تركيبات وتفرّدات[43] تحكمها ترابُطات تنحَلّ وتتركّب بشكل أبدي.[44] ولمّا كانت خصائص العالم عنده هي نفسها خصائص الطبيعة –كما تقدّم معنا، بل هُما الشيء ذاته، فإنّ العالم أيضاً يُنظر إليه، وفقط، من هذا المنظور المادّي، أي من حيث هو جملة مواد وعلاقات تتحقّق من خلالها الموجودات في مستوى واحد دون تراتب.[45]

نَخلُص إذن، إلى أنّ التصورات الفلسفيّة، سواء الأفلاطونيّة أو مقلوبُها، تقدّم المنظور ذاته، والذي يكون معه العالم محضَ تركيبٍ شامل يحوي كلّ شيء ويصير دائما دون توقّف رغم الإختلاف الظاهر بينهما؛ حيث ينفي التصور الأول هذا العالم على حساب آخرَ متعالٍ، بينما يُثبت التصور الثاني هذا الأخير (التعالِ) على حساب الأول (الصيرورة)؛ لكنهما يُجمعان حول خصائصه التي يُماهونَها بتلك التي للطبيعة.

يترتّب عن هذا التصوّر بخصوص العالم، تصوّر عن الإنسان يكون معه محضَ تركيبٍ مادّي؛ أي لا يتعدّى النظرُ إليه حدود كونه تأليفاً من تأليفات الطبيعة. فسبينوزا مثلا يعتبر الإنسان ’’جسماً‘‘ كباقي الأجسام الأخرى؛ حيث «إنّه الفيلسوف الذي قدّم النظرة الأكثر ‘فيزيائيّة’ وحسّية للجسد الإنساني»، وهذا بالإرتباط مع التصوّر الإيتيقي* الذي ينظر إلى الإنسان «باعتباره مجرّد ‘ترابط ظرفي بين جزيئات’، أي مجرد حال لصفة الامتداد الخاصة بالطبيعة […]».[46] ويتحدّد الجسم عنده باعتباره «تركيباً جامعاً وبشكل دائم لعددٍ لا متناه من الجزيئات»،[47] أي، وبِلُغة سبينوزا نفسه، ’’تعبيراً‘‘ من تعبيرات الطبيعة التي تتشكّل في أشكال وتركيبات لامتناهية. تبعاً لهذا يصير وجود الإنسان جملة أجزاء متناهية في الصغر تتعالق فيما بينها[48] لِتتحقّق باعتبارها جزء من هذه الكينونة العامّة الشاملة التي هي الطبيعة أو الجوهر.[49] هكذا يصير الإنسان، في هذا التصوّر، أحياناً طعاما للدّود أومادّة للأرض أو سماداً للنبات[50] عندما ينحل تركيبه الظّرفي.

هذا التصوّر عن الإنسان، الذي يستتبع التصوّر الأعم عن العالم (الطبيعة)، ينظر إلى المستوى الأوّلي للوجود الإنساني: المستوى الفيزيقي البيولوجي الصِّرف. وكونه كذلك، أي «كقطعة من الطبيعة»[51] ما يفتأ ينحلّ ليعود إلى هذا الكلّ ويتشكّل في تفرّدات أخرى، يجعله من الطبيعة وليس فيها.

2- التصور السياسي: الخروج من الإطار الفلسفي

«العالم، المسكن الإنساني المبني على الأرض والمصنوع من المواد التي تمنحها الطبيعة الأرضيّة للأيادي الإنسانية، لا يتمثّل في الأشياء التي نستهلِكُها، بل في تلك التي نستعملها. إذا كانت الطبيعة والأرض تشكّلان، عموما،ً شرط الحياة الإنسانية، [فإنّ] العالم وأشياء العالم تشكّل الشرط الذي بِهِ يمكن لهذه الحياة الإنسانية أن تُقام على الأرض».[52] تمثّل هذه الفقرة  الخلاصة شبه العامّة التي بها تتحدّد، عند أرندت، الفروقات بين ’العالم‘ و’الطبيعة‘ و ’الأرض‘، ’الاستهلاك‘ و ’الاستعمال‘، ’الحياة‘ بصفة عامّة (الفيزيقيّة) و ’الحياة الانسانيّة‘ بصفة خاصّة.

في مقامٍ أوّل، تُشكّل الأرض شرط الوجود الانساني أو لنَقُل مجموع الشروط المعطات للإنسان والتي بحسبها يحيا (ككائن حي في طبيعة) و يعيش (كإنسان في العالم)؛ فالأنشطة الانسانية (الشغل، الصّنع والفعل)، وحتّى الفكر، لايكون لها معنى إلاّ داخل الشروط التي تمنحنا إيّاها الأرض.[53] لهذا، فإذا كانت «الأرض تشكّل جوهر الوجود الإنساني […]»[54]نفسه، فإنّ «التغيّر الأكثر جذريّة الذي يمكننا تخيّله لهذا الشرط الإنساني، هو الهجرة إلى كوكب آخر […]»؛[55] لأنّ الخروج من الأرض هو خروج من الشروط التي تشرطنا بها، والتي داخلها يتحدّد وجودنا كلّه؛ فالفكر وباقي الأنشطة الانسانية الأخرى كما نعرفها، لن يصير لها أيّ معنى خارج الشروط المعطات على الأرض.

و في مقامٍ ثانٍ، فإنّه «من دون عالمٍ بين النّاس والطبيعة، لن يكون هناك سوى حركة أبديّة […]»[56] تكون فيها الطبيعة وموجوداتها شيئاً واحداً. فَ «الكائن الطبيعيّ ليس ‘في’ الطبيعة، بل هو الطبيعة […]»[57] نفسها؛ لأنّ الطبيعة تَبتَلِع كلّ منتوجاتها للاستمرار، بشكل أبديّ، في الحفاظ على حركتها الدائريّة[58] التي هي حركة العود الأبدي. لأنّه في غياب عالمٍ يسكنه الإنسان –في مقابل الطبيعة التي يحيا فيها مع باقي الكائنات الحيّة- ليس هناك وجودٌ إلاّ لهذا العود الأبدي للنوع الإنساني كباقي الأنواع الحيوانية الأخرى.[59] فالحياة بالمعنى الأعم، من حيث هي مشتركة بين كلّ الحيوانات (الكائنات الحيّة)، هي خاصيّة الطبيعة التي تُحافظ بها على زمانيّتها الدائريّة؛ أمّا الحياة بمعناها الانساني، من حيث معيشالإنسان، هي خاصيّة العالم الذي بموجبها يتمتّع بِ زمانيّة خطيّة.

وكِلا هاتيْنِ ‘الحياتين’، تشرطهما الشروط المُعطات على الأرض؛ ففَضلاً على الشروط التي تُعطى فيها الحياة الطبيعية على الأرض، فإنّ الإنسان يصنع شروطاً –غير طبيعيّة- يعيش داخلها ويَنْشَرِط بها أيضاً، هي شروط العالم الذي يصنعه بجوار الطبيعة.[60] فالانسان يصنع عالماً اصطناعياً، بجوار الطبيعة، لكنّه مختلفٌ تماماً عن كلّ مجال طبيعي،[61] وكلٌ من الطبيعة والعالم ينشرطان بشروط الأرض ويوجدان عليها. وهذا عكس ما ذهب إليه الباحث ميشيل دياس (Michel DAISS) عندما لم يفرّق بين الطبيعة والأرض من جهة، و جعل للأرض نفس خصائص الطبيعة[62] من جهة أخرى؛ في حين أنّ خاصيّة الأرض، عند أرندت، هي كونها شرطاً للوجود، يتحدّد بها كلّ من الطبيعة والعالم باعتبارهما جزءً منها.

بهذه التمييزات إذن: الأرض كشرط للوجود، الطبيعة كشرط للحياة والعالم كشرط للمعيش، يتحدّد عند أرندت الوجود المكاني للإنسان. وذلك في مقابل المُماهات بين الأرض والطبيعة والعالم التي قام بها أصحاب التيارات الحيوية، من دون رسمٍ للحدود الفاصلة بين كلّ منها ودون تحديدٍ لخصائصها كما تقدّم معنا.[63]

نخلُص إذن إلى أنّ محاولات التي قامت بها التيارات الفلسفية (التيار الحيوي أساسا) لم تنجح في التخلّص من الإطار الفلسفي (كما تحدّد مع أفلاطون)، بل قامت فقط بِ ‘قلبه’. ويُمثّل التصوّر السياسي الذي اقترحته آرندت مُجاوزة وخروجا فعليّيْن من هذا الإطار؛ وبالاستتباع انتقالا من التصور الفلسفي للعالم والوجود الإنساني، إلى تصور سياسي لهما.




الهوامش :

([1]) Hannah ARENDT, «What Remains? The Language Remains: A conversation with Günter Gaus», Trans by Joan Stamaugh, In: The Portable Hannah ARENDT, Edited with an intoduction by Peter BAEHR, Penguin books, New York, 2000, pp 3-22, p 3.

([2]) Etienne TASSIN, «La question de l’apparence», In: Politique et pensée (Colloque Hannah Arendt),  PBP, Paris, 2004, pp 87-119, p 88.

([3]) Hannah ARENDT, Between Past and Future, The Viking Press, New York, 1961, p 94; Trad. Fr. La crise de la culture, Trad. sous la direction de Patrick LEVY, Gallimard, coll «Flio essais», Paris, 1989, p 124.

([4]) Hannah ARENDT, La vie de l’esprit (T1:La pensée), Trad. Lucienne      LOTRINGER,  PUF, coll «philosophie d’aujourd’hui», Paris, 1981, p 27.

([5]) Hannah ARENDT, Between Past and Futureop.,cit., p 26; Trad., Fr., La Crise de la culture op., cit., p 39.

[6]Ibid., p 25; Trad., Fr., Ibid., p 38.)

([7]) Hannah ARENDT, The Human Condition, The University of Chicago, Chicago & London, 1998, p 17; Trad., Fr., par Georges Fradier, Condition de l’homme moderne, Préface de Paul Ricœur, Pocket, Calmann-Lévy, 1983, p 52.

([8]) Etienne TASSIN, «La question de l’apparence», op. cit., p 89.

([9]) Platon, «Timée», In: Sophiste-Politique-Philèbe-Timée-Critias, trad. par Emile Chambry, GF, coll «Flammarion», Paris, 1969, p 410.

                               ([10]) Emile Chambry, «Notice sur le Timée», Ibid, p 381.

([11]) Ibid., pp 380-381.

([12]) Platon, «Timée», op., cit., p 413.

([13]) Ibid., p 412.

([14]) Ibid., p 428.

([15]) Hannah ARENDT, Between past and Futureop., cit.,p 38; Trad., Fr.,  La crise de la cultureop. cit., p 54.

                                            (التسويد مُضاف)             ([16]) Ibid., p 43.

([17]) «Luc Ferry explique Nietzsche volume2», https://www.youtube.com/watch?v=WtpqWO8wxAM.=

=معلومٌ أنّ العدمية بدأت مع أفلاطون؛ حيث تعني: inventer de l’idéal pour nier le réel”” (Luc Ferry)، وما عدميّة نيتشه إلاّ إعادة تقويم هذه العدميّة الأفلاطزنية وتسويّتها. يُنظر أيضاً:
op. cit., pp 44, 53. Between Past and Futureop., cit., p30, 37; Trad., Frr.,

([18]) «Luc Ferry explique Nietzsche volume2», op., cit.

([19]) Ibid.

([20]) Emile Chambry, «Notes sur le Timée», op., cit., note 105, p 504.

   (التسويد مُضاف )         ([21]) Platon, «Timée», op. cit., p 410.

([22]) Ibidem., «A-t-il toujours existé, sans avoir aucun commencement de génération, ou est-il né, et a-t-il eu un commencement».

([23]) وهذا أشبه بالتميّز الذي أولاه التقليد الغربي وهرميّته للحياة التأملية، إلى درجةٍ انمحت معها كلّ التمايزات داخل الحياة العملية؛ يُنظر :
The Human Condition, op., cit., p 17; Trad., Fr., Condition de l’homme moderneop. cit., p 522.

([24]) جيل دولوز، قلب الأفلاطونية، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، مجلّة فكر ونقد، ع1، 1997، [الموقع الالكتروني].

[25]) Platon, «Timée», op. cit., p 427. )

[26])) جيرار جهامي، موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1998، ص 431.

([27]) Platon, «Timée», op. cit., p 447. «[…] cet univers animal unique, qui contient en lui-même toutes les créatures vivantes et immortelles».

[28]) Hannah ARENDT, La crise de la cultureop. cit., p 58.)

[29])) جيل دولوز، «الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا»، ترجمة عادل حدجامي، ضمن: مجلة كتابات فلسفية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، عدد1 2014، ص ص 75-90، ص 90.

([30]) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،ط1، 2012، ص 59. (التسويد والتسطير مُضافان) (نُسقِط من اعتبارنا  السياق الذي وردت فيه الجملة)

[31])) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، المصدر السابق، ص 58. (التسويد مُضاف)

[32])) نفسه، ص 180. (التسويد مُضاف)

[33])) عادل حدجامي، «فيزياء الفكر: باروخ سبينوزا، أو كيف يكون الله هو الطبيعة؟»، موقع ‘الأوان’ الالكتروني، بتاريخ 24/02/2010، تاريخ الزيارة 22/04/2014، http://www.alawan.org/article6939.html .

([34]) جيل دولوز، «الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا»، ترجمة عادل حدجامي، ضمن: مجلة كتابات فلسفية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، عدد1 2014، ص 75-90، ص 88. (التسويد مُضاف)

[35])) عادل حدجامي، «فيزياء الفكر…»، المصدر السابق. وأيضاً: «فلسفة جيل دولوز…»، المصدر السابق، ص 59.

([36]) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوزعن الوجود والاختلاف، المصدر السابق، ص 250.

 ([37]) «Luc Ferry explique Nietzsche», op. cit.

 ([38])عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوزعن الوجود والاختلاف، المصدر السابق، ص 252.

[39])) نفسه، ص 60.

[40])) عادل حدجامي، «فيزياء الفكر…»، المصدر السابق.

([41]) نفسه.

([42]) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، المصدر السابق، ص 63.

([43]) جيل دولوز، «الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا»، المصدر السابق، ص 90.

[44])) نفسه، ص 78.

[45])) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، المصدر السابق، ص 180.

(*) يُفرّق هذا التصوّر بين الإيتيقا والأخلاق. يُنظر تفصيل ذلك: عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، المصدر السابق، ص 66 ومابعدها.

 ([46])عادل حدجامي، الهامش (*) من تقديم ترجمة «الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا» لجيل دولوز، المصدر السابق، ص 75. (التسويد مُضاف)

[47])) جيل دولوز، «الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا»، المصدر السابق، ص 86.

[48])) عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، المصدر السابق، ص 64.

[49])) عادل حدجامي، «فيزياء الفكر…»، المصدر السابق؛ وأيضاً: «فلسفة جيل دولوز…»، نفسه.

[50])) عادل حدجامي، «فيزياء الفكر…»، المصدر السابق.

[51])) كْلاوْس هيلْد، «العالم والأشياء: قراءة لفلسفة مارتن هايدجر»، ترجمة اسماعيل المصدق، مجلة فكر ونقد [الموقع الإلكتروني]، عدد1، سبتمبر 1997،  تاريخ الزيارة 15/05/2014. http://www.aljabriabed.net/n01_14musaddak.htm

          ([52]) Hannah ARENDT, The Human Condition, op., cit., p 134.

([53]) Ibid., p 44.

([54]) Ibid., p 34.

[55]Ibid., p 44.)

[56]Ibid., p 189.)

([57]) Michel DIAS, Hannah Arendt (politique et culture), L’Harmattan, coll «œuvres philosophiques», Paris, 2006, p 22.

([58]) Ibid., p 14.

[59]) Hannah ARENDT, Condition de l’homme moderne, op., cit., p 142. )

([60]) Hannah ARENDT, Condition ce l’homme moderneop., cit., p 44.

([61]) Ibid., p 34.

([62]) Cf., Michel DIAS, Hannah Arendt (culture et politique)op., cit., p 14. «[…] la nature ou parfois la terre […]» ; «Tout ce qui est sur la terre n’y est que de passage […]».

[63])) وجب التنبيه إلى بعض الفروقات النظريّة حول المفهوم من ’الطبيعة‘ كما يرد عند أرندت، والمفهوم منها كما ورد عند دولوز (باعتباره مؤوّل كلّ سبينوزا ونيتشه وآخرين). حيث ينبّه الأستاذ عادل حدجامي إلى المقصود بالطبيعة عنده بالقول: «[…] فليست طبيعانية دولوز وحيويته  نزوعا تلقاءيا فجا من جنس ذلك الذي تقول به التوجهات التي تنتصر للطبيعة ضد الإنسان، أو تلك التي تدعو للعودة إلى الطبيعة ضد المدينة»، وذلك أنّ دولوز لاينظر إلى الطبيعة «باعتبارها واقعا وفضاء للتأمل، بل تؤخد بمعناها السبينوزي، حيث هي قوة وشرط  كل ما يوجد، فالطبيعة صيرورة تحقق دائم […]» (فلسفة جيل دولوز…، المصدر السابق، ص 253.)




المصادر والمراجع:
باللغات الأجنبية
– ARENDT, Hannah : Condition de l’homme moderne, Trad. par Georges FRADIER, préface de Paul Ricœur, Pocket, Calmann-Lévy, 1983.

– ARENDT, H. : La crise de la culture (Huit exercices de pensée politique), Trad. sous la direction de Patrick LEVY, Gallimard, coll «Flio essais», Paris, 1989.

– ARENDT, H. : La vie de l’esprit vol.1 (La Pensée), Trad. Lucienne LOTRINGER, PUF, coll «Philosophie d’aujourd’hui», Paris, 1981.

– Arendt, H. : The Human Condition, Introduction by Margeret Canovan, 2nd ed, The University Of Chicago, Chicago & London, 1998.
– ARENDT, H. : Between Past and Future (Six Exercises in Political Thought), The Viking Press, New York, 1961.
– «“What Remains? The Language Remains’’:A conversation with Günter Gaus», Trans by Joan Stamaugh, In: The Portable Hannah ARENDT, Edited with an intoduction by Peter BAEHR, Penguin books, New York, 2000, pg3-22.
– Dias, Michel : Hannah Arendt (politique et culture), L’Harmattan, coll «œuvres philosophiques», Paris, 2006.
– FERRY, Luc : «Luc Ferry explique Nietzsche, Volume1 » , https://www.youtube.com/watch?v=umCsxS8H4YY
– TASSIN, Etienne : «La question de l’apparence», In: Politique et pensée (Colloque Hannah Arendt),  Payot, coll «PBP», Paris, 2004, p 87-119.
– PLATON « Timée », In: Sophiste-Politique-Philèbe-Timée-Critias, édition établie par Emile Chambry, GF, coll «Flammarion», Paris, 1969.

باللغة العربية

– جهامي، جيرار : ‘موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب‘، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1998.
– حدجامي، عادل : فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،ط1، 2012.
– عادل حدجامي، «فيزياء الفكر: باروخ سبينوزا، أو كيف يكون الله هو الطبيعة؟»، موقع ‘الأوان’ الإلكتروني، بتاريخ 24/02/2010، تاريخ الزيارة 22/04/2014،http://www.alawan.org/article6939.html .

– دولوز، جيل : ‘ الجسم باعتباره رهانا فلسفيا عند سبينوزا’، ترجمة عادل حدجامي، ضمن: مجلة  كتابات فلسفية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، عدد1 2014، ص 75-90.
– دولوز، جيل : ’ قلب الأفلاطونية‘، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، مجلة فكر ونقد [الموقع الإلكتروني]، عدد1، سبتمبر 1997. تاريخ الزيارة 19/10/2014.http://www.aljabriabed.net/n01_13abdeali.htm
– هيلْد، كْلاوْس : ’ العالم والأشياء: قراءة لفلسفة مارتن هايدجر‘، ترجمة اسماعيل المصدق، مجلة فكر ونقد [الموقع الإلكتروني]، عدد1، سبتمبر 1997.http://www.aljabriabed.net/n01_14musaddak.htm تاريخ الزيارة 15/05/20144.