الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الاستراتيجيات العشر للتحكم بالشعوب ل"البروفيسور نعوم تشومسكي"

ديريكت تيفي



(1) استراتيجيّة الإلهاء: هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الإهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب و علم الحواسيب. "حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)


(2) ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول: هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكل - ردّة الفعل - الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو "موقفا" متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، و حتى يطالب هذاالأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الإجتماعية وتردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه.

(3) استراتيجيّة التدرّج: لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة، مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق)، على فترة تدوم 10 سنوات. وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو-اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.

(4) استراتيجيّة المؤجّــَـل: وهي طريقة أخرى يتم الإلتجاء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء "مؤلم ولكنّه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد"، وأنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا، يترك كلّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.

(5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. كلّما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟ "إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردّة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)

(6) استثارة العاطفة بدل الفكر: استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات، أو سلوكيّات.

(7) إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. "يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوّة المعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطّبقات السّفلى" (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)

(8) تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة: تشجيع الشّعب على أن يجد أنّه من "الرّائع" أن يكون غبيّا، همجيّا و جاهلا

(9) تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليّته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا، عوض أن يثور على النّظام الإقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولّد دولة اكتئابيّة يكون أحد آثارها الإنغلاق وتعطيل التحرّك. ودون تحرّك لا وجود للثورة!

(10) معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الفارطة، حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النّفس التّطبيقي، توصّل "النّظام" إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري، على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي. أصبح هذا "النّظام" قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام - في أغلب الحالات - يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.

الاثنين، 21 نوفمبر 2016

أتهم الدولة المغربية بالتدمير الممهنج للمدرسة العمومية ـ اسماعيل فائز


عن أنفاس نت


من بين الأسئلة التي يراد لها أن تظل في طي الكتمان، وأن تبقى في منطقة اللامفكر فيه : هل الدولة فعلا تملك إرادة حقيقية لإصلاح التعليم (العمومي خاصة) ؟ هل تنظر الدولة حقا إلى التعليم كحق إنساني، و كأساس لتنمية بشرية مستدامة وحقيقة ؟
في اعتقادي أن "الدولة" تتعامل مع المدرسة العمومية بمنطق الاستهتار واللامبالاة إلى حد يثير الغثيان. فما هي المؤشرات التي تؤكد هذا القول؟
فرض المرسومين المشؤومين مع بداية الموسم الدراسي السابق، دون الأخذ بعين الاعتبار ما سيخلفه ذلك من آثار سلبية على نفسية الأساتذة المتدربين، وحجم المعاناة المادية والمعنوية التي تجرعوها، وهم المقبلون على دخول غمار مهنة التعليم، بما يعيشه من أزمات في مجتمعنا. 
لقد كان من المفروض أن توفر الدولة لهذه الفئة الشروط الموضوعية التي تيسر مهمتهم، وتجعلهم يقبلون عليها بالكثير من الفخر والإعتزاز.
على خلاف ذلك شاهد الكل كيف نكلت "الدولة" بالأساتذة المتدربين، وأذاقتهم ويلات القمع والتفقير. 
وبعد أن تم إيجاد حلول ترقيعية للأزمة. انضافت إلى المحن السابقة محنة تحمل الضغط الناجم عن تكديس التكوين النظري في بضع أسابيع. لتبدأ بعد ذلك محنة تحمل مسؤولية الفصول الدراسية، دون تلقي التدريب الميداني (مع ما يعنيه ذلك من ضغط أكبر).
أضف إلى ذلك المعاناة المادية الناجمة عن تقليص المنحة، والامتناع عن صرف التعويضات التي وعد بها الأساتذة. علما أن هذه الخطوة هي أشبه ما تكون بسرقة أجورهم المستحقة.وهاهي تفعل الشيء نفسه (القمع والاللامبالاة) مع خريجي البرنامج الحكومي 10000 إطار. فهل هذه دولة تحترم نساء ورجال التعليم؟ ألا تقدم بهذا دليلا ناصعا على مدى احتقارها للمدرسة العمومية؟
لن تتوقف جرائم الدولة بحق التعليم العمومي عند هذا الحد. بل ستلجأ إلى ابتداع "الكونطرا" في التعليم. وضرب الحق في الترسيم، وولوج الوظيفة العمومية. وهي إجراءات تستهدف أبناء وبنات الشعب.
ومما زاد الطينة بلة سعي "الدولة" إلى توظيف أساتذة بدون تكوين. وكأن التدريس مهمة يمكن القيام بها كيفما اتفق. وكأن الدولة تعطينا دليلا آخرا يفيد أن التعليم بالنسبة لها ليس إلا قطاعا غير منتج وجب التخلي عنه. (وقد سبق لرئيس الحكومة ان صرح بهذا الأمر دون استحياء في الذكرى الخمسين لتأسيس البنك الافريقي للتنمية بالرباط).
أليست الرسالة التي تريد "الدولة" أن تبعث بها إلى آباء وأمهات التلاميذ هي "ادفعوا من جيوبكم أكثر إن أردتم تعليم أبنائكم وبناتكم" " عليكم بالمدارس الخصوصية فهي سبيلكم الوحيد للنجاة بأبنائكم وبناتكم ؟ (مع العلم أن تمويل التعليم العمومي يتم من جيوب دافعي الضرائب وليس مجانيا كما يروج ).
نحن إذن أمام سياسة ممنهجة لتدمير المدرسة العمومية، وتقديم هدايا مجانية للتعليم الخصوصي. فما اهي بعض المؤشرات التي تعزز هذا الإتهام ؟
- إغلاق حوالي 200 مدرسة عمومية منذ سنة 2008. (وتفويت بعضها إلى مدارس وكليات خاصة)
- إرتفاع نسبة التعليم الخصوصي إلى 14 بالمائة سنة 2014، التي لم تكن تتجاوز حدود 9 بالمائة سنة 1999.(تتحدث بعض الدراسات عن ارتفاع هذه النسبة سنة 2038 إلى 90 بالمائة مما ينذر باندثار المدرسة العمومية).
- تقديم تحفيزات مادية للمدارس الخاصة، مع قروض بنكية بنسب فائدة منخفضة. ناهيك عن الإعفاءات الضريبية (وهذا ما تقر به الرؤية الاستراتيجية للإصلاح نفسها).
- في هذا الإطار أيضا يدخل مشروع فصل التكوين عن التوظيف بهدف تكوين اساتذة من المال العام، ثم الدفع بها للعمل في المدارس الخصوصية (دون أن تسهم ماديا في تكوينهم).
- الخصاص المهول في الأطر الإدارية والتربوية (تم تقديره من طرف بعض الدراسات ب 30000أستاذ(ة) سنة 2015) الشيء الذي يتم تداركه بآليات ترقيعية (حذف بعض المواد الدراسية- الأقسام المشتركة...). وينتج عن ذلك الاكتظاظ الذي يضع يؤثر سلبا على العملية التعليمية التعلمية. كما يضع الأسر أمام حلين أحلاهما مر : الإنخراط في "موضة" التعليم الخصوصي أو الاستسلام للأمر الواقع. مادام بناء المدرسة العمومية ذات الجودة يتطلب إرادة سياسية للدولة قبل كل شيء.
- من المبادئ التي رفعت كشعار لإصلاح المنظومة التعليمية (منذ عقود): التوحيد والتعريب والمجانية ومغربة الأطر التعليمية. لم يتحقق إلا المبدأ الأخير. أما المبادئ الأخرى فقد ذهبت أدراج الرياح.
- هناك توجه قوي للتراجع عن مجانية التعليم (الذي ليس كذلك في الحقيقة مادم المواطن يموله من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي يدفعها). وهذا واضح في ارتفاع تكاليف التسجيل بالثانوي التأهيلي مثلا. وفرض رسوم للتسجيل بالتعليم العالي (كما تنادي بذلك الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ). وواضح أيضا في توجهات الحكومة التي ما فتئت تنظر للقطاعات الاجتماعية باعتبارها عبئا وجب على الدولة التخلص منه.
- التخبط الواضح فيما يخص مسألة لغات التدريس. فالتعريب اقتصر على التعليم الثانوي ادون أن يشمل التعليم العالي. والآن هناك توجه آخر لتدريس المواد العلمية بالفرنسية. مع ضروة استحضار الصراع الخفي بين أنصار الفرانكوفونية، والتوجه الأنجلوساسكوني، ودون نسيان التيارت المحافظة التي تزعم الدفاع عن اللغة العربية (مع أن أبناءهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية...).
- الأرقام المهولة عن الهدر المدرسي ( أزيد من مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة والرابعة عشرة، خارج أسوار المدرسة. حوالي 400 ألف طفل يتركون مقاعد الدراسة سنويا).
- ضعف البنية التحتية للكثير من المؤسسات التعليمية، وافقتادها لشروط التمدرس (اهتراء القاعات الدراسية - غياب المراحيض والكهرباء والماء....خاصة بالوسط القروي).
- استمرار ظاهرة الأمية التي تخترق المجتمع ككل (حوالي 10 ملايين مغربي يعانون من الأمية ).
والأمر من ذلك أن جل (إن لم أقل كل) الفاعلين القائمين على تدبير شؤون التعليم العمومي ( الوزراء- أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين - النواب البرلمانيون...) لببلادنا لا يدرسون أبناءهم في المدرسة العمومية. فكيف يمكن أن نأمل منهم خيرا ؟
- شيئا فشئيا يتحول التعليم إلى امتياز (حصري لأبناء الطبقة القادرة على دفع تكاليف مدارس البعثات الاجنبية والمدارس الخصوصية خمس نجوم). ويكف عن أن يكون حقا من حقوق الإنسان. الأمر الذي يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ المغاربة، ويقوض أحد أسس العدالة الاجتماعية.
- هناك توجه واضح - في مشاريع الإصلاح التي يروج لها- نحو تكريس ما يسمى ب"المدرسة المقاولاتية". وتثمين التكوين المهني على حساب التعليم العام. بغرض توفير يد عاملة مؤهلة مهنيا وتقنيا (ورخيصة أيضا) لخدمة المصالح المادية لأرباب الشركات، وتلبية جشع الرأسمالية المتوحشة. وحتى يتم إحكام السيطرة على هذه اليد العاملة فمن الضروري فصلها عن العلوم الإنسانية والفلسفة (وما احتقار وزير التعليم العالي الداودي للشعب الأدبية إلا مؤشر على ذلك)، التي يمكن أن تقدم لهم أدوات فهم وتحليل وتفسير للواقع الاجتماعي والإنساني.
باختصار المطلوب تكوين "مختصصين أغبياء" بتعبير الفيلسوف إدغار موران.
السؤال الذي يصعب علينا جميعا التفكير فيه هو : ماهي التكلفة المادية والاجتماعية التي ستنجم عن التدمير المتواصل للمدرسة العمومية؟ والسؤال الذي ينبغي إثارته أيضا: من المستفيد من وراء تدمير المدرسة العمومية؟