الخميس، 5 مايو 2016

الفنانه الفلسطينيه دلال أبو آمنه تهلل لاطفال غزه وتبكي شهداءها في "نامي"


ريم بنا في أروع تهليلة فلسطينية


بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب


كلمات الانشودة :

بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب 

لمالي ولا اولادي على حبك ما في حبيب
لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا
يا دار الاوفى دار تلبق لك الاشعار يا دار
الاوفى دار تلبق لك الاشعار تبقي ع الدايم
مضوية مزروعة بمجد و غار عالبرج العالي
ووصول خياله و سيوف تلاله و شمسك ما
تغيب لامالي ولا اولادي على حبك ما في
حبيب لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا
لألف الدنيا و دور و اقطع السبع بحور لألف
الدنيا و دور و اقطع السبع بحور وانده ايامك
يا بلدي ترجع على ارض النور و نعيد عيدك
كل مواعيدك بالخير تزيدك مواسم طيب لمالي
ولا اولادي على حبك ما في حبيب بكتب اسمك
يا بلادي عالشمس الما بتغيب لمالي ولا اولادي
على حبك ما في حبيب لا لا لا لا لا لا لا لا.

فكرة السعادة في المجتمع الإستهلاكي - سلمى بالحاج مبروك

أنفاس نت



من منا لا يريد أن يكون سعيدا؟ و لكن ماسبل تحقيق ذلك؟يبدو أن كل البشر تنتابهم رغبة في أن يكونوا سعداء ولكن المشكل أنهم عاجزون أن يحددوا بيقين تام ما يجعلهم سعداء بحق و يترتب عن هذا أن مشكلة تحديد الفعل الذي يجلب السعادة هي مشكلة لا حل لها فما هي أسباب ذلك؟
إن مفهوم السعادة بلغ من عدم التحديد مبلغا جعل كل إنسان يعجز عن أن يقول في ألفاظ دقيقة ما يرغب فيه لأن السعادة هي مثل أعلى للتخيل والعاطفة و ليست مطلبا عقليا أو غاية يمكن إدراكها إذ من الضروري أن يكون هناك حد أقصى ترتبط به فكرة السعادة و هذا الحد الأقصى يتغير من شخص إلى لآخر فهناك من يجعل البحث عن الحقيقة والمعرفة هي السعادة و هناك من يبحث عن كثرة الأضواء و الشهرة وفريق آخر لا يبغي من حياته سوى تجنب الشقاء و تحقيق الصحة الكاملة . لكن  رغم ذلك فإن هذه الأفعال وأهدافها لا ينتج عنها تحصيل السعادة ذلك أن تجارب الحياة تعلمنا أننا قد ننجز أهدافنا ولكن مع ذلك لا نبلغ السعادة بل تنقلب إلى نوع من السأم .  غير أن للمجتمع الإستهلاكي المعولم رأيا آخر في السعادة بل يرى أنه بامكانه تحقيق السعادة للإنسان . فهل حقا بمقدور هذا المجتمع  توفير السعادة للإنسان أم أن ما يعدنا به حول أمنية السعادة هي من قبيل  السعادة   الإيديولوجية الوهمية وهي مجرد أسطورة زائفة ؟ تستند فكرة السعادة في المجتمع الإستهلاكي إلى نقد الأنتروبولوجيا الفلسفية التي تمجد السعادة وتعتبرها خيرا أسمى وتعتبرها مجرد أنتروبولوجيا ساذجة تقوم على فكرة خاطئة عن الطبيعة البشرية إذ تعتقد أن الإنسان له ميل طبيعي للسعادة و تحصر السعادة في ما يلي : سعادة الجسم على حساب سعادة الروح وسعادة الفرد على حساب سعادة المجموعة . و مرجع هذا التصور للسعادة هو ليبيرالي إقتصادي من جهة و ديني ميتافيزيقي من جهة أخرى ز ففي المستوى الأول ترتبط السعادة بفكرة الرخاء و رغد العيش و الرفاه وفي المستوى الثاني ترتبط بالنجاة و الخلاص الفردي و تتراء لنا السعادة في المجتمع الإستهلاكي المعاصر ذات إشعاع كبير و تمتلك رونقا خاصا في النفوس تمارس تجييشا كبيرا وتؤدي وظيفة الدعاية والإستقطاب .
 فهل هذا السحر المرتبط بالسعادة ناتج عن كونها الغاية القصوى للوجود البشري بمعنى أقصى ما يطمح إليه الإنسان ؟
انطلاقا من اعتبار السعادة مثلا أعلى للإستهلاك فإن تأثيرها الذي تمارسه يرجع عند بعض من الأخلاقيين إلى كونها توق طبيعي لدى كل فرد يسعى إلى تحصيلها لأجل ذاتها و ترى هذه النظرة أن السعادة كمثل أعلى وكقيمة مطلقة لا تحتاج إلى أدلة ملموسة و حجج مقنعة لإثبات راهنيتها لأنها فرضت نفسها على الجميع كمطلب ينبغي إشباعه بشكل فوري و لم تعد ينظر إليها في حد ذاتها بل من جهة النتيجة التي سنحصل عليها فالسعادة لم تعد تتحرك ضمن نظام الغايات بل ضمن نظام الوسائل فهي إن امتلكها الإنسان تحقق له البهجة التامة و الباطنية و تجعله يشعر بالمساواة بينه وبين غيره في الإستهلاك و الشعور بالرفاه و رغد العيش و لذلك لجأ منظرو العولمة و رجال الاقتصاد إلى جعل السعادة قابلة للقياس والعد و مرتبطة بالنجاعة و البعد الكمي و بينوا أن أحد شروطها هو إشباع كل الرغبات الطبيعية والضرورية و حتى الكمالية منها و بلغ الأمر مبلغه عندما اعتبرت السعادة كحق إنساني ضمن لوائح حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ونصت عليها الدساتير و عملت القوانين على صيانتها بقولهم " لكل إمرئ الحق في السعادة" فهل ينبغي تقديس فكرة السعادة اليوم ؟
يرى بودريار أن السعادة أسطورة زائفة وأنها وهم إيديولوجي خلقته الطبقات المسيطرة وبلدان المركز للهيمنة على بلدان الأطراف و الطبقات الأخرى والغاية من التبشير بجدواها ليست إلا ابعاد الإنسان عن أهدافه الحقيقية و تحييد الصراع وتحقيق المعاناة يقول بودريار" ليست الغاية من السعادة إلا إمتصاص الحتميات الإجتماعية القاهرة وتحقيق المساواة في المصير " أي أن يوجد الإنسان من أجل الموت المحتوم و أن يستمر طوال حياته في ملاحقة رغبات غير قابلة لتحقق و هكذا لاحظ بودريار أن مجتمع الوفرة و عالم الإستهلاك أحدث تحولات عميقة وجوهرية في الإنسان جعله يكون مشدودا لنظام من الرموز و الدلالات غير قادر على فك أسراره و فهم محتواه يقول بدريار "لقد أصبح العالم الآن لامعقولا و الإغراءات التي يفرضها علينا لا نهاية لها" و نتج عن ذلك أنه اصبح من الصعب تحقيق السعادة حتى بالمعنى المادي نظرا لأن المجتمع الرأسمالي قد نجح في مخادعة الإنسان وابقائه تحت وهم مطاردة السعادة دون بلوغها و كيف له أن يبلغها و الرأسماليون يعملون دون كلل على خلق حاجيات جديدة للإنسان و كلما ارضى الإنسان حاجة من حاجيات الإستهلاك إلا وخلقوا له حاجيات أخرى لتظل السعادة في عالم العولمة مجردة طريدة وهمية يلاحقها الإنسان وكلما إقترب منها ابتعدت عنه أفليس من الأجدر أن نحذر هذه السعادة الموهومة وأن نتركها فنستريح من عناء اللهاث خلفها لأن ببساطة السعادة تنتمي إلى دائرة المخيلة و التوهم فهي حلم جميل و رغبة مؤجلة فنحن سعداء إلا قبل أن نكون سعداء فعندما نسعى جاهدين لاقتناص السعادة تنأى عنا و تهرب منا وعندما لا نكترث بها يمكن أن نحصل عليها .

التواصل: التحديد والرهان - عبد المجيد العابد

أنفاس نت 



مهاد الموضوع
يعد التواصل من بين أهم الموضوعات المطروقة اليوم، لما أصبح يفرضه العالم المتنامي من  تفعيلٍ لهذه الأداة الإنسانية الفعالة في الربط بين الحضارات والثقافات، وتقريب الهوة بين الشعوب والبلاد. ولهذا لم يعد التواصل لفظا ومفهوما عاديا كباقي المفاهيم السيارة بين الحقول المعرفية المتعددة؛ بل أمسى علما مستقلا بذاته، له أصوله وقواعده ومناهجه، والأدوات التي نستند إليها في ابتغاء التواصل الفعال بعيدا عن كل المعيقات التي يمكن أن تعترضه وتشوش المبتغى الأسمى منه، أي الوصول إلى الرهانات المختلفة في جميع مناحي الحياة؛ فأن نتواصل معناه أن نصل إلى الأنا أو الغير أو الآخر جملة وتفصيلا.
تعريف التواصل
لا يمكن البتَّةَ أن نعثر على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لمفهوم التواصل، لأنه لم يعد يستقيم على حال، ونجده في جميع الحقول المعرفية المختلفة كهندسة الطيران والرياضيات والإعلام والاقتصاد والطب والسيميائيات واللسانيات وهلم جرا، كما تتجاذبه كل مظاهر الحياة الإنسانية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. إن التواصل موضوعة، بمعناها الفلسفي، لا تقف عند تعريف بعينه.
وبالرغم من هذه المعضلة التعريفية يمكن أن نسلم بأن التواصل لغةً هو الإيصال، والعبور، والنقل، والإفهام، والإخبار، والإبلاغ، والوصول يكون بالأساس لغويا، وقد يكون باعتماد اللغة غير اللفظية. وترجع كلمة (Communication) إلى الأصل اللاتيني (Communes) الذي يُقْصَدُ به (Common)، أي عام أو مشترك. ومنه فكلمة التواصل في اللغة العربية أو في اللغات الأجنبية تصير إلى المدلول نفسه: العلاقة الإبلاغية الناظمة بين البشر من أجل الإيصال والتشارك والتفاهم. وتميز اللغة العربية، على الخصوص، بين التواصل الذي يقتضي التفاعل بين طرفين، الأول مرسِل والثاني مستقبِل وفق وضعية تخاطبية معينة تجعل من المستقبِل، بالنظر إلى الشروط المقامية، يصبح مرسِلا ويغدو المرسِل مستقبِلا؛ وهكذا يحصل التفاعل والتخاطب بينهما؛ بينما يرتبط الاتصال باتجاه أحادي، يجعل الطرفين مختلفين: الأول مرسل بالضرورة، والثاني مستقبِل لزومًا، كما أن الاتصال فيه من السلطة والعنف الرمزي ما ليس في التواصل، والتواصل فيه من التفاعل والتأدب ما ليس في الاتصال.
أما التواصل من الناحية الاصطلاحية، بعيدا عن متاهات تعددية الحقول المعرفية، فهو مجموع الإواليات التي تجمع طرفين مختلفين مخاطَب ومخاطِب في الوصول إلى تحقيق أهداف محددة بينهما ترتبط بالقصد. ولهذا كان التواصل خاصية إنسانية، ما دام متعلقا بالثقافة التي لا يمتلكها الحيوان. إنه أساس التفاعل بين البشر وتطور العلاقات الإنسانية، يسهم بالضرورة في حيويتها وديناميتها تجاه الأفعال المنوطة بها وفق مقام مخصوص، قد تكون إدارية أو تعليمية أو رياضية أو غير ذلك؛ إذ لا يمكن للجماعة الإنسانية أن تتفاعل إلا إذا اعتمدت الشروط التداولية في التواصل الفعال. فالأستاذ في القسم، مثالا، لا يمكنه أن يصل إلى التلاميذ، إلا بخلق جَوٍّ من التعاون والتأدب بنوعيه الأدنى والأقصى، وبهذا يُنَمَّى التفاعل الصفي في الفعل التَّعَلُّمِي التعليمي، ورئيس إدراة ما لا يمكنه أن يجعل التابعين له يؤسسون جماعة دينامية إلا بالحفاظ على المبادئ التداولية نفسها في تحقيق التواصل الفعال بينه والعاملين معه، والعالَم بأسره لا يمكن أن يكون منتظما إلا بالتواصل الفعال الذي يخلو من كل تشويش؛ والأمثلة في هذا الشأن متعددة بتعدد مجالات الحياة الإنسانية سلوكا وممارسة. 
2. رهان التواصل المعرفي
تعددت رهانات التواصل بحسب التحاقل وفق كل حقل معرفي على حدة، يمكن أن نجملها وفق ما يلي:
يعتبر التواصل في علم الإعلام موضوعَه الرئيس، مادام متعلقا بالخبر ورحلة المعلومة التي تشكل أساس البحث في التواصل منذ النظرية الأولى لشانون ذات النزعة الرياضية، حيث أخذت على عاتقها رفع التشويشات التي تطول التواصل مستفيدة من التلغراف. إن التواصل هو أساس بناء الوعي الجماهيري، والتفاعل والمشاركة في بناء هذا الوعي، وفي التنمية وتبادل المعلومات، وتنميط الأفكار والذهنيات، والحوار بين الأقطار من خلال رحلة المعلومة بين الأفراد والمؤسسات. وقد أدت تعددية الوسائط المعلوماتية اليوم إلى الاهتمام المتزايد بالموضوع استنادا إلى يسر العملية الإبلاغية، من خلال الواقع الافتراضي الذي يسمح به عالم الأنترنيت عبر المواقع الاجتماعية والمنتديات والصحف الإليكترونية وغيرها من العوالم المستجدة في الإعلام المعاصر الذي غير مجموعة من القيم والمبادئ التي أصبحت من الماضي كمفهوم المجتمع والنخبة والحدود؛ حيث حل الواقع الافتراضي، بوصفه أرقى أنواع التواصل الفعال، بديلا عن الحدود والأقيسة (انظر للمزيد مقالنا المنشور في الموقع: تعددية الوسائط الإعلامية والتنمية).
أما في علم النفس فيقصِدُ التواصلُ تفاعلَ الذات مع نفسها، إنه خطاب بيشخصي يخلق لغة داخلية نستطيع بالنظر إليها الوصولَ إلى كُنْهِ الفرد، وكشف مستور حياته النفسية. ومن ثم كان الاستبطان أهم عملية في الوصول إلى الشخص، كما أن التواصل تفريج وبوح وطرح للمكبوتات، واستنطاق لللاوعي الفردي، وهلوسة في بعض الأحيان، وتداع حر وانفصام ولغة منسية وتجاوز للمعيقات النفسية الفردية التي تقف أمام بناء الشخصية المتوازي السليم. ويختلف التواصل النفسي عن باقي أنواع التواصل الأخرى لأنه لا يفترض متلقيا مشخصنا، بل ذاتا محينة فقط.
بينما يرتبط التواصل في علم الاجتماع بتبادل القيم وغيرها بين الأفراد والجماعات، والتفاعل بينهم لخلق دينامية المجتمع بأسره، كما أن التواصل أساس اندماج الأفراد في ثقافة وهوية المجتمع وتمثيلاته للعالم والأشياء، مما يساهم في توحيد الوعي الجمعي، والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمعين السياسي والمدني. إن التواصل الاجتماعي قائم على رهانات متعددة إذن، كما أشار بيير بورديو، قد تكون رهان الهوية الفردية أو رهان الهوية الجماعية أو رهان الهوية الوطنية.
ويحتل التواصل في الأنتروبولوجيا مركزا مهما خصوصا عند كلود ليفي شتراوس الذي نادى بدراسة الأنماط التواصلية للكشف عن طبيعة انتماء العنصر البشري إلى ثقافة معينة، تحدد له نمطه في الوجود، فالأشكال الثقافية التواصلية المتعددة، كالعادات والطقوس وجميع الأشكال الرمزية المختلفة، هي ما يحدد الانتماء ويجعل الثقافات تختلف عن بعضها البعض، يمكن للأنتروبولوجي بعد دراستها وفحصها أن يكشف هذه التمايزات، ويفرد العناصر المشتركة بين الثقافات التي تلبي الحاجة الإنسانية في التواصل. 
وقد اقترن التواصل في الفلسفة بالتصور النسقي لكل فيلسوف، وفي ربط مباشر بين الأنا والغير أو بين الأنا والآخر، وهل معرفة الغير ضرورية لمعرفة الأنا؟ وإلى أي حد تُمَكِّن معرفة الغير من التواصل معه؟ فجان بول سارتر يرى أن معرفة الغير ضرورية وفقا لمبدأ التعاقد، لكن بالرغم من ذلك فالغير يُشَيِّءُ الأنا من خلال مفهوم النظرة، أما طوماس هوبس فيرى أن الآخرين هم الجحيم، بينما هيجل يمفصل التواصل دياليكتيا من خلال التعارض بين الأنا والآخر باعتبارهما ضدين متكاملين. أما هابرماس فيدعو إلى التواصل على اعتبار أن التواصل اللغوي تَبَيُّنٌ لحقيقة الوجود، فاللغة قادرة على ترجمة حالات الأشياء، مستفيدا من نظرية أفعال الكلام مع سورل وأوستين وبرتراند راسل وفيتجنشطاين؛ بينما نيتشه يرى أن الأنظمة الرمزية كلها أنشأها الإنسان بهدف التمويه، وتمرير أوهام العقل حول الحقيقة والوجود. ويذهب إرنيست كاسيرر إلى أن الإنسان حيوان تواصلي رامز، استطاع من خلال الرمز الابتعاد من ربقة الموضوعات والأشياء. ويعتقد أمبرطو إيكو أن كل أنظمة الثقافة ذات بعد تواصلي، إذ لا يمكن فصل الثقافة عن التواصل؛ بينما يرى برجسون أن اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر.
ويدعو المفكر المغربي المهدي المنجرة إليه كمقابل لمفهوم صراع الحضارات الذي نادى به صامويل هيتنغتون أو نهاية العالم التي نادى بها فرانسيس فوكوياما، وراهن المرحوم محمد عابد الجابري كذلك على حوار الحضارات أو حوار الثقافات كأرقى شكل من أشكال التواصل، ونبذ الصراع مع الغير والآخر، ويميز الأستاذ طه عبد الرحمن بين التواصل والاتصال في التداول الاجتماعي العربي الإسلامي، حيث إن الثقافة العربية ثقافة تواصل تحترم الشروط التخاطبية في الإنجاز والتداول، لذلك فلامناص من اعتماد المبادئ التخاطبية التعاملية في أي تواصل فعال بين الأفراد والجماعات. 
أما في الاقتصاد فالتواصل هو أساس المبادلات التجارية(الماركوتينج)، وركيزة التدبير والحَكَامَة الجيدة في الشركات والمقاولات والتفاعل بين الجماعات مدراءَ وعمال، لذلك تكثر في مجال التجارة الورشات التي تعنى بهذه الإستراتيجية، فبدون التواصل لا يمكن لهذا المجال الإنساني الحيوي أن يستمر. ويقوم هذا النوع من التواصل عل اعتماد مجموعة من الإواليات التواصلية التي تدفع المتلقي إلى الاستسلام عبر الإقناع السري، ويلعب الإشهار دورا مهما في التواصل الاقتصادي الفعال.
وفي الميدان الطبي يرتبط التواصل أساسا بجلسات التمريض، قد تكون بين الطبيب ومساعديه أو بين الطبيب والمريض أو بين الممرض والمريض، وفي تبادل المعلومات بين هذه الأطراف، تتدخل في التواصل الطبي مجموعة من الإواليات اللفظية والحركية الكينيزية والبروكسيميائية في التعرف إلى المشاعر المتبادلة، ويلعب التواصل غير اللفظي في المجال الطبي دورا أكبر من التواصل اللفظي(يعتبر الأطباء أوائل الذين نحتوا علم السيمياء كان الهدف منه الكشف عن اللغة غير اللفظية التي يُتَوَصَّل بوساطتها إلى تحديد طبيعة المرض كاللون والحركة والبكاء والزفير والحمى والتقيؤ..) كما تعمل الإواليات البروكسيميائية في التواصل الطبي من حيث ترتيب مكان الجلسة الطبية وزمانها والمسافة بين المريض والطبيب، ودراسة الحركات (الكينيزية) بين الفريق والمريض، ويضاف إلى ذلك الزي واللباقة والود والاحترام والحب والعناية وغيرها مما يساهم في تعجيل الشفاء.  
عرف التواصل في اللسانيات بدايته مع الأنموذج الذي اقترحه جاكبسون وفق الترسيمة السداسية: المرسِل، الرسالة، المرسَل إليه، القناة، السنن، السياق أو الإحالة؛ يقوم المرسل بالوظيفة التعبيرية، وتقوم الرسالة بالوظيفة الشعرية الجمالية، والمرسل إليه بالوظيفة التأثيرية، وتقوم القناة بوظيفة ضمان الاتصال، والسنن بوظيفة اللغة الواصفة أو الميتالغوية، والسياق بالوظيفة الإحالية المرجعية.
وقد استفاد جاكبسون من تصور شانون السابق الذكر، غير أن ما عِيبَ على أنموذج جاكبسون هو اعتماد أحادية الاتجاه في التواصل، مما جَرَّه إلى الاتصال عوض التواصل، وهذا ما تداركته جوليا كريستيفا، باعتماد خطاطة تفاعلية بين المرسِل والمرسَل إليه تتجاوز أحادية جاكبسون في الاتصال. وبعد هذين النموذجين تعددت النماذج اللسانية في التواصل، وقامت نظريات لسانية على هذا المفهوم كالنظريات اللسانيات الوظيفية البنيوية (مارتينيه وجاكوبسون وبينفنيست) ونظرية النحو الوظيفي بريادة سيمون ديك الذي تجعل أساسا لها الوظيفة التواصلية للغة.
واهتمت التداوليات بالتواصل في جانبه التفاعلي، ووضعت لذلك شروطا هي عبارة عن مجموعة من المبادئ التداولية المشهورة في هذا المجال، ما دام التخاطب الإنساني في صلبه بنية تفاعلية، مستفيدة من فلسفة اللغة العادية مع شارل موريس وأوستين وسورل وغيرهم، وأهم هذه المبادئ التداولية التعاملية نذكر: مبدأ التعاون ومبدأ التأدب ومبدأ التواجه ومبدأ التأدب الأقصى ومبدأ التصديق، فمبدأ التعاون يشكل المبدأ التداولي الأول للتخاطب، تعلق بالفيلسوف الأمريكي غرايس قائم على كم الخبر وكيفه والعلاقة، وقد أرادها ضوابط تحكم كل تخاطب إنساني كيفما كان؛ أما  مبدأ التأدب الأقصى فاقترن بليتش يعتبره مكملا لمبدأ التعاون، يقوم على ضابطين اثنين: قلل من الكلام غير المؤدب، أكثر من الكلام المؤدب، وتتفرع عنه قواعد اللباقة والسخاء والاستحسان والتواضع والاتفاق.
راهنت السيميائيات على مفهوم التواصل خصوصا في أعمال بويسنس وبريطو ومونان وغيرهم، أو ما يعرف باتجاه السيميائيات التواصلية الذي أخذ على عاتقه دراسة الأنساق التواصلية المتعددة، وعبر السيميائيات أخذ التواصل غير اللفظي قيمته في القناة التواصلية، حيث تم الاعتماد على دراسة أنساق تواصلية متعددة كإشارات المرور والإيماءات واستعمالات الجسد الاستعارية والرموز والأمارات وغيرها. وقد كان الرافد الأساس في دراسة هذه الأنساق التبشير السوسيري بهذا العلم العام الذي سيهتم بأنظمة العلامات في الحياة الاجتماعية، فدراسة الإشارات وعلامات المرور (بيير غيرو) والمطبخ واللباس ونسق الموضة (رولان بارت) والحركات الكينيزية (سابير)، اعتمدت جميعها مصطلحات لسانية، حيث نتحدث مع بارت وغيره عن الثنائيات اللسانية السوسيرية(الكلام/ اللسان؛ التوزيع/ الاستبدال، العام / الخاص)، ومع سابير عن الحركات الصغرى التي تقابل الفونيمات والحركات المركبة التي تقابل المونيمات، أي خلق نحو للحركة على غرار نحو اللغة.
غير أن التواصل غير اللفظي في هذا المجال يخضع للمعيار الأنتروبولوجي، فلكل ثقافة نمطها المخصوص في تداول الرموز، ولا يمكن للإنسان أن ينفي هذا الاستعمال، فالحركات تختلف بالضرورة بحسب الموقف والتحديد الجنسي والطبقة والتعامل والتنشئة الاجتماعية، لذلك فكي تؤدي الحركة دورها ينبغي أن نراعي فيها هذا الاختلاف، فاليد تبطش وتُرَبِّثُ وتسر وتهدد وتهدهد وتختزل اللغة الإشارية وتنجي من الرتابة اللفظية، وحركات الجسد تستفز وتعتدي وتتبختر وتتغنج.    
وتعتبر العين أرقى طريق في التواصل غير اللفظي، إذ تختزل البعد الإنساني بأكمله عبر النظرة، فهي تقتل وتبكي وتضحك وتستفز وتغمز وتلمز وتهين وتحتقر وتعد وتسر. ويلعب اللون كذلك دورا مهما سواء تعلق بلون الوجه وتعبيراته المختلفة بحسب المواقف، أو من خلال طبيعة الألوان المرافقة للباس والزي والمكان، فالأحمر غير الأصفر والأسود في كثير من المواقف، إذ اللون ينفر أو يثير أو يجذب أو يريح، وتقول الألبسة كلاما تعجز عنه الألفاظ، فهي تفشي الانتماء القيمي عبر مدلولاتها المتعية وطرق النظر إلى العالم والأشياء.     
وقد تجلت هذه النتائج كثيرا في دراسة الإشهار باعتباره تمثيلا واضحا للتواصل الفعال الذي يجمع بين اللغة اللفظية واللغة غير اللفظية وصولا إلى المتلقي، كما ظهرت وفق هذا التوجه السيميائي نظرية البروكسيمياء أو دراسة المسافات ودرجات القرب في التواصل(طوماس هال)، تحضر أكثر في التواصل التربوي والتواصل الإداري وفي العلاقات الإنسانية عامة، فالشخص الذي تحضنه، في ثقافتنا المغربية، يشكل له ذلك تواصلا أفضل من السلام عليه بالوجه، أو باليد فقط، أو تكتفي بالإشارة باليد. فالقرب في المسافة قرب في الحميمية والود، لذلك كان الزواج في التداول الإسلامي أكبر مثال للود، حيث عُبِّر عليه باللباس في قوله تعالى''هن لباس لكم وأنتم لباس لهن''، وهذه العبارة أكبر تعبير على هذه الحميمية، إذ لا شيء يفصل بين اللباس وصاحبه.
أما التواصل التربوي فقد استفاد من إواليات التواصل في علم النفس وعلم النفس المعرفي واللسانيات وعلم الاجتماع وغيرها، وارتبط بالعملية التعلمية التعليمية باعتبارها بنية تواصلية تجمع بين مثلث ديداكتي (المعلم والمتعلم والمادة الدراسة). ولم تَخْلُ النظريات التربوية ابتداءً من السلوكية (نظرية المثير والاستجابة) إلى المعرفية من حضور هذا المضمون، حتى إنه اليوم أصبح مقرونا ببيداغوجيات متعددة كنظرية التفاعل الصفي، ودينامية الجماعة، والإدماج، وأسلوب التغذية الراجعة، وبيداغوجيا الفوارق؛ لأن التواصل في حقيقته تبادل للمعلومات بطريقة أفقية أو عمودية.
تظهر الطريقة الأفقية في التعليم الحديث الذي يقوم على التفاعل الصفي ويجعل التلميذ محور العملية التعليمية التعلمية، عبر التعلم الذاتي والتفاعل مع الزملاء، بينما الطريقة العمودية فتشكل التقليدية منها، تنظر إلى المتعلم بوصفه صفحة بيضاء يُلَقَّن فقط. لذلك يجب في التواصل التربوي الابتعاد عن اللفظية الزائدة واعتماد الوسائل السمعية البصرية في التعلم تجاوزا للرتابة في التعليم خصوصا في المراحل الأولى منه، حيث إن طفل القرن الواحد والعشرين لم يعد مثل طفل بياجي يغتر باللفظ، بل أمسى اِبْنًا للصورة والتواصل غير اللفظي الذي يملأ مجاله وتداوله اليومي, ومنه فالتربية الحديثة لا بد من تلبي حاجة هذا المتعلم الجديد.
غير أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتجاوز العوائق التعليمية التي تخص اللغة غير اللفظية، منها ما يرتبط بالمعلم، وما يتعلق بالمتعلم، وما يستند إلى المنهاج الدراسي، وما يتعلق بالمجال أو البيئة التعليمية (يمكن الرجوع إلى مقالنا المنشور في الموقع:"الدور التربوي والتعليمي للصورة" لتفصيل القول).


الثلاثاء، 3 مايو 2016

قالوا مشت مرسيل خليفة

قالوا مَشت فالحقلُ من ولهٍ
مُتَلبكٌ.. والقمحُ يكتنزُ
بُعثَ التنَاغُمُ عَبرَ خُطْوَتِهَا
والهَيْدَبَى والوَخْدُ والرَجَزُ
تُوْمِي، فيَلتَفتُ الغُروبُ لها..
مِن لهفةٍ،
ويُتغتغُ العَنَزُ
لفَتَاتُهَا تَخِزُ.
وقَمِيصُهَا كَرزُ
وجُفونها وترٌ
وأغْنَيَّةٌ صَيفيةٌ



الاثنين، 2 مايو 2016

إلى ما يرمي إصلاح التعليم؟ ـ بوبكر بوعزة

عن أنفاس نت



إن المتأمل في السياسة الإصلاحية للمنظومة التعليمية المغربية يستنتج أن الهدف الحقيقي لهذا الإصلاح هو تكريس التفاوت الطبقي في بنية المجتمع المغربي، تفاوت تحافظ بموجبه الطبقات المحظوظة على مصالحها وعلى كل الامتيازات التي راكمتها منذ الاستعمار إلى الآن. وذلك بإعادة توسيع الهوة بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء الطبقة الغنية. هذه السياسة إلاصلاحية تصنع من أبنائهم طبقة مؤهلة ومن أبناء الشعب أيادي عاملة تشتغل في ضيعات ومصانع ومعامل الطبقة الغنية المنتشرة علو طول ربوع الوطن. أليس هذا ما تريد أن تكرسه مدرسة اليوم وفق التصور الجديد للإصلاح؟
   إذا تمعنا في المدرسة المغربية لن نجد هناك مدرسة واحدة، بل ثلاث مدارس هي:
-المدارس الفرنسية؛
-المدرسة الخصوصية؛
-المدرسة العمومية

المدرسة الأولى تستقبل أبناء الأعيان، أبناء الطبقة المحظوظة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا والمتحكمة في دواليب الحكم في المغرب والمستغلة لخيراته وثرواته..والثانية هجينة وتتميز بالتفاوت الصارخ بين مدرسة وأخرى، فهي ليست على نفس المقياس، فالمدرسة الخصوصية في المدينة ليست هي المدرسة الخصوصية في البادية...كما أن في المدينة الواحدة تجد تفاوتا كبيرا بين المدارس الخصوصية ليس في الأثمنة فقط، بل في جودة التعلمات كذلك، وهذا ما يؤسس لتفاوت صارخ في مستوى التلاميذ، بين من يلج مدارس خاصة راقية سواء في خدماتها وجودتها، بل حتى في أثمنتها المرتفعة جدا لهذا لا يلجها سوى أبناء الأغنياء، ومن يلج مدارس خصوصية رخيصة في تكلفتها، ومتدنية في جودتها، تنتشر في هوامش المدن وتعرف حالة من الاكتظاظ، وغياب المرافق الرياضية والترفيهية، ومدرسون لا يمتلكون الكفاءات اللازمة للتدريس، وبناية غير صالحة للتدريس لكونها مجرد مرآب أو طابق لبناية مأهولة بالسكان ...إلخ.

أما المدارس العمومية التي راكمت من التجارب الفاشلة طيلة عقود من العبث والتدبير العشوائي والإصلاحات التي تهدف إلى محاربتها، ومحاربة المجانية، فهي مدرسة لا تتوفر على شروط التحصيل العلمي، حجرات متهالكة، طاولات وسبورات وكراسي لا تحمل من تلك الصفات سوى الاسم تعود إلى العصر الحجري، تعرف حالة من الاكتظاظ، حيث قد تجد في القسم ما يقارب الخمسين تلميذا وفي بعض الاحيان تصل إلى حدود الستين تلميذا في الحجرة الواحدة...

إن دل هذا على شيء فإنه يدل على ان التعليم في المغرب تعليما طبقيا بالدرجة الأولى، تعليما يرسي أسس اللامساواة والطبقية... فَحينَ تقوم المدارس الفرنسية وبعض المدارس الخصوصية التي تستقر في الحواضر الكبرى كفاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير بإنتاج النخب وتأهيلها لمتابعة دراستها في الخارج لتعود لتدبير الشأن العام في المغرب سياسيا واقتصاديا... تقوم باقي المدارس الأخرى العمومية منها وجل المدارس الخصوصية بإنتاج طبقة هجينة لا تستطيع إكمال دراساتها، وقد ساهمت الاصلاحات المتعاقبة في الهذر المدرسي وحكمت على التمدرس منذ السنوات الأولى بالهذر ومغادرة مقاعد الدراسة مبكرا ولأسباب موضوعية. وفي مقالنا هذا سنركز على نقطة أساسية من بين النقاط الكثيرة الذي تضمنها الإصلاح والتي تؤسس لهذا التفاوت منذ بداية المسار التعليمي التعلمي؛ إنها مسألة التعليم الأولي، كما سنبين أيضا كيف جاء هذا الاصلاح لمحاربة المدرسة العمومية ومجانية التعليم والدفع بعجلة الخوصصة لتدوس على المدرسة المغربية وذلك من خلال ملف الاساتذة المتدربين.

جاء في "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" القسم الثاني "مجالات التجديد ودعامات التغيير" المجال الأول: نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، الدعامة الأولى: تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب.

24-يشمل نظام التربية والتكوين التعليم الاولي والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والتعليم الثانوي والتعليم العالي والتعليم الاصيل. ويقصد بتعميم التعليم، تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من سن 4 إلى 6 سنوات وبالابتدائي والإعدادي من سن 6 إلى 15 سنة".[1] يتضح من خلال دعامة الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن التعليم الأولي هو التعليم ما قبل الابتدائي، وهو تعليم يحظى بالأهمية القصوى في هذا الإصلاح بحكم كونه اللبنة الأولى في التعليم والأساس الذي سيبنى عليه التعليم برمته؛ وهذا ما تؤكده الدعامة 25 من الميثاق التي تقول:"خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين، المعلنة بمقتضى هذا الميثاق، سيحظى التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي بالأولوية القصوى، وستسهر سلطات التربية والتكوين، بتعاون وثيق مع جميع الفعاليات التربوية والشركاء في إدارات الدولة والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، على رفع تحدي التعميم السريع للتعليم الأولي والابتدائي والإعدادي في جميع أرجاء المملكة، بتحسين جودته وملاءمته لحاجات الأفراد وواقع الحياة ومتطلباتها..."[2] فهل فعلا تم تعميم التعليم الأولى على جميع أرجاء الوطن؟ وهل فعلا تم الحرص على تقديم عرض تربوي في التعليم الأولى يتصف بالجودة؟ وهل فعلا هناك توزيع متساوي وعادل للتعليم الاولي في كل ربوع المملكة؟ أليس التعليم الأولي هو أول نقطة في المنظومة التربية المغربية تخلق اللاتكافؤ واللامساواة في التعليم وتساهم في خلق الهذر المدرسي وإنتاج جيل معطوب والحكم على أبناء الشعب بمغادرة مقاعد الدراسة منذ السنوات الاولى للتعليم؟ كيف ذلك؟

إن التعليم الأولي يشكل اللبنة الأولى في التعليم والتي سيبنى عليها التعليم الابتدائي، فبرامج التعليم الابتدائي بُنيّت بشكل يراعي سنوات التعليم الأولي، وهو ما يؤكد عليه الميثاق:"تتضمن الهيكلة التربوية الجديدة كلا من التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي والتعليم العالي، على أساس الجذوع المشتركة والتخصص التدريجي والجسور على جميع المستويات"[3] أن هذه الدعامة تؤكد على الجسور الرابطة بين التعليم الأولي والتعليم الابتدائي، فالتعليم الأولي يشكل القنطرة الضرورية للمرور إلى التعليم الابتدائي، لهذا السبب يجب أن يكون تعليما جيدا وموزعا بشكل جيدة على كل التراب الوطني، وألا يكون فيه نوعا من التفاوت واللامساواة، فهو بمثابة أساس كل الواجبات التي ستبنى عليه، أو كما يقول كانط:" إنه الواجب الذي ستبنى عليه كل الواجبات الأخرى"[4]. فهل فعلا جعلت الدولة التعليم الأولي من أولى اهتماماتها وأولته الأهمية التي يجب أن يحظى بها أم أن ذلك ظل حبرا على ورقة وأن التعليم الأولي كان مجرد خطوة مقصودة لخلق هوة لا يمكن ردمها بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء المحظوظين الأغنياء؟

إن واقع الحال يبين بالملموس أن الفروق واضحة فيما يتعلق بالتعليم الأولي بين المدن والبوادي من جهة، وداخل نفس المدينة من جهة أخرى. فإذا كانت المدن تمتلك رياضا لاستقبال الأطفال وتعليمهم المبادئ الأولى للقراءة والكتابة، فإن البوادي لا تمتلك رياضا مخصصة لذلك، أقصى ما يمكن أن تتوفر عليه "مسيد" يسهر فيه فقيه المسجد على تحفيظ بعض الآيات القرآنية للناشئة بالاعتماد على السمع، وعندما ينتقلون إلى التعليم الابتدائي يجدون أنفسهم لا يستطيعون تمييز الحروف، لا العربية ولا الفرنسية، في الوقت الذي يكون فيه أبناء المحظوظين يتكلمون باللغة العربية والفرنسية بشكل سلس وجيد. هذه الفروقات تحتم على أبناء القرى مغادرة أقسام الدراسة منذ السنوات الأولى بسبب عدم مجاراتهم ايقاعات التعلم وافتقادهم للمبادئ الأولية للتعلم، خصوصا وكما سبق الذكر -وهنا مربط الفرس- أن مقررات التعليم الابتدائي تبنى على أساس أن التلميذ قد درس من سن 4 إلى سن 6 في روض الأطفال. وهنا نطرح السؤال: كيف يعقل أن ينحج التلميذ في التعليم الابتدائي وهو لم يتلقى تعليمه الأولي؟ هذا الواقع الحالك الذي يتخبط فيه أبناء البوادي وبعض أبناء المدن من الطبقة المسحوقة لا يعاني منه أبناء المحظوظين. ففي المدن التي تنتشر فيها رياض الأطفال تجد التلاميذ قد أتقنوا الحروف الأبجدية العربية والفرنسية، بل منهم من يتكلم باللغة العربية والفرنسية بطريقة جيدة لا يتكلمها حتى تلاميذ التعليم الثانوي في البوادي في الوقت الذي تنعدم فيه هذه رياض الأطفال في بوادي وقرى ومدارس المغرب العميق أليست هذه هي الطريقة المثلى لصناعة التفاوت والطبقية؟ ألا يتناقض هذا مع ما يصرح به الميثاق في هذه الدعامة:"يرمي التعليم الأولي والابتدائي إلى تحقيق الأهداف العامة الآتية:

أ-ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة، منذ سن مبكرة، للنجاح في مسيرهم الدراسي وبعد ذلك في الحياة المهنية، بما في ذلك إدماج المرحلة المتقدمة من التعليم الأولي"[5] هل فعلا القول يصاحبه الفعل أم أن واقع الحال يكذب كل ما صرح به الميثاق الذي يحمل هما واحدا هو خوصصة التعليم والقطع مع المجانية حتى يتسنى له التخلص من عبء أبناء الشعب وجعلهم مجرد عمال في مصانع الأثرياء وضيعاتهم؟  أليس هذا ما يصنع الهذر المدرسي الذي يحاولون محاربته بالشعارات الرنانة؟ كيف يمكن لتلميذ لم يتلقى تعليما أوليا أن يصقل مهاراته وأن ينمي قدراته وأن ينجح في مساره الدراسي اللاحق وهو لم يتلقى التعليم السابق؟  ألا يقود هذا إلا حرمان أبناء الشعب من حقهم في تعليم يحفظ كرامتهم ويجعلهم يرتقون اجتماعيا؟ ألا يتنافى هذا مع الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة سنة 1960 والتي ترى أن التمييز في التعليم هو انتهاك لحقوق الإنسان، حيث تصرح الاتفاقية في المادة 1:"لأغراض هذه الاتفاقية، تعني كلمة "التمييز" أي ميز أو استبعاد أو قصر أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الحالة الاقتصادية أو المولد، يقصد منه أو ينشأ عنه إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الإخلال بها، وخاصة ما يلي:

أ-حرمان أي شخص أو جماعة من الأشخاص من الالتحاق بأي نوع من أنواع التعليم في أي مرحلة؛
ب-قصر فرض أي شخص أو جماعة من الأشخاص على نوع من التعليم أدنى مستوى من سائر الأنواع؛
ج-إنشاء أو إبقاء نظم أو مؤسسات تعليمية منفصلة لأشخاص معينين أو لجماعات معينة من الأشخاص، غير تلك التي تجيزها أحكام المادة 2 من هذه الاتفاقية؛
د-فرض أوضاع لا تتفق وكرامة الانسان على أي شخص أو جماعة أشخاص.

2-لأغراض هذه الاتفاقية، تشير كلمة "التعليم" إلى جميع أنواع التعليم ومراحله، وتشمل فرص الالتحاق بالتعليم، ومستواه ونوعيته، والظروف التي يوفرها فيها"[6] فأين المغرب من هذا رغم نه من المهرولين إلى التوقيع على هذه المعاهدات والاتفاقيات الأممية؟ ألا يتناقض واقع الحال مع هذه الاتفاقية؟ ألا يحمل الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بنوده دعامات نقيضة لهذه الاتفاقية؟ ألا يبشر الميثاق الوطني بالتفاوت والقضاء على كل أشكال المساواة بل حتى على الحق في التعليم بالنسبة للأسر الهشة والمعوزة؟ أليس الاصلاح التربوي المنشود مجرد أكذوبة لخلق هذا التفاوت الطبقي خصوصا وان الدولة  قد أخلت بواجباتها اتجاه الطبقات غير المحظوظة والمهمشة والقرى والمداشر وهي التي أكدت على ضرورة اتخاذ جملة من التدابير لتعميم تعليم جيد في المناطق القروية غير المحظوظة كما جاء في الدعامة 29 من الميثاق:"تيسيرا لتعميم تعليم جيد، وسعيا لتقريب المدرسة وإدماجها في محيطها المباشر، خصوصا في الأوساط القروية وشبه الحضرية، ينبغي القيام بما يلي:

أ-إنجاز شراكة مع الجماعات المحلية، كلما أمكن، لتخصيص أمكنة ملائمة للتدريس والقيام بصيانتها، على أن تضطلع الدولة بتوفير التأطير والمعدات الضرورية؛ (فلا هي جهزت هذه الأماكن ولا هي وفرت التأطير والمعدات)

ب-اللجوء عن الحاجة للاستئجار واقتناء المحلات الجاهزة أو القابلة للإصلاح والملائمة لحاجات التدريس، في قلب المداشر والدواوير والأحياء، دون انتظار إنجاز بنايات جديدة في آجال وبتكاليف من شأنها تأخير التمدرس..."[7] ظلت هذه البنود حبرا على ورقة رغم مرور كل هذه السنوات على الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومجيء المخطط ألاستعجالي والدخول في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم. فلا الدولة جهزت أماكن التمدرس في القرى كما وعدت بذلك، ولا هي وفرت التأطير ولا المعدات. الوضع في البوادي لازال على حاله باستثناء بناء بعض البيوت التي يدرّس فيها معلم واحد جميع المستويات من السنة الأولى حتى السادسة ابتدائي في غياب شروط التحصيل العلمي الصحية والسليمة، أما البنايات الخاصة بالتعليم الأولى فلا وجود لها  إطلاقا في العالم القروي.

فهل هذا يعني أن المدينة محظوظة بتواجد رياض الأطفال والمدارس الخصوصية التي يتلقى فيها الأطفال تعليمهم الاولي في شروط جيدة؟ أكيد لا. إن المدينة ذاتها تعاني من التفاوت الصارخ واللامساواة، فأبناء الطبقة الميسورة يلجون إلى المدارس الخصوصية المعروفة بالجودة والخدمات الجيدة وذات التكلفة الباهظة في حين يلج أبناء الفقراء المدارس الخصوصية التي تنتشر في هوامش المدن وفي المآرب وطبقات العمارات والتي لا تتوفر على أبسط شروط التحصيل العلمي والتي تكدس التلاميذ في بيوت وليس أقساما في غياب تام للفضاءات الرياضية و الترفيهية، تستغل الطلبة العاطلين أبشع استغلال وتستنزف قدراتهم في شروط بئيسة بأثمنة رخيصة تستغلهم وتفرض عليهم أن يكونوا أسخياء في النقط الممنوحة للتلاميذ حتى يتم استقطاب المزيد من "المزاليط" الذي يستزفون جيوبهم طمعا في حصول أبنائهم على تعليم يؤهلهم للظفر بمنصب يخرجهم من خانة الفقر والبؤس والهشاشة، لكن للأسف مثل هذه المدارس الخصوصية لا تنجب سوى أشباه التلاميذ وما هم بتلاميذ إلا من رحم ربي، وهذا ما يتبين بمجرد التحاق أحد تلاميذ هذه المدارس الخصوصية بالمدرسة العمومية، فلا يستطيع النجاح حتى في الأقسام المشتركة التي تعتمد على المراقبة المستمرة كمعيار للنجاح، غير قادر على مجارات حتى تلاميذ التعليم العمومي الذي يتابعون تعليمهم في مدارس تفتقر إلى شروط التحصيل العلمي والتي يقاتل فيها الأستاذ من أجل حصول أبناء الشعب على تعليم يليق بهم وحيدا بعدما تخل الكل عنه، فأًصبح وحيدا يجابه الصعاب.. أما أبناء الطبقة المحظوظة فيلجون مدارس خصوصية مصنفة في ملكية مستثمرين كبار، مجهزة بكل ما يحتاجه التلميذ من فضاءات وأقسام ومساحات، تقدم تعليما جيدة وتستقطب أساتذة مؤهلين لممارسة التعليم، وتوزع التلاميذ على الأقسام بما يضمن لهم التحصيل الجيد مع الحرص على أن لا يتجاوز عددهم ما بين 20 و25 تلميذا أو على أقصى تقدير 30، لهذا تجدها غير مفتوحة في وجه العموم، بل غالبا ما تجد أصحاب هذه المدارس يقومون بانتقاء التلاميذ الذين يسمح لهم بمتابعة الدراسة، إنها تقتصر أبناء الميسورين فقط.

إلى ما يرمي كل هذا؟ إنه يرمي إلا خوصصة التعليم وضرب المجانية وبالتالي قطع الطريق على أبناء الشعب من أجل الرقي الاجتماعي وتحويلهم إلى أيادي عاملة فقط. وهذا ما يؤكد عليه الميثاق نفسه وبطريقة صريحة، من خلال الامتيازات التي منحها للقطاع الخاص من أجل الاستثمار في التعليم، حيث نجد في المجال السادس:الشراكة والتمويل، في الدعامة 125 مايلي:

"أ-وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى عشرين عاما، شريطة التجديد السنوي للامتيازات الضريبية، في ضوء التقويم المنتظم للنتائج التربوية للمؤسسة المستفيدة ولتدبيرها الإداري والمالي؛
ب-تشجيع إنشاء المؤسسات التعليمية ذات النفع العام التي تستثمر كل فائضها في تطوير التعليم ورفع جودته، وذلك باعفائها كليا من الضرائب. ويمنح هذا التشجيع شريطة خضوع المؤسسات المعنية للمراقبة التربوية والمالية الصارمة، كما يتم التجديد السنوي لهذا الامتياز في ضوء تقويم المؤسسة؛
ج-أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق، على مستوى التعليم الأولي، حسب أعداد الأطفال المتمدرسين بها، وعلى أساس احترام معايير وتحملات محددة بدقة؛
د-تكوين أطر التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق بشروط تحدد بمقتضى اتفاقية للشراكة ودفتر تحملات مضبوطة؛

ه-استفادة الأطر العاملة بالقطاع الخاص من أسلاك ودورات التكوين الأساسي والمستمر المبرمجة لفائدة أطر القطاع العام، وفق شروط تحدد كذلك ضمن اتفاقيات بين السلطات الوطنية أو الجهوية المشرفة على هذه البرامج وبين المؤسسات الخاصة المستفيدة."[8] هل هناك دليل أكبر من هذا على خوصصة التعليم وخلق التفاوت الطبقي وتكريس الهوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء من خلال حرمان أبناء الشعب من التعليم المجاني، ومن التسلق الطبقي والرقي الاجتماعي؟ وهل ما يتعرض له الاستاذة المتدربين هذه السنة يخرج عن إطار خوصصة التعليم؟ وهل فصل التكوين عن التوظيف لا يؤكد ما ذهب إلى الميثاق من خلال الدعامة السابقة التي أقر فيها بتكوين الأطر التربوية وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة؟ إن ما أقدمت عليه الحكومة الحالية من خلال المرسومين الصادرين هذه السنة والقاضيين بفصل التكوين عن التوظيف لهو التطبيق المباشر لسياسة الدولة الهادفة إلى التخلص من مجانية التعليم ورفع يدها عنه من خلال خوصصته وتفويته إلى المستثمرين.

 
 
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، سلسلة التشريع التربوي، الطبعة الاولى أكتوبر 2006، دار الحرف للنشر والوزيع، مطبعة دار النجاح الجديدة الدار البيضاء. ص:16.[1]
-الميثاق الوطني، ص-ص:16-17.[2]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:35.[3]
- إيمانويل كانط: أسس ميتافيزيقا الأخلاق".....ص...[4]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:36.[5]
-الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 14 كانون الأول-ديسمبر1960,[6]
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 20-21.[7]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 99-100.[8]