مقدمة:
يمكن اعتبار إشكالية ربط السينما والفضاء السمعي بصري بالمجال التربوي قضية محورية وملحة تهم في ذات الحين المدرسة والمجتمع والفاعل السياسي والإداري.. فإن كان دور التربية عامة هو إدماج الفرد بمحيطه السوسيو ثقافي وجعله عضوا فعلا في مجال من المجالات، وإذا انطلقنا من الواقع اليومي العالمي والوطني الذي يبرز ظاهرة اقتحام الصورة والمنتوج الإعلامي لكل الفضاءات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فإن التفكير في خلق جسور بين السينما والمدرسة والتربية المنزلية يصبح ضرورة حتمية لا يمكن غض الطرف عنها.
إن التاريخ لا يرحم، فكما أنه يحاسب كل من تخاذلوا في تعميم وترسيخ ثقافة المكتوب بكل أرجاء الوطن العربي، فإنه لن يرحم كل من تهاون في محاولة تربية رجال الغد على التعامل الجدي والعقلاني مع الصورة ووسائل الإعلام.
إن قضية الصورة والسينما والفيديو والتلفزة هي قضية تربوية بالدرجة الأولى، كل شيء آخر (تمويل السينما، ثقافة الترفيه..) هو هراء وافتراء وتعتيم. فالكل يعلم انعكاسات الصورة على مجتمعنا الشاب.
هناك حتمية تاريخية تتطلب منا إرساء أسس حقيقية لتربية صحية لما يستهلك من منتوجات ثقافية وسمعية بصرية، وللتربية على السلامة الطرقية بداخل حظيرة المعلومات والأخبار.
فالتربية بداخل المنزل وبداخل المؤسسات التعليمية هي الشرط الوحيد لمحاربة التلوث البصري والإعلامي الذي نعيشه اليوم ولتحصين الشباب وضمان شيء من التوازن الثقافي والنفسي لهم.
1 – ما هي مميزات مطلع القرن 21؟
يمكن تلخيص هذه الخصائص في ثلاثة ظواهر تعيشها شعوب العالم منذ أواسط القرن 20 وهي:
ـ العولمة الاقتصادية والسياسية والفكرية والخلقية والبشرية، وهنا ثلاث أسئلة تستفز شعوب العالم: هل العولمة اختيار حر؟ أم هي مشروع بشري نساهم فيه كلنا؟ أم ضرورة إجبارية علينا الرضوخ لها؟
ـ سيطرة الصورة والمعرفة البصرية على كل مجالات التواصل والعلم والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فبعد الحضارة الشفاهية والحضارة الخطية صار المشعل اليوم بيدي الحضارة الأيقونية.
ـ البحث عن السرعة القصوى في شتى المجالات والبحث عن المردودية بأقل تكلفة وكنتائج لهذه الظواهر يمكن إدراج ما يلي:
1 – أصبحت السينما والفيديو والتلفزة والوسائط المتعددة أدوات أساسية ومحورية في حياتنا اليومية، حيث إنها تعتبر اليوم من بين مؤشرات التمدن والتقدم والتوازن الحضاري.
2 – تستهلك المجتمعات البشرية عدد هائلا من الصور والأصوات عبر القنوات الفضائية والسينما والفيديو والمجلات والألعاب والأقراص المدمجة دون أن تكون مؤهلة لذلك، وهذا يترتب عنه نوع من الانفصام في الشخصية وارتباك في المبادئ: فالواقع اليومي المادي الملموس شيء بحلوه ومره، وصور المسلسلات والأفلام الأمريكية والمكسيكية والمصرية وغيرها شيء آخر يعبر عن ثقافة منتجيها، بل إن هذه الصور تحاول اقتحام الواقع والحلول محله ويصبح منبع المثل العليا هو الشاشة الأجنبية التي تتكلم العربية (الأفلام المدبلجة) أو الفرنسية أو الإنجليزية.
3 – بالإضافة إلى الأمية الخطية التي تنخر الجسد المغربي والعربي، تزداد الأمية الأيقونية والسمعية بصرية تفاقما بكل أوساط ومستويات المجتمع، فكثيرون هم الذين لا يفقهون تفكيك رموز الصور وغوص أعماقها الدلالية والجمالية والتواصلية. وقليلون هم الذين يستطيعون الكتابة بالصورة وبالكاميرا. إن الأمية الأيقونية سرطان أكثر فتكا من الأمية الكلاسكية.
4 – تتفاقم الفوارق الثقافية والإعلامية بين دول الشمال (الأكثر حظوظا لاستقبال المعلومات والمعرفة القديمة والحديثة Les info-riches) ودول الجنوب (Les info-pauvres) التي تتميز بقلة حظوظها بقلة حظوظها للحصول على المعلومات عبر الساتل أو عبر الأنترنيت والفيديو.. والتي لا حيلة لها عندما يتعلق الأمر بترشيد وتدبير هذا الزخم الهائل من المعلومات المتدفقة من كل حدب وصوب.
5 – ونفس الفوارق تنخر جسد المجتمع الواحد حيث إنه هناك شرائح قليلة من المجتمع تتمتع بامتلاك المعلومات والصور بينما لا تجد شرائح عريضة قوتها اليومي من الأخبار.
6 – وفي هذا الإطار بالضبط، نلاحظ بأن الثقافات الشفوية التقليدية لا تستطيع مقاومة هذا الزحف العارم من الصور والأصوات الإلكترونية.
7 – أصبحت الصور والأصوات تلعب دور المسكنات والأدوات البديلة Ersatz للشرائح الاجتماعية التي لا تستطيع امتلاك الواقع المحسوس حيث تكتفي بشرب جرعات الحلم: فالسفر إلى جزر هواي أو امتلاك لوحة من لوحات بيكاسو واقع وحقيقة لا يتمتع بهما إلا المحظوظون وهم قلة، بينما يكتفي الآخرون بصور هواي ولوحات بيكاسو عبر شاشة التلفزيون أو الحاسوب أو عبر صور المجلات والملصقات.
8 – إن غياب سياسة واضحة المعالم في مجال التواصل البصري والسمعي بصري له وقع خطير على الأطفال والشباب: فالطفل المغربي مثلا يستهلك عددا وافرا من الرسوم المتحركة اليابانية والأمريكية والفرنسية المدبلجة أحيانا بلهجة لبنانية، ويكون محتوى هذه الرسوم حاملا لمجموعة من القيم البشرية بالطبع ولكن في أغلب الأحيان تصاغ هذه القيم حسب منظور إيديولوجي خصوصي وحسب ثوابت الهوية اليابانية أو الأمريكية أو الفرنسية التي لا تمت بأية صلة للثوابت الثقافية المغربية ولا للمحيط الثقافي Ecosystème العربي-الأمازيغي. إذن ما هو ذنب الطفل المغربي كي يحرم من مخيلته الأصيلة مترجمة على شكل صور وأصوات ثابتة أو متحركة؟
ما هو ذنب الثقافة الشعبية التقليدية كي ترمي بالقمامات كجثة هامدة؟
لسنا هنا من دعاة الانغلاق على الذات أبدا، ولكن من الطبيعي أن يطالب الإنسان بنوع من التوازن الثقافي بين الماضي والحاضر، وبين الأصيل والدخيل، وبين الذاتي والكلي.
يتحتم علينا إذن لمواجهة هذا الوضع الناشز ترجمة المميزات الصالحة من ثقافتنا الأصيلة إلى لغة العصر (لغة السينما والفيديو والصور والحقائق المفترضة) وتربية الشعب على التعامل الحذر والنفعي مع كل ما يأتي عبر البارابول والفضاءات السمعية بصرية وعلى تبني كل ما من شأنه أن يساهم فعلا في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لوطننا.
9 – إن الواقع الجديد الذي يعيشه المغرب والعالم العربي هو أنه أصبح هذا العالم عبارة عن قرية صغيرة فمن خلال البارابول وسوق الأفلام والجرائد يستطيع الإنسان المغربي اليوم معرفة الأحداث السياسية والواقع الاجتماعي الذي تسمح بإبرازه وسائل الإعلام) بأبو ظبي والعراق والأردن ولبنان ومصر وليبيا وتونس.. وذلك عبر البث الحي والمباشر..
من قبل كانت المعلومات الساخنة تمر حتما عبر قنوات بلدان الشمال (CNN مثلا) لتصلنا مغربلة ومعلبة وقابلة للاستهلاك على شكل وجبة مكدولاندية، وخير دليل على ذلك هو تاريخ الانتفاضة الفلسطينية عبر وسائل الإعلام السمعية بصرية: في البداية كانت المعلومات مراقبة وكان وسيطها إما إذاعي أو مكتوب، واليوم أضيفت الأخبار التلفزية المباشرة، وهذا بالفعل من شأنه خلق عقلية إعلامية جديدة وحث الجماهير الشعبية على المشاركة في الحوار السياسي الدائر حول القدس ومصير الفلسطينيين.
10 – أصبحت دول الجنوب عبارة عن قمامة الصور والمعلومات. فدول الشمال لا تصدر إلى العالم الثالث إلا الردئ من إنتاجها أو ما تقادم من منتوجها الثقافي وفقد قيمته العلمية.
كل هذه المعطيات والملاحظات تؤكد مشروعية الربط الفعلي والعاجل والعميق بين المؤسسة المدرسية وفضاء السينما والفيديو والتلفزة..
فلا يعقل أن يكون المجتمع المغربي مستهلكا للصور وللمعلومات دون توجيه وتربية حقيقية، ودون أن تقوم المدرسة والجامعة بدورهما الأساسي الذي هو تكوين المواطن الجيد الذي يستطيع الاندماج في محيطه السوسيوثقافي والتعامل مع الثقافات الأجنبية بنوع من النفعية ودون مركب نقص.
2 – ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين السينما والتربية؟
أ-تشارك السينما والتربية على المستويات التالية:
ـ كلاهما وسيلة للتواصل الجماهيري
ـ كلاهما يسعى إلى تمرير مجموعة من القيم والمعارف إلى الجمهور المتلقي
ـ آليات التواصل بهما ذات اتجاه واحد (المنتج للخطاب لا يتحول إلى ملتق وهذا الأخير يبقى دوما يلعب نفس الدور) .
ـ كلاهما له فضاؤه الخاص (قاعة العرض – المدرسة) .
ـ كلاهما يسعى إلى إدماج الفرد بمجتمعه الوطني أو البشري.
ـ كلاهما يبني خطابه على التنشيط والتكرار والتبسيط.
ـ ينبني الانضباط بهما على أساس جلوس الملتقي والتزامه الصمت.
ب – وتختلف السينما عن العالم التربوي من خلال المستويات التالية:
ـ في العمق، تتوجه السينما لجميع الجماهير كيفما كان عمرها ومستواها الثقافي والاجتماعي بينما تبقى المدرسة حكرا على الشباب والأطفال.
ـ تهتم السينما ووسائل الإعلام بالأخبار غير القارة والمتجددة، فسلطة الجديد لا تسمع للسينما بالحفر في الذاكرة، بينما تهتم المدرسة بالمعرفة القارة والثابتة، حيث يمكن اعتبارها أكثر محافظة على الماضي من السينما والتلفزة..
ـ ترتكز السينما على فرجة التكنولوجيا.
ـ توجه السينما اهتمامها الأساسي نحو مبادئ المتعة والفرجة والتوجيه بينما ترتكز المدرسة على التكوين والانضباط المعرفي والجدية.
ـ تبقى السينما رهينة بمنطق السوق وفلسفة "الجمهور عايز كده" بينما تسعى المدرسة إلى الامتثال لمنطق السياسة التعليمية.
ـ يرتكز التواصل في السينما على السرعة والعولمة بينما تتميز المدرسة بالتواصل البطيء ونوع من المحلية.
ـ يبقى الأستاذ أهم سلطة تقويمة وتربوية في عالم المدرسة، بينما تعم قاعات السينما سلطة الآخر.
ـ ترتكز المدرسة على جسد الأستاذ والسبورة والكتاب وترتكز السينما على الصوت والصورة وتقنيات الحكي.
من خلال هذه المقارنة العاجلة، لا نسعى إلا إلى إبراز الفكرة القائلة بأن الاختلاف هو أساس المعرفة وبالتالي فإن إدماج السينما بالعالم التربوي لا يعني بتاتا انصهارها التام، ومحو خصوصياتها كأداة تواصلية مستقلة ولا يعني كذلك إخضاع المدرسة للسلطة الإعلامية ولسوق الفرجة.
فالعلاقة بين السينما والتربية رهينة أهداف أربعة لا يمكن الاستغناء عن أي مها، وهي:
ـ السينما وسيلة تعليمية وتربوية.
ـ السينما مادة من مواد التعليم كالتاريخ والجغرافيا والفيزياء.
ـ السينما شريك للمدرسة.
ـ المدرسة وسيلة من وسائل التحفيز على تلقي أجود الأفلام.
ونعتقد بأن نجاح مشروع الربط بين السينما والمدرسة لن يتم في غياب الشروط الدنيا التالية:
ـ تجهيز المؤسسات التعليمية بالأجهزة الضرورية الصالحة للاستعمال.
ـ تكوين الأطر التقنية والتربوية المتخصصة في هذا المجال.
ـ بناء الفضاءات الخاصة بالعرض الفيديوغرافي.
ـ تغيير استعمالات الزمن حتى تشتمل على حيز خاص بالمشاهدة وتحليل الأفلام.
ـ ربط شراكة مع القاعات السينمائية والقنوات التلفزية.
ـ ربط علاقات مع الفاعلين في القطاع السمعي بصري عامة (منتج، مخرج، سينارست، ممثل، مبرمج..) .
ـ تكوين خزانة الأشرطة السمعية بصرية والأقراص المدمجة بكل المؤسسات التربوية.
ـ إنشاء نوادي سينمائية خاصة بالمؤسسات.
ـ إنشاء محترفات التحليل الفيلمي وتحليل الخطاب السمعي بصري.
ـ خلق مسالك سينمائية وسمعية بصرية.
ـ ربط السينما بكل المواد التربوية (تاريخ، جعرافية، علوم، أدب، تربية دينية، رياضية، فنون تشكيلية..) .
ويمكن التأكيد في الأخير على أن ما يجمع السينما بالتربية هو روح التكامل من أجل تكوين مواطن جيد ومجتمع منسجم مع ذاته ومع محيطه.
ومن المؤكد كذلك هو أن السينما والتلفزة قد دخلتا حيز المدرسة منذ سنوات وذلك من خلال مواقف وسلوكات التلاميذ التي يكتسبونها من خلال دور السينما وأجهزة التلفزة وأصبح بالتالي غير ممكن غض الطرف على هذا الواقع الثقافي الحي.
3 – أين تكمن أهمية إدماج السينما والوسائل السمعية بصرية بالمدرسة والجامعة؟
يمكن اعتبار السينما وجميع الوسائل السمعية بصرية.
1-كوسائط تربوية وتعليمية يستغلها الأستاذ والمتعلم قصد الحصول على المعرفة اللغوية والمفاهيمية، وقصد ترسيخ وتيسير بعض المعارف وكذلك قصد التعليم بطريقة حديثة وفعالة.
2- كمادة ومضمون تربوي يسمح بتكوين الحس الفني لدى المتعلمين، وبتكوين مواطن ذي تعامل إيجابي مع الصور، وخلق إطار صالح للتكوين على المهن السمعية بصرية.
وبدقة أكثر يمكن البرهنة على أهمية استغلال السينما والفيديو والتلفزة والأقراص المدمجة في العملية التربوية من خلال ما يلي:
1) عصرنة وسائل التعليم فبالإضافة إلى السبورة والكتاب، يلعب الفيلم الخيالي أو التسجيلي دورا هاما في مجال التعليم والتعلم الذاتي والتربية خاصة في مجال تعليم العلوم واللغات الحية.
وبما أن العصرنة ليست موضة بل ضرورة حتمية فإن السينما والوسائل السمعية بصرية تدخل في سيرورة تكاملية مع الوسائل التقليدية (السبورة، الكتاب..) .
2) تيسير عملية تعليم وتعلم العلوم واللغات الحية.
3) ترسيخ ثقافة عقلانية وأقل انفعالية مع الصور والسينما والتلفزة.
4) محاربة الأمية الأيقونية ومحاربة الخطأ الشائع الذي مفاده أن السينما والفيديو والتلفزة ووسائل ترفيهية وإعلامية فقط.
5 ) تحصين الشباب ضد أشكال التعتيم الإعلامي والاستلاب الثقافي ومحاربة ظواهر الانبهار بالصور، خاصة صور الغير.
6 ) تربية العائلة المغربية والمجتمع على التعامل الإيجابي مع الصور مرورا عبر التلاميذ والطلبة.
7) توفير الفرص وتحفيز الشباب على الإبداع في مجال السينما والتلفزة والصورة.
8) توفير فرص التكوين المهني في مجال السينما والإعلام السمعي بصري.
9) إدماج الشباب في محيطهم السمعي بصري.
10) إدراك الأبعاد الجمالية في السينما والتلفزة وتكوين القدرة على التمييز بين المنتوج الجيد (أفلام، برامج) والمنتوج الرديء ومحاربة الشعوذة في السينما والتلفزة.
11) محاربة الفكر الخرافي الذي تحمله مجموعة من الصور.
12) التعامل مع المعلومات والأفلام من خلال مشروع ذاتي أو مؤسساتي تفاديا لحوادث السير بالطرق السيارة المعلوماتية وبالشبكات السمعية بصرية.
13 ) توفير فرص التعلم الذاتي والتقويم الذاتي.
14) علم الربط بين المعلومات الآتية من منابع مختلفة (الكتاب، السينما، التلفزة، الأقراص المدمجة، الأستاذ..) .
15) تعلم البحث عن أصل ومنع المعلومات والتأكد من صحتها قبل استغلالها.
16) تعلم مبادئ تكامل المعارف.
17) تحفيز الأستاذ على الاهتمام بدوره التربوي الحقيقي وهو تعليم الطلبة على عملية تدبير وترشيد هذا الزخم الوافر من المعلومات والصور.
4– أين تكمن مخاطر إدماج السينما والوسائل السمعية بصرية بالمدرسة والجامعة؟
نظرا لأن إشكالية ربط السينما بالتربية حديثة وجديدة في فضائنا التعليمي، ونظرا لغياب الدراسات الكافية والجيدة فيما يهم إشكالية الصورة بالمغرب وما يهم الصورة والتربية، ونظرا للمواقف المسبقة لدى المجتمع المغربي حول الصورة والسينما، فإن طريق إدماج السينما بالمجال التعليمي شائك ومليء بالحواجز والمخاطر. ومن واجب كل أستاذ وكل مؤسسة الاحتياط من العوائق التالية:
1) قد تكون مشاهدة الأفلام برحاب المدرسة أو الجامعة فرصة لبعض الطلبة كي ينقلوا التعامل المتوحش والعفوي الموروث بقاعات السينما وبداخل المنازل إلى الفضاء التربوي, فعلى الأستاذ والمؤسسة الحذر من البعد الترفيهي ومن سلطة الصورة.
2) اختيار أفلام وأشرطة ذات محتوى رديء فنيا وثقافيا وخلقيا وتقنيا.
3) الانبهار بالصورة والمضامين الفيلمية أو الرفض المبدئي للتواصل بالصور.
4) العشوائية في التعامل مع التقنيات السمعية البصرية، الشيء الذي يفقد عملية الإدماج كل مصداقية وجدية.
5) غياب تكوين جيد للأساتذة في مجال السمعي بصري.
6) غياب استراتيجية وطنية شاملة.
7) غياب قوانين مؤطرة تسمح باستغلال الأفلام في الإطار التربوي، وهذا يتطلب العمل على فرض ما يمكن الاصطلاح عليه "بالخصوصية التربوية" L’exception pédagogique التي ستسمح باستعمال الأفلام والبرامج في الإطار المدرسي بطريقة مجانية.
8) غياب الدعم المادي والمعنوي للكتابة حول السينما وغياب التشجيع على إنتاج الأفلام التربوية.
9) الكتابات حول الموضوع قليلة بل هي نادرة جدا.
10) اعتبار السينما والفيديو والوسائل السمعية بصرية كأدوات خاصة فقط بتعليم اللغات والعلوم، بل هناك كذلك الرياضة البدنية والرياضيات والتربوية الدينية والوطنية..
11) تخويل مهام تعليم الخطاب السينمائي والسمعي بصري لغير الأساتذة. هنا، يجب التأكيد على ضرورة الاحتياط من أحادية التكوين عند المكونين، فتعليم السينما لن يتم إلا من خلال الأستاذ الذي يضبط في نفس الوقت الخطاب السينمائي والسمعي بصري.
12) غياب أبسط الشروط للمشاهدة السمعية بصرية (قاعات، كهرباء، أجهزة..) خاصة بالعالم القروي.
13) الاستغلال المفرط للأفلام الصامتة حيث أن أغلب الطلبة، نظرا لتكوينهم في إطار ثقافة شفوية، يشعرون بنوع من الغثيان أمام سلسلة من الصور دون صوت أو تعليق، يجب إذن الحرص على التوازن بين الخطابين السمعي والبصري.
14) الاعتقاد الخاطئ والخطير بأن الوسائل السمعية بصرية حكر على النخبة دون عامة الشعب.
15) استغلال خطأ لأشرطة ذات أبعاد إباحية أو منافية لقيمنا الدينية والخلقية.
16) الاعتقاد خطأ بأن السينما والفيديو والأقراص المدمجة ستحل محل الأستاذ، ويجب التأكيد هنا بإلحاح على أن دور الأستاذ ينحصر خاصة في ترشيد المعلومات والمعارف وفي تلقين الطلبة طرق ومناهج التعامل مع الصور والمعلومات (امتلاك وتصريف المعلومات) .
17) عدم ربط استغلال الصورة بجميع المهارات التربوية (تحليل، تركيب، كتابة، تعليق..) .
18) عدم مراقبة منابع الأخبار والمعارف.
19) التمييز الاجتماعي في مجال استغلال الأجهزة السمعية بصرية بالمنزل له وقع خطير على تعامل الطلبة مع هذه الأجهزة بالإطار التعليمي: فالطالب الذي يستعمل الفيديو بمنزله مثلا يملك حظوظا وافرة للاستفادة من هذه الآلة في مجال المدرسة أو الجامعة.
20) الخوف من سيطرة وسائل الإعلام على المدرسة.
21) الإفراط في استعمال الصور والأنترنيت قد يؤدي إلى استغلال ضئيل للذاكرة ولعملية الحفظ.
22) سوف ينعكس استعمال الفيديو بالمدرسة على العائلات ذات الدخل المحدود التي تصبح مضطرة إلى اقتناء الأجهزة السمعية بصرية تحت طلب وإلحاح أبنائها.
23) غياب التكامل بين الوسائل التعليمية: السبورة، الكتاب، المذياع، السينما، الفيديو، التلفزة، الأقراص، المدمجة..
24) التطور السريع للأجهزة السمعي بصرية وللخطاب السينمائي.
25) تماهي الطلبة مع الشخصيات السينمائية والسمعية بصرية.
26) تغييب البعد الجمالي والفني للمنتوج السمعي بصري.
27) الوهم بأن الوسائل السمعية بصرية ستحل كل المشاكل التربوية والتعليمية.
28) السقوط في الشعوذة السمعية بصرية والسينمائية.
29) عدم الاهتمام بالإبداع والابتكار في هذا المجال الحيوي.
30) عدم تبادل الخبرات بين الأساتذة، وبين المؤسسات.
31) عدم الاكترات بمظاهر التلوث الإعلامي والسمعي بصري الذي يستهدف شبابنا ومجتمعنا..
32) عدم توفير الحيز الزمني (استعمال الزمن) الخاص باستعمال الوسائل السمعية بصرية.
33) عدم الاهتمام بالمهارات الجديدة المرتبطة بالتكنولوجيا السمعية بصرية والإعلامية.
تكمن خطورة هذه المعيقات والمخاطر في كونها تفقد إدماج السينما بالمدرسة كل مصداقية ولا تحفز الأستاذ ولا المؤسسة ولا حتى الطلبة على الشروع في التجربة وعدد كبير من المناهضين لفكرة الإدماج يدرجون هذه المخاطر كحجج كافية ضد الإدماج ونعلم كل العلم بأن من الممكن تفادي كل هذه المشاكل إذا انطلقنا من تصور عام وشامل وواقعي لمشروع المجتمع والتربية في القرن 21 بهذا البلد.
وخلاصة القول، لتحسين جودة التعليم والفضاءات التربوية، يتحتم علينا الاستفادة من التكنولوجيا السمعية بصرية وتسخيرها للتعليم والتعلم وتكوين المواطن المنسجم مع محيطه الثقافي والاجتماعي، فلا خير في سينما لا تساهم في النمو الثقافي والاجتماعي ولا خير في مدرسة لا تعير الاهتمام بكل الوسائل الحديثة ذات المردودية التربوية.
رغم أهمية هذه الوسائل، تبقى مهملة في تكوين الأساتذة ورؤساء المؤسسات وفي السياسة التعليمية ككل.
ولذا، أصبح من الضروري إعارة شيء من الاهتمام للاقتراحات التالية:
1) السهر على إدراج برنامج "السينما المدرسية" بكل مؤسسات التكوين والتعليم، ونقصد بهذا المفهوم فسح المجال أمام الطلبة قصد الإبداع السينمائي والسمعي بصري في إطار ورشات عمل ونوادي سينمائية.
2) تأطير جيد وعاجل لمجموع الأساتذة في مجال استغلال الأفلام بالإطار التعليمي.
3) السهر على استغلال القنوات والبرامج الجيدة والتربوية بالمدارس والجامعات (مثل Channel V…, Arte. Planète, 5ème ) .
4) بناء سياسية متكاملة خاصة بالتعليم عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة وعبر الصور.
5) إدراج مادة تحليل الصور بالمدارس والثانويات والجامعات.
6) توفير قسط من مال صندوق الدعم قصد تكوين الشباب المهتمين وتشجيع البحث العلمي في مجال السنيما.
7) السهر على أن تقوم التلفزتين المغربيتين (دوزيم وإرتم) بتوفير حيز لفيديو الهواة "لتقديم أهم إبداعات الشباب الهواة" في مجال السينما والفيديو كما كان الشأن في مجال الأغنية قديما (برنامج مواهب للجراري..) .
8) توفير مجالات الشراكة بين الفاعلين في مجال السينما والتلفزة ورجال التعليم.
9) العمل على إنشاء إذاعة وتلفزة جامعية أو قناة معرفية على شكل Arte/5ème بفرنسا.
هذه إذن مجموعة مقترحات قصد الربط بين التربية والسينما قد نكون قد أصبنا في بعضها وأخطأنا في بعضها الآخر ولكن الأهم هو طرح الإشكالية للنقاش بجدية وحزم، فمنذ نصف قرن، كان الخطاب المهيمن على الساحة الثقافية المغربية هو علاقة السينما بالمال (دعم السينما، غياب الدعم، قلة المداخيل..) ونعتقد بأنه قد حان الوقت لطرح الإشكالية الصحيحة والحقيقة والتي هي: كيف نتجاوز أزمة الإبداع والتكوين في مجالي السينما والفضاء السمعي بصري؟ ولنعلم بأن المال الوفير لا يصنع أبدا الفيلم الجيد وبأن الفيلم الجيد يوجد في العقل الجيد الذي يتمتع بالموهبة وبالتكوين.
بعض المراجع:
1 – Porcher Louis 1994 ; Télévision, culture, éducation ; A.Colin.
2 – Citterio et als 1995 ; Du cinéma à l’école, Hachette.
3 – De margerie, ch. Et L. Porcher 1981 ; Des médias dans les cours de langues, CLE.
4 – Ait Hammou Y. 1996 ; Lecture de l’image Cinématographique, Imprimerie Nationale.
5 – Lancien th. 1986 ; Le document video, clé.
6 – Devauchelle G. 1993 ; Multimédiatiser l’école, Hachette.