الأربعاء، 24 فبراير 2016
عندما ينتحر المجتمع المغربي في صمت ـ عبد الكريم ساورة
نفاس نت
تتعدد الأسباب والموت واحد، هذا عندما يقدم شخص ما على الانتحار، إما بالشنق، أو بأداة حادة من الأدوات، أو بالرمي بنفسه من الأعلى، أو بواسطة سم من السموم الفتاكة والقاتلة ، أو بطريقة من الطرق وهي متعددة. هذه وضعيات بارزة ونتيجة لاختلالات مادية وروحية ونفسية تجعل المنتحر يقدم على إنهاء وجوده المادي طوعا أو كرها بلا شفقة ولا رحمة . أقل ما يقال عنها أنها نهاية مجحفة.
هذا الاختيار يمكن التعاطف معه، والرثاء له، واعتباره حالة إفلاس للروح، ووضع أصحابه- بما أنهم يشكلون أقلية- بمتحف المخدوعين، لكن ماذا عن الذين يشكلون أغلبية داخل المجتمع وهم ينتحرون كل يوم بوسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك في صمت مريب ؟ يعيش المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، أكبر هزة أخلاقية وفيمية، يعيش تناقضات مؤلمة، يريد الحداثة بكل متعها ، لباسا وفنا وغناء وصخبا، ويصوم الاثنين والخميس وأيام البيض استجابة للعقل الديني ويحتفل برأس السنة مع المسحيين ويوزع المشروبات بأنواعها وأصناف الطورتة والشكولاطة الباريسية كشكل من أشكال المشاركة والاحتفاء بالديانات الأخرى، إنه نوع من أنواع السفر المجاني إلى قلب الكنيسة المسيحية.
هذا الاختيار يمكن التعاطف معه، والرثاء له، واعتباره حالة إفلاس للروح، ووضع أصحابه- بما أنهم يشكلون أقلية- بمتحف المخدوعين، لكن ماذا عن الذين يشكلون أغلبية داخل المجتمع وهم ينتحرون كل يوم بوسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك في صمت مريب ؟ يعيش المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، أكبر هزة أخلاقية وفيمية، يعيش تناقضات مؤلمة، يريد الحداثة بكل متعها ، لباسا وفنا وغناء وصخبا، ويصوم الاثنين والخميس وأيام البيض استجابة للعقل الديني ويحتفل برأس السنة مع المسحيين ويوزع المشروبات بأنواعها وأصناف الطورتة والشكولاطة الباريسية كشكل من أشكال المشاركة والاحتفاء بالديانات الأخرى، إنه نوع من أنواع السفر المجاني إلى قلب الكنيسة المسيحية.
المجتمع المغربي مؤخرا أصبح أكثر حساسية من كل شيء وتحول إلى " حيوان " شرس يعاتب وينتقد كل شيء ، يرغب في مشاهدة غرائب ولقطات عيوش " الحلوة الكافرة " في المساء، وينزل كل غضبه ولعاناته في الصباح الباكر عليه، حتى هناك من وصفه بالخارج عن الملة، صنف آخر يتملى بمؤخرة المغنية المشهورة جنيفر لوبيز ورقصاتها الجنسية المثيرة، وعندما يستفيق من شبقه وهذيانه، يعلن عليها الحرب ويعتبرها شيطان مارد يجب طرد روحها الشريرة التي دخلت كل بيوت المغاربة ودنستها .
فئة تدافع عن حق الإفطار العلني وحرية العلاقات بين الجنسين، والمس بهما هو إخلال صريح بحقوق الإفراد وبحياتهما الشخصية، لكن فئة أخرى تعتبر هذا ضربا لعصب الدين والمجتمع ووسيلة من وسائل تخريب العقل الديني ووجب التصدي لكل من خولت له نفسه أن يهدم هذا البيت الذي نستظل به جميعا.
معضلة الإجهاض، الذي كان سببا هو الآخر في تقسيم المجتمع إلى قسمين وهذا أمر محمود وفضيلة من فضائل الديمقراطية والحوار، لكن أن يتم استحضار مفهوم المؤامرة من طرف بعض الفصائل واعتباره تشييعا للجنس والفجور فهذا يظهر أن هناك خللا في معالجة أعطابنا بنوع من التطرف الخارج عن أخلاقيات النقاش الهادئ والهادف .
شبكة المثليين، تفرض نفسها بقوة داخل النسيج المجتمعي، نعم هم قلة، لكن آلة الدعاية التي يستخدمون قوية، والخطاب الحقوقي الذي يستعملون ذو تأثير نافذ في الأوساط الدولية، وقد يعطي صورة سيئة لصورة للمجتمع أنه لا يحترم الأقلية، وأنه مجتمع أحادي وليس تعدديا .فئات كثيرة في المجتمع من تتبني أفكار هم وتدافع عنها ولكن لاتستطيع الإجهاربها خوفا من ردة فعل العقل الأخلاقي للمجتمع، وبذلك يظل المجتمع يعيش حالة شرود وتيهان مستمرين.
الزواج بالفاتحة، هذا من بين المشاكل العويصة التي تؤرق الدولة والمجتمع، فقد عمدت الحكومة الإسلامية بعد تفكير طويل في تمديد هذا الزواج " البدائي" خمسة سنوات أخرى، تحت مراقبة عيون الداخلية وتعليماتها، لكن الجمعيات النسائية لازالت تطالب بقطع رأسه لأنه يعتبر أكبر شطط وإهانة في حق الفتيات اللواتي يتم اعتبارهن أكبر احتياطي لشهوة الرجل المريض بجسد لم ينضج بعد.بالمقابل هناك من التيارات من يجيز هذا الزواج ويعتبره عفة وسنة وحماية للفتاة من شبح العنوسة والعهارة وفرصة لبناء أسرة يمكن أن نباهي بها الأمم.
مشكل اللغة، التي يجب استعمالها في التدريس، لايزال هو الآخر فتيله مشتعلا، بين مؤيد لاستعمال اللغة الدارجة وبين من يتشدد للغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وقد عاش الجميع فترات عصيبة بين التيارين وصلت إلى اتهامات خطيرة لآل عيوش بخدمة أجندة خارجية وقتل ما تبقى من جسد التعليم المترهل، وهنا تحول المشكل التربوي من قضية بيداغوجية إلى مشكل أخلاقي وديني من بعض الإطراف بعد تحميله أكثر من اللازم رغم أن مشكل التعليم هو قضية توجه دولة بأكملها وليس مشكل لغة.
ولايقف الأمر عندا هذا الحد، بل هناك جناح آخر وهم أقلية، والذي يبسط نفوذه على كل المؤسسات والتابع لأمنا فرنسا، يدافع وبشراسة على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة البحث العلمي والحداثة والرقي، وهؤلاء يجدون دعما كبيرا من جهات متعددة في الدولة ويفرضون سلطتهم المادية والثقافية على الجميع وما على الأغلبية من الشعب سوى الامتثال والخضوع لهذه الأقلية.
المجتمع المغربي إذن، يعرف في الآونة الأخيرة، تحولات خطيرة، خصوصا أن فئة الشباب تشكل نسبة الغالبية في الهرم السكاني، وهذه الفئة لحسن أو سوء حظها تعايش أشرس المخترعات التواصلية في القرن الجديد وهي" شبكات التواصل الاجتماعي" ولهذا فهي جد متأثرة بحمولتها وبعصبيتها الافتراضية، وبالجديد من قوانينها ومبادئها المدهشة، وهنا يجب أن نستحضر السحر القوي الذي كان مفعوله قويا على سلوك وعقلية هذه الفئة، بسبب الفرجة والمتعة التي تقدم لهم مجانا من خلالهما، وهو ما سيزيد في عزلتهم اجتماعيا وعاطفيا وخلق عوالم خاصة بهم بعيدة كل البعد عن الواقع، خاضعين بذلك " للإستعمار الإلكتروني " على حد تعبير توماس ماكفيل.
وهنا يجب أن ننتبه جيدا إلى هذا الجيش من الشباب الذي تفاعل مع ثقافة الشبكات التواصلية وما تحمله من قيم جديدة وشعارات في الثورة على كل شيء خصوصا بعد الربيع العربي، ولهذا فدورهم أصبح محوريا في سلم القيم، واستبعادهم أو تغيبهم من خريطة الأمن المجتمعي يعتبر تهديدا حقيقيا للجميع. وعلى هذا الأساس فالشباب هو المعني الأول في إشراكه في لعبة الحلال والحرام التي برزت بقوة هذه الأيام،وكل جهة تحاول أن تفرض سلطتها المادية والمعنوية، وقراراتها الفوقية وتقدم نفسها باعتبارها البديل الحقيقي للشعب المغربي عن طريق الرهبة أو شيطنة الآخر وتكفيره في بعض الأحيان هو إضافة قاتلة في عزلة المجتمع وانغلاقه وتطرفه، ولهذا يجب إعطاء فرصة للمجتمع للتعبير والإدلاء برأيه في كل ما يخصه دون تسفيهه وإقصاءه والتنقيص منه وسد الباب عليه ، حتى لا يتورى إلى الخلف ويحترف الصمت وهذا اكبر انتحار سوف يهدم استقرار الدولة والمجتمع .
فئة تدافع عن حق الإفطار العلني وحرية العلاقات بين الجنسين، والمس بهما هو إخلال صريح بحقوق الإفراد وبحياتهما الشخصية، لكن فئة أخرى تعتبر هذا ضربا لعصب الدين والمجتمع ووسيلة من وسائل تخريب العقل الديني ووجب التصدي لكل من خولت له نفسه أن يهدم هذا البيت الذي نستظل به جميعا.
معضلة الإجهاض، الذي كان سببا هو الآخر في تقسيم المجتمع إلى قسمين وهذا أمر محمود وفضيلة من فضائل الديمقراطية والحوار، لكن أن يتم استحضار مفهوم المؤامرة من طرف بعض الفصائل واعتباره تشييعا للجنس والفجور فهذا يظهر أن هناك خللا في معالجة أعطابنا بنوع من التطرف الخارج عن أخلاقيات النقاش الهادئ والهادف .
شبكة المثليين، تفرض نفسها بقوة داخل النسيج المجتمعي، نعم هم قلة، لكن آلة الدعاية التي يستخدمون قوية، والخطاب الحقوقي الذي يستعملون ذو تأثير نافذ في الأوساط الدولية، وقد يعطي صورة سيئة لصورة للمجتمع أنه لا يحترم الأقلية، وأنه مجتمع أحادي وليس تعدديا .فئات كثيرة في المجتمع من تتبني أفكار هم وتدافع عنها ولكن لاتستطيع الإجهاربها خوفا من ردة فعل العقل الأخلاقي للمجتمع، وبذلك يظل المجتمع يعيش حالة شرود وتيهان مستمرين.
الزواج بالفاتحة، هذا من بين المشاكل العويصة التي تؤرق الدولة والمجتمع، فقد عمدت الحكومة الإسلامية بعد تفكير طويل في تمديد هذا الزواج " البدائي" خمسة سنوات أخرى، تحت مراقبة عيون الداخلية وتعليماتها، لكن الجمعيات النسائية لازالت تطالب بقطع رأسه لأنه يعتبر أكبر شطط وإهانة في حق الفتيات اللواتي يتم اعتبارهن أكبر احتياطي لشهوة الرجل المريض بجسد لم ينضج بعد.بالمقابل هناك من التيارات من يجيز هذا الزواج ويعتبره عفة وسنة وحماية للفتاة من شبح العنوسة والعهارة وفرصة لبناء أسرة يمكن أن نباهي بها الأمم.
مشكل اللغة، التي يجب استعمالها في التدريس، لايزال هو الآخر فتيله مشتعلا، بين مؤيد لاستعمال اللغة الدارجة وبين من يتشدد للغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وقد عاش الجميع فترات عصيبة بين التيارين وصلت إلى اتهامات خطيرة لآل عيوش بخدمة أجندة خارجية وقتل ما تبقى من جسد التعليم المترهل، وهنا تحول المشكل التربوي من قضية بيداغوجية إلى مشكل أخلاقي وديني من بعض الإطراف بعد تحميله أكثر من اللازم رغم أن مشكل التعليم هو قضية توجه دولة بأكملها وليس مشكل لغة.
ولايقف الأمر عندا هذا الحد، بل هناك جناح آخر وهم أقلية، والذي يبسط نفوذه على كل المؤسسات والتابع لأمنا فرنسا، يدافع وبشراسة على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة البحث العلمي والحداثة والرقي، وهؤلاء يجدون دعما كبيرا من جهات متعددة في الدولة ويفرضون سلطتهم المادية والثقافية على الجميع وما على الأغلبية من الشعب سوى الامتثال والخضوع لهذه الأقلية.
المجتمع المغربي إذن، يعرف في الآونة الأخيرة، تحولات خطيرة، خصوصا أن فئة الشباب تشكل نسبة الغالبية في الهرم السكاني، وهذه الفئة لحسن أو سوء حظها تعايش أشرس المخترعات التواصلية في القرن الجديد وهي" شبكات التواصل الاجتماعي" ولهذا فهي جد متأثرة بحمولتها وبعصبيتها الافتراضية، وبالجديد من قوانينها ومبادئها المدهشة، وهنا يجب أن نستحضر السحر القوي الذي كان مفعوله قويا على سلوك وعقلية هذه الفئة، بسبب الفرجة والمتعة التي تقدم لهم مجانا من خلالهما، وهو ما سيزيد في عزلتهم اجتماعيا وعاطفيا وخلق عوالم خاصة بهم بعيدة كل البعد عن الواقع، خاضعين بذلك " للإستعمار الإلكتروني " على حد تعبير توماس ماكفيل.
وهنا يجب أن ننتبه جيدا إلى هذا الجيش من الشباب الذي تفاعل مع ثقافة الشبكات التواصلية وما تحمله من قيم جديدة وشعارات في الثورة على كل شيء خصوصا بعد الربيع العربي، ولهذا فدورهم أصبح محوريا في سلم القيم، واستبعادهم أو تغيبهم من خريطة الأمن المجتمعي يعتبر تهديدا حقيقيا للجميع. وعلى هذا الأساس فالشباب هو المعني الأول في إشراكه في لعبة الحلال والحرام التي برزت بقوة هذه الأيام،وكل جهة تحاول أن تفرض سلطتها المادية والمعنوية، وقراراتها الفوقية وتقدم نفسها باعتبارها البديل الحقيقي للشعب المغربي عن طريق الرهبة أو شيطنة الآخر وتكفيره في بعض الأحيان هو إضافة قاتلة في عزلة المجتمع وانغلاقه وتطرفه، ولهذا يجب إعطاء فرصة للمجتمع للتعبير والإدلاء برأيه في كل ما يخصه دون تسفيهه وإقصاءه والتنقيص منه وسد الباب عليه ، حتى لا يتورى إلى الخلف ويحترف الصمت وهذا اكبر انتحار سوف يهدم استقرار الدولة والمجتمع .
تطوير المناهج الدراسية و التحولات في المشهد التربوي المعاصر- إعداد : د. محمد الدريج
أنفاس نت
حدث في العشرين سنة الأخيرة تحول في المشهد التربوي , تمثل أساسا في تغيير الباحثين لمجالات اهتمامهم و ابتعادهم عن الخوض في العديد من المواضيع من مثل الأهداف التربوية , و النقاش الساخن حول موضوع السلطة و النظام داخل المؤسسات التعليمية... فاتجهت البحوث للانشغال ببعض القضايا الجديدة- القديمة, من مثل قضية التمركز حول المتعلم وموضوع طبيعة التعلم و آلياته, والعودة للاهتمام مجددا بالمعرفة و بمحتويات التدريس و بالتنظيمات المنهاجية لمضامينه وغيرها. مما ساهم في ظهور نماذج لمناهج جديدة ، سنعمل على التعريف بها في هذه المداخلة .
كما أن تطور التربية حاليا ، يتميز بعودة الاهتمام بالعنصر البشري وبروز دوره بشكل جديد . إن ما يميز المخطط و الإداري و المرشد و الموجه و المعلم في وقتنا الحاضر ، هو المواجهة المستمرة للمستجدات و للمواقف غير المتوقعة و اتخاذ القرار . كما أصبح عملهم يتميز بالسعي الحثيث نحو تعديل السلوك والتكيف مع تحولات الواقع وضغوطات العمل اليومي ومسايرة في نفس الآن ، ما يصيب المناهج التعليمية من تجديد و تطوير .
فإلى أي حد يتمكن هؤلاء المهنيون ، من التفوق في هذه المواجهة و ينجحون في استيعاب المستجدات و مسايرة مقتضيات تطوير المناهج و تحديث أساليب التخطيط و العمل ؟ وما هي السبل الملائمة لجعلهم يندمجون في العمل بفعالية و يؤدون دورهم التربوي داخل مؤسساتهم بنجاح ؟
الاثنين، 22 فبراير 2016
بلاغ وزارة التربية الوطنية في موضوع إرساء الجهوية المتقدمة في المنظومة التربوية
عن مدونة معلمي
شكل إرساء الجهوية المتقدمة في المنظومة التربوية محور لقاء صحفي عقده اليوم الاثنين بالرباط السيدان وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بن المختار والوزير المنتدب خالد برجاوي.
وتميز اللقاء بتقديم عرض تناول التدابير التي اتخذتها الوزارة كإجراءات سابقة على عملية إرساء الجهوية المتقدمة والمرجعيات المؤطرة لها والأهداف والنتائج المنتظرة من تحقيقها.
ومن أبرز هذه الإجراءات على المستوى التنظيمي، تأطير مجموعة من اللقاءات التواصلية التشاورية الأولية من طرف فريق من المديرين المركزيين خلال شهري أبريل وماي من سنة 2015 على صعيد بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمصالح التابعة لها ، بغاية تقاسم أهم القضايا والمستجدات ذات الصلة بالموضوع، وتكوين لجنة مركزية لقيادة وتتبع مسار إحداث الأكاديميات الجهوية وفق التقسيم الجهوي الجاري به العمل ، ولجنة تقنية وفرق عمل مركزية لأجرأة التدابير العملية المتعلقة بإرساء الأكاديميات في صيغتها الجديدة والتنسيق مع اللجان الجهوية.
وفي نفس السياق، أصدرت الوزارة مذكرة تأطيرية تتضمن العدة اللازمة لتسليم السلط بين الأكاديميات القائمة والأكاديميات المحدثة، إلى جانب تنظيم مجموعة من اللقاءات التحسيسية والتأطيرية وأيام دراسية بخصوص محاور خارطة الطريق وكذا مشاريع برامج العمل الجهوية والإقليمية والإجراءات اللازمة لتنزيلها.
وعلى المستوى المؤسساتي، تم نشر القانون رقم 71.15 بتغيير وتتميم القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بالجريدة الرسمية، والمصادقة على المرسوم القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والمرسوم المتعلق بتحديد قائمة ومقرات ودوائر النفوذ الترابي للأكاديميات ، وكذا المصادقة على القرارات المتعلقة بهيكلة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين المحدثة وفق التقطيع الجهوي الجديد من أجل الرفع من أدائها وتحسين حكامتها والفصل بين المهام والعمليات غير المتجانسة كفصل مجال الموارد البشرية عن مجال الشؤون الإدارية والمالية كما كان معمولا به في الهيكلة القديمة.
وقد مكنت الهيكلة الجديدة من اعتماد هيكلة مندمجة لجميع الأكاديميات تتضمن 5 أقسام و17 مصلحة بالنسبة للصنف الأول من الأكاديميات، وقسمين و11 مصلحة بالنسبة للصنف الثاني. كما تم اعتماد ثلاثة أصناف في هيكلة المديريات الإقليمية ( النيابات سابقا)، صنف يتألف من 9 مصالح وصنف ثاني يتكون من 7 مصالح ، فيما يشمل الصنف الثالث 5 مصالح.
وعرفت الهيكلة الجديدة ارتفاعا في عدد الأقسام بنسبة 17 في المائة و في عدد المصالح بنسبة 68 في المائة، وكذا إحداث بنيات إدارية جديدة منها المركز الجهوي لمنظومة الإعلام والوحدة الجهوية للافتحاص والمركز الجهوي للامتحانات والمركز الجهوي للتوجيه المدرسي والمهني ومصلحة الشؤون القانونية والشراكة ومصلحة الدعم الاجتماعي ، بالإضافة إلى مصلحة التواصل وتتبع أشغال المجلس الإداري ، فضلا عن اعتماد تسمية جديدة للمصالح الإقليمية للأكاديميات (مديريات إقليمية عوض نيابات إقليمية)، مع الحفاظ على نفس المهام والاختصاصات والنفوذ الترابي.
و قامت الوزارة على مستوى التدبير المادي والمالي، بتحضير مشاريع ميزانيات الأكاديميات برسم سنة 2016 والوثائق المصاحبة لها بشكل استباقي قصد اعتمادها في أقرب الآجال، وباستكمال الإجراءات المتعلقة بفتح حساباتها الجديدة والمصالح التابعة لها.
إلى ذلك كشفت الوزارة عن بعض الإجراءات التي ستعمل على تنفيذها قريبا، منها تمكين الأكاديميات من أداء مستحقات الأغيار( المقاولات والموردون والخدماتيون) وتعيين وإعادة تعيين رؤساء الأقسام والمصالح على المستوى الجهوي والإقليمي، واستكمال تشكيل المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية بتعيين الأعضاء المتخبين،إلى جانب إعداد برنامج تكويني للمسؤولين الجهويين والإقليميين قصد الرفع من قدراتهم التدبيرية.
نظرية التطور حقيقة علمية مصطفى عابدين
علومي
ظرية التطور حقيقة علمية مثبتة أكثر من أي نظرية علمية حتى الآن. هذا يعني أن فهمنا لنظرية التطور يفوق فهمنا للجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين الضعيفة و القوية و غيرها من المسلمات العلمية. القارئ العربي غير ملام بعدم فهم النظرية بسبب كمية التضليل المنتشر حول النظرية و بسبب فقر المحتوى العلمي العربي على الإنترنت.
هذا المقال هو محاولة متواضعة مني لأضع بين أيديكم ما أعرفه حول نظرية التطور. أعرف الكثير من الأصدقاء الذين يقبلون بالنظرية لكنهم غالباً ما يجدون أنفسهم عاجزين عن تفسيرها أو شرحها للمشككين. الهدف من المقال هو تبسيط الأفكار الاساسية من هذه النظرية و و ضع أشهر المغالطات و المفاهيم الخاطئة التي مرت معي حولها.
نظرية التطور هي نظرية علمية تفسر لنا محور التنوع الحيوي ولا تتطرق لموضوع نشأة الحياة ولا تقدم أي ادعاء في هذا الشأن. الكثير من الناس الذين لا يفهمون النظرية يطرحون أسئلة حول موضوع نشأة الحياة في محاولة لدحض نظرية التطور وهذه مغالطة مشهورة لأن التطور غير معنية بهذا المحور. أيضاً يوجد مفهوم سائد أن اثبات نظرية التطور متعلق بالأحافير ولكن هذا غير صحيح اطلاقاً وسيكتشف القارئ ضمن المقال كيف أن الأحافير لا تعتبر من الأدلة الأساسية التي تعتمدها النظرية لكنها أدلة اضافية نضعها ضمن الترسانة الهائلة من الأدلة التي تثبت النظرية.
ضمن هذه المقالة سأخصص فقرة كاملة لتلخيص كل ما يتوجب فعله أو اثباته في سبيل دحض نظرية التطور. وذلك لأن أي نظرية علمية تقدم افتراض عليها أيضاً وضع افتراض مناقض إن تحقق تكون النظرية باطلة بسببه. أخيراً و قبل البدء، أود أن أنوه لنقطة وهي أن كلمة نظرية علمية لا تعني تخمين علمي وإنما تجسد أعلى قيمة معرفية علمية موجودة لدينا. النظرية العلمية خلافاً لما هو سائد بين العامة هي مظلة فكرية تتألف من حقائق علمية مثبتة بأدلة تمكننا من توقع نتائج مستقلبية قابلة للتأكد منها و تكرار نتائجها. المقال طويل بعض الشيء و قد يحتاج القارئ أن يقرأه ضمن عدة مراحل.
الأحد، 21 فبراير 2016
الفرنسية في المغرب عقدة وليست لغة ـ حمودة إسماعيلي
عن أنفاس نت
إذا تحدثنا عن الدولة المغربية، فإن هناك فئة اجتماعية لربما لا تعتبر نفسها مغربية بقدر ما هي فرنسية أو كتوضيح أدق، فرنسيون بنكهة مغربية. طبعا سنفهم أكثر إذا عدنا لهيغل واستدعينا معه فوكوياما حينما يقوم هذا الأخير بناءً على مشروع الأول بتعريف التاريخ الإنساني انطلاقا من سعي الناس لفرض الاحترام الذاتي، من ضمن ذلك يرى فوكوياما أن من شروط هذا الاحترام عند البعض هو "اللامساواة"، حتى يظلوا أفضل من غيرهم. هنا تحقق اللغة الفرنسية للفئة ـ التي نطوقها بالحديث هنا ـ ذلك عن طريق جعلهم شبيهين بالفرنسيين، طالما أن هناك بأعماق العقل المغربي، صدمة كامنة عن تفوق الفرنسي ـ والثقافة الفرنسية إجمالا ـ منذ ما قبل الاستقلال، ومحاولة التأقلم الصدموي (المرضي) مع ذلك بمرحلة ما بعد الاستعمار.
لا أود الخوض في الحديث الممل، عن الأفق الذي يفتحه إتقان اللغة الفرنسية بالمغرب ـ خاصة بالنسبة لفئة الشباب ـ والعنصرية المموَّهة تجاه من لا يجيدون التحدث بالفرنسية ببعض المؤسسات والمراكز بالدولة، إضافة للاحترام الروحاني لكل ما يمت لثقافة جون جاك الروسو السوداوي بصلة !
لا أود الخوض في الحديث الممل، عن الأفق الذي يفتحه إتقان اللغة الفرنسية بالمغرب ـ خاصة بالنسبة لفئة الشباب ـ والعنصرية المموَّهة تجاه من لا يجيدون التحدث بالفرنسية ببعض المؤسسات والمراكز بالدولة، إضافة للاحترام الروحاني لكل ما يمت لثقافة جون جاك الروسو السوداوي بصلة !
إذا كانت اللغة الألمانية لغة الفلسفة، والعربية لغة الشعر، فإن اللغة الفرنسية هي لغة الأدب والحب (الرومانسية) ـ حسب رأي النقاد ـ رغم أن الماليخوليا (الاكتئاب) هيمنت على معظم الكتابات الفرنسية منذ روسو مرورا بسارتر لغاية شطحات أونفري المنتصر للكلبية المضحكة كإعادة بعث للجو اليوناني العبثي الساخر ضد الغم الباريسي، كما فعل فولتير مع تحفظه البرجوازي بالعمق !
إن للموضوع تاريخاً، فبعودتنا لعقود نجد المهدي المنجرة قد كتب : "ما أنتقده، ليس هو اللغة الفرنسية، لأنني استعمل هذه اللغة، وأكتب بها كما أكتب بغيرها، وأنا شديد الاعتزاز بمعرفتها، ولن يخطر ببالي أن ننتقد لغة قدمت الشيء الكثير لتاريخ البشرية.. ولكني أنتقد مفهوما سياسيا، يكتسي طابعا استعماريا جديدا، لا يقبل واقع تطور الأشياء ويريد التعلق بشيء نبيل مثل اللغة الفرنسية من أجل استعمالها كوسيلة للتفاوض من أجل إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، ومنع التغيير في بعض البلدان، بل أكثر من ذلك، استعمالها كوسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم.
لم يحدث أبدا، بالنسبة لأبناء جيلي، صراع في هذا المجال. كنا نذهب في الصباح إلى المسيد. ثم نذهب إلى مدرسة أبناء الأعيان ثم إلى الثانوية، كنا نتابع دروسا للغة العربية بالثانوية، وكنا نتابع دروسا إضافية في أماكن أخرى، ولم يخطر ببالنا إطلاقا ـ على الأقل بالنسبة لأبناء جيلي ـ أن هناك تعارضا بين اللغتين. الشيء الوحيد الذي كنا نعرفه هو أن اللغة العربية، هي اللغة الأم، هي منبع جذورنا، والتجسيد الحي لهويتنا، أما اللغة الفرنسية أو الإسبانية (في المنطقة الشمالية) فهي تفتح لنا نوافذ على ثقافات أخرى. لم يكن هناك تناقض أو تعارض على الإطلاق. هذا النقاش الذي نعيشه حاليا حول العربية والفرنسية، هو مشكل مصطنع، افتعله أناس يحرصون على الدفاع عن اللغة الفرنسية، بمنطق الذي لا يقبل شريكا. أنا أو لا شيء. الفرانكوفونية أو لا شيء. هذا غير معقول! "(1).
ينكشف مكمن الخلل، حين يقول : "في هذا العالم الفرنكوفوني، نعيش مع أشخاص مستلبين ثقافيا، سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوا، والملجأ الوحيد أمامهم هو القول بأنهم مع اللغة الفرنسية أو مع اللغة العربية، وهو نقاش زائف.. في هذه الحالة ما على خصوم هذه اللغة إلا أن يحملوا حقائبهم ويتوجهوا إلى حيث يتحدث الناس سوى تلك اللغة التي يعشقونها.. فالأبواب مفتوحة، وهناك حرية تنقل، في هذا البلد، هناك طائرات، وأسعار خاصة، ورحلات، فليذهبوا.. ليس هناك مبرر بالنسبة لأشخاص لا يتملكون ثقافة بلدهم ولا يشعرون بالراحة فيه، لأن يتعلقوا بمفهوم ثقافي خاطئ ولا علاقة له بحب اللغة الفرنسية أو بالدفاع عنها، بل بالعكس، بهذه الوسيلة يتم تحديد مجموعة من المهمشين، الذين يوجدون خارج السياق العام لبلدهم، والذين لا يوجدون إلا في هذه الأوساط، ولا يمكنهم بالتالي أن يقدموا أو يساهموا بأي شيء. وبالخصوص للغة الفرنسية، لأنني أفضل أن أقرأ لشخص من أصل فرنسي، يعبّر عن اللغة والثقافة الفرنسية، أكثر مما أفضل القراءة لفرنسي زائف، اختار هذا النهج كنوع من التعويض ـ كما يقال في علم النفس ـ لأنه لم يستطع أن يكون شيئا آخر. إنني أفضل الرجوع إلي النبع. لماذا تريدون أن تفرضوا علي كُتّاباً رديئين بالفرنسية، فقط لأنهم يعتبرون فرانكوفونيين، وثم تشجيعهم بمنح دراسية، ويذهبون إلى المرافق الثقافية الفرنسية، وتفتح أمامهم كل الأبواب. وهم في الحقيقة، لا يتقنون لغتهم الوطنية، كما لا يتقنون اللغة الفرنسية، فنحن إذن أمام سياسة ثقافية تسيء إلى فرنسا، لأنها لا تهدف إلى تحقيق أهداف ثقافية، بل إنها تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية"(2).
لم تهيمن اللغة الفرنسية فقط على مساحة اللغات الأخرى بالجو العام والأنتلجسي (الثقافي)، بل يُنظَر بغرابة تتضمن دونية ـ من جانب الفئة المشار إليها ـ لمن لا يجيد الفرنسية، حتى لو كان يجيد 10 لغات ـ بنفس الوقت ـ غيرها.
أستغرب أحيانا من تصرف بعض الناس، والذين ما أن يلمسوا أن لك علاقة بالفكر أو بالثراء المادي حتى يبدأوا بإدخال بعض المصطلحات الفرنسية ـ بالحديث ـ أو التحدث بها بطريقة أسوء من طفل فرنسي في الخامسة من عمره ! هل ذلك حتى يزرع فكرة أنه ينتمي للفئة الفرنكوفونية ـ المثقفة والغنية حسب مفهومه ؟! أو كانسحاب فوري من طبقته الأصلية ـ الحقيرة حسب مفهومه أيضا ؟ فما إن تدخل مكانا راقيا، أكان مؤسسة أو مطعما (قد تجد مالكه خليجي!)، حتى تتغير لهجة الناس ولغتهم، يكافح البعض حتى بإدخال مفردات قليلة فرنسية ضمن حديثه، أو كأضعف إيمان يشكّل لهجته الدارجة حتى تُشابه دارجة الفرنسيين الذين يتحدثون المغربية بصعوبة (كأطفال الروضة).
لا يقف الأمر هنا، بل حتى في محطات القطار "يتفرنس" المغربي، وكأن وضع القدم فوق الأرضية الرخامية يشترط لغة بودلير. إن أغرب ما في الأمر هو قدوم شخص عندك، وهو يدرك أنك مغربي، وأنت أيضا تدرك أنه مغربي، وكلاكما في محطة مغربية، ويسألك أو يطلب منك شيئا باللغة الفرنسية! إذن فيما تصلح الدارجة المغربية؟ إصلاح السيارات؟! للتدليك في الحمام؟!
وإن لم تفهم ما قاله فإن الإحراج يقع عليك! لأنك غير مثقف ما يعني غير مؤدب. العقدة هنا ربطت كل ما هو راقي ومتحضر وجمالي، بما هو فرنسي.
أن تكون مغربيا ولا تتقن اللغة الفرنسية، فهذا لا ينتقص منك. لست ملزما حتى بتعلمّها أو إتقانها، إلا بقدر إلتزامك نحو لغات أخرى أبرزها الإنجليزية.
هوامش :
1 : الاتحاد الاشتراكي ـ 19 و26 فبراير 1989.
2 : المصدر السابق.
إن للموضوع تاريخاً، فبعودتنا لعقود نجد المهدي المنجرة قد كتب : "ما أنتقده، ليس هو اللغة الفرنسية، لأنني استعمل هذه اللغة، وأكتب بها كما أكتب بغيرها، وأنا شديد الاعتزاز بمعرفتها، ولن يخطر ببالي أن ننتقد لغة قدمت الشيء الكثير لتاريخ البشرية.. ولكني أنتقد مفهوما سياسيا، يكتسي طابعا استعماريا جديدا، لا يقبل واقع تطور الأشياء ويريد التعلق بشيء نبيل مثل اللغة الفرنسية من أجل استعمالها كوسيلة للتفاوض من أجل إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، ومنع التغيير في بعض البلدان، بل أكثر من ذلك، استعمالها كوسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم.
لم يحدث أبدا، بالنسبة لأبناء جيلي، صراع في هذا المجال. كنا نذهب في الصباح إلى المسيد. ثم نذهب إلى مدرسة أبناء الأعيان ثم إلى الثانوية، كنا نتابع دروسا للغة العربية بالثانوية، وكنا نتابع دروسا إضافية في أماكن أخرى، ولم يخطر ببالنا إطلاقا ـ على الأقل بالنسبة لأبناء جيلي ـ أن هناك تعارضا بين اللغتين. الشيء الوحيد الذي كنا نعرفه هو أن اللغة العربية، هي اللغة الأم، هي منبع جذورنا، والتجسيد الحي لهويتنا، أما اللغة الفرنسية أو الإسبانية (في المنطقة الشمالية) فهي تفتح لنا نوافذ على ثقافات أخرى. لم يكن هناك تناقض أو تعارض على الإطلاق. هذا النقاش الذي نعيشه حاليا حول العربية والفرنسية، هو مشكل مصطنع، افتعله أناس يحرصون على الدفاع عن اللغة الفرنسية، بمنطق الذي لا يقبل شريكا. أنا أو لا شيء. الفرانكوفونية أو لا شيء. هذا غير معقول! "(1).
ينكشف مكمن الخلل، حين يقول : "في هذا العالم الفرنكوفوني، نعيش مع أشخاص مستلبين ثقافيا، سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوا، والملجأ الوحيد أمامهم هو القول بأنهم مع اللغة الفرنسية أو مع اللغة العربية، وهو نقاش زائف.. في هذه الحالة ما على خصوم هذه اللغة إلا أن يحملوا حقائبهم ويتوجهوا إلى حيث يتحدث الناس سوى تلك اللغة التي يعشقونها.. فالأبواب مفتوحة، وهناك حرية تنقل، في هذا البلد، هناك طائرات، وأسعار خاصة، ورحلات، فليذهبوا.. ليس هناك مبرر بالنسبة لأشخاص لا يتملكون ثقافة بلدهم ولا يشعرون بالراحة فيه، لأن يتعلقوا بمفهوم ثقافي خاطئ ولا علاقة له بحب اللغة الفرنسية أو بالدفاع عنها، بل بالعكس، بهذه الوسيلة يتم تحديد مجموعة من المهمشين، الذين يوجدون خارج السياق العام لبلدهم، والذين لا يوجدون إلا في هذه الأوساط، ولا يمكنهم بالتالي أن يقدموا أو يساهموا بأي شيء. وبالخصوص للغة الفرنسية، لأنني أفضل أن أقرأ لشخص من أصل فرنسي، يعبّر عن اللغة والثقافة الفرنسية، أكثر مما أفضل القراءة لفرنسي زائف، اختار هذا النهج كنوع من التعويض ـ كما يقال في علم النفس ـ لأنه لم يستطع أن يكون شيئا آخر. إنني أفضل الرجوع إلي النبع. لماذا تريدون أن تفرضوا علي كُتّاباً رديئين بالفرنسية، فقط لأنهم يعتبرون فرانكوفونيين، وثم تشجيعهم بمنح دراسية، ويذهبون إلى المرافق الثقافية الفرنسية، وتفتح أمامهم كل الأبواب. وهم في الحقيقة، لا يتقنون لغتهم الوطنية، كما لا يتقنون اللغة الفرنسية، فنحن إذن أمام سياسة ثقافية تسيء إلى فرنسا، لأنها لا تهدف إلى تحقيق أهداف ثقافية، بل إنها تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية"(2).
لم تهيمن اللغة الفرنسية فقط على مساحة اللغات الأخرى بالجو العام والأنتلجسي (الثقافي)، بل يُنظَر بغرابة تتضمن دونية ـ من جانب الفئة المشار إليها ـ لمن لا يجيد الفرنسية، حتى لو كان يجيد 10 لغات ـ بنفس الوقت ـ غيرها.
أستغرب أحيانا من تصرف بعض الناس، والذين ما أن يلمسوا أن لك علاقة بالفكر أو بالثراء المادي حتى يبدأوا بإدخال بعض المصطلحات الفرنسية ـ بالحديث ـ أو التحدث بها بطريقة أسوء من طفل فرنسي في الخامسة من عمره ! هل ذلك حتى يزرع فكرة أنه ينتمي للفئة الفرنكوفونية ـ المثقفة والغنية حسب مفهومه ؟! أو كانسحاب فوري من طبقته الأصلية ـ الحقيرة حسب مفهومه أيضا ؟ فما إن تدخل مكانا راقيا، أكان مؤسسة أو مطعما (قد تجد مالكه خليجي!)، حتى تتغير لهجة الناس ولغتهم، يكافح البعض حتى بإدخال مفردات قليلة فرنسية ضمن حديثه، أو كأضعف إيمان يشكّل لهجته الدارجة حتى تُشابه دارجة الفرنسيين الذين يتحدثون المغربية بصعوبة (كأطفال الروضة).
لا يقف الأمر هنا، بل حتى في محطات القطار "يتفرنس" المغربي، وكأن وضع القدم فوق الأرضية الرخامية يشترط لغة بودلير. إن أغرب ما في الأمر هو قدوم شخص عندك، وهو يدرك أنك مغربي، وأنت أيضا تدرك أنه مغربي، وكلاكما في محطة مغربية، ويسألك أو يطلب منك شيئا باللغة الفرنسية! إذن فيما تصلح الدارجة المغربية؟ إصلاح السيارات؟! للتدليك في الحمام؟!
وإن لم تفهم ما قاله فإن الإحراج يقع عليك! لأنك غير مثقف ما يعني غير مؤدب. العقدة هنا ربطت كل ما هو راقي ومتحضر وجمالي، بما هو فرنسي.
أن تكون مغربيا ولا تتقن اللغة الفرنسية، فهذا لا ينتقص منك. لست ملزما حتى بتعلمّها أو إتقانها، إلا بقدر إلتزامك نحو لغات أخرى أبرزها الإنجليزية.
هوامش :
1 : الاتحاد الاشتراكي ـ 19 و26 فبراير 1989.
2 : المصدر السابق.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)