ذ:سليمان لبيب مدير ثانوية إعدادية بنيابة إنزكان أيت ملول موقع تربويات
في إطار التنزيل الأولي للرؤية الإستراتيجية2015/2030 لإصلاح منظومة التربية والتعليم،وفي سياق ماجاء به تقريرالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي،يعتبرتدبير عتبات الانتقال بين المستويات والأسلاك التعليمية من بين التدابير ذات الأولوية التي فتحت الوزارة الأوراش الكفيلة بتفعيلها وتنفيذها خلال الفترة الممتدة مابين 2015إلى 2018 ضمن مشروعها التربوي المرحلي، ويأتي هذا التدبير لمعالجة إحدى الإشكاليات الرئيسية التي تعاني منها المنظومة التربوية، والمتمثلة في إشكالية انتقال عدد من التلاميذ من مستوى تعليمي لآخر دون حصولهم على الحد الأدنى من التحكم في التعلمات الأساسية،ويعتبر الكثير من المهتمين بالشأن التربوي في المدرسة المغربية إلغاء توحيد عتبة النجاح أحد أهم العوامل في تدني مستوى التلاميذ وتراجع مستوى التعليم المغربي عموما منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، حيث أصبح انتقال التلاميذ من مستوى لآخر أمرا سهلا ولو بمعدلات متدنية ودون الحصول على الكفايات الأساسية التي تؤهلهم للنجاح والإنتقال إلى المستوى الأعلى مماعمق شكل التأخر الدراسي ووسع دائرة الهدر المدرسي، فصار تحديد عتبة النجاح يتم بحسب كل مؤسسة أو نيابة بناء على الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة،واعتمادا على الخريطة المدرسية سعيا لاستكمال المتعلم لسنوات التمدرس الأساسية ...وقد ساهم هذا الإجراء في تراجع نسبة المغادرين للمؤسسات التعليمية ،لكنه أثر سلبا على جودة النتائج إذ تدنى مستوى المتعلمين في الفصول الدراسية وانعدم التنافس بين التلاميذ مادام أن الكل قد ضمن النجاح في نهاية السنة الدراسية،أضف إلى ذلك ما جاءت به المذكرة الوزارية118بتاريخ 25/9/2003 الهادفة إلى الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من التلاميذ داخل النظام التربوي من أجل محاربة الهدر المدرسي بسبب الفصل أو الإنقطاع عن الدراسة وإنقاذ هذه الفئة من الانحراف والضياع، لكن في المقابل كانت لها أيضا انعكاسات سلبية على المنظومة ، وتتمثل في تكريس الإكتظاظ وارتفاع نسبة العنف بمختلف تجلياته في المؤسسات ومحيطها وخاصة بين صفوف المستفيدين من إعادة التمدرس.
وأمام هذا الوضع تسعى وزارة التربية الوطنية إلى تفعيل ثاني تدابيرها ذات الأولوية المتعلق بتحديد عتبة الإنتقال بين الأسلاك والمستويات التعليمية ،إلا أن التنزيل الفعلي لهذا الإجراء تعترضه مجموعة من الإكراهات والتراكمات الكثيرة،لأن المتعلم تعود النجاح دون التمكن من الكفايات الدنيا والأساسية ،إلا أن التخوف المحتمل هو أن تبقى هذه العملية حبيسة تفاصيل المذكرة التي هي عبارة عن تشخيصات وتدخلات داعمة واستثمارات للنتائج وتنسيقات وتقارير مرفوعة إلى الجهات الوصية في أفق 2017/2018 موسم التنزيل النهائي.
لكل هذا سيكون التعامل مع تدبير العتبة في الأسلاك التعليمية ليس بالأمر السهل حيث أن هذا الإجراء يتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين داخل وخارج المؤسسة، مما يحتم إجراءات مصاحبة من أهمها التقييم التربوي الذي يعتبر أحد المكونات الأساسية والمرتكزات الهامة التي تقوم عليها منظومة التربية والتكوين ،ومن خلالها يتم الكشف عن قدرات وكفاءات المدرسين وطريقة انجازهم للمقررات والمناهج الدراسية ،ويتوج هذا في مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ عبر إصدار أحكام قيمة بناء على الكفايات التي تترجم مدى تمكنهم من استيعاب الدروس المقررة والمنجزة ،مما يكشف أيضا عن مواطن الضعف والقوة لدى التلميذ خلال تعلمه وتحديد الصعوبات التي تواجه المدرس من أجل البحث عن طرائق واستراتيجيات ناجعة تمكنه من تطوير عمله وتجاوز الاختلالات التي تطال العملية التربوية سواء في المناهج أوالمقررات.
ورغم كل ما أشير إليه فلا يمكن اتخاذ قرارات تربوية ومدرسية وإدارية موضوعية في حق التلاميذ ،مادامت العملية التربوية وعملية التقييم التربوي غير خاضعتين لشروط معينة تتجلى في وضع حد لظواهر الغش والعنف والشغب والاكتظاظ والأقسام المشتركة ...وإيلاء نفس العناية والاعتناء لنوع التعليم والبنايات المدرسية والفضاءات التربوية وتوحيد الإمتحانات الكتابية والشفوية والتطبيقية ،وتوحيد ظروف التمرير وعمليات التصحيح وإصدار الأحكام على إنتاجات التلاميذ محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا بشكل متكافئ وبنفس الشروط.
ومن هنا نستنتج أن عتبة النجاح المعتمدة لاتخاذ قرارات الانتقال من مستوى دراسي لآخر ،تستدعي توحيد مختلف عناصر العملية التربوية ومكوناتها ،كما تتطلب التطبيق الموحد على صعيد كل مستوى دراسي على حدة ،وذلك وفق الشروط التالية:
1-توحيد الأطر المرجعية على صعيد الكتب المدرسية من حيث المحتويات ومناهج التدريس.
2-توحيد الأسئلة الاختبارية على كل مستوى دراسي معين.
3-توحيد ظروف تمرير وإنجاز الفروض المحروسة والإختبارات الكتابية الدورية مع توحيد عملية التصحيح ومعيرتها.
4-إعداد فضاءات جذابة متقاربة المواصفات لجميع المؤسسات التعليمية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
5-تجهيز المختبرات بنفس الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية مع القيام بنفس التجارب والأشغال التطبيقية.
6-مراجعة أنظمة التقييم لتجاوز اختلالاتها في أفق الوصول إلى درجة ربط المراقبة المستمرة بمستوى التحصيل الفعلي للمتعلمين على نحو يكفل تكافؤ الفرص بين الجميع.
7-توسيع إمكانيات توظيف التقييم التكويني والتشخيصي أكثر من التقييم الجزائي ،مع تحديد عتبة التعلمات اللازمة للإنتقال إلى المستوى الأعلى بدل اعتماد منطق الخريطة المدرسية.
8-إعادة النظر في نظام التوجيه التربوي والمهني بتحديثه وتطوير مفهومه وطرقه وأساليبه الحالية مع تأهيل موارده للإضطلاع بأدوارهم التربوية والوظيفية التي تمكنهم من القيام بمهام الدعم البيداغوجي المستدام،بالإعتماد المبكر على التوجيه لمصاحبة المتعلم في بلورة مشروعه الشخصي منذ السلك الابتدائي إلى غاية التعليم الجامعي ،وإرساء إطار للتوجيه من التعليم المدرسي نحو شعب التكوين المهني،يأخذ بعين الاعتبار المشروع الشخصي للتلميذ وميوله نحو التكوين المهني ،وآليات التوجيه ينبغي أن تعتمد على الروائز بدل المعدلات ،مع مراعاة ميول وقدرات المتعلمين أساسا ومشاريعهم الشخصية وتوفير بنيات وشروط العمل.
وعلاقة بهذه الشروط المذكورة فلا يمكن أن نغفل عملية الدعم التربوي الذي يبدأ عند لحظة انتهاء التقييم حيث يتوجب تشخيص أسباب النتائج المتعثرة أوالناقصة التي أسفرعنها التقييم ،والتدخل يكون من أجل تصحيح المسار سواء تعلق الأمر بمحتوى التعليم وطرائقه أو بمردودية المتعلم ونتائجه.لذا فالدعم التربوي يعني تصحيح وضعية التعثر والنقص عند التلاميذ المتعثرين ،مما يقتضي استراتيجية تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص وتقليص الفوارق بين فئات القسم الواحد وبين المستويات نفسها داخل المؤسسة الواحدة،بغية الحصول على الجودة التربوية عن طريق انتقال التلاميذ بمعدلات حقيقية تعكس مدى تحكمهم في التعلمات الأساسية،ممايضمن حقهم في متابعة دراستهم في ظروف تربوية جيدة ،وهي الأهداف التي تسعى وزارة التربية الوطنية إلى تحقيقها خلال تنزيل وأجرأة الرؤية الإستراتيجية 2015/2030 التي خصت الدعم البيداغوجي حيزا مهما في علاقته بتحسين عتبة النجاح.ولتحقيق هذه الأهداف عن طريق دعم ناجع وفعال،يجد الأستاذ نفسه رغم إكراه الوقت والضغوطات المختلفة ملزما بتوفير الظروف الضرورية والوسائل الكفيلة للشروع في تنفيذ استراتيجية وقائية وعلاجية لتعثرات التلاميذ وفق برنامج دقيقة أهدافه،واضحة معالمه،وقابل للتقييم الذي يأتي بعد تشخيص التعثرات،وهكذا تصبح عمليات التشخيص والتقييم والدعم عناصر متكاملة ومرتبطة ارتباطا متينا،ولتوفير أسباب النجاح لهكذا تدابير فلابد من إدماجها في مشروع المؤسسة والشراكة التربوية على أساس الإستفادة من إمكانيات كل الجهات المتدخلة في المنظومة التربوية،كما أن عمليات التقييم لاينبعي أن تنحصر فقط على أداء التلاميذ ،بل ينبغي أن تشمل أيضا أداء المدرسين والمؤسسات التعليمية وكل الشركاء في شأن التربية والتكوين ،من أجل مدرسة جديدة تواكب طموحات وانتظارات الناشئة الصاعدة.