الأربعاء، 3 فبراير 2016

مدخل إلى علم الاجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية

الكاتب : نجيب زوحى عن تعليم جديد


لقد ركزت جل نظريات التعلم على البعد الفيسيولوجي و العقلي و العاطفي للطفل بشكل يعتبره متحكما في ميكانيزمات تعلمه و طرق اكتسابه للمهارات و المعارف. لكن و موازاة مع ذلك، يعيش الإنسان عموما حياته في جماعة أو جماعات لها مرجعيات دينية و ثقافية مختلفة يتأثر بها و يتحدد سلوكه الاجتماعي على أساس السلوك العام المتفق عليه داخلها و التي قد تفرضه العادات و الأعراف و القوانين…
البعد الاجتماعي إذن يكسب الطفل تلك المعايير و القيم و التي على أساسها يوجه سلوكاته و يتفاعل مع الآخرين، من خلال الأدوار الاجتماعية التي يكتسبها تدريجيا عبر مراحل عمرية مختلفة و التي تشكل في الأخير شخصيته بكل التعقيدات التي تحتويها.
علم الاجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية جاءت لتمدنا بأبحاث و دراسات تهتم بمعرفة دوافع السلوك الاجتماعي لدى الطفل و علاقته مع بيئته الاجتماعية المحيطة بغية فهم هذا السلوك و وصفه و التنبؤ به و التحكم فيه و تطويعه لخدمة أهداف تربوية تمكن من الإلمام بجوانب قد تكون مصيرية بالنسبة لمسار الطفل في اكتساب التعلمات و المهارات و المعارف الضرورية، و الاندماج في المجتمع بطريقة لا تقصي اختلافاته الفردية و لا خصوصياته الثقافية.
فما هي سوسيولوجيا التربية ؟ و ماهي مجالات اهتمامها ؟ وأهم المقاربات التي ربطت علم الاجتماع بالتربية ؟

1- تعريف سوسيولوجيا التربية :

يعرف Edward Ezewu في كتابه Sociology of Education علم الاجتماع التربوي بأنه :
” دراسة علمية للسلوك الإنساني ضمن مجموعات متعاقدة على عدد من أشكال التنظيم والتي على أساسها تحدد طبيعة تصرفات الأفراد، ومن خلالها تستنبط مختلف النظريات التي تصف أنماط السلوكات الملاحظة داخل البيئات التعليمية”.
و يقول جورج باين بأن علم الاجتماع التربوي :
” هو العلم الذي يصف ويفسر النظم و الطوائف و العمليات الاجتماعية، ويُقَيِّم طبيعة العلاقات التي يكتسب الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه و يقوم بتنظيمها “.
أما روني أوبير René Hubert فقد عرف سوسيولوجيا التربية على أنها :
” الدراسة المقارنة لشروط عمل مختلف الأنظمة المدرسية وأشكال تكيفها مع الظروف العامة للبيئة الاجتماعية و أوجه إسهامها في الحفاظ على هذه البيئة الاجتماعية أو في تغييرها… “.
و يرى إميل دوركايم و هو من رواد علم الاجتماع الحديث أن :
” التربية تقوم على أساس التنشئة الاجتماعية الممنهجة التي تمارسها الأجيال السابقة أو الراشدة على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد لمواجهة تحديات المجتمع من خلال تنمية التفاعل الفيسيولوجي و الفكري و الأخلاقي لدى الطفل والذي يتطلبه المحيط الثقافي و السياسي العام و الوسط الاجتماعي الخاص”.
تعريف ويكيبيديا: علم الاجتماع التربوي هو دراسة تأثير المؤسسات العامة و الخبرات الفردية على مخرجات عملية التربية و التعليم. و تهتم خصوصا بأنظمة التعليم العمومية في المجتمعات الصناعية الحديثة.

2- مجالات تدخل سوسيولوجيا التربية و أهدافها :

التربية عموما تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح اجتماعيا، ومن هذا المنطلق فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بدراسة الأنظمة التربوية و الظواهر المدرسية و دورها في تغيير المجتمع من خلال علاقتها مع الأسرة و المحيط… و تأثرها بالمرجعية الثقافية و الدينية… و تفاعلها مع الظروف السياسية و الاقتصادية …
إن سوسيولوجيا التربية تركز على ثلاثة عناصر رئيسية و هي : مدخلات التربية ( المتعلمون و رجال التعليم و أطر الإدارة و الآباء و المفتشون…)، وآلياتها البيداغوجية و الديداكتيكية، ومخرجاتها ( التقويم، والانتقاء، و الاصطفاء…).

أ- مجال المدخلات :

– المتعلم : و تنكب الدراسة هنا على العوامل الفيسيولوجية و النفسية و الاجتماعية، كالسن والجنس و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط الاجتماعي …
– هيأة التدريس والإدارة : يتم التركيز هنا على مختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون نتيجة لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و إكراهات مختلفة أو بعوامل نفسية و اجتماعية.

ب- مجال المخرجات :

– القيم و المعارف: و ذلك من خلال إدراج منظومة هرمية متكاملة من القيم و المواد الدراسية تتخللها قواعد صريحة أو ضمنية، نظرية أو تطبيقية و التي تشكل لاحقا الهوية المدرسية لمتعلمين مستعدين للاندماج اجتماعيا.
– البيداغوجيا و طرق التدريس: حيث يهتم علم الاجتماع التربوي بطرق تمرير المحتويات و إدارة التعلمات و تقنيات التنشيط المختلفة، و بتكنولوجيا التعليم الحديثة و تقنياتها و كل ما من شأنه التحكم في آليات التفاعل بين الطلاب أنفسهم و بين الطلاب و المعلم دون إغفال الإطار الزماني و المكاني للعملية التعليمية التعلمية.
– التقويم: بما أن للتقويم دورا في اتخاذ القرارات الخاصة بانتقاء الأفراد وتصنيفهم واصطفائهم، فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بالقواعد الظاهرة أو الكامنة للتقويم من أجل توظيفها في مجالات متنوعة كالمجال التربوي أو المهني أو العسكري…
هناك بالطبع مجالات أخرى اهتم بها علم الاجتماع التربوي من قبيل تحليل و تقييم الأنظمة التعليمية و المناهج التربوية وعلاقتها بسوق العمل، وكذلك البحث في المرجعية السوسيولوجية للمتعلمين و أثرها على التحصيل الدراسي (التعثر الدراسي، صعوبات التعلم، التفوق…) دون إغفال العوامل المؤثرة على المسار الدراسي و التي تنبع من الامتيازات الثقافية و العوائق السوسيوقتصادية والثقافية و البنية الفكرية و السياسية المهيمنة، و أيضا واقع و درجة دمقرطة التعليم و اختلاف مستوياته بين مناطق البلد الواحد…

3- أهم مقاربات سوسيولوجيا التربية :

أ- المقاربة البنيوية الوظيفية Structural functionalism :

أصولها نابعة من أعمال أشهر رواد علم الاجتماع الحديث و هو الفرنسي إميل دوركايم، الذي اهتم خصوصا بسبل استقرار النظام الاجتماعي وتكامل عناصره و بنياته. و في هذا الإطار، تقول المقاربة الوظيفية أن للتعليم العديد من الوظائف الهامة في المجتمع، فهو يمهد الأطفال و يعدهم للاندماج في المجتمع عن طريق المعرفة أولا، ثم عبر تلقينهم المبادئ الدينية و الأعراف و العادات و التقاليد المحلية و القيم الأخلاقية و السياسية… و يعتقد رواد هذه النظرية المحافظة أيضا، أن التربية و التعليم يخدمان البنية السليمة للمجتمع ككل، من خلال إلزامية التمدرس التي تؤدي إجمالا إلى تقويم الكثير من السلوكات المنحرفة أو تفاديها.
و تجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى :

– المقاربة الوظيفية الكلاسيكية : و تقوم على فكرة الفوارق الوراثية، حيث أن المدرسة تهدف إلى تربية جميع المتعلمين حسب معايير أخلاقية واجتماعية موحدة، وذلك بغية الاندماج في المجتمع. لكن في الوقت نفسه، تفرق المدرسة بين المتمدرسين، فمن يمتلك القدرات الوراثية كالذكاء مثلا يتم انتقاؤه لتولية المناصب المتبارى عليها في إطار من النزاهة و الشفافية و اعتمادا على معايير علمية موضوعية مضبوطة.
– المقاربة الوظيفية التكنولوجية : ظهرت هذه المقاربة ما بين خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، لتجعل من المدرسة أداة لتكوين اليد العاملة وتأهيلها ، بهدف تحريك عجلة الاقتصاد ، وتطوير المقاولات الصناعية والتقنية.
تم انتقاد هذه النظرية من طرف العديد من علماء الاجتماع كالإيطالي Antonio Gramsci، الذي أشار إلا مساوئ فرض نظام اجتماعي معين، و تأثيره السلبي على مساعي التغيير و إن كانت نتائج هذا التغيير إيجابية.

ب- المقاربة التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism :

يعتمد هذا المنظور على معنى الرموز التي يطورها الناس خلال عملية التفاعل الاجتماعي. و تعود أصول هذه المقاربة إلىماكس ويبر Max Weber، الذي اعتبر أن الأفراد يتصرفون وفقا لتمثلاتهم و تفسيراتهم الخاصة لعالمهم. جاء بعده الفيلسوف الأمريكي جورج هربرت ميد George Herbert Mead الذي قدم هذا المنظور الجديد نسبيا إلى علم الاجتماع الأمريكي وذلك في سنة 1920، حيث اعتبر أن النظام الاجتماعي هو نتاج الأفعال التي يصدرها أفراد المجتمع، بمعنى أن المعنى ليس مفروضا عليهم، إنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين هؤلاء الأفراد.
تركز هذه النظرية أيضا في شقها التربوي على مختلف التفاعلات في العملية التعليمية التعلمية داخل الوسط المدرسي و مخرجاتها أو نتائجها. فعلى سبيل المثال، يمكن القول أن التفاعل بين الطلاب و المدرس يتيح لهذا الأخير التنبؤ و توقع سلوكات المتعلمين المستقبلية “teacher expectancy effect” من حيث مستوى مردودهم أو المشاكل التي تواجههم وهو شيء ايجابي جدا إذا ما تم تقويم هذه السلوكات و تشجيع الطلاب المتعثرين.
تم انتقاد المقاربة التفاعلية الرمزية أيضا لكونها لا تعطي أهمية كبيرة للعوامل و القوى الخارجية ( مؤسسات، إعلام…) التي قد تؤثر بشكل كبير على التفاعلات الفردية داخل المجتمع. إضافة إلى كونها تتناول النسق الاجتماعي انطلاقا من سلوكات الأفراد مثلا (الوحدات الصغرى MICRO) و لا تعطي تلك الأهمية للمستوى الكلي أو الرؤية العامة للمجتمع MACRO عند دراستها للسلوكات و الأدوار الاجتماعية.

ج- المقاربة الصراعية Conflict Theory :

من أهم روادها نذكر : بيير بورديو  Pierre Bourdieu و بازل برنشتاين Basil Bernstein و جون كلود باسرون
Jean-Claude Passeron و غيرهم. و تبحث هذه المقاربة في الجوانب السلبية للنظام التعليمي و التي قد تؤدي إلى تفكيك و تخريب المجتمع. في هذا الصدد يرى الباحثون أن التربية والتعليم في ظل ايديولوجية معينة و إطار ثقافي سائد، قد يكون لها نصيب من الميز و عدم تكافؤ الفرص حسب العرق و الجنس و المستوى المعيشي … إذا لم يتم اعتبار المعايير الموضوعية كدرجة الذكاء و مستوى الإنتاج و الإبداع … و بالتالي يصبح المستوى التعليمي آلية لإنتاج و إعادة إنتاج اللامساواة في المجتمع. و يتجلى هذا التمييز أيضا عندما يطلب أرباب العمل بعض الشروط التعجيزية أو المؤهلات العلمية التي قد لا تكون مهمة للمناصب المتبارى عليها حيث يتم إقصاء النساء أو بعض الأقليات…
من ضمن ما يؤخذ على هذه الأطروحة، أنها ركزت فقط على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة الانتقاء والاصطفاء، حيث يصعب تعميمها على جميع الأنظمة بالرغم من أنها استطاعت أن تبين وجها من وجوه مفارقات العلاقة بين التطور التربوي-التعليمي ومثيله الاجتماعي.

ج- المقاربة ذات النموذج التفسيري (المفسر) :

إذا كانت المقاربة السابقة قد اعتبرت المدرسة فضاء للصراع الاجتماعي و السياسي والطبقي و مجالا لفرض قيم و مبادئ ذات خلفية اديولوجية محددة… فإن ثمة مقاربات أخرى تفسر الظواهر المدرسية من الخارج، بطرق أكثر موضوعية باعتماد معطيات رياضية و إحصائية منطقية، وذلك من أجل معرفة العلاقة الكامنة بين المدرسة و الحراك الاجتماعي المحيط بها. وقد بينت هذه المقاربات التفسيرية بأن العلاقة ليست بقوية و لا ضعيفة، بل هناك تدخل لعوامل أخرى يجب اعتبارها. و هنا تجدر الإشارة إلى النموذج الإحصائي ل Jencks ، والنموذج النسقي ل Pitirim Sorokin ، والنموذج النسقي التركيبي ل Raymond Boudon.

خلاصة:

تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الدور الأهم و الأكبر في اختيار الفرد لآفاقه الدراسية و المهنية، دون أن ننسى كذلك العوامل التي تناولتها نظريات علم النفس.
فبالنسبة للمجتمعات العربية الطامحة للارتقاء بمنظومتها التعليمية و تطوير بنيتها التربوية، عليها الأخذ بعين الاعتبار مختلف التحليلات الاجتماعية، و ذلك بدراسة مختلف بنيات المؤسسة التعليمية و تفاعلات عناصرها، و عوامل التوازن داخل المنظومة التربوية و مكامن الخلل فيها.
فدراسة مكامن الخلل في البنية المدرسية من المنظور الاجتماعي، قد يساعد على تمحيصها وتفكيك أسبابها بشكل دقيق داخل المؤسسات التعليمية، مثل عدم تكافؤ الفرص أو عدم بلورة المواهب الفطرية للتلميذ في المراحل التعليمية، أو الانتقائية والمحاباة داخل المؤسسة التعليمية أو غيرها من الظواهر السلبية المؤثرة في المردودية التعليمية بشكل عام.
فمنهجـة الفكر الإصلاحي على أساس دراسة اجتماعية شاملة، قد تكون سبيلا أكثر فعالية لتحسين الأداء التعليمي العربي دون الحاجة إلى مزيد من المشاريع الاستعجالية و التدابير الإصلاحية الترقيعية و التي تستنزف ميزانيات ضخمة بدون نتائج ملحوظة.

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

قراءة في التدابير الاصلاحية ذات الاولوية لوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني


  محسن زردان

النظم التعليمية عبر العالم، تُسابق الزمن بغية تحديث مناهجها الدراسية، فسرعة التطور العلمي والمعرفي جعل شعار اليوم يحمل عقيدة معلنة لحاقا أم انسحاقا، فغدت بذلك مناحي التفكير لإعادة النظر في سُبل التدبير التربوي ضرورة مُلحة لا فِكَاك عنها.
أجل، التعليم في بلادنا ليس بخير، وهي حقيقة لا تكتفي التقارير الدولية والوطنية برسمها، بل حتى المسؤولين القيمين على هذا المجال يعترفون بذلك، وفي السياق ذاته تَوَّجَتِ الوزارة الوصية على القطاع لقاءاتها التشاورية مع مختلف الشركاء التربويين والاجتماعيين والحكوميين والمهتمين بالشأن التربوي، بإخراج مشروع إصلاحي يرتكز على تسعة محاور ذات الأولوية.
إن الحديث عن إصلاح التعليم على هذا المستوى، يطرح تحديين، تحد ذو بعد إصلاحي ينطوي على تقويم مشاكل التعليم المتراكمة منذ الاستقلال لاستدراك التأخير الحاصل، وكذا تحد يطرق باب مسايرة ركب التحولات الدولية وزحف تقدم المعارف.
من المفيد جدا القول، بأن هذا المشروع جاء مباشرة بعد الاعلان عن فشل البرنامج الاستعجالي من طرف الوزير السابق محمد الوفا بعد القيام بعملية التشخيص لهذا البرنامج، لكن هذا التشخيص لم يخرج للعلن للكشف عن العيوب التي شابت تنزيله حتى يتم العمل على الاستفادة منها لتجاوزها، غير أن المتتبعين اعتبروا ذهاب الوزير المذكور لتقلد وزارة أخرى ساهم في عدم ظهوره.

الأحد، 31 يناير 2016

histoire des droits humains


حقوق الانسان بشكل مبسط


شعر رائع .................استمتعوا

شاعر سيتم اعتقاله في معظم البلدان العربيه

Posté par Majed Magableh Maj Ban sur jeudi 24 décembre 2015

الدين العمومي المغربي غير محتمل لكون مواصلة أدائه سيعمق الأزمة الاجتماعية




عن أطاك المغرب

أزيكي عمر[1]
  
نشر البنك المركزي المغربي (بنك المغرب) تقريره السنوي لسنة 2014 الذي يرصد الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية للمغرب في علاقة بالمحيط الدولي، ويستعرض إنجازات البنك وإشرافه على القطاع المالي. وتطرق التقرير أيضا إلى المديونية العمومية المغربية[2] التي سيتواصل ارتفاعها، وقام بتحليل استمرارية قدرة الاقتصاد المغربي على تحمل الدين في الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019.

منحى المديونية العمومية في تصاعد
سجل بنك المغرب في تقريره السنوي استمرار ارتفاع الدين العمومي ليصل مع نهاية سنة 2014 مبلغا إجماليا قدره 741 مليار درهم، أي حوالي 81% من الناتج الداخلي الخام.

Snapshot_29
(اضغط على الصورة لتكبيرها)
بدأ المنحى التصاعدي للدين العمومي المغربي بشكل ملحوظ منذ 2008 بفعل نتائج الأزمة الرأسمالية العالمية (2007-2008) من خلال تقلص الطلب الخارجي، واحتداد الأزمة الغذائية، وارتفاع أثمان مواد الطاقة، وانخفاض مصادر العملة الصعبة الرئيسية (الاستثمارات المباشرة، والسياحة، والمغاربة المقيمين بالخارج)، إلخ.
(اضغط على الصورة لتكبيرها)
ta9rir
المصدر: تقرير بنك المغرب لسنة 2014.
 وهكذا زادت الحاجة إلى التمويل الخارجي بالعملة الصعبة ولجوء المغرب إلى السوق المالية الدولية التي أصبحت تشكل نسبة 25% من مجموع الدين العمومي الخارجي مقابل 11% سنة 2010.

(اضغط على الصورة لتكبيرها)
Snapshot_30
المصدر: وزارة المالية[3].

تفاؤل تراجع مستوى المديونية ضئيل مقارنة بالتشاؤم حول تجاوز الأزمة
يتوقع بنك المغرب أن يستمر ارتفاع المديونية حتى سنة 2016، ويراهن على تراجع هذا المنحى التصاعدي في الفترة ما بين 2017 و2019، بفعل مواصلة تخفيض نسبة العجز العمومي وتحسين نسبة النمو. و”يفترض السيناريو الرئيسي بالأساس متوسط نسبة نمو المغرب قدرها 4,6 %، ومتوسط معدل تضخم نسبته 1,9 %، وعجزا في الميزانية يناهز 3% من الناتج الداخلي الإجمالي”[4].
إنها مجرد توقعات متفائلة لا تصمد أمام التشاؤم الذي تغذيه بشكل كبير نتائج أزمة الرأسمالية العالمية التي مازالت تتعمق على المستوى الاقتصادي المباشر من خلال الافلاسات وإغلاق الوحدات الإنتاجية والتسريحات الجماعية وتنامي البطالة وتعميم سياسات التقشف بشكل لم يسبق له مثيل، خصوصا في البلدان المتقدمة، مما يؤدي إلى استمرار شروط انكماش النشاط الاقتصادي. وهذا ما أشار إليه تقرير بنك المغرب نفسه في صفحاته الأولى حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية على المستوى الدولي. فالاستثمار والنمو مازالا ضعيفان جدا في منطقة اليورو التي تضخمت فيها المديونية العمومية بشكل كبير. وينزل ضغط الأزمة بشكل حاد على بلدان “الجنوب” داخل أوروبا كاليونان التي تعرف تراجعات اجتماعية خطيرة وهجوما استعماريا بقيادة المفوضية الأوروبية والبنك الأوروبي المركزي وصندوق النقد الدولي. وكل هذا ينزل بثقله السلبي على البلدان النامية كالمغرب بفعل اندماجها من موقع ضعف في السوق الرأسمالية العالمية وتبعيتها البنيوية للقوى الكبرى. ثم إن تأثيرات سياسات التقشف المتبعة ستؤدي إلى بطء النمو الاقتصادي كما ستحول النفقات التي تنتج عن تضخم المديونية العمومية دون أي تنمية حقيقية. فقد بلغت خدمة الدين العمومي مبلغ 163 مليار درهم (2013)، وهو ما يعادل نصف الميزانية العامة لسنة 2015، وحوالي مجموع الموارد الضريبية، وثلاث مرات ميزانية الاستثمار.

الدين العمومي المغربي غير محتمل ولا يطاق لكون أدائه سيعمق العواقب الاجتماعية الوخيمة التي يتكبدها شعبنا
يستند تقرير بنك المغرب في تحليل مدى استمرارية قدرة الاقتصاد المغربي على تحمل الدين في الفترة من 2015 إلى 2019 إلى الآفاق ماكرو اقتصادية التي أعدها، أي تلك المعايير الاقتصادية التي يوصي البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بتطبيقها منذ بداية برامج التقويم الهيكلي والتي أدت إلى إفقار غالبية الفئات الشعبية ببلادنا. وتواصل الدولة تقليص النفقات العمومية بشكل كبير وتضغط على الأجور ومعاشات التقاعد لتحافظ على عجز ميزانية مقبول وتسدد الديون. وبنفس المعايير يتعرض الشعب اليوناني لحرب إبادة إنسانية يشرف عليها الدائنون.
يتوقع بنك المغرب أن ينخفض مستوى المديونية المباشرة لخزينة الدولة (دون احتساب الدين العمومي المضمون) إلى 62,1% من الناتج الداخلي الخام سنة 2019. وحتى لو حصل فعلا هذا الانخفاض الطفيف، ستبقى نسبة المديونية مرتفعة جدا مقارنة مع مستويات الفترة ما بين 2007 و2012 (50,4% كمعدل 6 سنوات). إن حجم المديونية الحقيقي (بإضافة الديون التي تضمنها الدولة) يشكل نسبة كبيرة تتجاوز 80% من الناتج الداخلي الخام في 2014، وبالتالي فهي غير محتملة ولا تطاق.
إن القدرة على تحمل المديونية ليست توقعات اقتصادية مجردة بل تتعلق بمصير ملايين المواطنين الذين يسددون مباشرة هذه المديونية من عرقهم جبينهم وأجورهم وعلى حساب حياتهم ومستقبل أسرهم وأولادهم. فكل مواطن مغربي ملزم بتحمل نفقات الدين بمبلغ 5 آلاف درهم لكل واحد كان طفلا أو عجوزا أو عاطلا أو امرأة. وتمتص خدمة الدين بشكل كبير الموارد الضرورية لتلبية الحاجيات الأساسية كالتعليم، والرعاية الصحية، وتوفير السكن اللائق، أو الاستثمار في البنيات التحتية العمومية الناجعة والبرامج اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلخ. وبهذا المعنى، فالدين العمومي المغربي غير محتمل ولا يطاق لكون أدائه سيعمق العواقب الاجتماعية الوخيمة التي يتكبدها شعبنا. ومن هنا ضرورة المطالبة بوقف تسديده.
قامت لجنة تقصي الحقيقة في الدين العمومي اليوناني بإبراز الأوجه غير المشروعة والكريهة وغير القانونية أو التي لا تحتمل[5] لدين هذا البلد، وأوصت السلطات اليونانية بإلغائها. وجاء في تقريرها: “بخصوص الديون غير المحتملة، يمكن لكل دولة أن تلجأ بحكم القانون إلى حالة الضرورة التي تسمح لدولة تواجه ظرفا استثنائيا أن تصون إحدى مصالحها الحيوية المهددة بخطر كبير ومحدق. وفي مثل هذه الحالة، يمكن لها أن تعفى من تطبيق التزام دولي من قبيل احترام عقود القروض. وأخيرا، تمتلك الدول حق أن تعلن من جانب واحد عدم قدرتها على تسديد الديون عندما يكون تسديد خدمة الدين غير محتمل، مع العلم أنها في مثل هذه الحالة لا تقوم بأي خرق قانوني وتكون معفية من أي مسؤولية”[6].
لكن تنفيذ هذا الإلغاء يحتاج إلى تعبئة شعبية واسعة وجرأة سياسية بمثل التي تلك التي عبر عنها رئيس الإكوادور لما اتخذ، في أواخر 2008، قرارا سياديا أحادي الجانب بتعليق تسديد سندات ديون بلده التي بلغت آجالها بناء على تقرير اللجنة من أجل تدقيق الديون[7] التي أرساها في صيف 2007.
استنادا إلى هذه التجارب الدولية، ستواصل جمعية أطاك تعبئتها من أجل تشكيل لجنة أو ائتلاف وطني من أجل تدقيق مواطني للدين العمومي المغربي.

26 يوليوز 2015

[1] – كاتب عام جمعية أطاك المغرب-عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث.
[2] – بنك المغرب، التقرير السنوي لسنة 2014. يوليوز 2015. النسخة العربية، صفحات 62-64.http://www.bkam.ma/
[3] – النشرة الإحصائية لوزارة المالية حول الدين العمومي الخارجي. مارس 2015.http://www.finances.gov.ma/
[4] – تقرير بنك المغرب. صفحة 64.
[5] – تعريف الديون غير المشروعة، وغير الشرعية، والكريهة، وغير المحتملة (لا تطاق) على الرابط التالي:http://attacmaroc.org/?p=3303
[6] – العرض المختصر لعناصر تقرير لجنة تقصي الحقيقة في الدين العمومي اليوناني في يونيو 2015 على الرابط التالي: http://attacmaroc.org/?p=3274
[7] – كلا اللجنتين شاركت فيهما بقوة ونشاط كبيرين شبكة اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث التي تتحمل جمعية أطاك المغرب مسؤولية سكرتاريتها الدولية بشكل مشترك مع لجنة إلغاء ديون العالم الثالث ببلجيكا.