الثلاثاء، 14 مايو 2019

الخيار الآخر

السياق التاريخي للورقة 



وصل الصراع داخل دهاليز الكونفدرالية  الديموقراطية للشغل،  و خاصة داخل النقابة الوطنية للتعليم بين طرفي الاتحاد الاشتراكي، حد القطيعة التامة إبان جولات الحوار الاجتماعي سنة 2002 و انكشف بالملموس مدى لامبالات أطراف النزاع بمطالب العمال العادلة و ما تسبب فيه ذلك من يأس وإحباط لدى الشغيلة و انشغال الأطراف المتنازعة بالمصالح الحزبية ( الشخصية ) الضيقة جدا . و بدأت تلوح في الأفق بوادر تفكيك و تمزيق النقابة الوطنية للتعليم بوجه خاص و المركزية العتيدة بوجه عام. مما حدا بمجموعة من المناضلين الديموقراطيين بقلعة السراغنة إلى القيام بمجموعة من المبادرات المحلية ( عقد مجلس إقليمي بالعطاوية لتدارس الوضع المقلق لمخرجات الحوار الاجتماع و الصمت المريب للنقابات ) التواصل مع فروع ن .و. ت على المستوى الوطني من أجل الدفع بانعقاد مجلس و طني ( انظر الوثيقة المرفقة ) و ايفاد لجنة منبتقة من المجلس الاقليمي المنعقد بالعطاوية للحوار مع  المكتب الوطني ل ن.و.ت .
و بعد الوقوف على الوضع الكارتي الذي آلت إليه الأوضاع داخل الأجهزة البيروقراطية ل ن.و.ت  و قرب انفجار الوضع  بادرت مجموعة من المناضلين الديموقراطيين المستقلين عن طرفي النزاع إلى صياغة وثيقة الخيار الآخر في  ماي 2002 بقلعة السراغنة  و كان الهدف من ذلك:
- التشبت بوحدة النقابة
- دعوة المناضلين الديموقراطيين إلى عدم الاصطفاف مع أي طرف في النزاع
- العمل مع الشغيلة على قاعدة مطالبها الملموسة في أمكنة عملها
- العمل على تجميع المناضلين الديموقراطيين 

محمد أبوولي

النقابة الوطنية للتعليم
الخيـــــار الآخر

توجد النقابة الوطنية للتعليم (ن و ت) في حالة إعاقة كبرى تهدد بنهاية تجربة نقابية ظلت لعقود تؤطر نضال آلاف نساء ورجال التعليم. كيف ادن تتمظهر أزمة هذه النقابة ؟ وما هي أسباب تلاشي ديناميتها وكفاحيتها التي انبنت على مبادئ تاريخية : الديمقراطية،الاستقلالية، الجماهيرية، التقدمية؟

إن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي بداية، التركيز على المظاهر التالية:
1-عجز ن.و.ت عن تحقيق المكاسب الدنيا للشغيلة التعليمية وبالتالي ملفها المطلبي، نتيجة سوء تدبير المعارك النضالية .
2-احتكار حزب (الاتحاد لاشتراكي) ولمدة طويلة للأجهزة القيادية للنقابة، باعتماد أساليب لا ديمقراطية واعتماد منطق الإشراك الرمزي للقوى السياسية المتواجدة داخل النقابة،علما أن كل الفعاليات السياسية، بما فيها الاتحاد الاشتراكي ليست إلا أقليات داخل النقابة،مما ترتب عنه تبعية كلية ومكشوفة لهذا الحزب.
3-ارتباطا بالمعطى السابق، فبمجرد حدوث تفكك سياسي لهذا الحزب، أصبحت ن.و.ت ساحة حرب مفتوحة بين طرفيه: الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر الاتحادي،وصلت إلى حد تهديد وحدة النقابة.
4-إقصاء القواعد من التقرير والتسيير والتمثيل بشتى الوسائل وتشويه جماهيرية النقابة في كل المحطات، كتجديد مكاتب الفروع وانتخاب المؤتمرين، وذلك بتقديم الزبناء الحزبيين والانتهازيين، كتجسيد مشوه للجماهيرية.
5- تحول النقابة إلى سلاح بيد لوبي نقابي له مصالحه وزبناؤه وحلفاؤه، واستهتار هذا اللوبي النقابي بمصير النقابة وذلك باتخاذه لقرارات لا تتماشى مع مطالب الشغيلة التعليمية وفرضه صيغا تنظيمية اقصائية ونخبوية من اجل ضمان السيطرة على الأجهزة القيادية، مما نتج عنه تضخم التوجه البيروقراطي في ن.و.ت.
6-العزوف المتزايد للشغيلة التعليمية عن الانخراط في النقابة كنتيجة لما سبقت الإشارة إليه.
والخلاصة هي : نقابة تسير في خط مخالف لاختيارات قواعدها، وقيادة تقايض بالمصالح الحيوية الملحة والمصيرية للشغيلة جريا وراء كسب سياسي وحزبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الأزمة النقابية الحالية تفرض جوابا شاملا يتجاوز حدود نقد القيادات البيروقراطية والتشهير بها. و هو الجواب الذي يشكل مهمة كل النقابيين الديمقراطيين. ومن أولى الأولويات،النضال من أجل المطالب الملحة للشغيلة والنضال ضد البيروقراطية لإحياء الديمقراطية. هذه الأخيرة أصبحت ضرورية في وقت تتجه فيه الشغيلة التعليمية خصوصا، والطبقة العاملة عموما، نحو آفاق معادية للنقابة، إما عن جهل بالطبيعة الحقيقية للبيروقراطية النقابية أو انطلاقا من التخوف من دخول معركة صعبة وطويلة، معركة النضال من أجل الديمقراطية الداخلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن المناضلين النقابيين الديمقراطيين (المراهنين على خيار الديمقراطية) مؤهلون اليوم أكثر من غيرهم للقيام بهذه المهمة التاريخية، على اعتبار أنهم لعبوا ولا زالوا يلعبون دورا حاسما في ضمان جماهيرية هذه النقابة وتوسيع قاعدتها ومحاربة اليأس المنتشر في صفوف منخرطيها والمتعاطفين معها من جراء انتظاريتها وحزبيتها وبيروقراطيتها.
 والمقصود بالمناضلين النقابيين الديمقراطيين، هم أنصار الديمقراطية داخل النقابة المعادين للبيروقراطية كيفما كانت انتماءاتهم السياسية والذين أعطوا المثال بالملموس على النضال المبدئي الذي لا يهدف إلى أي كسب مصلحي انتهازي والارتباط بالمشاكل اليومية التي تعانيها الشغيلة التعليمية داخل مؤسساتها وفي علاقتها بمحيط عملها، وذلك في أفق الإعداد المستمر للنضال من أجل تحقيق الملف المطلبي الوطني والارتباط العضوي بالنضال العام للشعب المغربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاشك أن للتوجه البيروقراطي حنكة لا تضاهى، اكتسبها من تجربة طويلة في المناورة، جعلته يبقى متنفذا في الإطار. غير أن  أخطاء المناضلين الديمقراطيين قدمت له خدمات عظمى، بحيث ظلوا يضمنون له بشكل غير واع، الجماهيرية والشرعية النضالية، ويعطونه القوة التي يفتقدها وذلك من خلال:
1-الإيمان بوهم يتمثل في إمكانية الوصول إلى القيادة كأغلبية لتفعيل الديمقراطية، وهو الوهم الذي غذته البيروقراطية بأساليب متعددة، أهمها التمثيلية السياسية داخل أجهزة النقابة (الكوطا)، وهو طعم ابتلعته، بانتهازية، بعض المكونات السياسية داخل النقابة.
2- الرهان على النضال المحلي كوسيلة لتطبيق الديمقراطية في العلاقة مع القواعد. غير أن خصوصية قطاع التعليم تجعل العمل المحلي واجهة جد ثانوية في العلاقة مع ما هو وطني، اعتبارا لكون الملف المطلبي في القطاع هو ملف وطني ويرتبط كلية بالسياسات الحكومية وبكيفية الدفاع عنه من قبل الأجهزة النقابية الوطنية.
إن أي تصور ديمقراطي، لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة التوجه البيروقراطي الذي لا يمكنه التخلي عن مصالحه إلا تحت الضغط المادي والمعنوي للشغيلة، بل انه بإمكانه أن يلجأ إلى تدمير النقابة إذا أجبر يوما على التخلي عن القيادة. إن هذا المعطى الأخير، يفسر لماذا يصر طرفا التوجه البيروقراطي على إشهار خيار التدمير في وجه بعضهما، بعد أن تعارضت مصالحهما السياسية واشتد تهافتهما على الامتيازات المترتبة عن الهيمنة على إطار بحجم النقابة الوطنية للتعليم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما العمل ؟
إن الحاجة أصبحت ملحة إلى قيادة جديدة ذات مصداقية وقادرة على توحيد نضالات الشغيلة، حيث فقدان البيروقراطية لمصداقيتها وعجزها، ليس فقط عن الدفاع على المصالح المباشرة، بل الحفاظ على المكتسبات الجزئية للمرحلة السابقة. والحاجة ملحة أيضا إلى أدوات كفاحية وفعالة. وعلى العموم فقد أصبح من الضروري تجميع النقابيين الكفاحيين حول ممارسة ومشروع نقابيين جديدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 على المستوى المرحلي :
1-التشبث بإطار النقابة الوطنية للتعليم ووحدتها في إطار ك.د.ش
2-تفعيل المبادئ الأربع لـ.ن.و.ت بشكل يعطيها مضمونها الحقيقي : فالجماهيرية تتمثل في كون الجماهير هي وحدها المقررة والمسيرة، مع ما يتطلبه ذلك من وجود محطات نضالية وتنظيمية تمكن الجماهير من النقد واقتراح بدائل والإشراف على تطبيقها، وهو ما يتطابق مع الخيار الديمقراطي الذي يرى في الأجهزة القيادية أجهزة تنفيذية فعلا لا غير.
وهو الخيار الذي لا يمكن أن يتجسد عمليا إلا بـــ:
1-تمكين الجماهير من التحكم في اقتراح تغيير البنية التنظيمية حسب متطلبات الوضع بما ينسجم مع الديمقراطية.
2الحظر الكلي لهيمنة تيار أو تيارات سياسية على الأجهزة النقابية ،محليا، جهويا ووطنيا، مع الإقرار الفعلي والواضح بالتصورات النقابية العاملة داخل النقابة وحقها في التعبير عن نفسها.
3-توسيع صلاحيات المجلس الوطني والتشبث بتمثلية الفروع بشكل مباشر والالتزام بقراراته.
4-القضاء على كل أشكال الانتهازية المتجلية في تحريك الأتباع والأذناب، الذين لا علاقة لهم بالممارسة النقابية، في كل محطة انتخابية لحصد الأغلبية وتشويه الجسم النقابي بفصل قاعدته الجماهيرية عن القيادة، بالاعتماد على تمثيلية وهمية. وذلك بوضع مقاييس نضالية واضحة لفرز ممثلي القواعد في المؤتمرات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن مبدأ الاستقلالية يقتضي الاستقلالية عن النظام وإذنابه، وهو ما أصبح الآن مهددا. إذ أصبحت النقابة اليوم اقرب إلى الاندماج في بنية النظام. كما أن هيمنة التيارات السياسية على الأجهزة القيادية، تسير في اتجاه التكريس، مع الحرب الدائرة فصولها اليوم بين الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر الاتحادي. إذ أنه من غير المقبول استبدال هيمنة حزب بهيمنة حزب آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن تحقيق المطالب الآنية والمستعجلة للشغيلة، لا يمر عبر القبول بالوعود الوهمية للحكومات المتتالية. كما أن تقديم الحقوق على أنها هبات أو صدقات، من شانه الإضرار بآفاق النضال النقابي. فمن التناقض أن تقبل نقابة تقدمية السكوت عن رفض تمكين الشغيلة من مستحقاتها المالية، في الوقت الذي يتم فيه تبذير كميات هائلة من المال العام في واضحة النهار. وأخيرا، فان تصحيح مسار النقابة الوطنية للتعليم، يفرض الابتعاد عن ردود الفعل المتشنجة، وعدم السقوط في فخ من يلبسون اليوم ثوب الإصلاح وقد كانوا بالأمس ولازالوا يكرسون يوميا أقبح الممارسات اللاديمقراطية، ويقدمون الدليل،في كل المحطات، على علو كعبهم وحنكتهم في انتهاج الأساليب البيروقراطية الأكثر ظلامية (المؤتمر لسابع لـ.ن.و.ت والمؤتمرين الثالث والرابع لـك.د.ش كنموذج).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن على رأس الأولويات اليوم، عقد المؤتمر الوطني الثامن لـ.ن.و.ت كأعلى هيئة تقريرية على أساس التغيير الجذري للطرق التي كان يتم بها التهييئ للمؤتمرات السابقة، وذلك في كل المراحل، انطلاقا من تحديد توقيت المؤتمر وانتهاء بتشكيل اللجنة التحضيرية. وفتح نقاش موسع في أوساط الشغيلة وفي التجمعات العامة، لإنتاج مشاريع الأوراق المقدمة للمؤتمر وقطع الطريق أمام الأساليب القديمة التي كانت تتحكم في مضامين هذه المشاريع تمهيدا لضمان سيادة إيديولوجية وسياسية معينة. ومن جهة أخرى، الحرص على أن يعكس المؤتمر حجم النقابة في الواقع وان يتم تمثيل القاعدة تمثيلا يسمح بالإنصات لصوتها واقتراحاتها. ولن يتأتى ذلك إلا بفك الارتباط بين تحديد عدد المؤتمرين بالنسبة لكل فرع وبين التسوية المالية لعدد البطائق ،لان هذا الربط يعطي الامتياز للفروع التي تعمل في مقرات الحزب أو في مقرات الاتحادات المحلية والجهوية لـ.ك.د.ش. بحيث ستتمكن هذه الفروع من تسوية اكبر عدد من البطائق وبالتالي الحصول على نسبة أعلى من المؤتمرين مقارنة مع الفروع التي تتحمل لوحدها، مصاريف المقرات. بالإضافة إلى ضرورة القطع مع ممارسات الإنزال، عن طريق منخرطي آخر ساعة، وإيجاد صيغ تمكن المنخرطين الفعليين من انتخاب مناضلين فعليين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن خيار الديمقراطية الداخلية خيار استراتيجي لأي نقابة تقدمية، لان الديمقراطية الفعلية وحدها تسمح للقواعد المناضلة ممارسة حقها المشروع في التقرير والتسيير، مما سيقضي تدريجيا على البيروقراطية النقابية. وهذا الخيار وحده، الكفيل بإخراج النقابة من ورطتها الحالية وتدبير اختلافات مكوناتها. وهذه مهمة كل المناضلين الديمقراطيين، الذين عليهم تحمل مسؤوليتهم التاريخية والخروج من الانتظارية والسلبية وأخذ المبادرة من التوجه البيروقراطي في أفق بناء نقابة، ديمقراطية، مستقلة، جماهيرية، تقدمية ومكافحة.


نقابيون ديمقراطيون
قلعة السراغنة 2002