عن موقع حكمة
الأحد، 15 يوليو 2018
الثلاثاء، 17 أبريل 2018
الأحد، 8 أبريل 2018
الأسس الأسطورية للنجاح المدرسي : "بِيجماليون" أنموذجا – د. علي أسعد وطفة
أنفاس نت
بِيجماليون نحات أسطوري إغريقي فاقت شهرته الآفاق، نحت تمثالا لامرأة فائقة الجمال تدعى غالاتيا، فوجد نفسه أمام آية فنية رائعة الجمال، فصعق بجمالها ووقع في حبها وهام بها عشقا، ولما أضناه الحب ونال منه جنون العشق، أشفقت عليه إفروديت Aphrodite إلهة الحب والجمال فوهبت محبوبته الحجرية نسغ الحياة، ليتزوجها وينهل من حبها إلى الأبد.
لقد شكلت هذه الأسطورة السحرية موضوعا أثار اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع، وقد تفتق هذا الاهتمام عن تساؤل جوهري حول القيمة الواقعية لما يعتقده الإنسان ولما يفترضه، وعن إمكانية تحويل الطموحات والأحلام والتوقعات الإنسانية إلى وقائع وحوادث وفعاليات ترتسم في نسق الحياة وتستقيم على دروبها.
وقد اثارت هذه الفكرة الأسطورية اهتمام المفكر وعالم الاجتماع المعروف روبيرت ميلتون Robert MERTON الذي أطلق على هذه الظاهرة النبؤة المتحققة ذاتيا (prophétie auto-réalisatrice) واستحضر حدثا واقعيا يتعلق بإفلاس أحد البنوك في عام 1932 على اثر إشاعة مغرضة ليس لها أساس من الصحة.
وتتمثل الدلالة التربوية لمعادلة بيغاميليون Pygmalion في تحقيق نتائج تربوية تستند إلى مجرد توقعات وتكهنات تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ حيث يتحول الافتراض إلى حقيقة تفرض نفسها في مجال الواقع التربوي. فالإنسان يحاول دائما أن يتجلى على منوال الصورة التي يرسمها الآخرون حوله، وتصورات الآخرين قد تفعل فعلها المكين في نفوسنا وعقولنا، فآراء الآخرين حولنا يمكن أن تدمي قلوبنا ويمكن أن تحيينا، وإذا كان الأمر على هذه الدرجة من الأهمية فكيف يمكن أن يكون الأمر بالنسبة لأطفال على مقاعد الدراسة في مواجهة أحكام المعلمين وتقديراتهم التي قد تكون مفرغة من حكمة الصواب. فأحكام المعلم ونواهيه حول المتعلم تمتلك قدرة سحرية تؤثر في شخصية التلميذ وقد تدفعه إلى تحقيق النجاح أو إلى كارثة العدم التربوي إذا كانت مجحفة وقاسية. وما تأثير بيغاميليون إلا صورة لهذه العلاقة التربوية المتشبعة بالأحكام التي يطلقها المعلم على تلامذته وطلابه في داخل الفصل وفي خارجه.
لقد شكلت هذه الأسطورة السحرية موضوعا أثار اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع، وقد تفتق هذا الاهتمام عن تساؤل جوهري حول القيمة الواقعية لما يعتقده الإنسان ولما يفترضه، وعن إمكانية تحويل الطموحات والأحلام والتوقعات الإنسانية إلى وقائع وحوادث وفعاليات ترتسم في نسق الحياة وتستقيم على دروبها.
وقد اثارت هذه الفكرة الأسطورية اهتمام المفكر وعالم الاجتماع المعروف روبيرت ميلتون Robert MERTON الذي أطلق على هذه الظاهرة النبؤة المتحققة ذاتيا (prophétie auto-réalisatrice) واستحضر حدثا واقعيا يتعلق بإفلاس أحد البنوك في عام 1932 على اثر إشاعة مغرضة ليس لها أساس من الصحة.
وتتمثل الدلالة التربوية لمعادلة بيغاميليون Pygmalion في تحقيق نتائج تربوية تستند إلى مجرد توقعات وتكهنات تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ حيث يتحول الافتراض إلى حقيقة تفرض نفسها في مجال الواقع التربوي. فالإنسان يحاول دائما أن يتجلى على منوال الصورة التي يرسمها الآخرون حوله، وتصورات الآخرين قد تفعل فعلها المكين في نفوسنا وعقولنا، فآراء الآخرين حولنا يمكن أن تدمي قلوبنا ويمكن أن تحيينا، وإذا كان الأمر على هذه الدرجة من الأهمية فكيف يمكن أن يكون الأمر بالنسبة لأطفال على مقاعد الدراسة في مواجهة أحكام المعلمين وتقديراتهم التي قد تكون مفرغة من حكمة الصواب. فأحكام المعلم ونواهيه حول المتعلم تمتلك قدرة سحرية تؤثر في شخصية التلميذ وقد تدفعه إلى تحقيق النجاح أو إلى كارثة العدم التربوي إذا كانت مجحفة وقاسية. وما تأثير بيغاميليون إلا صورة لهذه العلاقة التربوية المتشبعة بالأحكام التي يطلقها المعلم على تلامذته وطلابه في داخل الفصل وفي خارجه.
لقد انبرى كل من روبيرت روزنتال Robert Rosenthal وليونور جاكوبسون Leonore Jacobson لاختبار فرضية تأثير بِيجماليون في الوسط المدرسي، ومن أجل اختبار هذه الفرضية أجريا تجربة على مجموعة من الأطفال في مدرسة أمريكية تدعى أويك Oak School حيث عملا على اختبار التوقعات الإيجابية للمعلمين حول تلامذتهم. وقد بينت ملاحظاتهم وتجاربهم بأن توقعات المعلمين حول مستويات نجاح تلامذتهم كانت تترجم في حقيقة الأمر بطريقة واضحة ومطابقة وكان تأثير توقعات المعلمين كبيرة جدا في مستوى النتائج المدرسية للتلامذة والطلاب في هذه المدرسة.
دراسة روزنتال:
لقد بينت التجربة في المجال المدرسي أن التنبؤ المدرسي للمعلمين يتحقق بصورة عفوية وذاتية: ففي الصفوف المدرسية التي تكون فيها توقعات المعلمين إيجابية حول مسيرة بعض الطلاب فإن هذه التوقعات غالبا ما تتحقق هذا الأمر وغالبا ما يحقق التلامذة المعنيون بهذه التوقعات الإيجابية نجاحا كبيرا وملحوظا يوازي توقعات معلميهم. وهذا ما أفادت به الدراسة التجريبية التي أجراها روزنتال في مدرسة أويك الحكومية الابتدائية. حيث تم توزيع التلاميذ في هذه المدرسة إلى ثلاثة مجموعات صنفت وفقا لثلاثة تقديرات من الذكاء: مرتفعو الذكاء، متوسطو الذكاء، ضعيفو الذكاء.
استخدم فريق روزنتال البحثي اختبارا نفسيا لقياس ذكاء التلاميذ في المدرسة، وقد أخفى الباحثون الغرض الأساسي لدراستهم الخاص بعملية اختبار تأثير بِيجماليون، وزعموا أنهم يختبرون تقنية جديدة تتعلق بتحسين بقياس معدلات الذكاء لدى الأطفال وعلاقة ذلك بمستوى نجاحهم في المدرسة.
في البداية قام الباحثون بتطبيق اختبار الذكاء الأولي القبلي مع بداية العام الدراسي على جميع التلاميذ في جميع الصفوف المدرسية في مدرسة أويك. وكان الهدف من هذه التجربة العلمية قياس معدلات ذكاء الأطفال من جهة واختبار ما أطلق عليه تأثير بِيجماليون من جهة أخرى.
وعندما أنجز الباحثون اختبار معدل الذكاء الأولي أو القبلي قاموا بانتخاب 20% من عدد التلاميذ عن طريق القرعة زُعم الباحثون أنهم حققوا نتائج عالية في معدلات ذكائهم، وقدمت لائحة بأسمائهم إلى معلميهم. وهنا يجب أن نؤكد بأن أسماء هؤلاء التلاميذ قد اختيرت بطريقة القرعة بصورة عشوائية وليس بناء على أي اختبار حقيقي لذكائهم. وقد شكلت الجماعة التجريبية للطلاب مزعومي الذكاء (وفقا للقرعة) نسبة 20% من عدد الطلاب في المدرسة، أما الجماعة الضابطة فهي ما تبقى من الطلاب في المدرسة حيث لم تقدم اية معلومات عن مستوى ذكائهم وفقا للاختبار. وقد طبق اختبار الذكاء نفسه البعدي في نهاية العام الدراسي الأول وفي نهاية العام الدراسي الثاني أي بعد أن تغير المعلمون الذين شاركوا بالتجربة دون دراية منهم بأغراضها الحقيقية.
ومن المهم الإشارة والتكرار أيضا أنه في العام الدراسي الثاني قد تغير معلموا التلاميذ المعنيين بالتجربة وهذا سيسمح بالتعرف على ما إذا كانت الأحكام المسبقة للمعلمين قد فقدت تأثيرها في مستوى تحصيل التلاميذ المتفوقين حسب القرعة. وأخيرا تمّ حساب الفروق في الدرجات بين الاختبار الأول وبين الاختبار الثاني بالنسبة للجماعة التجريبية والجماعة الضابطة.
نتائج دراسة روزنتال:
بينت التجربة أن طلاب المجموعة التجريبية (الطلاب الذين صنفوا بالقرعة على أنهم أذكياء) قد حققوا تقدما كبيرا في مستوى ذكائهم ونجاحهم المدرسي على طلاب المجموعة الضابطة وذلك في نهاية العام الدراسي الأول. وبعد مضي عامين، أي في نهاية العام الثاني، بيّن الاختبار الثاني أن تلامذة المجموعة التجريبية قد خسروا تقدمهم مع انقطاع علاقتهم بمعلميهم الذين كانو يحملون تصورا إيجابيا عنهم.
ويتعين علينا في مستوى التحليل أن نتساءل ما إذا كان التقدم الذي حققه أطفال المجموعة التجريبية في معدلات الذكاء قد تحقق على حساب المجموعة الضابطة؟ وهنا يمكن التصور بأن المعلمين كانوا قد اعطوا مزيدا من الاهتمام والعناية بالتلاميذ الذين قدمو على أنهم مبدعين وأذكياء بالمقارنة مع الآخرين. وهذا يعني أن التقدم الذي حققه الأطفال في المجموعة التجريبية لم يكن مفاجئا وكان نتيجة طبيعية لاهتمام المتعلمين المتزايد بهم.
ولكن روزنتال يستبعد هذا الاحتمال ويرى بأن المعلمين وعلى عكس ما هو متوقع منهم كرسوا وقتا أقل لتلاميذ المجموعة التجريبية، وعلى خلاف ما هو متوقع أيضا يرى روزنتال بأن تلامذة المجموعة الضابطة قد استفادوا من تقدم زملائهم في المجموعة التجريبية: ففي الصفوف التي حقق فيها أطفال المجموعة التجريبية أعلى مستويات التقدم في التحصيل المدرسي حقق أطفال المجموعة الضابطة أيضا ما يوازي هذا التقدم في اختبار الذكاء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يستطيع المعلمون إستنهاض مستوى ذكاء الطلاب استنادا إلى توقعهم بحدوث هذا التقدم. ومما لا شك فيه الموقف يلعب دورا هاما ومركزيا في هذه العملية، فموقفنا وسلوكنا إزاء الآخر يتحدد بالصورة التي نمتلكها عنه وبعلاقتنا به. وهنا يفترض في مدرسة إويك أن المعلمين قد تصرفوا بطريقة ودية مع الأطفال الذين حققوا تقدما في معدلات ذكائهم (أطفال المجموعة التجريبية) وبالتالي فإن هذا الموقف أحدث آثارا إيجابية فيما يتعلق بنشاط الطلاب ومستوى تقدمهم. وضمن هذا الافتراض فإن المعلمين وجهوا مزيدا من عنايتهم واهتمامهم إلى التلامذة المتوقع منهم تحقيق تقدم في التحصيل والذكاء. ووفقا لهذا التصور فإن المعلمين كانوا أكثر اهتماما بالمبادرات الإيجابية لهؤلاء الأطفال وأكثر نزوعا إلى تعزيز استجاباتهم وتشجيعهم بالمقارنة مع الوضعية العادية.
ولأن المعلمين قد تلقوا إشارة بأن هؤلاء الأطفال (المجموعة التجريبية) سيكونون متألقين أكثر من الآخرين فإن المعلمين أعطوا لهذه الفئة من التلاميذ اهتماما خاصا حيث عملوا على تعزيز مسار تحصيلهم وتفوقهم ومن ثم المواظبة على تقييمهم إيجابيا بطريقة تؤدي إلى تحسين مستوى التطور العقلي لديهم. وبالتالي فإن التفاعل الإيجابي بين المعلمين وطلابهم من المجموعة التجريبية قد شكل عاملا أساسيا من عوامل تقدم طلابهم ذهنيا عقليا.
لقد تعرضت تجربة روزنتال للنقد الحاد من قبل ثورندايك Thorndike وسنو Snow في الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل كارلييه Carlier وكودستيينر Gottesdiener في فرنسا. وقد تمركز النقد حول نوع الاختبار الذي لم يكن مكيفا لقياس مستوى ذكاء الأطفال، وأن هذا الاختبار قد أعطى نتائج خاطئة. ويرى كارلييه في هذا السياق بأن روزنتال لم يقدم برهانا منهجيا على مصداقية تحليله لأبعاد هذه الظاهرة المدروسة. وقد أعرب عن خشيته من تأثر منهجية الباحثين برغبتهم في إثبات الحقيقة التي تدور في رؤوسهم عن تأثير بِيجماليون، ويلاحظ بالتالي بأن هذه الرؤية لم تتحقق مصداقيتها إلا فيما يتعلق بمجموعة صغيرة من التلاميذ. فتأثير بِيجماليون يمكن ملاحظته في المدرسة من خلال عملية التمييز الاجتماعي التي تتم بين جدران المدرسة، وفي هذا السياق يلاحظ بأن صفوف التقوية التي أنشئت كمعابر مدرسية للطلاب الضعفاء تتحول في النهاية إلى صفوف تكرس الإخفاق والتراجع المدرسي حيث تتنامى الهوة بين الأقوياء والضعفاء. وهذا يعزى جزئيا أو كليا إلى تقديرات المعلمين الذين يعرفون جيدا المستوى العام للصف الذي يقومون بتدريسه..
وعلى أساس معطيات دراسة روزنتال ظهرت مقالات كثيرة في الصحافة الشعبية لتطرح عددا من الأفكار خارج السياق لدراسة روزنتال، حيث ذهب كتاب هذه المقالات إلى القول بأن الطفل الذي لا يستطيع القراءة بشكل جيد نتاج لإهمال وتقييم سلبي من قبل المعلم.
تأثير التوقعات:
لقد كشف كل بروكوفير في عام 1982 وكوبر في عام 1984 وكودون في عام 1987 عن مجموعة من العوامل والمتغيرات التي تؤثر في موقف المعلمين من التلاميذ وتدفعهم إلى تشكيل توقعات محددة حول مستواهم التحصيلي، ومن هذه العوامل يشار إلى متغير جنس التلاميذ فعلى سبيل المثال لا يضع المعلمون توقعات جيدة للإناث في هذا المقرر ولاسيما للطالبات الأكبر من حيث العمر. وهناك متغيرات أخرى مؤثرة في عملية بناء التوقعات مثل: الوضع الاقتصادي والاجتماعي للتلميذ، متغير الانتماء إلى جماعة إثنية، نمط المدرسة ومكانها، مظهر الطالب والطريقة التي يرتدي بها ملابسه، اللغة التي يستخدمها التلميذ ولاسيما عندما يكون المستوى اللغوي للطفل محدودا أو ضعيفا، طريقة الطالب في تنظيم شؤونه، نزعة المبادرة لدى التلميذ، فعدم نضج الطفل أو ضعف خبرته قد تتشاكل مع قدرته على التعلم وبالتالي فإن هذا المتغير يؤثر على تقدير المعلم وتوقعه بمستوى تحصيل الطفل ومن العوامل الأخرى المؤثرة يشار أيضا إلى: الانطباع العام للمعلم: بعض المعلمين يعممون بعض التصورات العامة حول التلميذ وهي تصورات قلما تستند إلى معطيات واقعية وحقيقية تتعلق بإمكانيات التلميذ وقدراته وإمكانياته الحقيقية، ثم متغير مكان جلوس الطالب في الأمام أو في الخلف أو في الوسط، متغير التعليقات السلبية التي توجه إلى التلميذ، متغير تصنيف التلميذ في مجموعات جيدة أو ضعيفة يمكنها أن تجر توقعات سلبية أو إيجابية لدى المعلم. تلك هي المعايير والمتعيرات التي يعتمدها المعلمون بطريقة عفوية لبناء توقعاتهم وتصوراتهم المتعلقة بمستوى نجاح التلميذ ومستوى تحصيله المدرسي. وهنا تبذل الجهود لمساعدة المعلمين على تجنب هذه النمط من الأحكام المسبقة حيث يتم العمل على تبصير المعلمين بخطورة هذه الأحكام المسبقة والتوقعات الأولية وكيفية تأثيرها لا شعوريا في علاقة المعلم بالأطفال والتلاميذ. في هذا السياق يعتقد روزنتا أن هذا المنطق السلبي يمكن أن يفهم بصورة خاطئة إذا اعتقد المعلم بأن الأحكام المسبقة والتوقعات الإيجابية أو السلبية التي تتعلق بالتلميذ يمكن أن تجعل منه ما يتوافق مع توقعاته بصورة عفوية.
وينوه الباحثون في هذا السياق أن إعطاء مصادر المعلومات أهمية كبيرة مثل نتائج الاختبارات والملفات المدرسية يمكنها أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. وهم يعلنون بأن هذه المعلومات المتعلقة بالتلاميذ يجب ألا تؤخذ على أنها حقيقة نهائية مطلقة بل يجب أن ينظر إلها وأن يستفاد منها في مسار اتخاذ القرارات المستقبلية التي تتعلق بالتلميذ. وهنا يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن للتلاميذ أن يتفاعلوا مع تقديرات وتوقعات عالية المستوى من قبل معلميهم.
ويرى الباحثون أن التوقعات الكبيرة والتقديرات العالية للتلاميذ تشكل عنصرا أساسيا في المكونات الضرورية لتحقيق نجاح أكبر في المدرسة. وهذا العامل يجب أن يتضافر مع عوامل أخرى مثل العناية الإدارية، والمناخ المدرسي المنظم الآمن، والتقويم المستمر لمستوى الطالب. وهذا العوامل يجب أن تتكامل أيضا مع عوامل أسرية منها ما يتصل بأوضاع التلميذ في المنزل ومواظبته على الدراسة وحصوله على الدعم الأبوي والعائلي حيث يجب على الأبوين أن يسمحا للطفل بالمشاركة في النشاطات الخارجية ولاسيما التلاميذ الذين يحتاجون إلى دروس تقوية تهدف إلى رفع سويتهم العلمية.
وغالبا ما يعزى انخفاض المستوى التحصيلي للتلاميذ إلى ضعف مستوى التلاميذ أنفسهم، وقلما يعزى هذا الضعف في التحصيل إلى الممارسة التربوية نفسها في المدرسة. ومن يتأمل في الأمر يجد أحيانا بأن المعلمين غالبا ما يضعون توقعات متدنية للتلاميذ وهذه التوقعات تؤثر في خفض مستوى تحصيلهم. فالأطفال الذين يصنفون ضعفاء في صفوفهم يتلقون معرفة واهتماما أقل إثارة والمعلمون لا ينتظرون شيئا مهما من قبل هؤلاء التلاميذ. ومن الطبيعي أن يتلقى هؤلاء الأطفال عددا كبيرا من الإشارات والتلميحات السلبية غير المباشرة التي تخفض لديهم دافعية العمل والإنجاز المدرسي وبالتالي فإن نتائجهم تكون على منوال التوقعات التي يرسمها معلموهم بصورة مسبقة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية العلاقة التي تربط بين المعلم والطالب حيث تكون هذه العلاقة في منتهى الخطورة والأهمية من حيث تأثيرها في مستوى نجاح الطالب أو مدى تحصيله المدرسي. فالعلاقة بين المعلم والتلميذ قد تكون حاسمة في تحديد مسار نجاح التلميذ، لأن هذه العلاقة تنطوي على جوانب ذاتية متنوعة ومتعددة تتجاوز حدود التجربة المدرسية ذاتها. فالعلاقة الإيجابية مع المعلم تمكن الطفل من أن يثق بنفسه وأن ينطلق وأن يشعر بالأمن التربوي وأن يشعر بالقدرة على المواظبة. وعلى خلاف ذلك إذا كانت هذه العلاقة سلبية فقد تؤدي إلى نتائج مدمرة في شخصية الطفل ومسار حياته المدرسية برمتها. وفي هذا السياق يلاحظ أن المعلم غالبا ما يبني علاقات أقوى وأعمق مع التلاميذ الذين يبدون مشاركين وفاعلين وواعدين وأن هذه العلاقة غالبا ما تكون سلبية مع الطلاب ذوي المستويات التحصيلة المتدنية.
خلاصة:
لقد بينت أعمال روزنتال وجاكوبسون بأن التوقعات التي يرسمها المعلمون حول المسار الدراسي للتلاميذ مؤثرة جدا، وغالبا ما تُتَرْجم هذه التوقعات إلى واقع مدرسي. ومن الواضح أن تأثير بِيجماليون يشكل إطارا منهجيا لتحليل وتفسير الجوانب المختلفة للحياة التربوية التي تتعلق بالتحصيل المدرسي للتلميذ. فالتقييم المدرسي الذي يجريه المعلم وتوقعاته حول مستوى التلميذ يلعب دورا كبيرا في عملية توجيه المسار المدرسي للطفل. ويجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تأثير بِيجماليون يبقى نتاجا لفكرة أسطورية في الأصل والجوهر، وهي فكرة يمكن اعتمادها في تفسير وتطوير الفعاليات المدرسية المتعلقة بعملية التنبؤ والتوقع والتطوير في مجال التحصيل المدرسي.
ومهما يكن الأمر فإن البعد التربوي لهذه الأسطورة يمكنه أن يوظف فعليا في توجيه السلوك التربوي للمربي الذي يجب عليه أن ينطلق في عمله من الإيمان بأهمية التعزيز الإيجابي للطفل عبر توقعات إيجابية، فالتوقعات السلبية والصورة السلبية غالبا ما تكون كارثية على التلميذ، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نعمل تربويا وفقا للحكمة التي تقول توسموا الخير تجدوه، أو هذه التي تقول كن جميلا ترى الكون جميلا، فكم يجب علينا أن نتوسم خيرا بأطفالنا وتلامذتنا من أجل خيرهم ومستقبلهم، وكم يتوجب علينا أن ننظر بعيون جميلة إلى أطفالنا وفلذات أكبادنا ليتألق الجمال لوحة أصيلة في قلوبهم وعقولهم ,
دراسة روزنتال:
لقد بينت التجربة في المجال المدرسي أن التنبؤ المدرسي للمعلمين يتحقق بصورة عفوية وذاتية: ففي الصفوف المدرسية التي تكون فيها توقعات المعلمين إيجابية حول مسيرة بعض الطلاب فإن هذه التوقعات غالبا ما تتحقق هذا الأمر وغالبا ما يحقق التلامذة المعنيون بهذه التوقعات الإيجابية نجاحا كبيرا وملحوظا يوازي توقعات معلميهم. وهذا ما أفادت به الدراسة التجريبية التي أجراها روزنتال في مدرسة أويك الحكومية الابتدائية. حيث تم توزيع التلاميذ في هذه المدرسة إلى ثلاثة مجموعات صنفت وفقا لثلاثة تقديرات من الذكاء: مرتفعو الذكاء، متوسطو الذكاء، ضعيفو الذكاء.
استخدم فريق روزنتال البحثي اختبارا نفسيا لقياس ذكاء التلاميذ في المدرسة، وقد أخفى الباحثون الغرض الأساسي لدراستهم الخاص بعملية اختبار تأثير بِيجماليون، وزعموا أنهم يختبرون تقنية جديدة تتعلق بتحسين بقياس معدلات الذكاء لدى الأطفال وعلاقة ذلك بمستوى نجاحهم في المدرسة.
في البداية قام الباحثون بتطبيق اختبار الذكاء الأولي القبلي مع بداية العام الدراسي على جميع التلاميذ في جميع الصفوف المدرسية في مدرسة أويك. وكان الهدف من هذه التجربة العلمية قياس معدلات ذكاء الأطفال من جهة واختبار ما أطلق عليه تأثير بِيجماليون من جهة أخرى.
وعندما أنجز الباحثون اختبار معدل الذكاء الأولي أو القبلي قاموا بانتخاب 20% من عدد التلاميذ عن طريق القرعة زُعم الباحثون أنهم حققوا نتائج عالية في معدلات ذكائهم، وقدمت لائحة بأسمائهم إلى معلميهم. وهنا يجب أن نؤكد بأن أسماء هؤلاء التلاميذ قد اختيرت بطريقة القرعة بصورة عشوائية وليس بناء على أي اختبار حقيقي لذكائهم. وقد شكلت الجماعة التجريبية للطلاب مزعومي الذكاء (وفقا للقرعة) نسبة 20% من عدد الطلاب في المدرسة، أما الجماعة الضابطة فهي ما تبقى من الطلاب في المدرسة حيث لم تقدم اية معلومات عن مستوى ذكائهم وفقا للاختبار. وقد طبق اختبار الذكاء نفسه البعدي في نهاية العام الدراسي الأول وفي نهاية العام الدراسي الثاني أي بعد أن تغير المعلمون الذين شاركوا بالتجربة دون دراية منهم بأغراضها الحقيقية.
ومن المهم الإشارة والتكرار أيضا أنه في العام الدراسي الثاني قد تغير معلموا التلاميذ المعنيين بالتجربة وهذا سيسمح بالتعرف على ما إذا كانت الأحكام المسبقة للمعلمين قد فقدت تأثيرها في مستوى تحصيل التلاميذ المتفوقين حسب القرعة. وأخيرا تمّ حساب الفروق في الدرجات بين الاختبار الأول وبين الاختبار الثاني بالنسبة للجماعة التجريبية والجماعة الضابطة.
نتائج دراسة روزنتال:
بينت التجربة أن طلاب المجموعة التجريبية (الطلاب الذين صنفوا بالقرعة على أنهم أذكياء) قد حققوا تقدما كبيرا في مستوى ذكائهم ونجاحهم المدرسي على طلاب المجموعة الضابطة وذلك في نهاية العام الدراسي الأول. وبعد مضي عامين، أي في نهاية العام الثاني، بيّن الاختبار الثاني أن تلامذة المجموعة التجريبية قد خسروا تقدمهم مع انقطاع علاقتهم بمعلميهم الذين كانو يحملون تصورا إيجابيا عنهم.
ويتعين علينا في مستوى التحليل أن نتساءل ما إذا كان التقدم الذي حققه أطفال المجموعة التجريبية في معدلات الذكاء قد تحقق على حساب المجموعة الضابطة؟ وهنا يمكن التصور بأن المعلمين كانوا قد اعطوا مزيدا من الاهتمام والعناية بالتلاميذ الذين قدمو على أنهم مبدعين وأذكياء بالمقارنة مع الآخرين. وهذا يعني أن التقدم الذي حققه الأطفال في المجموعة التجريبية لم يكن مفاجئا وكان نتيجة طبيعية لاهتمام المتعلمين المتزايد بهم.
ولكن روزنتال يستبعد هذا الاحتمال ويرى بأن المعلمين وعلى عكس ما هو متوقع منهم كرسوا وقتا أقل لتلاميذ المجموعة التجريبية، وعلى خلاف ما هو متوقع أيضا يرى روزنتال بأن تلامذة المجموعة الضابطة قد استفادوا من تقدم زملائهم في المجموعة التجريبية: ففي الصفوف التي حقق فيها أطفال المجموعة التجريبية أعلى مستويات التقدم في التحصيل المدرسي حقق أطفال المجموعة الضابطة أيضا ما يوازي هذا التقدم في اختبار الذكاء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يستطيع المعلمون إستنهاض مستوى ذكاء الطلاب استنادا إلى توقعهم بحدوث هذا التقدم. ومما لا شك فيه الموقف يلعب دورا هاما ومركزيا في هذه العملية، فموقفنا وسلوكنا إزاء الآخر يتحدد بالصورة التي نمتلكها عنه وبعلاقتنا به. وهنا يفترض في مدرسة إويك أن المعلمين قد تصرفوا بطريقة ودية مع الأطفال الذين حققوا تقدما في معدلات ذكائهم (أطفال المجموعة التجريبية) وبالتالي فإن هذا الموقف أحدث آثارا إيجابية فيما يتعلق بنشاط الطلاب ومستوى تقدمهم. وضمن هذا الافتراض فإن المعلمين وجهوا مزيدا من عنايتهم واهتمامهم إلى التلامذة المتوقع منهم تحقيق تقدم في التحصيل والذكاء. ووفقا لهذا التصور فإن المعلمين كانوا أكثر اهتماما بالمبادرات الإيجابية لهؤلاء الأطفال وأكثر نزوعا إلى تعزيز استجاباتهم وتشجيعهم بالمقارنة مع الوضعية العادية.
ولأن المعلمين قد تلقوا إشارة بأن هؤلاء الأطفال (المجموعة التجريبية) سيكونون متألقين أكثر من الآخرين فإن المعلمين أعطوا لهذه الفئة من التلاميذ اهتماما خاصا حيث عملوا على تعزيز مسار تحصيلهم وتفوقهم ومن ثم المواظبة على تقييمهم إيجابيا بطريقة تؤدي إلى تحسين مستوى التطور العقلي لديهم. وبالتالي فإن التفاعل الإيجابي بين المعلمين وطلابهم من المجموعة التجريبية قد شكل عاملا أساسيا من عوامل تقدم طلابهم ذهنيا عقليا.
لقد تعرضت تجربة روزنتال للنقد الحاد من قبل ثورندايك Thorndike وسنو Snow في الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل كارلييه Carlier وكودستيينر Gottesdiener في فرنسا. وقد تمركز النقد حول نوع الاختبار الذي لم يكن مكيفا لقياس مستوى ذكاء الأطفال، وأن هذا الاختبار قد أعطى نتائج خاطئة. ويرى كارلييه في هذا السياق بأن روزنتال لم يقدم برهانا منهجيا على مصداقية تحليله لأبعاد هذه الظاهرة المدروسة. وقد أعرب عن خشيته من تأثر منهجية الباحثين برغبتهم في إثبات الحقيقة التي تدور في رؤوسهم عن تأثير بِيجماليون، ويلاحظ بالتالي بأن هذه الرؤية لم تتحقق مصداقيتها إلا فيما يتعلق بمجموعة صغيرة من التلاميذ. فتأثير بِيجماليون يمكن ملاحظته في المدرسة من خلال عملية التمييز الاجتماعي التي تتم بين جدران المدرسة، وفي هذا السياق يلاحظ بأن صفوف التقوية التي أنشئت كمعابر مدرسية للطلاب الضعفاء تتحول في النهاية إلى صفوف تكرس الإخفاق والتراجع المدرسي حيث تتنامى الهوة بين الأقوياء والضعفاء. وهذا يعزى جزئيا أو كليا إلى تقديرات المعلمين الذين يعرفون جيدا المستوى العام للصف الذي يقومون بتدريسه..
وعلى أساس معطيات دراسة روزنتال ظهرت مقالات كثيرة في الصحافة الشعبية لتطرح عددا من الأفكار خارج السياق لدراسة روزنتال، حيث ذهب كتاب هذه المقالات إلى القول بأن الطفل الذي لا يستطيع القراءة بشكل جيد نتاج لإهمال وتقييم سلبي من قبل المعلم.
تأثير التوقعات:
لقد كشف كل بروكوفير في عام 1982 وكوبر في عام 1984 وكودون في عام 1987 عن مجموعة من العوامل والمتغيرات التي تؤثر في موقف المعلمين من التلاميذ وتدفعهم إلى تشكيل توقعات محددة حول مستواهم التحصيلي، ومن هذه العوامل يشار إلى متغير جنس التلاميذ فعلى سبيل المثال لا يضع المعلمون توقعات جيدة للإناث في هذا المقرر ولاسيما للطالبات الأكبر من حيث العمر. وهناك متغيرات أخرى مؤثرة في عملية بناء التوقعات مثل: الوضع الاقتصادي والاجتماعي للتلميذ، متغير الانتماء إلى جماعة إثنية، نمط المدرسة ومكانها، مظهر الطالب والطريقة التي يرتدي بها ملابسه، اللغة التي يستخدمها التلميذ ولاسيما عندما يكون المستوى اللغوي للطفل محدودا أو ضعيفا، طريقة الطالب في تنظيم شؤونه، نزعة المبادرة لدى التلميذ، فعدم نضج الطفل أو ضعف خبرته قد تتشاكل مع قدرته على التعلم وبالتالي فإن هذا المتغير يؤثر على تقدير المعلم وتوقعه بمستوى تحصيل الطفل ومن العوامل الأخرى المؤثرة يشار أيضا إلى: الانطباع العام للمعلم: بعض المعلمين يعممون بعض التصورات العامة حول التلميذ وهي تصورات قلما تستند إلى معطيات واقعية وحقيقية تتعلق بإمكانيات التلميذ وقدراته وإمكانياته الحقيقية، ثم متغير مكان جلوس الطالب في الأمام أو في الخلف أو في الوسط، متغير التعليقات السلبية التي توجه إلى التلميذ، متغير تصنيف التلميذ في مجموعات جيدة أو ضعيفة يمكنها أن تجر توقعات سلبية أو إيجابية لدى المعلم. تلك هي المعايير والمتعيرات التي يعتمدها المعلمون بطريقة عفوية لبناء توقعاتهم وتصوراتهم المتعلقة بمستوى نجاح التلميذ ومستوى تحصيله المدرسي. وهنا تبذل الجهود لمساعدة المعلمين على تجنب هذه النمط من الأحكام المسبقة حيث يتم العمل على تبصير المعلمين بخطورة هذه الأحكام المسبقة والتوقعات الأولية وكيفية تأثيرها لا شعوريا في علاقة المعلم بالأطفال والتلاميذ. في هذا السياق يعتقد روزنتا أن هذا المنطق السلبي يمكن أن يفهم بصورة خاطئة إذا اعتقد المعلم بأن الأحكام المسبقة والتوقعات الإيجابية أو السلبية التي تتعلق بالتلميذ يمكن أن تجعل منه ما يتوافق مع توقعاته بصورة عفوية.
وينوه الباحثون في هذا السياق أن إعطاء مصادر المعلومات أهمية كبيرة مثل نتائج الاختبارات والملفات المدرسية يمكنها أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. وهم يعلنون بأن هذه المعلومات المتعلقة بالتلاميذ يجب ألا تؤخذ على أنها حقيقة نهائية مطلقة بل يجب أن ينظر إلها وأن يستفاد منها في مسار اتخاذ القرارات المستقبلية التي تتعلق بالتلميذ. وهنا يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن للتلاميذ أن يتفاعلوا مع تقديرات وتوقعات عالية المستوى من قبل معلميهم.
ويرى الباحثون أن التوقعات الكبيرة والتقديرات العالية للتلاميذ تشكل عنصرا أساسيا في المكونات الضرورية لتحقيق نجاح أكبر في المدرسة. وهذا العامل يجب أن يتضافر مع عوامل أخرى مثل العناية الإدارية، والمناخ المدرسي المنظم الآمن، والتقويم المستمر لمستوى الطالب. وهذا العوامل يجب أن تتكامل أيضا مع عوامل أسرية منها ما يتصل بأوضاع التلميذ في المنزل ومواظبته على الدراسة وحصوله على الدعم الأبوي والعائلي حيث يجب على الأبوين أن يسمحا للطفل بالمشاركة في النشاطات الخارجية ولاسيما التلاميذ الذين يحتاجون إلى دروس تقوية تهدف إلى رفع سويتهم العلمية.
وغالبا ما يعزى انخفاض المستوى التحصيلي للتلاميذ إلى ضعف مستوى التلاميذ أنفسهم، وقلما يعزى هذا الضعف في التحصيل إلى الممارسة التربوية نفسها في المدرسة. ومن يتأمل في الأمر يجد أحيانا بأن المعلمين غالبا ما يضعون توقعات متدنية للتلاميذ وهذه التوقعات تؤثر في خفض مستوى تحصيلهم. فالأطفال الذين يصنفون ضعفاء في صفوفهم يتلقون معرفة واهتماما أقل إثارة والمعلمون لا ينتظرون شيئا مهما من قبل هؤلاء التلاميذ. ومن الطبيعي أن يتلقى هؤلاء الأطفال عددا كبيرا من الإشارات والتلميحات السلبية غير المباشرة التي تخفض لديهم دافعية العمل والإنجاز المدرسي وبالتالي فإن نتائجهم تكون على منوال التوقعات التي يرسمها معلموهم بصورة مسبقة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية العلاقة التي تربط بين المعلم والطالب حيث تكون هذه العلاقة في منتهى الخطورة والأهمية من حيث تأثيرها في مستوى نجاح الطالب أو مدى تحصيله المدرسي. فالعلاقة بين المعلم والتلميذ قد تكون حاسمة في تحديد مسار نجاح التلميذ، لأن هذه العلاقة تنطوي على جوانب ذاتية متنوعة ومتعددة تتجاوز حدود التجربة المدرسية ذاتها. فالعلاقة الإيجابية مع المعلم تمكن الطفل من أن يثق بنفسه وأن ينطلق وأن يشعر بالأمن التربوي وأن يشعر بالقدرة على المواظبة. وعلى خلاف ذلك إذا كانت هذه العلاقة سلبية فقد تؤدي إلى نتائج مدمرة في شخصية الطفل ومسار حياته المدرسية برمتها. وفي هذا السياق يلاحظ أن المعلم غالبا ما يبني علاقات أقوى وأعمق مع التلاميذ الذين يبدون مشاركين وفاعلين وواعدين وأن هذه العلاقة غالبا ما تكون سلبية مع الطلاب ذوي المستويات التحصيلة المتدنية.
خلاصة:
لقد بينت أعمال روزنتال وجاكوبسون بأن التوقعات التي يرسمها المعلمون حول المسار الدراسي للتلاميذ مؤثرة جدا، وغالبا ما تُتَرْجم هذه التوقعات إلى واقع مدرسي. ومن الواضح أن تأثير بِيجماليون يشكل إطارا منهجيا لتحليل وتفسير الجوانب المختلفة للحياة التربوية التي تتعلق بالتحصيل المدرسي للتلميذ. فالتقييم المدرسي الذي يجريه المعلم وتوقعاته حول مستوى التلميذ يلعب دورا كبيرا في عملية توجيه المسار المدرسي للطفل. ويجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تأثير بِيجماليون يبقى نتاجا لفكرة أسطورية في الأصل والجوهر، وهي فكرة يمكن اعتمادها في تفسير وتطوير الفعاليات المدرسية المتعلقة بعملية التنبؤ والتوقع والتطوير في مجال التحصيل المدرسي.
ومهما يكن الأمر فإن البعد التربوي لهذه الأسطورة يمكنه أن يوظف فعليا في توجيه السلوك التربوي للمربي الذي يجب عليه أن ينطلق في عمله من الإيمان بأهمية التعزيز الإيجابي للطفل عبر توقعات إيجابية، فالتوقعات السلبية والصورة السلبية غالبا ما تكون كارثية على التلميذ، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نعمل تربويا وفقا للحكمة التي تقول توسموا الخير تجدوه، أو هذه التي تقول كن جميلا ترى الكون جميلا، فكم يجب علينا أن نتوسم خيرا بأطفالنا وتلامذتنا من أجل خيرهم ومستقبلهم، وكم يتوجب علينا أن ننظر بعيون جميلة إلى أطفالنا وفلذات أكبادنا ليتألق الجمال لوحة أصيلة في قلوبهم وعقولهم ,
مسألة تعريف الفلسفة ـ موسى برلال
عن أنفاس نت
إن ما يميز الفلسفة عن باقي التخصصات المعرفية هو كونها لا تكتفي بالبحث في أهم الإشكالات التي درجت على مناقشتها عبر تاريخها، بل على العكس من ذلك، تجعل من ذاتها موضوعا للتساؤل المستمر، وهي السمة الأساسية المحايثة للتفكير الفلسفي منذ نشأته إلى حدود الفترة المعاصرة، حيث استقلت مختلف المباحث العلمية ما جعل سؤال ما الفلسفة يطرح ذاته بقوة أكثر. في هذا الصدد يتبلور الإشكال الآتي:
كيف عالجت الفلسفة مسألة تعريفها لذاتها عبر التاريخ؟ وما الإشكالات التي يطرحها هذا التعريف؟
لا شك أن للفلسفة موضوعات ومباحث كبرى تبلورت منذ الفلسفة اليونانية، وهو ما يعرف بالمباحث الفلسفية الكبرى (الوجود، المعرفة، الأخلاق والسياسة، الجمال). غير أن ظهور الفلسفة لم ينفصل عن البحث عن ماهيتها، لدرجة يمكن القول أن كل فلسفة قدمت تعريفا وتصورا خاصا للفلسفة ذاتها. ذلك ما سيتضح من خلال هذا العرض الفلسفي، مع الإشارة إلى أن سؤال "ما الفلسفة؟" سيطرح بقوة في الفلسفة المعاصرة بشكل خاص.
كيف عالجت الفلسفة مسألة تعريفها لذاتها عبر التاريخ؟ وما الإشكالات التي يطرحها هذا التعريف؟
لا شك أن للفلسفة موضوعات ومباحث كبرى تبلورت منذ الفلسفة اليونانية، وهو ما يعرف بالمباحث الفلسفية الكبرى (الوجود، المعرفة، الأخلاق والسياسة، الجمال). غير أن ظهور الفلسفة لم ينفصل عن البحث عن ماهيتها، لدرجة يمكن القول أن كل فلسفة قدمت تعريفا وتصورا خاصا للفلسفة ذاتها. ذلك ما سيتضح من خلال هذا العرض الفلسفي، مع الإشارة إلى أن سؤال "ما الفلسفة؟" سيطرح بقوة في الفلسفة المعاصرة بشكل خاص.
إن نشأة الفلسفة اتسم بتميز هذا الخطاب عن خطابات أخرى كالأسطورة، حيث اعتبِر التفكير الفلسفي تفكيرا عقلانيا ومكتوبا ويخضع للمحاججة. غير أن أرسطو قام بتصنيف للمباحث الفلسفية، والتي كان من ضمنها العلوم، وفق سلم تراتبي، واعتبر أشرف فلسفة هي الأبعد من المادة ومن مجال الممارسة العملية. وبذلك احتلت الميتافيزيقا أعلى السلم بما هي بحث عن الوجود بما هو موجود. وقد استمر هذا التصور للفلسفة لدى المسلمين، حيث وضعوا الإلهيات في أعلى مرتبة. وعليه انضافت للفلسفة الإسلامية إشكالية جديدة، وهي النظر إلى الوجود بما هو "دال على الموجِد" في إطار التوفيق بين الدين والفلسفة والبرهان على وجود الله. بينما كانت إشكالية الله في الفلسفة اليونانية مهملة إلى حد ما، إذ لجأ إليها أرسطو مثلا كضرورة فرضها تصوره للحركة التي لا بد أن تتوقف عند محرك أول لا يتحرك.
غير أن الفلسفة الحديثة وضعت الفلسفة اليونانية موضع سؤال، خاصة فلسفة أرسطو الذي مثل ذروة الفلسفة اليونانية، وذلك في سياق ظهور حقائق علمية جديدة فندت التصور الأرسطي للكون. وهكذا سيضع ديكارت وبيكون تصورا جديدا للفلسفة. وقد اهتما بإشكالية المنهج الذي يصلح للعلم الحديث بشكل خاص.. لقد فرضت المنظومة الميكانيكية الفصل بين المادة والنفس، بينما كانت النفس في المنظور الأرسطي توجد عند النباتات والحيوانات أيضا بدرجات مختلفة. في هذا الصدد أسس أرسطو لفلسفة الذات، كما تناول المسائل الميتافيزيقية القديمة (الله، النفس..) وبرهن عليها بأدلة عقلية (الدليل الأنطولوجي، الدليل الإنساني التجريبي...الخ)، وهو الشيء الذي جعل كانط ينتقد ديكارت وكل الفلاسفة الذين تناولوا الموضوعات الميتافيزيقية، باعتبار أن العقل ليس بمقدوره الحسم في هذه الموضوعات التي سماها كانط نقائض العقل. وعليه وضع حدودا للعقل لا ينبغي تجازوها.
ونجد في نهاية المرحلة الحديثة نقدا آخر لموضوع الفلسفة في ظل سيادة النزعة الوضعية، حيث اعتبر اوغست كونت أن هناك ثلاث مراحل تطورية للفكر البشري، وأن المرحلة الفلسفية أصبحت متجاوزة مع سيادة العلوم الدقيقة، وهو ما جعل هوسرل يعتبر ذلك بمثابة ضربة لعنق الفلسفة. وفي الفلسفة المعاصرة، ستصبح تلك الإشكالية أكثر جدية، حيث نادى هيدغر باكتمال الميتافيزيقا كما تعالت الخطابات المنادية بموت الإنسان (فوكو) ونهاية التاريخ (فوكوياما)، وذلك في سياق بروز فلسفات تفكيكية ونقدية. غير أن جاك دريدا اعتبر أنه رغم موت الفلسفة فإنها هي التي تقود جنازتها، بما مفاده أن كل نقد للفلسفة يحتاج لإقامة فلسفة بديلة.
من خلال هذه العتبات التاريخية لتطور الخطاب الفلسفي وتجدد موضوع الفلسفة اتضح فعلا أن كل نسق فلسفي يعبر عن تصور ما للفلسفة وماهيتها. وقد ربط جون دييوي بين الفلسفة وسياقها الاجتماعي والتاريخي معتبرا أن الفلسفة ما هي إلا انعكاس للإشكالات التي يفرضها الواقع الاجتماعي والحقائق العلمية الجديدة في فترة تاريخية معينة. ومن هذا المنظور حتى لو نظرنا لإجابة دولوز عن سؤال ما الفلسفة؟ حيث خصها بإبداع المفاهيم مقابل العلم الذي يشتغل بالوظائف؛ فإننا نجده نفسه يبدع مفاهيما مجسدة تعريفه للفلسفة. وذلك من قبيل: الشخصيات المفهومية، الآلات الراغبة، ثم جسد بدون أعضاء (كتاب ألف سطح) ....الخ.
بهذا المعنى فتعريف الفلسفة يفترض إقامة فلسفة، فضلا عن تقديم تصور خاص للإشكالات الفلسفية الكبرى. لكن السؤال الذي يبقى موضع جدال بين الفلاسفة هو: لماذا تم تعريف الفلسفة بهذا المفهوم دون غيره؟
هنا سننفتح على إشكالية اختلاف الأولويات والمثل التي تنشدها كل فلسفة، فأفلاطون مثلا كان يهمه الحقائق المتعالية والمثل الخالدة ما جعله يحتقر الحس والجسد، وهذا ما جعل نيتشه ينتقده بقلب ذلك التصور وتأكيد إرادة القوة ومنح الجسد والحياة مكانة متميزة مقابل تحقيره للمثل الأخلاقية التي لا تعبر إلا عن أخلاق العبيد مقابل أخلاق السادة. غير أن فلسفات الاختلاف جذرت تصور نيتشه وجعلت الفلسفة عمل نقدي وتفكيكي يكشف عن علاقات السلطة (فوكو) ويعيد الاعتبار للهامش (دريدا)...الخ.
ومجمل القول، إن مسألة تعريف الفلسفة تبقى موضع نقاش مستمر بين الفلاسفة. لكن هذا التعريف ينبني على تصور ما للإنسان والوجود، وهو أمر لم يكن محسوما بين مختلف المذاهب والتوجهات الفلسفية. وبهذا المعنى، فكل تعريف للفلسفة يبقى تعريفا نسبيا ولا ينفصل عن سياقات معينة. بعبارة أخرى، فهذا السؤال يضعنا في قلب الممارسة الفلسفية بقدر ما هو سؤال أركيولوجي يعبر عن الإبستيمي السائد، أي النظام المعرفي الموجه لمرحلة ما من التاريخ.
غير أن الفلسفة الحديثة وضعت الفلسفة اليونانية موضع سؤال، خاصة فلسفة أرسطو الذي مثل ذروة الفلسفة اليونانية، وذلك في سياق ظهور حقائق علمية جديدة فندت التصور الأرسطي للكون. وهكذا سيضع ديكارت وبيكون تصورا جديدا للفلسفة. وقد اهتما بإشكالية المنهج الذي يصلح للعلم الحديث بشكل خاص.. لقد فرضت المنظومة الميكانيكية الفصل بين المادة والنفس، بينما كانت النفس في المنظور الأرسطي توجد عند النباتات والحيوانات أيضا بدرجات مختلفة. في هذا الصدد أسس أرسطو لفلسفة الذات، كما تناول المسائل الميتافيزيقية القديمة (الله، النفس..) وبرهن عليها بأدلة عقلية (الدليل الأنطولوجي، الدليل الإنساني التجريبي...الخ)، وهو الشيء الذي جعل كانط ينتقد ديكارت وكل الفلاسفة الذين تناولوا الموضوعات الميتافيزيقية، باعتبار أن العقل ليس بمقدوره الحسم في هذه الموضوعات التي سماها كانط نقائض العقل. وعليه وضع حدودا للعقل لا ينبغي تجازوها.
ونجد في نهاية المرحلة الحديثة نقدا آخر لموضوع الفلسفة في ظل سيادة النزعة الوضعية، حيث اعتبر اوغست كونت أن هناك ثلاث مراحل تطورية للفكر البشري، وأن المرحلة الفلسفية أصبحت متجاوزة مع سيادة العلوم الدقيقة، وهو ما جعل هوسرل يعتبر ذلك بمثابة ضربة لعنق الفلسفة. وفي الفلسفة المعاصرة، ستصبح تلك الإشكالية أكثر جدية، حيث نادى هيدغر باكتمال الميتافيزيقا كما تعالت الخطابات المنادية بموت الإنسان (فوكو) ونهاية التاريخ (فوكوياما)، وذلك في سياق بروز فلسفات تفكيكية ونقدية. غير أن جاك دريدا اعتبر أنه رغم موت الفلسفة فإنها هي التي تقود جنازتها، بما مفاده أن كل نقد للفلسفة يحتاج لإقامة فلسفة بديلة.
من خلال هذه العتبات التاريخية لتطور الخطاب الفلسفي وتجدد موضوع الفلسفة اتضح فعلا أن كل نسق فلسفي يعبر عن تصور ما للفلسفة وماهيتها. وقد ربط جون دييوي بين الفلسفة وسياقها الاجتماعي والتاريخي معتبرا أن الفلسفة ما هي إلا انعكاس للإشكالات التي يفرضها الواقع الاجتماعي والحقائق العلمية الجديدة في فترة تاريخية معينة. ومن هذا المنظور حتى لو نظرنا لإجابة دولوز عن سؤال ما الفلسفة؟ حيث خصها بإبداع المفاهيم مقابل العلم الذي يشتغل بالوظائف؛ فإننا نجده نفسه يبدع مفاهيما مجسدة تعريفه للفلسفة. وذلك من قبيل: الشخصيات المفهومية، الآلات الراغبة، ثم جسد بدون أعضاء (كتاب ألف سطح) ....الخ.
بهذا المعنى فتعريف الفلسفة يفترض إقامة فلسفة، فضلا عن تقديم تصور خاص للإشكالات الفلسفية الكبرى. لكن السؤال الذي يبقى موضع جدال بين الفلاسفة هو: لماذا تم تعريف الفلسفة بهذا المفهوم دون غيره؟
هنا سننفتح على إشكالية اختلاف الأولويات والمثل التي تنشدها كل فلسفة، فأفلاطون مثلا كان يهمه الحقائق المتعالية والمثل الخالدة ما جعله يحتقر الحس والجسد، وهذا ما جعل نيتشه ينتقده بقلب ذلك التصور وتأكيد إرادة القوة ومنح الجسد والحياة مكانة متميزة مقابل تحقيره للمثل الأخلاقية التي لا تعبر إلا عن أخلاق العبيد مقابل أخلاق السادة. غير أن فلسفات الاختلاف جذرت تصور نيتشه وجعلت الفلسفة عمل نقدي وتفكيكي يكشف عن علاقات السلطة (فوكو) ويعيد الاعتبار للهامش (دريدا)...الخ.
ومجمل القول، إن مسألة تعريف الفلسفة تبقى موضع نقاش مستمر بين الفلاسفة. لكن هذا التعريف ينبني على تصور ما للإنسان والوجود، وهو أمر لم يكن محسوما بين مختلف المذاهب والتوجهات الفلسفية. وبهذا المعنى، فكل تعريف للفلسفة يبقى تعريفا نسبيا ولا ينفصل عن سياقات معينة. بعبارة أخرى، فهذا السؤال يضعنا في قلب الممارسة الفلسفية بقدر ما هو سؤال أركيولوجي يعبر عن الإبستيمي السائد، أي النظام المعرفي الموجه لمرحلة ما من التاريخ.
الجمعة، 16 مارس 2018
التعليم : نحو خوصصة المدارس بقلم : لورانس كالافاتيديس
عن أكاديمية
تعمل المنظمة العالمية للتجارة وتوابعها على إغراقنا بخطاب أشبه بالرقيا عن مزايا الشمولية ومحاسنها ، وذلك بغرض التقليل من مخاوفنا وضمان انخراطنا ومشاركتنا في برامجها : ومن بين هذه المحاسن والمزايا شعارات التجارة في خدمة السلام ، التعاون الاقتصادي العالمي من أجل تأمين رفاهية الشعوب ، عدالة وشفافية القواعد . . . الخ . ومع ذلك فإن النعيم والسعادة التي ما فتئت تعدنا بهما يتم في كل وقت وحين إرجاؤهما إلى ما بعد . وفي انتظار هذه السعادة وذلك النعيم فإن الشركات العابرة للأوطان ، وهي المستفيد الحقيقي من هذه الشمولية ، تنوي إقحامنا وتجنيدنا كأدوات في الحرب الاقتصادية ، وجعلنا نتكبد عواقب ونتائج المنافسة العالمية ، من خلال جعلنا نتكيف مع القوانين الاقتصادية الصارمة للمنافسة .
هجوم كاسح على الخدمات العمومية
إن هذه الاتفاقية التي وقعت في مراكش سنة 1994 هي اليوم في قلب الأحداث . وبالفعل ، فهذه الاتفاقية الإطار ينتظر التفاوض بشأنها كل خمس سنوات إلى حين تنفيذها بالكامل ، أي إلى حين إنجاز التحرير الكلي لكل قطاعات الخدمات العمومية المذكورة وعددها 160 . ولقد أعيد إطلاق المفاوضات الجديدة في فبراير 2000 بجنيف في إطار أكبر قدر من السرية والتعتيم؛ فقد تحاشى الوزراء الدعاية لهذه المفاوضات ، إذ أن الأمر يتطلب كامل الحذر باعتبار أن هذه الاتفاقية تعتبر هجوما كاسحا على الخدمات العمومية ! فلن تعفي الاتفاقية أي مجال : المياه ، الطاقة ، البريد ، السكك الحديدية ، المكتبات ، المتاحف …. وبخاصة مجالي الصحة والتعليم ؛ ف ” التعليم ” بالنسبة للآخذين بالليبرالية ” إلى جانب الصحة العمومية ، هما آخر الحصون والقلاع التي يجب غزوها ” (2) .
لقد حاول حكامنا طمأنتنا وبذلوا كل الجهود من أجل ذلك من خلال جعلنا تعتقد بأن التعليم ليس مطروحا على جدول أعمال المناقشات المتعلقة بهذه الاتفاقية . الحكومة الكندية وحدها كانت أقل نفاقا ، فهي لا تخفي من جهتها بأنه تم ” الاعتراف من قبل عديد من البلدان بأن خدمات التعليم تعتبر قطاعا يحوز الأسبقية في المفاوضات المرتقبة بخصوص تجارة الخدمات ” (3) . أما بخصوص البعثة الأمريكية ، فقد سبق لها أن أعلنت عن مطالبها في مجال خوصصة التعليم الجامعي والتكوين الخاص بالكبار . ومن أجل فهم ما يطبخ حاليا بالمنظمة العالمية للتجارة فإن إحاطة متكاملة تفرض نفسها بخصوص ما يجب أن ندعوه منذ اليوم : السوق الكونية للتعليم .
التعليم : ” سوق كونية “
تبلغ مصاريف التعليم 200 مليار دولار ، أي 20/1 من الناتج الداخلي الخام العالمي (4) و ” التعليم ” بالنسبة لغلين ر.جونز ، الرئيس المدير العام لشركة جونز العالمية المحدودة ” هو أحد الأسواق ذات إيقاع النمو السريع جدا ، وينتظر أن يعرف التكوين الخصوصي وصناعة تعليم الكبار نسبة نمو برقمين خلال العشرية القادمة كلها ” (5) ، وهو ما يثير شجع العديد من الناس. ومن ثمة فإن التعليم العمومي يضحي المنافس الذي يجب إلى وضعه الملائم . ” إنه يجري الآن إصلاح عميق للتعليم العمومي ، وهو إصلاح موجه نحو السوق وعن طريقها ” (6) ، وحسب منظمة اليونيسكو ” فإن القواعد المؤطرة لانفتاح مدرسة ما في عديد من البلدان قد تم تبسيطها وتيسيرها ، ويتم تحويل تدبير المؤسسات العمومية إلى شركات خاصة . الخطوة الموالية تتمثل في تحويل المدرسة إلى مقاولة بمعنى الكلمة ” (7) . إن بعض الحكومات هي موافقة بشكل كلي ؛ فالحكومة الفيدرالية بالولايات المتحدة منكبة على إصلاح أنظمة التعليم بتعاون وثيق مع التحالف الوطني للتجارة National Alliance of Business ، وهو لوبي جد قوي (8) .
وقد انتهت الإصلاحات البرلمانية بزيلندة الجديدة إلى وضع ” البرنامج التحريري للتعليم الأكثر جرأة ، والذي لم يتم العمل به من قبل في أي بلد من البلدان الغنية ” (9) . كما أن مجال تدبير المدارس العمومية بكاملها أضحى ببريطانيا العظمى منذ مدة بين أيدي الشركات الخاصة كشركة بروكتر وغامبل أو شركة شال العالمية .
ويقترح عدد متزايد من الجامعات العمومية في مواجهة الانخفاض المتوالي للإنفاق الحكومي أنواعا من التكوين المؤدى عنه كأوكسفورد بإنجلترا (10) وماك جيل بكندا . . . وقد تحولت بعض الجامعات بالكامل إلى مقاولات كجامعة هوناش بأوستراليا .
أما بأوربا فإن الإصلاحات المطلوبة بغرض خوصصة أنظمة التعليم العمومي فيتم إدراجها واعتمادها بشكل تدريجي ، غير أن الموضوع جد حساس مما يفرض التحرك بحذر . وقد قررت اللجنة الأوربية أن تأخذ المسألة على عاتقها تحت ضغط المائدة المستديرة لرجال الصناعة الأوربيين (ERT) ، وفي هذا الإطار فإن تكنولوجيات التكوين والتواصل الجديدة توفر مبررا مثاليا . وتحت عصا المفوضة الأوربية فيفيان ريدينغ قرر وزراء التربية ” أن يتعبأوا من أجل الانخراط الكلي في الاقتصاد الجديد ” (11) . وينتظر قبل نهاية سنة 2001 أن يتم ربط مجموع المدارس الأوربية بشبكة الأنترنيت، وفي الوقت الذي يتم فيه إنقاص أعداد المدرسين وتخفيض أجورهم فإن أجزاء متعاظمة من الميزانيات الوطنية المخصصة للتعليم يتم تخصيصها لنشر المعلوميات بالمدارس (12) وهو ما يسعد كثيرا تجار البرمجيات والمنتجات التعليمية وصانعي الحواسيب كشركة IBM وهيوليت باكار HP ، وصانعي الميكروبروسيسور كشركة إنتل ومايكروسوفت وسن . . . دون أن نغفل الشركات العملاقة في مجال الاتصال . ويستجيب هذا التحويل للأموال العمومية نحو المقاولات الخاصة في المقام الأول لرغبات الطاولة المستديرة لرجال الصناعة الأوربيين (ERT) ، ويتمثل الهدف الثاني في أن يتوفر لاقتصاد القرن الواحد والعشرين يد عاملة متحركة ، مرنة ومتكيفة وقادرة على ممارسة التكوين طيلة الحياة ـ في أوقات الفراغ وعلى حسابها الخاص ـ ، أو باختصار يد عاملة حديثة (13) .
ولمناقشة الأولويات ، يلتقي رجال الصناعة الأوربيون (ERT) رئيس الاتحاد الأوربي كل ستة أشهر ، ومجموعة الضغط هاته يترأسها منذ سنة 1999 موريس تاباكسبلات ، رئيس الشركة الإنجليزية ـ الهولندية ريد إيلسوفيي التي تعلن عن نيتها في التحول إلى زعيم عالمي لقطاع التعليم والنشر على شبكة الأنترنيت .
وقد أوجد رجال الصناعة الأوربيون من أجل متابعة تقدم المفاوضات بالمنظمة العالمية للتجارة فريق عمل يهتم بالعلاقات الاقتصادية الخارجية ، وليس رئيسه سوى بيتر سوثرلاند ، رئيس شركة BP أموكو والمدير العام السابق للغات ما بين 1993 و 1995 . وحتى يضمن هذا اللوبي تمرير تعليماته للحكومة فهو لا يتوقف عن توجيه التحذير التالي : ” إن الصناعة في نهاية المطاف هي التي يجب أن تتحمل بشكل كامل وكلي مسؤولية التعليم والتكوين ( … ) فالتعليم يجب أن ينظر إليه باعتباره خدمة تم إرجاعها لعالم الاقتصاد (…) ” .
ومن المؤكد أنه لن يتم إلغاء أنظمة التعليم العمومية كليا ؛ فحسب المنطق المعمول به في الاقتصاد الليبرالي : أي خوصصة الأرباح وإطفاء الطابع الاجتماعي على الخسارة ، فإنه سيظل هنالك دور معين على الدول أن تلعبه . وهكذا ترى منظمة OCDE أنه ” ليس على السلطات العمومية سوى تأمين الوصول إلى التعليم لأولئك الذين لن يشكلوا أبدا سوقا مربحة والذين سيتفاقم إقصاؤهم من المجتمع عموما بمقدار ما سيستمر الآخرون في التقدم ” (14) . وموجة الخوصصة هاته لن تهم بطبيعة الحال البلدان الغربية وحدها .
البنك العالمي في خدمة
الشركات المتعددة الجنسيات
لقد كانت بلدان العالم الثالث طوال الثمانينيات وتحت التأثيرات المشتركة لكل من صندوق النقد الدولي FMI والبنك العالمي مضطرة للإنقاص من بشكل كبير من نفقات الدولة ، وبخاصة في ميادين الصحة والتعويضات الاجتماعية والتعليم ، كما كانت مضطرة أيضا لتسريح المدرسين وإغلاق المدارس وقطع الإمدادات المالية عن الجامعات . وكما كان متوقعا فقد أضحت الوضعية تبعا لذلك كارثية .
سنوات بعد ذلك أعلن نفس البنك عن أسفه ” للمستوى الرديء للتعليم في البلدان ذات العائدات الضعيفة ” (15) ، وقد بدا له ذلك أكثر ضررا من ” الاستخدام المنتج لليد العاملة باعتباره مورد الفراء الرئيسي (…) فإن التعليم ، والابتدائي منه خاصة يسهم (…) في الرفع من إنتاجية عمل الفقراء (…) ” ، وبالنظر إلى ” أن أنظمة تمويل وتدبير التعليم الحالية وغير الملائمة تخلق العديد من المشاكل والتحديات ” فإن البنك ” دعا ” الحكومات منذ ذلك الحين إلى إعطاء الأولوية للاستثمار في التعليم القاعدي ! إلا أن خلف هذا الاعتناء المزعوم كانت تختبئ استراتيجية جد خاصة ؛ فالهدف كان هو تسليم القطاعات الثانوية والجامعية لرجال صناعة التعليم . ولتحقيق هذا الهدف فإن البنك ” شجع على اللجوء إلى القطاع الخاص ” ، و لا حاجة للقول إنه ينصح للحصول على قروض البنك العالمي بإذعان : ” البلدان المهيئة بالنسبة للتعليم الجامعي لتبني إطار تشريعي وقانوني …سيتدخل فيه القطاع الخاص بشكل أكبر فأكبر على مستوى التعليم والتمويل هي بلدان ستحضى بالأولوية بشكل دائم ” (16) ، على هذه البلدان إذن ” إصلاح أنظمة التعليم المدارة بشكل مباشر من قبل الإدارات المركزية أو الدولة ، والتي لا تترك إلا هامشا ضيقا للمبادرة . . . ” .
ولتحاشي أن يضل المشرعون فقد ضغط البنك العالمي على الحكومات مباشرة ؛ لقد ” ساعدها ” على ” إيجاد بيئة ملائمة لتطور القطاع الخاص من خلال إلغاء العقبات القانونية والتنظيمية وتسريع وتيرة إصلاح المقاولات العمومية وتشجيع توفير الخدمات العمومية عن طريق القطاع الخاص … ” . بالهند ، ومند بداية التسعينيات ، حسمت الحكومات المتعاقبة أمرها بخصوص تنفيذ البرنامج الموقوت للخوصصة المملى من قبل البنك العالمي ، فـ % 75 من الجامعات هي الآن جامعات خصوصية بمحافظة ليرالا ، وقد أضحت اللغة الإنجليزية بشكل متزايد لغة التعليم الأولى ، و % 60 من الثانويات بساحل العاج هي منذ اليوم كذلك مؤسسات خصوصية (17) .
بأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا يصعد نجم صناعة التعليم بنفس السرعة التي تتوفر بها دروس السوق المقترحة من قبل بنك المعطيات إدانفيست Edinvest ، وهو أحد ملحقات البنك العالمي . هل ترغب في الاستثمار في مجال تدبير المؤسسات التعليمية ؟ أم في برامج تبادل الطلاب والتلاميذ ؟ أم في مجال القروض المخصصة للطلبة ؟ أم في مجال التعليم الأهلي ؟ أم في مجال اختبارات التقويم ؟ أم الدعم المدرسي ؟ التعليم عن بعد ؟ يكفيك أن تختار بلدا من البلدان ليكون بإمكانك الوصول إلى لائحة عريضة من الفرص . ولأن البنك العالمي يرغب في ” توفير فرصة وحيدة من فرص سوق الأعمال والصفقات للشركات المتعددة الجنسيات ” (18) فقد أوجد أداة جد فعالة تتمثل في ” التحالف من أجل التعلم الشمولي Alliance for Global Learning ” (19) المختص في مجال التعلم عن بعد أو e-learning . وهذا التحالف ” يحصل على قاعات المعلوميات ويكون المدرسين ويتعاون مع الحكومات والقطاع الخاص من أجل تطوير برامج التدخل ” . ومن بين المحتضنين ، عفوا ” الشركاء والمانحون الكرام ” فإننا نجد أنفسنا أمام أبناك الأعمال المعتادة والمألوفة : ج ب مورغان ، غولدمان ساش ، مكتب المستشار إرنست ويونج ، وبضع شركات من شركات المعلوميات المتعددة الجنسيات ، غير المهتمة كليا بالربح مثل 3Com أو سن ميكروسيستم . وهذه المقاولة ممثلة من قبل جون كاج من الأطر المسيرة العليا ، وهو يلخص في كلمة روح المقاولة : ” إننا في شركتنا نوظف مستخدمينا عن طريق الحاسوب وهم يعملون على الحاسوب كما يتم تسريحهم عن طريق الحاسوب ” (20) وهذا كما يظهر برنامج متكامل .
الطلبة : صنف جديد من الفقراء
إن تحويل التعليم إلى صناعة يستلزم جعله مجالا مربحا . ومن ثمة عفا الله عن التعليم المجاني للجميع ، هذه المجانية الواردة مع ذلك في البند 13 من المعاهدة العالمية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية ، الاجتماعية والثقافية ( الأمم المتحدة 1966 ) . إن التنامي المطرد لكلفة الدراسة بالنسبة للتلاميذ وآبائهم ينتهي بخلق صنف جديد من الفقراء ألا هم الطلبة .
منذ سنة 1992 أعلن برتراند كلوزيل ، الرئيس المدير العام لمؤسسة Educinvest(21) ” أن مستقبلا واعد ينفتح أمام التعليم التجاري (…) وإذن يجب أن نعود الناس على أداء ثمن دراستهم ” ، وذلك أيضا هو رأي ساندي كودفيري ، المديرة العامة للجامعة الأسترالية ديكين Deakin : ” أعرف أن الكثير من الجامعيين يعتقدون بوجوب أن يكون التعليم مجانيا وكونيا ، لكن الحقيقة هي أن للتعليم قيمة تجارية ؛ فالاستمرار ماليا في التعليم يعني ضمان العائدات للفرد وتأمين مستقبله ” .
غير أن المستقبل بالنسبة للملايين من الطلبة هو مرادف للمديونية ، والمنح الدراسية يتم الحصول عليها أكثر فأكثر بفعل الكفايات وليس بفعل الحاجات . إن التلاميذ بكولومبيا على سبيل المثال يتمون دراستهم وقد تحصل بذمتهم كديون مقدار يتراوح ما بين 20.000 و 50.000 دولارا حسب الشعب ومدة الدراسة . وبإفريقيا فإن كلفة الديبلومات على الخط المعروضة من قبل الجامعات الأجنبية هي كلفة فاحشة حتى في ما يخص البرامج المدعمة بشكل واسع كما هو الشأن في الجامعة الإفريقية البصرية (عبر الأنتيرنت) ؛ فكل وحدة من وحدات القيمة التي تبث دروسها من كندا أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة تكلف ما بين 200 إلى 300 دولارا .(22)
وما هو أدهى من ذلك هو أن تحرير حقوق التسجيل في عديد من البلدان يمكن من فرض أسعار أغلى على الطلبة الأجانب . وفي هذه اللحظة بكندا فإن الباطرونات المجتمعين في غرفة التجارة بمونتريال يمارسون ضغوطا من أجل تحرير حقوق التمدرس في الجامعات .
ومن ثمة فإن البلدان الغربية تنخرط في منافسة ساخنة من أجل جلب ” الطلبة الأجانب الذين يمولون بأنفسهم دراستهم . ويقدر هذا السوق بـ 130 مليار فرنك بالنسبة لمجموع العالم ” (23) . وتجعل مؤسسة Edufrance من هذا الهدف الهدف الأولى من غيره . إن هذه المؤسسة التي أسست سنة 1998 من قبل وزارتي التعليم والشؤون الخارجية تدار من قبل فرانسوا بالمون ، وهو الرئيس السابق لمؤسسة Sodeteg وهي أحد فروع شركة طومسون CSF . لكن ومن أجل توسيع ” سوق الطلبة ” هذا ، يجب امتلاك القدرة على جلب الشبان الذين ليست لديهم موارد مالية خاصة ، لذلك يتم إحداث أنظمة اقتراض مخصصة للطلبة في عديد من البلدان . ويعتبر البنك العالمي بطبيعة الحال في العالم الثالث هو الجهة التي تنجز هذه المشروعات بشراكة مع كبريات الأبناك العالمية كبنك سيتي بنك . وزيادة على ذلك فإن المغامرة تبدو له محفوفة بالمخاطر . إن البنك الذي لا يخجل من أي شيء يتساءل : ” ويطرح على نفسه بطبيعة الحال مشكلة السمة المتقلبة للوفاء بالديون في بلدان ليس من السهل فيها الحصول على عمل حتى ولو بعد إنجاز فترة دراسة جيدة . إلا أن المسألة تستحق أن تعالج وتفحص ، ويكفي أن يتم ذلك من خلال مطالبة المستدين أو أسرته بتوفير ضمانة فعلية أو شخصية ” (24) .
إن مجموع النظام التعليمي طالته موجة الخوصصة هذه ابتداء من دور الحضانة وانتهاء بالتكوين الخاص بالبالغين . لكن هذه الصناعة مبنينة بشكل أدق في القطاع الجامعي ومجال تكوين البالغين ، وذلك هو السبب في أن المفاوضات الحالية بالمنظمة العالمية للتجارة لا تتعلق ” إلا ” بهذين القطاعين فقط .
المنظمة العالمية للتجارة :
أهي وزارة كونية للتعليم ؟ ..
إن هندسة الاتفاق العام لتجارة الخدمات AGCS هندسة معقدة ؛ فلم يتم إلى الآن إنجاز هذا الاتفاق بشكل نهائي إذ أن بعض بنوده هي عرضة للتأويل . إن تعريف الخدمات التي يغطيها هذا الاتفاق تدرج خدمات التعليم عندما تكون هذه الأخيرة غير ممولة و لا مدارة بشكل كامل من قبل الدولة . بيد أنه لدى غالبية البلدان أنظمة هجينة حيث يحتل القطاع الخاص مكانة أعظم أو أقل كبرا إلى جانب القطاع العام . وفي هذه الظروف فإن ” وجود الخدمات العمومية ذاته يمكن طال الزمن أم قصر أن يكون محل إعادة نظر ” (25) .
خطاطيا يمكن تقسيم هذا الاتفاق إلى جزئين : أولهما يتعلق بالأنظمة والالتزامات العامة التي تنطبق على 160 قطاعا من قطاعات الخدمات : قواعد حول الشفافية ، أشكال الدعم المالي ، التنظيم الداخلي . ويجمل إلغاء التقنينات المنظور إليها باعتبارها تقنينات أكثر صرامة مما يجب بالنسبة للتجارة ( البند 6 ) . وأكثر من ذلك فإن عليها أن تستجيب لـ ” هدف سياسي مشروع ” .
والمنظمة العالمية للتجارة بطبيعة الحال هي التي تقرر في أمر المشروعية هذا ، ومن الأمثلة على الإجراءات التي ستتم غربلتها نذكر : شرط الجنسية للتمكن من فتح مؤسسة تعليمية ، التقنينات المتعلقة بمسألة الاعتماد ، شرط الجنسية بالنسبة للأساتذة وأعضاء المجالس الإدارية ، الاحتكارات العمومية والدعم المالي الكبير للمؤسسات التعليمية الوطنية .(26)
الجزء الثاني من الاتفاق ينطبق على الالتزامات الخاصة والنوعية ، أي على الخدمات التي التزمت البلدان الأعضاء بالإنقاص منها وتقليصها تدريجيا وصولا إلى الإلغاء النهائي لكل الإجراءات المعيقة للتجارة .
إن هدف المفاوضات الجارية هو جعل أكبر عدد من البلدان تضع لوائح التزاماتها ؛ ففي سنة 1994 وإبان توقيع الاتفاق ، 46 بلدا ” فقط ” كانت قد التزمت بتحرير مجال التعليم ، ويتعلق الأمر بالنجاح في الانفتاح الكلي للأسواق ومعاملة المقاولات الأجنبية على قدم المساواة مع المقاولات الوطنية (البندان 16 و 17) .
هل أنتم في حاجة إلى جامعة واحدة في ناحيتكم ؟ .. يمكن أن تكون لديكم عشر جامعات ، وذلك لأنه سيكون من الممنوع تقليص عدد المزودين العاملين في منطقة ترابية معطاة . أما الدعم المادي للمؤسسات الوطنية فسيكون من المشكوك فيه أن هذه المؤسسات تمارس منافسة غير مشروعة (27) . أتريدون تقليص مساهمة المزودين الأجانب في الرأسمال ؟ .. سيكون ذلك ممنوعا . أتريدون الحيلولة دون قيام مؤسسات ذات أهداف ربحية مع إمكانية تحويلها لهذه الأرباح إلى الخارج ؟ .. لن يكون ذلك من حقكم أبدا .
وأخيرا ، فإن الاتفاق العام لتجارة الخدمات يتوفر على ورقة جوكير لا مثيل لها : وهو البند 23.3 الذي يسمى أيضا ” الشكاية في حالة عدم الخرق ” ؛ ويمكن هذا البند شركة ما للخدمات عرفت ” مزاياها المحسومة ” تقليصا أو إلغاء بفعل تقنين هو مع ذلك مطابق لمقتضيات الاتفاق من أن ترفع شكاية للمنظمة عبر حكومتها وتتوصل بتعويضات . ومن ثمة فلم يعد الأمر يتطلب أن تكون مسؤولا عن جرم ما حتى تتم معاقبتك .
وتلجأ المنظمة من أجل إلغاء الحواجز التجارية إلى استشارة الصناعيين بشكل مباشر ؛ فقد تم توجيه استمارات لهم عن طريق مختلف اللوبيات ، وبالنسبة للتعليم فإن الغات GATE هي التي تقوم مقام المنظمة (28) . الغات GATE وهو التحالف الشمولي من أجل تعليم عابر للأوطان يترأسه السيد كلين ر.جونز ، الرئيس المدير العام للجامعة البصرية جونز العالمية ، وهذه الشركة أيضا هي أحد أعضاء اللوبي الأمريكي المسمى التحالف الوطني من أجل التجارة National Alliance of Business . وقد نظمت الغات بشراكة مع Reed-Elsevier في ماي 2000 بفانكوفير صالون السوق العالمي للتعليم (WEM) . . . (29) .
وتلتقي اللجنة الأوربية من جهتها ، وبشكل أدق الإدارة العامة للتجارة الخارجية DGI بالصناعيين بشكل منتظم ودائم .
الاتفاق العام لتجارة الخدمات من أجل
الشركات العابرة للأوطان وعن طريقها
إن هنالك شبه التحام في ما بين أوساط رجال الأعمال واللجنة الأوربية ، والدليل على ذلك في هذه النبرة : ” ليس الاتفاق العام لتجارة الخدمات شيئا ما يوجد في ما بين الحكومات ، فهو أولا وقبل كل شيء أداة يستفيد منها عالم الأعمال والصفقات ” (30) والإدارة العامة للتجارة الخارجية DGI تكد وتجتهد بدون حساب لجعل الوزارات تتبنى شروط ومطالب الصناعيين .
وقد استدعى مديرها ليون بريتان في سنة 1998 الباطرونا الأوربية كي يعرض عليها الأداة الجديدة المخصصة لتسريع المفاوضات بالمنظمة العالمية للتجارة : وتتمثل هذه الأداة في بنك المعطيات « Market Acsess Database » ، وقد صاح هذا المدير مغتبطا ” خبرونا عن الأسواق التي تعترضكم فيها عراقيل حكومية ، أي العراقيل التي يسهل تحييدها عن طريق المفاوضات التجارية ” . ولو أن السير ليون Sir léon لم يعد عضوا في اللجنة منذ سنة 1999 فإنه لا زال مع ذلك يغشاها باستمرار بفضل وظيفته الجديدة كلوبي . وقد أصبح في شهر فبراير 2000 رئيس أحد اللوبيات الممثلة للصناعة المالية لإنجلترا ، وأيضا نائب مدير البنك UBS Warburg .
ومن جهته فإن المدير الحالي لـ DGI باسكال لامي ، المكلف بالمفاوضات في كنف المنظمة العالمية للتجارة ، هو أيضا عليم متضلع بخفايا سياسة بروكسيل ومجال الأعمال والصفقات . لقد عمل ما بين 1984 و 1994 مديرا لمكتب جاك دولور وهو حينها رئيس اللجنة الأوربية ، ثم أصبح في ما بعد مديرا عاما للقرض الليوني حيث كان يشرف على عمليات الخوصصة ، وكذا رئيسا للجنة المستقبلية لتنظيم الباطرونا CNPF ، وهو المسمى حاليا MEDEF .
إن العلاقات وثيقة في ما بين التكنوقراطيين الأوربيين ورجال الصناعة ؛ ففي سنة 1998 أنشأ السيدان ليون بريتان ورئيس بنك باركلايز أندرو بوكستون لوبيا قويا بغاية التتبع عن قرب للمفاوضات المتعلقة بالاتفاق AGCS ، ويتعلق الأمر بمنتدى الخدمات الأوربية European Services Forum(ESF)(32) . وبطلب من روبير مادلان ، عضو DGI تم تكليف المنتدى بوضع لائحة بـ ” عوائق التجارة ” في القطاعات الموصوفة بأنها ” حساسة ” ، والمتمثلة في البيئة ، القطاع السمعي ـ البصري ، الصحة والتعليم (33) . وفي شهر نونبر 2000 مولت مصالح باسكال لامي في حدود 50.000 أورو مؤتمرا هاما نظم من قبل منتدى (ESF) . الهدف كان هو معرفة المآل الذي وصلت إليه المفاوضات بخصوص الاتفاق (AGCS) ! ، وبصالونات فندق شيراتون ببروكسيل اجتمع تكنوقراطيو DGI وأعضاء مجلس تجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة وممثلون عن السكرتارية الأمريكية للتجارة وكذا عديد من اللوبيات الأوربية والأمريكية أيضا .
خطابات الدفاع عن أوربا في وجه الولايات المتحدة كانت خافتة ؛ فحضور اللوبي الأمريكي كان من الممكن أن يفاجئ . ومع ذلك فبضعة خلافات في ما بين الأمريكيين والأوربيين لا يجب أن تخفي المصالح المتقاربة لدى صناعيي ساحلي الأطلسي . مؤكد أن حضور فيفاندي العالمية ضمن التحالف الأمريكي لصناعيي الخدمات (USCSI) ليس خطأ من أخطاء casting . وأكيد أن الوفاق ليس تاما ، ولكنه ينحو نحو الاكتمال بفضل بضعة أدوات تم وضعها خصيصا لهذا الغرض (34) ؛ وذلك أن المنظمة العالمية للتجارة في حاجة إلى إرساء مصداقيتها ؛ فالنزاعات بين القوتين العظميين تصنع لها صيتا غير محمود أحد عواقبه يتمثل في تنامي الاحتجاج . لكن ليست تلك هي الصعوبة الوحيدة التي تواجه المنظمة ؛ إذ ساهمت بلدان الجنوب بشكل واسع في إفشال المؤتمر الوزاري بسياتل في شهر ديسمبر 1999 . وتبدو المنظمة في المفاوضات الجارية حاليا أكثر تصميما على إسماع صوتها ، وعلى تأكيد أن الاتفاق العام حول تجارة الخدمات تم التقرير بشأنه رغم معارضة هذه البلدان (35) .
المقاومة
إن عديدا كبيرا من الجمعيات التي كانت حاضرة في معركة سياتل انكبت من جهتها على العمل مجتمعة حول أرضية تقول : ” إما أن تخضع المنظمة العالمية للتجارة وإما أن تلغى ” . وباعتبار الاتفاق العام حول تجارة الخدمات ” غير قابل للتحسين و لا للتفاوض ” (36) ، فإن الاستنتاج هنا يفرض ذاته . يجب أن نحقق الإيقاف الفوري للمفاوضات الجارية حاليا ، والقيام بتقييم عميق لعواقبها ، وربما الانتهاء ” بنزع المصداقية عنها “.
إن هذه الشركات تشترط أن تمتلك القدرة على أن تتصرف كما يحلو لها وبما يخدم مصالحها (1) ، بحيث يجب إلغاء كل ما يشكل عرقلة في وجه ممارسة التجارة . وبهذا الصدد فقد تبين أن المنظمة العالمية للتجارة هي الأداة المثلى لتحقيق هذه الغاية ؛ فهي بدعوى تنظيم المبادلات التجارية تبسط سلطتها لتطال مجالات وميادين كانت لا تزال تعتبر إلى عهد قريب شأنا وطنيا . ومن ثم فقد تم رهن الخدمات العمومية والتعليم على الخصوص عن طريق اتفاقية ملتبسة و لا واضحة هي اليوم موضوع مفاوضات ، وتسمى : الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات AGCS .
الأحد، 11 مارس 2018
المسرح المدرسي و دوره في بناء الفعل التعليمي التعلمي بالمدرسة الابتدائية ـ عبد الوهاب لمقدمي
أنفاس نت
توطئة :
إن عبارة المسرح المدرسي تتركب من كلمتين هما : المسرح و المدرسة . فعندما نذكر المسرح تتبادر إلى الذهن الفرحة و المتعة و الفرجة و الترفيه و الترويح عن النفس .. إنه من الفنون الجميلة الممتعة التي بدأت مع حياة الإنسان المبكرة ، و هو مدرسة من مدارس الحياة و حركتها و ديمومتها ، بل هو صورة من صورها . أما المدرسة فهي هيئة اجتماعيةإ رسمية ، تتولى وظيفة تنشئة الأبناء و البنات ، و تعمل على رفع قُدراتهم و مهاراتهم في شتى المجالات ، بما يتيح لهم فرص الاندماج في المجتمع ، فهي تقوم إلى جانب الأسرة و مؤسسات أخرى بوظيفة التنشئة الاجتماعية للفرد ، و زرع القيم لديه ، كما أنها المكان التربوي الذي يهتم بتربية الطفل تربيةً سليمةً من الناحية الحس ـ حركية و العقلية ، و المعرفية و العاطفية ، في إطارٍ من البرامج و المناهج المحددة سلفا ، بهدفِ تكوين شخصيته لتكون متزنة و متوازنة ، و بغايةِ أن تجعل منه المواطن الصالح .
و سنحاول في هذا العرض المقتضب تسليط الضوء على المسرح المدرسي كرافعة أساسية لدعم الفعل التعليمي التعلمي بالمدرسة الابتدائية ، و ذلك من خلال تناول المحاور الآتية :
ـ مقدمة .
ـ تعريف المسرح المدرسي .
ـ أهمية المسرح المدرسي .
ـ أنواع المسرح المدرسي .
ـ أهداف المسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية .
ـ إعداد نص مسرحي .
ـ العمليات المعتمدة لإعداد نص مسرحي .
ـ خاتمة .
تعريف المسرح المدرسي :
يعد المسرح المدرسي في عرف المختصين بالدراسات المسرحية نوعا من أنواع مسرح الطفل ، غير أن بعضهم يعرّفه بقوله : " هو لون من ألوان النشاط يؤدّيه الطلاب في مدارسهم تحت إشراف معلّميهم داخل الفصل الدراسي أو خارجه في صالة المدرسي و على خشبته .. أو خارج الصالة في حديقة المدرسة أو ساحتها . و إذا كان المسرح المدرسي يقترب كثيرا من المسرح باعتباره فنّا من الفنون الأساسية التي عرفها الإنسان و مارسها منذ أقدم العهود ، فإن المسرح المدرسي يحتفظ لنفسه بفلسفة خاصة تتناسب مع طبيعته و وظيفته الأساسية " . ( حسن مرعي ، المسرح المدرسي ).
يستشفّ من هذا التعريف أن للمسرح المدرسي فلسفته الخاصة التي تميزه عن المسرح عامة ، ذلك أنه يُسهم في تحقيق التقدم الدراسي الدائم ، و يعين على التحصيل و التزود العلمي و الأدبي و الفني .. و ينمي استعدادات المتعلمين و يرفع من قدراتهم و يستثير مواهبهم ، و يوجههم الوجهة الصحيحة و السوية ، بما يشكل مواصفات المتعلم المستقبلية ، و بما يجعله قادرا على التكيف مع الوضعيات الحياتية المختلفة .
أهمية المسرح المدرسي :
لا تختلف أهمية المسرح المدرسي عن أهمية المسرح بشكل عام ، باعتبار المسرح فضاء يقدم للمتفرج المتعة الحسيّة و الفكرية ، و يجعله بعد أن ينتهي العرض و يزول أثره اللحظي يستدعي و يسترجع ما أحدثه هذا العرض فيه من إثارة لقضايا حياتية ، و من ثم ، بعد أن تنتهي لحظة المتعة الحسية الجمالية ، تبقى لوقت طويل لحظات المتعة الفكرية . بينما إذا عدنا إلى المسرح المدرسي سندرك أنه يحقق أيضا للتلميذ جانبي المتعة الحسية و الفكرية مع اختلاف درجاتها ، أعني بذلك أن المسرح المدرسي [ يساعد الطفل على تحقيق التكيف المدرسي ، و تعديل سلوكه اليومي بواسطة ما يبعثه في الطفل من إحساس بالمتعة و النشاط و روح المرح في العمل المدرسي ، فتزداد دافعيته نحو التعلم و الاندماج في عالم المدرسة الذي أصبح بفعل الأنشطة الموازية مصدر متعة ، و أصبحت الحياة المدرسية مقبولة و مرغوبة و محبوبة ] . ( أحمد صقر ، المسرح المدرسي .. ) .
[ إن المسرح المدرسي بذلك يحقق جوانب المتعة الحسية ، بل أكثر من ذلك ، يزيل بعض المعوقات النفسية و الاجتماعية الخاصة بالتلميذ ، و يهذب سلوكه بحيث يفجر الطاقات الزائدة في سلوكه عندما يتصف بشيء من العدوانية أو العنف ، فيمتصها . و قد يساهم في تنمية قدراته التخيلية و يزيد من قوة الإدراك و الملاحظة .
هذا ، و المسرح المدرسي يحقق جانبا كبيرا من المتعة الفكرية ، ذلك أنه يسهم في توصيل المعلومات الدراسية التي يتم تقديمها في قالب ممتع و شيّق . و هكذا ، يصبح النشاط التمثيلي وسيلة لإمداد الطفل بمعلومات تاريخية و اجتماعية و علمية جديدة ؛ لأن أثر اللعب التمثيلي أعمق و أبقى من آثار الشرح التقليدي الرتيب ، و لأن الطفل يكون في حالة تلبية و استجابة تجعله أشدّ شوقا و أعظم انتباها و إقبالا على ما يمارسه ] . ( أحمد صقر ، المسرح المدرسي .. ) .
و ثمة مسألة أخرى لا بد من التأكيد عليها و نحن نتحدث عن المسرح المدرسي ؛ ذلك أن مؤطري هذا النوع من المسرح ، أو المشرفين عليه ، أو المشاركين فيه بالتمثيل و التأليف ، لا بد أن يستندوا إلى التسلح بمجموعة من المعارف ، كعلوم التربية و علم النفس و علم الاجتماع و علم البيولوجيا .. نظرا لكون [ المسرح وسيلة إصلاحية تطهيرية ، و وسيلة علاجية ، و وسيلة جمالية إبداعية ، و وسيلة تلقين و نقل المعرفة و المهارة ، كما أنه وسيلة إشباع حاجات الطفل ليتكيف مع الذات و الموضوع ، ويحقق النمو البيولوجي السليم ] . ( د . مالك نعمة غالي المالكي ، أهمية المسرح المدرسي ..) .
أنواع المسرح المدرسي :
قد يكون النشاط المدرسي تعبيرا حركيا تلقائيا أو موجها يتدرّب عليه المتعلمون ، و يشخصونه بتوجيه من المدرس . و يرتكز النوع الأول منه على أساس اللعب الإيهامي أو التخيلي . و يعتبر هذا اللعب الأساس النفسي الذي يعبر من خلاله المتعلمون عن ذواتهم و حاجاتهم النفسية و الاجتماعية .. أما النوع الثاني منه أي الموجه ، فيقدمه المتعلمون بتوجيه من المدرس .
إن المسرح المدرسي ـ بشكل عام ـ يؤدي وظائف تربوية و تعليمية ، لا سيما الذي يقدمه الكبار للمتعلمين بقصد الإبداع و التثقيف و تنمية الذوق ..
إذن ن فالمسرح يتضمن أساسا :
المسرح التربوي التعليمي التعلمي التلقائي ؛
المسرح التربوي التعليمي التعلمي الموجه من طرف المدرس(ة) ، أو من يقوم مقامه(ا) ( مسرحة أحداث ، مسرحة نص ، مسرحة وضعيات تعلمية .. ) ؛
المسرح التربوي التعليمي الذي يقدمه الكبار للأطفال .
و هذه الأنواع الثلاثة تعتمد على نص مكتوب و إخراج واضح ؛ لأن المسرح المدرسي يقدم الدراما الإبداعية و التمثيل التلقائي لاستجابتهما لمستوى المتعلم في سنوات تمدرسه الأولى.
أهداف المسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية :
للمسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية أهداف تربوية و أخرى تعليمية :
أهداف المسرح المدرسي التربوية :
تقوية الثقة بالنفس و تجاوز الشعور بالنقص و الانطواء و العزلة .. ؛
إشباع الرغبة في تمثيل شخصيات و لعب ادوار و مواجهة مواقف و اصطناعها .. ؛
إثارة العواطف .. ؛
تغذية الخيال ، و تقوية القدرة على الملاحظة و التركيز و الانتباه و الانضباط .. ؛
تنمية الجرأة الادبية ، و القدرة على مزاجهة الغير .. ؛
تصريف الطاقة النفسية .. ؛
الترفيه و إشاعة المرح و إدخال السرور على النفس ..
أهداف المسرح المدرسي التعليمية :
استيعاب مصطلحات المسرح المدرسي و تقنياته .. ؛
إغناء الرصيد اللغوي .. ؛
تطوير القدرة على التمثيل و تقمص الأدوار .. ؛
تقوية التحكم في الحركات و الملامح و بعض أجزاء الجسم .. ؛
التموقع في الزمان ، و استغلال المكان .. ؛
التدريب على التعامل مع الخيال .. ؛
تنمية الذوق و الحس الخُلقي و القيمي .. ؛
نقد المجتمع ، و اتخاذ موقف مسؤول يجمع بين الحق و الواجب .. ؛
إعداد نص مسرحي :
يعتمد إعداد نص مسرحي صيغا من بينها :
التأليف المسرحي انطلاقا من فكرة أو حدث أو تصور ( فردي ، ثنائي ، جماعي ) ؛
الاقتباس من مسرحيات خاصة بالطفل ؛
تحويل نص قرائي سردي أو قصة أو أقصوصة أو ديوان شعري .. إلى نص مسرحي .
تجدر الإشارة إلى انه يمكن اعتماد نصوص من جميع مقررات التعليم الابتدائي ؛ أو من مصادر أخرى متوافقة مع مقتضيات المنهاج ؛ شريطة أن يكون إخراجها النهائي ملائما لمستوى و قدرات المتعلمين .
إن المداومة على الإلقاء أو الشكل الواحد يؤدي لا محالة إلى النمطية في الفعل التربوي ، حيث يتضح أن زرع الحياة في الدروس رهين بالاجتهاد في بلورتها تبعا للشروط الخاصة بكل قسم حسب عدد التلاميذ و جنسهم و مستواهم الفكري و بيئتهم . و في هذا الإطار تتجلى القدرة على الابتكار و الإغناء لدى الأساتذة .
العمليات المعتمدة لإعداد نص مسرحي :
أ ـ الاقتباس :
الاقتباس في المسرح المدرسي هو تصرف جزئي في شكل أو بنية نص مسرحي أو هما معا أو في فكرة من أفكاره أو لوحة من لوحاته أو شخصية من شخصياته مع المحافظة على فكرته في الأصل و الإحالة على المؤلف و النص الأصل . و ذلك لأغراض و أهداف تربوية و تعليمية تقتضي إعداد نص مسرحي مغاير أو محايث للأول .و تُراعى في الاقتباس جملة من الشروط من أهمها ما يأتي :
ـ اختيار النص : عند اختيار النص ، ينبغي مراعاة ما يأتي :
ملاءمة النص المسرحي للفئة المستهدفة( المستوى الإدراكي و النفسي ) ؛
إمكان تغذيته بالحمولة التربوية و التعليمية و القيمية المناسبة للمستوى الدراسي ؛
ـ استيعاب النص : و يتطلب ذلك ما يأتي :
فهم المضمون ؛
جرد الاحداث ؛
تعرف شخصيات النص و صفاتها ؛
الأدوار ؛
الصراع الموجود بين الشخصيات الرئيسية ؛
الزمان و المكان .
ـ البناء الدرامي : و فيه يتم التركيز على مقومات الكتابة المسرحية .
ب ـ التحوير :
عند اختيار نص لابد من جرد كلمات النص : إحصاء عدد الأسماء و الأفعال و الحروف ؛
فإذا كانت الافعال أكثر من الاسماء ، فالنص حركي قابل للتشخيص . و إذا كانت الأسماء أكثر من الأفعال ، فالنص تقريري تجب إعادة صياغته .
ج ـ الكتابة المسرحية :
تعتمد الكتابة المسرحية الإجراءات الآتية :
البداية ( العرض التمهيدي ـ .. ) : و هي تساعد على فهم الأحداث أو تيسّر فهم المسرحية .
الإيماء : و هو إحدى وظائف العرض التمهيدي في إطار الحبكة المسرحية ، حيث يتم زرع عدد كبير من الأشياء و الظروف او الدوافع لتعقيد الأحداث و تيسّر حلها .
التعقيد : بث درجات من الصعوبة المحفزة على تتبع الحدث و البحث عن الحلول و عنصر أساس لتطوير العناصر الموالية للعرض المسرحي .
الأزمة : لحظة أو محطة من مسار الأحداث تصل فيها الذروة و تبلغ التناقضات مداها ليبدأالعد العكسي في اتجاه الحل .
الذروة : هي بلوغ الأزمة حدها الأقصى على مستوى الأحداث و الأحاسيس و المواقف .
الحل : هو انفراج في حل المشكلة و التي بلغت حدها الأقصى من التعقيد عبر الحبكة . و من خصائص الحل أن يكون نتيجة للتطور المنطقي للأحداث .
كما ينبغي مراعاة ما يلي :
الحدث الرئيسي ؛
الأحداث الثانوية ؛
الزمان و المكان ؛
الصراع ؛
الحوار و اللغة و القيم الدرامية الرئيسية ؛
الشخصيات الرئيسية و الثانوية ؛
التسلسل السيكولوجي و المنطقي .
د ـ بطاقة تقنية للكتابة المسرحية :
إن تقنية أو تحويل نص مسرحي تمر عبر المراحل الآتية :
قراءة أولية للنص الأصلي ؛
إعادة الكتابة باعتماد مقومات الكتابة المسرحية ( البداية ، الإيماء ، التعقيد ، الأزمة ، الذروة ، الحل ) ؛
تحديد تيمة النص الجديد ( الفكرة العامة ـ الأفكار الثانوية ) ؛
الهدف القيمي للنص الجديد ؛
تحديد الوحدات الثلاث :
ـ الزمان : المؤثرات الوقتية ؛
ـ المكان : السينوغرافيا ( التأثيث ، الديكور ، الإنارة و الموسيقى ) ؛
ـ الأحداث : البناء الدرامي .
تحديد شخصيات النص الجديد ؛
أبعاد الشخصيات :
ـ البعد الداخلي ( الحالة النفسية و الشعورية .. ) ؛
ـ البعد الخارجي ( الصفات الشخصية ، حالة ردود الفعل .. ) ؛
ـ البعد الاجتماعي ( الملابس ، الكوافير .. ) ؛
تحديد طبيعة العلاقة بين الشخصيات ؛
البناء الدرامي للنص الجديد :
ـ عناصر أدبية .
ـ عناصر غير أدبية .
إعداد البطاقة التقنية :
ـ ديكور ، أكسسوارات ، ملابس .. ؛
ـ المؤثرات الصوتية .. ؛
ـ المؤثرات الضوئية .. ؛
ـ التطرية .. ؛
ه ـ بطاقة تقنية للإخراج المسرحي :
المرحلة الاولى : دوافع اختيار النص :
دوافع فنية جمالية ، دوافع فكرية ثقافية ، دوافع تعليمية تربوية ، دوافع اجتماعية و دوافع أخلاقية ..
المرحلة الثانية : قراءات متعددة للنص :
قراءات أولية ، قراءات متعمقة :
ـ تحديد التيمات : تحديد الفكرة الرئيسية و الأفكار الثانوية ؛
ـ تحديد الإطار الشكلي : تحديد الاختيار الشكلي ( الفصول ، المشاهد ، اللوحات .. ) ؛
ـ موقعة الشخوص في النص : رئيسية ، مساعدة و معارضة .. ؛
ـ التكوين النفسي : سمات الشخصية ( هادئة / غاضبة ، عارفة / جاهلة ، نشيطة / خاملة .. ) ؛
ـ التكوين الفيزيولوجي : المظهر الخارجي ( التناسب مع الشخصية في الزمان و المكان .. ) .
المرحلة الثالثة : الكتابة السينوغرافية :
ـ تحديد طبيعة الخطاب : إخباري / إنشائي ؛
ـ تحديد طبيعة الصراع : فكري / مادي ؛
ـ تحديد طبيعة المواقف : توافق / تباين ؛
ـ تحديد الزمان و المكان : و ذلك من خلال الديكور و الأكسسوارات و المؤثرات الصوتية و الضوئية .
المرحلة الرابعة : توزيع الأدوار :
توزع الأدوار على جميع المتعلمين مع مراعاة الفروق الفردية في تقمص أدوار معينة و مساعدتهم على التركيز و تدريبهم على تحمل المسؤولية في إطار جماعة القسم .
القراءة المسرحية : يتم تدريب المتعلمين على القراءة المسرحية ، و هي التعبير صوتيا و سيكولوجيا مع شرح النص و الشخصيات و المواقف .. ؛
المرحلة الخامسة : التدريب :
يتدرب المتعلمون على أداء الأدوار المسندة إليهم بحيث يحاول المدرس خلال الأداء تدريبهم على التقنيات المتعلقة بالممثلين ( حسن الإلقاء ، التشخيص ، التجاوب مع الآخرين ، التموقع في الفضاء ، إطلاق العنان للخيال .. ) مع متابعة تثبيت النص لديهم ، و إعدادهم للعرض المسرحي التجريبي ( الملابس ، الكوافير ، الديكور و الموسيقى .. ) .
المرحلة السادسة : العروض التجريبية للمسرحية :
انتداب بعض المتعلمين لأداء أدوار المسرحية للوقوف على مدى حفظهم للنص و استئناسهم بتشخيص الأدوار .
المرحلة السابعة : التقويم :
إعادة التشخيص من طرف أجود الممثلين مرة أو أكثر لتركيب المهارات المقصودة ، مع الحرص على تحفيزهم و تشجيعهم .
المرحلة الأخيرة : العرض الختامي :
تشخيص مجموعة من المتعلمين المختارة للمسرحية مع تحسيسهم بالجوانب الفنية للمسرح ، و تدريبهم على الفرجة بما يتطلبه ذلك من حسن الإصغاء و تتبع و تشجيع الممثلين .
خاتمة :
يعتبر المسرح المدرسي جزءا مهما من النشاط الثقافي و الفني و التعليمي التعلّمي الذي يستهدف تطوير الأولويات الضرورية لسلامة و صحة المتعلمين ، و تنوير المجتمع بقضايا الطفل و الأسرة و قضاياه هو في حدّ ذاته انطلاقا من رؤية الطفل و المدرسة و مقاربتهما . و المدرسة النموذجية هي التي تولي النشاط المسرحي اهتماما واضحا بما يكشف عن مواهب المتعلمين ، و يفجّر طاقاتهم ، و يبرز ميولاتهم و رغباتهم ، و يظهر استعداداتهم ، و يغرس فيهم روح التسامح و يبعدهم عن العدوانية ، و يضمن لهم تكافؤ الفرص ، و يشعرهم بالمساواة ، و يساعدهم على مواجهة الحياة في وضعيات مستجدة و مختلفة . هذا ، و المسرح المدرسي يعتبر لبنة أساسية من لبنات الدعم التربوي ؛ فبإمكان المدرسة اعتماده كمجال فاعل لعلاج مظاهر التعثر الدراسي أو التأخر الدراسي أو الفشل الدراسي .
المراجع :
ـ دليل المسرح المدرسي و الحكاية التربوية / مديرية المناهج ، وزارة التربية الوطنية ، المملكة المغربية ، تاريخ الإصدار 2009 .
ـ د . مالك نعمة غالي المالكي / بحث : أهمية المسرح المدرسي و مسرح الطفل و تداخلهما لتحقيق أهداف تربوية .. ، مجلة دراسات تربوية ، العدد الحادي عشر 2010 .
ـ ذ . حسن مرعي / المسرح المدرسي ، تاريخ النشر: 01/11/2001 ، الناشر : دار و مكتبة الهلال ، عدد الصفحات : 158 ، الطبعة : 1
ـ ذ . أحمد صقر ، المسرح المدرسي : تعريفه ، أهميته ، مصادره و مقوماته الفكرية و الجمالية . مقال منشور بمجلة الحوار المتمدن الإلكترونية / 2011 .
ـ ذ . جمال محمد النواصرة / أضواء على المسرح المدرسي و دراما الطفل ، عمان : دار الحمد 2009 .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)