الثلاثاء، 12 أبريل 2016

التحليل الفيلمي ومهام الناقد السينمائي



مجالات التحليل الفيلمي
من أجل تعريف مجالات واختصاصات التحليل الفيلمي،يلزمنا التمييز بين حقول اشتغال هذا النوع من التحليل وأهدافه، من هنا نؤكد أن ما نستهدفه،هو عمليات ثلاث تخدم هذا المنطق هي:
ـ أولا هناك ما يمكن وصفه بالطابع الإخباري وأحيانا الترويجي للفيلم وفق ما تراه العين وتسمعه الأذن،ويتم ذلك غالبا من خلال تقديم مختصر عن أحداث الفيلم .
ـ ثانيا سعينا إلى تفكيك بعض مكونات الفيلم الفنية والتقنية من الداخل،ونكون بصدد التحليل الفيلمي أي بشكل مستقل عن أية نظرية معرفية خارج إطار نظرية التحليل الفيلمي.ويهدف هذا المجهود إلى فهم بعض القضايا المطروحة وتقريبها من المشاهد،مع شرح ما يعرف بمرتكزات اللغة السينمائية الخاصة بهذا الفيلم دون غيره،أو المشتركة مع أفلام تدخل في إطار نفس النوع.
ارتباطا بالتأويل الفيلمي،نقول أن هناك من ينظر إلى هذه المهمة بشكل مستقل،كما أن هناك من يربطها بالتحليل ويجعلها مرحلة نهائية.
ثالثا،إذا كان بالإمكان الحديث عن تميز الخطابات بتميز حقول اشتغالها.قد نتحدث عن الخطاب الديني،والخطاب السياسي،كما أن  ما ينطبق على السينما يستدع خطابا متميزا يشتغل على متنها وهو الخطاب الفيلمي ،وهو خطاب، وإن كان يتأسس من داخل حقل متميز هو السينما ،فإنه يستعير من أدوات وآليات ومناهج خطابات أخرى وحقول بعيدة نوعا ما عن السينما من قبيل السوسيولوجيا ،والتحليل النفسي،والمجال الحقوقي الخ …
إن مناهج وطرق تحليل الفيلم تتراوح بين ما هو نصي، سردي يحيل على أصول لسانية كما هو الحال عند كريماس وبروب، ويدخل هذا في إطار ما يعرف بالسرديات، وبين ما هو  إيقوني،وموضوعاتي،و ما هو بنيوي حيث يعتبر الفيلم كوحدة متكاملة البناء يتعاضد في رصد أجزائه من سيناريو وقصة، وحوار.
لكل من هذه العناصر المكونة للفيلم علاقة بالتأثير النفسي والفني ويدخل ضمن شروط تلقي الفيلم كجنس تعبيري،لهذا نرى أن كل تناول نقدي أو تحليلي للفيلم لا بد أن يتراوح بين نقد سينمائي عاشق،وآخر ميداني يطور من خلالها الناقد أدواته عبر تراكم كمي ومعرفي بالتجارب السينمائية.كما يمكن الإشارة إلى نوع  آخر من النقد،وهو ما يوصف بالنقد الموسمي المولع بظاهرة النجوم، أو بالسبق الإعلاني والصحفي.

مهام الناقد السينمائي

يهمنا أن نميز بين محلل الفيلم وناقده، ونستعمل ناقد الفيلم عوض الناقد السينمائي لكون المفهوم الأخير أكثر تعميما.وإذا كانت العملية النقدية تنطلق من ثلاثة أسس هي: الإخبار والتقييم،ثم الترويج للعمل،فإن العملية التحليلية للعمل الفيلمي تروم إنتاج مجموعة من المعارف حول بعض المكونات الفيلمية انطلاقا من منطلق تأويلي يصب في ما يعرف بنظرية السينما. وهكذا نجد ناقد الفيلم يسعى إلى تقديم مجموعة من المعلومات عن الفيلم بدءا بنوعيته وأسلوب مخرجه،عارضا آرائه السلبية والإيجابية، وكذا كيفية استقبال الجمهور لهذا الفيلم أو ذاك.أما المحلل فإنه يصبو إلى إنتاج معارف في مجملها تجمع بين مرتكزات نظرية وبين أخرى تطبيقية تسعى إلى تفكيك عناصر الفيلم من سيناريو،ومونتاج،وإنارة وديكور.كما يسعى في نفس الوقت إلى تقريب المشاهد المتذوق والمتعلم من مكونات الفيلم بطرق ديداكتيكية وتربوية وهو ما يجعله ينتج أفكارا وتأملات جمالية.
لا يمكن الجزم أن هناك طريقة واحدة ووحيدة وعالمية للتحليل والإخراج الفيلمي،لأن هناك طرقا متباينة ومتداخلة في غالبية الأحيان، فيها مثلا من يركز على الجانب السردي/ النصي ويدعى أصحاب هذه الطريقة بالمخرجين الأدباء،كما هناك من يركز على الجانب البصري/ المشهدي ويدعى أصحاب هذه الطريقة بمخرجي الصورة ،وهكذا يبقى على محلل الفيلم أن يختار بين مجموعة من الأساليب التي تتناول الظاهرة السينمائية ليكون أسلوبه الخاص في مقاربة مشاهد أو متتاليات فيلمية،لكن  بإمكانه الجمع بين أكثر من نظرية لاستجلاء مضامين وملامح مختلفة. “وتختلف درجة الانفعال مع الصورة طبعا من متلق باحث عن ذاته ورغباته في ما يشاهده من أفلام إلى متلق أقل انفعال،متلق عاشق للسينما يملك قدرا معينا من الثقافة السينمائية،لكنه لا يملك الأدوات القادرة على الكشف والتحليل وإدراك الأبعاد الجمالية والفكرية.وغالبا ما يغيب الفيلم المشاهد وتسقط الذات المشاهدة اهتماماتها الفكرية والثقافية المرتبطة بدائرة اختصاصها”
إن الفيلم،كمنتوج متعدد الأصوات والخلفيات، يساهم بطبيعته في إنتاج خطابات نقدية موازية من مواقع جمالية وأيديولوجية متباينة، قد تكمل بعضها البعض كما قد تتعارض فيما بينها تماما.وهذا ما يجعل بعض القراءات النقدية زائفة ومنحرفة أو ساقطة في النظرة الضيقة الناجمة عن حسابات شخصية تنطلق من نية الحط من قيمة الفيلم بعيدا عن كل تحليل موضوعي رصين.ونعلم جيدا الأهمية التي باتت تحتلها أدوات التسويق والدعاية في الترويج لأفلام ما قد تجعلها تكتسي أهمية سواء عند النقاد أو عموم المتتبعين،بالرغم من طابعها المتواضع أو مضمونها الأيديولوجي الصارخ.
من هنا وجب على النقد أن يجدد أدواته ومفاهيمه ليقارب المتن الفيلمي من مواقع ومرجعيات متباينة، وهذا من شأنه  إغناء  التجارب المؤسسة، لكن ذلك يظل رهينا  بمدى تطوير الفيلم لأدواته وتصوراته وآفاقه، إذ لا يمكن لأفلام تتحدث بنفس الأسلوب، وتخلو من التجديد النوعي والتجريبي في اشتغالها الفني والتقني أن تحفز المحلل والناقد على الإبداع والتجريب،لأن الناقد سيجد نفسه يتحدث لجمهوره عن أشياء لا وجود لها.

مكونات الفيلم

إن دراسة الفيلم تتطلب عموما المرور بمرحلة تحليل الحكي الفيلمي الخاص بكل مخرج على حدة، ولذلك نولي أهمية قصوى للبنية الدرامية وتأتيراثها،أي كيف  يعمل الفيلم على طرح الموضوع من خلال الحدث المركزي،وكيف توضع العراقيل في وجه البطل قصد الوصول لمبتغاه،كما نقف عند الطريقة التي سيتم بها إنهاء الصراع  بين القوى المتصارعة،ومن العناصر المعنية هنا نجد:
الفضاء: نقصد به أماكن الأحداث وكيفية عرضها من خلال التأطير، لذا نميز بين الفضاء الطبيعي وفضاء الأستوديو،كما نميز بين المكان الداخلي والخارجي عند النهار أو في الليل.
الزمن: نقف هنا عند المدد المحددة للقطات وللمشاهد،كما نحاول فهم إيقاع وسرعة الحركات وترتيب المتتاليات.بعدها نحدد نوعية البناء الكرونولوجي للأحداث من خلال تسلسلها المنطقي أو من خلال الحذف أو الاستباق.
الشخصيات: هنا نحاول فك المظهر الخارجي للممثلين من خلال ملابسهم وملامحهم الجسدية وكذا نبرات صوتهم، كما نولي أهمية لطريقة أدائهم لأدوارهم، وكيف يتمكنون من نسج علاقات مع بعضهم البعض ويتبادلون التأثير والتأثر.
وجهات النظر: 
تعني الأهمية التي يوليها المخرج لتمرير خطابه سواء من خلال اختيار لقطات التصوير وسلمها، أو من خلال التدخل المباشر للسارد المعلق على الحدث والعالم بخفاياه،وهو ما يعرف بالسارد الحاضر.وندرج في هذه المسألة قضية التبئير بأنواعها الثلاث وهي :التبئير بدرجة صفر.والتبئير الداخلي ثم التبئير الخارجي.
الحوار: 
نقصد به كل أشكال التعبير الكتابي من خلال ما هو منطوق أو مكتوب كملصقات وشعارات، أو عناوين.
المتتاليات المحورية:
يتشكل الفيلم من مجموعة من اللقطات التي تكون المشهد،والمشاهد ذاتها تتكون من متتاليات،والمتتاليات هي البنى الكبرى للفيلم. غير أن دور المتتاليات يختلف حسب أهميتها داخل بناء السيناريو، لذا نركز في هذه المرحلة على الجينيريك الافتتاحي  والذي له دور محوري في بسط عالم الفيلم ، ثم على متتاليات العرض والختم.ونحاول أيضا رصد لحظات ظهور الشخصيات الرئيسية  على الشاشة.

سياقات الصورة الفيلمية

لا يمكننا الحديث عن الصورة الفيلمية المتحركة طبعا وليس الثابتة ونعني هنا تحديدا الصورة الفيلمية وليس الصورة الفوتوغرافية أو الرسوم المتحركة من دون اعتبار ثلاثة سياقات تهم المبنى والمعنى على حد سواء وهي:السياق والمعنى ثم الشكل.
1 ـ بخصوص السياق  نحاول التعرف من خلال الحقل السينمائي على وضعية الشريط في هذا المجال، كأن نقول هذا الفيلم من سينما المؤلف،أو أنه فيلم تجاري أو ينتمي لأفلام المهرجانات.
ـ نقصد  بالحقل الثقافي الأهمية التي يحتلها الفيلم أو الشريط بالنظر إلى وضعيته الثقافية وأهميتها التاريخية. فشريط وثائقي مثلا عن حركة ماي  68  ليست له نفس المعاني  عن شريط ينتمي لحقبة التسعينيات.
ـ الحقل الاجتماعي والتاريخي يحددان  لنا بعض المعالم العامة  والشروط التاريخية والسياسية التي ساهمت في صياغة خطاب الفيلم وظروف إنتاجه.

2 ـ بخصوص المعنى نأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
ـ المضمون السردي الذي يتعلق أساسا بما تحمله المتتالية وتحكيه، ثم درجة أهميتها بالنسبة للشريط ككل،وكأنها تمثل فقرة داخل نص.
–  المضمون الدلالي
 يتمحور من جهة حول ما يشاهد من ديكور،وملابس،وإكسسوارات،ومن جهة أخرى حول ما يسمع من خلال المنطوق.
ـ المضمون الإيحائي
 الذي يستقي معناه مما يستنتج من خلال الخطاب كوضعية الممثل وسلطته بالنسبة لباق الممثلين.
ـ المضمون الرمزي يتجلى من خلال كيفية التعرف على بعض الرموز الثقافية والتاريخية الصومعة مثلا كمرجع ديني وعمراني والتمييز فيما بينها.

3 ـ أما بخصوص الشكل، فقد جرت العادة أن نأخذ بعين الاعتبار نقاطا أساسية منها مثلا:
ـ التقطيع المشهدي ونعني به تحديد المشاهد وترتيبها مع النظر إلى سلم اللقطات  وكيفية الربط بين الأولى وبين  والثانية.وينصب الاهتمام في هذه المرحلة على البنية الشكلية للقطات ثم عددها.
ـ تركيب الصورة وكذا وضعها داخل الكادر والذي يهتم أساسا  بتنظيم العناصر المرئية داخل إطار الشاشة،أي هل ستكون في المركز أم في الهوامش،أو خارج إطار الصورة .
ـ موضع الكاميرا وزاوية النظر يهمان مستوى التقاط اللقطة أي على مستوى النظر حسب قامة الشخص.ثم هل سيتم ذلك من زاوية موضوعية ومحايدة أم من زاوية ذاتية؟
ـ حركات كل من الممثل  والكاميرا داخل الفضاء،ونقصد بها مدى ثبات الكاميرا أم متابعتها للموضوع المستهدف،ثم مدى الأهمية والمدة الزمنية التي سيحظى بها كل من الديكور والفضاء خلال التصوير،من دون إغفال الاتجاهات التي سيتخذها الممثل بما في ذلك الأشياء المتحركة.
ـ رمزية الألوان ونوعية الإنارة وتلعبان نصيبهما الهام في خلق أجواء اللقطات..وتسترعي هاته القضايا اهتماما خاصا عندما نريد الوقوف مثلا على مصادر الإنارة ،أي هل هي بارزة أم خفية. ثم هل هي مركزة أم موزعة على أكثر من مكان لخلق تضاد بين الظل والضوء بغية تحقيق مشاعر وأحاسيس معينة.
ـ التوقيت والإيقاع ونقصد به المدد الزمنية التي ستستغرقها اللقطات وكذا الطرق التي سيعالج بها المخرج منظوره للزمن سواء من خلال أنواع الحذف،أو الفلاش باك .كما نقف عند تناوب اللقطات بين القصيرة وبين الطويلة،أو التي تنتمي لنفس المدد،ثم التناوب بين المشاهد الداخلية وبين الخارجية التي يكون الهدف منها أحيانا خلق نوع من البطء في السرد أو السرعة.
ـ الصوت ،حيث ننتبه لترتيبه وتركيبته داخل الشريط الصوتى، ومدى حضور عناصره المكونة من مؤثرات صوتية وموسيقى ثم من حوار.كما نقف عند وضعية الصوت وخلفيته.وهنا نتساءل عن مصدره، أي هل يأتي الصوت من خلال الصورة، أم هو مضاف ومسجل كصوت الراوي المعلق على الحدث من دون ظهوره على الشاشة.ومعلوم أن السينما التي أصبحت تسمى اليوم بالناطقة عوض الصامتة في الماضي لم يحض فيها جانب الصوت بالأهمية التي يستحق سواء من حيث وضعيات الملفوظ بوتيرته ونغمته وطرق آداءه ،أو من حيث التنظير لدلالات الشريط الصوتي ضمن مجموع اللقطات  والمشاهد الفيلمية.
يمكن القول أن التحليل الفيلمي يجب أن تتوفر فيه مجموعة من المواصفات من أهمها:الشمولية، الانسجام ثم الإنتاجية.
بخصوص الخاصية الأولى،والتي لا تعني أن التحليل الفيلمي يجب أن يقول كل شيء” إن هم المحلل يبقى  بالأساس هو  البحث عن الدقة من حيث جرد العناصر المضمنة لمحور بحثه، والتي ليست مجبرة على الوقوف عند كل مشهد على حدة”
أما بالنسبة للانسجام، فنعني أن التحليل الفيلمي في عمقه تمرين منهجي،فهو إما بنيوي أو سردي، أو سوسيواجتماعي، أو سميولوجي، أو شكلاني، أو تفكيكي إلخ …المهم في نهاية المطاف هو الخروج بتصور يعبر عن عناصر تنسجم فيما بينها ومنطقية.
الإنتاجية كخاصية ثالثة تتحدد من خلال تمكين المشاهد من إنتاج مجموعة من المعارف والمفاهيم بعد عملية المشاهدة.وهي من جهة إما تعمل على توليد معان تساهم في إغناء الحقل الدلالي للفيلم أو تشكل،من جهة أخرى  قراءة ميتانصية  مصاحبة وشارحة للدلالات الفيلمية كإشارات مرئية ومسموعة.

الاثنين، 11 أبريل 2016

فعاليات الجامعة الربيعية لليافعين للشعلة في نسختها الخامسة بخريبكة… محمد أوحلي


أسدل الستار على فعاليات الجامعة الربيعية لليافعين  في دورتها الخامسة التي نظمتها جمعية الشعلة للتربية والثقافة بخريبكة تحت شعار « من أجل ترسيخ ثقافة الصورة لدى اليافع(ة) » خلال الفترة الممتدة من 03 إلى 9 أبريل من الشهر الحالي.بثانوية الخنساء الإعدادية بشراكة مع وزارة الشباب والرياضة وبتنسيق وتعاون مع جمعية النادي السينمائي بخريبكة وجمعية السينما للجميع وفي كل مكان.
 عرفت الجامعة مشاركة أزيد من 110 يافعا ويافعة يمثلون مختلف قرى ومدن جهة بني ملال -خنيفرة إضافة إلى41مؤطرا وعملة وأعوان الحراسة والنظافة.تجدر الإشارة إلى أن جمعية الشعلة للتربية والثقافة بخريبكة تستغل فترة العطل المدرسية لتنظيم مثل هذه اللقاءات التي تندرج ضمن برنامج المكتب الوطني للجمعية الذي ينظم ملتقيات الربيع لهذه السنة تحت شعار:”الشباب والبعد الوطني للانتماء”.
اتسمت الجامعة الربيعية برزمة غنية من البرامج والفقرات ذات الطابع التكويني والترفيهي التي تعتمد على مواكبة حاجيات وانتظارات اليافعين ،إضافة إلى انشطة رياضية وفنية لاكتشاف المواهب والطاقات،كما استفاد المشاركون من سلسة من العروض النظرية وورشات موضوعاتية حول ثقافة الصورة(ورشة القراءة الفيلمية +ورشة النادي السينمائي+ورشة السيناريو والمونطاج)ولقاءات مفتوحة مع أعضاء النادي السينمائي بخريبكة وأبطال فيلم بولنوار،حظي المستفيدون بالجامعة مشاهدة أفلام طويلةوقصيرة ،وقد عرفت  قاعة المركب الثقافي مساء يوم الخميس 7أبريل 2016 عرض شريط بولنوار لمخرجه حميد الزوغي وذلك في إطار الإحتفاء بالعمل السينمائي المحلي الذي شارك في تشخيصه نخبة من الفنانين المحليين ،وتوجت الأنشطة المبرمجة في الجامعة الربيعية بإنتاج فيلم قصير تحت عنوان”حذاء زينب” ،ساهم في إنتاجه وإخراجه  كل من الناقدين السينمائيين حسن وهبي ومحمد بدرنة وتصوير ومونطاج سلوى لحمامي ومصطفى الصلعي وتشخيص يافعات ويافعي الجامعة الربيعية.
تم اختتام هذه الملتقى التربوي بتنظيم سهرة ختامية سهر على أداء فقراتها أطر جمعية الشعلة والمشاركين والمشاركات في الجامعة الربيعية بحضور آباء وأمهات المستفيدين والمستفيدات وممثلي وسائل الإعلام المحلية.
محمد وحلي

الأربعاء، 30 مارس 2016

نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس : قراءة في المنطلقات والأبعاد :بقلم نورالدين علوش

عن موقع مؤمنون بلا حدود



مقدمة:
يعتبر الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس من رواد الفلسفة وعلم الاجتماع على مستوى العالم،كما أنه يمثل الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت النقدية.
تتنوع كتاباته بين الفلسفة والسوسيولوجيا والايتيقا، بالإضافة إلى مئات الأبحاث والمقالات المنشورة في كبريات المجلات والجرائد الدولية. من بين الكتب والدراسات المعروفة عالميا، نجد على سبيل المثال لا الحصر : "ملامح فلسفية وسياسية، الخطاب الفلسفي للحداثة، أخلاقيات المناقشة، الحق والديمقراطية، الاندماج الجمهوري، الأخلاق والتواصل ونظرية الفعل التواصلي".
ويعد كتاب نظرية الفعل التواصلي أهم كتاب في مشروعه الفلسفي؛ فهو كتاب يتوج مجهودات هابرماس في فترة الستينيات والسبعينيات، ويجمع مرجعيات فلسفية وسوسيولوجية وعلمية ولغوية مختلفة.
إذن، ما هي المنطلقات السوسيولوجية والفلسفية والعلمية لنظرية الفعل التواصلي؟ وما هي أبعادها السياسية والاجتماعية والأخلاقية؟
·لايمكن استيعاب مشروع هابرماس الفلسفي دون الرجوع إلى منطلقاته السوسيولوجية والفلسفية والعلمية.
ـ المنطلقات السوسيولوجية
أولا : ماكس فيبر
خصص هابرماس لماكس فيبر أكثر من مائة صفحة في كتابه "نظرية الفعل التواصلي"، حيث اهتم هابرماس أساسا بسوسيولوجيا فيبر،انطلاقا من طرح وتحليل مسألة وصيرورة عقلانية/عقلنة للعلم الحديث والمعاصر. فهذه العملية التاريخية والمعقدة والممتدة التي بدأت وتعمقت في الغرب، وامتدت إلى دول العالم، تحمل في طياتها عناصر الضعف والسلب وعناصر القوة والإيجاب : فهي من جهة وضعت الإنسان في مقام القدرة والسيطرة والكشف ( نزع السحرعن العالم)، ومن جهة أخرى حولت الفرد إلى أسير وأداة عقله نفسه. ومن هنا جاءت نزعة التشاؤم والسلبية إزاء مسيرة الحضارة الغربية، كما تتراءى في سوسيولوجيا فيبر مقابل تعمقها في فلسفات معاصرة، مثل نيتشه وفوكو وهيدغر وليوطار..
ولتجاوز هذه النزعة العدمية والتشاؤمية، يعيد هابرماس قراءة وتأويل سوسيلوجيا فيبر: ونقطة انطلاقه هي إبرازه لخاصية المعنى والقصد للفعل الإنساني كما يؤكدها فيبر، فليس كل فعل إنساني هو نشاط جدير بالاهتمام السوسيولوجي باستثناء ما له معنى مرتبطا بقصد الفاعل صريحا أو ضمنا. وبالرغم من وقوع هذا التحديد الفيبري للفعل الاجتماعي مقترنا بالمعنى والقصد في دائرة فلسفة الوعي، يلاحظ هابرماس تضاربا لدى فيبر فيما يخص مضمون هذا الفعل في حد ذاته: فمن جهة هو مرتبط أصلا وحصرا بفاعل معزول وبعينه، ومن جهة أخرى هو علاقة لا يمكن أن تغيب بالكامل حضور الآخر. في الحالة الأولى يحسب الفاعل أنانيا من أجل نجاحه الشخصي المحض ( فعل أداتي)، وفي الحالة الثانية يحضر الآخر ضمن حساب استراتيجي لبلوغ القصد المخطط له ( فعل استراتجي). والنتيجة واحدة، هي: البحث عن النجاح والسعي لتحقيقه. في المقابل يطرح هابرماس نوعا آخر من الفعل الاجتماعي أسماه الفعل التواصلي الذي لا يبحث عن مجرد النجاح الشخصي فقط، بل تحقيق التفاهم عن طريق الحوار.
ثانيا : هربرت ميد
تأثر هابرماس بالكثير من علماء الاجتماع الأمريكيين، ومن بينهم السوسيولوجي هربرت ميدالذي أخذ عنه فكرة دور الآخر في تشكل الأنا. إذ يعتبر ميد أن الذات تنشأ وتتطور مجتمعيا من خلال عملية التفاعل الاجتماعي؛ إذ يبدأ الفرد بالتعرف على ذاته من خلال آراء الآخرين فيه، ومنذ السنوات المبكرة من حياته وتحديدا من خلال عملية اللعب التي يقوم بها، محاولا تقمص العديد من الأدوار المختلفة؛ فمسألة القيام بدور ما لا يتطلب معرفة الدور فقط، بل ما يتوقعه الآخرون من هذا الدور أيضا. (1)
فالفرد "الذي يريد أن يقيم علاقة عملية مع ذاته يؤكد من تلقاء نفسه أنه ليس فقط كائنا مستقلا، وإنما متفرد، وأنه قادر على اتخاذ الموقف الذي يمكنه من تحقيق التوافق التذاوتي، أضف إلى ذلك إمكانية تحقيق مثل هذا التأكيد الأخلاقي للذات يكون مضمونا من خلال علاقة الاعتراف المتبادل الذي تلتقي فيه الأنا مع الآخر في أفق القيم والغايات.(2)
ثالثا: تالكوت بارسونز
استفاد هابرماس من السوسيولوجي بارسونز في معالجته لإخفاقات منهجيات التأويل، وذلك في تشخيصه للطريقة التي تفرض بها خارجيات المجتمع البنيوية كالاقتصاد والسياسية. وكيف أنها تقتحم العوالم الخاصة بالفاعلين الاجتماعيين، وذلك باستعمار العالم المعيش. ولاشك بأن هذا هو المهم بالنسبة لهابرماس، إذ إنه يجب نقل الاهتمام من حيز الافتراضات المنهجية التي يجب أن تستخدم في دراسة العالم الاجتماعي إلى حيز الاهتمام بكيفية عمل العالم الاجتماعي نفسه.(3)
وتجلى ذلك عند هابرماس في فهمه لعلاقات العالم الاجتماعي على أنها متكونة من نظام وعالم حياة، ويجب أن "ينظر إلى النظام على أنه ينبع جوهريا من عالم الحياة؛ بمعنى أن المجتمع هو نتاج للتفاعل الإنساني بين الذوات والعالم الخارجي على السواء".(4)
ـ المنطلقات الفلسفية
أولا: ماركس
يعتبر ماركس من المرجعيات الفلسفية المهمة في فكر هابرماس بصفة خاصة، ولدى مدرسة فرانكفورت بصفة عامة .
لكنه تجاوزه لاحقا، وخاصة في كتابه ما بعد ماركس، حيث كان العمل الاجتماعي في نظر ماركس ليس هو ما يمنح الإنسان إنسانيته فحسب، ولكنه هو أيضا ما يخلق شروط إعادة إنتاج الواقع عبر إدراكه المعرفي ( نظرية المعرفة)، والتأثير عليه ( نظرية الممارسة). وهذا ما يمكن نعته بالشروط الترانسدتالية لموضوعات المعرفة والتجربة المؤطرة والمندرجة في سياق بناء تاريخي للإنسان والمجتمع. وعليه تحضر اللحظة الكانطية هنا بالشكل الذي لا يمكن تجاوز محدودية الذات الترنسدتالية إلا بانحلالها، ليس ضمن تركيبة كلية تتماهى فيها الذات مع الموضوع ( هيغل)، ولكن ضمن شروط العمل الإنساني المنتج للعالم المادي؛ انطلاقا من أن شروط هذا العالم المادي نفسها هي ما يحدد شروط العالم الإنساني نفسه.
وهنا يتدخل هابرماس، وهو يعيد بناء المادية التارخية سوسيولوجيا للتمييز بين العمل والتفاعل : فليست فقط القيم المادية ( الاقتصادية ) هي ما ينتجه الناس ويتبادلونه ( مجال العمل الاجتماعي )، ولكن هناك أيضا قيم معيارية رمزية تخضع لنفس فعلي الإنتاج والتبادل، هو مجال التفاعل (5)، وأخذ المجالين معا هو ما يشكل لب إعادة التأسيس الهابرماسي للمادية التاريخية في صيغتها الكلاسيكية.
ثانيا: هيغل
استطاع هابرماس الاستفادة من فلسفة هيغل خاصة محاضراته في جامعة ايينا، حيث وجد هابرماس ضالته في التحديد الهيغلي للذات التي يعتبرها "كمن يجد تعريف نفسه في الآخر"(6)، وهي بذلك اكتساب للمعنى في منطق تأملي ومتناظر. إن هذه العلاقةمن الآخر إلى الذات ومن الذات إلى الآخر ( الاعتراف المتبادل) ليست تمثلا للما بين ذاتية؛ لكن طريقة للتنشئة الاجتماعية. فهذا الاعتراف ما بين الذوات، يجد تحققه في جدلية السيد والعبد في ظاهريات الروح عند هيغل.
فالإنسان يتعرف على ذاته بالآخر، ومن خارج ذاته، لأنه لا يستقبل إحساسه بكونه مكتملا إلا بكونه يستقبل ذات الآخرين كذلك. إن الهوية تتم بالعودة إلى الموضوع انطلاقا من الذات، والاعتراف بالموضوع / الذات مرادف للاعتراف بنفسه في الموضوع أو إنكاره، ومن هنا أهمية الحوار كتفاعل يركز عليه هابرماس. (7)
ثالثا: هوسرل
وظف هابرماس فكرة العالم المعيش في نظريته التي استقاها من هوسرل رائد الفنومنلوجيا، حيث يميز هوسرل بين نوعين من الحقائق، وبين نوعين من العوالم. فهناك حقائق العالم المعيش، وهناك أيضا حقائق العالم الموضوعي: فحقائق العالم المعيش حقائق تاريخية وذات علاقة بتجارب وخبرات مقرونة بسياقات ثقافية معينة. أما حقائق العلوم الموضوعية، فهي كونية غير ثقافية ولا تتعلق بمحيط ثقافي معين، ومسلماتها قابلة للتطبيق في كل مكان؛ بمعنى أن فكرة العالم المعيش تعني عالم الوجود، مثلما في حياة الإنسان يوميا في محيط اجتماعي مقرون بسياق اقتصادي وثقافي؛ فهو عالم التجربة الآنية كما يعيشه الإنسان، ويتعلق بالإنسان وببيئته الثقافية والجمعية. (8)
رابعا: كانط
استفاد هابرماس كثيرا من كانط، سواء على المستوى الأخلاقي أو السياسي على المستوى الأخلاقي وظف هابرماس مفهوم الكلية الأخلاقية لتأسيس أخلاقيات المناقشة بديلا عن أخلاقيات الواجب وأخلاقيات المنفعة.لكن ذلك لم يمنعه من انتقاد كانط بتأسيسه للأخلاق على الذات وحدها، ليطرح التذاوت بديلا لفلسفة الوعي القائمة على الذات. أما على المستوى السياسي، فقد وظف هابرماس مفهوم الفضاء العمومي ( كانط) في كتاباته ( التحول البنيوي للفضاء العمومي )، ولطرح نظرية الديمقراطية التشاورية. بالإضافة إلى تأثره الواضح بمشروع كانط حول السلام الدائم، ودعوته إلى مواطنة كوسومبوليتية.
خامسا: فلسفة اللغة مع أوستين وسيرل وفيتنغشتين
أثناء بحث هابرماس عن أدوات علمية قد تساعده في عملية إعادة البناء، ستقوده الصدفة هذه المرة إلى إحدى الواحات الخضراء في صحراء الفلسفة التحليلية – الكلام هنا لهابرماس- يتعلق الأمر بالفلسفة التحليلية الأنغلوسكسونية، وبالتحديد فلسفة اللغة العادية الما بعد فيتنغشتينية، مع كل من أوستين وسيرل وستروسمان.
والحال هذه، فإن هابرماس سيعتبر نظرية أفعال الكلام في صيغتها أوستينية وسيرلية ابتكارا رائعا، ذلك أنها تركيب بين اللغة من جهة والفعل من جهة ثانية(9). وعليه، فإن هابرماس سيستعير التمييز المهم الذي وضعه أوستين بين أفعال الكلام التقريرية والإنجازية، كما سيعمل على إعادة صياغته.
وبعد قيامه بتعديلات من داخل نظرية أفعال الكلام، سينتقل هابرماس إلى إعادة بناء النظريات السوسيولوجية التي سجلها، ولنقف الآن عند النظريات الليبرالية والنفعية للعقلانية والفعل الاجتماعي.
توجه فعل / وضعية فعلموجه نحو نجاحموجه نحو تفاهم
غير اجتماعيفعل أداتي
اجتماعيفعل استراتيجيفعل تواصلي
إن الفعل الأداتي يتوجه نحو تحقيق النجاح من خلال السيطرة التقنية على العالم الموضوعي، لهذا فإنه لا يعتبر فعلا اجتماعيا، لكونه لا يتم عبر وسيط اللغة، وبالمقابل يعد الفعل الاستراتيجي هو الآخر فعلا أداتيا، على اعتبار أنه يسعى إلى تحقيق النجاح، مع فارق أنه يتم عن طريق اللغة. وبما أن الفعل الاستراتيجي فعل يتم عبر وسيط اللغة، فإن نموذج العقلانية والفعل الاجتماعي اللذين تقدمهما النظريات الليبرالية المنفعية تبقى نماذج أحادية الجانب واختزالية. ورغم أن هابرماس يقر بأن الفعل الاستراتيجي فعل اجتماعي، إلا أنه فعل يميزه عن الفعل التواصلي، لكون الأول يرتبط بتحقيق النتائج والمصالح، بينما الثاني يسعى إلى تحقق التفاهم.
ـ المنطلقات العلمية:
بياجيه وكولبرغ
شكلت الأبحات العلمية لبياجيه وكولبرغ مرجعية علمية مهمة لهابرماس، لإعادة بناء الفلسفة الماركسية قصد فهم طبيعة الصراعات والتفاعلات الاجتماعية داخل المجتمع؛ فهذه الأبحاث توضح مراحل تطور الوعي الأخلاقي التي توافق مراحل أهلية التفاعل. ففي المراحل العرفية القبلية، حيث ترك الأفعال والذوات، باعتبارها تنتمي إلى المستوى الوحيد للواقع، لا تقدر عندما يحدث نزاع إلا بنتائج الفعل. ففي المرحلة العرفية يمكن أخذ الدوافع بعين الاعتبار بمعزل عن النتائج المباشرة للفعل. فما هو محدد هو الامتثال لدور اجتماعي معين ونظام من المعايير القائمة. في المرحلة الما بعد عرفية تفتقد أنظمة المعايير صلاحيتها شبه الطبيعية، وتحتاج هذه المعايير إلى أن تبرز حسب التصورات ذات النزعة الكونية. (10)
الأبعاد:
لنظرية الفعل التوصلي لهابرماس أبعاد وامتدادات داخل الحقل الاجتماعي والسياسي والأخلاقي.
-البعد الاجتماعي: لتجاوز الفعل الأداتي، أبدع هابرماس مفهوم الفعل التواصلي لمحاولة تنمية البعد الموضوعي والإنساني للعقل. إنه فاعلية يتجاوز العقل المتمركز حول الذات والعقل الشمولي المنغلق، والعقل الأداتي الوضعي الذي يفتت ويجزئ الواقع. فالعقل لم يعد جوهرا سواء أكان الجوهر ذاتا أو موضوعا، بل فاعلية ؛ فالفعل التواصلي صاغه هابرماس لمحاولة بلورة إجماع يعبر عن المساواة داخل فضاء عمومي ينتزع فيه الفرد جانبا من ذاتيته ويدمجها في مجهود جماعي قائم على التواصل والتفاهم، وهذا التفاهم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتفاق مؤسس على أساس عقلاني.
كما جاء الفعل التواصلي لتجاوز العلاقات الاجتماعية القائمة على الإكراه والهيمنة ( الفعل الاستراتيجي) لبلورة علاقات اجتماعية سليمة، قائمة على الحوار والنقاش في أفق تحقيق إجماع .
-البعد الأخلاقيفبعد أفول الأخلاق الدينية والتقليدية في الغرب، جاءت أخلاقيات النقاش لتطرح البديل؛ فإخضاع الآراء والقناعات والاختيارات للنقاش شرط لتحقيق الموضوعية والنزاهة والاتفاق، وبذلك يصبح في الآن شرطا لاجتناب العنف اللفظي والمادي والحروب والاستبداد.
ليست أخلاقيات النقاش مذهبا ولا نسقا من القيم والمعايير، بل هي كما يقول ابل إجرائية تراسندنتالية تجمع شروط مناقشة أطروحات ومبادئ عملية في المجال الأخلاقي والسياسي بحثا عن امتحان مشروعيتها ومعقوليتها وصلاحيتها.
وتجدر الإشارة إلى أن لأخلاقيات المناقشة أربعة افتراضات أساسية :
أولا: ضرورة توفرها على المعقولية التي يتم إنجازها بفعل جملة مركبة تركيبا صحيحا، تحترم قواعد اللغة المستعملة.
ثانيا: يتعلق الأمر بحقيقة مضمون القول التي تضمن وظيفيا وصف حالة واقعة مجردة وغير مستوحاة من الخيال.
ثالثا: يتعلق الأمر بمصداقية التلفظ، باعتبارها وظيفة لإقامة علاقة مستقيمة ما بين الأشخاص، ويتكفل هذا الادعاء بموضوع تطابق الفعل اللغوي مع مقتضيات مخطط معياري سابق معترف به من طرف المجتمع.
رابعا: يتعلق الأمر بصدقية ما يقال بالقدر الذي يسمح به للمتحدث بالتعبير عن نوايا محددة، وبطريقة صادقة بعيدة عن الكذب والتضليل.
تنحدر هذه المبادئ الأربعة من "الحالة المثالية للكلام"، وللشروط الصافية لخطاب يتوخى احترام معايير الصدق الصارمة، أو ما يطلق عليه جماعة التواصل غير المحدودة عند هابرماس، وهي صورة المجتمع الذي يتواصل فيه أعضاؤه بطريقة سليمة. ويمكن إجمالا اعتبارها شروطا لا يستقيم من دونها تواصل عقلاني بين المتحدثين.(11)
-البعد السياسي : لتجاوز أزمات العالم المعاصر ونواقص الديمقراطية التمثيلية، يسعى هابرماس إلى " تأسيس ديمقراطية على أسس جماعية مثالية للتواصل، خالية من أية هيمنة أو سيطرة، ما عدا أفضل حجة. كما أنه يطرح مفهوم التشاور الذي يعتبره جوهريا في ديمقراطيته التشاورية، لأنه في التشاور يعطي للآخرين الحق في الكلام والنقد ورفع ادعاءات الصلاحية وتقديم اقتراحات جديدة بخصوص القضايا المطروحة للنقاش في الفضاء العمومي، وفي ظل هذه الصيرورة الخطابية المؤسسة على النقاش، يتشكل الرأي العام والإرادة السياسية للمواطنين في المجتمع الديمقراطي، لأن الهدف الأسمى للديمقراطية التشاورية ليس الدفاع عن المصالح الشخصية لأعضاء الجماعة؛ وإنما هو الدفاع عن المصالح العامة. هذه الأخيرة كل واحد مطالب بالدفاع عنها، انطلاقا من وجهة نظره الخاصة، وذلك لإقناع المواطنين برأيه بالاعتماد على وسيلة المناقشة الحجاجية.(12)
خاتمة :
بالرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى نظرية هابرماس، فلا يزال يتربع على عرش كبار الفلاسفة في العالم المعاصر.
ونحن في العالم العربي، لا يسعنا سوى الانفتاح على مشروع هابرماس نظرا لغنى وتنوع إنتاجه من جهة، ومن جهة أخرى مواكبته للأسئلة المعقدة للإنسان المعاصر. فما أحوجنا اليوم إلى الانكباب على إنتاجات هابرماس! خاصة في تنظيره للتواصل والفضاء العمومي والحداثة والمواطنة لتبيئتها وتعميقها في المجتمعات العربية.
والآن بعد تباشير الربيع العربي:هل نحن قادرون على بناء مجتمع ديمقراطي حداثي قائم على أخلاقيات الحوار والمناقشة، لا على العنف والصراع ؟ وهل نحن قادرون على إدارة اختلافاتنا الإيديولوجية والإثنية واللغوية ؟
تلكم بعض الأسئلة التي لن تجيبنا عليها سوى الأيام القادمة؛ فهل نكون في مستوى تطلعات شعوبنا ودماء شهدائنا؟.
الهوامش:
1- كمال عويسي، دراسة في النظريات التربوية المعاصرة، معهد العلوم الإنسانية المركز الجامعي بغرداية الجزائر ص 2008-2009 ص 5
2- كمال بومنير، النظرية النقدية من هوركهايمر إلى هونيث، الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف 2010 ص 152
3- علي عبود المحمداوي، الإشكالية السياسية للحداثة، منشورات الاختلاف ودار الأمان الطبعة الأولى 201 ص 56
4- م س ص 56
5- حسن المصدق، هابرمس ومدرسة فرانكفورت، المركزالثقافي العربي الطبعة الاولى 2005 ص 109
6- م س ص 134
7- م س ص 135
8- م س ص 139
9- حمزة الخليفي، عرض حول ماكس فيبر، ماستر فلسفة التواصل بتطوان موسم 1011-1012ص 15
10- محمد الأشهب، مذهب التواصل في الفلسفة النقدية لهابرماس، أطروحة دكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس موسم 2006- 2007 تحت إشراف الدكتور لحكيم بناني ص 316
11-حسن المصدق م س ص 146
12- محمد الأشهب، الفلسفة والسياسة عند هابرماس، دفاتر سياسية مطبعة النجاحالمغرب 2006 ص 195-196 

تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية : بقلم رشيد العلوي

عن موقع :  مؤمنون بلا حدود 


من الأسئلة البدهية والأولية التي تطرح في كل نقاش حول تدريس الفلسفة للأطفال: هل يمكن للطفل أن يتفلسف؟ ما هي المداخل الممكنة لضمان تعليم فلسفي للأطفال؟ هل يتعلق الأمر بتدريس مفاهيم كما هو الحال في المستويات التعليمية الأخرى، أم أنّ الأمر يتعلق بتبسيط موضوعات فلسفية للطفل؟ هل للطفل أسئلة فلسفية وهو لم يتشكل وعيه الذاتي بعد؟ هل يشترط التفلسف وعياً بالذات؟ ألا يمكن أن تكون هناك انعكاسات سلبية لهذا التعليم على الطفل؟ كيف يمكن ضمان عدم أدلجة تعليم الطفل؟ ألا يستهدف تعليم الفلسفة للأطفال ترويضهم لخدمة أهداف سياسية؟
في حقيقة الأمر وبعيداً عن الديماغوجية، لا نرى مانعاً في الدفاع عن حق الطفل في التفلسف، إذا اعتبرنا أنّ التفكير الفلسفي هو تفكير نقدي ينبني على التساؤل ويعزز القدرات النقدية في التفكير وإعمال العقل، خاصة في عالم اليوم حيث غدت النزعة الاستهلاكية شراً لا بدّ منه، وحيث يتمّ تلقين الإنسان مبادئ السوق الحرة منذ الطفولة. ذلك أنّ آليات التنشئة الاجتماعية صارت معقدة للغاية، وتغلغلت إليها مبادئ كانت بالأمس القريب مرفوضة تماماً. في الوقت نفسه نجد أنّ للفكر الفلسفي حضوراً قوياً خارج المؤسسات، بفضل تنامي المقاهي الفلسفية والجامعات الشعبية وتغلغل الفلاسفة الجدد (فيما يشبه نجوم الفن) إلى وسائل الاعلام، وحيث وجدت الفلسفة أنصاراً ومريدين لها في مجالات أخرى شتى.
أمام حضور الفلسفة هذا صار البحث عن توسيع دائرة المهتمين بتدريس الفلسفة للأطفال أمراً ملحّاً. فالأصوليات الجديدة اخترقت كلّ المجالات وهيمنت على مؤسسات التربية والتعليم، وخاصة مؤسسة تربية وتكوين الناشئة. ونقصد تحديداً أصولية النيوليبرالية (الرأسمالية ونظام السوق الحرة) والأصولية الدينية، فهل يمكن السكوت أمام هذا الزحف؟
لم يكن تدريس الفلسفة للأطفال قديماً جداً، بحيث لم تظهر هذه الفكرة إلا في نهاية الستينات من القرن الماضي في أمريكا بفضل جهود ماثيو ليبمان. وخطوة خطوة حذت دول أخرى في مختلف بقاع العالم[1] حذو هذه المبادرة.
تدريس الفلسفة للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية:
كان ماثيو ليبمان يبحث عن طريقة لتبسيط الفكر المنطقي لطلابه في المرحلة الجامعية، وفكر في أنه من المستحسن تدارك ذلك في حداثة سنهم. ولهذا السبب كتب روايته القصيرة المعنونة بـ: "اكتشاف هاري سوتلمير La découverte d’Harry Sottlemeier" والموجهة للأطفال ما بين سن العاشرة والثانية عشرة من العمر، حيث يمكن لمجموعة أطفال البحث عن قواعد التفكير السليم. وبالتعاون مع آنا مارغريت شارب كتب روايات أخرى، على منوال منهج المناقشة السقراطية (التوليد) بين التلاميذ حول الأتيقا والجماليات والسياسة، والإبستمولوجيا. وهو ما شكل في مجموعه برنامجاً للفلسفة خاصاً بالأطفال ما بين سن الخامسة والثالثة عشرة.
ترتكز منهجية ليبمان الأكثر شهرة في العالم[2] على ثلاث وسائل:
ـ تطوير ثقافة السؤال في المدرسة من خلال الانطلاق من أسئلة الأطفال نفسها.
ـ حث الأطفال على كتابة نصوص سردية تتمحور حول انتماء الطفل إلى شخصيات وحالات (تستحضر البعد الإنثربولوجي).
ـ تخصيص حيز للكلام والتبادل في القسم للمشاكل العالمية: البيئة، الفقر، اللامساواة... وتكون المناقشة حرّة، شريطة استحضار النقد والدليل والحجة.
الأرجنتين:
بدأت تجارب تدريس الفلسفة للأطفال في الأرجنتين سنة 1989 داخل مدرسة خصوصية ببوينوس آيرس. وظهر المركز الأرجنتيني لتعليم الفلسفة للأطفال سنة 1993 بجامعة بوينوس آيرس. حيث ترجم برنامج ليبمان ونشر، ونشرت معه بعض المعدات الموجهة لتدريس الفلسفة للأطفال. وهي التجربة التي دفعت إلى انطلاق تجارب أخرى في مدن أخرى من قبيل مدينة كاطامارا، ودعم المبادرة في مدارس أخرى إلى جانب تخصيص برنامج تكوين مدرسين في هذا التخصص بمدارس الأساتذة.
البرازيل:
لقي نموذج ماثيو ليبمان نجاحاً باهراً في البرازيل. حيث نشأ معهد تدريس الفلسفة للأطفال سنة 1989 بساو باولو، وتمّ تكوين آلاف الأساتذة لتدريس الفلسفة للأطفال في برنامج ليبمان قبل انطلاق التجربة في كل ربوع البلاد. ويمكن أن نؤكد وجود ما يقارب 10000 مدرس و100 ألف طفل يعيشون تجارب مختلفة في تدريس الفلسفة في المدارس العمومية والخاصة.
المملكة المتحدة:
لا توجد أية مبادرة لتدريس الأطفال في المملكة المتحدة قبل سنة 1990. ولكن كانت هناك مجموعة صغيرة من المربين، ومن ضمنهم روبير فيشر الذي يشغل منصب مدير برنامج مهارات التفكير بجامعة برونيل والذي يهتم بتدريس الفلسفة للأطفال.
ولقد أثار مشروعه الانتباه وأخذ بالاعتبار بعد الشريط الوثائقي الذي بثته قناة BBC سنة 1990 تحت عنوان "سقراط لأطفال السنة السادسة من العمر Socrates for 6-years old" والذي لقي إقبالاً واسعاً جداً. حيث تمّ سنة 1991 إنشاء مؤسسة النهوض بالفلسفة في التعليم، بهدف تعزيز تجربة الفلسفة للأطفال.
بعد ذلك بثلاث سنوات، دشنت المؤسسة تجربة تكوين أساتذة لتدريس الفلسفة للأطفال، مبنية على نموذج ماثيو ليبمان وانطلقت التجربة بالفعل.
أستراليا:
لا نملك الكثير من المعطيات عن هذا البلد، غير أنه تمّ دمج تجربة تدريس الفلسفة للأطفال في المدارس الابتدائية.
اليابان:
اشتغل الأستاذ تاكارا والأستاذ إيفا مارسال بشكل مكثف منذ سنة 2003 على مشروع بحث دولي تحت عنوان: "Das Spiel als Kulturtechnik"، والذي يعالج في جانب منه تدريس الفلسفة للأطفال. وهناك مبادرة بحث ألمانية ـ يابانية (DJFPK) تخص تدريس الفلسفة للأطفال، انطلقت في غشت من سنة 2006 بدعم من المدرسة العليا للتربية بكارلسروه Karlsruhe والغرض من هذه المبادرة هو خلق أرضية نظرية صلبة تخص تدريس الفلسفة للأطفال، حول فلاسفة الغرب من قبيل: سقراط، هيوم، غوته، روسو، كانط، نيتشه... وحول فلاسفة الشرق من قبيل: تاكاجي، هياشي، تسو كوكي والمربي توشياكي أوز. والغرض من هذه المبادرة هو تقريب المفاهيم الإنثربولوجية عند أطفال اليابان والألمان معاً. وممّا لا شك فيه أنّ هذه التجربة ستكون نوعية جداً بالنظر إلى أهدافها الكبرى، حيث تجدد اللقاء بين الشرق والغرب حول الفلسفة، فأكيد أنّ كلا البلدين يعيان جيداً حجم المبادرة.
طرق أخرى في تدريس الفلسفة للأطفال:
ليست طريقة ليبمان وحدها المنتشرة والمعروفة في هذا المجال، بل هناك طرق أخرى أهمها:
1 - طريقة أوسكار برينيفيي Oscar Brenifier:
ترتكز طريقة أوسكار برينيفيي على التوليد السقراطي، بحيث يقدّم للأطفال مفاهيم فلسفية: الرأي، الحقيقة، الوعي... بأسلوب مبسط يتوخى حصول التجريد في ذهن المتعلمين الصغار. وتقدم هذه المفاهيم في سلسلة رسوم مصوّرة تمثل وضعيات تسمح للطفل بالتعبير عن رأيه أو دهشته أو رفضه أو قبوله لبعض الأفكار أو الوضعيات المعروضة. ولقد لقيت هذه الطريقة بدورها إقبالاً واسعاً في العالم الفرنكفوني.
2 - طريقة جاك ليفين Jacques Lévine:
وهي طريقة تعتمد على مقاربة التحليل النفسي، وتستهدف تعميق حالات الذات المفكرة، حيث يطرح الأستاذ على التلاميذ في مرحلة أولى مشاكل عامة ستعنيهم مباشرة في مراحل متقدمة من عمرهم من قبيل: البلوغ والرشد.. ويطالبهم بإبداء آرائهم في الموضوع دون أن يتدخل في نقاشاتهم.
ويتمكن التلاميذ في مرحلة ثانية من التعبير عن رأيهم الخاص ويسجل في شريط لمدة عشر دقائق لكل تلميذ، وفي الأخير (المرحلة الثالثة)، يتم عرض الشريط لمناقشته مناقشة حرة مع إمكانية توقيفه في أي وقت لتعميق النقاش. وهي طريقة ترتكز أساساً على مبدأ التعبير الحر دون تدخل الأستاذ.
في الحاجة إلى تعليم الفلسفة للأطفال بالمغرب:
لا يخفى عليكم أهمية القرار التاريخي (2004) القاضي بتعميم الفلسفة في الثانويات المغربية في المستويات الثلاثة، ولكل الشعب والمسالك، ودوره في توسيع دائرة المهتمين بالفلسفة.
وصحيح أنّ هذا التعميم قد اعترضته بعض الصعوبات في السنوات الأولى من دخوله حيز التنفيذ، إلا أنّ إيجابياته كانت كبيرة جداً رغم قلة العدد الديداكتيكية والإمكانيات، وضعف التكوين في مجال تدريس الفلسفة لتلامذة الجذوع المشتركة، ونقص الاجتهادات في الخصائص النفسية والوجدانية والعاطفية لشباب 14 أو 15 ربيعاً. سيكون من السابق لأوانه الإقرار بالحاجة إلى تدريس الفلسفة في المرحلة الإعدادية، ولكنه ضرورة ما بعدها ضرورة، ويتوجب أن ترتكز الجهود وتتطور في المستقبل في هذا المجال. وسنقدم هنا بعض المقترحات التي نرى أولويتها في هذا البحث.
ليس من البساطة إعداد منهاج خاص لتعليم الفلسفة للتلاميذ في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي، لأنّ الأمر يشترط:
ـ الإلمام بالتجارب الدولية في مجال تعليم الفلسفة لهذه الفئة من المتعلمين.
ـ فهم الروابط المعرفية والمنهجية بين مرحلتي التعليم الثانوي: الإعدادي والتأهيلي، والبحث عن مصوغات لتفادي تكرار الموضوعات والغايات والكفايات والقدرات، وعلى الأخص مراعاة مبدأ التدرج في كلتا المرحلتين.
ـ الاجتهاد في ترجمة وإعداد وصياغة موضوعات مناسبة لمختلف المراحل العمرية.
ـ مراعاة الخصائص النفسية والوجدانية في كل مرحلة على حدة.
ـ ضمان حد أدنى من تنويع الوسائل والطرق الديداكتيكية.
ـ تكوين المدرسين في المراكز الجهوية لمهن التربية، والتكوين هو ما يقتضي إعادة صياغة منهاج مادة الفلسفة الموجهة للمرحلة التأهيلية ودمج برامج المرحلة الإعدادية.
ـ تعزيز البحث العلمي والأكاديمي في الجامعات المغربية حول تدريس الفلسفة للأطفال، والتفكير في مختبرات ديداكتيكية تعمل على مراكمة الخبرات وتجريب العدد.
[1] راجع في هذا مقالة ماري فرانس دانييل على الرابط: http://www.cenestquundebut.com/autour-du-monde
[2] وتعرف بالطريقة الليبمانية: نسبة إلى ماثيو ليبمان الذي أسس سنة 1974 معهد ترقية فلسفة الأطفال (CPAI) والتي تستهدف فئة الأطفال في المستويين الابتدائي والتعليم الأولي، وتتوخى تمرّن الأطفال على التفلسف.