الثلاثاء، 10 مايو 2016

الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وسؤال الهوية والاستقلالية: بواسطة رشيد الادريسي

عن الأول   www.alaoual.com

شكل اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او الإنسانية او المهينة ، من طرف الامم المتحدة في 18 دجنبر 2002 خطوة جبارة في سبيل وضع حد للتعذيب ،وحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، ومثل إضافة أساسية للإجراءات الاخرى ،التي أقرتها اتفاقية التعذيب أو تنص عليها القوانين الوطنية ، ويندرج البروتوكول الاختياري في إطار الجهود الرامية للاستئصال آفة التعذيب والتركيز أساسا على الوقاية، ودعا البروتوكول إلى إنشاء نظام وقائي يقوم على الزيارات المنتظمة ،لاماكن الاحتجاز، بهدف حماية الأشخاص المحتجزين من التعذيب ومنعه، كما جاء في ديباجة البروتوكول، بالإضافة الى الإجراءات والتدابير المتنوعة التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها.
وبموجب البروتوكول تقرر إنشاء آلية دولية للقيام بمهام البروتوكول، تسمى اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، تقوم بزيارة أماكن الاحتجاز والاعتقال وتقدم توصيات للدول الأطراف في البروتوكول ، ونص البروتوكول كذلك على إنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب ،من طرف الدول التي قامت بالتصديق على البروتوكول في غضون سنة واحدة من التصديق وان تضمن استقلالها الوظيفي واستقلال العاملين فيها، وان توفر لها الموارد اللازمة لاداء مهامها وان تمنحها الصلاحيات والسلطات ،التي تخولها للقيام بشكل منتظم بزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم ودراسة أوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم وتعزيز حمايتهم من التعذيب وتقديم التوصيات

المغرب والآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب
صادق المغرب على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب،   ومند سنوات والمنظمات الحقوقية المغربية  تناضل من اجل التصديق على البروتوكول، ولقد تشكلت المجموعة الوطنية للترافع على التصديق وتنفيد الالتزامات المترتبة على دلك ، وخصوصا ان موضوع التعذيب ظل من القضايا الاساسية في مجال حقوق الانسان   وان تجربة ماضي الانتهاكات ببلادنا من خلال تقرير هيئة الانصاف والمصالحة او جلسات الاستماع للضحايا،  كشفت عن حجم واتساع ظاهرة التعذيب بما خلفته من ماسي ومظالم واثار ومضافعات اجتماعية ونفسية قاسية على عدد من المناضلين والضحايا  وعلى المجتمع برمته، وظل طموح كل المهتمين بحقوق الإنسان ان تختفي هده الآفة وان يوضع حد للتعذيب ولدلك استقبل الجميع  حدث مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري بحفاوة وترحاب، وفي نفس الوقت بوعي بالتحديات والرهانات المرتبطة دائما بالتنفيذ والأجرة
ولقد نص دستور 2011 على الحماية من التعذيب في الفصل 22 حيث نص على انه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية او المعنوية لاي شخص ومن قبل اي جهة كانت خاصة او عامة ولا يجوز لاحد ان يعامل الغير ، تحث اي  ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية او مهينة او تمس بالكرامة الإنسانية ،  وأكد  ان ممارسة التعذيب بكافة أشكاله ومن قبل اي كان جريمة يعاقب عليها في القانون
بالاضافة الى ما اصبح يتضمنه القانون الجنائي من نصوص قانونية تجرم وتعاقب مرتكبي التعذيب ،كما ان بعض التقارير الرسمية تتحدث    عن تأهيل العاملين في مجال الأمن وتكوينهم ،وإدماج حقوق الانسان في برامج التكوين واعادة التكوين و عن اجراءات تأديبة وعقوبات ضد اشخاص متهمين بأعمال تعذيب وعنف، رغم ان المهتمين بحقوق الانسان يؤكدون استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب، وبطء وتعقد مسا طير المتابعات وعدم شفافيتها  ،  وغموض مآل عدد من  ملفات بعض المتابعين في قضايا التعذيب
لقد مر اكثر من سنة على التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ،وطيلة هده السنة عاش الحقل الحقوقي، نقاشات وحوارات، حول سبل جعل هده المصادقة خطوة أساسية من اجل إحداث قطيعة نهاية مع ممارسات التعذيب، وخصوصا ان المغرب ملزم في غضون سنة،  بان يشكل الية مستقلة للوقاية من التعذيب ،كالية وطنية تنهض بهمام الوقاية وزيارة اماكن الاعتقال والاحتجاز ،وتتلقى الشكايات وتنجز التقارير وتقدم التوصيات ،وفي خضم هدا النقاش يطرح التساؤل حول استقلالية هده الهيئة وفعاليتها وصلاحياتها والموارد والإمكانيات المادية والمالية الضرورية لعملها

معايير وشروط اساسية للالية الوطنية للوقاية من التعديب

في نونبر 2011 انعقد بجنيف المنتدى العالمي للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعديب  ،بعد

خمسة سنوات على دخوله حيز التنفيذ ، وكان هدا اللقاء العالمي فرصة لتقييم تنفيذ البروتوكول، وكدا الاليات الوطنية للوقاية من التعذيب التي أنشأتها الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري ،وأكدت

خلاصاته ،اولا على فهم أوسع لمنع التعذيب ،وفي مقدمتها فهم أسباب التعذيب المؤسسية والمعيارية والسياسية والثقافية  والاجتماعية والاقتصادية ومعالجتها ،واعتبار الوقاية من التعذيب  تنطوي على مجموعة واسعة من الإجراءات: الإصلاح القانوني وضمان المسؤولية الجنائية ومكافحة الإفلات من العقاب ،وضمان الوسائل القانونية والتعويضات لضحايا التعذيب

 وتم التأكيد أساسا على توفر الإرادة السياسية لمنع التعذيب ،وتم التركيز على وجود مخاطر تعيق عمل الوقاية من التعذيب ،مثل تغليب الأمن القومي على حقوق الإنسان ، واستعمال ذريعة محاربة الارهاب  لتعطيل الالتزامات في مجال حقوق الإنسان، بالاضافة الى اكتظاظ السجون، و استمرار الطابع السري   لمراكز الاعتقال والاحتجاز ، عدم خضوع أجهزة الامن للرقابة القضائية وللمؤسسات التشريعية

كما  أكدت خلاصات المنتدى العالمي  و المبادئ التوجيهية بشان الآليات الوقاية الوطنية والمقررة في الدورة الثانية عشر للجنة الفرعية لمنع التعذيب في نونبر  2010 على شروط أساسية منها أساسا
الاستقلالية :    تحتاج الآلية الوطنية  إلى ضمان استقلالها  أن تكون متحررة من نفوذ الحكومة، أي يجب أن تكون مدعومة من طرف المؤسسة التشريعية، وان ينص على مهامها في القانون أو الدستور، وتزويدها بالموارد المالية ، وان تكون عن طريق عملية مفتوحة وشاملة تشارك فيها مجموعة واسعة من الجهات، بما فيها المجتمع المدني وان ينطبق دلك على اختيار وتعيين الأعضاء
الصلاحيات والسلطات:   يجب ان تتمتع هده الآلية بالسلطة، للوصول الى أماكن الاحتجاز من دون قيود ،والوصول إلى سائر الوثائق، وان تتاح لها فرصة الاجتماع مع سائر الأشخاص المحرومين من حريتهم على انفراد ،فضلا عن مصادر أخرى و ومع أصحاب المصلحة المعنيين
المصداقية والشرعية :    يجب أن تكون ذات مصداقية في اعين المجتمع المدني والجمهور والمعتقلين والسلطات، ومن شروط دلك أ، يكون أعضاءها يتمتعون بشرعية اجتماعية ومشهود بالكفاءة والنزاهة، وان يكون عملها ذا جودة عالية ،وتقاريرها تتمتع بالموضوعية والحياد، وضمان الشفافية والمساءلة داخل الآلية نفسها
التعاون مع السلطات  :تحتاج الآلية الى بناء الثقة المتبادلة مع السلطات ، لكن تمة فعل متوازن بين إشاعة التعاون والقدرة على انتقاد المواقف من جهة وخطر ان تكون قريبة جدا او تابعة او خاضعة للسلطات
الوعي العام والشفافية    لنجاح عمل الآلية الوطنية هنا حاجة لوعي عام مواكب ومتفاعل مع عملها ،وتلعب وسائل الإعلام دور حيوي في دلك، بل تعتبر شريكا جيدا للآلية
دور المجتمع المدني  : يمكن تعزيز دور الآلية الوطنية من خلال دعمها من طرف تنظيمات المجتمع المدني وخصوصا التنظيمات الحقوقية مثلا للمشاركة في الزيارات لاماكن الاعتقال وكدا من خلال توفير الخبراء وتقديم المشورة الفنية
هوية الآلية الوطنية هل مستقلة ام جزء من مؤسسة وطنية

لم يحدد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب أي صيغة لإنشاء الآلية الوطنية ركز أساسا على المعايير الأساسية الضرورية لكي تنهض الآلية الوطنية بأدوارها في الوقاية والحماية وتنوعت اختيارات الدول الأطراف بين تشكيل هيئات مستقلة عن اي مؤسسة والبعض الاخر انشاها باعتبارها جزء من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فمثلا تونس اسست هيئة مستقلة بنص قانوني صادر عن المؤسسة التشريعية وبعض الدول الأفريقية أدمجتها في مؤسساتها الوطنية لحقوق الإنسان

في المغرب تحرك المجلس الوطني لحقوق الإنسان واستبق اي نقاش عمومي ليبادر الى طرح مفاده انه يقترح ان تكون الألية جزء من آلياته الداخلية بمبرر ان من شان إنشاءها خارج المجلس الوطني ان يؤدي الى تضخم في المؤسسات وانه يملك الكفاءات والخبرة وانه يتمتع بالاستقلالية
والجدير بالدكران ما سجلناه طيلة المرحلة السابقة  هو ضعف النقاش العمومي حول هده الآلية ، وعدم إشراك المنظمات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان التي بادرت بعضها لتنظيم لقاءات حول المو ضوع ، ناهيك على ان السياق الوطني لم يكن مشجعا فلقد تعرضت الحركة الحقوقية لحملة ممنهجة من التضييق و المنع والتشكيك في أدوارها   ،ودلك من اجل تهميشها  وفي نفس الوقت كانت تجري محاولات لإعادة هيكلة المشهد الحقوقي في اتجاه الضغط عليه والثاتير في استقلالية قراره ومبادراته في ظل وجود حالة من الاستقطاب لأطره وكفاءاته.
لم تستطع الحركة الحقوقية ان تبلور تصور جماعي  ،لكيفية التعاطي مع موضوع الالية الوطنية للوقاية من التعذيب ،على الرغم من انها تحركت بشكل جماعي في مرحلة الترافع من أجل  التصديق على البروتوكول الاختياري  لاتفاقية مناهضة التعذيب ،وهو مؤشر سلبي يعبر عن الاتجاه العام الذي سيتخذ ه البعد الوحدوي والتشاركي في المستقبل ، مع الإشارة ان بعض المنظمات الحقوقية مقتنعة  مند البداية بتصور المجلس الوطني  لحقوق الإنسان  وان كانت تعبر عنه بصيغ مختلفة  ،مع العلم ان هناك تخوفات كبيرة وخصوصا ان تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع قضايا التعذيب لم تكن في مستوى المطلوب
بالإضافة إلى ردود الفعل المتشنجة  التي تم التعبير عنها  بعد صدور تقارير حقوقية دولية حول التعذيب ، ناهيك على ان مسالة التضخم التي يستند عليها المجلس الوطني لاستبعاد إنشاء اللالية الوطنية خارجه ، سيعيشها هو الأخر  وخصوصا انه يتطلع لإنشاء آليات أخرى مرتبطة باتفاقيات حقوقية، بالإضافة الى مجالات عمله المتعددة ، وان  هناك احتمال ان يتخذ عمل الالية داخل المجلس في ظل تضخم مهامه فعلا ، بعدا روتينيا وعاديا وهدا ما تم الانتباه اليه من طرف المنتدى العالمي المنعقد في جنيف الذي دعا إلى تجنب ( العمل كالمعتاد)  لان المنتظم الدولي الحقوقي لازالت تساوره العديد من التخوفات من ان يتم الالتفاف على أهداف البروتوكول الاختياري من طرف الدول ،
ان مبررات المجلس الوطني غير مقنعة  وغير واضحة وخصوصا ادا اخدنا بعين الاعتبار   استمرار دور وتأثير بعض العقليات ، والأوساط التي تعمل على إعاقة اي تحول جدري في مجال حقوق الإنسان،  وتحاول التحكم في الانعكاسات المحتملة لتلك الالتزامات ،وهدا ما اتضح جليا في استبعاد اي نوع من المشاركة للمنظمات الحقوقية ،في اللقاء الدولي حول التعذيب المنعقد مؤخرا بمراكش،  بالاضافة  الى استمرار حكامة أمنية لا  تستجيب للتطلعات الحقوقية   وكدا إصلاح القضاء الكفيل بان يلعب دورا محوريا في مجال الحماية من التعذيب .
لقد ابانت بعض التجارب  في إنشاء الية الوقاية بعيدا عن المجتمع المدني، او في نزاع معه عن محدوديتها وعدم نجاحها ، لان النهج الشامل لعمل الوقاية من التعديب، يفترض تعاون كل المعنيين ومشاركتهم ككفاءات وفعاليات ،وفي رأينا  ان صيغة استقلالية هيئة الوقاية  من التعذيب، عن اي مؤسسة ستكون الصيغة الملائمة لتجربتنا  فالاستقلال التنظيمي والوظيفي  والمحدد بنص قانوني وصلاحيات كاملة ، سيمكن الهيئة  من العمل بفعالية وقوة وخصوصا  من خلال اشراك المجتمع المدني والكفاءات والخبرات ،في الميادين القانونية والحقوقية والمهنية ، على أساس وعي الجميع بالتحديات واستعداده للعمل الجماعي والايجابي والمنفتح والإدراك ان الحد من التعذيب هو عمل مجتمعي أساسي في سبيل مجتمع الحرية وحقوق الإنسان
ان نزعة التهميش والوصاية وفرض الأمر الواقع   تتنافى  ومنهجية إنشاء الآليات الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب ، ان بلادنا بحاجة الى آلية وطنية  مستقلة للوقاية من التعذيب  يشارك فيها الجميع بما فيها المجلس الوطني وكل الكفاءات والخبرات  والمنظمات الحقوقية الوازنة  وان تؤسس لتجربة متميزة  تساهم في وضح حد للتعذيب والوقاية منه ومعالجة أسبابه  وفي مقدمتها إصلاح المؤسسة الأمنية والقضاء ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان واحترام تام للحريات العامة ووضع حد للإفلات من العقاب ورفع كل اشكال التضييق على الحركة الحقوقية

الخميس، 5 مايو 2016

الفنانه الفلسطينيه دلال أبو آمنه تهلل لاطفال غزه وتبكي شهداءها في "نامي"


ريم بنا في أروع تهليلة فلسطينية


بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب


كلمات الانشودة :

بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب 

لمالي ولا اولادي على حبك ما في حبيب
لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا
يا دار الاوفى دار تلبق لك الاشعار يا دار
الاوفى دار تلبق لك الاشعار تبقي ع الدايم
مضوية مزروعة بمجد و غار عالبرج العالي
ووصول خياله و سيوف تلاله و شمسك ما
تغيب لامالي ولا اولادي على حبك ما في
حبيب لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا
لألف الدنيا و دور و اقطع السبع بحور لألف
الدنيا و دور و اقطع السبع بحور وانده ايامك
يا بلدي ترجع على ارض النور و نعيد عيدك
كل مواعيدك بالخير تزيدك مواسم طيب لمالي
ولا اولادي على حبك ما في حبيب بكتب اسمك
يا بلادي عالشمس الما بتغيب لمالي ولا اولادي
على حبك ما في حبيب لا لا لا لا لا لا لا لا.

فكرة السعادة في المجتمع الإستهلاكي - سلمى بالحاج مبروك

أنفاس نت



من منا لا يريد أن يكون سعيدا؟ و لكن ماسبل تحقيق ذلك؟يبدو أن كل البشر تنتابهم رغبة في أن يكونوا سعداء ولكن المشكل أنهم عاجزون أن يحددوا بيقين تام ما يجعلهم سعداء بحق و يترتب عن هذا أن مشكلة تحديد الفعل الذي يجلب السعادة هي مشكلة لا حل لها فما هي أسباب ذلك؟
إن مفهوم السعادة بلغ من عدم التحديد مبلغا جعل كل إنسان يعجز عن أن يقول في ألفاظ دقيقة ما يرغب فيه لأن السعادة هي مثل أعلى للتخيل والعاطفة و ليست مطلبا عقليا أو غاية يمكن إدراكها إذ من الضروري أن يكون هناك حد أقصى ترتبط به فكرة السعادة و هذا الحد الأقصى يتغير من شخص إلى لآخر فهناك من يجعل البحث عن الحقيقة والمعرفة هي السعادة و هناك من يبحث عن كثرة الأضواء و الشهرة وفريق آخر لا يبغي من حياته سوى تجنب الشقاء و تحقيق الصحة الكاملة . لكن  رغم ذلك فإن هذه الأفعال وأهدافها لا ينتج عنها تحصيل السعادة ذلك أن تجارب الحياة تعلمنا أننا قد ننجز أهدافنا ولكن مع ذلك لا نبلغ السعادة بل تنقلب إلى نوع من السأم .  غير أن للمجتمع الإستهلاكي المعولم رأيا آخر في السعادة بل يرى أنه بامكانه تحقيق السعادة للإنسان . فهل حقا بمقدور هذا المجتمع  توفير السعادة للإنسان أم أن ما يعدنا به حول أمنية السعادة هي من قبيل  السعادة   الإيديولوجية الوهمية وهي مجرد أسطورة زائفة ؟ تستند فكرة السعادة في المجتمع الإستهلاكي إلى نقد الأنتروبولوجيا الفلسفية التي تمجد السعادة وتعتبرها خيرا أسمى وتعتبرها مجرد أنتروبولوجيا ساذجة تقوم على فكرة خاطئة عن الطبيعة البشرية إذ تعتقد أن الإنسان له ميل طبيعي للسعادة و تحصر السعادة في ما يلي : سعادة الجسم على حساب سعادة الروح وسعادة الفرد على حساب سعادة المجموعة . و مرجع هذا التصور للسعادة هو ليبيرالي إقتصادي من جهة و ديني ميتافيزيقي من جهة أخرى ز ففي المستوى الأول ترتبط السعادة بفكرة الرخاء و رغد العيش و الرفاه وفي المستوى الثاني ترتبط بالنجاة و الخلاص الفردي و تتراء لنا السعادة في المجتمع الإستهلاكي المعاصر ذات إشعاع كبير و تمتلك رونقا خاصا في النفوس تمارس تجييشا كبيرا وتؤدي وظيفة الدعاية والإستقطاب .
 فهل هذا السحر المرتبط بالسعادة ناتج عن كونها الغاية القصوى للوجود البشري بمعنى أقصى ما يطمح إليه الإنسان ؟
انطلاقا من اعتبار السعادة مثلا أعلى للإستهلاك فإن تأثيرها الذي تمارسه يرجع عند بعض من الأخلاقيين إلى كونها توق طبيعي لدى كل فرد يسعى إلى تحصيلها لأجل ذاتها و ترى هذه النظرة أن السعادة كمثل أعلى وكقيمة مطلقة لا تحتاج إلى أدلة ملموسة و حجج مقنعة لإثبات راهنيتها لأنها فرضت نفسها على الجميع كمطلب ينبغي إشباعه بشكل فوري و لم تعد ينظر إليها في حد ذاتها بل من جهة النتيجة التي سنحصل عليها فالسعادة لم تعد تتحرك ضمن نظام الغايات بل ضمن نظام الوسائل فهي إن امتلكها الإنسان تحقق له البهجة التامة و الباطنية و تجعله يشعر بالمساواة بينه وبين غيره في الإستهلاك و الشعور بالرفاه و رغد العيش و لذلك لجأ منظرو العولمة و رجال الاقتصاد إلى جعل السعادة قابلة للقياس والعد و مرتبطة بالنجاعة و البعد الكمي و بينوا أن أحد شروطها هو إشباع كل الرغبات الطبيعية والضرورية و حتى الكمالية منها و بلغ الأمر مبلغه عندما اعتبرت السعادة كحق إنساني ضمن لوائح حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ونصت عليها الدساتير و عملت القوانين على صيانتها بقولهم " لكل إمرئ الحق في السعادة" فهل ينبغي تقديس فكرة السعادة اليوم ؟
يرى بودريار أن السعادة أسطورة زائفة وأنها وهم إيديولوجي خلقته الطبقات المسيطرة وبلدان المركز للهيمنة على بلدان الأطراف و الطبقات الأخرى والغاية من التبشير بجدواها ليست إلا ابعاد الإنسان عن أهدافه الحقيقية و تحييد الصراع وتحقيق المعاناة يقول بودريار" ليست الغاية من السعادة إلا إمتصاص الحتميات الإجتماعية القاهرة وتحقيق المساواة في المصير " أي أن يوجد الإنسان من أجل الموت المحتوم و أن يستمر طوال حياته في ملاحقة رغبات غير قابلة لتحقق و هكذا لاحظ بودريار أن مجتمع الوفرة و عالم الإستهلاك أحدث تحولات عميقة وجوهرية في الإنسان جعله يكون مشدودا لنظام من الرموز و الدلالات غير قادر على فك أسراره و فهم محتواه يقول بدريار "لقد أصبح العالم الآن لامعقولا و الإغراءات التي يفرضها علينا لا نهاية لها" و نتج عن ذلك أنه اصبح من الصعب تحقيق السعادة حتى بالمعنى المادي نظرا لأن المجتمع الرأسمالي قد نجح في مخادعة الإنسان وابقائه تحت وهم مطاردة السعادة دون بلوغها و كيف له أن يبلغها و الرأسماليون يعملون دون كلل على خلق حاجيات جديدة للإنسان و كلما ارضى الإنسان حاجة من حاجيات الإستهلاك إلا وخلقوا له حاجيات أخرى لتظل السعادة في عالم العولمة مجردة طريدة وهمية يلاحقها الإنسان وكلما إقترب منها ابتعدت عنه أفليس من الأجدر أن نحذر هذه السعادة الموهومة وأن نتركها فنستريح من عناء اللهاث خلفها لأن ببساطة السعادة تنتمي إلى دائرة المخيلة و التوهم فهي حلم جميل و رغبة مؤجلة فنحن سعداء إلا قبل أن نكون سعداء فعندما نسعى جاهدين لاقتناص السعادة تنأى عنا و تهرب منا وعندما لا نكترث بها يمكن أن نحصل عليها .

التواصل: التحديد والرهان - عبد المجيد العابد

أنفاس نت 



مهاد الموضوع
يعد التواصل من بين أهم الموضوعات المطروقة اليوم، لما أصبح يفرضه العالم المتنامي من  تفعيلٍ لهذه الأداة الإنسانية الفعالة في الربط بين الحضارات والثقافات، وتقريب الهوة بين الشعوب والبلاد. ولهذا لم يعد التواصل لفظا ومفهوما عاديا كباقي المفاهيم السيارة بين الحقول المعرفية المتعددة؛ بل أمسى علما مستقلا بذاته، له أصوله وقواعده ومناهجه، والأدوات التي نستند إليها في ابتغاء التواصل الفعال بعيدا عن كل المعيقات التي يمكن أن تعترضه وتشوش المبتغى الأسمى منه، أي الوصول إلى الرهانات المختلفة في جميع مناحي الحياة؛ فأن نتواصل معناه أن نصل إلى الأنا أو الغير أو الآخر جملة وتفصيلا.
تعريف التواصل
لا يمكن البتَّةَ أن نعثر على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لمفهوم التواصل، لأنه لم يعد يستقيم على حال، ونجده في جميع الحقول المعرفية المختلفة كهندسة الطيران والرياضيات والإعلام والاقتصاد والطب والسيميائيات واللسانيات وهلم جرا، كما تتجاذبه كل مظاهر الحياة الإنسانية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. إن التواصل موضوعة، بمعناها الفلسفي، لا تقف عند تعريف بعينه.
وبالرغم من هذه المعضلة التعريفية يمكن أن نسلم بأن التواصل لغةً هو الإيصال، والعبور، والنقل، والإفهام، والإخبار، والإبلاغ، والوصول يكون بالأساس لغويا، وقد يكون باعتماد اللغة غير اللفظية. وترجع كلمة (Communication) إلى الأصل اللاتيني (Communes) الذي يُقْصَدُ به (Common)، أي عام أو مشترك. ومنه فكلمة التواصل في اللغة العربية أو في اللغات الأجنبية تصير إلى المدلول نفسه: العلاقة الإبلاغية الناظمة بين البشر من أجل الإيصال والتشارك والتفاهم. وتميز اللغة العربية، على الخصوص، بين التواصل الذي يقتضي التفاعل بين طرفين، الأول مرسِل والثاني مستقبِل وفق وضعية تخاطبية معينة تجعل من المستقبِل، بالنظر إلى الشروط المقامية، يصبح مرسِلا ويغدو المرسِل مستقبِلا؛ وهكذا يحصل التفاعل والتخاطب بينهما؛ بينما يرتبط الاتصال باتجاه أحادي، يجعل الطرفين مختلفين: الأول مرسل بالضرورة، والثاني مستقبِل لزومًا، كما أن الاتصال فيه من السلطة والعنف الرمزي ما ليس في التواصل، والتواصل فيه من التفاعل والتأدب ما ليس في الاتصال.
أما التواصل من الناحية الاصطلاحية، بعيدا عن متاهات تعددية الحقول المعرفية، فهو مجموع الإواليات التي تجمع طرفين مختلفين مخاطَب ومخاطِب في الوصول إلى تحقيق أهداف محددة بينهما ترتبط بالقصد. ولهذا كان التواصل خاصية إنسانية، ما دام متعلقا بالثقافة التي لا يمتلكها الحيوان. إنه أساس التفاعل بين البشر وتطور العلاقات الإنسانية، يسهم بالضرورة في حيويتها وديناميتها تجاه الأفعال المنوطة بها وفق مقام مخصوص، قد تكون إدارية أو تعليمية أو رياضية أو غير ذلك؛ إذ لا يمكن للجماعة الإنسانية أن تتفاعل إلا إذا اعتمدت الشروط التداولية في التواصل الفعال. فالأستاذ في القسم، مثالا، لا يمكنه أن يصل إلى التلاميذ، إلا بخلق جَوٍّ من التعاون والتأدب بنوعيه الأدنى والأقصى، وبهذا يُنَمَّى التفاعل الصفي في الفعل التَّعَلُّمِي التعليمي، ورئيس إدراة ما لا يمكنه أن يجعل التابعين له يؤسسون جماعة دينامية إلا بالحفاظ على المبادئ التداولية نفسها في تحقيق التواصل الفعال بينه والعاملين معه، والعالَم بأسره لا يمكن أن يكون منتظما إلا بالتواصل الفعال الذي يخلو من كل تشويش؛ والأمثلة في هذا الشأن متعددة بتعدد مجالات الحياة الإنسانية سلوكا وممارسة. 
2. رهان التواصل المعرفي
تعددت رهانات التواصل بحسب التحاقل وفق كل حقل معرفي على حدة، يمكن أن نجملها وفق ما يلي:
يعتبر التواصل في علم الإعلام موضوعَه الرئيس، مادام متعلقا بالخبر ورحلة المعلومة التي تشكل أساس البحث في التواصل منذ النظرية الأولى لشانون ذات النزعة الرياضية، حيث أخذت على عاتقها رفع التشويشات التي تطول التواصل مستفيدة من التلغراف. إن التواصل هو أساس بناء الوعي الجماهيري، والتفاعل والمشاركة في بناء هذا الوعي، وفي التنمية وتبادل المعلومات، وتنميط الأفكار والذهنيات، والحوار بين الأقطار من خلال رحلة المعلومة بين الأفراد والمؤسسات. وقد أدت تعددية الوسائط المعلوماتية اليوم إلى الاهتمام المتزايد بالموضوع استنادا إلى يسر العملية الإبلاغية، من خلال الواقع الافتراضي الذي يسمح به عالم الأنترنيت عبر المواقع الاجتماعية والمنتديات والصحف الإليكترونية وغيرها من العوالم المستجدة في الإعلام المعاصر الذي غير مجموعة من القيم والمبادئ التي أصبحت من الماضي كمفهوم المجتمع والنخبة والحدود؛ حيث حل الواقع الافتراضي، بوصفه أرقى أنواع التواصل الفعال، بديلا عن الحدود والأقيسة (انظر للمزيد مقالنا المنشور في الموقع: تعددية الوسائط الإعلامية والتنمية).
أما في علم النفس فيقصِدُ التواصلُ تفاعلَ الذات مع نفسها، إنه خطاب بيشخصي يخلق لغة داخلية نستطيع بالنظر إليها الوصولَ إلى كُنْهِ الفرد، وكشف مستور حياته النفسية. ومن ثم كان الاستبطان أهم عملية في الوصول إلى الشخص، كما أن التواصل تفريج وبوح وطرح للمكبوتات، واستنطاق لللاوعي الفردي، وهلوسة في بعض الأحيان، وتداع حر وانفصام ولغة منسية وتجاوز للمعيقات النفسية الفردية التي تقف أمام بناء الشخصية المتوازي السليم. ويختلف التواصل النفسي عن باقي أنواع التواصل الأخرى لأنه لا يفترض متلقيا مشخصنا، بل ذاتا محينة فقط.
بينما يرتبط التواصل في علم الاجتماع بتبادل القيم وغيرها بين الأفراد والجماعات، والتفاعل بينهم لخلق دينامية المجتمع بأسره، كما أن التواصل أساس اندماج الأفراد في ثقافة وهوية المجتمع وتمثيلاته للعالم والأشياء، مما يساهم في توحيد الوعي الجمعي، والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمعين السياسي والمدني. إن التواصل الاجتماعي قائم على رهانات متعددة إذن، كما أشار بيير بورديو، قد تكون رهان الهوية الفردية أو رهان الهوية الجماعية أو رهان الهوية الوطنية.
ويحتل التواصل في الأنتروبولوجيا مركزا مهما خصوصا عند كلود ليفي شتراوس الذي نادى بدراسة الأنماط التواصلية للكشف عن طبيعة انتماء العنصر البشري إلى ثقافة معينة، تحدد له نمطه في الوجود، فالأشكال الثقافية التواصلية المتعددة، كالعادات والطقوس وجميع الأشكال الرمزية المختلفة، هي ما يحدد الانتماء ويجعل الثقافات تختلف عن بعضها البعض، يمكن للأنتروبولوجي بعد دراستها وفحصها أن يكشف هذه التمايزات، ويفرد العناصر المشتركة بين الثقافات التي تلبي الحاجة الإنسانية في التواصل. 
وقد اقترن التواصل في الفلسفة بالتصور النسقي لكل فيلسوف، وفي ربط مباشر بين الأنا والغير أو بين الأنا والآخر، وهل معرفة الغير ضرورية لمعرفة الأنا؟ وإلى أي حد تُمَكِّن معرفة الغير من التواصل معه؟ فجان بول سارتر يرى أن معرفة الغير ضرورية وفقا لمبدأ التعاقد، لكن بالرغم من ذلك فالغير يُشَيِّءُ الأنا من خلال مفهوم النظرة، أما طوماس هوبس فيرى أن الآخرين هم الجحيم، بينما هيجل يمفصل التواصل دياليكتيا من خلال التعارض بين الأنا والآخر باعتبارهما ضدين متكاملين. أما هابرماس فيدعو إلى التواصل على اعتبار أن التواصل اللغوي تَبَيُّنٌ لحقيقة الوجود، فاللغة قادرة على ترجمة حالات الأشياء، مستفيدا من نظرية أفعال الكلام مع سورل وأوستين وبرتراند راسل وفيتجنشطاين؛ بينما نيتشه يرى أن الأنظمة الرمزية كلها أنشأها الإنسان بهدف التمويه، وتمرير أوهام العقل حول الحقيقة والوجود. ويذهب إرنيست كاسيرر إلى أن الإنسان حيوان تواصلي رامز، استطاع من خلال الرمز الابتعاد من ربقة الموضوعات والأشياء. ويعتقد أمبرطو إيكو أن كل أنظمة الثقافة ذات بعد تواصلي، إذ لا يمكن فصل الثقافة عن التواصل؛ بينما يرى برجسون أن اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر.
ويدعو المفكر المغربي المهدي المنجرة إليه كمقابل لمفهوم صراع الحضارات الذي نادى به صامويل هيتنغتون أو نهاية العالم التي نادى بها فرانسيس فوكوياما، وراهن المرحوم محمد عابد الجابري كذلك على حوار الحضارات أو حوار الثقافات كأرقى شكل من أشكال التواصل، ونبذ الصراع مع الغير والآخر، ويميز الأستاذ طه عبد الرحمن بين التواصل والاتصال في التداول الاجتماعي العربي الإسلامي، حيث إن الثقافة العربية ثقافة تواصل تحترم الشروط التخاطبية في الإنجاز والتداول، لذلك فلامناص من اعتماد المبادئ التخاطبية التعاملية في أي تواصل فعال بين الأفراد والجماعات. 
أما في الاقتصاد فالتواصل هو أساس المبادلات التجارية(الماركوتينج)، وركيزة التدبير والحَكَامَة الجيدة في الشركات والمقاولات والتفاعل بين الجماعات مدراءَ وعمال، لذلك تكثر في مجال التجارة الورشات التي تعنى بهذه الإستراتيجية، فبدون التواصل لا يمكن لهذا المجال الإنساني الحيوي أن يستمر. ويقوم هذا النوع من التواصل عل اعتماد مجموعة من الإواليات التواصلية التي تدفع المتلقي إلى الاستسلام عبر الإقناع السري، ويلعب الإشهار دورا مهما في التواصل الاقتصادي الفعال.
وفي الميدان الطبي يرتبط التواصل أساسا بجلسات التمريض، قد تكون بين الطبيب ومساعديه أو بين الطبيب والمريض أو بين الممرض والمريض، وفي تبادل المعلومات بين هذه الأطراف، تتدخل في التواصل الطبي مجموعة من الإواليات اللفظية والحركية الكينيزية والبروكسيميائية في التعرف إلى المشاعر المتبادلة، ويلعب التواصل غير اللفظي في المجال الطبي دورا أكبر من التواصل اللفظي(يعتبر الأطباء أوائل الذين نحتوا علم السيمياء كان الهدف منه الكشف عن اللغة غير اللفظية التي يُتَوَصَّل بوساطتها إلى تحديد طبيعة المرض كاللون والحركة والبكاء والزفير والحمى والتقيؤ..) كما تعمل الإواليات البروكسيميائية في التواصل الطبي من حيث ترتيب مكان الجلسة الطبية وزمانها والمسافة بين المريض والطبيب، ودراسة الحركات (الكينيزية) بين الفريق والمريض، ويضاف إلى ذلك الزي واللباقة والود والاحترام والحب والعناية وغيرها مما يساهم في تعجيل الشفاء.  
عرف التواصل في اللسانيات بدايته مع الأنموذج الذي اقترحه جاكبسون وفق الترسيمة السداسية: المرسِل، الرسالة، المرسَل إليه، القناة، السنن، السياق أو الإحالة؛ يقوم المرسل بالوظيفة التعبيرية، وتقوم الرسالة بالوظيفة الشعرية الجمالية، والمرسل إليه بالوظيفة التأثيرية، وتقوم القناة بوظيفة ضمان الاتصال، والسنن بوظيفة اللغة الواصفة أو الميتالغوية، والسياق بالوظيفة الإحالية المرجعية.
وقد استفاد جاكبسون من تصور شانون السابق الذكر، غير أن ما عِيبَ على أنموذج جاكبسون هو اعتماد أحادية الاتجاه في التواصل، مما جَرَّه إلى الاتصال عوض التواصل، وهذا ما تداركته جوليا كريستيفا، باعتماد خطاطة تفاعلية بين المرسِل والمرسَل إليه تتجاوز أحادية جاكبسون في الاتصال. وبعد هذين النموذجين تعددت النماذج اللسانية في التواصل، وقامت نظريات لسانية على هذا المفهوم كالنظريات اللسانيات الوظيفية البنيوية (مارتينيه وجاكوبسون وبينفنيست) ونظرية النحو الوظيفي بريادة سيمون ديك الذي تجعل أساسا لها الوظيفة التواصلية للغة.
واهتمت التداوليات بالتواصل في جانبه التفاعلي، ووضعت لذلك شروطا هي عبارة عن مجموعة من المبادئ التداولية المشهورة في هذا المجال، ما دام التخاطب الإنساني في صلبه بنية تفاعلية، مستفيدة من فلسفة اللغة العادية مع شارل موريس وأوستين وسورل وغيرهم، وأهم هذه المبادئ التداولية التعاملية نذكر: مبدأ التعاون ومبدأ التأدب ومبدأ التواجه ومبدأ التأدب الأقصى ومبدأ التصديق، فمبدأ التعاون يشكل المبدأ التداولي الأول للتخاطب، تعلق بالفيلسوف الأمريكي غرايس قائم على كم الخبر وكيفه والعلاقة، وقد أرادها ضوابط تحكم كل تخاطب إنساني كيفما كان؛ أما  مبدأ التأدب الأقصى فاقترن بليتش يعتبره مكملا لمبدأ التعاون، يقوم على ضابطين اثنين: قلل من الكلام غير المؤدب، أكثر من الكلام المؤدب، وتتفرع عنه قواعد اللباقة والسخاء والاستحسان والتواضع والاتفاق.
راهنت السيميائيات على مفهوم التواصل خصوصا في أعمال بويسنس وبريطو ومونان وغيرهم، أو ما يعرف باتجاه السيميائيات التواصلية الذي أخذ على عاتقه دراسة الأنساق التواصلية المتعددة، وعبر السيميائيات أخذ التواصل غير اللفظي قيمته في القناة التواصلية، حيث تم الاعتماد على دراسة أنساق تواصلية متعددة كإشارات المرور والإيماءات واستعمالات الجسد الاستعارية والرموز والأمارات وغيرها. وقد كان الرافد الأساس في دراسة هذه الأنساق التبشير السوسيري بهذا العلم العام الذي سيهتم بأنظمة العلامات في الحياة الاجتماعية، فدراسة الإشارات وعلامات المرور (بيير غيرو) والمطبخ واللباس ونسق الموضة (رولان بارت) والحركات الكينيزية (سابير)، اعتمدت جميعها مصطلحات لسانية، حيث نتحدث مع بارت وغيره عن الثنائيات اللسانية السوسيرية(الكلام/ اللسان؛ التوزيع/ الاستبدال، العام / الخاص)، ومع سابير عن الحركات الصغرى التي تقابل الفونيمات والحركات المركبة التي تقابل المونيمات، أي خلق نحو للحركة على غرار نحو اللغة.
غير أن التواصل غير اللفظي في هذا المجال يخضع للمعيار الأنتروبولوجي، فلكل ثقافة نمطها المخصوص في تداول الرموز، ولا يمكن للإنسان أن ينفي هذا الاستعمال، فالحركات تختلف بالضرورة بحسب الموقف والتحديد الجنسي والطبقة والتعامل والتنشئة الاجتماعية، لذلك فكي تؤدي الحركة دورها ينبغي أن نراعي فيها هذا الاختلاف، فاليد تبطش وتُرَبِّثُ وتسر وتهدد وتهدهد وتختزل اللغة الإشارية وتنجي من الرتابة اللفظية، وحركات الجسد تستفز وتعتدي وتتبختر وتتغنج.    
وتعتبر العين أرقى طريق في التواصل غير اللفظي، إذ تختزل البعد الإنساني بأكمله عبر النظرة، فهي تقتل وتبكي وتضحك وتستفز وتغمز وتلمز وتهين وتحتقر وتعد وتسر. ويلعب اللون كذلك دورا مهما سواء تعلق بلون الوجه وتعبيراته المختلفة بحسب المواقف، أو من خلال طبيعة الألوان المرافقة للباس والزي والمكان، فالأحمر غير الأصفر والأسود في كثير من المواقف، إذ اللون ينفر أو يثير أو يجذب أو يريح، وتقول الألبسة كلاما تعجز عنه الألفاظ، فهي تفشي الانتماء القيمي عبر مدلولاتها المتعية وطرق النظر إلى العالم والأشياء.     
وقد تجلت هذه النتائج كثيرا في دراسة الإشهار باعتباره تمثيلا واضحا للتواصل الفعال الذي يجمع بين اللغة اللفظية واللغة غير اللفظية وصولا إلى المتلقي، كما ظهرت وفق هذا التوجه السيميائي نظرية البروكسيمياء أو دراسة المسافات ودرجات القرب في التواصل(طوماس هال)، تحضر أكثر في التواصل التربوي والتواصل الإداري وفي العلاقات الإنسانية عامة، فالشخص الذي تحضنه، في ثقافتنا المغربية، يشكل له ذلك تواصلا أفضل من السلام عليه بالوجه، أو باليد فقط، أو تكتفي بالإشارة باليد. فالقرب في المسافة قرب في الحميمية والود، لذلك كان الزواج في التداول الإسلامي أكبر مثال للود، حيث عُبِّر عليه باللباس في قوله تعالى''هن لباس لكم وأنتم لباس لهن''، وهذه العبارة أكبر تعبير على هذه الحميمية، إذ لا شيء يفصل بين اللباس وصاحبه.
أما التواصل التربوي فقد استفاد من إواليات التواصل في علم النفس وعلم النفس المعرفي واللسانيات وعلم الاجتماع وغيرها، وارتبط بالعملية التعلمية التعليمية باعتبارها بنية تواصلية تجمع بين مثلث ديداكتي (المعلم والمتعلم والمادة الدراسة). ولم تَخْلُ النظريات التربوية ابتداءً من السلوكية (نظرية المثير والاستجابة) إلى المعرفية من حضور هذا المضمون، حتى إنه اليوم أصبح مقرونا ببيداغوجيات متعددة كنظرية التفاعل الصفي، ودينامية الجماعة، والإدماج، وأسلوب التغذية الراجعة، وبيداغوجيا الفوارق؛ لأن التواصل في حقيقته تبادل للمعلومات بطريقة أفقية أو عمودية.
تظهر الطريقة الأفقية في التعليم الحديث الذي يقوم على التفاعل الصفي ويجعل التلميذ محور العملية التعليمية التعلمية، عبر التعلم الذاتي والتفاعل مع الزملاء، بينما الطريقة العمودية فتشكل التقليدية منها، تنظر إلى المتعلم بوصفه صفحة بيضاء يُلَقَّن فقط. لذلك يجب في التواصل التربوي الابتعاد عن اللفظية الزائدة واعتماد الوسائل السمعية البصرية في التعلم تجاوزا للرتابة في التعليم خصوصا في المراحل الأولى منه، حيث إن طفل القرن الواحد والعشرين لم يعد مثل طفل بياجي يغتر باللفظ، بل أمسى اِبْنًا للصورة والتواصل غير اللفظي الذي يملأ مجاله وتداوله اليومي, ومنه فالتربية الحديثة لا بد من تلبي حاجة هذا المتعلم الجديد.
غير أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتجاوز العوائق التعليمية التي تخص اللغة غير اللفظية، منها ما يرتبط بالمعلم، وما يتعلق بالمتعلم، وما يستند إلى المنهاج الدراسي، وما يتعلق بالمجال أو البيئة التعليمية (يمكن الرجوع إلى مقالنا المنشور في الموقع:"الدور التربوي والتعليمي للصورة" لتفصيل القول).


الثلاثاء، 3 مايو 2016

قالوا مشت مرسيل خليفة

قالوا مَشت فالحقلُ من ولهٍ
مُتَلبكٌ.. والقمحُ يكتنزُ
بُعثَ التنَاغُمُ عَبرَ خُطْوَتِهَا
والهَيْدَبَى والوَخْدُ والرَجَزُ
تُوْمِي، فيَلتَفتُ الغُروبُ لها..
مِن لهفةٍ،
ويُتغتغُ العَنَزُ
لفَتَاتُهَا تَخِزُ.
وقَمِيصُهَا كَرزُ
وجُفونها وترٌ
وأغْنَيَّةٌ صَيفيةٌ