الأحد، 11 مارس 2018

المسرح المدرسي و دوره في بناء الفعل التعليمي التعلمي بالمدرسة الابتدائية ـ عبد الوهاب لمقدمي

أنفاس نت
توطئة :

إن عبارة المسرح المدرسي تتركب من كلمتين هما : المسرح و المدرسة . فعندما نذكر المسرح تتبادر إلى الذهن الفرحة و المتعة و الفرجة و الترفيه و الترويح عن النفس .. إنه من الفنون الجميلة الممتعة التي بدأت مع حياة الإنسان المبكرة ، و هو مدرسة من مدارس الحياة و حركتها و ديمومتها ، بل هو صورة من صورها . أما المدرسة فهي هيئة اجتماعيةإ رسمية ، تتولى وظيفة تنشئة الأبناء و البنات ، و تعمل على رفع قُدراتهم و مهاراتهم في شتى المجالات ، بما يتيح لهم فرص الاندماج في المجتمع ، فهي تقوم إلى جانب الأسرة و مؤسسات أخرى بوظيفة التنشئة الاجتماعية للفرد ، و زرع القيم لديه ، كما أنها المكان التربوي الذي يهتم بتربية الطفل تربيةً سليمةً من الناحية الحس ـ حركية و العقلية ، و المعرفية و العاطفية ، في إطارٍ من البرامج و المناهج المحددة سلفا ، بهدفِ تكوين شخصيته لتكون متزنة و متوازنة ، و بغايةِ أن تجعل منه المواطن الصالح . 
و سنحاول في هذا العرض المقتضب تسليط الضوء على المسرح المدرسي كرافعة أساسية لدعم الفعل التعليمي التعلمي بالمدرسة الابتدائية ، و ذلك من خلال تناول المحاور الآتية : 
ـ مقدمة .
ـ تعريف المسرح المدرسي .
ـ أهمية المسرح المدرسي .
ـ أنواع المسرح المدرسي .
ـ أهداف المسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية .
ـ إعداد نص مسرحي .
ـ العمليات المعتمدة لإعداد نص مسرحي .
ـ خاتمة .



تعريف المسرح المدرسي :
يعد المسرح المدرسي في عرف المختصين بالدراسات المسرحية نوعا من أنواع مسرح الطفل ، غير أن بعضهم يعرّفه بقوله : " هو لون من ألوان النشاط يؤدّيه الطلاب في مدارسهم تحت إشراف معلّميهم داخل الفصل الدراسي أو خارجه في صالة المدرسي و على خشبته .. أو خارج الصالة في حديقة المدرسة أو ساحتها . و إذا كان المسرح المدرسي يقترب كثيرا من المسرح باعتباره فنّا من الفنون الأساسية التي عرفها الإنسان و مارسها منذ أقدم العهود ، فإن المسرح المدرسي يحتفظ لنفسه بفلسفة خاصة تتناسب مع طبيعته و وظيفته الأساسية " . ( حسن مرعي ، المسرح المدرسي ). 
يستشفّ من هذا التعريف أن للمسرح المدرسي فلسفته الخاصة التي تميزه عن المسرح عامة ، ذلك أنه يُسهم في تحقيق التقدم الدراسي الدائم ، و يعين على التحصيل و التزود العلمي و الأدبي و الفني .. و ينمي استعدادات المتعلمين و يرفع من قدراتهم و يستثير مواهبهم ، و يوجههم الوجهة الصحيحة و السوية ، بما يشكل مواصفات المتعلم المستقبلية ، و بما يجعله قادرا على التكيف مع الوضعيات الحياتية المختلفة .

أهمية المسرح المدرسي :
لا تختلف أهمية المسرح المدرسي عن أهمية المسرح بشكل عام ، باعتبار المسرح  فضاء يقدم للمتفرج المتعة الحسيّة و الفكرية ، و يجعله بعد أن ينتهي العرض و يزول أثره اللحظي يستدعي و يسترجع ما أحدثه هذا العرض فيه من إثارة لقضايا حياتية ، و من ثم ، بعد أن تنتهي لحظة المتعة الحسية الجمالية ، تبقى لوقت طويل لحظات المتعة الفكرية . بينما إذا عدنا إلى المسرح المدرسي سندرك أنه يحقق أيضا للتلميذ جانبي المتعة الحسية و الفكرية مع اختلاف درجاتها ، أعني بذلك أن المسرح المدرسي [ يساعد الطفل على تحقيق التكيف المدرسي ، و تعديل سلوكه اليومي بواسطة ما يبعثه في الطفل من إحساس بالمتعة و النشاط و روح المرح في العمل المدرسي ، فتزداد دافعيته نحو التعلم و الاندماج في عالم المدرسة الذي أصبح بفعل الأنشطة الموازية مصدر متعة ، و أصبحت الحياة المدرسية مقبولة و مرغوبة و محبوبة ] . ( أحمد صقر ، المسرح المدرسي .. ) . 
[ إن المسرح المدرسي بذلك يحقق جوانب المتعة الحسية ، بل أكثر من ذلك ، يزيل بعض المعوقات النفسية و الاجتماعية الخاصة بالتلميذ ، و يهذب سلوكه بحيث يفجر الطاقات الزائدة في سلوكه عندما يتصف بشيء من العدوانية أو العنف ، فيمتصها . و قد يساهم في تنمية قدراته التخيلية و يزيد من قوة الإدراك و الملاحظة .
هذا ، و المسرح المدرسي يحقق جانبا كبيرا من المتعة الفكرية ، ذلك أنه يسهم في توصيل المعلومات الدراسية التي يتم تقديمها في قالب ممتع و شيّق . و هكذا ، يصبح النشاط التمثيلي وسيلة لإمداد الطفل بمعلومات تاريخية و اجتماعية و علمية جديدة ؛ لأن أثر اللعب التمثيلي أعمق و أبقى من آثار الشرح التقليدي الرتيب ، و لأن الطفل يكون في حالة تلبية و استجابة تجعله أشدّ شوقا و أعظم انتباها و إقبالا على ما يمارسه ] . ( أحمد صقر ، المسرح المدرسي .. ) .
و ثمة مسألة أخرى لا بد من التأكيد عليها و نحن نتحدث عن المسرح المدرسي ؛ ذلك أن مؤطري هذا النوع من المسرح ، أو المشرفين عليه ، أو المشاركين فيه بالتمثيل و التأليف ، لا بد أن يستندوا إلى التسلح بمجموعة من المعارف ، كعلوم التربية و علم النفس و علم الاجتماع و علم البيولوجيا .. نظرا لكون [ المسرح  وسيلة إصلاحية تطهيرية ، و وسيلة علاجية ، و وسيلة جمالية إبداعية ، و وسيلة تلقين و نقل المعرفة و المهارة ، كما أنه وسيلة إشباع حاجات الطفل ليتكيف مع الذات و الموضوع ، ويحقق النمو البيولوجي السليم ] . ( د . مالك نعمة غالي المالكي ، أهمية المسرح المدرسي ..) .

أنواع المسرح المدرسي :
قد يكون النشاط المدرسي تعبيرا حركيا تلقائيا أو موجها يتدرّب عليه المتعلمون ، و يشخصونه بتوجيه من المدرس . و يرتكز النوع الأول منه على أساس اللعب الإيهامي أو التخيلي . و يعتبر هذا اللعب الأساس النفسي الذي يعبر من خلاله المتعلمون  عن ذواتهم و حاجاتهم النفسية و الاجتماعية .. أما النوع الثاني منه أي الموجه ، فيقدمه المتعلمون بتوجيه من المدرس .
إن المسرح المدرسي ـ بشكل عام ـ يؤدي وظائف تربوية و تعليمية ، لا سيما الذي يقدمه الكبار للمتعلمين بقصد الإبداع و التثقيف و تنمية الذوق ..
إذن ن فالمسرح يتضمن أساسا :
المسرح التربوي التعليمي التعلمي التلقائي ؛
المسرح التربوي التعليمي التعلمي الموجه من طرف المدرس(ة) ، أو من يقوم مقامه(ا) ( مسرحة أحداث ، مسرحة نص ، مسرحة وضعيات تعلمية .. ) ؛
المسرح التربوي التعليمي الذي يقدمه الكبار للأطفال .
و هذه الأنواع الثلاثة تعتمد على نص مكتوب و إخراج واضح ؛ لأن المسرح المدرسي يقدم الدراما الإبداعية و التمثيل التلقائي لاستجابتهما لمستوى المتعلم في سنوات تمدرسه الأولى.

أهداف المسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية :
للمسرح المدرسي بالمرحلة الابتدائية أهداف تربوية و أخرى تعليمية :
أهداف المسرح المدرسي التربوية :
تقوية الثقة بالنفس و تجاوز الشعور بالنقص و الانطواء و العزلة .. ؛
إشباع الرغبة في تمثيل شخصيات و لعب ادوار و مواجهة مواقف و اصطناعها .. ؛
إثارة العواطف .. ؛
تغذية الخيال ، و تقوية القدرة على الملاحظة و التركيز و الانتباه و الانضباط .. ؛
تنمية الجرأة الادبية ، و القدرة على مزاجهة الغير .. ؛
تصريف الطاقة النفسية .. ؛
الترفيه و إشاعة المرح و إدخال السرور على النفس ..
أهداف المسرح المدرسي التعليمية :
استيعاب مصطلحات المسرح المدرسي و تقنياته .. ؛
إغناء الرصيد اللغوي .. ؛
تطوير القدرة على التمثيل و تقمص الأدوار .. ؛
تقوية التحكم في الحركات و الملامح و بعض أجزاء الجسم .. ؛
التموقع في الزمان ، و استغلال المكان .. ؛
التدريب على التعامل مع الخيال .. ؛
تنمية الذوق و الحس الخُلقي و القيمي .. ؛
نقد المجتمع ، و اتخاذ موقف مسؤول يجمع بين الحق و الواجب .. ؛
إعداد نص مسرحي :
يعتمد إعداد نص مسرحي صيغا من بينها :
التأليف المسرحي انطلاقا من فكرة أو حدث أو تصور ( فردي ، ثنائي ، جماعي ) ؛
الاقتباس من مسرحيات خاصة بالطفل ؛
تحويل نص قرائي سردي أو قصة أو أقصوصة أو ديوان شعري .. إلى نص مسرحي .
تجدر الإشارة إلى انه يمكن اعتماد نصوص من جميع مقررات التعليم الابتدائي ؛ أو من مصادر أخرى متوافقة مع مقتضيات المنهاج ؛ شريطة أن يكون إخراجها النهائي ملائما لمستوى و قدرات المتعلمين .
إن المداومة على الإلقاء أو الشكل الواحد يؤدي لا محالة إلى النمطية في الفعل التربوي ، حيث يتضح أن زرع الحياة في الدروس رهين بالاجتهاد في بلورتها تبعا للشروط الخاصة بكل قسم حسب عدد التلاميذ و جنسهم و مستواهم الفكري و بيئتهم . و في هذا الإطار تتجلى القدرة على الابتكار و الإغناء لدى الأساتذة .

العمليات المعتمدة لإعداد نص مسرحي :
أ ـ الاقتباس :
الاقتباس في المسرح المدرسي هو تصرف جزئي في شكل أو بنية نص مسرحي أو هما معا أو في فكرة من أفكاره أو لوحة من لوحاته أو شخصية من شخصياته مع المحافظة على فكرته في الأصل و الإحالة على المؤلف و النص الأصل . و ذلك لأغراض و أهداف تربوية و تعليمية تقتضي إعداد نص مسرحي مغاير أو محايث للأول .و تُراعى في الاقتباس جملة من الشروط من أهمها ما يأتي :
ـ اختيار النص : عند اختيار النص ، ينبغي مراعاة ما يأتي :
ملاءمة النص المسرحي للفئة المستهدفة( المستوى الإدراكي و النفسي ) ؛
إمكان تغذيته بالحمولة التربوية و التعليمية و القيمية المناسبة للمستوى الدراسي ؛
ـ استيعاب النص : و يتطلب ذلك ما يأتي :
فهم المضمون ؛
جرد الاحداث ؛
تعرف شخصيات النص و صفاتها ؛
الأدوار ؛
الصراع الموجود بين الشخصيات الرئيسية ؛
الزمان و المكان .
ـ البناء الدرامي : و فيه يتم التركيز على مقومات الكتابة المسرحية .

ب ـ التحوير :
عند اختيار نص لابد من جرد كلمات النص : إحصاء عدد الأسماء و الأفعال و الحروف ؛
فإذا كانت الافعال أكثر من الاسماء ، فالنص حركي قابل للتشخيص . و إذا كانت الأسماء أكثر من الأفعال ، فالنص تقريري تجب إعادة صياغته .

ج ـ الكتابة المسرحية :
تعتمد الكتابة المسرحية الإجراءات الآتية :
البداية ( العرض التمهيدي ـ .. ) : و هي تساعد على فهم الأحداث أو تيسّر فهم المسرحية .
الإيماء : و هو إحدى وظائف العرض التمهيدي في إطار الحبكة المسرحية ، حيث يتم زرع عدد كبير من الأشياء و الظروف او الدوافع لتعقيد الأحداث و تيسّر حلها .
التعقيد : بث درجات من الصعوبة المحفزة على تتبع الحدث و البحث عن الحلول و عنصر أساس لتطوير العناصر الموالية للعرض المسرحي .
الأزمة : لحظة أو محطة من مسار الأحداث تصل فيها الذروة و تبلغ التناقضات مداها ليبدأالعد العكسي في اتجاه الحل . 
الذروة : هي بلوغ الأزمة حدها الأقصى على مستوى الأحداث و الأحاسيس و المواقف .
الحل : هو انفراج في حل المشكلة و التي بلغت حدها الأقصى من التعقيد عبر الحبكة . و من خصائص الحل أن يكون نتيجة للتطور المنطقي للأحداث .
كما ينبغي مراعاة ما يلي :
الحدث الرئيسي ؛
الأحداث الثانوية ؛
الزمان و المكان ؛
الصراع ؛
الحوار و اللغة و القيم الدرامية الرئيسية ؛
الشخصيات الرئيسية و الثانوية ؛
التسلسل السيكولوجي و المنطقي .

د ـ بطاقة تقنية للكتابة المسرحية :
إن تقنية أو تحويل نص مسرحي تمر عبر المراحل الآتية :
قراءة أولية للنص الأصلي ؛
إعادة الكتابة باعتماد مقومات الكتابة المسرحية ( البداية ، الإيماء ، التعقيد ، الأزمة ، الذروة ، الحل ) ؛
تحديد تيمة النص الجديد ( الفكرة العامة ـ الأفكار الثانوية ) ؛
الهدف القيمي للنص الجديد ؛
تحديد الوحدات الثلاث :
ـ الزمان : المؤثرات الوقتية ؛
ـ المكان : السينوغرافيا ( التأثيث ، الديكور ، الإنارة و الموسيقى ) ؛
ـ الأحداث : البناء الدرامي .
تحديد شخصيات النص الجديد ؛
أبعاد الشخصيات : 
ـ البعد الداخلي ( الحالة النفسية و الشعورية .. ) ؛
ـ البعد الخارجي ( الصفات الشخصية ، حالة ردود الفعل .. ) ؛
ـ البعد الاجتماعي ( الملابس ، الكوافير .. ) ؛
تحديد طبيعة العلاقة بين الشخصيات ؛
البناء الدرامي للنص الجديد :
ـ عناصر أدبية .
ـ عناصر غير أدبية .
إعداد البطاقة التقنية :
ـ ديكور ، أكسسوارات ، ملابس .. ؛
ـ المؤثرات الصوتية .. ؛
ـ المؤثرات الضوئية .. ؛
ـ التطرية .. ؛

ه ـ بطاقة تقنية للإخراج المسرحي :
المرحلة الاولى : دوافع اختيار النص :
دوافع فنية جمالية ، دوافع فكرية ثقافية ، دوافع تعليمية تربوية ، دوافع اجتماعية و دوافع أخلاقية .. 
المرحلة الثانية : قراءات متعددة للنص : 
قراءات أولية ، قراءات متعمقة :
ـ تحديد التيمات : تحديد الفكرة الرئيسية و الأفكار الثانوية ؛
ـ تحديد الإطار الشكلي : تحديد الاختيار الشكلي ( الفصول ، المشاهد ، اللوحات .. ) ؛
ـ موقعة الشخوص في النص : رئيسية ، مساعدة و معارضة .. ؛
ـ التكوين النفسي : سمات الشخصية ( هادئة / غاضبة ، عارفة / جاهلة ، نشيطة / خاملة .. ) ؛
ـ التكوين الفيزيولوجي : المظهر الخارجي ( التناسب مع الشخصية في الزمان و المكان .. ) .
المرحلة الثالثة : الكتابة السينوغرافية :
ـ تحديد طبيعة الخطاب : إخباري / إنشائي ؛
ـ تحديد طبيعة الصراع : فكري / مادي ؛
ـ تحديد طبيعة المواقف : توافق / تباين ؛
ـ تحديد الزمان و المكان : و ذلك من خلال الديكور و الأكسسوارات و المؤثرات الصوتية و الضوئية .
المرحلة الرابعة : توزيع الأدوار :
توزع الأدوار على جميع المتعلمين مع مراعاة الفروق الفردية في تقمص أدوار معينة و مساعدتهم على التركيز و تدريبهم على تحمل المسؤولية في إطار جماعة القسم .
القراءة المسرحية : يتم تدريب المتعلمين على القراءة المسرحية ، و هي التعبير صوتيا و سيكولوجيا مع شرح النص و الشخصيات و المواقف .. ؛
المرحلة الخامسة : التدريب :
يتدرب المتعلمون على أداء الأدوار المسندة إليهم بحيث يحاول المدرس خلال الأداء تدريبهم على التقنيات المتعلقة بالممثلين ( حسن الإلقاء ، التشخيص ، التجاوب مع الآخرين ، التموقع في الفضاء ، إطلاق العنان للخيال .. ) مع متابعة تثبيت النص لديهم ، و إعدادهم للعرض المسرحي التجريبي ( الملابس ، الكوافير ، الديكور و الموسيقى .. ) .
المرحلة السادسة : العروض التجريبية للمسرحية :
انتداب بعض المتعلمين لأداء أدوار المسرحية للوقوف على مدى حفظهم للنص و استئناسهم بتشخيص الأدوار .
المرحلة السابعة : التقويم :
إعادة التشخيص من طرف أجود الممثلين مرة أو أكثر لتركيب المهارات المقصودة ، مع الحرص على تحفيزهم و تشجيعهم .
المرحلة الأخيرة : العرض الختامي :
تشخيص مجموعة من المتعلمين المختارة للمسرحية مع تحسيسهم بالجوانب الفنية للمسرح ، و تدريبهم على الفرجة بما يتطلبه ذلك من حسن الإصغاء و تتبع و تشجيع الممثلين .

خاتمة :
يعتبر المسرح المدرسي جزءا مهما من النشاط الثقافي و الفني و التعليمي التعلّمي الذي يستهدف تطوير الأولويات الضرورية لسلامة و صحة المتعلمين ، و تنوير المجتمع بقضايا الطفل و الأسرة و قضاياه هو في حدّ ذاته انطلاقا من رؤية الطفل و المدرسة و مقاربتهما . و المدرسة النموذجية هي التي تولي النشاط المسرحي اهتماما واضحا بما يكشف عن مواهب المتعلمين ، و يفجّر طاقاتهم ، و يبرز ميولاتهم و رغباتهم ، و يظهر استعداداتهم ، و يغرس فيهم روح التسامح و يبعدهم عن العدوانية ، و يضمن لهم تكافؤ الفرص ، و يشعرهم بالمساواة ، و يساعدهم على مواجهة الحياة في وضعيات مستجدة و مختلفة . هذا ، و المسرح المدرسي يعتبر لبنة أساسية من لبنات الدعم التربوي ؛ فبإمكان المدرسة اعتماده كمجال فاعل لعلاج مظاهر التعثر الدراسي أو التأخر الدراسي أو الفشل الدراسي .

المراجع :
ـ دليل المسرح المدرسي و الحكاية التربوية / مديرية المناهج ، وزارة التربية الوطنية ، المملكة المغربية ، تاريخ الإصدار 2009 .
ـ د . مالك نعمة غالي المالكي / بحث : أهمية المسرح المدرسي و مسرح الطفل و تداخلهما لتحقيق أهداف تربوية .. ، مجلة دراسات تربوية ، العدد الحادي عشر 2010 . 
ـ ذ . حسن مرعي / المسرح المدرسي ،  تاريخ النشر: 01/11/2001 ، الناشر : دار و مكتبة الهلال ، عدد الصفحات : 158 ، الطبعة : 1
ـ ذ . أحمد صقر ، المسرح المدرسي : تعريفه ، أهميته ، مصادره و مقوماته الفكرية و الجمالية . مقال منشور بمجلة الحوار المتمدن الإلكترونية / 2011 . 
ـ ذ . جمال محمد النواصرة / أضواء على المسرح المدرسي و دراما الطفل  ، عمان : دار الحمد 2009 .

الرغبة في التعلّم، فعل التدريس والهدف منه ـ محمد أبرقي

أنفاس نت

si vous ne savez où  vous allez, vous arriverez  probablement ailleurs » 
R.Mager.
درسنا اليوم!  بهذه العبارة المثيرة كنّا نحرص على التمهيد لدروسنا،ونرجو منها خلق الفضول العلمي لدى تلاميذنا وتلميذاتنا ،وإثارة الشغف السيكولوجي والمعرفي لديهم،وغالبا ما لا يمكننا أن نتصور مدرسا جيدا وهو مفتقد للاهتمام بمادته الدراسية مع اللاّمبالاة بها وبتلاميذه((L’art d’enseigner, J.Banner et Au.2013.
يستطيع الفرد التعلّم لوحده،ولا يمكننا التعلّم بدلا عنه. بداهة يتفق حولها الجميع، ولكن الممارسة تقول أمرا آخر: ليس من شيء مطلوب سوى  إعداد،وتقديم،ثم عرض درسٍ حتى يتمكن التلميذ من التعلّم ومرافقته في ذلك((Apprendre, A.Giordan,1998 .
وبقدر ما تغرقنا أدبيات التربية وعلوم التربية بكثير من التصورات،والنظريات،والمقترحات التجريبية حول التدريس وفق مقاربة الكفايات،مع ما تتسم به من تعددية في التعريف،والدلالة،والتأويل، والتنزيل،وكذا حول التقويم المتلائم معها،فإن الممارسات السائدة تثبت أن  السؤال حول مشروعية الحديث عن تجاوز التدريس الموجّه على ضوء الأهداف ما يزال مشروعا،فهل صار  فعلا اختيار وتحديد ثم بناء وبلوغ الهدف  البيداغوجي(التعلمي) ضمن دائرة المكتسبات النهائية ؟
عقلنة التدريس،والاهتمام بالتحفيز،وبالتعزيز،ثم توفير شروط انبثاق الرغبة في التعلم،هي موضوعات كان التفكير فيها ملازما لتاريخ الفكر التربوي،وانخرط فيه –أكثر من المربين أنفسهم- فلاسفة،وأطباء،ومحللون نفسانيون،وعلماء فيزيزيولوجيا،وبيولوجيا،ولِسنيون،لتعلو في العقد الراهن مساهمة المتخصصين في علوم الأعصاب حاملة وعودا  وآمالا جديدة معها،ولأن الإلمام بالجديد يفترض استيعاب السابق (القديم !) والقدرة على الملاءَمة بينهما،نجد مشروعية الحاجة للعودة بين الفينة والأخرى إلى ينابيع التفكير التربوي والبيداغوجيات المؤسِّسة،فاكتساب،وترسيخ،وتقويم الكفايات،يمكن مقارنته بتلك الطريق المترامية والممتدة أمام الفرد،يَسلكُها،ويسير عبرها،وما يعيشه من تجارب تكون فرصا لتطوير كفاياته،كما يمكنه خلالها تعبئة ما يراكمه من موارد في  خضم تلك التجارب لمواصلة السير نحو الهدف.
نقترح هنا ترجمة لنص يعود لواحد من بين المساهمين في البحث وإغناء سؤال التدريس، والهدف من فعل التدريس،ارتبط اسمه بمنهجية تحديد وبناء الأهداف البيداغوجية(من يستطيع مثلا الادعاء بتجاوز نهائي  - أوبلا جدوى- لصنافة الأهداف والمبادئ التي اقترحها ب. بلوم وجماعته  ؟) .
النص مقتبس من كتابPour éveiller le désir d’apprendre  لمؤلفه Robert Mager  .
إذا كان فعل التدريس والقولLe dire يعنيان الشيء نفسه،سيكون لنا جميعا ذكاء بدرجة لا نستطيع تحمّلها !
لماذ ندرّس؟ لماذا نقرّر بناء درس مّا؟ ما الذي نرجو القيام به ؟
إننا نُدرّس،ونعلّم، لأننا نأمل بتلك الوسيلة مساعدة الطالب(المتعلم) كي يصير مختلفا عما كان عليه قبل بداية الدرس،ونوفر تجارب تَعلّمٍ مع الرغبة في إحداث تغيير في معارف الفرد،ومواقفه،وأفكاره، وكفاياته عند نهاية البرنامج.
إننا ندرس بغاية التأثير على قدرات الطالب (المتعلم).
خذوا أي درس من بين الدروس التي تقدّمونها:  لم تقدمون درسا مّا،وتعملون على توجيه ومساعدة الطالب على التعلّم؟
ألم يكن ذلك بأمل- عند الانتهاء من بذل الجهد- حصول المتعلم على الأفضل،وأن يفهم ما لم يكن باستطاعته استيعابه قبل الدرس والإحاطة به، وأن يكتسب مهارة تقنية جديدة،ثم أن يعتبر الموضوع بشكل مغاير،وأن يكون لديه ذوق إضافي،والإقبال على شيء(موضوع) لم يكن مباليا به من قبل ؟
إذا كان طموحكم هو بلوغ إحدى- أو أكثر- هذه النتائج فإنكم ستتمنّون أن  يصير طالبكم في نهاية الدرس شخصا آخر.
صِيغٌ متعددة تستعمل لتمييز هذا التغيير المنشود .
إننا نتحدث عن تطوير المهارات،والكفايات،والمواقف،ودرجات الحماسة enthousiasme
نتحدث عن تشجيع من أجل انبثاق الذات وتحققها،وعن مساعدة الطالب على التقدّم، والبحث عن مؤهلاته ورصيده الكامن. ولكن أيّا كانت الكلمات المستعملة لوصف أهدافنا البيداغوجية،وأيّا كانت هذه الأهداف،فمن المستحيل بلوغ هدفٍ واحد من بينها إذا لم يُفضِ تأثيرنا بطريقة ما إلى إحداث التغيير في الطالب عند الانتهاء من الدرس.
ومن المهم أيضا اختيار اللحظة المناسبة في البحث عن جواب عن السؤال:متى نرغب في رؤية،وظهور،ذلك التغيير؟
هل ندرّس الجبر،والكتابة،والمنطق حتى يتمكن الطالب(المتعلم) من تطبيق معارفه الفورية دونما أي انشغال بالمستقبل؟
وحينما نعطي درسا في الموسيقى،هل يكون بغاية تقديرها –فقط- من طرف التلميذ  خلال الحصة بالقسم، أم لتقدير دائم لديه وتأثير عليه ؟
نحن نهتم أكثر بما سيقوم به الطالب(المتعلم) بعد الدرس وبعد إتمام الفعل. إننا نحاول  في الآن خلق  شعور لديه تجاه الموسيقى حتى يصبح لاحقا شعورا مكتسبا لديه دون حاجة لمساعدتنا . إننا نحاول تعليمه القراءة الآن(في الدرس) حتى يصير قادرا على القراءة للأبد،وننشغل بمعرفة ما إذا كان لفعلنا أثر في المستقبل القريب أو البعيد كما في الحاضر .
لقد قام الدكتور ج.برونر بتلخيص تلك المسألة :"إن الغاية(الهدف) الأولى من كل فعل تعلّمٍ هي أن يفيدنا في المستقبل" .
من المؤكد أن هدفا من بين الأهداف المهمة للتعليم هو منح الفعل خلال التجربة التربوية امتدادا فيما بعد الدرس. إن هذا المُراد ضمنيّ تقريبا في معظم تعاريف الهدف . فليس السؤال الآن فحص ما إذا كان بلوغ هذا الهدف أو غيره ممكنا تحققه بواسطة الطرق الكلاسيكية في التعليم، ولا التساؤل حول صلاحية ذلك الهدف وكيفية تحديده .
إن هاجسنا الوحيد هو أن نلاحظ بأننا نفترض قدرةً لدى التلميذ،من خلال سلوكه،على بلوغ الهدف من تعلّم محدّدٍ ما أن ننتهي من هذا الأخير،أي بمجرد أن يتوقف الفعل المباشر  والفوري للتعليم .
رغبتنا هي أن يستعمل ويوظف الطلبة ما قمنا بتعليمه لهم عند نهاية الدرس،وهذا أمر لا شيء جديد فيه. ربما نحن  نلح أكثر على هذه النقطة،غير أن هذا الهدف يستحق بذل الجهد لبلوغه،فلا يكفي فقط الحديث عنه . فإن كان هدفا له قيمته،فمن الواجب علينا القيام بما يلزم حتى يتحقق،وتعلّم التعرّف عليه إذا ما توصلنا إليه .
إذا ما كان  للتعليم قيمة،أليس من المطلوب معرفة مدى نجاحنا فيه ؟
لنتفق على أن التدريس له مهمة تسهيل إتمام فعل في لحظة محدّدة ما أن تنتهي عملية التعليم .ربما قد تتساءلون :وماذا بعد ؟
ببساطة إنه الآتي:كلما كان ما تدرسونه له أهمية، كلما كان من الضروري أن يرغب طلبتكم في استعمال/توظيف ما تعلموه منكم .
إذا ما كنتم تبذلون جهودا من أجل ترتيب أفكاركم،وتنظيم تجارب تعليمية ملائمة لأجل تلاميذكم،فإنه من المؤكد أنكم  سترغبون  في تفادي الوضعية التالية :أن تسمعوا واحدا من بين تلاميذكم السابقين يقول متعجبا"أتمنى حقا عدم الحديث عن هذه المادة الدراسية" .فأي خسارة جهد ستكون بالنسبة لكم ولتلميذكم! ربما  كنتم لتبذلوا الجهد لتعليمه شيئا مهما من الممكن ألاّ  يوظفه أبدا،وربما بذل جهوده الخاصة به لدراسة تقنية أو معارف ستسمح له  بقدر من التفوق،و بسعادة أكثر،وفائدة، أو بمكانة أعلى .
إذا ما كان للتعليم قيمة،أليس من الأفضل أن تكون  له قابلية الاستعمال؟
من بين أهدافنا التأثير على الطالب بغاية –عند الانتهاء من درسنا-أن نجعله يفكر فيه،ويدرسه،ويناقشه،ويستخدمه لأجل شيء ما،إن كان الأمر كذلك،كيف لنا  أن نتحقق من بلوغ هدفنا إذا ما كان الطالب يتجنّب الحديث عنه؟
يمكننا أن نحاول التأثير على التلميذ بطرق متنوعة،ولكن،على الأقل، من الواجب علينا بذل الجهد حتى يكون لديه رأي أفضل حول الموضوع، أو حول نشاط التعليم. وهذا ما قد يمثل الهدف الأدنى والكوني للتربية.
(من المؤكد أنه ليس من الضروري "حُبّ" مادة للاستمرار في توظيفها أو الاشتغال عليها.لنفكر في كل تلك الأشياء التي ينبغي على الأفراد القيام بها، والتي كانوا يفضلون تَركها. أضيفوا الوقت الذي عليكم تخصيصه لأشياء لا تعجبكم .ولكن،هنا بالذات يكمن المشكل.
يحاول الأشخاص استعمال وقت أكثر للقيام بما لديهم نحوه انجذاب،وتجنب ما لا يثيرهم،ما عدا إن كانت الحيثيات تمنعهم من ذلك. الذين يهابون الرياضيات مثلا ينازعون باستعمال الحساب الرياضي حينما يكونون مضطرين إليه .والذين لا يمكنهم تحمّل موسيقى الأوبّرا سيفعلون ذلك إن لم يكن لديهم الاختيار،ولكن حينما يتوفر هذا الأخير –الاختيار- فإن الطالب(المتعلم) السابق سيكون أكثر ميلا لتطبيق ما تعلمه في المادة الدراسية معنا إن كان يحبها أكثر من أنه يكرهها .
يمكننا أن نقوم بعدد من الأشياء حتى نزيد من الطابع الإيجابي وإقصاء الجانب السلبي ).
طبعا،لا يمكن للمدرسين التحكم في كافة العوامل القادرة على التأثير في موقف الطالب(المتعلم)،فهناك الأسرة،والأصدقاء،والمحيط .هناك العمّ(القريب) الذي طالما أُعجِب به،والصحافة المنتشرة والأخبار .
علينا إذن أن نكون واقعيين في آمالنا .
ولكن إذا ما كنتم تعترفون بأن عددا من العوامل (قادرة على جذب الطالب نحو مادة دراسية أو خلق النفور لديه منها)ليست تحت تأثير المدرِّس،عليكم أيضا أن تتقبلوا بأننا نستطيع التأثير على موقف الطالب .
هنا،حيثما يمكن للآخرين الفعل،يمكنكم أنتم أيضا .
بمعنى آخر،إذا كان صحيحا بأن مدرِّسا لا يمكنه مراقبة كل العناصر المحددة للموقف تجاه المادة،والتحكم فيها،فإنه ليس من الممكن نفي بأنه واحد من بين عناصر التأثير .
لنلخص إذن :
-كل فعل تعليم هو فعل موجّه نحو المستقبل: أي أن الهدف من التعليم-عند الانتهاء منه- هو تسهيل سلوك مُعطى في لحظة محددة.
-إحتمالية استعمال المعارف من طرف الطالب(المتعلم)تتأثر بموقفه تجاه المادة.
إننا ننسى بسرعة ما لا نرغب فيه.
-يتبادل الأفراد التأثير فيما بينهم،ويمارس المدرسون تأثيرا فعليا على المواقف المتخذة تجاه مادة مّا،ونحو الدراسة عامة
-ينبغي المحاولة،عند الانتهاء من الدرس،على أن يكون- وبقدر الإمكان- للطالب الموقف الأفضل تجاه التخصص المدروس،وهو من بين الأهداف الرئيسية. إننا نزيد بذلك من الفرص التي قد تجعله يتذكّر ما تعلّمه،وأن يرغب في معرفة المزيد .
كيف نصل إلى ذلك؟
كيف يمكننا التصرف حتى نتحقق من أننا قمنا بكل شيء من أجل أن يكون لدى الطالب، حينما يكون بعيدا عنّا،موقف أفضل نحو مادتنا الدراسية ؟
إن  الطريقة الأحسن ربما هي أن نبدأ بتحديد الهدف بوضوح،ووصف ما سيقوم به الطالب إثر بلوغ الهدف،ثم أن نحاول اتّباع طرق تسمح وتساعد على تحقيق ذلك الهدف،وأخيرا  باعتبار الخطة والإجراءات المتنوعة التي تعطينا إمكانية مراقبة ممارستنا في تدريس المادة،وفحص مدى سلبية أو إيجابية الشروط  التي نوفرها، مع رصد العناصر المناسبة التي يمكننا إضافتها لتلك الموجودة سلفا.
إنني لا أدّعي تقديم حلّ نهائي لمشكل جد مهم،وسيظل دائما هناك الكثير لتعلُّمِه،ولكننا على الأقل نعرف الكثير حول السلوك الإنساني،وحول قدرة تعليمنا ،قدرةٌ يمكنها التطور  كلما ازداد فهم  وتطبيق تلك المعرفة .

المصدر الأصلي للنص:
R.F.Mager ,Pour éveiller le désir d’apprendre ,Dunod, Paris, éd.2005.pp.07-11.

أسباب ظهور السلوكيات اللاإنسانية في الإنسان ـ د.زهير الخويلدي


أنفاس نت
 يتعرض الإنسان في الآونة الأخيرة إلى الكثير من الظلم والامتهان والتمييز في الكثير من الحالات ويظهر هذا الاستهداف بوضوح في تكاثر الحروب وتعدد النزاعات وما يترتب عن ذلك من اعتداء على الحقوق وتهديد للمكاسب الكونية والحريات المدنية التي نصت عليها القوانين الدولية وسعت المؤسسات لحمايتها.
لقد وجد الفكر الفلسفي نفسه أمام الكثير من الصعوبات من أجل تفسير حصول الارتداد وعودة الهمجية وأعاد من جديد تشغيل المقاربات النقدية والمناهج التشخصية باحثا عن الأسباب التي تقف وراء رجوع  العنصرية والتفاوت والإقصاء وانسياق الناس المسالمين وراء السلوكات العدوانية والإضرار بغيرهم.
لقد قدمت الفلسفة تصورات حول ارتكاب الناس لأعمال عدوانية تجاه أنفسهم وتجاه بعضهم البعض:
-التفسيرات الميتافيزيقية: الاعتماد في سلطة المصير المحتوم ضمن لعبة الوجود المطلق التي يحكمها صراع بين الخير والشر ويكون الناس مجرد ضحايا للقوانين الكونية التي تدفع القوى الى السيطرة على الضعيف وتكرس منطق تنظيم الأشخاص في المجتمع وفق الترتيب الذي تكون عليه الأشياء في الواقع.
- التفسيرات الأنثربولوجية: الطبيعة البشرية هي التي تحدد نوعية السلوك الذي يصدر عن الكائن الإنساني، فالطبيعة الشريرة التي تخضع لتقلبات المزاج وتناقضات الأهواء تدفع البعد الحيواني الى تغطية البعد العقلاني وتحويل البشر الى آلات راغبة ووحوش مفترسة وكيانات أنانية تمارس العنف والفساد.
- التفسيرات الاجتماعية: انقسام المجتمع إلى مجموعة من الطبقات وتفشي نزعة التملك الأناني والتسلط الاحتكاري والنفوذ الفردي يؤدي إلى التفاوت في حيازة الثروة واللاّمساواة في الحقوق أمام القوانين وينتهي مسار التاريخ إلى اندلاع الصراع بين الطبقات وظهور أشكال من الاستغلال والاستعباد والظلم.
فإذا كانت التفسيرات الميتافيزيقية موغلة في المثالية والجبرية وإذا بقيت التفسيرات الأنثربولوجية في دائرة الذاتية والوضعية فإن التفسيرات الاجتماعية تبقى الأقدر على معالجة الأمراض التي يعاني منها النوع البشري والأقرب إلى الثقافة العقلانية والتجريبية العلمية التي تنتصر على النزاعات اللاإنسانية.
بهذا المعنى لا يرتكب الناس أفعالا مشينة تحت تأثير القوى الماورائية والمؤثرات الكوسمولوجية أو نتيجة العناصر البيولوجية الغضبية والمكونات النفسية المتشنجة وانما بسبب الظروف المادية القاسية والقمعية.
من هذا المنطلق لا يتم القضاء على النزاعات اللاإنسانية إلا بالثورة على الظلم الاجتماعي والشر السياسي وذلك بتركيز الأطر الاجتماعية التي تعيد الاعتبار للكرامة البشرية المنزلة الحقوقية التي تستحقها باقتدار، فكيف يمثل النضال الفلسفي ضد التوحش والهمجية والازدراء دربا مضيئا لاستعادة الإنسان إنسانيته؟
 كاتب فلسفي

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

البرنامج التربوي في تجربة جون لوك الفلسفية ـ د.زهير الخويلدي

أنفاس نت
 " لا تستهدف التربية إلا تشكيل الإنسان، سواء بواسطة مدرسة الأحاسيس، أي العائلة، أو بواسطة التدريس. وليس التعليم إلا هذا الجزء من التدريس الذي يستهدف تثقيف الإنسان بتكوين حكمه" [1]
ما يلفت الانتباه اليوم هو أن قطاع التربية في المجتمعات المعاصرة يتخبط في أزمة جوهرية لا تقتصر على ساحات المدارس وأقسام المعاهد ومخابر الجامعات وقاعات التدريس الأكاديمي ، وإنما تشمل المبيتات والأسر والمؤسسات الثقافية والحواضن الاجتماعية وتؤرق بال الدول والجمعيات الأهلية وتحير العقول الجادة. والحق أن هذه الأزمة لا يتعلق تاريخ اشتدادها باللحظة الراهنة فقط وإنما ضاربة في القدم وتعود إلى الزمن الذي استحوذ فيه السفسطائيون على حديقة العقل واستمروا في ترويج الظنون والآراء المبتسرة. بهذا المعنى تبدو الأزمة متصلة بتعثر البيداغوجيا وتكوين المربين وضعف النجاعة بالنسبة للمدرسة ولكنها في العمق ورطة هيكلية انجرت عن تعميم التعليم من الأطفال إلى شرائح عمرية متقدمة في السن وترتب عنها انحدار في المستوى وظهور أشكال جديدة من الأممية ناتجة عن غياب الأفكار الناظمة والرؤى التأليفية والنظريات الرابطة ، وفي المقابل الإغراق في التخصص والتشذر والانعزالية والانفصال. لقد أضرت هذه الأزمة بشكل ملفت للانتباه بالمنزلة التي ينبغي أن تحتلها التربية في الوضع البشري وقطعت العلاقة التلازمية بين المدرسة والمجتمع وقللت من دور التعليم في تنظيم الوجود اجتماعيا. كما أسقطت من حساب الدارسين أهمية طرح مشاكل التربية ضمن المشاكل السياسية وعرضها على النقاش العمومي للمواطنين والنظر إليها من زوايا متعددة مثل الطرح الاقتصادي والمنظومة الإيتيقية المأمولة [2]. من هذا المنطلق تم استدعاء جون لوك لجهوده التنويرية  وبرامجه التربوية من جهة نظرية المعرفة وتصوره لبرنامج بيداغوجي عساه يقدم حلولا تنويرية.
 
إذا كانت مقتضيات الحالة الطبيعية التي يمر بها كل إنسان تقتضي من الأسرة أن تقوم بتربية الطفل من خلال التركيز على تقوية درجة الإحساس لديه بالمحيط وتكثيف الانتباه إلى الواقع والشعور بوجود الذات ، فإن متطلبات الحالة المدنية التي ينتقل إليها الوجود الاجتماعي وفق تعاقد اصطناعي تفاديا للنزاع المدمر تستلزم الاشتغال على العملية التربوية ضمن مؤسسة مهيكلة تتحرك ضمن النسيج الثقافي العام وتخضع المتعلمين لدورات تدريبية وحصص تكوينية في كنف الانضباط والالتزام بالقواعد وإتباع جملة التراتيب. بهذا المعنى طرحت نظريات التربية في العصور الحديثة عددا من القضايا والمطالب تلتقي فيها مع الفكر السياسي والشيم الأخلاقية واعتمدت بالأساس على البيداغوجيا من حيث هي وسيط حاول الارتقاء بالناس من الوسط الطبيعي إلى الفضاء الثقافي عن طريق تفعيل ملكات النفس وصقل أعضاء الجسم جامعة بين الاعتناء بأحلام اليقظة لدى الطفل اللاعب والاستفادة من الخطوات المتأنية التي يقوم بها الكهل المتعقل ومؤلفة بين التوجيه والإقناع وبين المنهج والحرية وبين التقيد بالواقع الاجتماعي والتحليق في اليوتوبيا. 
حينما أعلن جون لوك[3] بأن الطفل صفحة بيضاء وبأن الذهن لوحة خالية من كل معرفة سابقة وأن الأفكار الفطرية غير موجودة وأن المعارف تولد مع التجارب التي يجريها الإنسان في حياته عن طريق الحواس فإنه أسس بصورة ملموسة البيداغوجا في التقليد الأنجليزي واقترح نظرية تجريبية في الحقيقة.
  لقد أضاف جون لوك في المنتصف الثاني من القرن السابع عشر الى الحداثة الفلسفية مجموعة من الأفكار الجديدة ودعم حركة التنوير بجملة من المقترحات ليس فقط في مجال الفلسفة السياسية وإنما أيضا في مجال البيداغوجيا لما منح أولوية مطلقة لمطلب التربية ضمن نظرية المعرفة والمناهج المؤدية إليها.
لقد ذكر في كتابه "أفكار حول التربية" الذي ظهر سنة 1693 أن الطفل بعد انقضاء مرحلة الاتكال على الأسرة مطالب بأن يتدرب على تشكيل نفسه بنفسه والاتفاق مع قوانين الطبيعة ومبادئ الجسم الاجتماعي.
لقد سلط مبدأ اللوحة الخالية نورا جديدا على طبيعة الذهن بحيث مكن كل طفل من التدريس [4] لكي يقتدر على الحياة بصورة حسنة في المجتمع وساهم في اعتبار القدرات الذهنية والفيزيائية متفاوتة من وجهة نظر الطبيعة وخاضعة للتطوير ولكنها غير قابلة للتحول إلى نقيضها بل تتغير نحو الأفضل بصورة تدريجية.
من جهة ثانية يتم الاعتماد على جدل اللّذة والألم من حيث هو الأساس الجوهري الذي يشتغل المربي لكي يدرب الطفل على التحكم في انفعالاته والأخذ بتوجيهات العقل بصورة جدية، ويقع كذلك الاهتمام بالوسط الذي يعيش فيه الطفل من أجل تطوير ملكاته وتفادي التأثيرات السلبية وتوفير العوامل المواتية والايجابية.
أما الركيزة الثالثة في العملية التربوية فهي اللغة والتي تعتبر وسيلة جوهرية في التواصل الاجتماعي ويشترط حفظ قواعدها وحسن تطبيقها لكي يسهل استعمالها لكي تنتقل من مجرد اللغة الأم إلى لغة التعلم.
لقد حرصت البيداغوجيا عند جون لوك على توجيه الطفل نحو النجاح في جمع عدد من المنافع بحسن الإنصات إلى الحكم المدني وترك الحرية للمتعلمين ورفض العذابات التي خلفتها أنظمة الطغيان القاسية التي كانت تعاقب الناس بتخليف الأضرار البدنية وكل أشكال الإكراه والتعسف والتنكيل بكرامة الأنفس.
لقد انبنت البيداغوجيا عند لوك على عملية قلب  في العلاقة بين المعلم والمتعلم لم يعد بمقتضاها المتعلم يعتبر معلمها مصدر المعرفة والحاكم على قيمتها وإنما مجرد دليل ينير السبل ويفسر بعض مشكلاتها.  لذا استثمر لوك ثنائية اللذة والألم من أجل نحت مصطلح تقدير الذات عند المتعلم الذي لا يتوقف عند تلبية الغرائز بالمعنى المادي ويتعدى ذلك نحو البحث عن الجدارة والشعور بالقيمة الممنوحة للهوية الشخصية.
بهذا المعنى يؤكد المربي على أهمية الأنشطة التفاعلية على المستوى الإدراكي إلى جانب الأنشطة الفيزيائية ، وراهن على الثقة التي يمنحها المعلم للمتعلم في العناية بالجسم من أجل القيام بأنشطة توافق أنظمة الذهن. علاوة على ذلك لا يكتفي المتعلم بتجربته الخاصة وإنما يوسع دائرة تعلمه ويستفيد من تجارب الآخرين من خلال المحاكاة والاقتباس وفق ثنائية الممتع والمؤذي أو عبر ثنائية النافع والمضر.
من هذا المنطلق صاغت نظرية لوك استنتاجات بيداغوجية يمكن تنزيلها ضمن الملاحظة البراغماتية للمجتمع البشري والتي تعطي للمربي مهمة إقناع الطفل وإجابته على الطرق التي تجعله يعيش في وئام مع الطبيعة والمجتمع ويأمل التقدم بنفسه نحو الحالة المدنية وتحقيق المزيد من التطور المعرفي والتقني. إذا كانت النظرية التربوية تعاني الكثير من الاكراهات والمضايقات في النظم السياسية غير الديمقراطية وتحتمي بالبيداغوجيا والأخلاق من أجل ممارسة الوعظ والإرشاد قاصدة تدريب الناس على التسلح بالفضائل فإنها في السياقات الديمقراطية تمارس النقد والتنوير وتعول على العقل والتجربة في إعادة الاعتبار إلى الإنسان والطبيعة ، وتجعل من التعليم الجمهوري شرط إمكان قيام المواطن القادر على حكم نفسه بنفسه وعلى المشاركة في الحياة العامة من منطلق المسؤولية والتفاني في نكران الذات والإيثار والتضحية في سبيل المصلحة المشتركة والتعاون مع غيره في تعزيز سيادة الشعب وتقوية الحكم المدني. لكن هل تمارس التربية على الفرد أم على المجتمع؟ وما المطلوب في اللحظة المعاصرة؟ هل تغيير طرق التربية بالنظر إلى تبدل ملامح الاجتماع البشري أم تغيير بنية المجتمع من خلال تثوير النظم التربوية؟

الإحالات والهوامش: 
 

[1] Reboul (Olivier), la philosophie de l’éducation, édition PUF, Paris, 1971 , p31.
[2] Faes Hubert, Hanna Arendt : le statut de l’éducation dans la condition humaine, in Théophilyon, Difficile éducation, Revue des Facultés théologie et philosophie de l’université catholique de Lyon, 2014, Tome XIX-Vol2,pp 293.312.
[3] Voir Locke (Jean), quelques pensées sur l’éducation, édition Vrin, Paris, 2007,384p.
[4] instruire
المصادر والمراجع:
Reboul (Olivier), la philosophie de l’éducation, édition PUF, Paris, 1971.
Locke (Jean), quelques pensées sur l’éducation, édition Vrin, Paris, 2007.
Revue des Facultés théologie et philosophie de l’université catholique de Lyon, 2014, Tome XIX-Vol2.
 

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

موت المدرس وحياة التلميذ ـ يوسف عدنان

أنفاس نت

قد يبدو للوهلة الأولى ومن خلال إخضاع القارئ العنوان لفعل التأويل، أن نية الكاتب تذهب إلى افتعال مفاضلة ما بين الطرفين: المدرس والمتعلم. لكن من زاوية نقدية، فالمعنى المراد إيصاله يُفهم على نحو معكوس تماما أو على الأقل يرنو إلى مسك العصى من الوسط كما يقول المثل المتداول، دون التحيّز إلى أي طرف. فالحياة المعاصرة -وهو ما ينبغي الانتباه له-تُعلن انقلابا جذريا فكاكا لمجموعة من الارتباطات المحنوطة بثوب القداسة، منها: موت الكاتب وحياة النص، موت الأب وحياة الابن، موت الناقد وحياة المعلّق الافتراضي {...} إلى غير ذلك. وعليه فدلالة العنوان تُبطن تحريضا للوعي لكي يتخلّص من ركام معارفه السابقة ويجيد التنقل بسلاسة بين مجموعة الثنائيات التي أذابها واقعنا الحالي، منها: الأخذ والعطاء، التلقي والفاعلية، السلطة والسلطة المضادة، النموذج والقالب، المؤثر والمتأثر، العارف والمريد، الممثل والمشاهد، العنف الرمزي والعنف المادي {...} الخ، كلها متقابلات تصدق مفاعيلها على العلاقة المحقونة اليوم بين المعلم والمتعلم والتي لا يمكن الاكتفاء بعدّ العنف المدرسي الإفراز الوحيد لها.  مادامت الإشكالات التي تطرحها العلاقة التربوية في الحياة المدرسية جد معقدة ومستعصية.
كما يجدر التنبيه بأنها ليست بتبادلات قارة وثابتة ومنزّهة عن أي تغيير أو إتلاف بما أن قناعات الناشئة تذهب سواء بشكل أعمى أو مقصود إلى إبدال ما تم نحثه من قبل السلف وتمثلهم لمفهوم الحرية على نحو جدّ مفرط. بمعنى آخر، هناك مدّ تثويري يسجّل حضوره حاليا في جميع البلدان – ما عدى تلك المحافظة -تفتّق معالمه الاعلاميات والوسائط الرقمية والميديا وشبكات التواصل الاجتماعية والعالم الافتراضي والمؤسسات التنشئوية البديلة والإرادة الشعبية {...} الخ، تتكاثف مساعيه في توثير موازين القوى وإعادة ترتيب النسق الهرمي كما ثمّ وضعه وإحلاله سواء على المستوى السياسي، التعليمي/ التربوي، الثقافي، الاجتماعي، العائلي.
تحطمت في سبعينيات القرن الماضي رموز النفود المجسدة في الأب والرئيس والأستاذ. كل التحليلات الفلسفية والسيكولوجية والسوسيولوجية والتربوية وقفت على هذا التحول في النموذج الإرشادي لمجتمعاتنا الذي أعلن موت السلطة. (1). وإن كانت أشكال السلطة قد تطوت بتطور الممارسات الديموقراطية، فإن المؤسسة المدرسية قد تراجعت أمام هذه التحولات، لم تعد النماذج القديمة ناجعة (السلطة التقليدية والسلطة الكاريزمية في مقابل السلطة المشروعة)، مما استدعى البحث عن نماذج أخرى (2).
أما بالنسبة للمدرس، فنستطيع القول أنّه لم يستثنه هذا الإرتجاج الفجائي الذي لحق/طال قلعته المصونة، بل إنه يكاد يكون أول رأس مستهدف يرجى إسقاطه من لائحة طويلة الأسماء، بحكم أنه معادل رامز للأنا الأعلى، للسلطة، للتمركز، للهيمنة، للاقتداء، للزعامة على المستوى السيكولوجي طبعا. ومن هذا المنطلق المنهار والمعدّل، يجوز فهم مشكلة المتعلم مع مدرسه ذكرا أو أنثى، سواء في البلدان السائرة في طور النمو أو غيرها. إن ظاهرة العنف المدرسي في مختلف مناحيه وتجلياته هي تعبير موضوعي عن أعراض العصر  « les symptômes du siècle »المُخترق بدوافع عدوانية وعنفية يتضاعف منسوبها عند المراهقين أكثر من باقي الفئات العمرية نظر لعدة عوامل لا يسعنا التفصيل فيها. ونكتفي بالتأشير على أهم التغيرات النفسية التي تصاحب هذه الفترة المفصلية بين البلوغ والشباب: يشعر المراهق على الدوام برغبة دفينة في إثبات الذات إزاء الراشدين. ويسعى الفتيان على وجه الخصوص، في هذه المرحلة من العمر، إلى إثارة الانتباه وإلى مواجهة الراشدين بنوع من التحدي، سواء في البيت أو في المدرسة وكذلك الشارع. 
إن المراهق كائن يكبر وينمو وينتقل من حال إلى حال، ويتغير باستمرار. ولهذا السبب، يصعب على أي كان أن يقدم عنه صورة جامدة، ثابتة المعالم. إن الدور الذي تؤديه مرحلة المراهقة هو تكوين شخصية المراهق، وهذا ليس بالأمر الهين، في هذه الفترة التي تكثر فيها الصراعات العائلية وأحيانا المدرسية. ويكون على المراهق أن يؤسس توازنه الخاص، وأن يصمد للمؤثرات السلبية للوسط الخارجي وأن يحذر الانسياق وراء خياله المجنّح. وبالتالي فكلّ نقاش حول المراهق والمراهقة يتطلب استحضار النقط التالية: مكانة المراهق في الحياة – المواجهة بين المراهقين والآباء – احتياجات المراهق – شغب المراهقة – الوظيفة الاجتماعية للمراهقة – الأب المتسلط أو غياب سلطة الأب {...} الخ. إن فترة المراهقة وكما لا يخفى عن الجميع هي فترة تصفية الحسابات واستعادة الانجراحات الطفلية وتأجيج ذاكرة السيناريوهات القديمة إنها لعبة يوقظها النسيان أكثر مما يجمدها أو يمحيها بالمرة.
إن مقولة موت المدرس تحمل دلالة مجازية لا تكفّ عن توفير المعاني والاشارات السائلة للوضعية المأزومة التي أصبح يتخبّط في مدارتها الحزينة، طالبا النجدة بعد أن كان هو قارب النجاة. فالمعرفة التي كانت سلاحه الحاسم لم تعد حكرا عليه، فوسائل الاتصال الجماهيري قد أضعفت من منسوب السلطة المعرفية لدى المدرس، بحيث لم يعد مركز المعرفة كما السابق.
ففي الماضي، كان المدرس مالكا للمعرفة والسلطة، وكتن يقوم بتدريس التلاميذ مجموعة من المعلومات والمعارف التي لم تكن موضوعا للتساؤل، ولم يكن الشك ليتطاول عليها من بين أيديها أو من خلفها. وكان يمارس سلطة مطلقة على التلاميذ استنادا الى تفوقه الجسدي والمعرفي واعتمادا على تفويض المجتمع ومؤازرته له.
كما كانت مهنة التعليم تحقق لصاحبها الأمان المادي والمعنوي وتوفّر له التقدير والاعتبار الاجتماعيين وتضمن له مكانة محترمة داخل المجتمع. إلا أن هذه الوضعية تعرف حاليا تغيرات جذرية في الكثير من جوانبها. فلقد تعددت مصادر المعرفة ولم يعد المدرس مصدرها الوحيد، وتقلص دوره الكاريزمي ووظيفته الالقائية، وتراجعت مكانته الاجتماعية وشروط حياته المادية قياسا بفئات اجتماعية أخرى، وأصبح يعيش تحت رحمة نظام تعليمي مركزي تراتبي، وبنيات بيروقراطية متكلسة، تعرقل نموه الشخصي والمهني، وتحد من حريته وتخنق إمكانية الخلق والتجديد لديه. فكان أن اهتزت نتيجة للتغيرات السابقة، سلطة المدرس المؤسسية، وغذت عرضة للجدال والاعتراض والتمرد، مما يحتم عليه البحث عن قواعد اسناد أخرى ومرتكزات بديلة، يبني عليها سلطته التربوية (3).
وأهم هذه المرتكزات من وجهة نظر نفسانية: تأكيد حضوره – قوة شخصيته – ثبات توازنه النفسي – نضجه الوجداني، على اعتبار ان النضج الوجداني الكامل للمربي يحقق له الاطمئنان والثقة بالنفس والقوة الهادئة، ويمكنه من ممارسة سلطته بشكل تلقائي (موكو، ص 107).فالسلطة الحقيقية الطبيعية للمدرس تبع من التأكيد الهادئ والحازم لذاته. كما أن العامل الحاسم المحدد للعلاقة التربوية ولتمثلات ومشاعر التلاميذ نحو المدرس ليس هو صفاته الجسمية أو تكوينه الأكاديمي أو البيداغوجي أو طريقة ممارسته للسلطة. وإنما هو درجة نضجه الوجداني، وقدرته على ضبط النفس والتحكم في المشاعر الشخصية (كالغضب والخوف)، وتحرره في ممارسته لسلطته التربوية من ردود الفعل الانفعالية (نفس المرجع: ص 102). إن المتعلمين في حاجة الى القدوة أكثر من حاجتهم الى الانتقاد "جوزيف جوبير".
إن إحدى الصعوبات الرئيسية في عمل المدرسين، تكمن في تصاعد النقد (نقد عمل المدرسين). ففي مجتمع أصبح نقديا، صارت أنماط السلطة التقليدية القائمة على الأمر بالفعل، والتفكير بواسطة مؤسسة أضفيت عليها القداسة، متجاوزة، إذا تم نزع القداسة عن هذه المؤسسات وتعويضها بأنماط حديثة للسلطة، مبينة على المحاجة والتفاوض، في إطار مؤسسات أكثر انفتاحا. هذه الطفرة التي هي مكون أساس للحركة الكبرى للحداثة حسب Ulrich Beck (بالنسبة للدول الغربية). وهكذا تأثرت الأسرة والمقاولة والمدرسة والدولة بهذا التطور، الذي لا يعني اندثار السلطة، ولكن ظهور مشروعية أنماط جديدة للسلطة. انبثاق حداثة نقدية، تكون فيها أدوات الحداثة نفسها (المدرسة/ المعارف/ العلوم/ التقدم /العقل) خاضعة للنقد. هكذا فتعددية مصادر المشروعية المحددة للمدرسة الجدية la bonne école »   « قد فتحت فضاء نقدي لا متناهيا. فانخفاض الاعتراف الاجتماعي علاوة على شبه فقدان المكانة الاجتماعية للمدرسين، وما يعتبرونه تدخلا للآباء في المجال التربوي، وعدم الاهتمام بالمعارف المدرسية من قبل المعلمين، هي تجليات ملموسة لهذه الحركة، وهذا ما يتطلب تبريرات لا حصر لها: تبرير مسلكهم في عملهم، تبرير المعارف المدرسية، تبرير العقوبات، تبرير النقط، تبرير علاقاتهم مع التلميذ .. الخ. فمطلب التبرير هذا، بات مبعث شعور للمدرس كما لو كام موضع الخصم أو المشتبه به، وسببا في نوع من الاستنزاف(4).
• ملاحظات حول واقع العلاقة بين المدرس والتلميذ في المجتمع العربي
لقد هوت جل الأطر المرجعية les cadres référentielles »  « التي تضفي وتغذي مشروعية ما على سلطة الأستاذ وتصون حرمته من السلوكات العدوانية والعنفية للتلاميذ. لا يكمن اليوم إنكار الاهتزازات التي شملت البنيات النفسية والسياسية والعقائدية للمجتمعات العربية، تعود إليها بالضرورة كل إطاحة بصورة المدرس، نجملها في الملحوظات أدناه:
-بعد الحراك العربي المنعوت بالربيع وانهيار شوكة الشخصية الكاريزمية التي مثلّها مجموعة من الرؤساء والقادة لم يكن للأطروحة الأبوية إلاّ أن يمسسها نفس النزيف في مجتمعات بطرياريكية ينبع فيها الاحترام لشخص الأب من الكبت وليس من مبدأ أخلاقي. وعليه، لم تكن الاختلالات والتعديلات الطارئة على مستوى البنية سوى تعبير مُلتوي عن عودة المكبوت وليس التخلّص منه أو تجاوزه.
-وهو ما يصدق على الحقل السياسي الذي يحرّكه نفس المفعول الهوامي للصورة الأبوية الجريحة في واقعنا الحالي، إذ تمة إعادة تشكيل لصورة القائد/ الأب المقتول أو المطرود أو المحاكم في المتخيل السياسي على نحو انهزامي وتقهقري ولربما حتى طفلي.
-أما فيما يهم الجانب العقائدي فهو كذلك يتشرّب التأثيرات الوافدة من النفسي والسياسي، حيث أمست شخصية الفقيه أو الداعية تعيش نكسات ملحوظة وتناقضات صارخة جعلت منها تقتصر على لعب أدوار تمسرّحية متهافتة بعيدة كل البعد عن إمكان بناء المثال الأعلى أو إخضاع المريدين إلى سلطات الأنا الأعلى surmoïques Instances المخلولة أعمدته.
تلكم أهم الضربات الموجعة التي وجهها الجيل الصاعد إلى المؤسسات الراعية له منذ الطفولة، وبالتالي يُستعصى اليوم الحديث عن وجود مقود ما يوجه سلوك الناشئة أو تطبيق سياسة احتوائية بحذافيرها وإنما هناك واقع في طور التشكيل، قد تنجح فيه بعض التدخلات والمحاولات وقد لا تنجح.
 *أستاذ الفلسفة / متخصص في التحليل النفسي والفلسفة النفسانية

هوامش:
1. A.Renaut : la Fin se l’autorité, Flammarion, 2004.
2. Martine Fournier, Sciences Humaines,N° :203.Avril.2003,p35-37.
3. دفاتر التربية والتكوين، مهام المردس ورسالته التربوية، المجلس الأعلى للتعليم، عدد مزدوج 8/9، 2013.
4. Lantheaume Françoise et Hélou Christophe, La souffrance des Enseignants, une sociologie pragmatique du travail enseignant P.U.F.paris.2008.
Savoir plus : Hannon Hubert, Paradoxe sur l’enseignant , paris, Les éditions ESF – 1989.












الاثنين، 30 أكتوبر 2017

سيكولوجية الأحلام.. هل لأحلامنا تفسير علمي؟



ما بين عامي 1915 و1917 ألقى سيجموند فرويد 28 محاضرة في موسمين جامعيين، أرادها أن تكون مدخلًا لدراسة التحليل النفسي، كان من بينها شروحه وتفسيراته لتأويل الأحلام، افترض فرويد أن الأحلام ليست عارضًا بدنيًا، ولكنها ظاهرة نفسية بدافعٍ شخصي منه نحو تفسير ظواهر الأحلام وربط بعضها ببعض، حتى يتاح لنا فيما بعد السيطرة عليها. الأحلام إذًا هي نافذة على أرواحنا، ومرآة لخفايا واقعنا، أو هكذا تصور فرويد أن كل حُلم مرتبط بصاحبه، وأن على صاحب الحُلم نفسه أن يؤول حلمه، ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟

سيكولوجيا الأحلام

عندما قال محمود درويش: «سأصنع أحلامي من كفاف يومي؛ لأتجنب الخيبة» لم يكن يعرف أننا بالفعل نصنع أحلامنا، دون أن ندرك ذلك: ففي الأحلام كل الأشياء المُستحيلة تتحقق، يمكنك القفز من النافذة لتطير، الموتى يعودون على قيد الحياة، والأصدقاء المهاجرون يتجمعون في أمسياتٍ ضاحكة، وحتى أشباح الطفولة يمكن أن تتجسد لك، فما الذي تعنيه ذاكرة أحلامنا؟
يقول عن ذلك «سيجموند فرويد» في كتابه «محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي» إن الحُلم ظاهرة نفسية، وإن عقول الناس تحتضن أشياء معينة يعرفونها، دون أن يدركوا ذلك، مُفسرًا ذلك بأن الإنسان قد تنطوي نفسه على معرفة دون أن يعرف عنها شيئًا، وأن هذه هي حالة الحالم؛ فالحالم بالنسبة لفرويد يشتق حلمه من مجموعة من الأفكار والاهتمامات الحبيسة في عقله، دون أن يدرك ذلك، وأن دور علم النفس هنا هو أن يقدم له يد العون لاكتشاف تلك المنطقة الخفية في عقله؛ وبالتالي تأويل حلمه.
بالنسبة لفرويد كان تفسير الأحلام هو طريقته لفهم الصراع الداخلي الذي يخوضه الإنسان في اللاوعي؛ حيث اعتقد أن الأحلام تنشأ في الأساس من صراعاتنا الداخلية بين الرغبات اللاواعية وجهودنا في كبحها، فوصف الأحلام بأنها «الطريق الملكي إلى اللاوعي»، وشجع مرضاه على التحدث بلا حساسية عن أحلامهم؛ لأنها بالنسبة إليه تربط الماضي والحاضر بالمستقبل، وتعمل على تكثيف الصور، بل وقد يعمل العقل البشري على إحلال الأشخاص والأشياء محل بعضهم البعض، وهو ما يتحدث عنه «أدريان فورنهام» أستاذ علم النفس بجامعة لندن في Psychology Today، حيث أشار إلى أن المحللين النفسيين يستخدمون الأحلام بعناصر التغيير فيها، مثل الإحلال أو التحول، حيث يتحول الناس من كبار في السن إلى أطفال في أحلامهم، أو العكس، أثناء قيامهم بالتحليل النفسي.
لكن  نظرية فرويد تعرضت للنقد، واعتمد النقاد على تساؤل واحد: إن كانت أحلامنا فعلًا هي مجرد رغبات غير مشبعة أو متحققة، فلماذا نحلم أحيانًا أحلامًا سلبية أو لها علاقة بموروثات ثقافية واجتماعية ؟
إن كانت «نظرية الأحلام» عند فرويد هي عملية خاصة بالإنسان ذاته، وماضيه، ومكنونات نفسه المكبوتة، فهي على النقيض عند «كارل جونغ» مؤسس علم النفس التحليلي، والذي يعتبر الأحلام لها علاقة باللاوعي الجمعي، بكل الموروثات الثقافية والاجتماعية والأساطير؛ فبالنسبة لجونغ اللاوعي غير مرتبط بالإنسان وحده، ولكن بالبيئة المحيطة أيضًا، ولذلك كان يقوم بتفسير الأحلام بطريقة متوازية عن طريق تحليل الفرد وتجاربه الخاصة، جنبًا إلى جنب مع موروثه الثقافي، وعن ذلك يقول «جونغ» إن القواسم المشتركة في محتوى الأحلام بين الأفراد، ترجع أحيانًا إلى تشاركهم في ثقافة واحدة، وهي ما يحصل عليه الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية والتجارب التنموية المشتركة بين جميع البشر.
وعلى الرغم من أن نظريات فرويد ويونج عن الأحلام كانت هي أحد الأسس التي بُني عليها علم النفس التحليلي، إلا أنها خضعت للغربلة فيما بعد، من خلال بعض الأدلة العلمية التي اكتشفها الباحثون في تجاربهم على الأحلام، وتبلور مفهوم الحلم بشكلٍ أوسع، ولكنهم اتفقوا على ثلاثة مفاهيم، أن الحُلم عملية إدراكية تعتمد على مخططات الذاكرة والذاكرة العرضية إلى جانب المعرفة العامة لتصنع محاكاة مقبولة للعالم الواقعي، وأن للأحلام معنىً نفسيًا يرتبط مع المتغيرات النفسية الأخرى، وأخيرًا: أن الأحلام غير العادية، والتي تتناول القيام بالأعمال المستحيلة، كالطيران مثلًا كلها نتاج تفكير شارد.

لماذا تتكرر بعض الأحلام بصفة مستمرة؟

كلٌ منا لديه حلمه المتكرر الخاص الذي يؤرقه، ولم يجد له تفسيرًا حتى الآن، فهل يمكن أن يكون لأحلامنا المتكررة سبب منطقي؟ وهل فعلًا تعكس أحلامنا المتكررة مخاوفنا وضغوطنا الحياتية؟
تقول «ميشيل كار»، وهي باحثة في دراسات النوم بجامعة سوانسي، في مقالٍ لها على موقع Psychology Today عن الأحلام المتكررة: إن هذا النوع من الأحلام يحدث لما بين 60% إلى 75% من البالغين، وغالبًا ما يحدث للنساء أكثر من الرجال، وأن هناك موضوعات شائعة تُبنى عليها أغلب هذه الأحلام، مثل: التعرض للهجوم، وحلم المطاردة، أو السقوط من أعلى، وفقدان السيطرة على السيارة، أو حتى الفشل في الامتحان، وتفسر ذلك بأن الأحلام المتكررة – نظريًا – تعبر عن وجود صراعات أو ضغوط لم تحل في حياة الفرد، مُضيفة أن محتوى الحلم المتكرر غالبًا ما يكون سلبيًا.
تستكمل «كار» حديثها قائلة: إنه طبقًا للدراسات الحديثة على الأحلام، فقد اتضح أن محتوى الحلم السيئ لا يشير بالضرورة إلى سوء تكيف مع الواقع، فمثلًا أغلب طلاب الطب الذين تمت عليهم الدراسة، وكان حلمهم المتكرر بعد اجتياز الامتحان هو الفشل فيه، جاءت النتيجة أعلى، واحيانًا بتفوق؛ مما يشير إلى أن الدافع من وراء الحلم كان الرغبة الشديدة في تحقيق النجاح.
تستعرض كار أمثلة من الدراسة؛ تؤيد وجهة نظرها، بأن الأحلام المتكررة قد تكون نتيجة جهد مبذول في حياتنا، ورغبة نحو إحراز التقدم، وأنه حلم يبدأ مع الشخص في سن مبكرة، وقد يلازمه طوال الحياة، كلما شعر بالتوتر أو القلق، وتوقف الحلم المُتكرر يعبر غالبًا عن انتصار الشخص على صراع حياته، وأنه قد أحرز التقدم المرجو.
الكوابيس بشكلٍ عام هي رد فعل طبيعي للنفس البشرية تجاه الإجهاد، ويرى الأطباء أنها تساعد الأشخاص في تقبل الأحداث الصادمة، لكن حين يتحول الكابوس العادي إلى كابوس متكرر يبعث الرعب والخوف في نفس ضحيته؛ مما يعيق الشخص عن أداء مهامه العملية بشكلٍ جيد، فإنه يتحول حينذاك إلى «اضطراب الكوابيس المتكررة»، وهو اضطراب نادر يخلق خوفًا من النوم، وقلقًا، وعدم قدرة على القيام بمهام النهار، وأحيانًا ما يكون مصحوبًا بتغير في معدل ضربات القلب.

خرافة الجاثوم .. هذا الكابوس المخيف المتكرر

هل تتذكر هذا الحلم المزعج الذي أرقك لأيام وجعلك عاجزًا عن النوم مرة أخرى، هذا الحلم الذي تفقد فيه قدرتك على الحركة، وعلى التنفس، وربما تشعر بأن أحدًا يقيدك، فبت تصارع من أجل الاستيقاظ لينتهي الحلم، ولكنك تفقد السيطرة حينها على جسدك، ليأتي الاستيقاظ بعدها في شكل حركة فجائية للجسم كله بعد شلل تام؟
كثير من الناس يطلقون على هذا الحلم الشائع اسم الجاثوم، أو (أبو اللبيد)، وعندما يتكرر الأمر، تجنح بعض الثقافات والأديان نحو تفسيره بتسلط الجن على الإنسان، وهو أحد الأمور التي ساعدت في انتشار «أسطورة الجاثوم»، ففي كل ثقافة من ثقافات الشعوب تم تفسير الظاهرة بطريقة تشير إلى ارتباطها بالجن والشياطين والأرواح الشريرة؛ في الثقافة الأوروبية إبان القرن الثامن عشر، كان الجاثوم أو (شلل النوم) يتم تفسيره على أنه دليل على سحرٍ شرير، وكان من الأدلة المستخدمة في المحاكم أثناء محاكمة الساحرات، وفي الفلكلور الياباني أشاعوا أنه ناجم عن الأرواح الشريرة، وهو اعتقاد مازال سائدًا في بعض الأماكن باليابان حتى الآن.
والحقيقة أن للجاثوم تفسير علمي، أصبح باحثو علم النفس يدركونه الآن، فهو ظاهرة يطلق عليها شلل النوم، وغالبًا ما تحدث عندما لا يتفق العقل مع الجسد في حالة الاستيقاظ، بمعنى أن العقل قد يكون قد استيقظ، إلا أن الجسد مازال غارقًا في النوم، وهو ما ينتج عنه حالة الشلل المعروفة، والتي تحدث فقط عند الاستفاقة في إحدى مراحل النوم الخمس التي يمر بها الإنسان كل ليلة، وتسمى «نوم حركة العين السريعة»، والتي تتميز بحركاتٍ سريعة وعشوائية للعينين، يرافقها شلل تام في عضلات الجسم، ويعتقد الشخص حينها أنه يختنق أو يُحتضر؛ نتيجة لهلوسات العقل في ذلك الحين.

هل كل أحلامنا تحتاج لتأويل؟

كل الأحلام بالطبع قابلة للتأويل، وكما أشار فرويد من قبل، يمكن لأي شخص أن يفسر أحلامه بنفسه؛ لأنه الوحيد القادر على حل اللغز، ولأن عقله الباطن هو من قام بصناعتها في بادئ الأمر، ولكن ليست كل الأحلام لها علاقة بالرغبات المكبوتة أو بالموروث الثقافي والصراعات الداخلية، فبالطبع يمكن للشخص أن يتعرف على نفسه بشكلٍ أعمق من خلال عمله على تأويل أحلامه ودوافعها، ولكن ليست كل الأحلام تحتاج للتأويل، فهناك مثلًا ثلاثة أنواعٍ أساسية من الأحلام، قد لا تنطوي على مفهومٍ عميق لصاحب الحلم:

الحلم هو خيالٌ سلبي

بعض أحلام النوم مثلها مثل أحلام اليقظة هي خيال سلبي، ولكنها أكثر حرية؛ مما يفقدك سيطرتك عليها، فالأحلام كلها من صنع العقل الباطن، صورًا ينتجها اللاوعي، ولكنها تبدو حية وحقيقية، وعن هذا يقول بعض الباحثين إن تفسير الأحلام يمكن أن يخضع للنواحي الفيزيقية للجسد، وليس النواحي النفسية فقط، مشيرين إلى أن حركة العين السريعة وتحفيز القشرة المخية والشلل العضلي، هو ما  يعمل على إنتاج الصور.
كما أن الأحلام ليست كلها تنطوي على مفهوم خفي وعميق داخل النفس البشرية، وأنها فقط قد تنطوي على حدث يشغل العقل في الآونة الأخيرة، مثل حلم شخص يخوض عملية جراحية في غضون أيام، فيبدأ الحلم لديه بمشرط الجراح.

أوهام الأحلام

وهي تلك النوعية من الأحلام التي تثيرها محفزاتٍ خارجية، كحلم رجلٍ في الشتاء لم يرتد ملابس كافية أثناء النوم، ويشعر بالبرد، فتتكون لديه مجموعة من الصور يحفزها الشعور بالبرد، مثل سيره تحت المطر مثلًا.

هلوسة الأحلام

بعض الأحلام تكون عبارة عن مسرحية من الخيال، تستعرض مجموعة من الصور بشكلٍ عفوي، بعضها قد يكون في شكل شاب يحلم بفتاة يحبها، حلم فانتازيا، وهو الأمر الذي فسره فرويد على أنه لرغبةٍ جنسية غير مُشبعة.