أنفاس نت
لا خفاء في أن من بين المواضيع التي وجب أن تنال الحظ الأوفر من التمحيص والمساءلة والشرح هو تلك العلاقة التي تربط بين الدين كدين، أي المعرفة العقلية بالله الصادرة من الإنسان والمبنية على الإدراك الواعي والخالية من الوسائط، والدولة كفكرة مرتكزة على روح القوانين، وقوة المؤسسات، بالإضافة إلى رسم حدود ثنائية الحق والواجب، سيبدو لنا الأمر في أول وهلة واضحا لا يحتاج إلى زخم التفاسير والقراءات، بيد أن مشكلنا اليوم ليس يكمن إلا في سوء فهمنا للإثنين وذلك عندما نتأمل واقعنا من المحيط إلى الخليج، وكيف أن الدراسات والإحصائيات تكاد تجمع إن لم نقل كلها على أن الاستبداد وغياب روح القانون لصالح الشطط في استعمال السلطة، وتسجيل نسبة كبيرة جدا من الفساد والرشوة، هم ديدن ولسان حال واقعنا، الدين هو الآخر وفي نفس الصدد يستأثر بهكذا مفارقة من خلال ما هو منصوص عليه في الكتب وبين ما يُتداول، أي بين الدين كنص رسمي وبين استيعاب الثقافة للدين، حيث نقف على مفارقة كبيرة مفادها أن من أكثر الشعوب تدينا هم أكثر الشعوب المعروفة بالغش والرشوة وارتكاب ما تم منعه وتحريمه في الكتب، في تطبيق كبير لتلك القاعدة التي تعتبر أن كل ماهو ممنوع مرغوب.
عندما نعود إلى حديث الساعة في عالمنا الإسلامي للعثور على طرف الخيط، نجد أن فكرة الدين تعاني من مشاكل جمة، والحال أن عدد القتلى الذي يُعلن عنه في نشرات الأخبار أغلبه دفع ثمن سوء فهم الدين، بل إن سريالية المشهد تزداد عندما نرى أننا بتنا نعيش حرب الكل ضد الكل، حيث كل عصبة من العصب ترى رأيها هو الصائب وأنه لا يدخله الباطل عكس القراءات والتفسيرات الأخرى للدين، ربما يكمن السبب في صراع الثقافة والدين، حيث تتحكم الأولى في الثاني بما أننا عُرفنا منذ زمن طويل بتعصبنا للرأي، حيث لعبت بنيتنا القبلية دورها الريادي في هذا الأمر، أو قد يتجلى في غياب تدبير الاختلاف والإيمان بأن رأيي قد يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ.
والحق أن معضلتنا في هذا الباب تزداد شيئا فشيئا عندما لا نرى أية محاولة من السياسي لاحتواء ما ينجم عن الديني، إذ كم من الأطروحات كتبت في هذا الشأن وكم من القراءات والأبحاث اهتمت بهذا الإشكال؟ دون أن تجد لنفسها سبيلا حيث بقيت حبيسة رفوف الأرشيف، من ثمة كان لا بد للعودة مرة أخرى إلى تلك العلاقة التي تربط بين الدين والدولة من نظرة فلسفية تقف عند المفهومين.
لا يختلف اثنان في أن الدين أساسي بالنسبة للإنسان منذ أمد قديم، كما لا يمكن إلا الجزم بفكرة أن الدولة تنزل منزلة الحجر من الزاوية بالنسبة للوجود الإنساني بصفة عامة، الأول ـ الدين ـ رابطة روحية تفسر الكون والعالم تفسيرا لاهوتيا منغلقا، كما تعمل على تنظيم الحياة اليومية للأفراد باسم ثنائية الحلال والحرام، أما الثاني ـ الدولة ـ فإنه لا يستقيم إلا بدستور ينطلق من الإنسان وإلى الإنسان، مجاله مفتوح يتغير بتغير السلطة التي تحكمه، الدين يقسم الحياة إلى حياتين، واحدة هنا وأخرى بعد الموت حيث يحاسب الإنسان بما عمله، أما الدولة فإنها تؤمن بالعقاب الفوري دون تأجيله، الدين يحكم باسم السماء والدولة تحكم باسم القانون، بالتالي فإن للدين غاية بطبيعة الحال، كما للسياسة غايتها أيضا، لكن غاية الدين ليست هي غاية الدولة.
مشكلتنا في العالم الإسلامي والتي ندفع ثمنها اليوم أكثر من أية لحظة خلت، هو عندما نمزج بين الدولة والدين، إذا انتصرت الدولة على حساب الدين، أي إذا احتوت السياسة أمور الدين يتحول نظام الدولة إلى نظام مضطرب، بما أن الدولة تتأسس على الديمقراطية وحقوق الأقليات والحرية الفردية وحرية التعبير، في حين أن الدين يحكم بالحد معتبرا قوانينه صالحة لكل زمان ومكان، على عكس ذلك إذا انتصر الدين على الدولة، أي إذا أصبح الدين هو أساس الدولة نحكم باسم التقوى والفضيلة والورع والخطايا، فتنتفي المؤسسات لصالح الاعتباطية في تنظيم حياة الإنسان، وتتبنى الدولة دينا بعينه، فنصبح بلغة الفيلسوف الألماني هيجل أمام دولة دين، والتي لن تتميز إلا بالتعصب للدين الواحد، ونفي كامل لحرية الاعتقاد من جهة، أو حرية تغيير الدين من جهة ثانية.
ربما يمكن أن نعثر على هذا الخلط في التاريخ، وذلك بعودتنا إلى أصول الدولة الإسلامية، حيث كان يُجمع دوما بين الحاكم بأمر الله والحاكم بأمر الدنيا، فهو الذي يشرع أي أنه رجل الدولة، وفي نفس الوقت هو الذي يمثل ظل الله في أرضه، حيث يحكم دينيا وسياسيا، وهو ما يجعل الدين يتداخل في الدولة والعكس، كأننا نحاول خلط الماء بالزيت، صحيح أن بنية العصور الوسطى كانت تتأسس على الحكم باسم الدين، لكن في أوربا مثلا كانت الكنيسة مستقلة شيئا ما عن قصور الحكم، عكس العالم الإسلامي الذي كانت قراراته تؤخذ من نفس الشخص، أي الشخص الذي يمثل الدين والدولة في نفس الآن، بيد أنه عندما يتراكم هذا الخلط فإنه يصل أحيانا إلى مسألة الشرعنة، فيحاول الدين أن يطوع الدولة تماما، كما تحاول هذا الأخيرة أن تجعل الدين في خدمتها، وهو ما يتنافى وطبيعة المجالين، في نفس السياق بل وفي هاته الظرفية بالذات، سيقول قائل أنه ومن أجل تجاوز هذا الخلط الذي جر علينا الويلات أن نفصل بين الدين والسياسة في إشارة إلى تبني العلمانية، سيكون من المغامرة بمكان اتباع هذا الطريق، حيث ستقوم الثقافة كعامل مقاوم لهذا الأخير، عندها ستدخل كلاعب ثالث مع الدين والدولة، للعلمانية شروطها الإبستيمولوجية والفكرية والسياسية والذهنية كذلك، من ثمة لا بد أولا من استيعاب أن مسألة وضع الدولة في سكتها الحقيقية رهين برسم الحدود بين الدين كحياة داخلية للإنسان، وبين الدولة كشأن دنيوي، أما إذا كان لا بد من تدخل لطرف على حساب طرف آخر فإن الدولة اليوم هي من عليها أن تنظم الحياة الدينية، وأن تُربي الناشئة على روح الاختلاف وقبول الرأي المضاد وحرية التعبير والتدين دون المساس بقناعات من يخالفونا الرأي أو الاعتقاد.
والحق أن معضلتنا في هذا الباب تزداد شيئا فشيئا عندما لا نرى أية محاولة من السياسي لاحتواء ما ينجم عن الديني، إذ كم من الأطروحات كتبت في هذا الشأن وكم من القراءات والأبحاث اهتمت بهذا الإشكال؟ دون أن تجد لنفسها سبيلا حيث بقيت حبيسة رفوف الأرشيف، من ثمة كان لا بد للعودة مرة أخرى إلى تلك العلاقة التي تربط بين الدين والدولة من نظرة فلسفية تقف عند المفهومين.
لا يختلف اثنان في أن الدين أساسي بالنسبة للإنسان منذ أمد قديم، كما لا يمكن إلا الجزم بفكرة أن الدولة تنزل منزلة الحجر من الزاوية بالنسبة للوجود الإنساني بصفة عامة، الأول ـ الدين ـ رابطة روحية تفسر الكون والعالم تفسيرا لاهوتيا منغلقا، كما تعمل على تنظيم الحياة اليومية للأفراد باسم ثنائية الحلال والحرام، أما الثاني ـ الدولة ـ فإنه لا يستقيم إلا بدستور ينطلق من الإنسان وإلى الإنسان، مجاله مفتوح يتغير بتغير السلطة التي تحكمه، الدين يقسم الحياة إلى حياتين، واحدة هنا وأخرى بعد الموت حيث يحاسب الإنسان بما عمله، أما الدولة فإنها تؤمن بالعقاب الفوري دون تأجيله، الدين يحكم باسم السماء والدولة تحكم باسم القانون، بالتالي فإن للدين غاية بطبيعة الحال، كما للسياسة غايتها أيضا، لكن غاية الدين ليست هي غاية الدولة.
مشكلتنا في العالم الإسلامي والتي ندفع ثمنها اليوم أكثر من أية لحظة خلت، هو عندما نمزج بين الدولة والدين، إذا انتصرت الدولة على حساب الدين، أي إذا احتوت السياسة أمور الدين يتحول نظام الدولة إلى نظام مضطرب، بما أن الدولة تتأسس على الديمقراطية وحقوق الأقليات والحرية الفردية وحرية التعبير، في حين أن الدين يحكم بالحد معتبرا قوانينه صالحة لكل زمان ومكان، على عكس ذلك إذا انتصر الدين على الدولة، أي إذا أصبح الدين هو أساس الدولة نحكم باسم التقوى والفضيلة والورع والخطايا، فتنتفي المؤسسات لصالح الاعتباطية في تنظيم حياة الإنسان، وتتبنى الدولة دينا بعينه، فنصبح بلغة الفيلسوف الألماني هيجل أمام دولة دين، والتي لن تتميز إلا بالتعصب للدين الواحد، ونفي كامل لحرية الاعتقاد من جهة، أو حرية تغيير الدين من جهة ثانية.
ربما يمكن أن نعثر على هذا الخلط في التاريخ، وذلك بعودتنا إلى أصول الدولة الإسلامية، حيث كان يُجمع دوما بين الحاكم بأمر الله والحاكم بأمر الدنيا، فهو الذي يشرع أي أنه رجل الدولة، وفي نفس الوقت هو الذي يمثل ظل الله في أرضه، حيث يحكم دينيا وسياسيا، وهو ما يجعل الدين يتداخل في الدولة والعكس، كأننا نحاول خلط الماء بالزيت، صحيح أن بنية العصور الوسطى كانت تتأسس على الحكم باسم الدين، لكن في أوربا مثلا كانت الكنيسة مستقلة شيئا ما عن قصور الحكم، عكس العالم الإسلامي الذي كانت قراراته تؤخذ من نفس الشخص، أي الشخص الذي يمثل الدين والدولة في نفس الآن، بيد أنه عندما يتراكم هذا الخلط فإنه يصل أحيانا إلى مسألة الشرعنة، فيحاول الدين أن يطوع الدولة تماما، كما تحاول هذا الأخيرة أن تجعل الدين في خدمتها، وهو ما يتنافى وطبيعة المجالين، في نفس السياق بل وفي هاته الظرفية بالذات، سيقول قائل أنه ومن أجل تجاوز هذا الخلط الذي جر علينا الويلات أن نفصل بين الدين والسياسة في إشارة إلى تبني العلمانية، سيكون من المغامرة بمكان اتباع هذا الطريق، حيث ستقوم الثقافة كعامل مقاوم لهذا الأخير، عندها ستدخل كلاعب ثالث مع الدين والدولة، للعلمانية شروطها الإبستيمولوجية والفكرية والسياسية والذهنية كذلك، من ثمة لا بد أولا من استيعاب أن مسألة وضع الدولة في سكتها الحقيقية رهين برسم الحدود بين الدين كحياة داخلية للإنسان، وبين الدولة كشأن دنيوي، أما إذا كان لا بد من تدخل لطرف على حساب طرف آخر فإن الدولة اليوم هي من عليها أن تنظم الحياة الدينية، وأن تُربي الناشئة على روح الاختلاف وقبول الرأي المضاد وحرية التعبير والتدين دون المساس بقناعات من يخالفونا الرأي أو الاعتقاد.