الأربعاء، 25 مايو 2016

الدين والدولة ـ هادي معزوز

أنفاس نت



لا خفاء في أن من بين المواضيع التي وجب أن تنال الحظ الأوفر من التمحيص والمساءلة والشرح هو تلك العلاقة التي تربط بين الدين كدين، أي المعرفة العقلية بالله الصادرة من الإنسان والمبنية على الإدراك الواعي والخالية من الوسائط، والدولة كفكرة مرتكزة على روح القوانين، وقوة المؤسسات، بالإضافة إلى رسم حدود ثنائية الحق والواجب، سيبدو لنا الأمر في أول وهلة واضحا لا يحتاج إلى زخم التفاسير والقراءات، بيد أن مشكلنا اليوم ليس يكمن إلا في سوء فهمنا للإثنين وذلك عندما نتأمل واقعنا من المحيط إلى الخليج، وكيف أن الدراسات والإحصائيات تكاد تجمع إن لم نقل كلها على أن الاستبداد وغياب روح القانون لصالح الشطط في استعمال السلطة، وتسجيل نسبة كبيرة جدا من الفساد والرشوة، هم ديدن ولسان حال واقعنا، الدين هو الآخر وفي نفس الصدد يستأثر بهكذا مفارقة من خلال ما هو منصوص عليه في الكتب وبين ما يُتداول، أي بين الدين كنص رسمي وبين استيعاب الثقافة للدين، حيث نقف على مفارقة كبيرة مفادها أن من أكثر الشعوب تدينا هم أكثر الشعوب المعروفة بالغش والرشوة وارتكاب ما تم منعه وتحريمه في الكتب، في تطبيق كبير لتلك القاعدة التي تعتبر أن كل ماهو ممنوع مرغوب.
    عندما نعود إلى حديث الساعة في عالمنا الإسلامي للعثور على طرف الخيط، نجد أن فكرة الدين تعاني من مشاكل جمة، والحال أن عدد القتلى الذي يُعلن عنه في نشرات الأخبار أغلبه دفع ثمن سوء فهم الدين، بل إن سريالية المشهد تزداد عندما نرى أننا بتنا نعيش حرب الكل ضد الكل، حيث كل عصبة من العصب ترى رأيها هو الصائب وأنه لا يدخله الباطل عكس القراءات والتفسيرات الأخرى للدين، ربما يكمن السبب في صراع الثقافة والدين، حيث تتحكم الأولى في الثاني بما أننا عُرفنا منذ زمن طويل بتعصبنا للرأي، حيث لعبت بنيتنا القبلية دورها الريادي في هذا الأمر، أو قد يتجلى في غياب تدبير الاختلاف والإيمان بأن رأيي قد يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ.
    والحق أن معضلتنا في هذا الباب تزداد شيئا فشيئا عندما لا نرى أية محاولة من السياسي لاحتواء ما ينجم عن الديني، إذ كم من الأطروحات كتبت في هذا الشأن وكم من القراءات والأبحاث اهتمت بهذا الإشكال؟ دون أن تجد لنفسها سبيلا حيث بقيت حبيسة رفوف الأرشيف، من ثمة كان لا بد للعودة مرة أخرى إلى تلك العلاقة التي تربط بين الدين والدولة من نظرة فلسفية تقف عند المفهومين.
    لا يختلف اثنان في أن الدين أساسي بالنسبة للإنسان منذ أمد قديم، كما لا يمكن إلا الجزم بفكرة أن الدولة تنزل منزلة الحجر من الزاوية بالنسبة للوجود الإنساني بصفة عامة، الأول ـ الدين ـ رابطة روحية تفسر الكون والعالم تفسيرا لاهوتيا منغلقا، كما تعمل على تنظيم الحياة اليومية للأفراد باسم ثنائية الحلال والحرام، أما الثاني ـ الدولة ـ فإنه لا يستقيم إلا بدستور ينطلق من الإنسان وإلى الإنسان، مجاله مفتوح يتغير بتغير السلطة التي تحكمه، الدين يقسم الحياة إلى حياتين، واحدة هنا وأخرى بعد الموت حيث يحاسب الإنسان بما عمله، أما الدولة فإنها تؤمن بالعقاب الفوري دون تأجيله، الدين يحكم باسم السماء والدولة تحكم باسم القانون، بالتالي فإن للدين غاية بطبيعة الحال، كما للسياسة غايتها أيضا، لكن غاية الدين ليست هي غاية الدولة.
    مشكلتنا في العالم الإسلامي والتي ندفع ثمنها اليوم أكثر من أية لحظة خلت، هو عندما نمزج بين الدولة والدين، إذا انتصرت الدولة على حساب الدين، أي إذا احتوت السياسة أمور الدين يتحول نظام الدولة إلى نظام مضطرب، بما أن الدولة تتأسس على الديمقراطية وحقوق الأقليات والحرية الفردية وحرية التعبير، في حين أن الدين يحكم بالحد معتبرا قوانينه صالحة لكل زمان ومكان، على عكس ذلك إذا انتصر الدين على الدولة، أي إذا أصبح الدين هو أساس الدولة نحكم باسم التقوى والفضيلة والورع والخطايا، فتنتفي المؤسسات لصالح الاعتباطية في تنظيم حياة الإنسان، وتتبنى الدولة دينا بعينه، فنصبح بلغة الفيلسوف الألماني هيجل أمام دولة دين، والتي لن تتميز إلا بالتعصب للدين الواحد، ونفي كامل لحرية الاعتقاد من جهة، أو حرية تغيير الدين من جهة ثانية.
    ربما يمكن أن نعثر على هذا الخلط في التاريخ، وذلك بعودتنا إلى أصول الدولة الإسلامية، حيث كان يُجمع دوما بين الحاكم بأمر الله والحاكم بأمر الدنيا، فهو الذي يشرع أي أنه رجل الدولة، وفي نفس الوقت هو الذي يمثل ظل الله في أرضه، حيث يحكم دينيا وسياسيا، وهو ما يجعل الدين يتداخل في الدولة والعكس، كأننا نحاول خلط الماء بالزيت، صحيح أن بنية العصور الوسطى كانت تتأسس على الحكم باسم الدين، لكن في أوربا مثلا كانت الكنيسة مستقلة شيئا ما عن قصور الحكم، عكس العالم الإسلامي الذي كانت قراراته تؤخذ من نفس الشخص، أي الشخص الذي يمثل الدين والدولة في نفس الآن،  بيد أنه عندما يتراكم هذا الخلط فإنه يصل أحيانا إلى مسألة الشرعنة، فيحاول الدين أن يطوع الدولة تماما، كما تحاول هذا الأخيرة أن تجعل الدين في خدمتها، وهو ما يتنافى وطبيعة المجالين، في نفس السياق بل وفي هاته الظرفية بالذات، سيقول قائل أنه ومن أجل تجاوز هذا الخلط الذي جر علينا الويلات أن نفصل بين الدين والسياسة في إشارة إلى تبني العلمانية، سيكون من المغامرة بمكان اتباع هذا الطريق، حيث ستقوم الثقافة كعامل مقاوم لهذا الأخير، عندها ستدخل كلاعب ثالث مع الدين والدولة، للعلمانية شروطها الإبستيمولوجية والفكرية والسياسية والذهنية كذلك، من ثمة لا بد أولا من استيعاب أن مسألة وضع الدولة في سكتها الحقيقية رهين برسم الحدود بين الدين كحياة داخلية للإنسان، وبين الدولة كشأن دنيوي، أما إذا كان لا بد من تدخل لطرف على حساب طرف آخر فإن الدولة اليوم هي من عليها أن تنظم الحياة الدينية، وأن تُربي الناشئة على روح الاختلاف وقبول الرأي المضاد وحرية التعبير والتدين دون المساس بقناعات من يخالفونا الرأي أو الاعتقاد.    

مقاربة منهجية للتعلم ـ محمد الجيري

انفاس نت



التعلم الاستراتيجي هو نموذج بيداغوجي بلورته الدراسات التي أجريت في إطار علم النفس المعرفي، ويراهن على استيعاب وإدراك معنى التعلم والتدخل بفاعلية في سيرورته، هذا النموذج البيداغوجي يأخذ يعين الاعتبار العوامل ذات البعد المعرفي بجانب عوامل أخرى، ويرتكز على التحفيز المدرسي للتلاميذ، ويساعد بكيفية جيدة على تقديم إجابات لأسئلة: كيف يتعلم التلاميذ؟ كيف يعالجون المعطيات والأفكار؟ كيف يعملون على إعادة استثمار مكتسباتهم في الوقت المناسب؟ والمدرس الذي يأخذ بعين الاعتبار هذه المكونات يخلق وضعيات بيداغوجية حقيقية توفر فرصا ثرية للمتعلمين، غير أن هذا العمل يرتبط بمختلف الأدوار المنوطة بالمدرس كباحث، وسيط، خبير، مخطط، منشط، صاحب قرار..وبمقتضى هذه الأدوار يقدم المدرس لمتعلميه دعما من أجل بناء معارفهم، وتنمية كفاياتهم التي ستستثمر لاحقا في سياقات مختلفة على صعيد الوسط المدرسي مثلما على مستوى الحياة العامة.

يستهدف التعلم الاستراتيجي في نهاية المطاف تمكين المتعلم وتجهيزه بعدة عمل، فالمدرس يهتم بشكل أساس بإكساب التلاميذ القدرة على اكتشاف مختلف الاستراتيجيات واستعمالها بكفاءة وبطريقة سليمة. وتعرف استراتيجات التعلم ومميزاتها يشكل ضرورة معرفية بالنسبة للمتعلم، بيد أنها خطوة ليست كافية، لأن تعلم كيفية استعمال واستثمار استراتيجيات التعلم لمواجهة وتدبير وضعيات تعلم مختلفة رهان يحمل إغراء وإثارة شديدين، فصيغة السؤال التي لم تعد: ما الذي يمكنني أن أعرفه؟ وإنما غذت: ما أهمية ما نعرفه؟ جعلت الإشكال ينأى عن الانشغال بحدود المعرفة وشروطها وأفق ممكناتها، ليصير مهووسا بقيمة المعرفة وجدوائيتها، فالمبتدؤون من المدرسين يتعلمون خلال التكوين الكثير حيال أدوارهم المقبلة ، لكن تحمل مسؤولية الفصل الدراسي وحده، ومواجهة وضعيات التطبيق هو ما يمكنهم بشكل فعلي من تنمية كفاياتهم، وكذلك الشأن بالنسبة للمتعلمين الذين يحتاجون دوما وبشكل أكبر إلى مساعدة من مدرسيهم من أجل تنمية قدراتهم على استخدام استراتيجيات التعلم بكفاءة.
الاشتغال على التعلم الذاتي كاختيار استراتيجي، لن يتأتى تحقيقه إلا بتمكين المتعلم من أدوات ووسائل وآليات عمل وتقنيات ومهارات، و من تم تمريس المتعلم على استدماجها ضمن خبراته ومكتسباته بشكل متكامل، وإذا كانت المؤشرات الميدانية تفيد بوجود ضعف عام على صعيد امتلاك المتعلمين للمهارات وتقنيات وأدوات العمل الضرورية ، ما ينذر بوجود علاقة غير سليمة بالتعلم، من تجلياتها انتشار ظواهر العزوف، الصمت والانسحاب المنتجة حتما للفشل الدراسي، فهذا مدعاة لاستحضار تعلم الاستراتيجيات على مستوى الفعل التعليمي كمدخل أساس لبناء علاقة طبيعية بالمعرفة تسهم في تقوية حظوظ الاكتساب والتعلم والنجاح باعتباره رهانا يتغيا تعلم التعلم، الذي يثمر توسع قاعدة المتعلمين الأكفاء.
  يبذل المتعلمون جهودا على مستوى تنظيم معارفهم واستثمارها، لكن أعدادا كبيرة منهم تعوزهم الخبرة في مقاربة التعلم، لذا فتكوينهم من أجل اكتساب استراتيجيات التعلم، والقدرة على اكتشاف الطرائق الوظيفية والمنتجة لمعالج المعلومات بفعالية مطلب قائم، وقليل من المتعلمين من يعي قدراته الشخصية، وتأثير سياق التعلم، وطبيعة مهام التعلم واستراتيجياته. الاستراتيجيات المبنية على المفهمة تتيح تنشيط العلاقة بين المكتسبات القبلية والتعلمات الجديدة، ومن ثم قدرة المتعلم على تنظيم وإدماج مكتسبات جديدة تشكل لبنة لبناء قاعدة معطيات قابلة للاستثمار في سياقات يصنف فيها التفكير والتطبيق من مستوى أعلى. ويبقى الاستثمار النشيط للتلاميذ في التعلم مؤشر دال على مدى فاعلية تعلم ما، فعدم توفر المتعلمين على استراتيجيات التعلم هو ما يجعلهم يعرضون عن التعلم، فلا يرغبون فيه مهما كانت جدة العرض وجودته ، ونتيجة لهذا الوضع يصبح التعلم تجربة سلبية للتلميذ وللمدرس معا طالما يطبعها الإحباط والعزوف، وفي المقابل من السهل تذكر تجارب تعلمية متميزة لنماذج من متعلمين أكفاء لا يترددون في مواجهة وتدبير مهام التعلم التي تناط بهم، ويتكيفون مع الصعوبات التي تتضمنها، ولا يستسلمون بسهولة لأن رغبتهم في انجاز المهام وحلها لا تفتر من خلال مساءلة الموارد والدعامات والوسائط وأدوات العمل، وتلمس مساعدة مدرسين أو زملاء ، فهؤلاء المتعلمون يدركون جيدا أن التعلم سيرورة حيوية ومسؤولية تقتضي تحملا، فالثقة والقدرة على الالتزام بإنجاز المهمة بكيفية معينة، وفي حدود ما دليل على إدراك طبيعة التعلم كسيرورة منهجية تتطلب القدرة على مقاربة الأنشطة التربوية والتعلمية بصورة ناجعة.
ويبقى المبدأ الموجه للعمل هو مدى توفر المتعلمين على الكفايات الكفيلة ببلوغ الهدف/ التعلم، ويكمن ذلك بدرجة أساس في إدراك كيفية التعلم، واستثمار الاستراتيجيات والطرائق الموصلة إلى التعلم، والانتقال إلى مستوى تطبيق وإنجاز المهمة بنجاح في ظرف زمني مناسب، وضبط مسار تقدم التعلم، ورصد الحصيلة انطلاقا من الأهداف المحددة سلفا، ومن خلال التغذية الراجعة المستمدة من تقويم المدرس، ومن الأدوات الموضوعة رهن إشارتهم.
يتطلب امتلاك القدرة على استخدام استراتيجية التعلم المناسبة تعبئة رأسمال معرفي متنوع بصورة تفاعلية مرتبط بمعرفة واستثمار مختلف الاستراتيجيات المفضية الى التعلم، وبمعرفة المتعلم لذاته، وتعرف أصناف الأنشطة والمهام المطلوبة علاوة على إدراك سياق التعلم. الغالب أن التلاميذ لا يهتمون بالطريقة التي تعلموا بها، وما يستعملونه من طرائق لم يدرسوها بشكل منهجي، إنما تنبع من حسهم المشترك، وتعكس اختياراتهم العفوية أوتكون منبثقة من تجارب فشل مروا  بها، أو من خلال ملاحظة مدرسيهم أو زملائهم، وفي جميع الحالات تكون هذه الطرائق غير ملائمة ومن ثمة لا تثمر تعلما، وطالما أن العديد من التلاميذ تعوزهم الاستراتيجيات المناسبة فإنهم يستمرون في التماس طرائق نمطية في مواجهة وضعيات وسياقات تعلمية متباينة بالرغم من تأكدهم من خلوها من أية فعالية.
 على هذا الأساس تبقى معرفة استراتيجيات التعلم رهانا حاسما، لأن مساعدة المتعلم على تنمية استراتيجيات التعلم واستعمالها بإيجابية وكفاءة لا يتغيا تمكين التلاميذ من بلوغ أهداف تعلمية لحظية فحسب، بل لأن ذلك يعد مرحلة حاسمة في إكساب المتعلم كفايات التعلم التي تؤهله لتدبير مساره الشخصي والمهني بنجاعة مدى الحياة. استراتيجية التعلم هي الأداة الكفيلة بتحسين وتطوير اكتساب موارد معرفية ومهارية وتعبئتها في وضعيات لاحقة ، وتعلم التلاميذ للاستراتيجيات يمكنهم من الوعي بطريقة معالجة أفكار ومعلومات جديدة، وتحسين طرائق العمل، وبلورة مقاربات منهجية للبحث والتفكير، لضمان بلوغ الاهداف المنشودة.
إن معرفة الذات بالنسبة للمتعلم لها أهمية بالغة لتعزيز فرص التعلم أو لكبحها، فمعرفة المتعلم لذاته، وإدراك رغباته وميولاته، ورصد الصعوبات التي تحول دون تقدمه ومساءلتها، والدخول في حوار مع الذات بخصوص انتقاء طرائق واستراتيجيات التعلم المناسبة لموقف تعلمي معين، تشكل نسيجا مركبا من المكونات التي تتفاعل فيما بينها والتي تمارس تأثيرا على مردودية التعلم ومساره، وهذا ما يؤهل المتعلمين الى التأمل والتفكير في فعل التعلم، وتعبئة الموارد الضرورية وتحمل مسؤولية التعلم. وإذا كان المدرسون في حاجة الى تعرف ما يدركه المتعلمين فإن المتعلمين أنفسهم في حاجة إلى إدراك ما يعرفونه ، فالتلاميذ يأتون الى المدرسة حاملين معهم إدراكات وأفكار وممارسات حول استراتيجيات التعلم التي يتعين استعمالها، لذا يتيح تقييم هذه المعارف والممارسات للمدرس ضبط الحاجيات بكيفية سليمة وتوجيه اشتغاله، ومن ثم ملاءمة مجهوده وفقا لحاجيات متعلميه، وكل اشتغال يروم مساعدة المتعلمين على وعي ذواتهم واكتشاف أنفسهم وتشكيل صورة واقعية عنها يحسن قدرات التعلم، إذ يفيد في تدبير الموارد التي يحتاجونها لتحقيق الهدف ومنها اختيار أنسب الاستراتيجيات، وطلب مساعدة من مدرس أو زميل أو حاسوب أو كتاب...
يمثل فهم طبيعة المهمة المطلوب انجازها والالتزام بذلك رهانا ديداكتيكيا آخر، فعدم إدراك المهمة المقترحة في إطار نشاط تربوي قد ينجم عنه إخفاق في اختيار استراتيجية وطريقة تدبير المهمة بنجاح وهذا يعيق عملية التعلم ويؤدي إلى توقفها. ويقتضي التدخل البيداغوجي المناسب مساعدة المتعلم على تعبئة موارده السابقة من أجل ارساء روابط مع ما مهم بصدد تعلمه من أجل بناء المعنى، فالعديد من استراتيجيات التعلم من قبيل اللجوء الى المماثلات أو المقارنات أو المقابلات أو التطبيقات تقتضي استدعاء المكتسبات القبلية وربطها بالمعرفة الجديدة.
ويبقى للسياق الذي يجري فيه التعلم تأثيره الأساس، فتوقعات النشاط التربوي، الغلاف الزمني ، قواعد العمل، حجم ونوعية الموارد المتاحة على صعيد الفصل والمؤسسة، وما يحصل من تفاعلات بينية تسهم في تدعيم عملية التعلم وقد تعيقها، تؤلف موارد سياقية تحدد نوع استراتيجة العمل التي يتعين اللجوء إليها. واستيعاب حدود هذه الموارد والاكراهات القائمة يدفع الى اختيار استراتيجية دون أخرى لبلوغ الأهداف المرسومة، فالفهم الجيد لإمكانات الفصل الدراسي وللمؤسسة أيضا يساعد على استثمار ما هو متاح من الموارد والعتاد بما يناسب من الاستراتيجيات لتدبير الوضعية بشكل مفيد.
تساعد معرفة الاستراتيجيات واستثمارها بشكل مناسب على اكتساب مقاربة منهجية للتعلم تمكن التلاميذ من القيام باختيارات مقبولة لأجل انتقاء استراتيجيات التعلم الملائمة للمهام المطلوبة، وهذه المقاربة ليست مجرد إجراءات يتعين اتباعها وتنفيذ مراحلها دونما تفكير، لذا يبرز دور المدرس في مساعدة المتعلمين على تعرف الطرائق واختيارها لإثراء فرص التعلم وتقوية حظوظه، وإلى جانب الموارد المطلوب استثمارها تحت رعاية المدرس يبقى من الضروري الوعي واستحضار التفاعلات الموجودة بين المتغيرات جميعها (معرفة الذات، تعرف المهام، ضبط الاستراتيجيات وسياقات التعلم) ومكوني التعلم الفعال: وهما الرغبة والكفاية. وينظر إلى تحسين الاستراتيجيات وتطويرها كنتيجة بعدية لتراكم الوعي على مستوى السيرورات الذهنية لضمان حصول التعلم من جهة ، والتحقق من وظيفية وجدوائية كل استراتيجية عمل أو طريقة بحث معتمدة.
تتطلب استراتيجيات التمرن على المهام الأكثر تعقيدا اشتغالا منهجيا من أجل انتقاء أفكار ومعلومات بعد قراءة نص أو بعد قراءة فصل من كتاب، أو تدوين أفكار أساسية بموازاة مع تتبع شريط وثائقي، أو رسم مبيان انطلاقا من نص، أو بناء خطاطة لتفسير نشوء الأزمة وانتشارها، ويفرض مستوى مهام تعلمية من هذا النوع تفكيرا أكثر نشاطا من قبل المتعلم، بيد أن القدرة على الانتقاء والتصنيف وتمييز مستويات الأفكار لا تمثل سوى نصف الطريق أو المسار التي يجب على المتعلم  قطعه، فالمكتسب من المعارف في حدود هذه العتبة يظل خاليا من المعنى بالنسبة للتلميذ لكونه لا يساعد على تمديد التعلم ولا يؤهل لولوج درجة أعلى من التفكير والتطبيق، ولذا تصير الحاجة ماسة إلى إعمال استراتيجيات المفهمة لتجاوز هذه المشكلة ، لأن تنظيم وإدماج المعارف القبلية والجديدة يجعل المعرفة الجديدة مفهومية، ويضفي دلالة عليها بالنسبة للمتعلمين مما يسهم في خلق قاعدة للمعطيات تستثمر للقيام بتفكير وتطبيق من درجة أعلى، وطالما أن مقصد المعرفة هو موضوعية التفكير، فإن منطلقها الحافز الذاتي، وهذا ما يجعلها غير منفصلة عن الرغبة، لذا فهذا النوع من الاستراتيجيات يقتضي بذل مجهودات معرفية كبيرة من قبل المتعلمين لبلوغ نتائج جيدة.

في الحاجة إلى التربية الموسيقية ـ حسن أوزال

أنفاس نت



"لَوْلاَ الموسيقى ، لَغَدَتِ الحياةُ خطأ" نتشه
"إني لا أعرف إلا معارضة واحدة وحقيقية، هي معارضة مؤسسات بؤس الحياة للمؤسسات الثقافية" نتشه
لا مراء أن المغرب، هُوَّ مَنْ يُعاني مؤخرا، أكثر من أي وقت مضى، أزمة كبيرة على مستوى التعليم ومحاربة الأمية، ولا أدل على ذلك، من تلك المراتب المتأخرة التي صار يحتلُّها ضمن قوائم العديد من التقارير الدولية، حيث تقهقر حسب المؤشر العالمي للتنمية البشرية من الرتبة 126 سنة 1999، إلى الرتبة 129 سنة 2014. أما فيما يخص تَمَوْقُعه في التصنيفات العالمية لأنظمة التربية و التكوين و البحث العلمي، وبخاصة منها، التصنيف العالمي للجامعات المعروف بـ“تصنيف شنغاي” والذي يعتمد أساسا على المنشورات العلمية ، فالمعلوم أن أول جامعة مغربية و هي القاضي عياض، قد جاءت في المرتبة 3962 من ضمن 5000 جامعة.وأمام هذا الوضع الكارثي ، يمكننا التوكيد على أن ما يثير الاستغراب بالرغم من ذلك، إنما هو أننا كلما تساءلنا عن السبب، الكامن وراء هذا التقهقر، والتخلف الذي أصاب البلد إلا وجاءنا الجواب مُطَمْئِنا، على لسان أصحاب الحال، ومدبري الأحوال، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين، رجال تربية أو فرسان بيداغوجيا، بدعوى أن الأزمة هي مجرد هفوات تقنية و خلل في التدبير، يقتضيان فقط، التدخل على نحو سريع تعديلا للبرامج المُقرَّرَة أحيانا(على نحو سطحي، من قبيل إضافة مواد تافهة لأخرى أكثر تفاهة) و استبدالا شكليا لمنهج بآخر أحيانا أخرى. هكذا، وعلى إثر هذه المواقف الهجينة و المتذبذبة ، تم اللجوء إلى إجراء إصلاحات فوقية لا تمس جوهر المشكل، بحيث تقرر الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الإدماج، مثلما جرى بعدئذ العمل بالبرنامج الإستعجالي(بل هو بالأحرى مجرد إصلاح تقني بطيء الوتيرة) الذي رُصِدت له أموال طائلة(بدل أن ترصد بالأحرى، للبنية التحتية المتدهورة، والوضع الاجتماعي الفقير لرجال التعليم) لينتهي الأمر بالتخلي عنه فيما بعد. 
وأمام هذه العشوائية في اتخاذ القرارات ، طبعا لا يمكن للأوضاع إلا أن تزداد سوءا، سيما لما تقرر مرة أخرى، إدراج اللغة الأمازيغية كمادة أساسية ضمن المنهاج التربوي، وذلك دونما التوفر حتى على ما يكفي من المدرسين . وفي هذا الإطار، فنحن اليوم ، لا نملك بكل صراحة إلا أن نتأسف على نظامنا التعليمي المفلس، الذي بسببه بتنا نتخلف حتى عن بعض الدول الموجودة في حالة حرب.
وها نحن، مانزال نسترسل في هذه الدراما، بحيث بدل أن نعمل على نهضة تعليمنا، خلقا لقيمة مضافة، و تأهيلا للعنصر البشري، مكثنا ندعم الجهل و التنميط البيداغوجي.مما نتج عنه، انتقال الفساد من المجال التربوي إلى باقي الجسد الإجتماعي، بحيث صار المغرب يعاني اقتصاديا، وتفاقم عجز ميزانه التجاري. هكذا، أصبحت كل الدول التي لم تقدم على إصلاحات جوهرية، وجدرية لمنظوماتها التعليمية، تعاني من عدم توفرها على إنتاجية تؤهل اقتصادها للمنافسة دوليا. ذلك أن التعليم، هو العمود الفقري للمجتمع بأسره، وبدون جودته، لن نتوفر على رأسمال بشري حقيقي، قادر على الفعالية و النقد لا الإستهلاك والكسل. لذلك، نلح في ظل الأزمة التي صارت عالمية، على أن الرهان إنما ينبغي أن يكون رهانا ثقافيا و فنيا .ذلك أن الثقافة على ما يبدو، هي العلاج المناسب للحاضر والمستقبل، سيما في لحظتنا هاته، التي تنهار فيها قيم البورصات، و تتهاوى فيها الاعتقادات ويقينيات الماضي.
 بديهي إذن أن الأزمة الحالية، هي ما يجب أن يجعلنا على وعي تام بأن الثقافة هي الكنز الحقيقي الكفيل بإخراجنا من مطباث التخلف القاتل الذي أصبح يغتال الشعوب العربية واحدا تلو الآخر. وعلى هذا الأساس نتساءل، عما إذا كانت الموسيقى سَتُسْعِفُنا للخروج من الأزمة؟ألا يمكنها أن تكون حلا لما نتخبط فيه اليوم من تخلف ، سيما و أن الطلاق الحالي مابين التربية و الموسيقى، قد أوصَلَنا إلى عنق الزجاجة و يكاد يأتي على الحابل و النابل ؟ لِمَ لا؟ خاصة إذا أدركنا أن الموسيقى، إذ تُشْفِي الأفراد والجماعات، فهي تعمل على تحفيز إرادة القوة في الكائن البشري لتجعله بالتالي، أكثر إنتاجية و إبداعا في الوجود . لذلك كان من البداهة بمكان أن تكون هي أوّل الفنون التي تعاطاها الإنسان تاريخيا على حد توكيد روسو، وأن تُعتَبَر الحياة بدونها خطأ كما ألحّ نتشه، موضحا أن قضية الموسيقى هي قضية الحضارة بل لنقل أنها قضية الإثبات الدنزوسي للحياة.وإذا كانت الموسيقى بالنسبة لصاحب العلم المرح، هي ما يقف بصرامة ضد الذحل وتبعاته، من قبيل نفي الجسد و الاستسلام والخنوع، فهي ما كان يُسْعِفُ المصريين، على حد ما أورده أفلاطون، على تهذيب الأخلاق والتأسيس للعادات الجيدة؛ مما جعل هذا الأخير يُلح بدوره، في الجمهورية، على أن الموسيقى يجب أن تحتل مرتبة هامة في التربية ؛لأننا ملزمون بأن نُلَقِّنَ الطفل معنى النظام و القياس الذي لا يمتلكه طبيعيا. وتوضيحا لتصور هذا الأخير، ماذا لو استأنسنا بمحاورته التالية مع “غلوكون” حيث يبادر بالقول :“ وإذا كانت الموسيقى هي الجزء المهمّ في التربية، أليس ذلك، لأن الإيقاع والنغم، يا”غلوكون“، يستطيعان أن يَنْفُذَا إلى الروح و أن يُؤَثِّرَا عليها أشدّ ما يكون(...)؟ إن كلا منا بقدرما يستمتع بهما نفسيا و يتغذى، ليغدو إنسانا نزيها، بقدرما يقضي حقا، على الرذائل، ويَطرُدُها منذ الطفولة، حتى قبل أن يستوعبها عقليا”. لكن الموسيقى إذا كانت ضرورية للتربية، كما ألحَّ أفلاطون، فتلميذه أرسطو الأكثر هَوَسا بالموسيقى من أستاذه، يُنَبِّهُنا إلى وجوب التمييز بين نوعين(مقامين) رئيسيين من الموسيقى: النوع “الفريجي”le mode phrigien و النوع “الدوري” le mode dorien . الأول هو ما يمثل المُنوّعات“les variétés” بينما الثاني يمثل الموسيقى الكلاسيكية. و إذا كانت الموسيقى الفريجية هي تلك الموسيقى المرصودة للعبيد والعاهرات، كما الكادحين وعامة الناس، والتي تُعزَف في الماخورات حيث يعشق الشعب الاسترخاء بعد يوم مرهق من العمل، فالموسيقى الدورية هي موسيقى النبلاء، والأحرار، الذين لهم ما يكفي من الوقت للاستلذاذ.
 وعلى هذا النحو، يتبدى أن الموسيقى هي أكثر مما نظن .فهي قضية سياسية قبل أن تكون مجرد مسألة تربوية .إنها معيار للهيمنة والتحكم أو الخضوع والانبطاح. اعتبارا لذلك، نلفي عند أرسطو نوعا من النزوع الديمقراطي عندما لا يُخفي انتصاره للفن الرفيع وتشبثه بضرورة العمل بالنوع الثاني من الموسيقى في مجال التربية، مادام أنه وحده يكفل إعداد الشباب لإدراك ماهية الأشياء وصقل ذواتهم تَيْسِيرا لإدارة المدينة و التعاطي للعلم. إن الموسيقى إذن ليست مجرد مادة دراسية ضمن مواد أخرى، بل هي أكثر من ذلك، أساس تقسيم طبقي و تَفْيئ اجتماعي .و يكفي إقرارها في البرامج التربوية، أو عدمه، للنهوض ببلد بأكمله أو تخريبه.ولنا في التاريخ تجارب عدة سنكتفي منها، بذكر نموذجين إثنين أكثر فعالية و شهرة، طُبِّقا في بلدين هما هنغاريا وفنزويلا. الأول أشرف عليه “زلاتان كودالي”Zoltan Kodaly طيلة ثلاثين عاما بهنغاريا؛بينما الثاني سهر على تنفيذه ، منذ 1975 في فنزويلا الموسيقار “José Antonio Abreu” بدعم من الدولة، حيث فتح عدة مراكز للتعلم ، خاصة بالأطفال، معظمهم من عائلات فقيرة(بنسبة 90 في المائة) تتراوح أعمارهم مابين عامين و ثمانية عشر عاما. وعن تجربة هنغاريا ، يكتب كودالي، في آخر نص له سنة ، قبل وفاته قائلا:“إننا اليوم نملك، مائة مدرسة ابتدائية وثلاثة؛ثلاثة وعشرون منها فقط، توجد بالعاصمة”بودابيست“، حيث يتلقى التلاميذ درسا في الإنشاد كل يوم بالإضافة للبرنامج العام.ويعني هذا، أن عدد الساعات قد ازداد بمعدل أربع ساعات في الأسبوع، مما جعلنا نعاني طبعا نوعا من الإرهاق.لكن تجربة خمسة عشر سنة، بَيَّنتْ أن مستوى التلاميذ قد تَحسَّن بسرعة وبِيُسْرٍ في كل المواد، وذلك بالطبع، لأن هذه الجرعة الصغيرة من الإنشاد، أيقظت وحرَّكَتْ أذهان الأطفال و جعلتهم أكثر استيعابا لكل المهام.
إنها مجرد لعبة مُسلية بالنسبة للأطفال، لكنها لعبة مَكَّنَتْهم من اكتساب كنوز ثمينة ستفيدهم في حياتهم المستقبلية.” والواقع أن نهج كودالي، هو في الحقيقة ، فلسفة تمتح من أفكار روسو و تصورات “بيستالوزي”Pestalozzi في التربية، أكثر مما هو نهج.فالرجل الذي كان في الأصل عالم لغة، هو من ينطلق من منظور يتقاطع فيه التأليف الموسيقي بالرؤية التربوية، معتبرا“ألا حياة روحية مُكْتَمِلةٌ بدون موسيقى”. فالموسيقى بالنسبة إليه، كالماء والهواء، ضرورية لنمو الإنسان. بناء عليه يوصي بالتعاطي معها منذ سن الثلاثة أعوام.أي قبل أن نتعلم اللغة الشفاهية ، بحيث في هذه الفترة من العمر فقط ، يستطيع الطفل أن يَتَشَرَّبَ الموسيقى بعمق وأن يستبطنها عبر التعلم الحسي واللعب، وبفضل الإنشاد وحركات الجسم“la phonomimie”. ينبغي إذن بحسبه، أن نمنح الطفل فرصة العيش في مناخ موسيقي يعتمد بالأساس أغاني بلده، لينغمس في “اللغة الموسيقية الأم”. إن هذا الموسيقار الهنغاري، على ما يبدو، مقتنع أيما اقتناع، بأن على الموسيقى أن تُدْرَج ضمن التَّعلُّمَات الأساسية، شأنها شأن الرياضيات و اللغة الأم الشفاهية والمكتوبة. ذلك أن الموسيقى باعتباره، هي ما يسمح بتنمية، قدرات عديدة، لدى الطفل من قبيل المنطق والتحليل، التعلم والتوازن، الإنصات للغير وتقدير الذات...إلخ. إنها بعبارة موجزة ، تساعد على كل تلك الأمور التي ينبغي لنا أن نتعلمها في المدرسة و التي نسميها “الأساسيات”. هكذا يَشْرَع الرجل في مساءلة نفسه :“ما الذي يلزمنا فعله؟”. ثم يجيب :“إن علينا أن نعمل على تدريس الإنشاد و الموسيقى في المدرسة، بحيث يغدوان بالنسبة للطفل مصدر فرح لا مصدر شقاء. وهو فرح سيصاحبه طيلة حياته، باعثا فيه روح العطش الموسيقي.ولَمّا كانت الموسيقى غير قابلة للإدراك عقليا، فيلزم ألا تُقَدَّمَ إلى الطفل على شكل رموز حسابية أي ككتابة رقمية، أو كلغة لا تعني له أي شيء.إن علينا أن نُعَبِّد للطفل طريقا للإدراك المباشر و الحسي.” وإذا كان مشروع كودالي يريغ إلى أن يجعل الموسيقى تَحْتَلُّ الصدارة في التربية بهنغاريا، تماما مثلما كانت عليه في اليونان القديمة، فإن تجربته الرائدة، هاته، كانت أساس تقدم معظم البلدان التي اعتمدَتْها فيما بعد، بحيث أن جُل المجالات التربوية عرفت تحسُّنا ملحوظا، إذ لوحظ على مستوى اكتساب المهارات اللغوية، تطورٌ كبير، حد التمييز الدقيق مابين الكلام و النبرة، مثلما حصل فرزٌ واضح في الأصوات المتعلقة بمجموعة من الألفاظ، هذا ناهيك عن النطق والتلفظ، وثراء القاموس اللغوي، والقدرة على الفهم والتمييز الصوتي والبصري(أعلى / أسفل، أطول/أقصر، الفوق/التحت)، كما تَنَمَّتْ مقدرة الطفل على الانتباه إلى التفاصيل الصغرى في اللغة، وتطورت لديه ملكة الدقة في الكتابة، وكذا القدرة على الجمع بين عناصر عدة في إطار مجموعات، و التعرُّف على العلاقات بيسر، ناهيك عن مهارة الاستنتاج، والتعامل مع مفاهيم مجردة، والقدرة على التمييز مابين الأشكال، والوحدات والرموز السمعية والبصرية وتفسيرها، كما سَهُل عليه أيضا، التوجُّه في الكتابة من اليسار نحو اليمين والقراءة ، وكذا إدراك الجمل الطويلة اعتمادا على الحركات البصرية والإيقاعية. أما في مجال الرياضيات فقد لوحظ ما يلي:على مستوى الحساب، تيسر التعرف على الأعداد بمجرد سماعها وكذا الرموز. أما فيما يخص الذاكرة و الانتباه، فقد لوحظ تطور كبير سواء في قوة الذاكرة الحركية أو ذاكرة الصور البصرية أو الذاكرة اللفظية المنطقية وتداخلها جميعا؛ كما ازدادت مدة الانتباه. أما فيما يتعلق بالحركة، فقد عرفت هي الأخرى، جراء تعليم كودالي، تحسنا ملحوظا، وانسجاما لا على مستوى الخطوات والمشي، فحسب بل أيضا على مستوى الدقة في الحركة اليدوية، وكذا التحركات في الفضاء(اللعب و الرقص). وفي الأخير يتبدى بحسب نتائج البحث، كيف أحرز الأطفال، تفوقا كبيرا، سواء فيما يتصل بحسن السلوك l’autodiscipline، والوعي الايجابي بالذات جراء النجاحات الحاصلة، أو فيما يتصل بالقدرة على العمل الفردي والمستقل و كذا بناء علاقات جيدة مع الأقران، و التعرف على ثقافات مختلفة. ولما كانت الموسيقى إذن، أساسية في تكوين الإنسان، فكل المختصين يوصون بضرورة الاستئناس بها قبل اكتساب مهارتَيْ القراءة والكتابة، وذلك لأن الطفل يتمتع بـ“اليقظة الموسيقية” l’éveil musicale منذ سن الثالثة أو الرابعة من العمر. حيث حينئذ يكون على استعداد تام لأن نُحدِّثَهُ عن الموسيقى بطريقة ذكية ومعقولة ومحسوسة. وبَعْدَ تعاطيه للإنشاد وسماعه لمقاطع موسيقية بانتظام، يجب بالموازاة لذلك، أن نُدَرِّسَه آلة من الآلات الموسيقية، من اختياره، بغاية التعرف عليها، محافظين دوما على حقه في التعلم بمتعة ورغبة، بعيدا بطبيعة الحال، عن كل عملية إكراه، لأن كل بيداغوجيا يلزم أن تكون بيداغوجيا استلذاذ لا بيداغوجيا تعذيب وألم. وعلاوة عن تجربة هنغاريا، الرائدة، يمكننا القول بأن تجربة فنزويلا، لاتقل عنها أهمية، بحيث أن عدد الذين تَجَنَّدوا لها بلغ حوالي ثلاثة آلاف أستاذ، استطاعوا أن يُكَوِّنُوا موسيقيا، حوالي ثلاثمائة ألف تلميذ.وبعد مرور أزيد من ثلاثين عاما، تَكَوَّن في فنزويلا ما يقارب مليون طفل، أصبحوا جلُّهم، موسيقارات محترفين، بنسبة تتراوح مابين 60% و 70%.واستطاع أحسنهم أن يلتحق بأوركسترا الشباب التابع لـ“سيمون بوليفار”Simon Bolivar، والذي يرأسه الشاب Gustavo Dudamel الذي لم يقفل حينئذ الثلاثين سنة بعد، و هوَّ مِن خِرِّيجي هذا النظام نفسه ، ويَتَرَأَّس أفضل الأوركسترات في أكبر القاعات العالمية.ذلك ما جعل فنزويلا، “تتوفر اليوم على ألف ومائتان أركسترا شاب و ستون أركسترا من الأطفال وجوقات موسيقية تضم أكثر من مائة و عشرة آلاف فرد”. وبالرغم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية و السياسية التي عانى منها البلد منذ ثلاثين عاما ، فكل الحكومات المتعاقبة تَشَبَّثَتْ بهذا النظام التربوي، الذي أصبح جزءا رئيسيا من البرنامج المجتمعي العام الذي جعل التربية الموسيقية والتعاطي لآلة من الآلات الموسيقية أولوية وطنية.و أمام انجازات هذا البلد الباهرة، لم تجد باقي البلدان بُدّا، من تبني هذا المشروع و نقل هذه التجربة.هكذا اقتدى بفنزويلا أكثر من عشرون بلدا سواء في أوربا(إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان...) أو خارجها.. ويكفينا هنا، فضلا عما سلف، أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والكبيك مثلا، كلاهما يتبنى طريقة Suzuki المعمول بها في فرنسا منذ ثلاثين عاما، والتي تدعو إلى تعلم آلة موسيقية قبل أي تكوين نظري في الموسيقى، على اعتبار أن الطفل ملزم بأن يُنصت للموسيقى قبل ممارستها تماما مثلما يسمع اللغة الأم، مِن الكبار وباقي الأطفال قبل أن يستطيع التكلم بها. هذا بينما اعتمدت، بلجيكا وبولونيا وسويسرا طريقة Dalcroze التي توصي أساسا بالرياضة الإيقاعية la gymnastique rythmique و الإنشاد. وعلى هذا المنوال، إذن يلزم بلداننا العربية، أن تبادر بإصلاح حقيقي لمنظوماتها التربوية، وذلك بدمقرطة التعليم والكف عن نهج سياسة التمييز المدرسي الذي هو أشبه ما يكون بالتمييز العرقي أو الجنسي. ذلك أن عدم تدريس الموسيقى في التعليم العمومي لا يمكنه إلا أن يعتبر استلابا بيداغوجيا أخطر بكثير من الاستلاب الاقتصادي ، سيما إذا استحضرنا انعكاساته السلبية على بلد بأسره.

الثلاثاء، 24 مايو 2016

التربية الجنسية..رهان مؤجل ـ حميد بن خيبش طباعة البريد الإلكتروني

عن أنفاس نت




يخلص المتتبع للمشهد الإعلامي المغربي إلى حضور الجنس كهاجس مركزي في أغلب المواضيع المطروقة , إما في صيغة خبر / فضيحة , أو ضمن الرصد المتجدد للظواهر الوافدة على المجتمع المغربي , وما ينشأ عنها من اختلالات تربوية و اجتماعية بل و إشكالات قانونية كذلك ! 
ولعل أسوأ ما رافق الانفجار الجنسي الحاصل هو الزج بالطفولة فيما بات يُعرف ب" اقتصاد البغاء " , و تنامي ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرين , لا كاعتداءات متفرقة فحسب , بل كاستهلاك منظم توجهه شبكات دعارة متخصصة ! 
من المسؤول إذن عن إقحام القاصرين في التسويق المروع للمتعة الجنسية ؟ 
وهل يتعلق الأمر دوما بالإكراه أم أن هناك احتياجات معرفية و نفسية يخطيء القاصر في السعي لتحقيقها ؟ 
يكشف السجال العمومي بشأن الظاهرة عن مقترحات و صيغ عملية للحد من استفحالها . ويبدو الرهان واضحا على تفعيل المقاربة الأمنية و آليات الزجر القانوني , كما تًناط بالمجتمع المدني مسؤولية التوعية والتحسيس بالمخاطر . أما التأسيس لمدخل تربوي سليم يوجه المعطى الجنسي توجيها يوازن بين احتياجات الفرد و خصوصيات المجتمع فلا زال , للأسف الشديد , مطلبا مؤجلا إلى حين !
تشكل الأسرة أول فضاء معرفي يطرقه المراهق بحثا عن تفسير لمجمل التغيرات التي تطرأ على جسمه , و في مقدمتها النشاط الجنسي الذي يستحوذعلى تفكيره , ويثير مخاوفه بشأن الصورة المثالية لجسده ومدى رضى الآخرين عنها . و هنا يتجلى الدور الآكد للأسرة في حثه على التقبل الإيجابي لهذه التغيرات , وتمكينه من معطى معرفي ملائم ضمن إطار أخلاقي و قيمي يبدد مخاوفه , و يقيه مغبة البحث عن مصادر أخرى غير آمنة . بيد أن ما نستشفه من تزايد الانحرافات الجنسية في واقعنا اليومي هو عجز الأسرة عن النهوض بهذا الدور لأسباب عديدة أهمها : 
-  وهم التعارض بين التربية الجنسية و أخلاق العفة و الحشمة . ومنشأ هذا الوهم أساسا         هو الخلط بين الإباحي و المباح في المعرفة الجنسية , و الزعم بأن بسط الحديث مع الأبناء  في مواضيع جنسية يُمهد لهم السبيل للانحراف !  
 -  الخوف من اهتزاز الصورة الرمزية وتراجع الهيمنة الأبوية , خصوصا و أن سلوك         المراهق يتسم بالعنف والتمرد على مطلب الامتثال كما عاشه في طفولته.
- النظرة الآثمة لأي تناول للمعطى الجنسي قبل الزواج , بل إن هذه النظرة تمتد حتى           للأعضاء الجنسية , وهو مايفسر ورودها بشكل ملفت في البذاءة اللفظية المتداولة عند      حدوث نزاع أو مشاداة كلامية .
أما المدرسة التي يٌفترض أن تسد خللا أسريا في هذا المجال فتقف بدورها عاجزة أمام حيرة صانع القرار التربوي إزاء تضارب الآراء بشأن مضمون التربية الجنسية , وغائيتها , و الحدود التي يجب أن تقف عندها .إذ " الملاحظ في المدرسة أن التعامل مع التربية الجنسية يظل خجولا ومتناقضا . فتمرير التربية الجنسية في مادة " التربية النسوية" ثم "التربية الأسرية " تمرير غير ملائم لأن تلك المواد تنطلق من منظور التربية السكانية .لم يجرؤ المشرع بعد على إقرار ماد تدريسية صريحة تحت عنوان التربية الجنسية .و بالتالي نجد بعض مضامين التربية الجنسية موزعة بين مواد مختلفة قطبها الأول التربية الإسلامية و قطبها الثاني علوم الحياة . القطب الأول أجوف , فهو قيم من دون معارف علمية و تقنية , و القطب الثاني أعمى , فهو معارف من دون قيم سلوكية حداثية " (1) .
هذا التوظيف المراوغ الذي يبرره بعض المسؤولين بعجز المجتمع عن تقبل منسوب الجرأة الزائد في التربية الجنسية,  يدفع المراهق صوب فضاءات بديلة تستوعب واقعه الجديد ,وتلبي رغبته لاستكشاف جسده أولا ثم أسرار العلاقة بالطرف الآخر . وهنا  يشكل الإعلام بوسائطه المتعددة مدخلا لتشرب المعرفة الجنسية سواء في صيغة تدابير تهم الصحة الجنسية , أو كسلعة استهلاكية تتجاوز "المباح" صوب التحريض على "الإباحي " .ذلك أن إصرار الإعلام على تحرير الخطاب الجنسي من وصاية الفقيه لم يكن دوما لغرض إحداث نقلة تصورية و معرفية , بقدر ما انطوى على بعد تسويقي و تجاري محض . فقد "انتبه البعض في الإعلام المغربي منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي إلى أن موضوع الجنس موضوع مدر لأرباح مالية مهمة , و أنه يساعد على البيع و على اكتساب عدد كبير من القراء. وهو الأمر الذي جعل عدد الجرائد و المجلات المغربية التي تتناول الجنس بشكل منتظم أو ظرفي في ارتفاع مستمر " (2) . بل إن الأمر تطور في الآونة الأخيرة إلى اعتماد الحرية الجنسية مدخلا حيويا لرأب الصدع الحضاري الذي يفصلنا عن الآخر المعولِم و الحداثي !
إن ما يكابده المجتمع المغربي اليوم من تجليات الانحراف الجنسي ,ومن تآكل مستمر لآليات الصد و الممانعة التي تنهجها الأسر , يُحتم على صانع القرار التربوي ضرورة البدء بتمرير حازم  لمباديء التربية الجنسية , و التحسيس بجدواها و فاعليتها في مواجهة زخم غريزي لا يرهق العقول الناشئة فحسب , بل ويعيق كل فرص التنمية المنشودة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  د.عبد الصمد الديالمي :  سوسيولوجيا الجنسانية العربية .دار الطليعة .بيروت 2009 .ص 160
(2) المرجع نفسه . ص 168 

الاثنين، 16 مايو 2016

الشعلة تطالب المجلس الدستوري بإبطال قانون عمال المنازل




إثر مصادقة مجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان المغربي على قانون رقم 34.06 الخاص بشروط تشغيل عمال المنازل، والذي يعتبر انتكاسة حقوقية خلفت خيبة أمل كبيرة لدى الحركة الحقوقية والتربوية بالمغرب، وبعد اطلاع المكتب الوطني لجمعية الشعلة للتربية والثقافة على مقتضيات هذا القانون الذي لم يأخذ باقتراحات الهيئات الحقوقية التي لاقت ترحيبا ودعما من طرف العديد من مكونات الحركة الجمعوية المهتمة بقضايا الطفولة اعتبارا لإمكانية مساهمتها في التقليص من ظاهرة تشغيل الأطفال.
وباستحضار أهدافها ونضالها لأزيد من أربعة عقود دفاعا عن حقوق الطفولة المغربية مستندة إلى رؤيتها المجتمعية والتربوية، و إلى شرائع الحقوق الكونية، والمواثيق والعهود الدولية التي تجرم تشغيل الأطفال، فان جمعية الشعلة للتربية والثقافة تعتبر مصادقة المشرع المغربي على القانون رقم 34.06 الخاص بشروط تشغيل خادمات البيوت، ردة خطيرة على النفس الحقوقي للإصلاحات الدستورية ل 2011 وتكرس نظام السخرة وتترجم بالملموس استقالة الدولة المغربية من مسؤولية حماية حق الطفلات/النساء المغريبات في التربية والتكوين إلى حدود سن 18 المنصوص عليه في الميثاق العالمي لحقوق الطفل والذي صادقت عليه الحكومة المغربية.
وبناء عليه، فإن المكتب الوطني لجمعية الشعلة للتربية والثقافة:
- يدين بقوة مصادقة مجلس النواب على القانون رقم 34.06 الخاص بشروط تشغيل عمال المنازل، الذي يشرعن انتهاك حقوق الطفولة المغربية ويشكل بالتالي تراجعا حقوقيا خطيرا يناقض المضامين الحقوقية للدستور المغربي المستند إلى ترسانة المواثيق والمعاهدات الكونية،
- يستنكر تجاهل المشرع المغربي لواقع خادمات البيوت بالمغرب وتقنينه لانتهاك حق الطفلة المغربية في التمدرس، والترفيه والتربية المتوازنة ،
- يسجل باستغراب كبير العزلة الحقوقية والمجتمعية لمشاريع القوانين، التي تسابق السلطة التنفيذية الزمن من أجل اعتمادها، والتي تمس في العمق بنية ومستقبل الأسرة المغربية،
- يدين كل مساس بحقوق الطفل، وتحويله إلى أداة للتنمية بدل أن يكون هدفا لها مما يعتبر تراجعا خطيرا عن كل المكتسبات التي راكمتها الحركة الجمعوية الحقوقية والتربوية لصالح الطفولة المغربية،
- يطالب المجلس الدستوري بإبطال هذا القانون الذي يتعارض مع ديباجة الدستور المغربي ويناقض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الطفل،
- يدعو الحركة التربوية والحقوقية ومعها القوي الديمقراطية والحداثية إلى التعبئة من أجل حماية مكتسبات مختلف فئات الشعب المغربي من موجة الردة الحقوقية والتأويل التحكمي لدستور 2011 .
المكتب الوطني

أطفالنا و الرعاية النفسية ـ ذ.حميد بن خيبش

عن أنفاس نت


إذا كان انتظار مولود  حدثا تُجمع الإنسانية على روعته , فإن مراسيم استقباله تعكس إلى حد بعيد طبيعة الوعي الذي يحكم بيئته التربوية ونوعية السلوك و الاتجاهات التي ستحدد شخصيته !
ولعل ما يميز الأسرة العربية هو العناية المفرطة بالترتيبات المادية من تغذية و تطبيب مع تقصيرملحوظ في الترتيبات المعنوية التي تحقق للطفل تكيفا نفسيا سليما مع محيطه.
فالحاجة إلى الحب , و الأمن,  والشعور بالانتماء هي حاجات فطرية لدى الطفل , و الاستجابة لها من لدن الأسرة و المدرسة ضرورة حيوية لاكتمال شخصيته والوصول بها إلى حالة من الثبات الانفعالي و السلوكي.غير أن شيوع المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية ,وغياب استراتيجية واضحة لإدماج مباديء الرعاية النفسية في خطط التنمية الاجتماعية أسهم بشكل واضح في ازدياد الاضطرابات النفسية , وتراجع أدوار الأسرة و المدرسة في تحقيق تنشئة سليمة .
ينص إعلان " ألما آتا" الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية سنة 1978 على أن الصحة النفسية هي "حالة من العافية تسمح للفرد باستخدام كافة طاقاته وقدراته ,و التكيف مع ضغوط الحياة و العمل المنتج و المثمر, و المساهمة البناءة في مجتمعه " وهذا التعريف ينطوي على تصور مغاير يتجاوز المقاربة العلاجية صوب الاهتمام باللياقة النفسية للفرد و تحسين نوعية الحياة . كما يُثبت أن المبرر الذي تسوقه السلطات التربوية و الصحية في بلداننا حول قلة عدد الأخصائيين النفسيين , وانصراف جهودهم للعناية بالحالات النفسية الحادة هو مبرر يُمكن تجاوزه باعتماد مقاربة تشاركية فاعلة ,تؤهل كلا من الأسرة  و المدرسة و المؤسسة الإعلامية للإسهام الجاد في توفير بيئة تربوية سليمة.
*             *             *
يُهيمن داخل الأسرة العربية نمط التربية التقليدية الذي يُنظر من خلاله للطفل على أنه "رجل صغير" يتوجب عليه أن يستوعب تعاليم الكبار و توجيهاتهم , ويتقيد بها دون الالتفات إلى الحاجات النفسية التي ينبغي توفيرها له .
فالطفل قبل أن يتشرب القيم و العادات السلوكية و الاجتماعية , لا بد أن يشعر بالأمن العاطفي أي بكونه محبوبا ومرغوبا فيه داخل الأسرة . كما يحتاج إلى الإحساس بالثقة و الاطمئنان , و الانتماء للأسرة و المجتمع .فطبيعة التفاعلات الأسرية يكون لها دور كبير في تشكيل حياته , أما المباديء التي يجري تلقينها له , فيُلاحظ أنها في الغالب مزيج من القيم الأخلاقية و الدينية , و العادات السلوكية تتخللها رواسب من التفكير الخرافي الذي يزعزع ثقة الطفل بنفسه ,ويُربك تفكيره مثل تخويفه بالأشباح و العفاريت حتى ينام أو يُقلع عن سلوك غير مهذب ! فينشأ الطفل داخل إطار حياتي يتسم بالإذعان , والأوهام المقيدة للإبداع و التساؤل الحر .
لذا فتوفير شروط الرعاية النفسية السليمة يقتضي أولا تغيير الثقافة السائدة داخل الأسرة , و حملها على التعامل مع الطفل باعتباره "كائنا منطقيا يستجيب إذا لقي الاحترام و عومل على مستوى إنسانيته " (1)
وهذا ما تضطلع "التربية الوالدية" بتحقيقه في الآونة الأخيرة من خلال اعتماد برامج تكوين للوالدين , وترسيخ علاقة أسرية أكثر انضباطا و احتكاما للمرجعية السيكولوجية و التربوية .
*             *             *
ومع انتقال الطفل من الأسرة إلى فضاء المدرسة تبدأ علاقاته الاجتماعية بالتوسع من خلال تفاعله اليومي مع زملائه و مدرسيه . وتنضاف خبرات وقيم جديدة إلى رصيده الفكري و الوجداني .و بالتالي فالمناخ المدرسي العام له دور كبير في تحقيق التوازن النفسي للطفل , وتحرير طاقته للإبداع و التطوير شريطة أن يحكم هذا المناخ تصور تربوي متكامل يعزز الاتجاهات و القيم التي بذرتها الأسرة ,ويُخلصها من رواسب الأوهام و المعيش الخرافي .
وحتى يكون للفضاء المدرسي دوره الفاعل في التربية النفسية , فإنه مدعو لتأهيل مكوناته , وتجديد منطلقاته و تصوراته بما يتلاءم وما توصلت إليه الدراسات النفسية و التربوية من حقائق و معطيات هامة .ونقصد هنا بالمكونات : المناهج الدراسي , و نمط الإدارة المدرسية , و طبيعة العلاقات المهنية و الإنسانية في البيئة المدرسية , وشخصية المدرس ومؤهلاته التربوية .
ومن المؤلم حقا أن واقعنا التعليمي لا زال يرواح مكانه رغم الحراك التربوي الهائل الذي شهده المجتمع المعاصر منذ مطلع القرن الماضي . و لازال الطفل مجرد "آنية فارغة يصب فيه المعلم كلماته , وكلما كان المعلم قادرا على القيام بهذه المهمة كان ذلك دليلا على كفاءته , وكلما كانت الأواني قادرة على الامتلاء كان ذلك دليلا على امتياز الطلاب "(2) .
وفي ظل هيمنة المفهوم "البنكي" للتعليم و الذي تحكمه رؤية سلبية لدور الطفل لا يمكننا بالتأكيد أن نتوقع من المدرسة ميلا لتوفير شروط التربية النفسية ! إذ يستلزم الأمر " ثورة " تربوية تحرر المدرسة من أبوية النظام التعليمي , وتمكن المدرس من إعداد مهني متكامل يؤهله لإجادة التعامل التربوي مع الطفل , كما تُحدث تطويرا نوعيا للمنهاج الدراسي يُنمي خبرات الطفل و حسه النقدي , و يمنحه الإحساس بالأمن و تقدير الذات .
*             *             *
هل يُمكن الحديث عن دور للإعلام في الرعاية النفسية للطفل في غياب استراتيجية واضحة لدى الوزارة الوصية ؟
إن ما كشفت عنه المذكرة التي وجهتها منظمة الصحة العالمية إلى وسائل الإعلام في السابع من أكتوبر 2011 يُسلط الضوء على فشل السياسة الصحية في توفير أدنى متطلبات الرعاية النفسية للأفراد . فمن مجموع موارد القطاع الصحي , لا يُخصص لخدمات الصحة النفسية سوى %2 , أما متوسط الإنفاق فلا يتجاوز 0.25 دولار لفرد سنويا ! (3)
بالرغم من ذلك فإن الرهان على دور وسائل الإعلام في تكوين مواقف وسلوكيات اجتماعية إيجابية , وترسيخ القناعة بضرورة العناية بالصحة النفسية للطفل يظل قائما , خصوصا في ظل الثورة المعلوماتية التي تشهدها المجتمعات المعاصرة , و الانتشار الواسع لوسائل الاتصال .
و إذ نُثمن الاهتمام الذي تحظى به قضايا الاسرة و الطفولة , و تخصيص حيز من البث الإعلامي لتدارس سبل مواجهة الاضطرابات النفسية الشائعة , إلا أن الضغوط التي تواجهها الأسرة العربية في الوقت الراهن جراء تآكل البنى الاجتماعية و الشعور بالقلق المتزايد حيال المستقبل يفرض مزيدا من العناية بضرورة رفع مستوى الوعي النفسي , و تثبيت القيم و المعايير الدينية و الاجتماعية التي يستمد منها المجتمع مُثله العليا . وذلك من خلال الاهتمام بالإرشاد النفسي و تنظيم حملات إعلامية لإحداث تغيير في العوامل الاقتصادية و الاجتماعية المولدة لأشكال الانحراف النفسي .
و بالنظر لتزايد أعداد مستخدمي الانترنيت فإن توفير المعلومات الخاصة بالصحة النفسية , وتيسير الحصول على الاستشارات البسيطة سيؤدي حتما إلى تغيير المواقف و الاعتقادات الخاطئة بشأن الرعاية النفسية .
إن السنوات الأولى من حياة الطفل تتسم بقابلية شديدة للتأثر بالخبرات المؤلمة و التجارب الصادمة . وفي عالم تعصف متغيراته بالتوازن النفسي للفرد فإن بلورة برنامج تكاملي لزيادة الموارد البشرية و المعرفية العربية حول الصحة النفسية أصبح مطلبا أساسيا لتمكين أجيال المستقبل من التكيف الإيجابي مع ضغوط الحياة , وكسب رهان العيش فوق ..صفيح ساخن !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : كلير فهمي . الحب و الصحة النفسية لأبنائنا .دارالمعارف /القاهرة 1975. ص: 151
(2) : سعيد اسماعيل علي .فلسفات تربوية معاصرة .سلسلة عالم المعرفة .عدد 198. ص: 174 
(3) : موقع منظمة الصحة العالمية.مذكرة إلى وسائل الإعلام بتاريخ 2011/10
/

الحاجة الى تثوير فلسفة التربية والتعليم ـ زهير الخويلدي

عن أنفاس نت



" الثورة السياسية نفسها محكوم عليها بالفشل اذا لم يصاحبها الغاء الأخلاقيات القمعية"[1]
الجدير بالملاحظة أن قطاع التعليم والتربية في الدائرة الوطنية يعاني من أزمة بنيوية مست العمق المادي والرمزي الذي يرتكز عليه وأثرت سلبيا و بشكل أساسي على الرأسمال البشري ومنتوجه المعرفي والقيمي. ولعل الأمر لا يتطلب القيام بإصلاحات شكلية وجراحات تجميلية تركز على المظهر وتحرص على الترقيع وسد الثغرات بقدر ما يستلزم القيام بمراجعات جذرية وإحداث قطائع فعلية مع الطرق البيداغوجية القديمة والمستنفذة والبرامج التعليمية المفرغة والمملاة من الدوائر الرأسمالية المعولمة والتخلي عن ذهنية التسيير الاداري الفوقي  وتفكيك العلاقة التي كانت قائمة بين الممارسات البيروقراطية والسياسة الشمولية والتي سعت الى تأبيد الوضع وتبرير السائد، ويجب كذلك التوجه على التو نحو محاربة ظاهرة الفساد والكف عن الهدر للطاقات وإضاعة الوقت ومقاومة العنف المستفحل ومعالجة مظاهر الانفلات والتسيب والقمع المُمَنهج للإبداع والحريات والتصدي لظواهر الوأد المبرمج للنقد والتفكير المختلف وتعميم الجهل والتشجيع على الكسل، والشروع في ترسيخ تقاليد مؤسساتية داخل الفضاء التربوي تقوم على صقل المواهب وتنمية روح الخلق والارتقاء. 
رأس الأمر أن قطاع التربية والتعليم يحتاج بشكل عاجل وجذري الى عملية تثوير تقوض الأسس القديمة الخاوية وتعمل على بناء منظومة تعليمة متطورة ترتكز على دعائم مابعد حديثة قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع في هذا الزمن الاستثنائي وتسدد المؤسسة التربوية نحو تنمية موهبة العقل وحفظ كرامة الانسان.
لب القول أن مقصد التربية والتعليم يجب أن يتوجه نحو تطوير الذكاء وشحذ الارادة بغية التأثير في الانسان ودفعه الى السير في طريق التطور والارتقاء وتهذيب ملكاته وطبعه وتحويل الطبيعة وعالم الأشياء المادية نحو انتاج منافع صناعية وقيم معنوية تسدد سلوكه نحو تحصيل الخير العام وتؤهله للسكن في الكون والعناية بالحياة.
غاية التربية هي توجيه الانسان من أجل أن يكرس نفسه في حياته للقيام بمهمة خاصة ووظيفة محددة في مجتمعه وفي الدائرة الانسانية تعود بالنفع عليه وتحقق المصلحة المشتركة دون أن تسبب ضررا للغير والسوء للنوع البشري. غاية المراد من التربية ليس بلوغ كمال الطبيعة البشرية ولا دفع الانسان الى السير في اتجاه واحد وبشكل مبرمج وإنما دفعه الى الثورة على النمطية والقولبة وتوسيع فضاءات التجربة وفتح الآفاق وإطلاق حركة تنوير عميقة تؤهله للتفكير وتضع كل ما يفعله بنفسه من صلاح وتدبير على ذمة الآخرين ومن أجل صلاحهم وتطورهم. ربما في نهاية المطاف يكون الهدف الجوهري للتربية والتعليم البحث عن المعنى للحياة وإعادة تأهيل الانسان للإقامة في العالم وبلوغ الانسجام المقبول بين الفرد والمجتمع والإنسانية والتوازن النسبي بين الرغبة والمعرفة والقدرة.
 على كل حال تظل المدرسة المكان الذي يتكثف فيه المخيال الجماعي والوسط الرمزي الذي ينشط فيه اللاشعور السياسي للناس وكذلك الحاضنة التي تتأسس فيها الحياة المشتركة أين يتقاسم التلاميذ همومهم ويرسمون آفاقا لطموحاتهم ويتعاون فاعلو المجتمع المدني على تشخيص متطلبات المرحلة ويحلمون بحياة مستقبلية أفضل. والحجة على ذلك أن اليوتوبيات والمثل العليا والقيم المطلقة والحكايات الكبرى التي رفضها الواقعي الاجتماعي وطردها الناس من مساحات وعيهم تجد في المدرسة مرتعا لها ومكانا للانتشار وتتسرب الى أذهان المتعلمين. 
من المعلوم أن المدرسة تتأثر كثيرا بالمناخ الاجتماعي والتحولات التاريخية وأن حدوث ثورات أو اصلاحات في مجال الدين والسياسة ينتج عنه بالضرورة رجات ارتدادية وانفلاتات داخل الوسط التربوي ولكن مساهمة المدرسة في الارتقاء بالمجتمع وتأثيرها في حركة التاريخ وتطوير السياسات وتثقيف الناس وتكوين العقول وإنضاج الأفكار وتدعيم القيم التقدمية والسلوك المتحضر في الحياة اليومية أمر لا يمكن الاختلاف حوله.
في هذا السياق تواجه المدرسة العمومية اليوم تحديات كبيرة مما يعوقها عن أداء رسالتها التربوية على أحسن وجه وأهمها:
 - هيمنة ثقافة الميوعة وعقلية الاستهلاك وتفضيل معايير البسيط والسهل والراحة التي استبدت بالشارع واخترقت أروقة المؤسسات التعليمية.
- تنافس غير متكافىء مع التعليم الخاص الذي يبحث عن النجاح على حساب الاستحقاق وبروز مفاجىء للتعليم الموازي الذي يركز على اللغات والمواد الدينية.
- اكتساح موجة من الأفكار الحزبية المغشوشة وآراء الايديولوجيات الضيقة وانتشار للدعاوي الدينية والمعتقدات الماضوية.
بيد أن التربية تحتاج الى العلوم والفنون والآداب لكي تخفف الألم عن الانسان وترفع عنه الجهل المقدس وتحارب الأمية الجديدة وتعمل على تنمية البشر من الناحية الفيزيائية والأخلاقية وتوجه المجموعات نحو قيم المواطنة والديمقراطية وتدفعهم الى احترام بعضهم البعض وحسن تدبير الكون وتحملهم مسؤولية الوجود على الأرض.
" تشكل التربية المنهج الأكثر تطابقا مع المثال الديمقراطي، ليس فقط لتوجيه الناس نحو مصيرهم وإنما أيضا لاحترامهم مطلب الحرية"[2]. علاوة على ذلك تساعد المدرسة التلاميذ على ثقافة النقد الذاتي وحسن استعمال العقل وتغرس الفكر المدني وتضمن تطورا دائما للمجتمعات وحماية واعية للسكان وتجنبهم مهالك النزاع والتباغض.
بناء على ذلك يقوم برنامج المدرسة الأول على اعداد مواطن صالح للمستقبل وعلى نشر ثقافة الارتقاء بالبشر وصيانة العائلة من آفات التفكك وتقوية أواصر القربى بين الأفراد وزرع مشاعر المحبة وقيم التوادد بين الأشخاص. لذلك عمدت فلسفة التربية منذ نشأتها الى طرح الأسئلة الكبرى التي تهم الطبيعة البشرية وتوفير شروط ترقيها وتنميتها وحرصت على تخليص المسألة التربوية من الخلفية الميتافيزيقية والأخلاقوية ومقاربتها وفق منهجية علمية وذلك من خلال تكوين جملة من المعلومات والإحصائيات والرسوم البيانية والمعدلات حول نسب النجاح وأشكال الهدر ودرجات الذكاء ورصد تجارب وملاحظة ممارسات وخلق وضعيات وإخضاع عالم التربية الى محك التجريب.
في كل الأحوال تتحدد مقاصد التربية من خلال مراكمة المعارف الموضوعية وإعداد الكفاءات وبلورة البرامج الجادة وتهيئة الظروف السياسية وخلق مناخ عام من الحريات والحقوق وتتجه نحو تعصير البنى التحتية وترفع الأفكار التربوية الى مستوى النظريات الفلسفية وتجمع بين التربية والتنوير وتجدل الصلة بين العقلنة والأنسنة وبين الدمقرطة والشرعنة. 
بيد أن مهمة فلسفة التربية اليوم هي التصدي الواعي والمتبصر لمظاهر التعصب واللاتسامح والدغمائية والابتعاد عن السقوط في النسبوية والبراغماتية والعدمية وتدبير خيار ثالث يركز بالأساس على التعقل والتوازن والتفاهم. من جهة أخرى حري بفلسفة التربية ألا تكف عن اعطاء الأطفال الوسائل اللازمة والوصفات السحرية التي يصيرون بها كهولا وإنما أن تدفعهم مهما كان سنهم وجنسهم الى التعلم مدى الحياة وحب العلم وإجلال أهله.
هكذا تسعى فلسفة التربية الى تغيير رؤية الانسان الى الكون وزرع الأمل والحلم بميلاد يوم جديد يطل على الانسانية تختفي فيه الحرب والعنف والظلم ويظهر فيه العدل والسلم والمحبة وتتغلب الفضائل على الرذائل وينتصر التعارف العالم على التدافع الجاهل وتتحول المدرسة الى الجبهة الأمامية لمقاومة القمع والتخلف والفساد.
زد على ذلك تساهم التربية في تخطي أزمة الانتقال من حقبة تاريخية ثورية الى حقبة أخرى حينما تعتبر الماضي منبعا أصيلا وتأسيسيا للقيم والمعايير وتتعامل مع الحاضر بوصفه فضاء التجربة الممكنة وتنظر الى المستقبل على أنه المدخل الذي يحمل المجتمع امكانات التجاوز والانتصار على ذاته وتقوم بتثوير الذهنيات والتغيير الجذري.
غاية المراد أن فلسفة التربية تعمل على تنمية استقلالية النظر والعمل والاعتزاز بالهوية الوطنية للمجتمع وتكوين الفرد وبناء المواطن والحفاظ على المؤسسات المدنية للدولة والخروج بالناس من الوصاية والقصور الى الرشد والنباهة والاستنارة والتعويل على الذات وتفعيل الاندماج بين الأنساق الاجتماعية وتهيئة الظروف الملائمة للخلق والإبداع وتقوية عزيمة الشخص في مواجهة تسلط الدولة واستبداد الحشد وسطوة الصورة والدفاع عن السيادة وإزالة كل أشكال القمع وتفكيك البنى النفسية التي تعيد انتاج الكبت وجعل التحرر النفسي طريقا نحو المبادأة.
من الضروري أن تتحول المؤسسة التربوية الى وسيط رمزي بين القيم الخصوصية التي تحرص العائلات على التمسك بها والقيم الكونية التي تقوم وسائل الاتصال المتطورة على الدعاية لها واشهارها تحت عنوان العولمة. مجمل القول أن الدرس المستفاد من أزمة التعليم هو ضرورة التعجيل بالتثوير البيداغوجي واتمام الثورة التربوية بغية ايجاد برامج تعليمية تستكمل أهداف الثورة وتحرص على تعزيز قيم الشجاعة والفداء والتضحية والايثار في وجدان الناشئة وتضع الانتصار الى الكرامة الانسانية كبوصلة لها وتجعل من الانحياز الى الفطرة البشرية السليمة وانقاذ الطفولة من المنحدر الخطر الذي تبشر به السلعنة والعولمة المتوحشة مشروعا حضاريا لها.
ألا يجب على فلسفة التربية أن تعثر على منوالها ومقاصدها في الانسان في حد ذاته؟ وكيف تسمح للإنسان بأن ينمي في ذاته ملكة الحرية بوصفها الماهية التي تخصه والوضعية الجذرية التي يوجد بها وعليها في العالم؟
المراجع:
ب.أ. روبنسون ، اليسار الفرويدي، ترجمة عبده الريس، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى،2004.
Le dictionnaire des sciences humaines, sous la direction de Sylvie Mesure et Patrick Savidan, edition PUF, Paris, 2006.
كاتب فلسفي
 
  
 
[1]  ب.أ. روبنسون ، اليسار الفرويدي، ترجمة عبده الريس، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى،2004، ص59.
[2] Le dictionnaire des sciences humaines, sous la direction de Sylvie Mesure et Patrick Savidan, edition PUF, Paris, 2006.p.358.