الخميس، 17 مارس 2016

Rim Banna ريم بنّا - The Hymn of the Rain أنشودة المطر


ساره - ريم بنا sarah - rim banna


على موج البحر - لينا شماميان


أميمة الخليل - أحبك أكثر


الخطاب التربوي و أزمة الربط بين المفهوم و السلوك ـ د. محمد الصفاح

عن انفاس نت


لقد حظيت التربية باهتمام كبير من لدن لفيف من الباحثين و المهتمين بمجال التربية. فاختلفت بذلك الاراء و تباينت المواقف فيما يخص مفهوم التربية. و لعله تباين مقبول، يبرزه مجال التربية الواسع، والمعقد، و الذي يزيد من تعقيد شأنه، الشروط الثقافية، و الاجتماعية، و البيئية، و التربوية المتحكمة بشكل أو بآخر في كل اتجاه أو مسلك أو مذهب من المذاهب التربوية. لكن و بعيدا عن هذه الاتجاهات ذات المنحى الفلسفي، و درءا للتعقيدات التي أحاطت و لازالت بمفهوم التربية، يمكن القول بكيفية بسيطة إن التربية هي القيم أو قل، هي تنشئة الفرد على التحلي بالقيم. و من أجل ضبط هذه القيم في بعدها النظري ألمفاهيمي، كان لزاما أن تندرج في سياق إطار مرجعي يسهل تداولها، و فهمها، من خلال عملية تواصلية، و ذلك عبر خطاب اتصالي يسمى الخطاب التربوي، الذي يعد حمالا أو حاملا لهذه القيم كبنية مفهوميه مجردة. و على هذا الأساس و إذا كانت التربية هي اكتساب القيم، فإن الخطاب التربوي يشتغل على هذه القيم و بمعنى أدق، فهو رسالة نصية حاملة للقيم كمادة، إلى مرسل إليه، من قبل مرسل يسعى إلى تحقيق أهداف تربوية مخصوصة.
و الملاحظ في هذا الشأن أن الأهداف التربوية في بعدها النظري، مفاهيم نظرية مجردة، يغص بها الخطاب التربوي و ترسل عبر قنوات مختلفة، فتلتقط أو قد لا تلتقط. لكن الحقيقة الجوهرية الثابتة أن معاني هذه المفاهيم و دلالاتها تظل حبيسة الخطاب، تتمتع بقوتها النظرية و بريقها ألمفهومي، بعيدة كل البعد عن إصابة الهدف، أو الأهداف المتمثلة في إحداث الأثر المنشود. و التغيير المطلوب. و هذا يمثل عجزا صراحا للخطاب التربوي الذي ظل لأمد بعيد و لازال يتجشم مهمة إرسال هذه القيم، مما يؤكد و يصدق أنه قد نجح و إلى حد بعيد في تحقيق الوظيفة الإبلاغية، لا التأثيرية و ذلك من خلال الالتزام بنشر قيم التربية عبر وسائط مختلفة لاسيما المدرسة باعتبارها الوصي الشرعي على الخطاب التربوي الذي يعد عصبها، و مركز وظيفتها، بل عين وجودها. و من منطلق الوصاية التي تتمتع بها المدرسة على الخطاب التربوي، و ذلك بحكم العلاقة القوية بينهما. ظلت المدرسة تناضل و بقوة من أجل تحقيق أهداف الخطاب التربوي، و ذلك من خلال فتح باب الاجتهاد التربوي ذي النتائج التراكمية، الرامي إلى تحقيق فتح تربوي من شأنه ترسيخ القيم التربوية.
لكن و استقراء للواقع التربوي، يبتدئ جليا أن حركته تسير بطريقة نشاز مع محتوى الخطاب التربوي. و بمعنى أوضح، فإن الواقع له قيمه الخاصة به، أنتجها خطاب قوي مضاد، يسهر على حمايتها و لا يقبل بوجود خطاب آخر،مضاد له. ورب سائل يتساءل، لماذا، لم يفلح خطاب يتضمن قيما أصلية. حمل على عاتقه منذ أمد بعيد رسالة سامية هدفها التقويم، و ذلك عبر الوسيط الرسمي، المدرسة المالكة لسلطة التأثير؟ هل الأمر يرتبط بالرسالة أم بالقناة أو هما معا؟
من الجدير بالذكر في هذا السياق أن دور الخطاب التربوي الحاضن أو الحامل للمفاهيم ينحصر في الإبلاغ. في حين تتولى الوسائط المهتمة بالشأن التربوي أمر التصرف في هذه المفاهيم، عبر نشر مضامينها و معانيها بالطرق التربوية المجدية، و ذلك باعتماد الأساليب القادرة على احتواء المفهوم التربوي النظري المجرد، و العمل على تحويله إلى معطى واقعي سلوكي ملموس. إذ، إذا كانت المفاهيم تبني لدى الإنسان الثقافية النظرية أو القدرة النظرية، بما يحصله من خبرات نظرية تختزنها الدوال، فإن السلوك أو الممارسة، يصنع لديه الخبرات العملية أو ما يسمى "ثقافة السلوك و الممارسة" القائمة حصرا على قدرتي الممارسة و التجربة. و معنى ذلك أنه ينبغي ترجمة المفاهيم القيم إلى سلوكيات عملية. وبمعنى أصح يتوجب إدماج المفاهيم في السلوك. و هذا يقتضي إرفاق الجانب الابلاغي للخطاب بجانب تطبيقي يعالج المفاهيم بشكل عملي سلوكي يجعلها نشاطا تنتمي لجسم الحياة. و لعله الحلقة المفقودة، المغيبة في نسق التربية   بكيفية مجردة بعيدا عن ملامسة الواقع الذي يجسد و بحق عمق أزمة الخطاب التربوي. إن مفهوم التكافل الاجتماعي كدال، يظل بنية مجردة مبهمة لا يستطيع الذهن و لا يقوى على إدراك حقيقتها، و تمثلها إلا إذا شخصت سلوكا، و تمثيلا. و مسألة التمثيل تتطلب ممارسة التكافل الاجتماعي كنشاط حقيقي على الأرض، معاينة، فمشاركة، قصد الاطلاع على فضائله، و مقاصده، ومزاياه، إذ بصيغة المشاركة و التجسيد يسهل على المرء دمج قيمة التكافل الاجتماعي و غيرها من القيم في سلوكه الحياتي. و بخصوص مفهوم المواطنة التي تعد من بين القيم الفاضلة التي تؤثث الخطاب التربوي، فإنها ذات معنى هلامي يصعب على الإدراك تمثل حقيقتها و فهم طبيعتها مهما قيل عنها. والعلة في ذلك، أن حقيقتها ظلت مخبوءة خلف الجدران الإسمنتية للمفهوم، الذي لم يتحول بكيفية تربوية مناسبة إلى سلوك عملي، يخرجه من العتمة إلى الضوء، حتى تنكشف حقيقته للأفهام الجاهلة،فتتفاعل معها عقليا و وجدانيا و نفسيا من خلال الممارسة و التجربة .و ذلك لأن المواطنة ليست مفهوما مجردا تستهلكه اللغة كشعار، بل المواطنة حقيقة عملية ينجزها السلوك اليومي في سياق ثقافة تبدأ بالأفراد فتغزو الجماعات. و تتجلى المواطنة كسلوك عملي، في التفاعل الإيجابي البناء مع كل قضية من قضايا الوطن. إنه تفاعل لا يمكن أن يستقيم حاله، إلا إذا  أدرك الفرد بالتجربة و السلوك و الممارسة والخبرات المتراكمة المقنعة، القيمة الاعتبارية للوطن ،من خلال معطيات يقينية صادقة تصنع لديه ذخيرة ثقافة السلوك المواطن، إذ يتحول الفرد بموجبه من شخص يكون بذاته كلا كاملا و منعزلا إلى جزء من كل أكبر، ألا و هو الوطن، يتلقى منه هذا الفرد حياته و كيانه.
و على هذا الأساس ينبغي التأكيد على أن الاهتمام بالسلوك كقاعدة عملية موازية في مجال التربية هو الأسلوب الامثل و الناجح و الناجع الكفيل بتجاوز أزمة الخطاب التربوي الذي يعيش تنافرا صريحا بين المفهوم و السلوك. يقول الدكتور إدريس  بالمليح (1): "إن وظيفة المفهوم كبنية دلالية ذهنية مجردة تنحصر في عملية الإثارة والتنبيه، أي لفت انتباه الذهن و توجيهه إلى شيء مخصوص. بينما التشخيص الدلالي يوكل إلى السلوك الاختباري القادر حقا على جعل المفهوم، صورة حية واقعية خارج حدود الذهن مما يسهل عملية التفاعل الذهني و تحرك القابلية نحو الاستيعاب لدى الأشخاص..." 
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن التربية ليست مطلقا مجرد معرفة  تنحصر في بعدها النظري المجرد إنما هي تطبيق لهذه المعرفة  كمنظومة قيمية وتحويلها إلى سلوك عملي ليصبح ممارسة حياتية لدى الفرد. ونظرا لأهمية الجانب السلوكي العملي في التربية كان حاضرا وبقوة في الوعي والفكر التربويين فأرسطو يعد الخير كقيمة ،ضربا من ضروب الكفاية العملية أو ضربا من التفوق أو الامتياز في السلوك أكثر من اعتباره حالة من حالات العقل. أما ابن خلدون فيرى أن خير وسيلة للتربية الخلقية هي القدوة الحسنة. إذ الإنسان يأخذ بالتقليد والمحاكاة أكثر مما يأخذ بالنصح والإرشاد. ولعل ما يدل على عمق هذا الوعي ما ورد في كتاب وجهه إلى معلم ابنه ، عمر بن عتبة ،يقول فيه: "ليكن إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فان عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم  ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت....... "(2)
ومن الملفت لانتباه في هذا السياق أن ما كان يشغل هيباس الأكبر قي معرفة الجمال ، أن  يتجسد        المفهوم في فتاة أو تمثال أكثر مما كان يشغله المفهوم  في ماهيته  من حيث شكله أو صورته.
       يتبدى من خلال هذه التجليات أن الفكر الكلاسيكي إن صح التعبير، كان واعيا ومهتما إلى حد بعيد بالجانب السلوكي في التربية. بينما نظيره الحاثي يهتم ويزداد اهتماما  بالنظرية والمفهوم، الشيء الذي يجعل العلا قة بين المفهوم والممارسة  غير متوازنة من جهة ،وتبعد التربية عن أداء وظيفتها الأساس،المتمثلة في السلوك المنجز للفعل التربوي  من جهة أخرى.  وذلك لان الخطاب التربوي فعل انجازي
   متى توافرت له شروط الانجاز على رأي أهل نظرية أفعال الكلام.
إن الوصول إلى سلوك سوي،تزكيه الأخلاق الفاضلة ،إنما هي صنعة التربية ،وصناعة التعليم.إنها صنعة إنسانية أخلاقية ميدانية سلوكية،يعجز المفهوم النظري المجرد الذي من شانه السهر على انجاز وتدبير القول التربوي،عن تحقيقها   (  الصنعة  )  وذلك بمعزل عن السلوك العملي الذي من اختصاصه انجاز الفعل التربوي.   

الهوامش :
  1الدكتو إدريس بلمليح محاضرة ألقيت بجامعة محمد الخامس سنة 1999.
2 التربية وطرق  التدريس،الجزء الثاني،صلاح عبد العزيز،الجزء الثاني.ص261
3عالم الفكر ، العدد 38 ص20.

في مفهوم التقويم ـ مراد ليمام

عن أنفاس نت 



أولا: مفهـوم التقويـم وصيغـه
1.    التحديد اللغوي:
التقويم والتقييم مشتقان لغويا من الجذر العربي : ق - و- م، بمعنى عدَّل وصحح . ففي لسان العرب لابن منظور: قوم: أزال عوجه...يقال: قوم بمعنى عدل وصحح، قاس الشيء بمقياس معتدل متوسط... فالقياس يوجب الحكم على الشيء، والحكم يتضمن تقديرا لأهمية الشيء وفائدته([1]). فالكلمتان تحملان في ثناياهما معاني القياس والتصحيح والتعديل وإزالة الاعوجاج، بينما صيغة تقوَّم في المعجم الوسيط تعني: ...تقوم الشيء: تعدل واستوى وتبثث قيمته واستقام([2]). وهي بذلك تجمع بين معاني التقييم والتقويم.
ومن جهة أخرى، نجد كلمة تقويم تفيد في المعجم الأجنبي Le Robert:...تحديد وتقدير القيمة للظاهرة أو للشيء...([3]). كما تفيد الكلمة في المعجم الموسوعي لفيليب أوزو Philippe Auzou: حكم، قياس قيمة، كمية من تقدير...([4]).
من هنا، نلاحظ أن كلمتي تقويم وتقييم تميلان إلى التجانس بين التداول العربي والأجنبي٬ وتحيلان في الآن ذاته - انطلاقا من التحليل الدلالي الأولي - على معاني التثمين والتقدير والحساب والقياس.

2.    التحديد الاصطلاحي:
إذا انتقلنا إلى المفهوم البيداغوجي للتقويم، نجد المعاني الواردة في السابق تكتسب دلالات أكثر تقنية وتحديدا تُفسر داخل عملية نسقية تهدف إلى مدى تحقق الأهداف التربوية. ففي معجم علوم التربية تدل الكلمة على: مجموعة من الإجراءات والعمليات المستعملة لأدوات من طرف شخص آخر أو المتعلم ذاته، التي تكون مبنية بكيفية تمكن المستهدف بالتقويم من أداء مهام أو الجواب عن أسئلة أو تنفيذ إنجازات يمكن فحصها من قياس درجة تنفيذها، وإصدار الحكم عليها وعلى منفذها وإنجاز قرار يخصه أو يخص عملية تعليمية ذاتها(5).
بناء عليه، يصبح التقويم عملية نسقية شمولية ترادف مجموعة من الإجراءات التشخيصية التي تمكن من الكشف والتصحيح والحكم ... ويلخصها معجم علوم التربية فيما يلي:

1.    تحديد موضوع التقويم وأهدافه.
2.    البحث عن الأداة الملائمة له وبناؤها.
3.    تنفيذ الأداة وإجراء التقويم.
4.    تصحيح الإنجازات أو الأداءات أو استخراج المعطيات.
5.    معالجة المعلومات المحصل عليها. اتخاذ القرارات التصحيحية.

من هذا المنطلق، يتناول التقويم إرجاع المعلومات المتعلقة بعمليات التعليم والتعلم نحو المدرس والمتعلمين أو ما يسمى بالتغذية الراجعة. ويبدأ المدرس بتحديد هدف معين يوافق نوع النشاط الذي يفترض من المتعلم إظهاره أثناء عملية إنجاز مهمة ما. بحيث تعتبر هذه الأخيرة، الترجمة أو التجسيد الفعلي للهدف في عملية محددة يتولى المتعلم تنفيذها . أما المدرس فيقوِّم الطريقة التي ينفذ بها المتعلم ما هو مطلوب، لينتقل بعد ذلك إلى دراسة فعالية العملية المنجزة برمتها. وقد يحدث أن يتحقق الهدف الواحد باللجوء إلى أدوات مختلفة تتباين بتباين المواقف مع الأخذ بعين الاعتبار الكفايات المراد قياسها.
فالتقويم هو اختبار مدى درجة التلاؤم الدقيق بين المعطيات الفعلية التي تجسد إنجازات المتعلمين وبين مجموعة من المعايير الملائمة للأهداف المحددة، قصد اتخاذ قرار انطلاقا من أربع عمليات أساسية:
الصيغالمواصفاتالتقويم التشخيصيالتقويم التكوينيالتقويم النهائي
الخصائص والوظائف-إبرازالخبرات السابقة.- معرفة أسباب عرقلة التعلم. - اختيار الذاكرة...-تسلسل المعلومات. - تتبع تكويني. - تعديل التعلمات. - تكييف وتقوية.- قياس مدى تحقق الأهداف والتحكم في الكفايات. - اختبار مدى شمولية المعرفة. -إصدار قرار حول قيمة التعلم. -الانتقاء الاجتماعي وتوجيه التربية.
الأشكال والنماذج-سؤال شفوي. -سؤال كتابي في وقت محدود.- مراقبة مستمرة(فرض تمرين-أسئلة-تطبيقات..)- تغذية راجعة.- اختبارات شمولية وتكاملية. - تطبيقات عامة. - روائز وقياسات.
الأدوات والأفعال- سأل.. - أصدر حكما... - وضع علامة ما. - قدم إشارة ما... - قارن بين مثالين...-  تقديم أربعة أسئلة من خلال تمرين كتابي. - تقديم جدولين للأمثلة اللغوية وطلب مقارنة...- تقديم اختبار في الدورة الأولى. - امتحانات كفاية الطور الأول... - مقابلات شفوية...
ثانيا: الـقيـاس/الـتنقيـط/سـلالــم الـتـنـقـيـط

لا ينبغي الخلط بين القياس والتنقيط، فالقياس يروم إلحاق نقطة عددية ببعض الخاصيات الدقيقة لموضوع ما أو حدث تبعا لقاعدة مقبولة منطقيا، ويعرفه Lee Granbach:...القياس هو إجراء منظم لملاحظة سلوك شخص ما ووصفه بوسائل ذات مقياس عددي أو نظام طبقي (درجات تقديرات) (8). وبتعبير أدق ، ينصب القياس على عمليات التعلم ومدى تحققها بالمقارنة مع الأهداف المسطرة : أي المسافة التي تفصل بين الإنجاز الفعلي وبين التنبؤات التي تشكل إطارا مرجعيا.

لكن ما موضوع القياس؟ هل  المنتوج ؟ أم الإنتاج  في حد ذاته ؟
ليس المنتوج سوى أرضية لتحديد عمليات الإنتاج:العمليات الداخلية التي يمكن رصدها داخل إنجازات المتعلمين (9). فالإنشاء الأدبي ليس مجرد منتوج معزول عن عمليات إنتاجه. بل هو نص يتضمن داخليا عمليات بناءه: التحليل- الفهم- التركيب-التأويل...الخ.
فالقياس ينصب على العمليات الفكرية، يتداخل فيها الوجداني والمعرفي والمهاري، يمكن رصدها في إنجازات المتعلمين. علما أن كل قياس يعتمد وحدات قياسية محددة بشكل منطقي أو تواضعي، هذه الوحدات تنظم داخل سلالم متنوعة(910)، تتخذ شكل مؤشرات عددية ووحدات قياسية تنطلق من حد أدنى وتنتهي إلى حد أعلى . هي عادة ما يطلق عليها سلالم التقويم .
ويستحيل القيام بتقويم شمولي لنتائج المتعلمين دون الاستناد إلى معطيات إحصائية. فالقياس والتنقيط عمليتان أساسيتان في كل تقويم، مادام الاثنان معا شديدا الارتباط والصلة بقصدية التقويم .

بيد أن الأبحاث المتصلة بدراسة مسألة التصحيح والقياس والتنقيط في مجال التقويم، لا زالت تعرف عدة تعثرات، رغم التقدم الهائل في مجال التربية والتكوين ورغم الانتقادات التي وجهت للمنظور التقليدي في معالجة مسألة التقويم.
فما الأمراض والعلل التي تحول دون مصداقية وثبات وشفافية التقويم؟
إن التفكير في سلوك أو خلفيات تاريخ أمراض التقويم يندرج ضمن مقاربات ابستمولوجية وأخرى علاجية للظاهرة . فالمنظور الباثولوجي يفرض ذاته في موضوع التقويم من منظورين:
أولا، هناك: المنظور التشخيصي لعوائق منهجية أو تعثرات معرفية أو صعوبات مهارية لدى المتعلمين . ثانيا ، هناك: المنظور الموضوعي ، يتضح بطرحنا للأسئلة التالية: ما مدى خلو امتحاناتنا واختباراتنا نحن – كمدرسين - من الأمراض التقويمية التالية:

-         أمراض تخطيطية: اللامعيار- اللامؤشر- اللاعقلنة...
-         أمراض ذاتية: المزاجية - الانطباعية...
-         أمراض منهجية: عدم الدقة - عدم التجانس...
-         أمراض تصحيحية: التسرع – الخلفيات - التناقض...

على هذا الأساس، كيف يمكن أن نضمن مصداقية وصلاحية وشمولية التقويم؟ ما الضمانات والسبل التي من شأنها أن تقلل من خطر الإصابة بهذه الأمراض؟ وكيف يمكن أن نتجنب إعجابنا بإخراج القلم من غمده والتنفيس عن تأوهاتنا اللحظية في علامات حمراء؟ هل من ضمانات؟ هل نعتمد على حجج شفافة؟ ما المقاربات الإكلينيكية (العلاجية) التي من شأنها أن ترقى بقرارات المدرس من المستوى المرضي إلى المستوى الإستراتيجي؟
لعل الدرس الذي استفادته الأبحاث الدوسيمولوجية المعاصرة، هو ضرورة إقامة تصور علمي عن مفهوم التقويم، وهذا فعلا ما تحقق حين تم إدراج عمليات التقويم ضمن برامج إجرائية للتكوين .

[1]-ابن منظور: ( لسان العرب). دار صادر – بيروت  مجلد 12 الطبعة الثالثة 2004٬( ص: 450-498). 
[2]- مجمع اللغة العربية : ( المعجم الوسيط ) .مكتبة الشروق الدولية . الطبعة الرابعة 1425ه/2004م .
[3]-Le Robert. N d’editeur 1113370 avril 2004 . ( page 511 )
[4]- Philippe Auzou : (dictionnaire Encyclopédique). Edit Philippe Auzou. Paris 2000 (Page : 554).
5 - عبد اللطيف الفاربي  وآخرون: (معجم علوم التربية: مصطلحات البيداغوجية والديداكتيك) . 1994 صدر بالمغرب (ص:119).
6 - عبد الحق منصف : (رهانات البيداغوجية المعاصرة) . أفريقيا الشرق 2007 (ص: 113). 6
7 - محمد الصابر: (استراتيجية الدرس). دار قرطبة للطباعة والنشر البيضاء. ط1 .  2000 (ص: 48).
8 - محمد الصابر: (علوم التربية والتدريس: وثائق-خطاطات-مفاهيم-تقنيات). دار النشر المغربية. الدار البيضاء 1998 (ص:62).
9 - عبد الحق منصف : (رهانات البيداغوجيا المعاصرة). دراسة في قضايا التعليم والثقافة المدرسية. أفريقيا الشرق 2007 (ص: 134).
10  -الرجع نفسه (ص:134).

الثلاثاء، 15 مارس 2016

أهمية دور المتعلم في إنجاح العملية التعليمية : أ.د. ناصر عبد الحميد يونس

عن تعليم جديد

إن الهدف من هذا المقال هو محاولة إلقاء الضوء و فهم عدد من المشكلات التي يمكن أن تواجه المتعلم أثناء عملية التعلم و اقتراح بعض الحلول لها، حيث سنحاول الإجابة على بعض الأسئلة التي يمكن أن يطرحها أي شخص مهتم بالعملية التربوية، و سنعتمد في إجاباتنا على نتائج البحوث التي أجريت في ميداني علم النفس التربوي و علم النفس الإدراكي.
من وجهة نظر تقليدية، تُعرف العملية التربوية بأنها عملية تدور بين شخص يدَرِّس معلومات تدخل في إطار منهج معين و آخر يستقبل تلك المعلومات و يقوم بتخزينها، إنها علاقة بين مرسل و مستقبل أي ذات اتجاه واحد. و انطلاقا من هذا التعريف يمكن لنا أن نقول بأن العملية التعليمية كانت تعتمد أولا و أخيرا على المدرس و أن التلميذ يقتصر دوره على التلقي فقط.
إن ما يقوم به التلميذ لاستيعاب المعلومات جعل التربويين يركزون على أهمية الدور الذي يقوم به المتعلم في العملية التربوية الناجحة. و بتعبير آخر، يمكن القول بأن الدور الذي يقوم به المتعلم لا يقل أهمية عن دور المدرس، حيث يُنظر اليوم إلى العملية التعليمية بأنها عملية تفاعل بين معلم و متعلم في محيط معين. و انطلاقا من هذا التعريف يمكن القول بأن التلميذ أصبح يلعب دورا جوهريا في العملية التعليمية، و قد دفع هذا الدور واضعي المناهج و المدرسين إلى الأخذ بعين الاعتبار خصائص التلاميذ أثناء عملية التدريس. و هذه الخصائص لا تنحصر فيما يسمى بالفروق الفردية و لكن تشمل الطرق التي يتبعها التلاميذ لاستيعاب المعلومات، و قد أثبت علماء النفس الإدراكي أن التلاميذ لا يتبعون منهجا واحدا في التعلم ، الشيء الذي دفعهم إلى تقسيم المتعلمين إلى فئات. في هذا الصدد قسم جان بيار أستلفي Jean – Pierre ASTOLFI التلاميذ إلى الفئات التالية:
  •  السمعي: التلميذ الذي يعتمد في تعلمه على الذاكرة السمعية.
  •  البصري: التلميذ الذي يعتمد في تعلمه على الذاكرة البصرية.
  •  الاعتمادي: التلميذ الذي له اهتمام كبير بالمعلومات أو المؤثرات و يولي اهتماما كبيرا للظروف الاجتماعية و العاطفية لعملية التعليم.
  •  المستقل: يعطي اهتماما للقدرات الشخصية و لا يربط بين عملية التعلم و الظروف الاجتماعية المحيطة بها.
  •  المفكر: لا يعطي الإجابة إلا بعد التحقق من صحتها و يفضل عدم إصدار قرار خوفا من الوقوع في الخطأ.
  •  المندفع: يعطي إجابة سريعة و لو كانت خاطئة.
  •  المتمركز: يركز اهتمامه على موضوع معين و لا ينتقل من نقطة إلى أخرى إلا بعد الانتهاء من الأولى.
  •  الشمولي: يهتم بعدة أمور في وقت واحد و تكون دراسته للمواضيع على عدة مرات.
  •  المنتقد: يهتم دائما بنوع العلاقة الموجودة بين مختلف العناصر من تضاد و تناقض.
  •  التشابهي: يهتم بالتشابهات و بالعناصر المعروفة حتى لو أدى ذلك إلى إهمال العناصر المهمة.
  •  الإنتاجي: يعمل على اكتساب المعلومات بطريقة إيجابية.
  •  المستهلك: يعمل على اكتساب المعلومات بطريقة حيادية.
  •  المثابر: يميل إلى وضع جميع إمكانياته الذهنية للقيام بأي نشاط.
  •  الواقعي: يقوم بعملية توافق بين المجهود المبذول و طبيعة النشاط الذي يقوم به.
بعد أن تحدثنا بإيجاز عن العلاقة بين عملية التعليم و عملية التعلم، نتطرق إلى العلاقة التي تربط التلميذ بمحتوى المادة الدراسية وذلك لما لها من أهمية في نجاح أو فشل العملية التعليمية. إن تطرقنا لهذا الموضوع سيكون في إطار ما يسمى بسهولة أو صعوبة المادة الدراسية و سنحاول أثناء ذلك، توضيح هذه العلاقة انطلاقا من طريقة أو آلية عمل الدماغ البشري.
أثبتت الدراسات العلمية أن للكائن البشري نوعين من الدماغ:
الدماغ البدائي و الدماغ العلوي (أوالقشري)، و لكل من هذين الدماغين علاقة مع العملية التعليمية من حيث النجاح و الفشل. ويقول ميشال دو كوافي Michel de Coeffé حول وظيفة هذين الدماغين:
– الدماغ البدائي: يرسل المعلومات القادمة من الحواس و من الواقع إلى درجة الوعي، و يقوم بتخزينها بعد إتمام تغييرها حسب الغرائز و الواقع المعاش. و هذا النوع من الدماغ يقوم بترغيب الفرد أو تنفيره و ذلك لكي يجد له متعة أو ليجنبه الإزعاج. و من ثم يقوم هذا النوع من الدماغ بإعادة نفس نماذج العمل الذهنية.
– الدماغ العلوي أو القشري: يقوم هذا الدماغ بإصلاح تجاوزات الدماغ البدائي و يحاول أن يبصر العالم بطريقة أفضل و أن يتعامل معه. و ميزة الدماغ العلوي – عند مقارنته بالدماغ البدائي- تكمن في قدرته على الانفتاح و قدرته عن طريق التبادل المستمر أن يكتسب آليات عمل جديدة و أن يطبقها و بالتالي يقوم بتخزينها، إن هذا الدماغ ينمي نفسه بنفسه.
مما سبق ذكره عن وظيفة الدماغ البدائي و الدماغ العلوي، يمكننا القول أن بعض مشكلات الطلبة الدراسية يمكن أن تعود إلى اعتماد بعض المتعلمين في دراستهم على الدماغ البدائي. في الواقع، إن هذا المستوى من الدماغ يقوم بمقارنة محتوى المادة الدراسية و التراكيب الذهنية الموجودة في الذاكرة، إذا كان هناك تطابق بين هذه المعطيات و تلك، يسمح الدماغ البدائي بمرور المعلومة، أما إذا لم يكن هناك تطابق أي في حالة وجود معطيات لا يمكن فهمها بتطبيق النماذج الذهنية المخزَّنة في الذاكرة يقوم هذا النوع من الدماغ برفض هذه المعلومة ووضعها في صورة نحكم عليها بالصعوبة.
إن هذا الإحساس يقف حائلا أمام القيام بأي مجهود لفهم المادة العلمية، الشيء الذي يجعل كل عملية تعليمية مستحيلة. إن نجاح العملية التعليمية تتطلب من التلميذ السيطرة على الدماغ البدائي والاعتماد على المستوى العلوي من الدماغ لأنه هو الذي يمكنه من إثراء نماذجه الذهنية وبالتالي من فهم المادة العلمية.

ما المقصود بعملية التعلم؟

إن عملية التعلم هي عملية إعادة قولبة التصورات الذهنية التي نستطيع من خلالها فهم أو إعطاء معنى للأشياء. فبدون حدوث عملية التغيير هذه، لا يمكن أن نتصور حدوث عملية تعلم. فعملية التعلم إذن تحدث نتيجة عدم قدرة الفرد على فهم المعلومة الجديدة، فيجد نفسه في حالة عدم استقرار إدراكي مما يؤدي به إلى تعديل في محتوى خبراته السابقة حتى يتمكن من استيعاب المعلومات الجديدة.
حول هذه النقطة يقول د. محمد زياد حمدان:
“عندما تعجز القدرات الاستيعابية أو يصعب عليها احتواء المادة أو الخبرة الجديدة، يختل الاستقرار أو الاتزان الفكري في الدماغ، فيبادر بإجراء بعض التعديلات و تنظيم جديد لبنائه الاستيعابي (…) ليصبح حينها قادرا أو مؤهلا لإدراك الخبرة الجديدة واحتوائها”.
و في نفس السياق، يقول سعد خليفة مقرم مستندا على دراسات جان بياجيه :
” إن الفرد يصل إلى المعلومة من خلال عملية التنظيم الذاتي Self Regulation عن طريق الاستيعاب للفكرة الجديدة Assimilation و إجراء مواءمة أو تعديل Accomodation في التركيب المعرفي السابق للفرد Cognitive structure ، ولذلك فإن التلميذ الذي يواجه مشكلة جديدة يصبح في حالة من عدم التوازن الإدراكي و يجد نفسه مضطرا لأن يعمل ما في وسعه ليحل هذه المشكلة ويصل إلى مرحله التوازن المعرفي “.
استنادا إلى هذه المعلومات إذن، يمكن القول أن عملية التعلم لا تعني إضافة معلومات جديدة إلى معلومات معروفة وموجودة داخل الذاكرة وقت حدوث عملية التعلم، بل تعني وجود تفاعل بين مجموعتين من المعطيات، بعضها جديد و البعض الآخر تم استيعابه.
و حول هذه النقطة تقول فيفيان دو لاندشير Viviane DE LANDSHEERE:
” إن خبرات و قدرات التلاميذ لا تزداد بطريقة تراكمية و لكن بإعطاء صورة جديدة لخبراتهم و لتراكيبهم المعرفية”.
و خلاصة القول يمكن لنا أن نقول أن عملية التعلم هي عبارة عن نشاط ذهني و عقلي يقوم به المتعلم لإعطاء معنى للخبرات التي يمر بها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النشاط لا يقتصر على التلميذ فقط، بل يقوم به كل فرد يجد نفسه أمام موقف جديد يستدعي القيام بنشاط ذهني، فمثلا عندما يريد أحدنا استعمال جهاز لأول مرة يقوم بقراءة طريقة التشغيل، ذلك لأن هذه العملية نادرا ما تقع بمحض الصدفة، بل تقع بعد عملية فهم لطريقة التشغيل.
و بتعبير آخر، يمكننا أن نقول أن عملية تشغيل الجهاز جاءت نتيجة تطبيق طريقة معينة اكتسبناها بعد القيام بنشاط ذهني أدى إلى إعطاء صورة جديدة أو لنقل إلى إثراء مضمون الذاكرة. عندما نريد استخدام الجهاز للمرة الثانية أو الثالثة لا نقرأ طريقة الاستعمال بل نقوم باستدعاء النموذج الذهني الذي اكتسبناه و نقوم بتطبيقه.

كيف تحدث عملية الفهم و الاستيعاب؟

عندما يكون التلميذ في موقف تعليمي معين، يقوم بنشاط ذهني يؤدي إلى استيعاب المعلومات و تخزينها. و السؤال الذي يمكن أن نطرحه بشأن ذلك هو: كيف يتمكن المتعلم من أن يستوعب محتوى المادة العلمية؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن لنا أن نستند إلى الدراسات التي قام بها أنطوان دو لا جارندوري Antoine DE LA GARANDERIE زعيم التيار التربوي الذي يعرف باسم ” الإدارة التربوية للعمليات الذهنية ” Pédagogie de la gestion mentale. يهتم هذا الباحث بدراسة طبيعة النشاط الذهني الذي يقوم به التلميذ أثناء العملية التعليمية. إن هذه العملية – حسب رأي أنطوان ترتكز على عنصريين أساسيين هما:
أولا: المشروع و يقصد به أن يكون للتلميذ هدف يرمي الوصول إليه من وراء فهمه للمادة العلمية بل و أن يتصور نفسه -عند حدوث العملية التعليمية – في حالة تطبيق لذلك المشروع.
ثانيا: أثناء عملية التعلم، يقوم التلميذ بتكوين صور ذهنية – سمعية كانت أو بصرية- لما يقوم به المدرس أثناء شرح الدرس.و بتعبير آخر، لكي تتم عملية فهم المادة العلمية، يقوم التلميذ بترجمة المعلومات إلى صور ذهنية. إن عملية الترجمة هذه، تعتبر عملية أساسية لاستيعاب المعلومات واستدعائها من وقت إلى آخر. الشيء الذي يجب الإشارة إليه هو أن ترجمة المعطيات إلى صور ذهنية وبالتالي تخزينها داخل الذاكرة، يتطلب إيجاد علاقة معينة بين المعطيات الجديدة و المعطيات التي تم تخزينها. فبدون إيجاد أي نوع من العلاقة، لا نستطيع أن نترجم مضمون المادة العلمية إلى صور ذهنية و بالتالي لا تتم عملية الاستيعاب.

كيف يتم التفاعل بين المعلومات المستوعبة والمعلومات الجديدة؟

للإجابة على هذا السؤال يمكن لنا أن نقول: إن الذاكرة أنواع، منها الذاكرة البعيدة الأجل والذاكرة القصيرة الأجل ( آنية ) أو ذاكرة العمل.
إن الذاكرة القصيرة الأجل هي الوسط الذي تجري فيه العمليات الذهنية الأولية، أما الذاكرة البعيدة الأجل فهي التي تحتوي المعلومات التي تم إستيعابها و تخزينها على هيئة صور ذهنية.
إذا أردنا أن نفهم موضوعا معينا، فإننا نقوم باستدعاء المعلومات المخزنة أو جلب كل ما نعرفه عن ذلك الموضوع من الذاكرة البعيدة الأجل، حتى نتمكن من فهم المادة التي نريد دراستها. إننا في هذه الحالة نقوم باستدعاء المعلومات التي تم استيعابها في فترة سابقة ووضعها في الذاكرة القصيرة الأجل أو ذاكرة العمل، عندئذ يحدث تفاعل بين هذه المعلومات و تلك التي يراد فهمها. ينتج عن تلك العملية إعطاء صورة جديدة و إثراء للمعلومات التي تم استدعاؤها، ثم ترسل نتيجة هذا النشاط إلى الذاكرة البعيدة الأجل حيث يتم تخزينها على هيئة صور ذهنية.
ربما يتبادر إلى ذهن القارئ تساؤل حول إمكانية تخزين كل المعلومات في الذاكرة القصيرة الأجل، حتى نتمكن من استعمالها مباشرة أي دون الحاجة إلى استدعائها من الذاكرة البعيدة الأجل. في الحقيقة، إن إمكانيات الذاكرة القصيرة الأجل محدودة جدا، حيث أنها لا تستطيع أن تستوعب أكثر من ثمان وحدات (رقم هاتف) لذلك فإنها لا تستطيع أن تحتفظ بعدد هائل من المعلومات. إنها ترسل المعلومة الهامة و التي نحن بحاجة إليها إلى الذاكرة البعيدة الأجل، و تسقط المعلومة التي لسنا بحاجة للاحتفاظ بها.

هل يمكن استدعاء المعلومات من الذاكرة البعيدة الأجل متى و كيف نشاء؟

في الواقع، لا نستطيع أن نعطي جوابا قطعيا على هذا السؤال، فالمعلومات التي تم استيعابها يمكن استدعاؤها ولكن ليس بنفس الطريقة لجميع المتعلمين. إن التلميذ الذي يقوم بمراجعة دروسه بطريقة منظمة و علمية، يجد سهولة عندما يحاول استرجاع أي معلومة سواء لفهم معلومة جديدة أو لإعطاء إجابة.
في هذا الخصوص، يمكن القول أن الدراسات العلمية تؤكد أن ترسيخ المعلومات داخل الذاكرة لا يعتمد على عدد مرات مراجعة المادة العلمية و لكن على طريقة القيام بعملية المراجعة و ذلك حسب التقسيم الزمني. و بتعبير آخر و كما يقولميشال كوافي Michel COEFFE و أوليفيي بريجن Olivier PRIGENT : “يمكن ترسيخ المعلومات بطريقة فعالة إذا قام المتعلم بتنشيط المعلومات متبعا في ذلك نظاما زمنيا معينا:
أ – التنشيط الأول: يكون في الفصل و يقوم به المتعلم قبل مغادرة قاعة الدراسة. و لهذه المرحلة أهمية بالغة لأنه بقدر ما تكون نسبة الاستفادة من شرح الأستاذ مرتفعة بقدر ما تقل نسبة المجهود الذي على المتعلم أن يقوم به في المنزل.
ب – التنشيط الثاني: (يتم مساء اليوم الأول) يجب أن تكون عملية المراجعة الثانية قريبة من الأولى و يمكن الاكتفاء بقراءة المادة العلمية مرة واحدة، و ذلك بالاستعانة بكل ما من شأنه أن يساعد على عملية الفهم. باتباع هذه الطريقة، يمكن للمتعلم أن يحتفظ بالمعلومات الهامة داخل الذاكرة لمدة أسبوع. إذا قام المتعلم بهذه العملية (المراجعة في اليوم التالي) أي بدلا من الأول، يكون قد فقد حوالي 80 % من المعلومات المعطاة داخل الفصل.
ج – التنشيط الثالث: يقوم المتعلم بهذه العملية بعد أسبوع، مثلا في الليلة التي تسبق الدرس الموالي. إن هذه العملية تجعل المعلومات جاهزة لليوم الموالي و مخزنة لمدة شهر.
د – التنشيط الإضافي: إن عملية مراجعة رابعة بعد شهر تبقي المعلومات مخزنة لمدة ستة أشهر.
انطلاقا من هذا المبدأ، يمكن أن نقول أن عدم مراجعة الدروس أولا بأول، يخلق نوعا من الصعوبة عند محاولة استدعاء المعلومات التي تم استيعابها. الشيء الذي يلعب دورا سلبيا في العملية التعليمية. فنجاح العملية التعليمية يتطلب القيام بنشاط ذهني تحدث خلاله عملية تفاعل بين المعلومات الجديدة و المعلومات التي تم استيعابها في فترة سابقة. إن المعلومات التي تم استيعابها و لم يتم مراجعتها تبقى مخزنة في الذاكرة في حالة (خمول) تجعل عملية استدعائها صعبة، الشيء الذي يجعل العملية التعليمية تدور في ظروف غير مناسبة.

لماذا لا يستطيع بعض المتعلمين استرجاع المعلومات؟

إن عملية فهم المادة العلمية من عدمها تجعلنا نتساءل لماذا لا يستطيع بعض الطلبة استرجاع محتوى الدروس على الرغم من قيامهم بنشاط ذهني. إن هذا السؤال يدفعنا إلى الحديث عن نوع آخر من النشاط الذهني الذي يقوم به التلاميذ الذين لا يتحصلون، في أغلب الأحيان، على نتائج مرضية. في الواقع، إن النشاط الذهني الذي يقوم به هؤلاء التلاميذ لا يرمي إلى فهم المعلومات و بالتالي إلى استيعابها و تخزينها في الذاكرة البعيدة الأجل، و لكنه يرمي إلى حفظ المادة العلمية عن ظهر قلب. في هذا الخصوص يمكن لنا أن نتساءل لماذا لا تؤدي عملية حفظ المعلومات التي حفظت عن ظهر قلب إلى استيعابها و بالتالي إلى إنجاح العملية التعليمية.
للإجابة عن هذا السؤال يمكن أن نقول أن في الذاكرة بعيدة الأجل يوجد وسطين هما:
  • الوسط اللفظي و فيه تخزن المعلومات التي حفظت عن ظهر قلب و التي لم يتم ترجمتها إلى صور ذهنية.
  • الوسط الدلالي و فيه تخزن المادة العلمية التي تم استيعابها و ترميزها على هيئة صور ذهنية.
عندما يقوم التلميذ بحفظ المادة الدراسية عن ظهر قلب، أي دون إيجاد أي علاقة بين المعلومات التي تم استيعابها في فترة سابقة و المعلومات التي هو بصدد دراستها، تخزن المعلومات في الوسط اللفظي. إن طبيعة النشاط الذهني الذي يقوم به المتعلم في هذه الحالة لا يمكِّن، في أغلب الأحيان، التلميذ من استرجاع المعلومات و الاستفادة منها في فترة متقدمة من التعليم.
يمكن القول إذن، أن التلميذ الذي يعتمد فقط في دراسته على عملية الحفظ عن ظهر قلب، يجد نفسه غير قادر على استيعاب محتوى الدروس. وهذا يبين لنا أسباب فشل التلاميذ الذين يقضون ساعات طويلة في المذاكرة دون الحصول على نتائج مرضية. و على العكس من ذلك، إذا كان النشاط الذهني الذي يقوم به المتعلم يرمي إلى فهم المادة العلمية، يتوصل التلميذ إلى تكوين صور ذهنية يمكن تخزينها في الوسط الدلالي.
إن الاعتماد على هذه الطريقة في التعلم، هي التي تعطي أفضل النتائج شريطة أن يقوم التلميذ بمراجعة ما تعلمه بطريقة علمية. إن عملية المراجعة هذه، تجعل المعلومات في حالة يسهل استدعاؤها و وضعها في الذاكرة القريبة الأجل حتى يتم توظيفها لفهم المادة اللاحقة.

الخاتمة

لعلنا من خلال هذا الجهد المتواضع نكون قد قدمنا بعض المعلومات التي من شأنها أن تساعد المتعلمين على فهم بعض أسباب مشاكلهم الدراسية، و بالتالي التغلب عليها لبلوغ الأهداف المنشودة من وراء عملية التعلم. فنجاح العملية التعليمية يتطلب منا فهم آلية التعلم حتى نستطيع أن نجعل آلية عملية التعليم مناسبة لآلية عملية التعلم. و ذلك لا يتأتى إلا بوضع جميع إمكانياتنا في خدمة العملية التعليمية فهذا هو السبيل الوحيد لإنجاحها.